٨٤

قوله تعالى: {أفغير دين اللّه يبغون} قال الكلبي: إن كعب بن الأشرف وأصحابه اختصموا مع النصارى إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقالوا: أينا أحق بدين إبراهيم؟ فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: (كلا الفريقين بريء من دينه). فقالوا: ما نرضى بقضائك ولا نأخذ بدينك؛ فنزل {أفغير دين اللّه يبغون} يعني يطلبون. ونصبت {غير} بيبغون، أي يبغون غير دين اللّه.

وقرأ أبو عمرو وحده {يبغون} بالياء على الخبر {وإليه ترجعون} بالتاء على المخاطبة. قال: لأن الأول خاص والثاني عام ففرق بينهما لافتراقهما في المعنى.

وقرأ حفص وغيره {يبغون، ويرجعون} بالياء فيهما؛ لقوله: {فأولئك هم الفاسقون}.

وقرأ الباقون بالتاء فيهما على الخطاب؛ لقوله {لما آتيتكم من كتاب وحكمة}. واللّه أعلم.

قوله تعالى: {وله أسلم} أي استسلم وانقاد وخضع وذل، وكل مخلوق فهو منقاد مستسلم؛ لأنه مجبول عل ما لا يقدر أن يخرج عنه. قال قتادة: أسلم المؤمن طوعا والكافر عند موته كرها ولا ينفعه ذلك؛ لقوله: {فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا} [المؤمن: ٨٥]. قال مجاهد: إسلام الكافر كرها بسجوده لغير اللّه وسجود ظله للّه، {أو لم يروا إلى ما خلق اللّه من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا للّه وهم داخرون} [النحل: ٤٨] {وللّه يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال} [الرعد: ١٥]. وقيل: المعنى أن اللّه خلق الخلق على ما أراد منهم؛ فمنهم الحسن والقبيح والطويل والقصير والصحيح والمريض وكلهم منقادون اضطرارا، فالصحيح منقاد طائع محب لذلك؛ والمريض منقاد خاضع وإن كان كارها. والطوع الانقياد والارتباع [الاتباع] بسهولة. والكره ما كان بمشقة وإباء من النفس.

و{طوعا وكرها} مصدران في موضع الحال، أي طائعين ومكرهين.

وروى أنس بن مالك قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في قوله عز وجل: {وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها} قال:

(الملائكة أطاعوه في السماء والأنصار وعبدالقيس في الأرض). وقال عليه السلام:

(لا تسبوا أصحابي فإن أصحابي أسلموا من خوف اللّه وأسلم الناس من خوف السيف).

وقال عكرمة: {طوعا} من أسلم من غير محاجة {وكرها} من اضطرته الحجة إلى التوحيد. يدل عليه قوله عز وجل: {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن اللّه} [الزخرف: ٨٧] {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن اللّه} [العنكبوت: ٦٣]. قال الحسن: هو عموم معناه الخصوص.

وعنه: {أسلم من في السماوات} وتم الكلام.

ثم قال: {والأرض طوعا وكرها}. قال: والكاره المنافق لا ينفعه عمله.

و{طوعا وكرها} مصدران في موضع الحال. عن مجاهد عن ابن عباس قال: إذا استصعبت دابة أحدكم أو كانت شموسا فليقرأ في أذنها هذه الآية: {أفغير دين اللّه يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها} إلى آخر الآية.

﴿ ٨٤