٨٣

قوله تعالى: {وإذا جاءهم أمر من الأمن} في {إذا} معنى الشرط ولا يجازى بها وإن زيدت عليها {ما} وهي قليلة الاستعمال. قال سيبويه. والجيد ما قال كعب بن زهير:

وإذا ما تشاء تبعث منها  مغرب الشمس ناشطا مذعورا

يعني أن الجيد لا يجزم بإذا ما كما لم يجزم في هذا البيت، وقد تقدم في أول {البقرة}. والمعنى أنهم إذا سمعوا شيئا من الأمور فيه أمن نحو ظفر المسلمين وقتل عدوهم

{أو الخوف} وهو ضد هذا {أذاعوا به} أي أفشوه وأظهروه وتحدثوا به قبل أن يقفوا على حقيقته. فقيل: كان هذا من ضعفة المسلمين؛ عن الحسن؛ لأنهم كانوا يفشون أمر النبي صلى اللّه عليه وسلم ويظنون أنهم لا شيء عليهم في ذلك. وقال الضحاك وابن زيد: هو في المنافقين فنهوا عن ذلك لما يلحقهم من الكذب في الإرجاف.

قوله تعالى: {ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم} أي لم يحدثوا به ولم يفشوه حتى يكون النبي صلى اللّه عليه وسلم هو الذي يحدث به ويفشيه. أو أولو الأمر وهم أهل العلم والفقه؛ عن الحسن وقتادة وغيرهما. السدي وابن زيد: الولاة.

وقيل: أمراء السرايا. {لعلمه الذين يستنبطونه منهم} أي يستخرجونه، أي لعلموا ما ينبغي أن يفشى منه وما ينبغي أن يكتم. والاستنباط مأخوذ من استنبطت الماء إذا استخرجته. والنبط: الماء المستنبط أول ما يخرج من ماء البئر أول ما تحفر. وسمي النبط نبطا لأنهم يستخرجون ما في الأرض. والاستنباط في اللغة الاستخراج، وهو يدل على الاجتهاد إذا عدم النص والإجماع كما تقدم.

قوله تعالى: {ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته} رفع بالابتداء عند سيبويه، ولا يجوز أن يظهر الخبر عنده. والكوفيون يقولون: رفع بلولا.

{لاتبعتم الشيطان إلا قليلا} في هذه الآية ثلاثة أقوال؛ قال ابن عباس وغيره: المعنى أذاعوا به إلا قليلا منهم لم يذع ولم يفش. وقاله جماعة من النحويين: الكسائي والأخفش وأبو عبيد وأبو حاتم والطبري.

وقيل: المعنى لعلمه الذين يستنبطونه منهم إلا قليلا منهم؛ عن الحسن وغيره، واختاره الزجاج قال: لأن هذا الاستنباط الأكثر يعرفه؛ لأنه استعلام خبر.

واختار الأول الفراء قال: لأن علم السرايا إذا ظهر علمه المستنبط وغيره، والإذاعة تكون في مضى دون بعض. قال الكلبي عنه: فلذلك استحسنت الاستثناء من الإذاعة. قال النحاس: فهذان قولان على المجاز، يريد أن في الكلام تقديما وتأخيرا. وقول ثالث بغير مجاز: يكون المعنى ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته بأن بعث فيكم رسولا أقام فيكم الحجة لكفرتم وأشركتم إلا قليلا منكم فإنه كان يوحد. وفيه قول رابع - قال الضحاك: المعنى لاتبعتم الشيطان إلا قليلا، أي إن أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم حدثوا أنفسهم بأمر من الشيطان إلا قليلا، يعني الذين امتحن اللّه قلوبهم للتقوى. وعلى هذا القول يكون قوله

{إلا قليلا} مستثنى من قوله {لاتبعتم الشيطان}. قال المهدوي: وأنكر هذا القول أكثر العلماء، إذ لولا فضل اللّه ورحمته لاتبع الناس كلهم الشيطان.

﴿ ٨٣