٨٦ قوله تعالى: {وإذا حييتم بتحية} التحية تفعلة من حييت؛ الأصل تحيية مثل ترضية وتسمية، فأدغموا الياء في الياء. والتحية السلام. وأصل التحية الدعاء بالحياة. والتحيات للّه، أي السلام من الآفات. وقيل: الملك. قال عبداللّه بن صالح العجلي: سألت الكسائي عن قوله {التحيات للّه} ما معناه ؟ فقال: التحيات مثل البركات؛ ف قلت: ما معنى البركات ؟ فقال: ما سمعت فيها شيئا. وسألت عنها محمد بن الحسن فقال: هو شيء تعبداللّه به عباده. فقدمت الكوفة فلقيت عبداللّه بن إدريس ف قلت: إني سألت الكسائي ومحمدا عن قول {التحيات للّه} فأجاباني بكذا وكذا؛ فقال عبداللّه بن إدريس: إنهما لا علم لهما بالشعر وبهذه الأشياء ؟ ! التحية الملك؛ وأنشد: أؤم بها أبا قابوس حتى وأنيخ على تحية بجندي وأنشد ابن خويز منداد: أسير به إلى النعمان حتى أنيخ على تحيته بجندي يريد على ملكه. وقال آخر: ولكل ما نال الفتى قد نلته إلا التحية وقال القتبي: إنما قال {التحيات للّه} على الجمع؛ لأنه كان في الأرض ملوك يحيون بتحيات مختلفات؛ فيقال لبعضهم: أبيت اللعن، ولبعضهم: اسلم وانعم، ولبعضهم: عش ألف سنة. فقيل لنا: قولوا التحيات للّه؛ أي الألفاظ التي تدل على الملك، ويكنى بها عنه للّه تعالى. ووجه النظم بما قبل أنه قال: إذا خرجتم للجهاد كما سبق به الأمر فحييتم في سفركم بتحية الإسلام، فلا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا، بل ردوا جواب السلام؛ فإن أحكام الإسلام تجري عليهم. واختلف العلماء في معنى الآية وتأويلها؛ فروى ابن وهب وابن القاسم عن مالك أن هذه الآية في تشميت العاطس والرد على المشمت. وهذا ضعيف؛ إذ ليس في الكلام دلالة على ذلك، أما الرد على المشمت فمما يدخل بالقياس في معنى رد التحية، وهذا هو منحى مالك إن صح ذلك عنه. واللّه أعلم. وقال ابن خويز منداد: وقد يجوز أن تحمل هذه الآية على الهبة إذا كانت للثواب؛ فمن وهب له هبة على الثواب فهو بالخيار إن شاء ردها وإن شاء قبلها وأثاب عليها قيمتها. قلت: ونحو هذا قال أصحاب أبي حنيفة، قالوا: التحية هنا الهدية؛ لقوله تعالى: {أو ردوها} ولا يمكن رد الإسلام بعينه. وظاهر الكلام يقتضي أداء التحية بعينها وهي الهدية، فأمر بالتعويض إن قبل أو الرد بعينه، وهذا لا يمكن في السلام. وسيأتي بيان حكم الهبة للثواب والهدية في سورة {الروم} عند قوله: {وما آتيتم من ربا} [الروم: ٣٩] إن شاء اللّه تعالى. والصحيح أن التحية ههنا السلام؛ لقوله تعالى: {وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به اللّه} [المجادلة: ٨]. وقال النابغة الذبياني: تحييهم بيض الولائد بينهم وأكسية الإضريج فوق المشاجب أراد: ومسلم عليهم. وعلى هذا جماعة المفسرين. وإذا ثبت هذا وتقرر ففقه الآية أن يقال: أجمع العلماء على أن الابتداء بالسلام سنة مرغب فيها، ورده فريضة؛ لقوله تعالى: {فحيوا بأحسن منها أو ردوها}. واختلفوا إذا رد واحد من جماعة هل يجزئ أو لا؛ فذهب مالك والشافعي إلى الإجزاء، وأن المسلم قد رد عليه مثل قوله. وذهب الكوفيون إلى أن رد السلام من الفروض المتعينة؛ قالوا: والسلام خلاف الرد؛ لأن الابتداء به تطوع ورده فريضة. ولو رد غير المسلم عليهم لم يسقط ذلك عنهم فرض الرد، فدل على أن رد السلام يلزم كل إنسان بعينه؛ حتى قال قتادة والحسن: إن المصلي يرد السلام كلاما إذا سلم عليه ولا يقطع ذلك عليه صلاته؛ لأنه فعل ما أمر به. والناس على خلافه. احتج الأولون بما رواه أبو داود عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (يجزئ من الجماعة إذا مروا أن يسلم أحدهم، ويجزئ عن الجلوس أن يرد أحدهم ). وهذا نص في موضع الخلاف. قال أبو عمر: وهو حديث حسن لا معارض له، وفي إسناده سعيد بن خالد، وهو سعيد بن خالد الخزاعي مدني ليس به بأس عند بعضهم؛ وقد ضعفه بعضهم منهم أبو زرعة وأبو حاتم ويعقوب بن شيبة وجعلوا حديثه هذا منكرا؛ لأنه انفرد فيه بهذا الإسناد؛ على أن عبداللّه بن الفضل لم يسمع من عبيداللّه بن أبي رافع؛ بينهما الأعرج في غير ما حديث. واللّه أعلم. واحتجوا أيضا بقوله عليه السلام: (يسلم القليل على الكثير). ولما أجمعوا على أن الواحد يسلم على الجماعة ولا يحتاج إلى تكريره على عداد الجماعة، كذلك يرد الواحد عن الجماعة وينوب عن الباقين كفروض الكفاية. وروى مالك عن زيد بن أسلم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (يسلم الراكب على الماشي وإذا سلم واحد من القوم أجزأ عنهم ). قال علماؤنا: وهذا يدل على أن الواحد يكفي في الرد؛ لأنه لا يقال أجزأ عنهم إلا فيما قد وجب. واللّه أعلم. قلت: هكذا تأول علماؤنا هذا الحديث وجعلوه حجة في جواز رد الواحد؛ وفيه قلق. قوله تعالى: {فحيوا بأحسن منها أو ردوها} رد الأحسن أن يزيد فيقول: عليك السلام ورحمة اللّه؛ لمن قال: سلام عليك. فإن قال: سلام عليك ورحمة اللّه؛ زدت في ردك: وبركاته. وهذا هو النهاية فلا مزيد. قال اللّه تعالى مخبرا عن البيت الكريم {رحمة اللّه وبركاته} [هود: ٧٣] على ما يأتي بيانه إن شاء اللّه تعالى. فإن انتهى بالسلام غايته، زدت في ردك الواو في أول كلامك ف قلت: وعليك السلام ورحمة اللّه وبركاته. والرد بالمثل أن تقول لمن قال السلام عليك: عليك السلام، إلا أنه ينبغي أن يكون السلام كله بلفظ الجماعة، وإن كان المسلم عليه واحدا. روى الأعمش عن إبراهيم النخعي قال: إذا سلمت على الواحد فقل: السلام عليكم، فإن معه الملائكة. وكذلك الجواب يكون بلفظ الجمع؛ قال ابن أبي زيد: يقول المسلم السلام عليكم، ويقول الراد وعليكم السلام، أو يقول السلام عليكم كما قيل له؛ وهو معنى قوله {أو ردوها} ولا تقل في ردك: سلام عليك. والاختيار في التسليم والأدب فيه تقديم اسم اللّه تعالى على اسم المخلوق؛ قال اللّه تعالى: {سلام على إل ياسين} [الصافات: ١٣٠]. وقال في قصة إبراهيم عليه السلام: {رحمة اللّه وبركاته عليكم أهل البيت} [هود: ٧٣]. وقال مخبرا عن إبراهيم: {سلام عليك} [مريم: ٤٧]. وفي صحيحي البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (خلق اللّه عز وجل آدم على صورته طول ستون ذراعا فلما خلقه قال اذهب فسلم على أولئك النفر وهم نفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك - قال - فذهب فقال السلام عليكم فقالوا السلام عليك ورحمة اللّه - قال - فزادوه ورحمة اللّه - قال - فكل من يدخل الجنة على صورة آدم وطوله ستون ذراعا فلم يزل الخلق ينقص بعده حتى الآن ). قلت: فقد جمع هذا الحديث مع صحته فوائد سبعا: الأولى: الإخبار عن صفة خلق آدم. الثانية: أنا ندخل الجنة عليها بفضله. الثالثة: تسليم القليل على الكثير. الرابعة: تقديم اسم اللّه تعالى. الخامسة: الرد بالمثل لقولهم: السلام عليكم. السادسة: الزيادة في الرد. السابعة: إجابة الجميع بالرد كما يقول الكوفيون. واللّه أعلم. فإن رد فقدم اسم المسلم عليه لم يأت محرما ولا مكروها؛ لثبوته عن النبي صلى اللّه عليه وسلم حيث قال للرجل الذي لم يحسن الصلاة وقد سلم عليه: (وعليك السلام أرجع فصل فإنك لم تصل ). وقالت عائشة: وعليه السلام ورحمة اللّه؛ حين أخبرها النبي صلى اللّه عليه وسلم أن جبريل يقرأ عليها السلام. أخرجه البخاري. وفي حديث عائشة من الفقه أن الرجل إذا أرسل إلى رجل بسلامه فعليه أن يرد. كما يرد عليه إذا شافهه. وجاء رجل إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: إن أبي يقرئك السلام؛ فقال: (عليك وعلى أبيك السلام ). وقد روى النسائي وأبو داود من حديث جابر بن سليم قال: لقيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ف قلت: عليك السلام يا رسول اللّه؛ فقال: (لا تقل عليك السلام فإن عليك السلام تحية الميت ولكن قل السلام عليك). وهذا الحديث لا يثبت؛ إلا أنه لما جرت عادة العرب بتقديم اسم المدعو عليه في الشر كقولهم: عليه لعنة اللّه وغضب اللّه. قال اللّه تعالى: {وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين}. [ص: ٧٨]. وكان ذلك أيضا دأب الشعراء وعادتهم في تحية الموتى؛ كقولهم: عليك سلام اللّه قيس بن عاصم ورحمته ما شاء أن يترحما وقال آخر وهو الشماخ: عليك سلام من أمير وباركت يد اللّه في ذاك الأديم الممزق نهاه عن ذلك، لا أن ذاك هو اللفظ المشروع في حق الموتى؛ لأنه عليه السلام ثبت عنه أنه سلم على الموتى كما سلم على الأحياء فقال: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء اللّه بكم لاحقون ). فقالت عائشة: قلت يا رسول اللّه، كيف أقول إذا دخلت المقابر ؟ قال: (قولي السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين ) الحديث؛ وسيأتي في سورة {ألهاكم} [التكاثر] إن شاء اللّه تعالى. قلت: وقد يحتمل أن يكون حديث عائشة وغيره في السلام على أهل القبور جميعهم إذا دخلها وأشرف عليها، وحديث جابر بن سليم خاص بالسلام على المرور المقصود بالزيارة. واللّه أعلم. من السنة تسليم الراكب على الماشي، والقائم على القاعد، والقليل على الكثير؛ هكذا جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة. قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (يسلم الراكب ) فذكره فبدأ بالراكب لعلو مرتبته؛ ولأن ذلك أبعد له من الزهو، وكذلك قيل في الماشي مثله. وقيل: لما كان القاعد على حال وقار وثبوت وسكون فله مزية بذلك على الماشي؛ لأن حاله على العكس من ذلك. وأما تسليم القليل على الكثير فمراعاة لشرفية جمع المسلمين وأكثريتهم. وقد زاد البخاري في هذا الحديث (ويسلم الصغير على الكبير ). وأما تسليم الكبير على الصغير فروى أشعث عن الحسن أنه كان لا يرى التسليم على الصبيان؛ قال: لأن الرد فرض والصبي لا يلزمه الرد فلا ينبغي أن يسلم عليهم. وروي عن ابن سيرين أنه كان يسلم على الصبيان ولكن لا يسمعهم. وقال أكثر العلماء: التسليم عليهم أفضل من تركه. وقد جاء في الصحيحين عن سيار قال: كنت أمشي مع ثابت فمر بصبيان فسلم عليهم، وذكر أنه كان يمشي مع أنس فمر بصبيان فسلم عليهم، وحدث أنه كان يمشي مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فمر بصبيان فسلم عليهم. لفظ مسلم. وهذا من خلقه العظيم صلى اللّه عليه وسلم، وفيه تدريب للصغير وحض على تعليم السنن ورياضة لهم على آداب الشريعة فيه؛ فلتقتد. وأما التسليم على النساء فجائز إلا على الشابات منهن خوف الفتنة من مكالمتهن بنزعة شيطان أو خائنة عن. وأما المتجالات والعجز فحسن للأمن فيما ذكرناه؛ هذا قول عطاء وقتادة، وإليه ذهب مالك وطائفة من العلماء. ومنعه الكوفيون إذا لم يكن منهن ذوات محرم وقالوا: لما سقط عن النساء الأذان والإقامة والجهر بالقراءة في الصلاة سقط عنهن رد السلام فلا يسلم عليهن. والصحيح الأول لما خرجه البخاري عن سهل بن سعد قال: كنا نفرح بيوم الجمعة. قلت ولم ؟ قال: كانت لنا عجوز ترسل إلى بضاعة - قال ابن مسلمة: نخل بالمدينة - فتأخذ من أصول السلق فتطرحه في القدر وتكركر حبات من شعير، فإذا صلينا الجمعة انصرفنا فنسلم عليها فتقدمه إلينا فنفرح من أجله: وما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة. تكركر أي تطحن؛ قاله القتبي. والسنة في السلام والجواب الجهر؛ ولا تكفي الإشارة بالإصبع والكف عند الشافعي، وعندنا تكفي إذا كان على بعد؛ روى ابن وهب عن ابن مسعود قال: السلام اسم من أسماء اللّه عز وجل وضعه اللّه في الأرض فأفشوه بينكم؛ فإن الرجل إذا سلم على القوم فردوا عليه كان له عليهم فضل درجة لأنه ذكرهم، فإن لم يردوا عليه رد عليه من هو خير منهم وأطيب. وروى الأعمش عن عمرو بن مرة عن عبداللّه بن الحارث قال: إذا سلم الرجل على القوم كان له فضل درجة، فإن لم يردوا عليه ردت عليه الملائكة ولعنتهم. فإذا رد المسلم عليه أسمع جوابه؛ لأنه إذا لم يسمع المسلم لم يكن جوابا له؛ ألا ترى أن المسلم إذا سلم بسلام لم يسمعه المسلم عليه لم يكن ذلك منه سلاما، فكذلك إذا أجاب بجواب لم يسمع منه فليس بجواب. وروي أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (إذا سلمتم فأسمعوا وإذا رددتم فأسمعوا وإذا قعدتم فأقعدوا بالأمانة ولا يرفعن بعضكم حديث بعض ). قال ابن وهب: وأخبرني أسامة بن زيد عن نافع قال: كنت أساير رجلا من فقهاء الشام يقال له عبداللّه بن زكريا فحبستني دابتي تبول، ثم أدركته ولم أسلم عليه؛ فقال: ألا تسلم ؟ ف قلت: إنما كنت معك آنفا؛ فقال: وإن صح؛ لقد كان أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يتسايرون فيفرق بينهم الشجر فإذا التقوا سلم بعضهم على بعض. وأما الكافر فحكم الرد عليه أن يقال له: وعليكم. قال ابن عباس وغيره: المراد بالآية: {وإذا حييتم بتحية} فإذا كانت من مؤمن {فحيوا بأحسن منها} وإن كانت من كافر فردوا على ما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يقال لهم: (وعليكم ). وقال عطاء: الآية في المؤمنين خاصة، ومن سلم من غيرهم قيل له: عليك؛ كما جاء في الحديث. قلت: فقد جاء إثبات الواو وإسقاطها في صحيح مسلم (عليك ) بغير واو وهي الرواية الواضحة المعنى، وأما مع إثبات الواو ففيها إشكال؛ لأن الواو العاطفة تقتضي التشريك فيلزم منه أن يدخل معهم فيما دعوا به علينا من الموت أو من سامة ديننا؛ فاختلف المتأولون لذلك على أقوال: أولاها أن يقال: إن الواو على بابها من العطف، غير أنا نجاب عليهم ولا يجابون علينا، كما قال صلى اللّه عليه وسلم. وقيل: هي زائدة. وقيل: للاستئناف. والأولى أولى. ورواية حذف الواو أحسن معنى وإثباتها أصح رواية وأشهر، وعليها من العلماء الأكثر. واختلف في رد السلام على أهل الذمة هل هو واجب كالرد على المسلمين؛ وإليه ذهب ابن عباس والشعبي وقتادة تمسكا بعموم الآية وبالأمر بالرد عليهم في صحيح السنة. وذهب مالك فيما روى عنه أشهب وابن وهب إلى أن ذلك ليس بواجب؛ فإن رددت فقل: عليك. واختار ابن طاوس أن يقول في الرد عليهم: علاك السلام. أي ارتفع عنك. واختار بعض علمائنا السلام (بكسر السين ) يعني به الحجارة. وقول مالك وغيره في ذلك كاف شاف كما جاء في الحديث، وسيأتي في سورة {مريم} القول في ابتدائهم بالسلام عند قوله تعالى إخبارا عن إبراهيم في قوله لأبيه {سلام عليك} [مريم: ٤٧]. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤدوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم ). وهذا يقتضي إفشاءه بين المسلمين دون المشركين. واللّه أعلم. ولا يسلم على المصلي فإن سلم عليه فهو بالخيار إن شاء رد بالإشارة بإصبعه وإن شاء أمسك حتى يفرغ من الصلاة ثم يرد. ولا ينبغي أن يسلم على من يقضي حاجته فإن فعل لم يلزمه أن يرد عليه. دخل رجل على النبي صلى اللّه عليه وسلم في مثل هذه الحال فقال له: (إذا وجدتني أو رأيتني على هذه الحل فلا تسلم علي فإنك إن سلمت علي لم أرد عليك ). ولا يسلم على من يقرأ القرآن فيقطع عليه قراءته، وهو بالخيار إن شاء رد وإن شاء أمسك حتى يفرغ ثم يرد، ولا يسلم على من دخل الحمام وهو كاشف العورة، أو كان مشغولا بما له دخل بالحمام، ومن كان بخلاف ذلك سلم عليه. قوله تعالى: {إن اللّه كان على كل شيء حسيبا} معناه حفيظا. وقيل: كافيا؛ من قولهم: أحسبني كذا أي كفاني، ومثله حسبك اللّه. وقال قتادة: محاسبا كما يقال: أكيل بمعنى مواكل. وقيل: هو فعيل من الحساب، وحسنت هذه الصفة هنا؛ لأن معنى الآية في أن يزيد الإنسان أو ينقص أو يوفي قدر ما يجيء به. روى النسائي عن عمران بن حصين قال: كنا عند النبي صلى اللّه عليه وسلم فجاء رجل فسلم، فقال: السلام عليكم فرد عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقال: (عشر ) ثم جلس، ثم جاء آخر فسلم فقال: السلام عليكم ورحمة اللّه؛ فرد عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقال: (عشرون ) ثم جلس وجاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته؛ فرد عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقال: (ثلاثون ). وقد جاء هذا الخبر مفسرا وهو أن من قال لأخيه المسلم: سلام عليكم كتب له عشر حسنات، فإن قال: السلام عليكم ورحمة اللّه كتب له عشرون حسنة. فإن قال: السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته كتب له ثلاثون حسنة، وكذلك لمن رد من الأجر. واللّه أعلم. |
﴿ ٨٦ ﴾