١٠٤ قوله تعالى: {قضيتم} معناه فرغتم من صلاه الخوف وهذا يدل على أن القضاء يستعمل فيما قد فعل قي وقته؛ ومنه قوله تعالى: {فإذا قضيتم مناسككم} [البقرة: ٢٠٠] وقد تقدم. الثانية: قوله تعالى: {فاذكروا اللّه قياما وقعودا وعلى جنوبكم} ذهب الجمهور إلى أن هذا الذكر المأمور به. إنما هو إثر صلاة الخوف؛ أي إذا فرغتم من الصلاة فاذكروا اللّه بالقلب واللسان، على أي حال كنتم {قياما وقعودا وعلى جنوبكم} وأديموا ذكره بالتكبير والتهليل والدعاء بالنصر لا سيما في حال القتال. ونظيره {إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا اللّه كثيرا لعلكم تفلحون} [الأنفال: ٤٥]. ويقال: {فإذا قضيتم الصلاة} بمعنى إذا صليتم في دار الحرب فصلوا على الدواب، أو قياما أو قعودا أو على جنوبكم إن لم تستطيعوا القيام، إذا كان خوفا أو مرضا؛ كما قال تعالى في آية أخرى: {فإن خفتم فرجالا أو ركبانا} [البقرة: ٢٣٩] وقال قوم: هذه الآية نظيرة التي في {آل عمران} ؛ فروي أن عبداللّه بن مسعود رأى الناس يضجون في المسجد فقال: ما هذه الضجة ؟ قالوا: أليس اللّه تعالى يقول {فاذكروا اللّه قياما وقعودا وعلى جنوبكم} ؟ قال: إنما يعني بهذا الصلاة المكتوبة إن لم تستطع قائما فقاعدا، وإن لم تستطع فصل على جنبك. فالمراد نفس الصلاة؛ لأن الصلاة ذكر اللّه تعالى، وقد اشتملت على الأذكار المفروضة والمسنونة؛ والقول الأول أظهر. واللّه أعلم. قوله تعالى: {فإذا اطمأننتم} أي أمنتم. والطمأنينة سكون النفس من الخوف. {فأقيموا الصلاة} أي فأتوها بأركانها وبكمال هيئتها في السفر، وبكمال عددها في الحضر. {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} أي مؤقتة مفروضة. وقال زيد بن أسلم: {موقوتا} منجما، أي تؤدونها في أنجمها؛ والمعنى عند أهل اللغة: مفروض لوقت بعينه؛ يقال: وقته فهو موقوت. ووقته فهو مؤقت. وهذا قول زيد بن أسلم بعينه. وقال: {كتابا} والمصدر مذكر؛ فلهذا قال: {موقوتا}. قوله تعالى: {ولا تهنوا} أي لا تضعفوا، وقد تقدم في {آل عمران}. {في ابتغاء القوم} طلبهم. قيل: نزلت في حرب أحد حيث أمر النبي صلى اللّه عليه وسلم بالخروج في آثار المشركين، وكان بالمسلمين جراحات، وكان أمر ألا يخرج معه إلا من كان في الوقعة، كما تقدم في {آل عمران} وقيل: هذا في كل جهاد. قوله تعالى: {إن تكونوا تألمون} أي تتألمون مما أصابكم من الجراح فهم يتألمون أيضا مما يصيبهم، ولكم مزية وهي أنكم ترجون ثواب اللّه وهم لا يرجونه؛ وذلك أن من لا يؤمن باللّه. لا يرجون من اللّه شيئا. ونظير هذه الآية {إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله} [آل عمران: ١٤٠] وقد تقدم. وقرأ عبدالرحمن الأعرج {أن تكونوا} بفتح الهمزة، أي لأن وقرأ منصور بن المعتمر {إن تكونوا تألمون} بكسر التاء. ولا يجوز عند البصريين كسر التاء لثقل الكسر فيها. ثم قيل: الرجاء هنا بمعنى الخوف؛ لأن من رجا شيئا فهو غير قاطع بحصوله فلا يخلو من خوف فوت ما يرجو. وقال الفراء والزجاج: لا يطلق الرجاء بمعنى الخوف إلا مع النفي؛ كقوله تعالى: {ما لكم لا ترجون للّه وقارا} [نوح: ١٣] أي لا تخافون للّه عظمة. وقوله تعالى: {للذين لا يرجون أيام اللّه} [الجاثية: ١٤] أي لا يخافون. قال القشيري: ولا يبعد ذكر الخوف من غير أن يكون في الكلام نفي، ولكنها ادعيا أنه لم يوجد ذلك إلا مع النفي. واللّه أعلم. |
﴿ ١٠٤ ﴾