٥٣

قوله تعالى: {وما أبرئ نفسي} قيل: هو من قول المرأة. وقال القشيري: فالظاهر أن قوله:

{ذلك ليعلم} وقوله: {وما أبرئ نفسي} من قول يوسف.

قلت: إذا احتمل أن يكون من قول المرأة فالقول به أولى حتى نبرئ يوسف من حل الإزار والسراويل؛ وإذا قدرناه من قول يوسف فيكون مما خطر بقلبه، على ما قدمناه من القول المختار في قوله: {وهم بها}.

قال أبو بكر الأنباري: من الناس من يقول:

{ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب} إلى قوله: {إن ربي غفور رحيم} من كلام امرأة العزيز؛ لأنه متصل بقولها: {أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين} [يوسف: ٥١] وهذا مذهب الذين ينفون الهم عن يوسف عليه السلام؛ فمن بنى على قولهم قال: من قوله: {قالت امرأة العزيز} [يوسف: ٥١] إلى قوله:

{إن ربي غفور رحيم} كلام متصل بعضه ببعض، ولا يكون فيه وقف تام على حقيقة؛ ولسنا نختار هذا القول ولا نذهب إليه.

وقال الحسن: لما قال يوسف {ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب} كره نبي اللّه أن يكون قد زكى نفسه فقال: {وما أبرئ نفسي} لأن تزكية النفس مذمومة؛ قال اللّه تعالى: {فلا تزكوا أنفسكم} [النجم: ٣٢] وقد بيناه في {النساء}.

وقيل: هو من قول العزيز؛ أي وما أبرئ نفسي من سوء الظن بيوسف. {إن النفس لأمارة بالسوء} أي مشتهية له.

{إلا ما رحم ربي} في موضع نصب بالاستثناء؛ و{ما} بمعنى من؛ أي إلا من رحم ربي فعصمه؛ و{ما} بمعنى من كثير؛ قال اللّه تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء} [النساء: ٣] وهو استثناء منقطع، لأنه استثناء المرحوم بالعصمة من النفس الأمارة بالسوء؛ وفي الخبر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال:

(ما تقولون في صاحب لكم إن أنتم أكرمتموه وأطعمتموه وكسوتموه أفضى بكم إلى شر غاية وإن أهنتموه وأعريتموه وأجعتموه أفضى بكم إلى خير غاية) قالوا: يا رسول اللّه! هذا شر صاحب في الأرض. فال: (فوالذي نفسي بيده إنها لنفوسكم التي بين جنوبكم).

﴿ ٥٣