٣٥

قوله تعالى: {ولوطا إذ قال لقومه} قال الكسائي: المعنى وأنجينا لوطا أو أرسلنا لوطا قال: وهذا الوجه أحب إلي ويجوز أن يكون المعنى واذكر لوطا إذ قال لقومه موبخا أو محذرا

{أئنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين} تقدم القراءة فيها. {وتقطعون السبيل} قيل: كانوا قطاع الطريق؛ قال ابن زيد

وقيل: كانوا يأخذون الناس من الطرق لقضاء الفاحشة؛ حكاه ابن شجرة

وقيل: إنه قطع النسل بالعدول عن النساء إلى الرجال قال وهب بن منبه أي استغنوا بالرجال عن النساء.

قلت: ولعل الجميع كان فيهم فكانوا يقطعون الطريق لأخذ الأموال والفاحشة ويستغنون عن النساء بذلك.

قوله تعالى: {وتأتون في ناديكم المنكر} النادي المجلس واختلف في المنكر الذي كانوا يأتونه فيه؛ فقالت فرقة: كانوا يخذفون النساء بالحصى ويستخفون بالغريب والخاطر عليهم وروته أم هانئ عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قالت أم هانئ: سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن قول اللّه عز وجل: {وتأتون في ناديكم المنكر} قال:

(كانوا يخذفون من يمر بهم ويسخرون منه فذلك المنكر الذي كانوا بأتونه) أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده وذكره النحاس والثعلبي والمهدوي والماوردي وذكر الثعلبي قال معاوية قال النبي صلى اللّه عليه وسلم:

(إن قوم لوط كانوا يجلسون في مجالسهم وعند كل رجل قصعة فيها الحصى للخذف فإذا مر بهم عابر قذفوه فأيهم أصابه كان أولى به) يعني يذهب به للفاحشة فذلك قوله: {وتأتون في ناديكم المنكر} وقالت عائشة وابن عباس والقاسم بن أبي بزة والقاسم بن محمد: إنهم كانوا يتضارطون في مجالسهم وقال منصور عن مجاهد كانوا يأتون الرجال في مجالسهم وبعضهم يرى بعضا وعن مجاهد: كان من أمرهم لعب الحمام وتطريف الأصابع بالحسناء والصفير والخذف ونبذ الحياء في جميع أمورهم

قال ابن عطية: وقد توجد هذه الأمور في بعض عصاة أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم؛ فالتناهي واجب قال مكحول: في هذه الأمة عشرة من أخلاق قوم لوط: مضغ العلك وتطريف الأصابع بالحناء وحل الإزار وتنقيض الأصابع والعمامة التي تلف حول الرأس والتشابك ورمي الجلاهق والصفير والخذف واللوطية وعن ابن عباس قال: إن قوم لوط كانت فيهم ذنوب غير الفاحشة منها أنهم يتظالمون فيما بينهم ويشم بعضهم بعضا ويتضارطون في مجالسهم ويخذفون ويلعبون بالنرد والشطرنج ويلبسون المصبغات ويتناقرون بالديكة ويتناطحون بالكباش ويطرفون أصابعهم بالحناء وتتشبه الرجال بلباس النساء والنساء بلباس الرجال ويضربون المكوس على كل عابر ومع هذا كله كانوا يشركون باللّه وهم أول من ظهر على أيديهم اللوطية والسحاق فلما وقفهم لوط عليه السلام على هذه القبائح رجعوا إلى التكذيب واللجاج فقالوا:

{ائتنا بعذاب اللّه} أي إن ذلك لا يكون ولا يقدر عليه وهم لم يقولوا هذا إلا وهم مصممون على أعتقاد كذبه وليس يصح في الفطرة أن يكون معاند يقول هذا ثم استنصر لوط عليه السلام ربه فبعث عليهم ملائكة لعذابهم فجاؤوا إبراهيم أولا مبشرين بنصرة لوط على قومه حسبما تقدم بيانه في {هود} وغيرها. وقرأ الأعمش ويعقوب وحمزة والكسائي: {لننجينه وأهله} بالتخفيف وشدد الباقون

وقرأ ابن كثير وأبو بكر وحمزة والكسائي: {إنا منجوك وأهلك} بالتخفيف وشدد الباقون وهما لغتان: أنجى ونجى بمعنى وقد تقدم وقوله ابن عامر: {إنا منزلون} بالتشديد وهي قراءة ابن عباس الباقون بالتخفيف وقول:

{ولقد نركنا منها آية بينة لقوم يعقلون} قال قتادة: هي الحجارة التي أبقيت وقال أبو العالية

وقيل: إنه يرجم بها قوم من هذه الأمة وقال ابن عباس: هي آثار منازلهم الخربة وقال مجاهد: هو الماء الأسود على وجه الأرض وكل ذلك باق فلا تعارض.

﴿ ٣٥