٥ قوله تعالى: {وعجبوا أن جاءهم منذر منهم} {أن} في موضع نصب والمعنى من أن جاءهم. قيل: هو متصل بقوله: {في عزة وشقاق} أي في عزة وشقاق وعجبوا، وقوله: {كم أهلكنا} معترض. وقيل: لا بل هذا ابتداء كلام؛ أي ومن جهلهم أنهم أظهروا التعجب من أن جاءهم منذر منهم. {وقال الكافرون هذا ساحر} أي يجيء بالكلام المموه الذي يخدع به الناس؛ وقيل: يفرق بسحره بين الوالد وولده والرجل وزوجته {كذاب} أي في دعوى النبوة. قوله تعالى: {أجعل الآلهة إلها واحدا} مفعولان أي صير الآلهة إلها واحدا. {إن هذا لشيء عجاب} أي عجيب. وقرأ السلمي: {عجاب} بالتشديد. والعجاب والعجّاب والعجب سواء. وقد فرق الخليل بين عجيب وعجاب فقال: العجيب العجب، والعجاب الذي قد تجاوز حد العجب، والطويل الذي فيه طول، والطوال، الذي قد تجاوز حد الطول. وقال الجوهري: العجيب الأمر الذي يتعجب منه، وكذلك العجاب بالضم، والعجاب بالتشديد أكثر منه، وكذلك الأعجوبة. وقال مقاتل: {عجاب} لغة أزد شنوءة. وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: مرض أبو طالب فجاءت قريش إليه، وجاء النبي صلى اللّه عليه وسلم، وعند رأس أبي طالب مجلس رجل، فقام أبو جهل كي يمنعه، قال: وشكوه إلى أبي طالب، فقال: يا ابن أخي ما تريد من قومك؟ فقال: (يا عم إنما أريد منهم كلمة تذل لهم بها العرب وتؤدي إليهم بها الجزية العجم) فقال: وما هي؟ قال: (لا إله إلا اللّه) قال: فقالوا (أجعل الآلهة إلها واحدا) قال: فنزل فيهم القرآن: {ص والقرآن ذي الذكر. بل الذين كفروا في عزة وشقاق} حتى بلغ {إن هذا إلا اختلاق} خرجه الترمذي أيضا بمعناه. وقال: هذا حديث حسن صحيح. وقيل: لما أسلم عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه شق على قريش إسلامه فاجتمعوا إلى أبي طالب وقالوا: اقض بيننا وبين ابن أخيك. فأرسل أبو طالب إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: بابن أخي هؤلاء قومك يسألونك السواء، فلا تمل كل الميل على قومك. قال: (وماذا يسألونني) قالوا: ارفضنا وارفض ذكر آلهتنا وندعك وإلهك. فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: (أتعطونني كلمة واحدة وتملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم) فقال أبو جهل: للّه أبوك لنعطينكها وعشر أمثالها. فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: (قولوا لا إله إلا اللّه) فنفروا من ذلك وقاموا؛ فقالوا: {أجعل الآلهة إلها واحدا} فكيف يسع الخلق كلهم إله واحد. فأنزل اللّه فيهم هذه الآيات إلى قوله: {كذبت قبلهم قوم نوح} {ص:١٢} |
﴿ ٥ ﴾