١٠ قوله تعالى: {قل ياعباد الذين آمنوا} أي قل يا محمد لعبادي المؤمنين {اتقوا ربكم} أي أتقوا معاصيه والتاء مبدلة من واو وقد تقدم. وقال ابن عباس: يريد جعفر بن أبي طالب والذين خرجوا معه إلى الحبشة. ثم قال: {للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة} يعني بالحسنة الأولى الطاعة وبالثانية الثواب في الجنة. وقيل: المعنى للذين أحسنوا في الدنيا حسنة في الدنيا، يكون ذلك زيادة على ثواب الآخرة، والحسنة الزائدة في الدنيا الصحة والعافية والظفر والغنيمة. قال القشيري: والأول أصح؛ لأن الكافر قد نال نعم الدنيا. قلت: وينالها معه المؤمن ويزاد الجنة إذا شكر تلك النعم. وقد تكون الحسنة في الدنيا الثناء الحسن، وفي الآخرة الجزاء. قوله تعالى: {وأرض اللّه واسعة} فهاجروا فيها ولا تقيموا مع من يعمل بالمعاصي. وقد مضى القول في هذا مستوفى في {النساء} وقيل: المراد أرض الجنة؛ رغبهم في سعتها وسعة نعيمها؛ كما قال: {عرضها السماوات والأرض} {آل عمران: ١٣٣} والجنة قد تسمى أرضا؛ قال اللّه تعالى: {وقالوا الحمد للّه الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء} {الزمر: ٧٤} والأول أظهر فهو أمر بالهجرة. أي ارحلوا من مكة إلى حيث تأمنوا. الماوردي: يحتمل أن يريد بسعة الأرض سعة الرزق؛ لأنه يرزقهم من الأرض فيكون معناه ورزق اللّه واسع وهو أشبه؛ لأنه أخرج سعتها مخرج الامتنان. قلت: فتكون الآية دليلا على الانتقال من الأرض الغالية، إلى الأرض الراخية، كما قال سفيان الثوري: كن في موضع تملأ فيه جرابك خبزا بدرهم. قوله تعالى: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} أي بغير تقدير. وقيل: يزاد على الثواب؛ لأنه لو أعطي بقدر ما عمل لكان بحساب. وقيل: {بغير حساب} أي بغير متابعة ولا مطالبة كما تقع المطالبة بنعيم الدنيا. و {الصابرون} هنا الصائمون؛ دليله قوله عليه الصلاة والسلام مخبرا عن اللّه عز وجل: (الصوم لي وأنا أجزي به) قال أهل العلم: كل أجر يكال كيلا ويوزن وزنا إلا الصوم فإنه يحثى حثوا ويغرف غرفا؛ وحكي عن علي رضي اللّه عنه. وقال مالك بن أنس في قوله: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} قال: هو الصبر على فجائع الدنيا وأحزانها. ولا شك أن كل من سلم فيما أصابه، وترك ما نهي عنه، فلا مقدار لأجرهم. وقال قتادة: لا واللّه ما هناك مكيال ولا ميزان، حدثني أنس أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (تنصب الموازين فيؤتى بأهل الصدقة فيوفون أجورهم بالموازين وكذلك الصلاة والحج ويؤتى بأهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان ولا ينشر لهم ديوان ويصب عليهم الأجر بغير حساب قال اللّه تعالى: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} حتى يتمنى أهل العافية في الدنيا أن أجسادهم تقرض بالمقاريض مما يذهب به أهل البلاء من الفضل). وعن الحسين بن علي رضي اللّه عنهما قال سمعت جدي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (أد الفرائض تكن من أعبد الناس وعليك بالقنوع تكن من أغنى الناس، يا بني إن في الجنة شجرة يقال لها شجرة البلوى يؤتى بأهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان ولا ينشر لهم ديوان يصب عليهم الأجر صبا) ثم تلا النبي صلى اللّه عليه وسلم {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}. ولفظ صابر يمدح به وإنما هو لمن صبر عن المعاصي، وإذا أردت أنه صبر على المصيبة قلت صابر على كذا؛ قال النحاس. وقد مضى في {البقرة} مستوفى. |
﴿ ١٠ ﴾