|
١٧ قوله تعالى: {هو الذي يريكم آياته} أي دلائل توحيده وقدرته {وينزل لكم من السماء رزقا} جمع بين إظهار الآيات وإنزال الرزق؛ لأن بالآيات قوام الأديان، وبالرزق قوام الأبدان. وهذه الآيات هي السموات والأرضون وما فيهما وما بينهما من الشمس والقمر والنجوم والرياح والسحاب والبخار والأنهار والعيون والجبال والأشجار وآثار قوم هلكوا. {وما يتذكر} أي ما يتعظ بهذه الآيات فيوحد اللّه {إلا من ينيب} أي يرجع إلى طاعة اللّه. {فادعوا اللّه} أي اعبدوه {مخلصين له الدين} أي العبادة. وقيل: الطاعة. {ولو كره الكافرون} عبادة اللّه فلا تعبدوا أنتم غيره. قوله تعالى: {رفيع الدرجات ذو العرش} {ذو العرش} على إضمار مبتدأ. قال الأخفش: ويجوز نصبه على المدح. ومعنى {رفيع الدرجات} أي رفيع الصفات. وقال ابن عباس والكلبي وسعيد بن جبير: رفيع السموات السبع. وقال يحيى بن سلام: هو رفعة درجة أوليائه في الجنة فـ {رفيع} على هذا بمعنى رافع فعيل بمعنى فاعل. وهو على القول الأول من صفات الذات، ومعناه الذي لا أرفع قدرا منه، وهو المستحق لدرجات المدح والثناء، وهي أصنافها وأبوابها لا مستحق لها غيره قال الحليمي. وقد ذكرناه في الكتاب الأسنى في شرح أسماء اللّه الحسنى والحمد للّه. {ذو العرش} أي خالقه ومالكه لا أنه محتاج إليه. وقيل: هو من قولهم: ثل عرش فلان أي زال ملكه وعزه، فهو سبحانه {ذو العرش} بمعنى ثبوت ملكه وسلطانه وقد بيناه في الأسنى في شرح أسماء اللّه الحسنى. {يلقي الروح} أي الوحي والنبوة {على من يشاء من عباده} وسمي ذلك روحا لأن الناس يحيون به؛ أي يحيون من موت الكفر كما تحيا الأبدان بالأرواح. وقال ابن زيد: الروح القرآن؛ قال اللّه تعالى: {وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا} {الشورى: ٥٢}. وقيل: الروح جبريل؛ قال اللّه تعالى: {نزل به الروح الأمين على قلبك} {الشعراء: ١٩٣} وقال: {قل نزله روح القدس من ربك بالحق} {النحل: ١٠٢}. {من أمره} أي من قوله. وقيل: من قضائه. وقيل: {من} بمعنى الباء أي بأمره. {على من يشاء من عباده} وهم الأنبياء يشاء هو أن يكونوا أنبياء وليس لأحد فيهم مشيئة. {لينذر يوم التلاق} أي إنما يبعث الرسول لإنذار يوم البعث. فقوله: {لينذر} يرجع إلى الرسول. وقيل: أي لينذر اللّه ببعثه الرسل إلى الخلائق {يوم التلاق}. وقرأ ابن عباس والحسن وابن السميقع {لتنذر} بالتاء خطابا للنبي عليه السلام. {يوم التلاق} قال ابن عباس وقتاده: يوم تلتقي أهل السماء وأهل الأرض. وقال قتادة أيضا وأبو العالية ومقاتل: يلتقي فيه الخلق والخالق. وقيل: العابدون والمعبودون. وقيل: الظالم والمظلوم. وقيل: يلقى كل إنسان جزاء عمله. وقيل: يلتقي الأولون والآخرون على صعيد واحد؛ روي معناه عن ابن عباس. وكله صحيح المعنى. قوله تعالى: {يوم هم بارزون} يكون بدلا من يوم الأول. وقيل: {هم} في موضع رفع بالابتداء و {بارزون} خبره والجملة في موضع خفض بالإضافة؛ فلذلك حذف التنوين من {يوم} وإنما يكون هذا عند سيبويه إذا كان الظرف بمعنى إذ؛ تقول لقيتك يوم زيد أمير. فإن كان بمعنى إذا لم يجز نحو أنا ألقاك يوم زيد أمير. ومعنى: {بارزون} خارجون من قبورهم لا يسترهم شيء؛ لأن الأرض يومئذ قاع صفصف لا عوج فيها ولا أمتا على ما تقدم في {طه} بيانه. {لا يخفى على اللّه منهم شيء} قيل: إن هذا هو العامل في {يوم هم بارزون} أي لا يخفى عليه شيء منهم ومن أعمالهم {يوم هم بارزون}. {لمن الملك اليوم للّه الواحد القهار} وذلك عند فناء الخلق. وقال الحسن: هو السائل تعالى وهو المجيب؛ لأنه يقول ذلك حين لا أحد يجيبه فيجيب نفسه سبحانه فيقول: {للّه الواحد القهار}. النحاس: وأصح ما قيل فيه ما رواه أبو وائل عن ابن مسعود قال: (يحشر الناس على أرض بيضاء مثل الفضة لم يعص اللّه جل وعز عليها، فيؤمر مناد ينادي {لمن الملك اليوم} فيقول العباد مؤمنهم وكافرهم {للّه الواحد القهار} فيقول المؤمنون هذا الجواب { سرورا وتلذذا، ويقوله الكافرون غما وانقيادا وخضوعا. فأما أن يكون هذا والخلق غير موجودين فبعيد؛ لأنه لا فائدة فيه، والقول صحيح عن ابن مسعود وليس هو مما يؤخذ بالقياس ولا بالتأويل. قلت: والقول الأول ظاهر جدا؛ لأن المقصود إظهار انفراده تعالى بالملك عند انقطاع دعاوي المدعين وانتساب المنتسبين؛ إذ قد ذهب كل ملك وملكه ومتكبر وملكه وانقطعت نسبهم ودعاويهم، ودل على هذا قوله الحق عند قبض الأرض والأرواح وطي السماء: أنا الملك أين ملوك الأرض كما تقدم في حديث أبي هريرة وفي حديث ابن عمر، ثم يطوي الأرض بشماله والسموات بيمينه، ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون. وعنه قوله سبحانه: لمن الملك اليوم هو انقطاع زمن الدنيا وبعده يكون البعث والنشر. قال محمد بن كعب قوله سبحانه: لمن الملك اليوم يكون بين النفختين حين فني الخلائق وبقي الخالق فلا يرى غير نفسه مالكا ولا مملوكا فيقول: لمن الملك اليوم فلا يجيبه أحد؛ لأن الخلق أموات فيجيب نفسه فيقول: للّه الواحد القهار لأنه بقي وحده وقهر خلقه. وقيل: إنه ينادي مناد فيقول: لمن الملك اليوم فيجيبه أهل الجنة: للّه الواحد القهار فاللّه أعلم. ذكره الزمخشري. قوله تعالى: اليوم تجزى كل نفس بما كسبت أي يقال لهم إذا أقروا بالملك يومئذ للّه وحده اليوم تجزى كل نفس بما كسبت من خير أوشر. لا ظلم اليوم أي لا ينقص أحد شيئا مما عمله. إن اللّه سريع الحساب أي لا يحتاج إلى تفكر وعقد يد كما يفعله الحساب؛ لأنه العالم الذي لا يعزب عن علمه شيء فلا يؤخر جزاء أحد للاشتغال بغيره؛ وكما يرزقهم في ساعة واحدة يحاسبهم كذلك في ساعة واحدة. وقد مضى هذا المعنى في البقرة. وفي الخبر: ولا ينتصف النهار حتى يقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار. |
﴿ ١٧ ﴾