٤ قوله تعالى: {حم. عسق} قال عبدالمؤمن: سألت الحسين بن الفضل: لم قطع {حم} من {عسق} ولم تقطع {كهيعص} و {المر} و {المص} ؟ فقال: لأن {حم. عسق} بين سور أولها {حم} فجرت مجرى نظائرها قبلها وبعدها؛ فكأن {حم} مبتدأ و {عسق} خبره. ولأنها عدت آيتين، وعدت أخواتها اللواتي كتبت جملة آية واحدة. وقيل: إن الحروف المعجمة كلها في معنى واحد، من حيث إنها أس البيان وقاعدة الكلام؛ ذكره الجرجاني. وكتبت {حم. عسق} منفصلا و {كهيعص} متصلا لأنه قيل: حم؛ أي حم ما هو كائن، ففصلوا بين ما يقدر فيه فعل وبين ما لا يقدر. ثم لو فصل هذا ووصل ذا لحجاز؛ حكاه القشيري. وفي قراءة سبن مسعود وابن عباس {حم. سق} قال سبن عباس: وكان علي رضي اللّه عنه يعرف الفتن بها. وقال أرطاة بن المنذر، قال رجل لابن عباس وعنده حذيفة بن اليمان: أخبرني عن تفسير قوله تعالى: {حم. عسق} ؟ فأعرض عنه حتى عاد عليه ثلاثا فأعرض عنه. فقال حذيفة بن اليمان: أنا أنبئك بها، قد عرفت لم تركها؛ نزلت في رجل من أهل بيته يقال له عبدالإله أو عبداللّه؛ ينزل على نهر من أنهار المشرق، يبني عليه مدينتين يشق النهر بينهما شقا، فإذا أراد اللّه زوال ملكهم وانقطاع دولتهم، بعث على إحداهما نارا ليلا فتصبح سوداء مظلمة، فتحرق كلها كأنها لم تكن مكانها؛ فتصبح صاحبتها متعجبة، كيف قلبت! فما هو إلا بياض يومها حتى يجتمع فيها كل جبار عنيد، ثم يخسف اللّه بها وبهم جميعا؛ فذلك قوله: {حم. عسق} أي عزمة من عزمات اللّه، وفتنة وقضاء حم: حم. {ع}: عدلا منه، {س}: سيكون، {ق}: واقع في هاتين المدينتين. ونظير هذا التفسير ما روى جرير بن عبداللّه البجلي قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: {تبنى مدينة بين دجلة ودجيل وقُطْرَبُلْ والصراة، يجتمع فيها جبابرة الأرض تجبى إليها الخزائن يخسف بها - وفي رواية بأهلها - فلهي أسرع ذهابا في الأرض من الوتد الجيد في الأرض الرخوة}. وقرأ ابن عباس: {حم. سق} بغير عين. وكذلك هو في مصحف عبداللّه بن مسعود؛ حكاه الطبري. وروى نافع عن ابن عباس: {الحاء} حلمه، و {الميم} مجده، و {العين} علمه، و {السين} سناه، و {القاف} قدرته؛ أقسم اللّه بها. وعن محمد بن كعب: أقسم اللّه بحلمه ومجده وعلوه وسناه وقدرته ألا يعذب من عاذ بلا إله إلا اللّه مخلصا من قلبه. وقال جعفر بن محمد وسعيد بن جبير: {الحاء} من الرحمن، والميم {من المجيد}، و {العين} من، و {السين} من القدوس، و {القاف} من القاهر. وقال مجاهد: فواتح السور. وقال عبداللّه بن بريدة: إنه اسم الجبل المحيط بالدنيا. وذكر القشيري، واللفظ للثعلبي: أن النبي صلى اللّه عليه وسلم لما نزلت هذه الآية عرفت الكآبة في وجه؛ فقيل له: يا رسول اللّه، ما أحزنك؟ قال: {أخبرت ببلايا تنزل بأمتي من خسف وقذف ونار تحشرهم وريح تقذفهم في البحر وآيات متتابعات متصلات بنزول عيسى وخروج الدجال}. واللّه أعلم. وقيل: هذا في شأن النبي صلى اللّه عليه وسلم فـ {الحاء} حوضه المورود، و {الميم} ملكه الممدود، و {العين} عزه الموجود، و {السين} سناه المشهود، و {القاف} قيامه في المقام المحمود، وقربه في الكرامة من الملك المعبود. وقال ابن عباس: ليس من نبي صاحب كتاب إلا وقد أوحي إليه: {حم. عسق} ؛ فلذلك قال: {يوحي إليك وإلى الذين من قبلك} المهدوي: وقد جاء في الخبر أن ( {حم. عسق} معناه أوحيت إلى الأنبياء المتقدمين). وقرأ ابن محيصن وابن كثير ومجاهد {يوحى} {بفتح الحاء} على ما لم يسم فاعله؛ وروي عن ابن عمر. فيكون الجار والمجرور في موضع رفع لقيامه مقام الفاعل، ويجوز أن يكون اسم ما لم يسم فاعله مضمرا؛ أي يوحى إليك القرآن الذي تضمنه هذه السورة، ويكون اسم اللّه مرفوعا بإضمار فعل، التقدير: يوحيه اللّه إليك؛ كقراءة ابن عامر وأبي بكر {يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال} {النور: ٣٦} أي يسبحه رجال. وأنشد سيبوبه: ليبك يزيد ضارع بخصومة وأشعث ممن طوحته الطوائح فقال: لبيك يزيد، ثم بين من ينبغي أن يبكيه، فالمعنى يبكيه ضارع. ويجوز أن يكون مبتدأ والخبر محذوف؛ كأنه قال: اللّه يوحيه. أوعلى تقدير إضمار مبتدأ أي الموحي اللّه. أويكون مبتدأ والخبر {العزيز الحكيم}. وقرأ الباقون {يوحي إليك} بكسر الحاء، ورفع الاسم على أنه الفاعل. {له ما في السماوات وما في الأرض وهو العلي العظيم} تقدم في غير موضع. |
﴿ ٤ ﴾