٢٨

قوله تعالى: {هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين} ذكر قصة إبراهيم عليه السلام ليبين بها أنه أهلك المكذب بآياته كما فعل بقوم لوط. {هل أتاك} أي ألم يأتك.

وقيل: {هل} بمعنى قد؛ كقوله تعالى: {هل أتى على الإنسان حين من الدهر} {الإنسان: ١}. وقد مضى الكلام في ضيف إبراهيم في {هود} {والحجر}. {المكرمين} أي عند اللّه؛ دليله قوله تعالى: {بل عباد مكرمون} {الأنبياء: ٢٦} قال ابن عباس: يريد جبريل وميكائيل وإسرافيل - زاد عثمان بن حصين - ورفائيل عليهم الصلاة والسلام. وقال محمد بن كعب: كان جبريل ومعه تسعة. وقال عطاء وجماعة: كانوا ثلاثة جبريل وميكائيل ومعهما ملك آخر. قال ابن عباس: سماهم مكرمين لأنهم غير مذعورين. وقال مجاهد: سماهم مكرمين لخدمة إبراهيم إياهم بنفسه. قال عبدالوهاب: قال لي علي بن عياض: عندي هريسة ما رأيك فيها؟

قلت: ما أحسن رأيي فيها؛ قال: امض بنا؛ فدخلت الدار فنادى الغلام فإذا هو غائب، فما راعني إلا به ومعه القمقمة والطست وعلى عاتقه المنديل، فقلت: إنا للّه وإن إليه راجعون، لو علمت يا أبا الحسن أن الأمر هكذا؛ قال: هون عليك فإنك عندنا مكرم، والمكرم إنما يخدم بالنفس؛ انظر إلى قوله تعالى: {هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين}.

قوله تعالى: {إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما} تقدم في {الحجر}.

{قال سلام} أي عليكم سلام. ويجوز بمعنى أمري سلام أو ردي لكم سلام. وقرأ أهل الكوفة إلا عاصما {سِلم} بكسر السين. {قوم منكرون} أي أنتم قوم منكرون؛ أي غرباء لا نعرفكم.

وقيل: لأنه رآهم على غير صورة البشر، وعلى غير صورة الملائكة الذين كان يعرفهم فنكرهم، فقال: {قوم منكرون}.

وقيل: أنكرهم لأنهم دخلوا عليه من غير استئذان. وقال أبو العالية: أنكر سلامهم في ذلك الزمان وفي تلك الأرض.

وقيل: خافهم؛ يقال أنكرته إذا خفته، وقال الشاعر:

فأنكرتني وما كان الذي نكرت من الحوادث إلا الشيب والصلعا

قوله تعالى: {فراغ إلى أهله} قال الزجاج: أي عدل إلى أهله. وقد مضى في {والصافات}. ويقال: أراغ وارتاغ بمعنى طلب، وماذا تريغ أي تريد وتطلب، وأراغ إلى كذا أي مال إليه سرا وحاد، فعلى هذا يكون راغ وأراغ لغتين بمعنى.

{فجاء بعجل سمين} أي جاء ضيفه بعجل قد شواه لهم كما في {هود}: {فما لبث أن جاء بعجل حنيذ} {هود: ٦٩}. ويقال: إن إبراهيم انطلق إلى منزله كالمستخفي من ضيفه، لئلا يظهروا على ما يريد أن يتخذ لهم من الطعام.

{فقربه إليهم} يعني العجل.

{قال ألا تأكلون} قال قتادة: كان عامة مال إبراهيم البقر، واختاره لهم سمينا زيادة في إكرامهم.

وقيل: العجل في بعض اللغات الشاة. ذكره القشيري. وفي الصحاح: العجل ولد البقرة والعجول مثله والجمع العجاجيل والأنثى عجلة، عن أبي الجراح، وبقرة معجل ذات عجل، وعجل قبيلة من ربيعة.

قوله تعالى: {فأوجس منهم خيفة} أي أحس منهم في نفسه خوفا.

وقيل: أضمر لما لم يتحرموا بطعامه. ومن أخلاق الناس: أن من تحرم بطعام إنسان أمنه. وقال عمرو بن دينار: قالت الملائكة لا نأكل إلا بالثمن. قال: كلوا وأدوا ثمنه. قالوا: وما ثمنه؟ قال: تسمون اللّه إذا أكلتم وتحمدونه إذا فرغتم. فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا: لهذا اتخذك اللّه خليلا. وقد تقدم هذا في {هود} ولما رأوا ما بإبراهيم من الخوف

{قالوا لا تخف} وأعلموه أنهم ملائكة اللّه ورسله.

{وبشروه بغلام عليم} أي بولد يولد له من سارة زوجته.

وقيل: لما أخبروه أنهم ملائكة لم يصدقهم، فدعوا اللّه فأحيا العجل الذي قربه إليهم.

وروى عون بن أبي شداد: أن جبريل مسح العجل بجناحه، فقام يدرج حتى لحق بأمه وأم العجل في الدار. ومعنى {عليم} أي يكون بعد بلوغه من أولي العلم باللّه وبدينه. والجمهور على أن المبشر به هو إسحاق. وقال مجاهد وحده: هو إسماعيل وليس بشيء فإن اللّه تعالى يقول: {وبشرناه بإسحاق} {الصافات: ١١٢}. وهذا نص

﴿ ٢٨