٦ قوله تعالى: {إذا وقعت الواقعة} أي قامت القيامة، والمراد النفخة الأخيرة. وسميت واقعة لأنها تقع عن قرب. وقيل: لكثرة ما يقع فيها من الشدائد. وفيه إضمار، أي اذكروا إذا وقعت الواقعة. وقال الجرجاني: {إذا} صلة، أي وقعت الواقعة، كقوله: {اقتربت الساعة} {القمر: ١} و {أتى أمر اللّه} {النحل: ١} وهو كما يقال: قد جاء الصوم أي دنا واقترب. وعلى الأول {إذا} للوقت، والجواب قوله: {فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة} {الواقعة: ٨}. {ليس لوقعتها كاذبة} الكاذبة مصدر بمعنى الكذب، والعرب قد تضع الفاعل والمفعول موضع المصدر، كقوله تعالى: {لا تسمع فيها لاغية} {الغاشية: ١١} أي لغو، والمعنى لا يسمع لها كذب، قاله الكسائي. ومنه قول العامة: عائذا باللّه أي معاذ اللّه، وقم قائما أي قم قياما. ولبعض نساء العرب ترقص أبنها: قم قائما قم قائما أصبت عبدا نائما وقيل: الكاذبة صفة والموصوف محذوف، أي ليس لوقعتها حال كاذبة، أو نفس كاذبة، أي كل من يخبر عن وقعتها صادق. وقال الزجاج: {ليس لوقعتها كاذبة} أي لا يردها شيء. ونحوه قول الحسن وقتادة. وقال الثوري: ليس لوقعتها أحد يكذب بها. وقال الكسائي أيضا: ليس لها تكذيب، أي ينبغي ألا يكذب بها أحد. وقيل: إن قيامها جد لا هزل فيه. قوله تعالى: {خافضة رافعة} قال عكرمة ومقاتل والسدي: خفضت الصوت فأسمعت من دنا ورفع من نأى، يعني أسمعت القريب والبعيد. وقال السدي: خفضت المتكبرين ورفعت المستضعفين. وقال قتادة: خفضت أقواما في عذاب اللّه، ورفعت، أقواما إلى طاعة اللّه. وقال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: خفضت أعداء اللّه في النار، ورفعت أولياء اللّه في الجنة. وقال محمد بن كعب: خفضت أقواما كانوا في الدنيا مرفوعين، ورفعت، أقوات كانوا في الدنيا مخفوضين. وقال ابن عطاء: خفضت أقواما بالعدل، ورفعت آخرين بالفضل. والخفض والرفع يستعملان عند العرب في المكان والمكانة، والعز والمهانة. ونسب سبحانه الخفض والرفع للقيامة توسعا ومجازا على عادة العرب في إضافتها الفعل إلى المحل والزمان وغيرهما مما لم يكن منه الفعل، يقولون: ليل نائم ونهار صائم. وفي التنزيل: {بل مكر الليل والنهار} {سبأ: ٣٣} والخافض والرافع على الحقيقة إنما هو اللّه وحده، فرفع أولياءه في أعلى الدرجات، وخفض أعداءه في أسفل الدركات. وقرأ الحسن وعيسى الثقفي {خافضة رافعة} بالنصب. الباقون بالرفع على إضمار مبتدأ، ومن نصب فعلى الحال. وهو عند الفراء على إضمار فعل، والمعنى: إذا وقعت الواقعة. ليس لوقعتها كاذبة وقعت: خافضة رافعة. والقيامة لا شك في وقوعها، وأنها ترفع أقواما وتضع آخرين على ما بيناه. قوله تعالى: {إذا رجت الأرض رجا} أي زلزلت وحركت عن مجاهد وغيره، يقال: رجه يرجه رجا أي حركه وزلزله. وناقة رجاء في عظيمة السنام. وفي الحديث: {من ركب البحر حين يرتج فلا ذمة له} يعني إذا اضطربت أمواجه. قال الكلبي: وذلك أن اللّه تعالى إذا أوحى إليها أضطربت فرقا من اللّه تعالى. قال المفسرون: ترتج كما يرتج الصبي في المهد حتى ينهدم كل ما عليها، وينكسر كل شيء عليها من الجبال وغيرها. وعن ابن عباس الرجة الحركة الشديدة يسمع لها صوت. وموضع {إذا} نصب على البدل من {إذا وقعت}. ويجوز أن ينتصب بـ {خافضة رافعة} أي تخفض وترفع وقت رج الأرض وبس الجبال، لأن عند ذلك ينخفض ما هو مرتفع، ويرتفع ما هو منخفض. وقيل: أي وقعت الواقعة إذا رجت الأرض، قاله الزجاج والجرجاني. وقيل: أي اذكر {إذا رجت الأرض رجا} مصدر وهو دليل على تكرير الزلزلة. قوله تعالى: {وبست الجبال بسا} أي فتتت، عن ابن عباس. مجاهد: كما يبس الدقيق أي يلت. والبسيسة السويق أو الدقيق يلت بالسمن أو بالزيت ثم يؤكل ولا يطبخ وقد يتخذ زادا. قال الراجز: لا تخبزا خبزا وبسا بسا ولا تطيلا بمناخ حبسا وذكر أبو عبيدة: أنه لص من غطفان أراد أن يخبز فخاف أن يعجل عن ذلك فأكله عجينا. والمعنى أنها خلطت فصارت كالدقيق الملتوت بشيء من الماء. أي نصير الجبال ترابا فيختلط البعض بالبعض. وقال الحسن: وبست قلعت من أصلها فذهبت، نظيره: {ينسفها ربي نسفا} {طه: ١٠٥}. وقال عطيه: بسطت كالرمل والتراب. وقيل: البس السوق أي سيقت الجبال. قال أبو زيد: البس السوق، وقد بسست الإبل أبسها بالضم بسا. وقال أبو عبيد: بسست الإبل وأبسست لغتان إذا زجرتها وقلت لها بس بس. وفي الحديث. {يخرج قوم من المدينة إلى اليمن والشام والعراق يبسون والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون} ومنه الحديث الآخر: {جاءكم أهل اليمن يبسون عيالهم} والعرب تقول: جيء به من حسك وبسك. ورواهما أبو زيد بالكسر، فمعنى من حسك من حيث أحسسته، وبسك من حيث بلغه مسيرك. وقال مجاهد: سألت سيلا. عكرمة: هدت هدا. محمد بن كعب: سيرت سيرا، ومنه قول الأغلب العجلي: وقال الحسن: قطعت قطعا. والمعنى متقارب. قوله تعالى: {فكانت هباء منبثا} قال علي رضي اللّه عنه: الهباء الرهج الذي يسطع من حوافز الدواب ثم يذهب، فجعل اللّه أعمالهم كذلك. وقال مجاهد: الهباء هو الشعاع الذي يكون في الكوة كهيئة الغبار. وروي نحوه عن ابن عباس. وعنه أيضا: هو ما تطاير من النار إذا اضطربت يطير منها شرر فإذا وقع لم يكن شيئا. وقال عطية. وقد مضى في {الفرقان} عند قوله تعالى: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا} {الفرقان: ٢٣} وقراءة العامة {منبثا} بالثاء المثلثة أي متفرقا من قوله تعالى: {وبث فيها من كل دابة} {لقمان: ١٠} أي فرق ونشر. وقرأ مسروق والنخعي وأبو حيوة {منبتا} بالتاء المثناة أي منقطعا من قولهم: بته اللّه أي قطعه، ومنه البتات. |
﴿ ٦ ﴾