٢

قوله تعالى: {اتخذوا أيمانهم جنة} أي سترة. وليس يرجع إلى قوله {نشهد إنك لرسول اللّه} وإنما يرجع إلى سبب الآية التي نزلت عليه، حسب ما ذكره البخاري والترمذي عن ابن أبي أنه حلف ما قال وقد قال. وقال الضحاك: يعني حلفهم باللّه {إنهم لمنكم}

وقيل: يعني بأيمانهم ما أخبر الرب عنهم في سورة {التوبة} إذ قال: {يحلفون باللّه ما قالوا} {التوبة: ٧٤}. من قال أقسم باللّه أو أشهد باللّه أو أعزم باللّه أو أحلف باللّه، أو أقسمت باللّه أو أشهدت باللّه أو أعزمت باللّه أو أحلفت باللّه، فقال في ذلك كله {باللّه} فلا خلاف أنها يمين. وكذلك عند مالك وأصحابه إن قال: أقسم أو أشهد أو أعزم أو أحلف، ولم يقل {باللّه}، إذا أراد {باللّه}. وإن لم يرد {باللّه} فليس بيمين.

وحكاه الكيا عن الشافعي، قال الشافعي: إذا قال أشهد باللّه ونوى اليمين كان يمينا.

وقال أبو حنيفة وأصحابه: لو قال أشهد باللّه لقد كان كذا كان يمينا، ولو قال أشهد لقد كان كذا دون النية كان يمينا لهذه الآية، لأن اللّه تعالى ذكر منهم الشهادة ثم قال: {اتخذوا أيمانهم جنة}.

وعند الشافعي لا يكون ذلك يمينا وإن نوى اليمين، لأن قوله تعالى: {اتخذوا أيمانهم جنة} ليس يرجع إلى قوله: {قالوا نشهد} وإنما يرجع إلى ما في {التوبة} من قوله تعالى: {يحلفون باللّه ما قالوا} {التوبة: ٧٤}.

قوله تعالى: {فصدوا عن سبيل اللّه} أي أعرضوا، وهو من الصدود. أو صرفوا المؤمنين عن إقامة حكم اللّه عليهم من القتل والسبي وأخذ الأموال، فهو من الصد، أو منعوا الناس عن الجهاد بأن يتخلفوا ويفتدي بهم غيرهم. وقيل: فصدوا اليهود والمشركين عن الدخول في الإسلام، بأن يقولوا ها نحن كافرون بهم، ولو كان محمد حقا لعرف هذا منا، ولجعلنا نكالا. فبين اللّه أن حالهم لا يخفي عليه، ولكن حكمه أن من أظهر الإيمان أجرى عليه في الظاهر حكم الإيمان.

{إنهم ساء ما كانوا يعملون} أي بئست أعمالهم الخبيئة من نفاقهم وأيمانهم الكاذبة وصدهم عن سبيل اللّه أعمالا.

﴿ ٢