٣

قوله تعالى: {الحاقة. ما الحاقة} يريد القيامة؛ سميت بذلك لأن الأمور تُحَقّ فيها؛ قاله الطبري. كأنه جعلها من باب {ليل نائم}.

وقيل: سميت حاقة لأنها تكون من غير شك.

وقيل: سميت بذلك لأنها أحقت لأقوام الجنة، وأحقت لأقوام النار.

وقيل: سميت بذلك لأن فيها يصير كل إنسان حقيقا بجزاء عمله. وقال الأزهري: يقال حاققته فحققته أحقه؛ أي غالبته فغلبته. فالقيامة حاقة لأنها تحق كل محاق في دين اللّه بالباطل؛ أي كل مخاصم. وفي الصحاح: وحاقه أي خاصمه وادعى كل واحد منهما الحق؛ فإذا غلبه قيل حقه. ويقال للرجل إذا خاصم في صغار الأشياء: إنه لنزق الحقاق. ويقال: مال فيه حق ولا حقاق؛ أي خصومة. والتحاق التخاصم. والاحتقاق: الاختصام. والحاقة والحقة والحق ثلاث لغات بمعنى.

وقال الكسائي والمورج: الحاقة يوم الحق. وتقول العرب: لما عرف الحقة مني هرب. والحاقة الأولى رفع بالابتداء، والخبر المبتدأ الثاني وخبره وهو {ما الحاقة} لأن معناها ما هي. واللفظ استفهام، معناه التعظيم والتفخيم لشأنها؛ كما تقول: زيد ما زيد على التعظيم لشأنه.

{وما أدراك ما الحاقة} استفهام أيضا؛ أي أي شيء أعلمك ما ذلك اليوم. والنبي صلى اللّه عليه وسلم كان عالما بالقيامة ولكن بالصفة فقيل تفخيما لشأنها: وما أدراك ما هي؛ كأنك لست تعلمها إذ لم تعاينها. وقال يحيى بن سلام: بلغني أن كل شيء في القرآن {وما أدراك} فقد أدراه إياه وعلمه. وكل شيء قال: {وما يدريك} فهو مما لم يعلمه.

وقال سفيان بن عيينة: كل شيء قال فيه: {وما أدراك} فأنه أخبر به، وكل شيء قال فيه: {وما يدريك} فإنه لم يخبر به.

﴿ ٣