٦

قوله تعالى: {يوم يقوم الناس} العامل في {يوم} فعل مضمر، دل عليه {مبعوثون} والمعنى يبعثون {يوم يقوم الناس لرب العالمين}. ويجوز أن يكون بدلا من يوم في {ليوم عظيم}، وهو مبني.

وقيل: هو في موضع خفض؛ لأنه أضيف إلى غير متمكن.

وقيل: هو منصوب على الظرف أي في يوم، ويقال: أقم إلى يوم يخرج فلان، فتنصب يوم، فإن أضافوا إلى الاسم فحينئذ يخفضون ويقولون: أقم إلى يوم خروج فلان.

وقيل: في الكلام تقديم وتأخير، التقدير إنهم مبعوثون يوم يقوم الناس لرب العالمين ليوم عظيم.وعن عبدالملك بن مروان: أن أعرابيا قال لي: قد سمعت ما قال اللّه تعالى في المطففين؛ أراد بذلك أن المطففين قد توجه عليهم هذا الوعيد العظيم الذي سمعت به، فما ظنك بنفسك وأنت تأخذ أموال المسلمين بلا كيل ولا وزن. وفي هذا الإنكار والتعجيب وكلمة الظن، ووصف اليوم بالعظيم، وقيام الناس فيه للّه خاضعين، ووصف ذاته برب العالمين، بيان بليغ لعظم الذنب، وتفاقم الإثم في التطفيف، وفيما كان في مثل حاله من الحيف، وترك القيام بالقسط، والعمل على التسوية والعدل، في كل أخذ وإعطاء، بل في كل قول وعمل.

قرأ ابن عمر: {ويل للمطففين} حتى بلغ {يوم يقوم الناس لرب العالمين} فبكى حتى سقط، وامتنع من قرأءة ما بعده، ثم قال: سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول:

(يوم يقوم الناس لرب العالمين، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، فمنهم من يبلغ العرق كعبيه، ومنهم من يبلغ ركبتيه، ومنهم من يبلغ حقويه، ومنهم من يبلغ صدره، ومنهم من يبلغ أذنيه، حتى إن أحدهم ليغيب في رشحه كما يغيب الضفدع).

وروى ناس عن ابن عباس قال: يقومون مقدار ثلثمائة سنة. قال: ويهون على المؤمنين قدر صلاتهم الفريضة.

وروي عن عبداللّه بن عمر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (يقومون ألف عام في الظلة).

وروى مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (يوم يقوم الناس لرب العالمين حتى إن أحدهم ليقوم في رشحه إلى أنصاف أذنيه).

وعنه أيضا عن النبي صلى اللّه عليه وسلم: (يقوم مائة سنة). وقال أبو هريرة قال النبي صلى اللّه عليه وسلم لبشير الغفاري: (كيف أنت صانع في

يوم يقوم الناس فيه مقدار ثلثمائة سنة

لرب العالمين، لا يأتيهم فيه خبر، ولا يؤمر فيه بأمر) قال بشير: المستعان اللّه. قلت: قد ذكرناه مرفوعا من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى اللّه عليه وسلم:

(إنه ليخفف عن المؤمن، حتى يكون أخف عليه من صلاة المكتوبة يصليها في الدنيا) في {سأل سائل} [المعارج: ١].

وعن ابن عباس: يهون على المؤمنين قدر صلاتهم الفريضة.

وقيل: إن ذلك المقام على المؤمن كزوال الشمس؛ والدليل على هذا من الكتاب قول الحق: {ألا إن أولياء اللّه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} [يونس: ٦٢] ثم وصفهم فقال: {الذين آمنوا وكانوا يتقون} [يونس: ٦٣] جعلنا اللّه منهم بفضله وكرمه وجوده. ومنه أمين.

وقيل: المراد بالناس جبريل عليه السلام يقوم لرب العالمين؛

قال ابن جبير وفيه بعد؛ لما ذكرنا من الأخبار في ذلك، وهي صحيحة ثابتة، وحسبك بما في صحيح مسلم، والبخاري والترمذي من حديث ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم {يوم يقوم الناس لرب اللّه العالمين} قال:

(يقوم أحدهم في رشحه إلى نصف أذنيه). ثم قيل: هذا القيام يوم يقومون من قبورهم. وقيل: في الآخرة بحقوق عباده في الدنيا.

وقال يزيد الرشك: يقومون بين يديه للقضاء. القيام للّه رب العالمين سبحانه حقير بالإضافة إلى عظمته وحقه، فأما قيام الناس بعضهم لبعض فاختلف فيه الناس؛ فمنهم من أجازه، ومنهم من منعه.

وقد روي أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قام إلى جعفر بن أبي طالب واعتنقه، وقام طلحة لكعب بن مالك يوم تيب عليه. وقول النبي صلى اللّه عليه وسلم للأنصار حين طلع عليه سعد بن معاذ:

(قوموا إلى سيدكم). وقال أيضا:

(من سره أن يتمثل له الناس قياما فليتبوأ مقعده من النار). وذلك يرجع إلى حال الرجل ونيته، فإن أنتظر ذلك وأعتقده لنفسه، فهو ممنوع، وإن كان على طريق البشاشة والوصلة فإنه جائز، وخاصة عند الأسباب، كالقدوم من السفر ونحوه. وقد مضى في آخر سورة {يوسف} شيء من هذا.

﴿ ٦