|
١٩ كلا لا تطعه واسجد واقترب قوله تعالى: {كلا} أي ليس الأمر على ما يظنه أبو جهل. {لا تطعه} أي فيما دعاك إليه من ترك الصلاة. {واسجد} أي صل للّه {واقترب} أي تقرب إلى اللّه جل ثناؤه بالطاعة والعبادة. وقيل: المعنى: إذا سجدت فاقترب من اللّه بالدعاء. روى عطاء عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (أقرب ما يكون العبد من ربه، وأحبه إليه، جبهته في الأرض ساجدا للّه). قال علماؤنا: وإنما كان ذلك لأنها نهاية العبودية والذلة؛ وللّه غاية العزة، وله العزة التي لا مقدار لها؛ فكلما بعدت من صفته، قربت من جنته، ودنوت من جواره في داره. وفي الحديث الصحيح: أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (أما الركوع فعظموا فيه الرب. وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فإنه قمن أن يستجاب لكم). ولقد أحسن من قال: وإذا تذللت الرقاب تواضعا منا إليك فعزها في ذلهاوقال زيد بن أسلم: اسجد أنت يا محمد مصليا، واقترب أنت يا أبا جهل من النار. قوله تعالى: {واسجد} هذا من السجود. يحتمل أن يكون بمعنى السجود في الصلاة، ويحتمل أن يكون سجود التلاوة في هذه السورة. قال ابن العربي: والظاهر أنه سجود الصلاة ل قوله تعالى: {أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى - إلى قوله - كلا لا تطعه واسجد واقترب}، لولا ما ثبت في الصحيح من رواية مسلم وغيره من الأئمة عن أبي هريرة أنه قال: سجدت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {إذا السماء انشقت} [الإنشقاق: ١]، وفي {اقرأ باسم ربك الذي خلق} [العلق: ١] سجدتين، فكان هذا نصا على أن المراد سجود التلاوة. وقد روى ابن وهب، عن حماد بن زيد، عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه، قال: عزائم السجود أربع: {ألم} و {حم تنزيل من الرحمن الرحيم} و {النجم} و {اقرأ باسم ربك}. وقال ابن العربي: وهذا إن صح يلزم عليه السجود الثاني من سورة {الحج}، وإن كان مقترنا بالركوع؛ لأنه يكون معناه اركعوا في موضع الركوع، واسجدوا في موضع السجود. وقد قال ابن نافع ومطرف: وكان مالك يسجد في خاصة نفسه بخاتمة هذه السورة من {اقرأ باسم ربك} وابن وهب يراها من العزائم. قلت: وقد روينا من حديث مالك بن أنس عن ربيعة بن أبي عبدالرحمن عن نافع عن ابن عمر قال: لما أنزل اللّه تعالى {اقرأ باسم ربك الذي خلق} [العلق: ١] قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لمعاذ: (اكتبها يا معاذ) فأخذ معاذ اللوح والقلم والنون - وهي الدواة - فكتبها معاذ؛ فلما بلغ {كلا لا تطعه واسجد واقترب} سجد اللوح، وسجد القلم، وسجدت النون، وهم يقولون: اللّهم ارفع به ذكرا، اللّهم احطط به وزرا، اللّهم اغفر به ذنبا. قال معاذ: سجدت، وأخبرت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فسجد. ختمت السورة. والحمد للّه على ما فتح ومنح وأعطى. وله الحمد والمنة. |
﴿ ١٩ ﴾