سُورَةُ ”الْكَافِرُونَ“ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ سِتُّ آياَتٍ

سورة الكافرون

١

انظر تفسير الآية ٥

٢

انظر تفسير الآية ٥

٣

انظر تفسير الآية ٥

٤

انظر تفسير الآية ٥

٥

ذكر ابن إسحاق وغيره عن ابن عباس: أن سبب نزولها أن الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسود بن عبدالمطلب، وأمية بن خلف؛ لقوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالوا: يا محمد، هلم فلنعبد ما تعبد، وتعبد ما نعبد، ونشترك نحن وأنت في أمرنا كله، فإن كان الذي جئت به خيرا مما بأيدينا، كنا قد شاركناك فيه، وأخذنا بحظنا منه. وإن كان الذي بأيدينا خيرا مما بيدك، كنت قد شركتنا في أمرنا، وأخذت بحظك منه؛ فأنزل اللّه عز وجل {قل يا أيها الكافرون}.وقال أبو صالح عن ابن عباس: أنهم قالوا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: لو استلمت بعض هذه الآلهة لصدقناك؛ فنزل جبريل على النبي صلى اللّه عليه وسلم بهذه السورة فيئسوا منه، وآذوه، وآذوا أصحابه. والألف واللام ترجع إلى معنى المعهود وإن كانت للجنس من حيث إنها كانت للجنس من حيث إنها كانت صفة لأي؛ لأنها مخاطبة لمن سبق في علم اللّه تعالى أنه سيموت على كفره، فهي من الخصوص الذي جاء بلفظ العموم. ونحوه عن الماوردي: نزلت جوابا، وعني بالكافرين قوما معينين. لا جميع الكافرين؛ لأن منهم من آمن، فعبد اللّه، ومنهم من مات أو قتل على كفره.، وهم المخاطبون بهذا القول، وهم المذكورون. قال أبو بكر بن الأنباري: وقرأ من طعن في القرآن: قل للذين كفروا

{لا أعبد ما تعبدون} وزعم أن ذلك هو الصواب، وذلك افتراء على رب العالمين، وتضعيف لمعنى هذه السورة، وإبطال ما قصده اللّه من أن يذل نبيه للمشركين بخطابه إياهم بهذا الخطاب الزري، وإلزامهم ما يأنف منه كل ذي لب وحجا. وذلك أن الذي يدعيه من اللفظ الباطل، قراءتنا تشتمل عليه في المعنى، وتزيد تأويلا ليس عندهم في باطلهم وتحريفهم.

فمعنى قراءتنا: قل للذين كفروا: يأيها الكافرون؛ دليل صحة هذا: أن العربي إذا قال لمخاطبه قل لزيد أقبل إلينا، فمعناه قل لزيد يا زيد أقبل إلينا. فقد وقعت قراءتنا على كل ما عندهم، وسقط من باطلهم أحسن لفظ وأبلغ معنى؛ إذ كان الرسول عليه السلام يعتمدهم في ناديهم، فيقول لهم:

{يأيها الكافرون}. وهو يعلم أنهم يغضبون من أن ينسبوا إلى الكفر، ويدخلوا في جملة أهله إلا وهو محروس ممنوع من أن تنبسط عليه منهم يد، أو تقع به من جهتهم أذية. فمن لم يقرأ {قل يأيها الكافرون} كما أنزلها اللّه، أسقط آية لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وسبيل أهل الإسلام ألا يسارعوا إلى مثلها، ولا يعتمدوا نبيهم باختزال الفضائل عنه، التي منحه اللّه إياها، وشرفه بها.وأما وجه التكرار فقد قيل إنه للتأكيد في قطع أطماعهم؛ كما تقول: واللّه لا أفعل كذا، ثم واللّه لا أفعله. قال أكثر أهل المعاني: نزل القرآن بلسان العرب، ومن مذاهبهم التكرار إرادة التأكيد والإفهام، كما أن من مذاهبهم الاختصار إرادة التخفيف والإيجاز؛ لأن خروج الخطيب والمتكلم من شيء إلى شيء أولى من اقتصاره في المقام على شيء واحد؛ قال اللّه تعالى: {فبأي آلاء ربكما تكذبان} [الرحمن: ١٣]. {ويل يومئذ للمكذبين} [المطففين: ١٠]. {كلا سيعلمون، ثم كلا سيعلمون} [النبأ: ٤ – ٥]. و {فإن مع العسر يسرا. إن مع العسر يسرا} [الشرح: ٥ – ٦]. كل هذا على التأكيد. وقد يقول القائل: إرم إرم، اعجل اعجل؛ ومنه قوله عليه السلام في الحديث الصحيح: (فلا آذن، ثم لا آذن، إنما فاطمة بضعة مني). خرجه مسلم. ووقال الشاعر:

هلا سألت جموع كندة يوم ولوا أين أينا

وقال آخر:

يا لبكر انشروا لي كليبا يا لبكر أين أين الفرار

وقال آخر:

يا علقمة يا علقمة يا علقمة خير تميم كلها وأكرمه

وقال آخر:

يا أقرع بن حابس يا أقرع إنك إن يصرع أخوك تصرع

وقال آخر:

ألا يا اسلمي ثم اسلمي ثلاث تحيات وإن لم تكلم

ومثله كثير. وقيل: هذا على مطابقة قولهم: تعبد آلهتنا ونعبد إلهك، ثم نعبد آلهتنا ونعبد إلهك، ثم تعبد آلهتنا ونعبد إلهك، فنجري على هذا أبدا سنة وسنة. فأجيبوا عن كل ما قالوه بضده؛ أي إن هذا لا يكون أبدا. قال ابن عباس: قالت قريش للنبي صلى اللّه عليه وسلم: نحن نعطيك من المال ما تكون به أغنى رجل بمكة، ونزوجك من شئت، ونطأ عقبك؛ أي نمشي خلفك، وتكف عن شتم آلهتنا، فإن لم تفعل فنحن نعرض عليك خصلة واحدة هي لنا ولك صلاح، تعبد آلهتنا اللات والعزى سنة، ونحن نعبد إلهك سنة؛ فنزلت السورة. فكان التكرار في {لا أعبد ما تعبدون} ؛ لأن القوم كرروا عليه مقالهم مرة بعد مرة. واللّه أعلم.

وقيل: إنما كرر بمعنى التغليظ.

وقيل: أي {لا أعبد} الساعة {ما تعبدون. ولا أنتم عابدون} الساعة {ما أعبد}. ثم قال: {ولا أنا عابد} في المستقبل {ما عبدتم. ولا أنتم} في المستقبل {عابدون ما أعبد}. قاله الأخفش والمبرد.

وقيل: إنهم كانوا يعبدون الأوثان، فإذا ملوا وثنا، وسئموا العبادة له، رفضوه، ثم أخذوا وثنا غيره بشهوة نفوسهم، فإذا مروا بحجارة تعجبهم ألقوا هذه ورفعوا تلك، فعظموها ونصبوها آلهة يعبدونها؛ فأمر عليه السلام أن يقول لهم: {لا أعبد ما تعبدون} اليوم من هذه الآلهة التي بين أيدكم. ثم قال: {ولا أنتم عابدون ما أعبد} أي وإنما أنتم تعبدون الوثن الذي اتخذتموه، وهو عندكم الآن. {ولا أنا عابد ما عبدتم} أي بالأمس من الآلهة التي رفضتموها، وأقبلتم على هذه. {ولا أنتم عابدون ما أعبد} فإني أعبد إلهي.

وقيل: إن قوله تعالى: {لا أعبد ما تعبدون. ولا أنتم عابدون ما أعبد} في الاستقبال.

وقوله: {ولا أنا عابد ما عبدتم} على نفي العبادة منه لما عبدوا في الماضي. ثم قال: {ولا أنتم عابدون ما أعبد} على التكرير في اللفظ دون المعنى، من قبل أن التقابل يوجب أن يكون: ولا أنتم عابدون ما عبدت، فعدل عن لفظ عبدت إلى أعبد، إشعارا بأن ما عبد في الماضي هو الذي يعبد في المستقبل، مع أن الماضي والمستقبل قد يقع أحدهما موقع الآخر. وأكثر ما يأتي ذلك في أخبار اللّه عز وجل.

وقال: {ما أعبد}، ولم يقل: من أعبد؛ ليقابل به {ولا أنا عابد ما عبدتم} وهي أصنام وأوثان، ولا يصلح فيها إلا {ما} دون {من} فحمل الأول على الثاني، ليتقابل الكلام ولا يتنافى. وقد جاءت {ما} لمن يعقل. ومنه قولهم: سبحان ما سخركن لنا.

وقيل: إن معنى الآيات وتقديرها: قل يا أيها الكافرون لا أعبد الأصنام التي تعبدونها، ولا أنتم عابدون اللّه عز وجل الذي أعبده؛لإشراككم به، واتخاذكم الأصنام، فإن زعمتم أنكم تعبدونه، فأنتم كاذبون؛ لأنكم تعبدونه مشركين. فأنا لا أعبد ما عبدتم، أي مثل عبادتكم؛ {فما} مصدرية. وكذلك {ولا أنتم عابدون ما أعبد} مصدرية أيضا؛ معناه ولا أنتم عابدون مثل عبادتي، التي هي توحيد.

٦

لكم دينكم ولي دينفيه معنى التهديد؛ وهو ك قوله تعالى: {لنا أعمالنا ولكم أعمالكم} [القصص: ٥٥] أي إن رضيتم بدينكم، فقد رضينا بديننا. وكان هذا قبل الأمر بالقتال، فنسخ بآية السيف.

وقيل: السورة كلها منسوخة.

وقيل: ما نسخ منها شيء لأنها خبر.

ومعنى {لكم دينكم} أي جزاء دينكم، ولي جزاء ديني. وسمى دينهم دينا، لأنهم اعتقدوه وتولوه.

وقيل: المعنى لكم جزاؤكم ولي جزائي؛ لأن الدين الجزاء. وفتح الياء من {ولي دين} نافع، والبزي عن ابن كثير باختلاف عنه، وهشام عن ابن عامر، وحفص عن عاصم. وأثبت الياء في {ديني} في الحالين نصر بن عاصم وسلام ويعقوب؛ قالوا: لأنها اسم مثل الكاف في قمت. الباقون بغير ياء، مثل قوله تعالى: {فهو يهدين} [الشعراء: ٧٨] {فاتقوا اللّه وأطيعون} [آل عمران: ٥٠] ونحوه، اكتفاء بالكسرة، واتباعا لخط المصحف، فإنه وقع فيه بغير ياء.

﴿ ٠