بسم اللّه الرحمن الرحيم قراء المدينة والبصرة والشام وفقهاؤها على أن التسمية ليست بآية من الفاتحة ولا من غيرها من السور و إنما كتبت للفصل والتبرك للابتداء بها وهو مذهب أبي حنيفة ومن تابعه رحمهم اللّه ولذا لا يجهر بها عندهم في الصلاة

وقراء مكة والكوفة على أنها آية من الفاتحة ومن كل سورة وعليه الشافعى وأصحابه رحمهم اللّه ولذا يجهرون بها في الصلاة وقالوا قد أثبتها السلف في المصحف مع الأمر بتجريد القرآن عما ليس منه

وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما من تركها فقد ترك مائة وأربع عشرة آية من كتاب اللّه ولنا حديث أبي هريرة قال سمعت النبي عليه السلام يقول:

قال اللّه تعالى قسمت الصلاة -أي الفاتحة- بينى وبين عبدى نصفين ولعبدى ما سأل فاذا قال العبد

الحمد للّه رب العالمين قال اللّه تعالى حمدني عبدى

و إذا قال الرحمن الرحيم قال اللّه تعالى أثنى على عبدى

و إذا قال مالك يوم الدين قال مجدنى عبدى

و إذا قال إياك نعبد وإياك نستعين قال هذا بينى وبين عبدى ولعبدى ما سأل

فاذا قال اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال هذا لعبدى ولعبدى ما سأل

فالابتداء بقوله الحمد للّه دليل على أن التسمية ليست من الفاتحة و إذا لم تكن من الفاتحة لا تكون من غيرها إجماعا والحديث مذكور في صحاح المصابيح وماذكروا لا يضرنا لأن التسمية آية من القرآن انزلت للفصل بين السور عندنا ذكره فخر الإسلام في المبسوط

و إنما يرد علينا أن لو لم نجعلها آية من القرآن وتمام تقريره في الكافى وتعلقت الباء بمحذوف تقديره بسم اللّه اقرأ أو أتلو لأن الذى يتلو التسمية مقروء كما أن المسافر إذا حل وارتحل فقال بسم اللّه والبركات كان المعنى بسم اللّه أحل وبسم اللّه أرتحل وكذا الذابح وكل فاعل يبدأ في فعله بسم اللّه كان مضمرا ما جعل التسمية مبدأ له و إنما قدر المحذوف متأخرا لأن الأهم من الفعل والمتعلق به هو المتعلق به وكانوا يبدءون بأسماء آلهتم فيقولون باسم اللات وباسم العزى فوجب أن يقصد الموحد معنى اختصاص اسم اللّه عز وجل بالابتداء وذا بتقديمه وتأخير الفعل و إنما قدم الفعل في اقرأ باسم ربك

لأنها أول سورة نزلت في قول وكان الأمر بالقراءة اهم فكان تقديم الفعل اوقع ويجوز أن يحمل اقرأ على معنى افعل القراءة وحققها كقولهم فلان يعطى ويمنع غير متعد إلى مقروء به و أن يكون باسم ربك مفعول اقرأ الذى بعده

واسم اللّه يتعلق بالقراءة تعلق الدهن بالانبات في قوله تنبت بالدهن [المؤمنون: ٢٠] على معنى متبركا باسم اللّه اقرأ ففيه تعليم عباده كيف يتبركون باسمه وكيف يعظمونه وبنيت الباء على الكسر لأنها تلازم الحرفية والجر فكسرت لتشابه حركتها عملها والاسم من الأسماء التى بنوا أوائلها على السكون كالابن والابنة وغيرهما فإذا نطقوا بها مبتدئين زادوا همزة تفاديا عن الابتداء بالساكن تعذرا و إذا وقعت في الدرج لم يفتقر إلى زيادة شيء ومنهم من لم يزدها واستغنى عنها بتحريك الساكن فقال سم وسم وهو من الأسماء المحذوفة الإعجاز كيد ودم وأصله سمو بدليل تصريفه كاسماء وسمى وسميت واشتقاقه من السمو وهو الرفعة لأن التسمية تنويه بالمسمى وإشادة بذكره وحذفت الألف في الخط هنا وأثبتت في قوله اقرأ باسم ربك [العلق:١] لأنه اجتمع فيها أي في التسمية مع أنها تسقط في اللفظ كثرة الاستعمال وطولت الباء عوضا من حذفها

وقال عمر بن عبد العزيز لكاتبه طول الباء واظهر السينات ودور الميم واللّه أصله الإله ونظيره الناس أصله الأناس حذفت الهمزةوعوض منها حرف التعريف والإله من أسماء الأجناس يقع على كل معبود بحق أو باطل ثم غلب على المعبود بالحق كما أن النجم اسم لكل كوكب ثم غلب على الثريا و اما اللّه بحذف الهمزة فمختص بالمعبود بالحق لم يطلق على غيره وهو اسم غير صفة لأنك تصفه ولا تصف به لا تقول شيء إله كما لا تقول شيء رجل وتقول اللّه واحد صمد ولأن صفاته تعالى لا بدلها من موصوف تجرى عليه فلو جعلتها كلها صفات لبقيت صفات غير جارية على اسم موصوف بها وذا لا يجوز ولا اشتقاق لهذا الاسم عند الخليل و الزجاج ومحمد بن الحسن والحسين بن الفضل وقيل معنى الاشتقاق أن ينتظم الصيغتين فصاعدا معنى واحد وصيغة هذا الاسم وصيغة قولهم أله إذا تحير ينتظمهما معنى التحير والدهشة وذلك أن الأوهام تتحير في معرفة المعبود وتدهش الفطن ولذا كثر الضلال وفشا الباطل وقل النظر الصحيح وقيل هو من قولهم أله يأله إلها إذا عبد فهو مصدر بمعنى مألوه أي معبود كقوله هذا خلق اللّه [لقمان:١١] اى مخلوقه وتفخم لامه إذا كان قبلها فتحة أو ضمة وترقق إذا كان قبلها كسرة ومنهم من يرققها بكل حال ومنهم من يفخم بكل حال والجمهور على الأول والرحمن فعلان من رحم وهو الذى وسعت رحمته كل شيء كغضبان من غضب وهو الممتلئ غضبا وكذا الرحيم فعيل منه كمريض من مرض وفي الرحمن من المبالغة ما ليس في الرحيم لأن في الرحيم زيادة واحدة وفى الرحمن زيادتين وزيادة اللفظ تدل على زيادة المعنى ولذا جاء في الدعاء يارحمن الدنيا لأنه يعم المؤمن والكافر ورحيم الآخرة لأنه يخص المؤمن

وقالوا الرحمن خاص تسمية لأنه لا يوصف به غيره وعام معنى لما بينا والرحيم بعسكه لأنه يوصف به غيره ويخص المؤمنين ولذا قدم الرحمن وإن كان أبلغ والقياس الترقى من الأدنى إلى الأعلى يقال فلان عالم ذو فنون بحرير لأنه كالعلم لما لم يوصف به غير اللّه ورحمة اللّه إنعامه على عباده وأصلها العطف وأما قول الشاعر في مسيلمة

وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا

فباب من تعنتهم في كفرهم ورحمن غير منصرف عند من زعم أن الشرط انتفاء فعلانه إذ ليس له فعلانة ومن زعم أن الشرط وجود فعلى صرفه إذ ليس له فعلى والاول الوج

﴿ ١