٨{ومن الناس من يقول آمنا باللّه وباليوم الآخر} افتتح سبحانه وتعالى بذكر الذين أخلصوا دينهم للّه وواطأت فيه قلوبهم ألسنتهم ثم ثنى بالكافرين قلوبا وألسنة ثم ثلث بالمنافقين الذين آمنوا بافواههم ولم تؤمن قلوبهم وهم أخبث الكفرة لأنهم خلطوا بالكفر استهزاء وخداعا ولذا أنزل فيهم إن المنافقين في الدرك الاسفل من النار وقال مجاهد أربع آيات من أول السورة فى نعت المؤمنين وآيتان فى ذكر الكافرين وثلاث عشرة آية فى المنافقين نعى عليهم فيها نكرهم وخبثهم وسفههم واستجهلهم واستهزأ بهم وتهكم بفعلهم وسجل بطغيانهم عمههم ودعاهم صمابكما عميا وضرب لهم الأمثال الشنيعة وقصة المنافقين عن آخرها معطوفة على قصة الذين كفروا كما تعطف الجملة على الجملة وأصل ناس أناس حذفت همزته تخفيفا وحذفها كاللازم مع لام التعريف لا يكاد يقال الأناس ويشهد لأصله إنسان وأناس وإنس وسموا به لظهورهم وانهم يؤنسون أى يبصرون كما سمى الجن لاجتنانهم ووزن ناس فعال لأن الزنة على الأصول فإنك تقول وزن قه افعل وليس معك إلا العين وهو من أسماء الجمع ولام التعريف فيه للجنس ومن موصوفة ويقول صغة لها كأنه قيل ومن الناس ناس يقولون كذا و إنما خصوا الايمان باللّه وباليوم الآخر وهو الوقت الذى لا حد له وهو الأبد الدائم الذى لا ينقطع و إنما سمى بالآخر لتاخره عن الاوقات المنقضية أو الوقت المعهود من النشور إلى أن يدخل أهل الجنة الجنة و أهل النار النار لأنهم اوهموا فى هذا المقال أنهم أحاطوا بجانبى الإيمان أوله وآخره وهذا لأن حاصل المسائل الاعتقادية يرجع إلى مسائل المبدأ وهى العلم بالصانع وصفاته وأسمائه ومسائل المعاد وهى العلم بالنشور والبعث من القبور والصراط والميزان وسائر أحوال الآخرة وفى تكرير الباء إشارة إلى أنهم ادعوا كل واحد من الإيمانيين على صفة الصحة والاستحكام إنما طابق قوله {وما هم بمؤمنين} وهو فى ذكر شأن الفاعل لا الفعل قولهم آمنا باللّه وباليوم الآخر وهو فى ذكر شأن الفعل لا الفاعل لأن المراد انكار ما ادعوه ونفيه على أبلغ وجه وآكده وهو اخراج ذواتهم من أن تكون طائفة من المؤمنين ونحوه قوله تعالى {يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها} [المائدة:٣٧] فهوأبلغ من قولك وما يخرجون منها واطلق الإيمان فى الثانى بعد تقييده فى الأول لأنه يحتمل أن يراد التقييد ويترك لدلالة المذكور عليه ويحتمل أن يراد نفى أصل الإيمان وفى ضمنه نفى المذكور اولا والاية تنفى قول الكرامية أن الإيمان هو الاقرار باللسان لا غير لأنه نفى عنهم اسم الإيمان مع وجود الاقرار منهم وتؤيد قول أهل السنة إنه إقرار باللسان وتصديق بالجنان ودخلت الباء فى خبر ما مؤكدة للنفى لأنه يستدل به السامع على الجحد إذا غفل عن أول الكلام ومن موحد اللفظ فلذا قيل يقول وجمع وماهم بمؤمنين نظرا إلى معناه |
﴿ ٨ ﴾