١٨٧

{أحل لكم ليلة الصيام الرفث} أى الجماع

{إلى نسائكم} عدى بالى لتضمنه معنى الافضاء و إنما كنى عنه بلفظ الرفث الدال على معنى القبح ولم يقل الافضاء إلى نسائكم استقباحا لما وجد منهم قبل الاباحة كما سماه اختيانا لأنفسهم ولما كان الرجل والمرأة يعتنقان ويشتمل كل واحد منهما على صاحبه فى عناقه شبه باللباس المشتمل عليه بقوله تعالى

{هن لباس لكم وأنتم لباس لهن} وقيل لباس أى ستر عن الحرام وهن لباس لكم استئناف كالبيان لسبب الاحلال وهو أنه إذا كانت بينكم وبينهن مثل هذه المخالطةوالملابسة قل صبركم عنهن وصعب عليكم اجتنابهن فلذا رخص لكم فى مباشرتهن

{علم اللّه أنكم كنتم تختانون أنفسكم} تظلمونها بالجماع وتنقصونها حظها من الخير والاختيان من الخيانة كالاكتساب من الكسب فيه زيادة وشدة

{فتاب عليكم} حين تبتم مما ارتكبتم من المحظور

{وعفا عنكم} ما فعلتم قبل الرخصة

{فالآن باشروهن} جامعوهن فى ليالى الصوم وهو أمر إباحة وسميت المجامعه مباشرة لالتصاق بشرتيهما

{وابتغوا ما كتب اللّه لكم} واطلبوا ما قسم اللّه لكم وأثبت فى اللوح من الولد بالمباشرة أى لا تباشروالقضاء الشهوة وحدها ولكن لابتغاء ما وضع اللّه له النكاح من التناسل أو وابتغوا المحل الذى كتبه اللّه لكم وحللّه دون ما لم يكتب لكم من المحل المحرم

{وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض} هو أول ما يبدو من الفجر المعترض فى الأفق كالخيط الممدود

{من الخيط الأسود} وهو ما يمتد من سواد الليل شبها بخيطين أبيص وأسوج لامتدادهما

{من الفجر} بيان أن الخيط الأبيض من الفجر لا من غيره واكتفى به عن بيان الخيط الأسود لأن بيان احدهما بيان للآخر أو من للتبعيض لأنه بعض الفجر وأوله وقوله من الفجر أخرجه من باب الاستعارة وصيره تشبيها بليغا كما أن قولك رأيت أسد ا مجازا فاذا ازدت من فلان رجع تشبيها وعن عدى بن حاتم قال عمدت إلى عقالين أبيض وأسود فجعلتهما تحت وسادتى فنظرت الهيما فلم يتبين لى الأبيض من الأسود فأخبرت النبى عليه السلام بذلك فقال: إنك لعريض القفا أى سليم القلب لأنه مما يستدل به على بلاهة الرجل وقلة فطنته إنما ذلك بياض النهار وسواد الليل وفى قوله

{ثم أتموا الصيام إلى الليل} أى الكف عن هذه الأشياء وفيه دليل على جدواز النية بالنهار فى صوم رمضان وعلى جواز تأخير الغسل إلى الفجر وعلى نفى الوصال وعلى وجوب الكفارة فى الأكل والشرب وعلى أن الجنابة لا تنافى الصوم

{ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد} معتكفون فيها بين أن الجماع يحل فى ليالى رمضان لكن لغير المعتكف والجملة فى موضع الحال وفيه دليل على أن الاعتكاف لا يكون إلا فى المسجد و أنه لا يختص به مسجد دون مسجد

{تلك} الأحكام التى ذكرت

{حدود اللّه} أحكامه المحدودة

{فلا تقربوها} بالمخالفة والتغيير

{كذلك يبين اللّه آياته} شرائعه

{للناس لعلهم يتقون} المحارم

﴿ ١٨٧