تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل

أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م)

_________________________________

سورة النساء

سورة النساء نزلت بالمدينة آياتها مائة وست وسبعون آية بسم اللّه الرحمن الرحيم

_________________________________

{يا أيها الناس} يا بنى آدم

{اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة} فرعكم من أصل واحد وهو نفس آدم ابيكم

{وخلق منها زوجها} معطوف على محذوف كأنه قيل من نفس واحدة أنشأها وخلق منها زوجها والمعنى شعبكم من نفس واحدة هذه صفتها وهى أنه صفتها وهى أنه أنشأها من تراب وخلق منها زوجها حواءمن ضلع من أضلاعه

{وبث منهما} ونشر من آدم وحواء

{رجالا كثيرا ونساء} كثيرة أى وبث منهما نوعى جنس الإنس وهما الذكور والإناث فوصفها بصفة هى بيان وتفصيل لكيفية خلقهم منها أو على خلقكم والخطاب فى يا أيها الناس للذين بعث اليهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والمعنى خلقكم من نفس آدم وخلق منها امكم حواء وبث منهما رجالا كثيرا ونساء غيركم من الأمم الفائتة للحصر فان قلت الذى تقتضيه جزالة النظم أن يجاء عقيب الأمر بالتقوى بما يدعوا اليها فكيف كان خلقه إياهم من نفس واحدة على التفصيل الذى ذكره داعيا اليها قلت لأن ذلك مما يدل على القدرة العظيمة ومن قدر على نحوه كان قادرا على كل شيء ومن المقدورات عقاب الكفار والفجار فالنظر فيه يؤدى إلى أن يتقى القادر عليه ويخشى عقابه و لأن يدل على النعمة السابغة عليهم فحقهم أن يتقوه فى كفرانها قال عليه السلام عند نزول الآية: خلقت المرأة من الرجل فهمها فى الرجل وخلق الرجل من التراب فهمه فى التراب

{واتقوا اللّه الذي تساءلون به} والأصل تتساءلون فأدغمت التاء فى السين بعد إبدالها سينا لقرب التاء من السين للّهمس تساءلون به بالتخفيف كوفى على حذف التاء الثانية استثقالا لاجتماع التاءين أى يسأل بعصكم بعضا باللّه وبالرحم أفعل كذا على سبيل الاستعطاف

{والأرحام} بالنصب على أنه معطوف على اسم اللّه تعالى أى واتقوا الأرحام أن تقطعوها أو على موضع الجار والمجرور كقولك مررت بزيد وعمر أو بالجر حمزة على عطف الظاهر على الضمير وهو ضعيف لأن الضمير المتصل كاسمه متصل والجار والمجرور كسئ واحد فاشبه العطف على بعض الكلمة

{إن اللّه كان عليكم رقيبا} حافظا أو عالما

٢

{وآتوا اليتامى أموالهم} يعنى الذين ماتت آباؤهم فانفردوا عنهم واليتم الإنفراد ومنه الدرة اليتيمة وقيل اليتم فى الأناسى من قبل الآباء وفى البهائم من قبل الأمهات وحق هذا الاسم أن يقع على الصغار والكبار لبقاء معنى الانفراد عن الآباء إلا أنه قد غلب أن يسموا به قبل أن يبلغوا مبلغ الرجال فإذا استغنوا بأنفسهم عن كافل وقائم عليهم زال هذا الاسم عنهم وقوله عليه السلام: لا يتم بعد الحلم

تعليم شريعة لا لغة يعنى أنه إذا احتلم لم تجر عليه احكام الصغار والمعنى وآتوا اليتامى أموالهم بعد البلوغ وسماهم يتامى لقرب عهدهم إذا بلغوا بالصغر وفيه اشارة إلى أن لا يؤخر دفع أموالهم اليهم عن حد البلوغ أن أونس منهم الرشد و أن يؤتوها قبل أن يزول عنهم اسم اليتامى والصغار

{ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب} ولا تستبدلوا الحرام وهو مال اليتامى بالحلال وهو مالكم أو لاتستبدلوا الأمر الخبيث وهو اختزال أموال اليتامى بالأمر الطيب وهو حفظها والتورع عنها والتفعل بمعنى الاستفعال غير عزيز ومنه التعجل بمعنى الاستعجال

{ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم} إلى متعلقة بمحذوف وهو فى موضع الحال أى مضافة إلى أموالكم المعنى ولا تضموها إليها فى الإنفاق حتى لاتفرقوا بين أموالكم وأموالهم قلة مبالاة بمالا يحل لكم وتسوية بينه وبن الحلال

{أنه} إن اكلها

{كان حوبا كبيرا} ذنبا عظيما

٣

{وإن خفتم ألا تقسطوا} أى لا تعدلوا أقسط أى عدل

{في اليتامى} يقال للاناث اليتامى كما يقال للذكور وهو جمع يتيمة ويتيم و اما أيتام فجمع يتيم لا غير

{فانكحوا ما طاب لكم} ما حل لكم

{من النساء} لأن منهن ما حرم اللّه كاللاتى فى آية التحريم وقيل ماذهابا إلى الصفة لأن ما يجئ فى صفات من يعقل فكأنه قيل الطيبات من النساء و لأن الاناث من العقلاء يجرين مجرى غير العقلاء ومنه قوله تعالى

{أو ما ملكت أيمانكم} قبل كانوا لا يتحرجون من الزنا ويتحرجون من ولاية اليتامى فقيل إن خفتم الجور فى حق اليتامى فخافوا الزنا فانكحوا ما حل لكم من النساء ولا تحوموا حول المحرمات اوكانوا يتحرجون من الولاية فى اموال اليتامى ولا يتحرجون من الاستكثار من النسار مع أن الجور يقع بينهن إذا كثرن فكأنه قيل إذا تحرجتم من هذا فتحرجوا من ذلك وقيل و إن خفتم أن لا تقسطوا فى نكاح اليتامى فانكحوا من البالغات يقال طابت الثمرة أى أدركت

{مثنى وثلاث ورباع} نكرات و إنما منعت الصرف للعدل والوصف وعليه دل كلام سيبويه ومجلهن النصب على الحال من النساء أو مما طاب تقديره فانكحوا الطيات لكم معدودات هذا العدد ثنتين ثنتين وثلاثا ثلاثا وأربعا أربعا فإن قالت الذى إطلق للناكح فى الجمع أن يجمع بين اثنتين أو ثلاث أو اربع فما معنى التكرير فى مثنى وثلاث ورباع قلت الخطاب للجميع فوجب التكرير ليصيب كل ناكح يريد الجمع ما أراد من العدد الذى أطلق له كما تقول للجماعة اقتسموا هذا المال وهو الف درهم درهمين درهمين وثلاثة ثلاثة و أربعة أربعة ولو أفردت لم يكن له معنى وجئ بالواو لتدل على تجويز الجمع بين الفرق ولو جئ بأو مكانها لذهب معنى التجويز

{فإن خفتم ألا تعدلوا} بين هذه الأعداد

{فواحدة} فالزموا أو فاختاروا واحدة

{أو ما ملكت أيمانكم} سوى في اليسر بين الحرة الواحدة وبين الإماء من غير حصر

{ذلك} إشارة إلى اختيار الواحدة والتسرى

{أدنى ألا تعولوا} أقرب من أن لا تميلوا أو لا تجوروا يقال علا الميزان عولا إذا مال وعال الحاكم فى حكمه إذا جار ويحكى عن الشافعى رحمه اللّه نه فسر أن لا تعولوا أن لا تكثر عيالكم واعترضوا عليه بأنه يقال أعال يعيل إذا كثر عياله وأجيب بأن يجعل من قولك عال الرجل عياله يعولهم كقولك مانهم يمونهم إذا أنفق عليهم لأن من كثر عياله لزمه أن يعولهم وفى ذلك ما يصعب عليه المحافظة على حدود الورع وكسب الحلال وكلام مثله من أعلام العلم حفيق بالحمل على السداد و أن لا يظن به تحريف تعيلوا إلى تعولوا كأنه سلك فى تفسير هذه الكلمة طريقة الكنايات

٤

{وآتوا النساء صدقاتهن} مهورهن

{نحلة} من نحلة كذا إذا أعطاه إياه ووهبه له عن طيبة من نفسه نحلة ونحلا وانتصابها على المصدر لأن النحلة والإيتاء بمعنلا الإعطاء فكأنه قال وانحلوا النساء صدقاتهن نحلة أى أعطوهن مهورهن عن طيبة أنفسكم أو على الحال من المخاطبين أى آتوهن صدقاتهن ناحلين طيبى النفوس والإعطاء أو من الصدقات أى منحولة معطاة عن طيبة الأنفس وقيل نحلة من اللّه تعالى عطية من عنده وتفضلا منه عليهن و قيل النحلة الملة وفلان ينتحل كذا أى يدين به يعنى وآتوهن مهورهن ديانة على أنها مفعول لها والخطاب للأزواج وقيل للأولياء لأنهم كانوا يأخذون مهور بناتهم

{فإن طبن لكم} للأزواج

{عن شيء منه} أى من الصداق اذهو فى معنى الصدقات

{نفسا} تمييز وتوحيدها لأن الغرض بيان الجنس والواحد يدل عليه والمعنى فإن وهبن لكم شيئا من الصدقات وتجافت عنه نفوسهن طيبات غير مخبثات بما يضطرهن إليه الهبة من شكاسة أخلاقكم وسوء معاشرتكم وفى الآية دليل على ضيق المسلك فى ذلك ووجوب الاحتياط حيث بنى الشرط على طيب النفس فقيل فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا ولم يقل فإن وهبن لكم إعلاما بأن المراعى هو تجافى نفسها عن الموهوب طيبة

{فكلوه} الهاء يعود على شيء

{هنيئا} لا اثم فيه

{مريئا} لا داء فيه، فسرهما النبى عليه السلام؛

أو هنيئا فى الدنيا بلا مطالبة مريئا فى العقبى لا تبعة وهما صفتان من هنؤ الطعام ومرؤ إذا كان سائغا لا تنغيص فيه وهما وصف مصدر أى أكلا هنيئا مريئا أو حال من الضمير أى كلوه وهو هنى مرئ وهذه عبارة عن المبالغة فى الإباحة وإزالة التبعة هنيا مريا بغير همز يزيد وكذا حمزة فى الوقف وهمزهما الباقون وعن على رضى اللّه عنه إذا اشتكى أحدكم شيئا فليسأل امرأته ثلاثة دراهم من صداقها ثم ليشتر بها عسلا فليشر به بماء السماء فيجمع اللّه له هنيئا ومريئا وشفاء ومباركا

٥

{ولا تؤتوا السفهاء} المبذرين أموالهم الذين ينفقونها فيما لا ينبغى ولا قدرة لهم على إصلاحها وتثميرها والتصرف فيها والخطاب للأولياء وأضاف إلى الأوليساء اموال السفهاء بقوله

{أموالكم} لأنهم يلونها ويمسكونها

{التي جعل اللّه لكم قياما} أى قواما لأبدائكم ومعاشا لأهلكم وأولادكم فيما بمعنى قياما نافع وشامى كما جاء عوذا بمعنى عياذا وأصل قيام قوام فجعلت الواو ياء لانكسار ما قبلها وكان السلف يقولون المال سلاح المؤمن و لأن أترك ما لا يحاسبنى اللّه عليه خير من أن احتاج إلى الناس وعن سفيان وكان له بضاعة يقلبها لولاها لتمندل بى بنوا العباس

{وارزقوهم فيها} واجعلوها مكانا لرزقهم بأن تنجروا فيها وتربحوا حتى تكون نفقتهم من الأرباح لامن صلب المال فيأكلها الإنفاق

{واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا} قال ابن جريج عدة جميلة إن صلحتم ورشدتم سلمنا إليكم أموالكم وكل ما سكنت إليه النفس الحسنة عقلا أو شرعا من قول أو عمل فهو معروف وما أنكرته لقبحه فهو منكر

٦

{وابتلوا اليتامى} واختبروا عقولهم وذوقوا أحوالهم ومعرفتهم بالتصرف قبل البلوغ فالابتلاء عندنا أن يدفع إليه ما يتصرف فيه حتى تتبين حاله فيما يجئ منه وفيه دليل على جواز اذن الصبى العاقل فى التجارة

{حتى إذا بلغوا النكاح} أى الحلم لأنه يصلح للنكاح عند ولطلب ما هو مقصود به وهو التولد

{فإن آنستم منهم} تبينتم

{رشدا} هداية فى التصرفات وصلاحا فى المعاملات

{فادفعوا إليهم أموالهم} من غير تأخير عن حد البلوغ ونظم هذا الكلام أن ما بعد حتى إلى فادفعوا اليهم اموالهم جعل غاية للابتلاء وهى حتى التى تقع بعدها الجمل كالتى فى قوله حتى ماء دجلة أشكل والجملة الواقعة بعدها جملة شرطية لأن إذا متضمنة معنى الشرط وفعل الشرط بلغوا النكاح وقوله فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا اليهم أموالهم جملة من شرط وجزاء واقعة جوابا للشرط الأول الذى هو إذا بلغوا النكاح فكأنه قيل وابتلوا اليتامى إلى وقت بلوغهم واستحقاقهم دفع أموالهم اليهم شرط إيناس الرشد منهم وتنكير الرشد يفيد أن المراد رشد مخصوص وهو الرشد فى التصرف والتجارة أو يفيد التقليل أى طرفا من الرشد حتى لا ينتظر به تمام الرشد وهو دليل لابى حنيفة رحمه اللّه فى دفع المال عند بلوغ خمس وعشرين سنة

{ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا} ولا تأكلوها مسرفين ومبادرين كبرهم فاسرافا وبدارا مصدران فى موضع الحال و أن يكبروا فى موضع المصدر منصوب الموضع ببدارا ويجوز أن يكونا مفعولا لهما أى لاسرافكم ومبادرتكم كبرهم تفرطون فى انفاقها وتقولون ننفق فيما نشتهي قبل أن يكبر اليتامى فينتزعوها من أيدينا

{ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف} قسم الأمر بين أن يكون الوصى غنيا وبين أن يكون فقيرا فالغنى يستعفف من أكلها أى يحترز من أكل مال اليتيم واستعف أبلغ من عف كأنه طالب زيادة العفة والفقير يأكل قوتا مقدرا محتاطا فى أكله عن إبراهيم ما سد الجوعة ووارى العورة

{فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم} بأنهم تسلموها وقبضوها دفعا للتجاحد وتفاديا عن توجه اليمين عليكم عند التخاصم والتناكر

{وكفى باللّه حسيبا} محاسبا فعليكم بالتصادق وإياكم والكاذب أو هو راجع إلى قوله فليأكل بالمعروف أى ولا يسرف فإن اللّه يحاسبه عليه ويجازيه به وفاعل كفى لفظة اللّه والباء زائدة وكفى يتعدى إلى مفعولين دليله فسيكفيكهم اللّه

٧

{للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون} هم المتوارثون من ذوى القرابات دون غيرهم

{مما قل منه أو كثر} بدل مما ترك بتكرير العامل والضمير فى منه يعود إلى ما ترك

{نصيبا} رنصب على الاختصاص بمعنى اعنى نصيبا

{مفروضا} مقطوعا لابد لهم من يحوزه روى أن أوس بن ثابت ترك امرأته أم كحة وثلاث بنات فزوى ابنا عمه ميراثه عنهن وكان أهل الجاهلية لا يورثون النساء والأطفال ويقولون لا يرث الامن طاعن بالرماح وحاز الغنيمة فجاءت أم كحة إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فشكت فقال ارجعى حتى أنظر ما يحدث اللّه فنزلت الآية فبعث اليهما لا تفرقا من مال أوس شيئا فإن اللّه تعالى قد جعل لهن نصيبا ولم يبين حتى يبين فنزلت يوصيكم اللّه فأعطى أم كحة الثمن والبنات الثلثين والباقى ابنى العم

٨

{وإذا حضر القسمة} أى قسمة التركة

{أولوا القربى} ممن لا يرث

{واليتامى والمساكين} من الأجانب

{فارزقوهم} فاعطوهم رمنه

{مما ترك الوالدان والأقربون} وهو أمر ندب وهو باق لم ينسخ وقيل كان واجبا فى الابتداء ثم نسخ بآية الميراث

{وقولوا لهم قولا معروفا} عذرا جميلا وعدة حسنة وقيل القول المعروف أن يقولوا لهم حذوا بارك اللّه عليكم ويستقلوا ما أعطوهم ولا يمنوا عليهم

٩

{وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا اللّه وليقولوا قولا سديدا} المراد بهم الأوصاء أمروا بأن يشخوا اللّه فيخافوا على من فى حجورهم من اليتامى فيشفقوا عليهم خوفهم على ذريتهم لو تركوهم ضعافا و أن يقدروا ذلك فى أنفسهم ويصوروه حتى لا يجسروا على خلاف الشفقة والرحمة ولو مع ما فى حيزه صله للذين أى وليخش الذين صفتهم وحالهم أنهم لو شارفوا أن يتركوا خلفهم ذرية ضعافا وذلك عند احتضارهم خافوا عليهم الضياع بعدهم الذهاب كافلهم وجواب لو خافوا والقول السديد من الأوصياء أن يكلموهم كما يكلمون أولادهم بالأدب الحسن والترحيب ويدعوهم بيا بنى ويا ولدى

١٠

{إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما} ظالمين فهو مصدر فى موضع الحال

{إنما يأكلون في بطونهم} ملء بطونهم

{نارا} أى يأكلون ما يجر إلى النار فكأنه نار روى أنه يبعث آكل مال اليتامى يوم القيامة والدخان يخرج من قبره ومن فيه وأذنيه فيعرف الناس أنه كان يأكل مال اليتيم فى الدنيا

{وسيصلون} شامى و أبو بكر أى سيدخلون

{سعيرا} نارا من النيران مبهمة الوصف

١١

{يوصيكم اللّه} يعهد اليكم ويأمركم

{في أولادكم} فى شأن ميراثهم وهذا اجمال تفصيله

{للذكر مثل حظ الأنثيين} أى للذكر منهم أى من أولادكم فحذف الراجع إليه لأنه مفهوم كقولهم السمن منوان بدرهم وبدأ يحظ الذكر و لم يقل للانثيين مثل حظ الذكر أو للأنثى نصف حظ الذكر لفصله كما ضوعف حظه لذلك ولأنهم كانوا يوريون الذكر دون الاناث وهو السبب لورود الآية فقيل كفى الذكور أن ضوعف لهم نصيب الاناث فلايتمادى فى حظهن حتى يحرمن مع ادلائهن من القرابة بمثل ما يدلون به والمراد حال الإجتماع إذا اجتمع الذكر والانثيان كان له سهمان كما أن لهما سهمين و اما فى حال الانفراد فالابن بأخذ المال كله والبنتان تأخذان الثلثين والدليل عليه أنه اتبعه حكم الانفراد بقوله

{فإن كن نساء} أى فإن كانت الأولاد نساء خلصا يعنى بناتا ليس معهن ابن

{فوق اثنتين} خبر ثان لكان أو صفة لنساء أى نساء زائدات على اثنتين

{فلهن ثلثا ما ترك} أى الميت لأن الآية لما كانت فى الميراث علم أن التارك هو الميت

{وإن كانت واحدة فلها النصف} أى وان كانت المولودة منفردة واحدة مدنى على كان التامة والنصب أو فوق لقوله فإن كن نساء فإن فلت قد ذكر حكم البنتين فى حال اجتماعهما مع الابن وحكم البنات والبنت فى حال الانفراد ولم يذكر حكم البنتين فى حال الانفراد فماحكمهما قلت حكمهما مختلف فيه فابن عباس رضى اللّه عنهما نزلهما منزلة الواحدة لا منزلة الجماعة وغيره من الصحابة رضى اللّه عنهم أعطوهما حكم الجماعة بمقتضى قوله للذكر مثل حظ الانثيين وذلك لأن من مات وخلف بنتا وابنا فالثلث للبنت والثلثان للابن فإذا كان الثلث لبنت واحدة كان الثلثان للبنتين و لأنه قال فى آخر السورة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك والبنتان أمس رحما بالميت من الأختين فأوجبوا لهما ما أوجب اللّه للاختين ولم ينقصوا حظهما عن حظ من هو ابعد منهما ولأن البنت لما وجب لها مع اخيها الثلث كان أحرى أن يجب لها الثلث إذا كانت مع اخت مثلها ويكون لأختها معها مثل ما كان يجب لها ايضا مع أخيها لو انفردت معه فوجب لهما الثلثان وفى الآية دلالة على أن المال كله للذكر إذا لم يكن معه أنثى لأنه جعل للذكر مثل حظ الانثيين وقد جعل للانثى النصف إذا كانت منفردة فعلم أن للذكر فى حال الانفراد ضعف النصف وهو الكل والضمير فى

{ولأبويه} للميت والمراد الأب والأم إلا أنه غلب الذكر

{لكل واحد منهما السدس} بدل من لأبويه بتكرير العامل وفائدة هذا البدل أنه لو قيل ولأبويه السدس لكان ظاهره اشتراكهما فيه ولو قيل ولأبويه السدسان لأوهم قسمة السدسين عليهما على التسوية وعلى خلافها ولو قيل ولكل واحد من أبويه السدس لذهبت فائدة التأكيد وهو التفصيل بعد الاجمال والسدس مبتدأ خبر لأبويه والبدل متوسط بينهما للبيان وقرأ الحسن السدس والربع والثمن والثلث بالتخفيف

{مما ترك إن كان له ولد} وهو يقع على الذكر والانثى

{فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث} أى مما ترك والمعنى وورثه أبواه فحسب لأنه إذا ورثه أبواه مع أحد الزوجين كان للأم ثلث ما يبقى بعد إخراج نصيب الزوج لا ثلث ما ترك لأن الأب أقوى من الأم فى الارث بدليل أن له ضعف حظها إذا خلصا فلو ضرب لها الثلث كملا لأدى إلى حظ نصيبه عن نصيبها فإن امرأة لو تركت زوجا وأبوين فصار للزوج النصف وللام الثلث والباقى للاب حازت الأم سهمين والأب سهما واحدا فينقلب الحكم إلى أن يكون للانثى مثل حظ الذكرين فلامه بكسر الهمزة حمزة وعلى لمجاروة كسر اللام

{فإن كان له} أى للميت

{إخوة فلأمه السدس} إذا كانت للميت اثنان منالاخوة والأخوات فصاعدا فلأمه السد والأخ لا يحجب والأعيان والغلات والأخياف فى حجم الام سواء

{من بعد وصية} متعلق بما تقدمه من قسمة المواريث كلها لا بما يليه وخدة كأنه قيل قسمة هذه الأنصباء من بعد وصية

{يوصي بها} وما بعده بفتح الصاد مكى وشامى وحماد ويحيى وافق الأعشى فى الاولى وحفص فى الثانية لمجاورة يورث وكسر الاولى لمجاوةر يؤصيكم اللّه البقاون بكسر الصادين أى يوصى بها الميت

{أو دين} والاشكال أن الدين مقدم على الوصية فى الشرع وقدمت الوصية على الدين فى التلاوة والجواب أن أو لا تدل على الترتيب ألا ترى انك إذا قلت جاءنى زيد أو عمرو كان المعنى جاءنى أحد الرجلين فكان التقدير فى قوله من بعد وصية يؤصى بها أو دين من بعد أحد هذين الشيئين الوصية أو الدين ولو قيل بهذا اللفظ لم يدر فيه الترتيب بل يجوز تقديم المؤخر وتأخير المقدم كذا هنا و إنما قدمنا الدين على الوصية بقوله عليه السلام ألا أن الدين قبل الوصية و لانها تشبه الميراث من حيث أنها صلة بلا عوض فكان اخراجها مما يشق على الورثة وكان أداؤها مظنة للتفريط بخلاف الدين فقدمت على الدين ليسارعوا إلى اخراجها مع الدين

{آباؤكم} مبتدأ

{وأبناؤكم} عطف عليه والخبر

{لا تدرون} وقوله {أيهم} مبتدأ خبره

{أقرب لكم} والجملة فى موضع نصب بتدرون

{نفعا} تمييز والمعنى فرض اللّه الفرائض على ماهو على حكمة ولو وكل ذلك اليكم لم تعلموا أيهم أنفع لكم فوضعتم انتم الأموال على غير حكمة والتفاوت فى السهام بتفاوت المنافع وأنتم لا تدرون تفاوتها فتولى اللّه ذلك فضلا منه ولم يكلها إلى اجتهادكم لعجزكم عن معرفة المقادير وهذه الجملة اعتراضية مؤكدة لا موضع لها من الاعراب

{فريضة} نصيب نصب المصدر المؤكد أى فرض ذلك فرضا

{من اللّه إن اللّه كان عليما}بالأشياء قبل خلقها

{حكيما} فى كل مافرض وقسم من الموابيث وغيرها

١٢

{ولكم نصف ما ترك أزواجكم} أى زوجاتكم

{إن لم يكن لهن ولد} أى ابن أو بنت

{فإن كان لهن ولد} منكم أو من غيركم

{فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين} والواحد والجماعة سواء فى الربع والثمن جعل ميراث الزوج ضعف ميراث الزوجه لدلالة قوله للذكر مثل حظ الانثيين

{وإن كان رجل} يعنى للميت وهو اسم كان

{يورث} من ورث أى يورث منه وهو صفة لرجل

{كلالة} خبر كان أى و إن كان رجل موروث منه كلالة أو يورث خبر كان وكلالة حال من الضمير فى يورث والكلالة تطلق على من لم يخلف ولدا ولا والدا و على من ليس بولد ولا والد من المخلفين وهو فى الأصل مصدر بمعنى الكلال وهو ذهاب القوة من الاعياء

{أو امرأة} عطف على رجل

{وله أخ أو أخت} أى لأم فإن قلت قد تقدم ذكر الرجل والمرأة فلم أفرد الضمير وذكره قلت اما افراده فلأن أو لأحد الشيئين واما تذكيره فلأنه يرجع إلى رجل لأنه مذكره مبدوء به أو يرجع إلى أحدهما وهو مذكر

{فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك} من واحد

{فهم شركاء في الثلث} لأنهم يستحقون بقرابة الأم وهى لا ترث أكثر من الثلث ولهذا لا يغضل الذكر منهم على الأنثى

{من بعد وصية يوصي بها أو دين} إنما كررت الوصية لاختلاف الموصين فالأول الوالدان والأولاد والثاني الزوجة والثالث الزوج والرابع الكلالة

{غير مضار} حال أى يوصى بها وهو غير مضار لورثته وذلك بأن يوصى بزيادة على الثلث أو لوارث

{وصية من اللّه} مصدر مؤكد أى يوصيكم بذلك وصية

{واللّه عليم} ممن جار أو عدل فى وصيته

{حليم} على الجائر لا يعاجله بالعقوبة وهذا وعيد فإن قلت فأين ذو الحال فيمن قرأ يوصى بها قلت يضمر يوصى فينتصب عن فاعله لأنه لما قيل يوصى بها علم أن ثم موصيا كما كان رجال فاعل ما يدل عليه يسبح لأنه لما قيل يسبح له علم أن ثم مسبحا فاضمر يسبح واعلم أن الورثة أصناف أصحاب الفرائض وهم الذين لهم سهام مقدرة كالبنت ولها النصف وللأكثر الثلثان وبنت الابن وان سفلت وهى عند عدم الولد كالبنت ولها مع البنت الصلبية السدس وتسقط بالابن وبنتى الصلب إلا أن يكون معها أو اسفل منها غلام فيعصبها والأخوات لأب وأم وهن عند عدم الولد ولدالابن كالبنات والاخوات لأب وهن كالأخوات لأب و أم عند عدمهن وبصير الفريقان عصبة مع البنت أو بنت الابن ويسقطن بالابن وابنه و إن سفل والأب و بالجد عند ابى حنيفة رحمه اللّه وولد الأم فللواحد السدس وللاكثر الثلث وذكرهم كانثاهم ويسقطون بالولد وولد الابن و إن سفل والأب والجد والأب وله السدس مع الابن أو ابن الابن و إن سفل ومع البنت أو بنت الابن و إن سفلت السدس والباقى والجد وهو أبو الأب وهو كالأب عند عدمه إلا فى رد الام إلى ثلث ما يبقى والام ولها السدس مع الولد أو ولد الابن و إن سفل أو الاثنين من الاخوة والاخوات فصاعدا من أى جهة كانا وثلث الكل عند عدمهم وثلث ما يبقى بعد فرض أحد الزوجين فى زوج وأبوين أو زوجة وأبوين والجدة ولها السدس و إن كثرت لأم كانت أو لأب والبعدى تحجب بالقربى والكل بالأم والأبويات بالأب والزوج وله الربع مع الولد أو ولد الابن و إن سفل وعند عدمه النصف والزوجة ولها الثمن مع الولد أو ولد الابن و إن سفل وعند عدمه الربع والعصبات وهم الذين يرثون ما بقى من الفرض وأولاهم إلابن ثم ابنه و إن سفل ثم الاب ثم أبوه و إن علائم الأخ لأب و أم ثم الاخ لاب ثم ابن الأخ لأب وأم ثم ابن الأخ لاب ثم الأعمام ثم أعمام الاب ثم أعمام الجد ثم المعتق ثم عصبته على الترتيب واللاتى فرضهن النصف والثلثان يصرن عصبة بأخواتهن لا غيرهن وذوو الأرحام وهم الاقارب الذين ليسوا من العصبات ولا من أصحاب الفرائص وترتيبهم كترتيب العصبات

١٣

{تلك} اشارة إلى الأحكام التى ذكرت فى باب اليتامى والوصايا والمواريث

{حدود اللّه} سماها حدودا لأن الشرائع كالحدود المضروبة للمكلفين لا يجوز لهم أن يتجاوزوها

{ومن يطع اللّه ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم

١٤

ومن يعص اللّه ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها} انتصب خالدين وخالدا على الحال وجمع مرة وأفرد أخرى نظرا إلى معنى ن ولفظها ندخله فيهما مدنى وشامى

{وله عذاب مهين} لهوانه عند اللّه ولا تعلق للمعتزلة بالآية فانها فى حق الكفار إذ الكافر هو الذى تعدى الحدود كلها و أما المؤمن العاصى فهو مطيع بالإيمان غير متعد حد التوحيد ولهذا فسر الضحاك المعصية هنا بالشرك وقال الكلبى ومن يعص اللّه ورسوله بكفره بقسمه المواريث ويتعد حدوده استحلالا ثم خاطب الحكام فقال

١٥

{واللاتي} هى جمع التى وموضعها رفع بالإبتداء

{يأتين الفاحشة} أى الزنا لزيادتها فى القبح على كثير من القبائح يقال أتى الفاحشة وجاءها ورهقها وغشيها بمعنى

{من نسائكم} من للتبعيض والخبر

{فاستشهدوا عليهن} فاطلبوا الشهادة

{أربعة منكم} من المؤمنين

{فإن شهدوا} بالزنا

{فأمسكوهن في البيوت} فاحبسوهن

{حتى يتوفاهن الموت} أى ملائكة الموت كقوله الذين تتوفاهم الملائكة أو حتى يأخذهن الموت ويستوفى أرواحهن

{أو يجعل اللّه لهن} قيل أو بمعنى إلا أن

{سبيلا} غيرهذه عن ابن عباس رضى اللّه عنهما السبيل للبكر جلد مائة وتغريب عام وللثيب الرجم لقوله عليه السلام خذوا عنى خذو عنى قد جعل اللّه لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة

١٦

{واللذان} يريد الزانى والزانية وبتشديد النون مكى

{يأتيانها منكم} أى الفاحشة

{فآذوهما} بالتوبيخ والتعبير وقولوا لهما أما استحييتما أما خفتما

{فإن تابا} عن الفاحشة واصلحا وغيرا الحال

{فأعرضوا عنهما} فاقطعوا التوبيخ والمذمة

{إن اللّه كان توابا رحيما} يقبل توبة التائب ويرحمه قال الحسن أول ما نزل من حد الزنا الاذى ثم الحبس ثم الجلد أو الرجم فكان ترتيب النزول على خلاف ترتيب التلاوة واحاصل إنهما إذا كانا محصنين فحدهما الرجم لا غير واذا كانا غير محصنين فحدهما الجلد لا غير و إن كان أحد هما محصنا والآخر غير محصن فعلى المحصن منهما الرجم وعلى الآخر الجلد وقال ابن بحر الآية الاولى فى السحاقات والثانية فى اللواطين والتى فى سورة النور فى الزانى والزانية وهو دليل ظاهر لابى حنيفة رحمه اللّه فى أنه يعزر فى اللواطة ولا يحد وقال مجاهد آية الأذى فى اللواطة

١٧

{إنما التوبة} هى من تاب اللّه عليه إذا قبل توبته أى إنما قبولها

{على اللّه} وليس المراد به الوجوب إذ لا يجب على اللّه شيء ولكنه تأكيد للوعد يعنى أنه يكون لا محالة كالواجب الذى لا يترك

{للذين يعملون السوء} الذنب لسوء عقابه

{بجهالة} فى موضع الحال أى يعملون السوء جاهلين سفهاء لأن ارتكاب القبيح مما يدعوا إليه السفه وعن مجاهد من عصى اللّه فهو جاهل حتى ينزع عن جهالته وقيل جهالته اختياره اللذة الفانية على الباقية وقيل لم يجهل أنه ذنب ولكنه جهل كنه عقوبته

{ثم يتوبون من قريب} من زمان قريب وهو ما قبل حضرة الموت ألا ترى إلى قوله حتى أذا حضر أحدهم الموت فبين أن وقت ااحتضار هو الوقت الذى لا تقبل فيه التوبة وعن الضحاك كل توبة قبل الموت فهو قريب وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما قبل أن ينظر إلى ملك الموت وعنه صلى اللّه عليه وسلم إن اللّه تعالى يقبل توبة العبد مالم يغرغر ومن للتبعيض أى يتوبون بعض زمان قريب كأنه سمى ما بين وجود المعصية وبين حضرة الموت زمانا قريبا

{فأولئك يتوب اللّه عليهم} عدة بانه بفى ذلك واعلام بأن الغفران كائن لا محالة

{وكان اللّه عليما} بعزمهم على التوبة

{حكيما} حكم يكون الندم توبة

١٨

{وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن} أى ولا توبة للذين يذنبون ويسوفون توبتهم إلى أن يزول حال التكليف بحضور أسباب الموت ومعاينة ملك الموت فإن توبة هؤلاء غير مقبولة لانها حالة اضطرار لاحالة اختيار وقبول التوبة ثواب ولا وعديه إلا مختار

{ولا الذين يموتون} فى موضع جر بالعطف على الذين يعملون السيئات أى ليست التوبة للذين يعملون السيئات ولا للذين يموتون

{وهم كفار} قال سعيد بن جبير الآية الاولى فى المؤمنين والوسطى فى المنافقين والأخرى فى الكافرين وفى بعض المصاحف بلامين وهو مبتدأ خبره

{أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما} أى هيأنا من العتيد وهو الحاضر أو الأصل أعددنا فقلبت الدال تاء كان الرجل يرث امرأة مورثه بأن يلقى عليها ثوبه فيتزوجها بلا مهر فنزلت

١٩

{يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها} أى أن تأخذوهن على سبيل الإرث كما تحاز المواريث وهن كارهات لذلك أو مكرهات كرهات بالفتح من الكراهة وبالضم حمزة وعلى من الاكراه مصدر فى موضع الحال من المفعول والتقييد بالكره لا يدل على الجواز عند عدمه لأن تخصيص الشئ بالذكر لا بدل على نفى ما عداه كما فى قوله ولا تقتلوا أولادكم خشية املاق وكان الرجل إذا تزوج امرأة ولم تكن من حاجته حبسها مع سوء العشرة لتفتدى منه بمالها وتختلع فقيل

{ولا تعضلوهن} وهو منصوب عطفا على أن ترثوا ولا لتأكيد النفى أى لا يحل لكم أن ترثوا النساء ولا أن تعضلوهن أو مجزوم بالنهى على الاستئناف فيجوز الوقف حينئذ على كرها والعضل الحبس والتضييق

{لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن} من المهر واللام متعلقة بتعضلوا

{إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} هى النشوز وإيداء الزوج واهله بالبذاء أى إلا أن يكون سوء العشرة من جهتهن فقد عذرتم فى طلب الخلع وعن الحسن الفاحشة الزنا فإن فعلت حل لزوجها أن يسألها الخلع

{مبينة} وبفتح الياء مكى و أبوبكر والاستثناء من أعم عام الظرف أو المفعول له كأنه قيل و لا تعضلوهن فى جميع الأوقات إلا وقت أن يأتين بفاحشة أو ولا تعضلوهن لعلة من العلل إلا لأن يأتين بفاحشة وكانوا يسيئون معاشرة النساء فقيل لهم

{وعاشروهن بالمعروف} وهو النصفة فى المبيت والنفقة والاجمال فى القول

{فإن كرهتموهن} لقبحهن أو سوء خلقهن

{فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل اللّه فيه} فى ذلك الشئ أو فى الكره

{خيرا كثيرا} ثوبا جزيلا أو ولدا صالحا والمعنى فإن كرهتموهن فلا تفارقوهن لكراهة الانفس وحدها فربما كرهت النفس ما هو أصلح فى الدين وأدلى إلى الخير واحبت ما هو بضد ذلك ولكن للنظر فى أسباب الصلاح و إنما صح قوله

{فعسى أن تكرهوا} جزاء للشرط لأن المعنى فإن كرهتموهن فاصبروا عليهن مع الكراهة فلعل لكم فيما تكرهونه خيرا كثيرا ليس فيما تحبونه وكان الرجل إذا رأى امرأة فأعجبته بهت التى تحته ورماها بفاحشة حتى يلجئها إلى الافتداء منه بما أعطاها فقيل

٢٠

{وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج} أى تطليق امرأة وتزوج أخرى

{وآتيتم إحداهن} وأعطيتم إحدى الزوجات فالمراد بالزوج الجمع لأن الخطاب لحماعة الرجال

{قنطارا} مالا عظيما كما مر فى آل عمران وقال عمر رضى اللّه عنه على المنبر لا تغالوا بصدقات النساء فقالت امرأة أنتبع قولك أم قول اللّه وآتيتم إحداهن قنطار فقال عمر كل أحد اعلم من عمر تزوجوا على ماشئتم

{فلا تأخذوا منه} من القنطار

{شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا} أى بينا والبهتان أن تستقبل الرجل بأمر قبيح تقذفه به وهو برئ منه لأنه يبهت عند ذلك أى يتحير وانتصب بهتانا على الحال أى باهتين وآثمين ثم أنكر أخذ المهر بعد الافضاء فقال

٢١

{وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض} أى خلا بلا حائل ومنه الفضاء والآية حجة لنا فى الخلوة الصحيحة أنها تؤكد المهر حيث أنكر الأخذ وعلل بذلك

{وأخذن منكم ميثاقا غليظا} عهدا وثيقا وهو قول اللّه تعالى

{فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} واللّه تعالى أخذ هذا الميثاق على عباده لأجلهن فهو كأخذهن أو قول النبى عليه السلام استوصوا بالنساء خيرا فانهم عوان فى أيديكم أخذتموهن بأمانة اللّه واستحللتم فروجهن بكلمة اللّه ولما نزل لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها قالوا تركنا هذا لاترثهن كرها ولكن نخطبهن فننكحهن برضاهن فقيل لهم

٢٢

{ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء} وقيل المراد بالنكاح الوطء أى لا تطؤا ما وطئ آباؤكم وفيه تحريم وطء موطوءة الأب بنكاح أو بملك يمين أو بزنا كما هو مذهبنا وعليه كثير من المفسرين ولما قالوا كنا نفعل ذلك فكيف حال ما كان منا قال

{إلا ما قد سلف} أى لكن ما قد سلف فانكم لا تؤاخذون به والاستثناء منقطع عن سيبويه ثم بين صفة هذا العقد فى الحال فقال

{إنه كان فاحشة} بالغة فى القبح

{ومقتا} وبغضا عند اللّه وعند المؤمنين وناس منهم يمقتونه من ذوى مروآتهم ويسمونه نكاح المقت وكان المولود عليه يقال له المقتى

{وساء سبيلا} وبئس الطريق طريقا ذلك ولما ذكر فى أول السورة نكاح ما طاب أى حل من النساء وذكر بعض ما حرم قبل هذا وهو نساء الآباء ذكر المحرمات الباقيات وهن سبع من النسب وسبع من السبب وبدا بالنسب فقال

٢٣

{حرمت عليكم أمهاتكم} والمراد تحريم نكاحهن عند البعض وقد ذكرنا المختار فى شرح المنار والجدة من قبل الأم أو الأب ملحقة بهن

{وبناتكم} وبنات الابن وبنات البنت ملحقات بهن والأصل أن الجمع إذا قوبل بالجمع ينقسم الآحاد على الآحاد فتحرم على كل واحد أمه وبنته

{وإخوانكم} لأب و أم أو لأب أو لأم

{وعماتكم} من الأوجه الثلاثة

{وخالاتكم} كذلك

{وبنات الأخ} كذلك

{وبنات الأخت} كذلك ثم شرع فى السبب فقال

{وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة} اللّه تعالى نزل الرضاعة منزلة النسب فسمى المرضعة أما للرضيع والمراضعه أختا وكذلك زوج المرضعة أبوه وأبواه جداه واخته عمته وكل ولد ولد له من غير المرضعة قبل الرضاع وبعده فهم اخوته وأخواته لأبيه و أم المرضعة جدته وأختها وأخواته لأبيه وأمه ومن ولدلها من غيره فهم اخوته وأخواته لأم وأصله قوله عليه السلام يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب

{وأمهات نسائكم} وهن محرمات بمجرد العقد

{وربائبكم} سمى ولد المرأة من غير زوجها ربيبا وربيبة لأنه يربهما كما يرب ولده فى غالب الأمر ثم اتسع فيه فسميابذلك و إن لم يربهما

{اللاتي في حجوركم} قال داود إذا لم تكن فى حجره لا تحرم قلنا ذكر الحجر على غلبة الحال دون الشرط وفائدته التعليل للتحريم وانهن لاحتضانكم لهن أو لكونهن بصدد احتضانكم كانكم فى العقد على بناتهن عاقدون على بناتكم

{من نسائكم اللاتي دخلتم بهن} متعلق بربائبكم أى الربيبة من المرأة المدخول بها حرام على الرجل حلال له إذا لم يدخل بها والدخول بهن كناية عن الجماع كقولهم بنى عليها وضرب عليها الحجاب أى ادخلتموهن الستر والباء للتعدية واللمس ونحوه يقوم مقام الدخول وقد جعل بعض العلماء اللاى دخلتم بهن وصفا للنساء المتقدمة والمتاخرة وليس كذلك لأن الوصف الواحد لا يقع على موصوفين مختلفى العامل وهذا لأن النساء الاولى مجرورة بالإضافة والثانية بمن ولا يجوز أن تقول مررت بنسائك وهربت من نساء زيد الظريفات على أن تكون الظريفات نعتا لهؤلاء النساء وهؤلاء النساء كذا قال الزجاج وغيره وهذا أولى مما قاله صاحب الكشاف فيه

{فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم} فلا حرج عليكم فى أن تتزوجزا بناتهن إذا فارقتموهن أومتن

{وحلائل أبنائكم} جمع حليلة وهى الزوجة لأن كل واحد منهما يحل للآخر أو يحل فراش الآخر من الحل أو من الحلول

{الذين من أصلابكم} دون من تبنيتم فقد تزوج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم زينب حين فارقها زيد وقال اللّه تعالى

{لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم} وليس هذا لنفى الحرمة عن حليلة الابن من الرضاع

{وأن تجمعوا بين الأختين} أي في النكاح وهو في موضع الرفع عطف على المحرمات أي وحرم عليكم الجمع بين الأختين

{إلا ما قد سلف} ولكن ما مضى مغفور بدليل قوله

{إن اللّه كان غفورا رحيما} وعن محمد بن الحسن رحمه اللّه إن أهل الجاهلية كانوا يعرفون هذه المحرمات إلا نكاح امرأة الأب ونكاح الأختين فلذا قال فيهما إلا ما قد سلف

٢٤

{والمحصنات من النساء} أى ذوات الأزواج لأنهن أحصن فروجهن بالتزويج قرأ الكسائى بفتح الصاد هنا وفى سائر القرآن بكسرها وغيره بفتحها فى جميع القرآن

{إلا ما ملكت أيمانكم} بالسى وزوجها فى دار الحرب والمعنى وحرم عليكم نكاح المنكوحات أى اللاتى لهن أزواج إلا ما ملكتموهن بسببهن وإخراجهن بدون أزواجهن لوقوع الفرقة بتباين الدارين لا بالسى فتحل الغنائم بملك اليمين بعد الاستبراء

{كتاب اللّه عليكم} مصدر مؤكد أى كتب اللّه ذلك عليكم كتابا وفرضه فريضة وهو تحريم ما حرم وعطف

{وأحل لكم} على الفعل المضمر الذى نصب كتاب اللّه أى كتب اللّه عليكم تحريم ذلك واحل لكم

{ما وراء ذلكم} ما سوى المحرمات المذكورة وأحل كوفى غير أبى بكر عطف على حرمت

{أن تبتغوا} مفعول له أى بين لكم ما يحل مما يحرم لأن تبتغوا أو بدل مما وراء ذلكم ومفعول تبتغوا مقدر وهو النساء والأجود ألا يقدر

{بأموالكم} يعنى المهور وفيه دليل على أن النكاح لا يكون إلا بمهر و أنه يجب و إن لم يسم وان غير المال لا يصلح مهرا و أن القليل لا يصلح مهار إذ الحبة لا تعد مالا عادة

{محصنين} في حال كونكم محصنين

{غير مسافحين} لئلا تضيعوا اموالكم وتفقروا أنفسكم فيما لا يحل لكم فتخسروا دينكم ودنياكم ولا فساد أعظم من الجمع بين الخسرانين والاحصان العفة وتحصين النفس من الوقوع فى الحرام والمسافح الزانى ن السفح وهو صب المنى

{فما استمتعتم به منهن} فما نكحتموه منهن

{فآتوهن أجورهن} مهورهن لأن المهر ثواب على البضع فما فى معنى النساء ومن للتبعيض أو للبيان ويرجع الضمير إليه على اللفظ فى به وعلى المعنى فى فآتوهن

{فريضة} حال من الأجور أى مفروضة أو وضعت موضع ايتاء لأن الإيتاء مفروض أو مصدر مؤكد أى فرض ذلك فريضة

{ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة} فيما تحط عنه من المهر أوتهب له من كله أو يزيد لها على مقداره أو فيما تراضيا به من مقام أو فراق

{إن اللّه كان عليما} بالأشياء قبل خلقها

{حكيما} فيما فرض لهم من عقد النكاح الذى به حفظت الانساب وقيل إن قوله فما استمتعتم نزلت فى المتعة التى كانت ثلاثة أيام حين فتح اللّه مكة على رسوله ثم نسخت

٢٥

{ومن لم يستطع منكم طولا} فضلا يقال لفلان على طول أى فضل وزيادة وهو مفعول يستطع

{أن ينكح} مفعول الطول فانه مصدر فيعمل عمل فعله أو بدل من طول

{المحصنات المؤمنات} الحرائر المسلمات

{فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات} أى فلينكح مملوكة من الاماء المسلمات وقوله

{من فتياتكم المؤمنات} أي فلينكح مملوكة من الاماء المسلمات وقوله من فتياتكم أى فتيات المسلمين والمعنى ومن لم يستطع زيادة فى المال وسعة يبلغ بها نكاح الحرة فلينكح الأمة ونكاح أمة الكتابية يجوز عندنا والتقييد فى النص للاستحباب بدليل أن الإيمان ليس بشرط فى الحرائر اتفاقا مع التقييد به وقال ابن عباس ومما وسع اللّه على هذه الأمة نكاح الأمة واليهودية والنصرانية و إن كان موسرا وفيه دليل لنا فى مسألة الطول

{واللّه أعلم بإيمانكم} فيه تنبيه على قبول ظاهر إيمانهن ودليل على أن الإيمان هو التصديق دون دون عمل اللسان لأن العلم بالإيمان المسموع لا يختلف

{بعضكم من بعض} أى لا تستنكفوا من نكاح الاماء فكلكم بنو آدم وهو تحذير عن التعبير بالأنساب والتفاخر بالأحساب

{فانكحوهن بإذن أهلهن} سادتهن وهو حجة لنا فى أن لهن أن يباشرن العقد بأنفسهن لأنه اعتبر إذن الموالى لاعقدهم و أنه ليس للعبد أو للامة أن يتزوج إلا بإذن المولى

{وآتوهن أجورهن بالمعروف} وأدوا إليهن مهورهن بغير مطل واضرار وملاك مهورهن مواليهن فكان أداؤها إليهن أداء إلى الموالى لانهن وما فى أيديهن مال الموالى أو التقدير وآتوا مواليهن فحذف المضاف

{محصنات} عفائف حال من المفعول فى وآتوهن

{غير مسافحات} زوان علانية

{ولا متخذات أخدان} زوان سرا والاخدان الاخلاء فى السر

{فإذا أحصن} بالتزويج أحصن كوفى غير حفص

{فإن أتين بفاحشة} زنا

{فعليهن نصف ما على المحصنات} أى الحرائر

{من العذاب} من الحد يعنى خمسين جلدة وقوله نصف ما على المحصنات يدل على أنه الجلد لا الرجم لأن الرجم لا يتنصف وان المحصنات هنا الحرائر اللاتى لم يزوجن

{ذلك} أى نكاح الاماء

{لمن خشي العنت منكم} لمن خاف الاثم الذى تؤدى إليه غلبة الشهوة وأصل العنت انكسار العظم بعد الجبر فاستعير لكل مشقة وضرر ولا ضرر أعظم من مواقعة المآثم وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما هو الزنا لأنه سبب الهلاك

{وأن تصبروا} فى محل الرفع على الابتداء أى وصبركم عن نكاح الاماء متعففين

{خير لكم} لأن فيه ارقاق الولد ولأنها خراجة ولاجة ممتهنة مبتذلة وذلك كله نقصان يرجع إلى الناكح ومهانة والعزة من صفات المؤمنين وفي الحديث الحرائر صلاح البيت والاماء هلاك البيت

{واللّه غفور} يستر المحظور

{رحيم} يكشف المحذور

٢٦

{يريد اللّه ليبين لكم} أصله يريد اللّه أن يبين لكم فزيدت اللام مؤكدة لإرادة النبيين كما زيدت فى لا أبالك لتأكيد إضافة الأب والمعنى يريد اللّه أن يبين لكم ما هو خفى عليكم من مصالحكم وأفاضل أعمالكم

{ويهديكم سنن الذين من قبلكم} و أن يهديكم مناهج من كان قبلكم من الأنبياء والصالحين والطرق التى سلكوها فى دينهم لتقتدوا بهم

{ويتوب عليكم} ويوفقكم للتوبة عما كنتم عليه من الخلاف

{واللّه عليم} بمصالح عباده

{حكيم} فيما شرع لهم

٢٧

{واللّه يريد أن يتوب عليكم} التكرار للتأكيد والتقرير والتقابل ويريد الفجرة

{الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما} وهو الميل عن القصد والحق ولا ميل أعظم منه بمساعدتهم وموافقتهم على اتباع الشهوات وقيل هم اليهود لاستحلالهم الاخوات لأب وبنات الأخ وبنات الأخت فلما حرمهن اللّه قالوا فانكم تحلون بنت الخالةوالعمة والخالة والعمة عليكم حرام فانكحوا بنات الأخت والأخ فنزلت يقول يريدون أن تكونوا زناة مثلهم

٢٨

{يريد اللّه أن يخفف عنكم} باحلال نكاح الأمة وغيره من الرخص

{وخلق الإنسان ضعيفا} لا يصبر عن الشهوات وعلى مشاق الطاعات

٢٩

{يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} بما لم تبحه الشريعة من نحو السرقة والخيانة و الغصب والقمار وعقود الربا

{إلا أن تكون تجارة} إلا أن تقع تجارة تجارة كوفى أي إلا أن تكون التجارة تجارة

{عن تراض منكم} صفة لتجارة أى تجارة صادرة عن تراض بالعقد أو بالتعاطي والاستثناء منقطع معناه ولكن أقصدوا كون تجارة عن تراض أو ولكن كون تجارة عن تراض غير منهى عنه وخص التجارة بالذكر لأن أسباب الرزق اكثرها متعلق بها و الآية تدل على جواز البيع بالتعاطى وعلى جواز البيع الموقوف إذا وجدت الاجازة لوجود الرضا وعلى نفي خيار المجلس لأن فيها اباحة الأكل بالتجارة عن تراض من غير تقييد بالتفرق عن مكان العقد والتقييد به زيادة على النص

{ولا تقتلوا أنفسكم} من كان من جنسكم من المؤمنين لأن المؤمنين كنفس واحدة أو ولا يقتل الرجل نفسه كما يفعله بعض الجهلة أو معنى القتل أكل الأموال بالباطل فظالم غيره كمهلك نفسه أو لا تتبعوا اهواءها فتقتلوها أو تركبوا ما يوجب القتل

{إن اللّه كان بكم رحيما} ولرحمته بكم نبهكم على ما فيه صيانة أموالكم وبقاء أبدانكم وقيل معناه أنه أمر بنى إسرائيل يقتلهم أنفسهم ليكون توبة لهم وتمحيصا لخطاياهم وكان بكم يا أمة محمد رحيم حيث لم يكلفكم تلك التكاليف الصعبة

٣٠

{ومن يفعل ذلك} أي القتل أي ومن يقدم على قتل الأنفس

{عدوانا وظلما} لا خطأ ولا قصاصا وهما مصدران في موضع الحال أو مفعول لهما

{فسوف نصليه نارا} ندخله نارا مخصوصة شديد العذاب

{وكان ذلك} أى اصلاؤه النار

{على اللّه يسيرا} سهلا وهذا الوعيد فى حق المستحل للتخليد وفى حق غيره لبيان استحقاقه دخول النار مع وعد اللّه بمغفرته

٣١

{إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم} عن ابن مسعود رضى اللّه عنهما الكبائر كل ما نهى اللّه عنه من أول سورة النساء إلى قوله إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه وعنه أيضا الكبائر ثلاث الاشراك باللّه واليأس من روح اللّه والأمن من مكر اللّه وقيل المراد بها أنواع الكفر بدليل قراءة عبد اللّه كبير ما تنهون عنه وهو الكفر

{وندخلكم مدخلا} مدخلا مدنى وكلاهما بمعنى المكان والمصدر

{كريما} حسنا وعن ابن عباس رضى اله عنهما ثمان آيات فى سورة النساء هى خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس وغربت

{يريد اللّه ليبين لكم} {واللّه يريد أن يتوب عليكم} {يريد اللّه أن يخفف عنكم} {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم}

{أن اللّه لا يغفر أن يشرك به} {إن اللّه لا يظلم مثقال ذرة} {ومن يعمل سوأ أو يظلم نفسه} {ما يفعل اللّه بعذابكم} وتشبت المعتزلة بالآية على أن الصغائر واجبة المغفرة باجتناب الكبائر وعلى أن الكبائر غير مغفورة باطل لأن الكبائر والصغائر فى مشيئته تعالى سواء إن شاء عذب عليهما و إن شاء عفى عنهما لقوله تعالى إن اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء [النساء:٤٨] فقد وعد المغفرة لما دون الشرك وقرنها بمشيئته تعالى وقوله إن الحسنات يذهبن السيئات [هود:١١٤] فهذه الآية تدل على أن الصغائر والكبائر يجوز أن يذهبا بالحسنات لأن لفظ السيئات ينطلق عليهما ولما كان اخذ مال الغير بالباطل وقتل النفس بغير حق بتمنى مال الغير وجاهه نهاهم عن تمنى ما فضل اللّه به بعض الناس على بعض من الجاه والمال بقوله

٣٢

{ولا تتمنوا ما فضل اللّه به بعضكم على بعض} لأن ذلك التفضيل قسمة من اللّه صادرة عن حكمة وتدبير وعلم بأحوال العباد وبما ينبغى لكل من بسط فى الرزق أو قبض فعلى كل واحد أن يرضى بما قسم له ولا يحسد أخاه على حظه فالحسد أن يتمنى أن يكون ذلك الشئ له ويزول عن صاحبه والغبطة أن يتمنى مثل مالغيره وهو مرخص فيه والاول منهى عنه ولما قال الرجال نرجو أن يكون أجرنا على الضعف من أجر النساء كالميراث وقالت النساء يكون وزرنا على نصف وزر الرجال كالميراث نزل

{للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن} وليس ذلك على حسب الميراث

{واسألوا اللّه من فضله} فإن خزائنه لا تنفذ ولا تتمنوا ما للناس من الفضل

{إن اللّه كان بكل شيء عليما} فالتفضيل منه عن علم بمواضع الاستحقاق قال ابن عبينة لم يأمر بالمسألة إلا ليعطى وفى الحديث:

من لم يسأل اللّه من فضله غضب عليه وفيه إن اللّه تعالى ليمسك الخير الكثير عن عبده ويقول لا أعطى عبدى حتى يسألنى وسلوا مكى وعلى

٣٣

{ولكل} المضاف إليه محذوف تقديره ولكل أحد أو لكل مال

{جعلنا موالي} وراثا يلونه ويحرزونه

{مما ترك الوالدان والأقربون} هو صفة مال محذوف أى من مال تركه الوالدان أو هو متعلق بفعل محذوف دل عليه الموالى تقديره يرثون مما ترك

{والذين عقدت أيمانكم} عاقدتهم أيديكم وهو مبتدأ ضمن معنى الشرط فوقع خبره وهو

{فآتوهم نصيبهم} مع لفاء عقدت كوفى أى عقدت عهودهم أيمانكم والمراد به عقد الموالاة وهى مشروعة والوراثة بها ثابتة عند عامة الصحابة رضى اللّه عنهم وهو قولنا وتفسيره إذا أسلم رجل أو امرأة لا وارث له وليس بعربى ولا معتق فيقول لآخر واليتك على أن تعقلنى إذا جنيت وترث منى إذا مت ويقول الآخر قبلت انعقد ذلك ويرث الأعلى من الأسفل

{إن اللّه كان على كل شيء شهيدا} أى هو عالم الغيب والشهادة وهو أبلغ وعد ووعيد

٣٤

{الرجال قوامون على النساء} يقومون عليهن آمرين ناهين كما يقوم الولاة على الرعايا وسموا قواما لذلك

{بما فضل اللّه بعضهم على بعض} الضمير فى بعضهم للرجال والنساء يعنى إنما كانوا مسيطرين عليهن لسبب تفضيل اللّه بعضهم وهم الرجال على بعض وهم النساء بالعقل والعزم والحزم والرأى والقوة والغزو وكمال الصوم والصلاة والنبوة والخلافة والامامة والأذان والخطبة والجماعة والجمعة وتكبير التشريق عند ابى حنيفة رحمه اللّه والشهادة فى الحدود والقصاص وتضعيف الميراث والتعصيب فيه وملك النكاح والطلاف وإليهم الإنتساب وهم اصحاب اللحى والعمائم

{وبما أنفقوا من أموالهم} وبأن نفقتهن عليهم وفيه دليل وجوب نفقتهن عليهم ثم قسمهن على نوعين النوع الأول

{فالصالحات قانتات} مطيعات قائمات بما عليهن للازواج

{حافظات للغيب} لمواجب الغيب وهو خلاف الشهادة أى إذا كان الأزواج غير شاهدين لهن حفظن ما يجب عليهن حفظه فى حال الغيبة من الفروج والبيوت والأموال وقيل للغيب لاسرارهم

{بما حفظ اللّه} بما حفظهن اللّه حين أوصى بهن الأزواج بقوله وعاشروهن بالمعروف أو بما حفظهن اللّه وعصمهن ووفقهن لحفظ الغيب أو بحفظ اللّه إياهن حيث صبرهن كذلك والثاني

{واللاتي تخافون نشوزهن} عصيانهن وترفعهن عن طاعة الأزواج والنشر المكان المرتفع والنبوة عن ابن عباس رضى اللّه عنهما هو أن تستخف بحقوق زوجها ولا تطيع أمره

{فعظوهن} خوفوهن عقوبة اللّه تعالى والضرب والعظة كلام يلين القلوب القاسية ويرغب الطبائع النافرة

{واهجروهن في المضاجع} فى المراقد أى لا تداخلوهن تحت اللحف وهو كناية عن الجماع أو هو أن يوليها ظهره في المضجع لأنه لم يقل عن المضاجع

{واضربوهن} ضربا غير مبرح أمر بوعظهن أولا ثم بهجرانهن فى المضاجع ثم بالضرب إن لم ينجح فيهن الوعظ والهجران

{فإن أطعنكم} بترك النشوز

{فلا تبغوا عليهن سبيلا} فازبلوا عنهن التعرض بالاذى وسبيلا مفعول تبغوا وهو من بغيث الامر أى طلبته

{إن اللّه كان عليا كبيرا} أى إن علت أيديكم عليهن فاعلموا أن قدرته عليكم أعظم من قدرتكم عليهن فاجتنبوا ظلمهن أو أن اللّه كان عليا كبيرا وأنكم تعصونه على علو شأنه وكبرياء سلطانه ثم تتوبون فيتوب عليكم فأنتم أحق بالعفو عمن يجنى عليكم إذا رجع ثم خاطب الولاة بقوله

٣٥

{وإن خفتم شقاق بينهما} أصله شقاقا بينهما فأضيف الشقاق إلى الظرف على سبيل الاتساع كقوله بل مكر الليل والنهار وأصله بل مكر فى الليل والنهار والشقاق العداوة والخلاف لأن كلا منهما يفعل ما يشق على صاحبه أو يميل إلى شق أى ناحية غير شق صاحبه والضمير للزوجين ولم يجر ذكرهما لجرى ذكر ما يدل عليهما وهو الرجال والنساء

{فابعثوا حكما من أهله} رجلا يصلح للحكومة والإصلاح بينهما

{وحكما من أهلها} و إنما كان بعث الحكمين من أهلهما لأن الأقارب أعرف ببواطن الأحوال وأطلب للصلاح ونفوس الزوجين أسكن اليهم فيبرزان ما فى ضمائرهما من الحب والبغض وإرادة الصحبة والفرقة والضمير فى

{إن يريدا إصلاحا} للحكمين وفى

{يوفق اللّه بينهما} للزوجين أى أن قصدا إصلاح ذات اليمين وكانت نيتهما صحيحة بورك فى وساطتهما وأوقع اللّه بحسن سعيهما بين الزوجين الألفة والوفاق وألقى في نفوسهما المودة والاتفاق أو الضمير ان للحكمين أى أن قصدا إصلاح ذات البين والنصيحة للزوجين يوفق اللّه بينهما فينفقات على الكلمة الواحدة ويتساندان فى طلب الوفاق حتى يتم المراد أو الضمير أن للزوجين أى أن يريدا إصلاح ما بينهما وطلب الخير و أن يزول عنهما الشقاق يلق اللّه بينهما الألفة وأبدلهما بالشقاق الوفاق وبالبغضاء المودة

{إن اللّه كان عليما} بإراده الحكمين

{خبيرا} بالظالم من الزوجين وليس لهما ولاية التفريق عندنا خلافا لمالك رحمه اللّه

٣٦

{واعبدوا اللّه} قيل العبودية أربعة الوفاء بالعهود والرضا بالموجود والحفظ للحدود والصبر على المفقود

{ولا تشركوا به شيئا} صنما وغيره ويحتمل المصدر أى إشراكا

{وبالوالدين إحسانا} وأحسنوا بهما إحسانا بالقول والفعل والانفاق عليهما عند الاحتياج

{وبذي القربى} وبكل من بينكم وبينه قربى من أخ أو عم أو غيرهما

{واليتامى والمساكين والجار ذي القربى} الذى قرب جواره

{والجار الجنب} أى الذى جواره بعيدا والجار القريب النسيب والجار الجنب الأجنبى

{والصاحب بالجنب} أى الزوجة عن على رضى اللّه عنه أو الذى صحبك بأن حصل بجنبك إما رفيقا فى سفر أو شريكا فى تعلم علم أو غيره أو قاعد إلى جنبك فى مجلس أو مسجد

{وابن السبيل} الغريب أو الضيف

{وما ملكت أيمانكم} العبيد والإماء

{إن اللّه لا يحب من كان مختالا} متكبرا يانف عن قرابته وجيرانه فلا يلتفت اليهم

{فخورا} يعدد مناقبه كبرا فإن عدها اعترافا كان شكورا

٣٧

{الذين يبخلون} نصب على البدل من من كان مختالا فخورا وجمع على معنى ن أو على الذم أو رفع على أنه خبر متبدا محذوف تقديره هم الذين يبخلون

{ويأمرون الناس بالبخل} بالبخل حمزة وعلى وهما لغتان كالرشد والرشد أى يبخلون بذات أيديهم و بما فى أيدى غيرهم فيأمرونهم بان يبخلوا به مقتا للسخاء قيل البخل أن يأكل بنفسه ولا يؤكل غيره والشح أن لا يأكل ولا يؤكل والسخاء أن يأكل ويؤكل والجودان يؤكل ولا يأكل

{ويكتمون ما آتاهم اللّه من فضله} ويخفون ما أنعم اللّه عليهم به من المال وسعة الحال وفى الحديث:

إذا أنعم اللّه على عبده نعمة أحب أن يرى نعمته على عبده وبنى عامل للرشيد قصرا حذاء قصره فنم به فقال الرجل يا أمير المؤمنين أن الكريم يسره أن يرى أثر نعمته فأحببت أن أسرك بالنظر إلى آثار نعمتك فأعجبه كلامه قيل نزلت فى شأن اليهود الذين كتموا صفة محمد عليه السلام

{وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا} أى يهانون به فى الآخرة

٣٨

{والذين ينفقون أموالهم} معطوف على الذين يبخلون أو على الكافرين

{رئاء الناس} مفعول له أى للفخار وليقال ما أجودهم لا لأبتغاء وجه اللّه وهم المنافقون أو مشركوا مكة

{ولا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا} حيث حملهم على البخل والرياء وكل شر ويجوز أن يكون وعيدا لهم بأن الشيطان يقرن بهم فى النار

٣٩

{وماذا عليهم لو آمنوا باللّه واليوم الآخر وأنفقوا من ما رزقهم اللّه} و أى تبعة وبال عليهم فى الإيمان والإنفاق فى سبيل اللّه والمراد الذم والتوبيخ و إلا فكل منفعة ومصلحة فى ذلك وهذا كما يقال للعاق وما فرك لو كنت بارا وقد علم أنه لا مضرة فى البر ولكنه ذم وتوبيخ

{وكان اللّه بهم عليما} وعيد

٤٠

{إن اللّه لا يظلم مثقال ذرة} هى النملة الصغير وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما أنه أدخل يده فى التراب فرفعه ثم نفخ عليه فقال كل واحدة من هؤلاء ذرة وقيل كل جزء من أجزاء الهباء فى الكوة ذرة

{وإن تك حسنة} و إن يك مثقال الذرة حسنة و إنما أنث ضمير المثقال لكونه مضافا إلى مؤنث حسنة حجازى على كان التامة وحذفت النون من تكن تخفيفا لكثرة الاستعمال

{يضاعفها} يضعفها ثوابها يعفها مكى وشامى

{ويؤت من لدنه أجرا عظيما} ويعط صاحبها من عنده ثوابا عظيما وما وصفه اللّه بالعظم فمن يعرف مقداره مع أنه سمى متاع الدنيا قليلا وفيه ابطال قول المعتزلة فى تخليد مرتكب الكبيرة مع أن له حسنات كثيرة

٤١

{فكيف} يصنع هؤلاء الكفرة من اليهود وغيرهم

{إذا جئنا من كل أمة بشهيد} يشهد عليهم بما فعلوا وهو نبيهم وجئنا بك يا محمد

{على هؤلاء} أى أمتك

{شهيدا} حال أى شاهدا على من آمن بالإيمان وعلى من كفر بالكفر وعلى من نافق بالنفاق وعن ابن مسعود رضى اللّه عنه أنه قرأ سورة النساء على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى بلغ قوله وجئنا بك على هؤلاء شهيدا فبكى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقال حسبنا

٤٢

{يومئذ} ظرف لقوله

{يود الذين كفروا} باللّه

{وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض} لو يدفنون فتسوى بهم الأرض كما تسوى بالموتى أو يودون أنهم لم يبعثوا و أنهم كانوا و الأرض سواء أو تصير البهائم ترابا فيودون حالها تسوى بفتح التاء وتخفيف السين والامالة وحذف إحدى التاءين من تتسوى حمزة وعلى تسوى بادغام التاء فى السين مدنى وشامى

{ولا يكتمون اللّه حديثا} مستأنف أى ولا يقدرون على كتمانه لأن جوارحهم تشهد عليهم ولما صنع عبد الرحمن بن عوف طعاما وشربا ودعا نفرا من الصحابة رضى اللّه عنهم حين كانت الخمر مباحة وأكلوا وشربوا فقدموا أحدهم ليصلى بهم المغرب فقرأ قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون وأنتم عابدون ما أعبد نزل

٤٣

{يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى} أى لا تقربوها فى هذه الحالة

{حتى تعلموا ما تقولون} أى تقرءون وفيه دليل على أن ردة السكران ليست بردة لأن قراءة سورة الكافرين بطرح اللامات كفر ولم يحكم بكفره حتى خاطبهم باسم الإيمان وما أمر النبى عليه السلام بالتفريق بينه بين امرأته ولا بتجديد الإيمان و لأن الأمة اجتمعت على أن من أجرى كلمة الكفر على لسانه مخطئا لا يحكم بكفره

{ولا جنبا} عطف على وأنتم سكارى لأن محل الجملة مع الواو النصب على الحال كأنه قيل لا تقربوا الصلاة سكارى ولا جنبا أى ولا تصلوا جنبا والجنب يستوى فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث لأنه اسم جرى مجرى المصدر الذى هو الإجناب

{إلا عابري سبيل} صفة لقوله جنبا أى لا تقربوا الصلاة جنبا غير عابرى سبيل أى جنبا مقيمين غير مسافرين والمراد بالجنب الذين لم يغتسلوا كأنه قيل لا تقربوا الصلاة غير مغتسلين

{حتى تغتسلوا} إلا أن تكونوا مسافرين عادمين الماء متيممين عبر عن المتيمم المسافر لأن غالب حاله عدم الماء وهذا مذهب أبى حنيفه رحمه اللّه وهو مروى عن على رضى اللّه عنه وقال الشافعى رحمه اللّه لا تقربوا الصلاة أى مواضع الصلاة وهى المساجد ولا جنبا أى ولا تقربوا المسجد جنبا إلا عابرى سبيل إلا مجتازين فيه فيجوز للجنب العبور فى المسجد عند الحاجة

{وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو} أى المطمئن من الأرض وكانوايأتونه لقضاء الحاجة فكنى به عن الحديث

{أو لامستم النساء} جامعتموهن كذا عن على رضى اللّه عنه وابن عباس

{فلم تجدوا ماء} فلم تقدروا على استعماله لعدمه أو بعده أو فقد آله الوصول إليه أو لمانع من حية أو سبع أو عدو

{فتيمموا} أدخل فى حكم الشرط أربعة وهم المرضى والمسافرون والمحدثون واهل الجنابة والجزاء الذى هو الأمر بالتيمم متعلق بهم جميعا فالمرضى إذا عدموا الماء لضعف حركتهم وعجزهم عن الوصول إليه والمسافرون إذا عدموه لبعده والمحدثون و أهل الجنابة إذا لم يجدوه لبعض الأسباب فلهم أن يتيمموا لمستم حمزة وعلى

{صعيدا} قال الزجاج هو وجه الأرض ترابا كان أو غيره و إن كان صخرا لا ترا عليه لو ضرب المتيمم يده ومسح لكان ذلك طهوره ومن فى سورة المائدة لابتداء الغاية لا للتبعيض

{طيبا} طاهرا

{فامسحوا بوجوهكم وأيديكم} قيل الباء زائدة

{إن اللّه كان عفوا} بالترخيص والتيسير

{غفورا} عن الخطا والتقصير

٤٤

{ألم تر} من روية القلب وعدى بالى على معنى ألم ينته علمك إليهم أو بمعنى ألم تنظر اليهم

{إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب} حظا من علم التوراة وهم أحبار اليهود

{يشترون الضلالة} يستبدلونها بالهدى وهو البقاء على اليهودية بعد وضوح الآيات لهم على صحة نبوة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم و أنه هو النبى العربى المبشر به فى التوراة والانجيل

{ويريدون أن تضلوا} أنتم أيها المؤمنون

{السبيل} أى سبيل الحق كما ضلوه

٤٥

{واللّه أعلم} منكم

{بأعدائكم} وقد أخبركم بعداوة هؤلاء فاحذروهم ولا تستنصحوهم فى أموركم

{وكفى باللّه وليا} فى النفع

{وكفى باللّه نصيرا} فى الدفع فثقوا بولايته ونصرته دونهم أولا تبالوا بهم فإن اللّه ينصركم عليهم ويكفيكم مكرهم وليا ونصيرا منصوبان على التمييز أو على الحال

٤٦

{من الذين هادوا} بيان للذين أوتوا نصيبا من الكتاب أو بيان لأعدائكم وما بينهما اعتراض أو يتعلق بقوله

{نصيرا} أى ينصركم من الذين هادوا كقوله

{ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا} أو يتعلق بمحذوف تقديره من الذين هادوا قوم يحرفون الكلم فقوم مبتدأ ويحرفون صفة له والخبر من الذين هادوا مقدم عليه وحذف الموصوف وهو قوم وأقم صفته وهو

{يحرفون الكلم عن مواضعه} يميلونه عنها ويزيلونه لأنهم إذا بدلوه ووضعوا مكانه كلما غيره فقد أمالوه عن مواضعه فى التوراة التى وضعه اللّه تعالى فيها وأزالوه عنها وذلك نحو تحريفهم أسمر ربعة عن موضعه فى التوراة بوضعهم آدم طوال مكانه ثم ذكر هنا عن مواضعه وفى المائدة من بعد مواضعه فمعنى عن مواضعه على ما بينا من إزالته عن مواضعه التى أوجبت حكمة اللّه وضعه فيها بما اقتضت شهواتهم من إبدال غيره مكانه ومعنى من بعد مواضعه أنه كان له مواضع هو جدير بان يكون فيها فحين حرفوه تركوه كالغريب الذى لا موضع له بعد مواضعه ومقاره والمعنيان متقاران

{ويقولون سمعنا} قولك

{وعصينا} أمرك قيل أسروا به

{واسمع} قولنا

{غير مسمع} حال من المخاطب أى اسمع و أنت غير مسمع هو قول ذو وجهين يحتمل الذم أى اسمع منا مدعوا عليك بلا سمعت لأنه لو أجبت دعوتهم عليه لم يسمع شيئا فكان أصم غير مسمع قالوا ذلك اتكالا على أن قولهم لا سمعت دعوة مستجابة أو اسمع غير مجاب إلى ما تدعوا إليه ومعناه غير مسمع جوابا يوافقك فكأنك لم تسمع شيئا أو اسمع غير مسمع كلاما ترضاه فسمعك عنه ناب ويحتمل المدح أى اسمع غير مسمع مكروها من قولك أسمع فلان فلانا إذا سبه وكذلك قوله

{وراعنا} يحتمل راعنا نكلمك أى ارقبنا وانتظرنا ويحتمل سبه كلمة عبرانية أو سريانية كانوا يتسابون بها وهى راعنا فكانوا سخرية بالدين وهزؤا برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يكلمونه بكلام محتمل ينوون به الشتيمة والإهانة ويظهرون به التوقير والإكرام

{ليا بألسنتهم} فتلابها وتحريفا أى يفتلون بألسنتهم الحق إلى الباطل حيث يضعون راعنا موضع انظرنا وغير مسمع موضع لا سمعت مكروها أو يفتلون بألسنتهم ما يضمرونه من الشتم إلى ما يظهرونه من التوقير نفاقا

{وطعنا في الدين} هو قولهم لو كان نبيا حقا لأخبر بما نعتقد فيه

{ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا} ولم يقولوا وعصينا

{واسمع} ولم يلحقوا به

{غير مسمع وانظرنا} مكان راعنا

{لكان} قولهم ذاك

{خيرا لهم} عند اللّه

{وأقوم} وأعدل وأسد

{ولكن لعنهم اللّه بكفرهم} طردهم وأبعدهم عن رحمته بسبب اختيارهم الكفر

{فلا يؤمنون إلا قليلا} منهم قد آمنوا كعبد اللّه ابن سلام وأصحابه أو إلا إيمانا قليلا ضعيفا لا يعبأ به وهو إيمانهم بمن خلقهم مع كفرهم بغيره ولما لم يؤمنوا أنزل

٤٧

{يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا} يعنى القرآن

{مصدقا لما معكم} يعنى التوراة

{من قبل أن نطمس وجوها} أى نمحوا تخطيط صورها من عين وحاجب وأنف وفم

{فنردها على أدبارها} فنجعلها على هيئة أدبارها وهى الاقفاء مطموسة مثلها والفاء للتسبيب و إن جعلتها للتعقيب على أنهم توعدوا بعقابين أحدهما عقيب الآخر ردها على أدباراها بعد طمسها فالمعنى أن نطمس وجوها فننكس الوجوه إلى خلف والأقفاء إلى قدام وقيل المراد بالطمس القلب والتغيير كما طمس أموال القبط فقلبها حجارة وبالوجوه رءوسهم ووجهاؤهم أى من قبل أن تغير أحوال وجهائهم فنسلبهم إقبالهم ووجاهتهم ونكسوهم صفارهم وإدبارهم

{أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت} أى تخزيهم بالمسخ كما مسخنا أصحاب السبت والضمير يرجع إلى الوجوه إن أريد الوجهاء أو إلى الذين اوتوا الكتاب على طريقة الالتفات والوعيد كان معلقا بألا يؤمن كلهم وقد آمن بعضهم فإن ابن سلام قد سمع الآية قافلا من الشام فأتى النبى صلى اللّه عليه وسلم مسلما قبل أن يأتى أهله وقال ما كنت أرى أن أصل إلى أهلى قبل أن يطمس اللّه وجهى أو أن اللّه تعالى أوعدهم بأحد الأمرين بطمس الوجوه أو بلعنهم فان كان الطمس تبدل أحوال رؤسائهم فقد كان أحد الأمرين و إن كان غيره فقد حصل اللعن فانهم ملعونون بكل لسان وقيل هو منتظر فى اليهود

{وكان أمر اللّه} أى المأمور به وهو العذاب الذى أوعدوا به

{مفعولا} كائنا لا محالة فلا بد أن يقع أحد الأمرين إن لم يؤمنوا

٤٨

{إن اللّه لا يغفر أن يشرك به} إن مات عليه

{ويغفر ما دون ذلك} أى ما دون الشرك و إن كان كبيرة مع عدم التوبة والحاصل أن الشرك مغفور عنه بالتوبة و إن وعد غفران ما دونه لمن لم يتب أى لا يغفر لمن يشرك وهو مشرك ويغفر لمن يذنب وهو مذنب قال النبى عليه السلام من لقى اللّه تعالى لا يشرك به شيئا دخل الجنة ولم تضره خطيئته وتقييده بقوله

{لمن يشاء} لا يخرجه عن عمومه كقوله اللّه لطيف بعباده يرزق من يشاء قال على رضى اللّه عنه ما فى القرآن آية أحب إلى من هذه الآية وحمل المعتزلة على التائب باطل لأن الكفر مغفور عنه بالتوبة لقوله تعالى قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف [الانفال:٣٨] فما دونه أولى أن يغفر بالتوبة و الآية سيقت لبيان التفرقة بينهما وذا فيما ذكرنا

{ومن يشرك باللّه فقد افترى إثما عظيما} كذب كذبا عظيما استحق به عذابا أليما ونزل فيمن زكى نفسه من اليهود والنصارى حيث قالوا نحن أبناء اللّه وأحباؤه * وقالوا لن يدخل الجنة إلا ن كان هودا أو نصارى

٤٩

{ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم} ويدخل فيها كل من زكى نفسه ووصفها بزكاء العمل وزيادة الطاعة والتقوى

{بل اللّه يزكي من يشاء} إعلام بأن تزكية اللّه هى التى يعتدبها لا تزكية غيره لأنه هو العالم بمن هو أهل للتزكية ونحوه فلا تزكوا انفسكم هو أعلم بمن اتقى

{ولا يظلمون} أى الذين يزكون أنفسهم يعاقبون على تزكية أنفسهم حق جزائهم أو من يشاء يثابون على زكائهم ولا ينقص من ثوابهم

{فتيلا} قدر فتيل وهو ما يحدث بفتل الأصابع من الوسخ

٥٠

{انظر كيف يفترون على اللّه الكذب}

فى زعمهم أنهم عند اللّه أزكياء

{وكفى به} بزعمهم هذا

{إثما مبينا} من بين سائر آثامهم

٥١

{ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب} يعنى اليهود

{يؤمنون بالجبت} أى الأصنام وكل ما عبدوه من دون اللّه

{والطاغوت} الشيطان

{ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا} وذلك أن حيى بن أخطب وكعب بن الأشرف اليهوديين خرجا إلى مكة مع جماعة من اليهود يحالفون قريشا على محاربة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالوا أنتم أهل الكتاب وأنتم إلى محمد أقرب منا وهو أقرب منكم إلينا فلا نأمن مكركم فاسحدوا لآلهتنا حتى نطمئن إليكم ففعلوا فهذا إيمانهم بالجبت والطاغوت لأنهم سجدوا للأصنام وأطاعوا ابليس عليه اللعنة فيما فعلوا فقال أبو سفيان أنحن أهدى سبيلا أم محمد فقال كعب أنتم اهدى سبيلا

٥٢

{أولئك الذين لعنهم اللّه} وأبعدهم من رحمته

{ومن يلعن اللّه فلن تجد له نصيرا} يعتد بنصره ثم وصف اليهود بالبخل والحسد وهما من شر الخصال يمنعون مالهم ويتمنون ما لغيرهم فقال

٥٣

{أم لهم نصيب من الملك} فأم منقطعة ومعنى الهمزة الإنكار أن يكون لهم نصيب من الملك

{فإذا لا يؤتون الناس نقيرا} أى لو كان لهم نصيب من الملك أى ملك أهل الدنيا أو ملك اللّه فإذا لا يؤتون أحدا مقدار نقير لفرط بخلهم والقير النقرة فى ظهر النواة وهو مثل في القلة كالفتيل

٥٤

{أم يحسدون الناس على ما آتاهم اللّه من فضله} بل أيحسدون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والمؤمنين على إنكار الحسد واستقباحه وكانوا يحسدونهم على ما آتاهم اللّه من النصرة والغلبة وإزدياد العز والتقدم كل يوم

{فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب} أى التوراة

{والحكمة} الموعظ والفقه

{وآتيناهم ملكا عظيما} يعنى ملك يوسف وداود وسليمان عليهم السلام وهنا إلزام لهم بما عرفوه من إيتاء اللّه الكتاب والحكمة آل إبراهيم الذين هم أسلاف محمد عليه السلام و أنه ليس ببدع أن يؤتيه اللّه مثل ما أوتى أسلافه

٥٥

{فمنهم من آمن به} فمن اليهود من آمن بما ذكر من حديث آل ابراهيم

{ومنهم من صد عنه} و انكره مع علمه بصحته أو من اليهود من آمن برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومنهم من أنكر نبوته وأعرض عنه

{وكفى بجهنم سعيرا} للصادين

٥٦

{إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم} ندخلهم

{نارا كلما نضجت جلودهم} أحرقت

{بدلناهم جلودا غيرها} أعدنا تلك الجلود غير محترقة فالتبديل والتغيير لتغاير الهيئتين لا لتغاير الأصلين عند أهل الحق خلافا للكرامية وعن فضيل يجعل النضيج غير نضيج

{ليذوقوا العذاب} ليدوم لهم ذوقه ولا ينقطع كقولك للعزيز أعزك اللّه أى أدامك على عزك

{إن اللّه كان عزيزا} غالبا بالانتقام لا يمتنع عليه شيء مما يريده بالمجرمين

{حكيما} فيما يفعل بالكافرين

٥٧

{والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة} من الأنجاس والحيض والنفاس

{وندخلهم ظلا ظليلا} هو صفة مشتقة من لفظ الظل لتأكيد معناه كما يقال ليل أليل وهو ما كان طويلا فينانا لا جوب فيه ودائما لا ننسخه الشمس وسجسجا لا حرفيه ولا برد وليس ذلك إلا ظل الجنة ثم خاطب الولاة بأداء الأمانات والحكم بالعدل بقوله

٥٨

{إن اللّه يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} وقيل قد دخل فى هذا الأمر أداء الفرائض التى هى أمانة اللّه تعالى التى حملها الإنسان وحفظ الحواس التى هى ودائع اللّه تعالى

{وإذا حكمتم بين الناس} قضيتم

{أن تحكموا بالعدل} بالسوية والانصاف وقيل إن عثمان بن طلحة بن عبد الدار كان سادن الكعبة وقد اخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم منه مفتاح الكعبة فلما نزلت الآية أمر عليا رضى اللّه عنه بأن يرده إليه وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لقد أنزل اللّه فى شأنك قرآنا و قرأ عليه الآية فأسلم عثمان فهبط جبريل عليه السلام وأخبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن السدانة فى أولاد عثمان أبدا

{إن اللّه نعما يعظكم به} ما نكرة منصوبة موصوفة ببعظكم به كأنه قيل نعم شيئا يعظكم به أو موصولة مرفوعة المحل صلتها ما بعدها أى نعم الشئ الذى يعظكم به والمخصوص بالمدح محذوف أى نعما يعظكم به ذلك وهو المأمور به من أداء الأمانات والعدل فى الحكم وبكسر النون وسكون العين مدنى و أبو عمرو وبفتح النون وكسر العين شامى وحمزة وعلى

{إن اللّه كان سميعا} لاقوالكم

{بصيرا} بأعمالكم لما أمر الولاة بأداء الأمانات والحكم بالعدل أمر الناس بأن يطيعوهم بقوله

٥٩

{يا أيها الذين آمنوا أطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} أى الولاة أو العلماء لأن أمرهم ينفذ على الأمراء

{فإن تنازعتم في شيء} فإن اختلفتم انتم واولوا الأمر فى شيء من أمور الدين

{فردوه إلى اللّه والرسول} أى ارجعوا فيه إلى الكتاب والسنة

{إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر} أى أن الإيمان يوجب الطاعة دون العصيان ودلت الآية على أن طاعة الامراء واجبة إذا وافقوا الحق فإذا خالفوه فلاطاعة لهم لقوله عليه السلام لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق وحكى أن مسلمة ابن عبد الملك بن مروان قال لأبى حازم ألستم أمرتم بطاعتنا بقوله

{وأولي الأمر منكم} فقال أبو حازم أليس قد نزعت الطاعة عنكم إذا خالفتم الحق بقوله

{فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى اللّه والرسول} إلى القرآن والرسول فى حياته و إلى أحاديثه بعد وفاته

{ذلك} إشارة إلى الرد أى الرد إلى الكتاب والسنة

{خير} عاجلا

{وأحسن تأويلا} عاقبة كان بين بشر المنافق ويهودى خصومة فدعاه اليهودى إلى النبى صلى اللّه عليه وسلم لعلمه أنه لا يرتشى ودعا المنافق إلى كعب بن الأشرف ليرشوه فاحتكما إلى النبى عليه السلام فقضى لليهود فلم يرض المنافق وقال: تعال نتحاكم إلى عمر فقال االيهودى لعمر رضى اللّه عنه قضى لى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فلم يرض بقضائه فقال عمر للمنافق أكذلك قال نعم فقال عمر مكانكما حتى أخرج إليكما فدخل عمر فأخذ سيفه ثم خرج فضرب به عنق المنافق فقال هكذا أقضى لمن لم يرض بقضاء اللّه ورسوله فنزل

٦٠

{ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك} وقال جبريل عليه السلام إن عمر فرق بين الحق والباطل فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنت الفاروق

{يريدون} حال من الضمير فى يزعمون

{أن يتحاكموا إلى الطاغوت} أى كعب بن الأشرف سماه اللّه طاغوتا لافراطه فى الطغيان وعداوة رسول اللّه عليه السلام أو على التشبيه بالشيطان أو جعل اختيار التحاكم إلى غير رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على التحاكم إليه تحاكما إلى الشيطان بدليل قوله

{وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم} عن الحق

{ضلالا بعيدا} مستمرا إلى الموت

٦١

{وإذا قيل لهم} للمنافقين

{تعالوا إلى ما أنزل اللّه وإلى الرسول}

للتحاكم

{رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا} يعرضون عنك إلى غيرك ليغروه بالرشوة فيقضى لهم

٦٢

{فكيف} تكون حالهم وكيف يصنعون

{إذا أصابتهم مصيبة} من قتل عمر بشرا

{بما قدمت أيديهم} من التحاكم إلى غيرك واتهامهم لك فى الحكم

{ثم جاؤوك} أى أصحاب القتيل من المنافقين

{يحلفون باللّه} حال

{إن أردنا} ما أردنا بتحاكمنا إلى غيرك

{إلا إحسانا} لا إساءة

{وتوفيقا} بين الخصمين ولم ترد مخالفة لك ولا تسخطا لحكمك وهذا وعيد لهم على فعلهم وأنهم سيندمون عليه حين لا ينفعهم الندم ولا يغنى عنهم الاعتذار وقيل جاء أولياء المنافق يطلبون بدمه وقد أهدره اللّه فقالوا ما أردنا بالتحاكم إلى عمر إلا أن يحسن صاحبنا بحكومة العدل والتوفيق بينه وبين خصمه وما خطر ببالنا أنه يحكم له بما حكم به

٦٣

{أولئك الذين يعلم اللّه ما في قلوبهم} من النفاق

{فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا} فأعرض عن قبول الأعذار وعظ بالزجر والانكار وبالغ فى وعظهم بالتخويف والانذار أو اعرض عن عقابهم وعظهم فى عتابهم وبلغ كنه ما فى ضميرك من الوعظ بارتكابهم والبلاغة أن يبلغ بلسانه كنه ما فى جنانه و فى أنفسهم يتعلق يقل لهم أى قل لهم فى معنى أنفسهم الخبيثة وقلوبهم المطوية على النفاق قولا بليغا يبلغ منهم ويؤثر فيهم

٦٤

{وما أرسلنا من رسول} أى رسولا قط

{ليطاع بإذن اللّه} بتوفيقه فى طاعته وتيسيره أو بسبب إذن اللّه فى طاعته وبأنه أمر المبعوث إليهم بأن يطيعوه لأنه مؤد عن اللّه فطاعته طاعة اللّه ومن يطع الرسول فقد أطاع اللّه

{ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم} بالتحاكم إلى الطاغوت

{جاؤوك} تائبين من النفاق معتذرين عما ارتكبوا من الشقاق

{فاستغفروا اللّه} من النفاق والشقاق

{واستغفر لهم الرسول} بالشفاعة لهم والعامل فى إذ ظلموا خير أن وهو جاءوك والمعنى ولو وقع مجيئهم فى وقت ظلمهم مع استغفارهم واستغفار الرسول

{لوجدوا اللّه توابا} لعلموه توابا أى لتاب عليهم ولم يقل واستغفرت لهم وعدل عنه إلى طريقة الالتفات تفخيما لشأنه صلى اللّه عليه وسلم وتعظيما لاستغفاره وتنبيها على أن شفاعة من اسمه الرسول من اللّه بمكان

{رحيما} بهم قيل جاء إعرابى بعد دفنه عليه السلام فرمى بنفسه على قبره وحثا من ترابه على رأسه وقال يا رسول اللّه قلت فسمعنا وكان فيما أنزل عليك ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم الآية وقد ظلمت نفسى وجئتك أستغفر اللّه من ذنبى فاستغفر لى من ربى فنودى من قبره قد غفر لك

٦٥

{فلا وربك} أى فوربك كقوله فوربك لنسألهم ولا مزيدة لتأكيد معنى القسم وجواب القسم

{لا يؤمنون} أو التقدير فلا أى ليس الأمر كما يقولون ثم قال وربك لا يؤمنون

{حتى يحكموك فيما شجر بينهم} فيما اختلف بينهم واختلط ومنه الشجر لتداخل أغصانه

{ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا} ضيقا

{مما قضيت} أى لا تضيق صدورهم من حكمك أو شكا لأن الشاك فى ضيق من أمره حتى يلوح له اليقين

{ويسلموا تسليما} وينقادوا لقضائك انقيادا وحقيقته سلم نفسه له وأسلمها أى جعلها سالمة له أى خالصة وتسليما مصدر مؤكد للفعل بمنزلة تكريره كأنه قيل ويقادوا لحكمك انقايدا لا شبهة فيه بظاهرهم وباطنهم والمعنى لا يكونون مؤمنين حتى يرضوا بحكمك وقضائك

٦٦

{ولو أنا كتبنا عليهم} على المنافقين أى ولو وقع كتبنا عليهم

{أن اقتلوا} أن هى المفسرة

{أنفسكم} أى تعرضوا للقتل بالجهاد أو ولو أو جبنا عليهم مثل ما أوجبنا على بنى إسرائيل من قتلهم أنفسهم

{أو اخرجوا من دياركم} بالهجرة

{ما فعلوه} لنفاقهم والهاء ضمير أحد مصدرى الفعلين وهو القتل أو الخروج أو ضمير المكتوب لدلالة كتبنا عليه

{إلا قليل منهم} قليلا شامى على الاستثناء والرفع على البدل من واو فعلوه

{ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به} من أتباع رسول اللّه عليه السلام والانقياد لحكمه

{لكان خيرا لهم} فى الدارين

{وأشد تثبيتا} لايمانهم و أبعد عن الاضطراب فيه

٦٧

{وإذا} جواب لسؤال مقدر كأنه قيل وماذا يكون لهم بعد التثبيت فقيل و إذا ولو ثبتوا

{لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما} أى ثوابا كثيرالا ينقطع

٦٨

{ولهديناهم صراطا} مفعول ثان

{مستقيما} أى لثبتناهم على الدين الحق

٦٩

{ومن يطع اللّه والرسول فأولئك مع الذين أنعم اللّه عليهم من النبيين والصديقين} كأفاضل صحابة الأنبياء والصديق المبالغ فى صدق ظاهره بالمعاملة وباطنه بالمراقبة أو الذى يصدق قوله بفعله

{والشهداء} والذين استشهدوا فى سبيل اللّه

{والصالحين} ومن صلحت أحوالهم وحسنت اعمالهم

{وحسن أولئك رفيقا}أى وما أحسن أولئك رفيقا وهو كالصديق والخليط فى استواء الواحد والجمع فيه

٧٠

{ذلك} مبتدأ خبره

{الفضل من اللّه} أو الفضل صفته ومن اللّه خبره والمعنى أن ما أعطى المطيعون من الأجر العظيم ومرافقة المنعم عليهم من اللّه لأنه تفضل به عليهم أو أراد أن فضل المنعم عليهم ومرتبتهم من اللّه

{وكفى باللّه عليما} بعباده وبمن هو أهل الفضل ودلت الآية على أن ما يفعل اللّه بعباده فهو فضل منه بخلاف ما يقوله المعتزلة

٧١

{يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم} الحذر والحذر بمعنى وهو التحرز وهما كالإثر والأثر يقال اخذ حذره إذا تيقظ واحترز من المخوف كأنه جعل الحذر آلته التى يقى بها نفسه ويعصم بها روحه والمعنى احذروا واحترزوا أنه من العدو

{فانفروا ثبات} فاخرجوا ألى العدو جماعات متفرقة سرية بعد سربة فالثبات الجماعات واحدها ثبات

{أو انفروا جميعا} أى مجتمعين أو مع النبي عليه السلام لأن الجمع بدون السمع لا يتم والعقد بدون الواسطة لا ينتظم أو انفروا ثبات إذا لم يعم النفير أو انفروا جميعا إذا عم النفير وثبات حال وكذا جميعا وللام فى

٧٢

{وإن منكم لمن} للابتداء بمنزلتها فى إن اللّه لغفور ومن موصولة وفى

{ليبطئن} اللام وجواب قسم محفوظ تقديره و إن منكم لمن أقسم باللّه ليبطئن والقسم وجوابه صلة من والضمير الراجع منها إليه ما استكن فى ليبطئن أى ليتثاقلن وليتخلفن عن الجهاد وبطؤ بمعنى أبطأ أى تأخرو يقال ما بطؤبك فيتعدى بالباء والخطاب لعسكر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم و قوله منكم أى فى الظاهر دون الباطن يعنى المنافقين يقولون لم تقتلون انفسكم تأتوا حتى يظهر الأمر

{فإن أصابتكم مصيبة} قتل أو هزيمة قال المبطى

{قد أنعم اللّه علي إذ لم أكن معهم شهيدا} حاضرا فيصيبنى مثل ما أصابهم

٧٣

{ولئن أصابكم فضل من اللّه} فتح أو غنيمة

{ليقولن} هذا المبطئ مثلهفا على ما فاته من الغنيمة لا طلبا للمثوبة

{كان} مخففة من الثقيلة واسمها محذوف أى كأنه

{لم يكن} وبالتاء مكى وحفص

{بينكم وبينه مودة} وهى اعتراض بين الفعل وهو ليقولن وبين مفعلوله وهو

{يا ليتني كنت معهم} والمعنى كأن لم يتقدم له معكم موادة لأن المنافقين كانوا يوادون المؤمنين فى الظاهر و إن كانوا يبغون لهم الغوائل فى الباطن

{فأفوز} بالنصيب لأنه جواب التمنى

{فوزا عظيما} فآخذ من الغنيمة حظا وافرا

٧٤

{فليقاتل في سبيل اللّه الذين يشرون} يببعون

{الحياة الدنيا بالآخرة} والمراد المؤمنون الذين يستحبون الحياة الآجلة على العاجلة ويستبدلونها بها أى إن صد الذين مرضت قلوبهم وضعفت نياتهم عن القتال فليقاتل الثابتون المخلصون أو يشترون والمراد المنافقون الذين يشترون الحياة الدنيا بالآخرة وعظوا بأن يغيروا ما بهم من النفاق ويخلصوا الإيمان باللّه ورسوله ويجاهدوا فى سبيل اللّه حق جهاده

{ومن يقاتل في سبيل اللّه فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما} وعد اللّه المقاتل فى سبيل اللّه ظافرا أو مظفورا به إيتاء الأجر العظيم على اجتهاده فى اعزاز دين اللّه

٧٥

{وما لكم} مبتدأ وخبر وهذا الاستفهام فى النفى للتنبيه على الاستبطاء وفى الاثبات للانكار

{لا تقاتلون في سبيل اللّه} حال والعامل فيها الاستقرار كما تقول مالك قائما والمعنى و أشىء لكم تاركين القتال وقد ظهرت دواعيه

{والمستضعفين} مجرور بالعطف على سبيل اللّه أي في سبيل اللّه وفى خلاص المستضعفين أو منصوب على الاخت منه أى واختص من سبيل اللّه خلاص المستضعفين من المستضعفين لأن سبيل اللّه عام فى كل خير وخلاص المسلمين من أيدى الكفار من أعظم الخير وأخصه والمستضعفون هم الذين أسلموا بمكة وصدهم المشركون عن الهجرة فبقوا بين أظهرهم مستذلين مستضعفين يلقون منهم الأذى الشديد

{من الرجال والنساء والولدان} ذكر الولدان تسجيلا بافراط ظلمهم حيث بلغ أذاهم الولدان غير المكلفين ارغاما لا بائهم وأمهاتم و لأن المستضعفين كانوا يشركون صبيانهم فى دعائهم استنزالا لرحمة اللّه بدعاء صغارهم الذين لم يذنبوا كما فعل قوم يونس عليه السلام عن ابن عباس رضى اللّه عنهما كنت أنا و أمى من المستضعفين من النساء والولدان

{الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية} يعنى مكة

{الظالم أهلها} الظالم وصف للقرية إلا أنه مسند إلى أهلها فاعطى اعراب القرية لأنه صفتها وذكر لاسناده إلى الأهل كما تقول من هذه القرية التى ظلم أهلها

{واجعل لنا من لدنك وليا} يتولى أمرنا ويستنقذنا من أعدائنا

{واجعل لنا من لدنك نصيرا} ينصرنا عليهم كانوا يدعون اللّه بالخلاص ويستنصرونه فيسر اللّه لبعضهم الخروج إلى المدينة وبقى بعضهم إلى الفتح حتى جعل اللّه لهم من لدنه خير ولى وناصر وهو محمد عليه السلام فتولاهم أحسن التولى و نصرهم أقوى النصر ولما خرج محمد صلى اللّه عليه وسلم استعمل عتاب بن أسيد فرأوا منه الولاية والنصرة كما أرادوا قال ابن عباس رضى اللّه عنهما كان ينصر الضعيف من القوى حتى كانوا أعزبها من الظلمة رغب اللّه المؤمنين بأنهم يقاتلون فى سبيل اللّه فهو وليهم وناصرهم وأعداؤهم يقاتلون فى سبيل الشيطان فلاولى لهم إلا الشيطان بقوله

٧٦

{الذين آمنوا يقاتلون في سبيل اللّه والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت} أى الشيطان

{فقاتلوا أولياء الشيطان} أى الكفار

{إن كيد الشيطان} أى وساوسه وقيل الكيد السعى فى فساد الحال على جهة الاحتيال

{كان ضعيفا} لأنه غرور لا يؤول إلى محصول أو كيده فى مقابلة نصر اللّه ضعيف كان المسلمون مكفوفين عن القتال مع الكفار ما داموا بمكة وكانوا يتمنون أن يؤذن لهم فيه فنزل

٧٧

{ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم} أى عن القتال

{وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال} أى فرض بالمدينة

{إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية اللّه} يخافون أن يقاتلهم الكفار كما يخافون أن ينزل اللّه عليهم بأسه لا شكا فى الدين ولا رغبة عنه ولكن نفورا عن الاخطار بالأرواح وخوفا من الموت قال الشيخ أبو منصور رحمه اللّه هذه خشية طبع لا أن ذلك منهم كراهة لحكم اللّه وأمره اعتقادا فالمرء مجبول على كراهة ما فيه خوف هلاكه غالبا وخشية اللّه من إضافة المصدر إلى المفعول ومحله النصب على الحال من الضمير فى يخشون أى يشخون الناس مثل خشية اللّه أى مشيهين لأهل خشية اللّه

{أو أشد خشية} هو معطوف على الحال أى أو أشد خشية من أهل خشية اللّه و أو للتخيير أى إن قلت خشيتهم الناس كخشية اللّه فانت مصيب وان قلت أنها أشد فأنت مصيب لأنه حصل لهم مثلها وزيادة

{وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب} هلا امهلتنا إلى الموت فنموت على الفرش وهو سؤال على وجه الحكمة فى فرض القتال عليهم لا اعتراض لحكمه بدليل أنهم لم يوبخوا على هذا السؤال بل أجيبوا بقوله

{قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى} متاع الدنيا قليل زائل ومتاع الآخرة كثير دائم و الكثير إذا كان على شرف الزوال فهو قليل فكيف القليل الزائل

{ولا تظلمون فتيلا} ولا تنقصون أدنى شيء من أجوركم على مشاق القتل فلا ترغبوا عنه وبالياء مكى وحمزة وعلى ثم أخبر أن الحذر لا ينجى من القدر بقوله

٧٨

{أينما تكونوا يدرككم الموت} ما زائدة لتوكيد معنى الشرط فى أين

{ولو كنتم في بروج} حصون أو قصور

{مشيدة} مرفعة

{وإن تصبهم حسنة} نعمة من خصب ورخاء

{يقولوا هذه من عند اللّه} نسبوها إلى اللّه

{وإن تصبهم سيئة} بلية من قحط وشدة

{يقولوا هذه من عندك} أضافوها اليك وقالوا هذه من عندك وما كانت الابشؤمك وذلك أن المنافقين واليهود كانوا إذا أصابهم خير حمدوا اللّه تعالى و إذا أصابهم مكروه نسبوه إلى محمد صلى اللّه عليه وسلم فكذبهم اللّه تعالى بقوله

{قل كل من عند اللّه} والمضاف إليه محذوف أى كل ذلك فهو يبسط الأرزاق ويقبضها

{فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون} يفهمون

{حديثا} فيعلمون أن اللّه هو الباسط القابض وكل ذلك صادر عن حكمة ثم قال

٧٩

{ما أصابك} يا إنسان خطابا عاما وقال الزجاج المخاطب به النبى عليه السلام والمراد غيره

{من حسنة} من نعمة وإحسان

{فمن اللّه} تفضلا منه وامتنانا

{وما أصابك من سيئة} من بلية ومصيبة

{فمن نفسك} فمن عندك أى فيما كسبت يداك وماأصابكم من مصيبة فيما كسبت أيديكم

{وأرسلناك للناس رسولا} لا مقدرا حتى نسبوا اليك الشدة أو أرسلناك للناس رسولا فاليك تبليغ الرسالة وليس اليك الحسنة والسيئة

{وكفى باللّه شهيدا} بأنك رسوله وقيل هذا متصل بالاول أى لا يكادون يفقهون حديثا يقولون ما أصابك وحمل المعتزلة الحسنة والسيئة فى الآية الثانية على الطاعة والمعصية تعسف بين وقد نادى عليه ما أصابك إذ يقال فى الأفعال ما أصبت ولأنهم لا يقولون الحسنات من اللّه خلقا وإيجاد فأنى يكون لهم حجة فى ذلك وشهيدا تمييز

٨٠

{من يطع الرسول فقد أطاع اللّه} لأنه لا يأمر ولا ينهى إلا بما أمر اللّه به ونهى عنه فكانت طاعته فى أوامره ونواهيه طاعة للّه

{ومن تولى} عن الطاعة فأعرض عنه

{فما أرسلناك عليهم حفيظا} تحفظ عليهم أعمالهم وتحاسبهم عليها وتعاقبهم

٨١

{ويقولون} ويقول المنافقون إذا أمرتهم بشئ

{طاعة} خبر مبتدأ لمحذوف أى أمرنا وشأننا طاعة

{فإذا برزوا} خرجوا

{من عندك بيت طائفة منهم} زور وسوى فهو من البيتوتة لأنه قضاء الأمر وتدبيره بالليل أو من أبيات الشعر لأن الشاعر يديرها ويسويها وبالادغام حمزة و أبو عمرو

{غير الذي تقول} خلاف ما قلت وما أمرت به أو خلاف ما قالت وما ضمنت من الطاعة لأنهم أبطنوا الرد لا القبول والعصيان لا الطاعة و إنما ينافقون بما يقولون ويظهرون

{واللّه يكتب ما يبيتون} يثبته فى صحائف أعمالهم ويجازيهم عليه

{فأعرض عنهم} ولا تحدث نفسك بالأنتقام منهم

{وتوكل على اللّه} فى شأنهم فإن اللّه يكفيك مضرتهم وينتقم لك منهم إذا قوى أمر الإسلام

{وكفى باللّه وكيلا} كافيا لمن توكل عليه

٨٢

{أفلا يتدبرون القرآن} أفلا يتأملون معانيه ومبانيه والتدبر التأمل والنظر فى أدبار الأمور وما يؤل إليه فى عاقبته ثم استعمل فى كل تأمل والتفكر تصرف القلب بالنظر فى الدلائل وهذا يرد قول من زعم من الروافض أن القرآن لا يفهم معناه إلا بتفسير الرسول صلى اللّه عليه وسلم والامام المعصوم ويدل على صحة القياس وعلى بطلان التقليد

{ولو كان من عند غير اللّه} كما زعم الكفار

{لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} أى تناقضا من حيث التوحيد والتشريك والتحليل والتحريم أو تفاوتا من حيث البلاغة فكان بعضه بالغا حد الاعجاز وبعضه قاصرا عنه يمكن معارضته أو من حيث المعانى فكان بعضه إخبارا بغيب قد وافق المخبر عنه وبعضه إخبار مخالفا للمخبر عنه وبعضه دالا على معنى صحيح عند علماء المعانى وبعضه دالا على معنى فاسد غير ملتئم وأما تعلق الملحدة بآيات يدعون فيها اختلافا كثيرا من نحو قوله فإذا هى ثعبان مبين كانها جان فوربك لنسألنهم أجمعين فيؤمئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان فقد تفضى عنها أهل الحق وستجدها مشروحة فى كتابنا هذا فى مظانها إن شاء اللّه تعالى

٨٣

{وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف} هم ناس من ضعفة المسلمين الذين لم يكن فيهم خبرة بالأحوال أو المنافقون كانوا إذا بلغهم خبر من سرايا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من أمن وسلامة أو خوف وخلل

{أذاعوا به} أفشوه وكانت إذاعتهم مفسدة يقال أذاع السر وأذاع به والضمير يعود إلى الأمر أو إلى الأمن أو الخوف لأن أو تقتضى أحدهما

{ولو ردوه} أى ذلك الخبر

{إلى الرسول} أى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

{وإلى أولي الأمر منهم} يعنى كبراء الصحابة البصراء بالأنور أو الذين كانوا يؤمرون منهم

{لعلمه} لعلم تدبير ما أخبروا به

{الذين يستنبطونه منهم} يستخرجون تدبيره بفطنهم وتجاربهم ومعرفتهم بأمور الحرب ومكايدها وقيل كانوا يقفون من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأولى الأمر على أمن ووثوق بالظهور على بعض الأعداء أو على خوف واستشعار فيذيعونه فينشر فيبلغ الأعداء فتعود اذاعتهم مفسدة ولو ردوه إلى الرسول و إلى أولى الأمر وفوضوه اليهم وكانوا كأن لم يسمعوا لعلم الذين يستنبطون تدبيره كيف يدبرونه وما يأتون ويذرون فيه والنبط الماء الذى يخرج من البئر أول ما تجفر واستنباطه استخراجه فاستعير لما يستخرجه الرجل بفضل ذهنه من المعانى والتدابير فيما يعضل

{ولولا فضل اللّه عليكم} بارسال الرسول

{ورحمته} بانزال الكتاب

{لاتبعتم الشيطان} لبقيتم على الكفر

{إلا قليلا} لم يتبعوه ولكن آمنوا بالعقل كزيد ابن عمرو بن نفيل وقس بن ساعدة وغيرهما لما ذكر فى الآى قبلها تثبطهم عن القتال وإظهارهم الطاعة واضمارهم خلافها قال

٨٤

{فقاتل في سبيل اللّه} إن أفردوك وتركوك وحدك

{لا تكلف إلا نفسك} غير نفسك وحدها أن تقدمها إلى الجهاد فإن اللّه تعالى ناصرك لا الجنود وقيل دعا الناس فى بدر الصغرى إلى الخروج وكان أبو سفيان واعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اللقاء فيها فكره بعض الناس أن يخرجوا فنزلت فخرج وما معه إلا سبعون ولو لم يتبعه أحد لخرج وحده

{وحرض المؤمنين} وما عليك فى شأنهم إلا التحريض على القتال فحسب لا التعنيف بهم

{عسى اللّه أن يكف بأس الذين كفروا} أى بطشهم وشدتهم وهم قريش وقد كف بأسهم بالرعب فلم يخرجوا وعسى كلمة مطمعة غير أن إطماع الكريم أعود من انجاز اللئيم

{واللّه أشد بأسا} من قريس

{وأشد تنكيلا} تعذيبا وهو تمييز كبأسا

٨٥

{من يشفع شفاعة حسنة} هى الشفاعة فى دفع شر أو جلب نفع مع جوازها شرعا

{يكن له نصيب منها} من ثواب الشفاعة

{ومن يشفع شفاعة سيئة} هى خلاف الشفاعة الحسنة قال ابن عباس رضى اللّه عنهما مالها مفسر غيرى معناه ن أمر بالتوحيد وقاتل أهل الكفر وضده السيئة وقال الحسن هو المشى بالصلح وضده النميمة

{يكن له كفل منها} نصيب

{وكان اللّه على كل شيء مقيتا} مقتدرا من أقات على الشئ اقتدر عليه أو حفيظا من القوت لأنه يمسك النفس ويحفظها

٨٦

{وإذا حييتم} أى سلم عليكم فإن التحية فى ديننا بالسلام فى الدارين فسلموا على أنفسكم تحية من عند اللّه تحيتهم يوم يلقونه سلام وكانت العرب تقول عند اللقاء حياك اللّه أى أطال اللّه حياتك فابدل ذلك بعد الإسلام بالسلام

{بتحية} هى تفعلة من حيا يحيى تحية

{فحيوا بأحسن منها} أى قولوا وعليكم السلام ورحمة اللّه إذا قال السلام عليكم وزيدوا وبركاته إذا قال ورحمة اللّه ويقال لكل شيء منتهى ومنتهى السلام وبركاته

{أو ردوها} أى أجيبوها بمثلها ورد السلام جوابه بمثله لأن المجيب يرد قول المسلم وفيه حذف مضاف أى ردوا مثلها والتسليم سنة والرد فريضة والاحسن فضل وما من رجل يمر على قوم مسلمين فيسلم عليهم ولا يردون عليه إلا نزع عنهم روح القدس وردت عليه الملائكة ولا يرد السلام فى الخطبة وقرأءة القرآن جهرا ورواية الحديث وعند مذاكرة العلم والأذان والإقامة وعند أبى يوسف رحمه اللّه لا يسلم على لاعب الشطرنج والنرد والمغنى والقاعد لحاجته ومطير الحمام والعارى من غير عذر فى حمام أو غيره ويسلم الرجل اذا دخل على امرأته والماشى على القاعد والراكب على الماشى وراكب القرس على راكب الحمار والصغير على الكبير والاقل على الأكثر و إذا التقيا ابتدرا وقيل بأحسن منها لأهل الملة أو ردوها لأهل الذمة وعن النبى صلى اللّه عليه وسلم إذا سلم أهل الكتاب فقولوا وعليكم أى وعليكم ما قلتم لأنهم كانوا يقولون السام عليكم وقوله عليه السلام لا غرار فى تسليم أى لا يقال عليك بل عليكم لأن كاتبيه معه

{إن اللّه كان على كل شيء حسيبا} أى يحاسبكم على كل شيء من التحية وغيرها

٨٧

{اللّه} مبتدأ

{لا إله إلا هو} خبره أو اعتراض والخبر

{ليجمعنكم} ومعناه اللّه واللّه ليجمعكم

{إلى يوم القيامة} أى ليحشرنكم إليه والقيامة القيام كالطلابة والطلاب وهى قيامهم من القبور أو قيامهم للحساب يوم يقوم الناس لرب العالمين

{لا ريب فيه} هو حال من يوم القيامة والهاء يعود إلى اليوم أو صفة لمصدر محذوفة أى جمعا لا ريب فيه والهاء يعود إلى الجمع

{ومن أصدق من اللّه حديثا} تمييز وهو استفهام بمعنى النفى أى لا أحد أصدق منه فى اخباره ووعده ووعيده لاستحالة الكذب عليه لقبحه لكونه إخبارا عن الشئ بخلاف ما هو عليه

٨٨

{فما لكم} مبتدأ وخبر

{في المنافقين فئتين} أى مالكم اختلفتم فى شأن قوم قدنا فقوا نفاقا ظاهرا و تفرقتم فيهم فرقتين القول بكفرهم و ذلك أن قوما من المنافقين استأذنوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فى الخروج إلى البدو معتلين باجتواء المدينة فلما خرجوا لم يزالوا راحلين مرحلة مرحلة حتى لحقوا بالمشركين فاختلف المسلمون فيهم فقال بعضهم هم كفار وقال بعضهم هم مسلمون وفئتين حال كقولك مالك قائما قال سيبويه إذا قلت مالك قائما فمعناه لم قمت ونصبه على تأويل أى شيء يستقر لك فى هذه الحال

{واللّه أركسهم} ردهم إلى حكم الكفار

{بما كسبوا} من ارتدادهم ولحوقهم بالمشركين فردوهم أيضا ولا تختلفوا فى كفرهم

{أتريدون أن تهدوا} أن تجعلوا من جملة المهتدين

{من أضل اللّه} من جعله اللّه ضالا أو اتريدون أن تسموهم مهتدين وقد أظهر اللّه ضلالهم فيكون تعييرا لمن سماهم مهتدين و الآية تدل على مذهبنا فى إثبات الكسب للعبد والخلق للرب جلت قدرته

{ومن يضلل اللّه فلن تجد له سبيلا} طريقا إلى الهداية

٨٩

{ودوا لو تكفرون كما كفروا} الكاف نعت لمصدر محذوف وما مصدرية أى ودوا لو تكفرون كفرا مثل كفرهم

{فتكونون} عطف على تكفرون

{سواء} أى مستوين انتم وهم فى الكفر

{فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل اللّه} فلا توالوهم حتى يؤمنوا لأن الهجرة في سبيل اللّه بالأسلام ( فأن تولوا ) عن الأيمان

{فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم} كما كان حكم سائر المشركين

{ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا} وان بذلوا لكم الولاية والنصرة فلا تقبلوا منهم

٩٠

{إلا الذين يصلون إلى قوم} أى ينتهون اليهم ويتصلون بهم والاستثناء من قوله

{فخذوهم واقتلوهم} دون الموالاة

{بينكم وبينهم ميثاق} القوم هم إلا سلميون كان بينهم وبين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عهد وذلك أنه وادع قبل خروجه إلى مكة هلال بن عويمر الاسلمى على أن لا يعينه ولا يعين عليه وعلى أن من وصل الى هلال والتجأ إليه فله من الجوار مثل الذى لهلال أى فاقتلوهم إلا من اتصل بقوم بينكم وبينهم ميثاق

{أو جاؤوكم} عطف على صفة قوم أى إلا الذين يصلون إلى قوم معاهدين أو قوم ممسكين عن القتال لا لكم ولا عليكم أو على صلة الذين أى إلا الذين يتصلون بالمعاهدين أو الذين لا يقاتلونكم

{حصرت صدورهم} حال باضمار قدو الحصر الضيق والانقباض

{أن يقاتلوكم} عن أن يقاتلوكم أى عن قتالكم

{أو يقاتلوا قومهم} معكم

{ولو شاء اللّه لسلطهم عليكم} بتقوية قلوبهم وازاله الحصر عنها

{فلقاتلوكم} عطف على نسلطهم ودخول اللام للتأكيد

{فإن اعتزلوكم} فإن لم يتعرضوا لكم

{فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم} أى الانقياد والاستسلام

{فما جعل اللّه لكم عليهم سبيلا} طريقا إلى القتال

٩١

{ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم} بالنفاق

{ويأمنوا قومهم} بالوفاق هم قوم من أسدو غطفان كانوا إذا أتو المدينة أسلموا وعاهدوا ليأمنوا المسلمين فإذا رجعوا إلى قومهم كفروا ونكثوا عهودهم

{كل ما ردوا إلى الفتنة} كلما دعاهم قومهم إلى قتال المسلمين

{أركسوا فيها} قلبوا فيها أقبح قلب وأشنعه كانوا شرا فيها من كل عدو

{فإن لم يعتزلوكم} فإن لم يعتزلوا قتالكم

{ويلقوا إليكم السلم} عطف على لم يعتزلوكم أى ولم ينقادوا لكم بطلب الصلح

{ويكفوا أيديهم} عطف عليه أيضا أى ولم يمسكوا عن قتالكم

{فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم} حيث تمكنتم منهم وظفرتم بهم

{وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا} حجة واضحة لظهور عداوتهم وانكشاف حالهم فى الكفر والغدر وإضرارهم بالمسلمين أو تسلطا ظاهرا حيث أذنا لكم فى قتلهم

٩٢

{وما كان لمؤمن} وما صح له ولا استقام ولا لاق بحاله

{أن يقتل مؤمنا} ابتداء من غير قصاص أى ليس المؤمن كالكافر الذى تقدم إباحة دمه

{إلا خطأ} إلا على وجه الخطأ وهو استثناء منقطع بمعنى لكن أى لكن إن وقع خطأ ويحتمل أن يكون صفة لمصدر أى إلا قتلا خطأ والمعنى من شأن المؤمن أن ينتفى عنه وجوده قتل المؤمن ابتداء البتة إلا إذا وجد منه خطأ من غير قصد بأن يرمى كافرا فيصيب مسلما أو يرمى شخصا على أنه كافر فإذا هو مسلم

{ومن قتل مؤمنا خطأ} صفة مصدر محذوف أى قتلا خطأ

{فتحرير رقبة} مبتدأ والخبر محذوف أى فعليه تحرير رقبة والتحرير الاعتاق والحر والعتيق الكريم لأن الكرم فى الاحرار كما أن اللؤم فى العبيد ومنه عتاق الطير وعتاق الخيل لكرامها والرقبة النسمة ويعبر عنها بالرأس فى قولهم فلان يملك كذا رأسا من الرقيق

{مؤمنة} قيل ما أخرج نفسا مؤمنة من جملة الاحياء لزمه أن يدخل نفسا مثلها فى جملة الاحرار لأن أطلاقها من قيد الرق كاحيائها من قبل أن الرقيق ملحق بالاموات إذ الرق أثر من آثار الكفر والكفر موت حكما أو من كان ميتا فأحييناه ولذا منع من تصرف الاحرار وهذا مشكل إذ لو كان كذلك لوجب فى العمد أيضا لكن يحتمل أن يقال إنما وجب عليه ذلك لأن اللّه تعالى أبقى للقاتل نفسا مؤمنة حيث لم يوجب القصاص فأوجب عليه مثلها رقبة مؤمنة

{ودية مسلمة إلى أهله} مؤداة إلى ورثته يقتسمونها كما يقتسمون الميراث لا فرق بينها وبين سائر التركة فى كل شيء فيقضى منها الدين وتنفذ الوصية و إذا لم يبق وارث فهى لبيت المال وقد ورث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم امرأة اشيم الضبابى من عقل زوجها اشيم لكن الدية على العاقلة والكفارة على القاتل

{إلا أن يصدقوا} إلا أن يتصدقوا عليه بالدية أى يعفوا عنه والتقدير فعليه ديه فى كل حال إلا فى حال لتصدق عليه بها

{فإن كان من قوم عدو لكم} فإن فإن كان المقتول خطأ من قوم أعداءلكم أى كفرة فالعدو يطلق على الجميع

{وهو مؤمن} أى المقتول مؤمن

{فتحرير رقبة مؤمنة} يعنى إذا أسلم الحربى فى دار الحرب ولم يهاجر الينا فقتله مسلم خطأ تجب الكفارة بقتله للعصمة المؤثمة وهى الإسلام ولا تجب الدية لأن العصمة المقومة بالدار ولم توجد

{وإن كان} أى المقتول

{من قوم بينكم} بين المسلمين

{وبينهم ميثاق} عهد

{فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة} أى و إن كان المقتول ذميا فحكمه حكم المسلم وفيه دليل على أن دية الذمى كدية المسلم وهو قولنا

{فمن لم يجد} رقبة أى لم يملكها ولا ما يتوصل به اليها

{فصيام شهرين} فعليه صيام شهرين

{متتابعين توبة من اللّه} قبولا من اللّه ورحمة منه من تاب اللّه عليه إذا قبل توبته يعنى شرع ذلك توبة منه أو فليتب توبة فهى نصب على المصدر

{وكان اللّه عليما} بما أم

{حكيما} فيما قدر

٩٣

{ومن يقتل مؤمنا متعمدا} حال من ضمير القاتل أى قاصدا قتله لإيمانه وهو كفر أو قتله مستحلا لقتله وهو كفر أيضا

{فجزاؤه جهنم خالدا فيها} أى إن جازاه قال عليه السلام هى جزاؤه إن جازاه والخلود قد يراد به طول المقام وقول المعتزلة بالخروج من الإيمان يخالف قوله تعالى

{يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى} {وغضب اللّه عليه ولعنه} أى انتقم منه وطرده من رحمته

{وأعد له عذابا عظيما} لارتكابه امرا عظيما وخطبا جسما فى الحديث لزوال الدنيا اهون على اللّه من قتل المرىء مسلم

٩٤

{يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل اللّه} سرتم فى طريق الغزو

{فتبينوا} فتثبتوا حمزة وعلى وهما من التفعل بمعنى الاستفعال أى اطلبوا بيان الأمر وثباته ولا تتهوكوا فيه

{ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام} السلم مدنى وشامى وحمزة وهما الاستسلام وقيل الإسلام وقيل التسليم الذى هو تحية أهل الإسلام

{لست مؤمنا} فى موضع النصب بالقول وروى أن مرداس بن نهيك أسلم ولم يسلم من قومه غيره فغزتهم سرية لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فهربوا وبقى مرداس لثقتة بإسلامه فلما رأى الخيل ألجأ غنمه إلى منعرج من الجبل وصعد فلما تلاحقوا وكبروا كبر ونزل وقال لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه السلام عليكم فقتله أسامة بن زيد واستاق غنمه فأخبروا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فوجد وجدا شديدا و قتل قتلتموه إرادة ما معه ثم قرأ الآية على أسامة

{تبتغون عرض الحياة الدنيا} تطلبون الغنيمة التي هى حطام سريع النفاذ فهو الذى يدعوكم إلى ترك التثبت وقلة البحث عن حال من تقتلونه والعرض المال سمى به لسرعة فنائه وتبتغون حال من ضمير الفاعل فى تقولوا

{فعند اللّه مغانم كثيرة} يغنمكموها تغنيكم عن قتل رجل يظهر الإسلام ويتعوذ به من التعرض له لتأخذوا ماله

{كذلك كنتم من قبل} أو ما دخلتم فى الإسلام سمعت من أفواهكم كلمة الشهادة فحصنت دماءكم وأموالكم من غير انتظار الاطلاع على مواطأة قلوبكم لألسنتكم والكاف فى كذلك حبر كان وقد تقدم عليها وعلى اسمها

{فمن اللّه عليكم} بالاستقامة والاشتهار بالايمان فافعلوا بالداخلين فى الاسلام كما فعل بكم

{فتبينوا} كرر الأمر بالتبين ليؤكد عليهم

{إن اللّه كان بما تعملون خبيرا} فلا تتهافتوا فى القتل وكونوا محترزين محتاطين فى ذلك

٩٥

{لا يستوي القاعدون} عن الجهاد

{من المؤمنين غير أولي الضرر} بالنصب مدنى وشامى وعلى لأنه استثناء من القاعدين أو حال منهم وبالجر عن حمزة صفة للمؤمنين وبالرفع غيرهم صفة للقاعدين والضرر المرض أو العاهةومن عمى أو عرج أو زمانة أو نحوها

{والمجاهدون في سبيل اللّه بأموالهم وأنفسهم} عطف على القاعدون ونفى التساوى بين المجاهد والقاعد بغير عذر و إن كان معلوما توبيخا للقاعد عن الجهاد وتحريكا له عليه ونحوه هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون فهو تحريك لطلب العلم وتوبيخ على الرضا بالجهل

{فضل اللّه المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين} ذكر هذه الجملة بيانا للجملة الأولى مرضحة لما نفى من استواء القاعدين والمجاهدين كأنه قيل مالهم لا يستوون فأجيب بذلك

{درجة} نصب على المصدر لوقوعها موقع المرة من التفضيل كأنه قيل فضلهم تفضلة كقولك ضربه سوطا ونصب

{وكلا} أى وكل فريق من القاعدين والمجاهدين لأنه مفعول أول لقوله

{وعد اللّه} والثانى

{الحسنى} أى المثوبة الحسنى وهى الجنة و إن كان المجاهدون مفضلين على القاعدين درجة

{وفضل اللّه المجاهدين على القاعدين} بغير عذر

{أجرا عظيما

٩٦

درجات منه ومغفرة ورحمة} قيل انتصب أجرا بفضل لأنه فى معنى أجرهم أجرا أو درجات ومغفرة ورحمة بدل من أجرا أو انتصب درجات نصب درجة كأنه قيل فضلهم تفطيلات كقولك ضربة أسواطا أى ضربات وأجرا عظيما على أنه حال من الكرة التى هى درجات مقدمة عليها مغفرة ورحمة باضمار فعلهما إى غفر لهم روحمهم مغفرة ورحمة حاصلة إن اللّه تعالى فضل المجاهدين على القاعدين بعذر درجة وعلى القاعدين بغير عذر بأمر النبى عليه السلام اكتفار بغيرهم درجات لأن الجهاد فرض كفاية

{وكان اللّه غفورا} بتكفير العذر

{رحيما} بتوفير الاجر ونزل فيمن أسلم ولم يهاجر حين كانت الهجرة فريضة وخرج مع المشركين إلى بدر مرتدا فقتل كافرا

٩٧

{إن الذين توفاهم الملائكة} يجوز أن يكون ماضيا لقراءة من قرأ توفتهم ومضارعا بمعنى نتوفاهم وحذفت الثانية لا جتماع التاءين والتوفى قبض الروح والملائكة ملك الموت وأعوانه

{ظالمي أنفسهم} حال من ضمير المفعول فى توفاهم أى فى حال ظلمهم أنفسهم بالكفر وترك الهجرة

{قالوا} أى الملائكة للمتوفين

{فيم كنتم} أى فى أى شيء كنتم فى امر دينكم ومعناه التوبيخ بأنهم لم يكونوا فى شيء من الدين

{قالوا كنا مستضعفين} عاجزين عن الهجرة

{في الأرض} ارض مكة فأخرجونا كارهين

{قالوا} أى الملائكة موبخين لهم

{ألم تكن أرض اللّه واسعة فتهاجروا فيها} أرادوا أنكم كنتم قادرين على الخروج من مكة إلى بعض البلاد التى لا تمنعون فيها من إظهار دينكم ومن الهجرة إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ونصب فنها جروا على جواب الاستفهام

{فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا} خبران فأولئك ودخول الفاء لما فى الذين من الإبهام المشابه بالشرط أو قالوا فيم كنتم والعائد محذوف أى قالوا لهم و الآية تدل على أن من لم يتمكن من إقامة دينه فى بلد كما يجب وعلم أنه يتمكن من إقامته فى غيره حقت عليه المهاجرة وفى الحديث من فر بدينه من ارض إلى ارض و إن كان شبرا من الأرض استوجبت له الجنة وكان رفيق أبيه إبراهيم ونبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم

٩٨

{إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان} استثنى من أهل الوعيد المستضعفين الذين

{لا يستطيعون حيلة} فى الخروج منها لفقرهم وعجزهم

{ولا يهتدون سبيلا} ولا معرفة لهم بالمسالك ولا يستطيعون صفة للمستضعفين أو للرجال والنسا والولدان و إنما جاز ذلك والجمل نكرات لأن الموصوف و إن كان فيه حرف التعريف فليس بشئ بعينه كقوله ولقد أمر على اللئيم يسبنى

٩٩

{فأولئك عسى اللّه أن يعفو عنهم} وعسى و إن كان للاطماع فهو من اللّه واجب لأن الكريم إذا أطمع أنجز

{وكان اللّه عفوا غفورا} لعباده قبل أن يخلقهم

١٠٠

{ومن يهاجر في سبيل اللّه يجد في الأرض مراغما} مهاجرا وطريقا براغم بسلوكه قومه أى يفارقهم على رغم أنوفهم والرغم الذل والهوان وأصله لصوق الأنف بالرغام وهو التراب يقال راغمت الرجل إذا فارقته وهو يكره مفارقتك لمذلة تلحقه بذلك

{كثيرا وسعة} فى الرزق أو فى إظهار الدين أو فى الصدر لتبدل الخوف بالأمن

{ومن يخرج من بيته مهاجرا} حال من الضمير فى يخرج

{إلى اللّه ورسوله} إلى حيث أمر اللّه ورسوله

{ثم يدركه الموت} قبل بلوغه مهاجره وهو عطف على يخرج

{فقد وقع أجره على اللّه} أى حصل له الأجر بوعد اللّه وهو تأكيد للوعد فلا شيء يجب على اللّه لاحد من خلقه

{وكان اللّه غفورا رحيما} قالوا كل هجرة لطلب علم أو حج أو جهاد أو فرار إلى بلد يزداد فيه طاعة أو قناعة أو زهدا أو ابتغاء رزق طيب فهى هجرة إلى اللّه ورسوله و إن أدركه الموت فى طريقه فقد وقع أجره على اللّه

١٠١

{وإذا ضربتم في الأرض} سافرتم فيها فالضرب فى الأرض هو السفر

{فليس عليكم جناح} حرج

{أن تقصروا} فى أن تقصروا

{من الصلاة} من أعداد ركعات الصلاة فتصلوا الرباعية ركعتين وظاهر الآية يقتضى أن القصر رخصة فى السفر والاكمال عزيمة كما قال الشافعى رحمه اللّه لأنه جناح يستعمل فى موضع التخفيف والرخصة لا فى موضع العزيمة وقلنا القصر عزيمة غير رخصة ولا يجوز الاكمال لقول عمر رضى اللّه عنه صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم صلى اللّه عليه وسلم واما الآية فكأنهم ألفوا الاتمام فكانوا مظنة لأن يخطر ببالهم أن عليهم نقصانا فى القصر فنفى عنهم الجناح لتطليب أنفسهم بالقصر ويطمئنوا إليه

{إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} إن خشيتم أى يقصدكم الكفار بقتل أو جرح أو اخذ والخوف شرط جواز القصر عند الخوارج ظاهر النص وعند الجمهور ليس بشرط لما روى عن يعلى بن أمية أنه قال لعمر ما بالنا نقصر وقد أمنا فقال عجبت مما تعجبت منه فسألت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن ذلك فقال صدقة تصدق اللّه بها عليكم فاقبلوا صدقته وفيه دليل على أنه لا يجوز الاكمال فى السفر لأن التصدق بما لا يحتمل التمليك اسقاط محض لا يحتمل الرد و إن كان المتصدق ممن لا تلزم طاعته كولى القصاص إذا عفا فمن تلزم طاعته أولى و لأن حالهم حين نزول الآية كذلك فنزلت على وفق الحال وهو كقوله

{إن أردن تحصنا} دليله قراءة عبد اللّه من الصلاة أن يفتنكم أى لئلا يفتنكم على أن المراد بالآية قصر الاحوال وهو أن يومى على الدابة عند الخوف أو يخفف القراءة والركوع والسجود والتسبيح كما روى عن ابن عباس رضى اللّه عنهما

{إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا} فتحرزوا عنهم

١٠٢

{وإذا كنت} يا محمد

{فيهم} فى أصحابك

{فأقمت لهم الصلاة} فأردت أن تقيم الصلاة بهم وبظاهره تعلق أبو يوسف رحمه اللّه فلا يرى صلاة الخوف بعده عليه السلام وقالا الأئمة نواب عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فى كل عصر فكان الخطاب له متناولا لكل إمام كقوله تعالى

{خذ من أموالهم صدقة تطهرهم} دليله فعل الصحابة رضى اللّه عنهم بعده عليه السلام

{فلتقم طائفة منهم معك} فاجعلهم طائفتين فلتقم إحداهما معك فصل بهم وتقوم طائفة تجاه العدو

{وليأخذوا أسلحتهم} أى الذين تجاه العدو عن ابن عباس رضى اللّه عنهما و إن كان المراد به المصلين فقالوا يأخذون من السلاح مالا يشغلهم عن الصلاة كالسيف والخنجر ونحوهما

{فإذا سجدوا} أى قيدوا ركعتهم بسجدتين فالسجود على ظاهره عندنا وعند مالك بمعنى الصلاة

{فليكونوا من ورائكم} أى إذا صلت هذه الطائفة التى معك ركعة فليرجعوا ليقفوا بإزاء العدو

{ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا} فى موضع رفع صفة لطائفة

{فليصلوا معك} أى ولتحضر الطائفة الواقعة بازاء العدو فليصلوا معك الركعة الثانية

{وليأخذوا حذرهم} ما يتحرزون به من العدو كالدرع ونحوه

{وأسلحتهم} جمع سلاح وهو ما يقاتل به وأخذ السلاح شرط عند الشافعى رحمه اللّه وعندنا مستحب وكيفية صلاة الخوف معروفة

{ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم} أى تمنوا أن ينالوا منكم غرة فى صلاتكم

{فيميلون عليكم ميلة واحدة} فيشدون عليكم شدة واحدة

{ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا} فى أن تضعوا

{أسلحتكم وخذوا حذركم} رخص لهم فى وضع الأسلحة أن ثقل عليهم حملها بسبب ما يبلهم من مطر أو يضعفهم من مرض وأمرهم مع ذلك بأخذ الحذر لئلا يغفلوا فيهجم عليهم العدو

{إن اللّه أعد للكافرين عذابا مهينا} أخبر أنه يهين عدوهم لتقوى قلوبهم وليعلموا أن الأمر بالحذر ليس لتوقع غلبتهم عليهم و إنما هو تعبد من اللّه تعالى

١٠٣

{فإذا قضيتم الصلاة} فرغتم منها

{فاذكروا اللّه قياما وقعودا وعلى جنوبكم} أى دوموا على ذكر اللّه فى جميع الأحوال أو فإذا أردتم أداء الصلاة فصلوا قياما أن قدرتم عليه وقعودا أن عجزتم عن القيام ومضطجعين إن عجزتم عن القعود

{فإذا اطمأننتم} سكنتم بزوال الخوف

{فأقيموا الصلاة}

فأتموها بطائفة واحدة أو إذا أقمتم فأتموا ولا تقصروا أو إذا اطمأننتم بالصحة فأتموا القيام والركوع والسجود

{إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} مكتوبا محدودا بأوقات معلومة

١٠٤

{ولا تهنوا} ولا تضعفوا ولا تتوانوا

{في ابتغاء القوم} فى طلب الكفار بالقتال والتعرض به لهم ثم ألزمهم الحجة بقوله

{إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من اللّه ما لا يرجون} أى ليس ما يجدون من الألم بالجرح ولقتل مختصا بكم بل هو مشترك بينكم وبينهم يصيبهم كما يصيبكم ثم أنهم يصبرون عليه فما لكم لا تصبرون مثل صبرهم مع انكم أجدر منهم بالصبر لأنكم ترجون من اللّه مالا يرجون من إظهار دينكم على سائر الأديان ومن الثواب العظيم فى الآخرة

{وكان اللّه عليما} بما يجد المؤمنون من الألم

{حكيما} فى تدبير أمورهم روى أن طعمه بن أبيرق أحد بنى ظفر سرق درعا من جار له اسمه قتادة بن النعمان فى جراب دقيق فجعل الدقيق ينتثر من خرق فيه وخبأها عند زيد بن السمين رجل من اليهود فالتمست الدرع عند طعمة فلم توجد وحلف ما أخذها وما له بها علم فتركوه واتبعوا أثر الدقيق حتى انتهى إلى منزل اليهودى فأخذوها فقال دفعها إلى طعمة وشهد له ناس من اليهود فقالت بنو ظفر انطلقوا بنا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فسألوه أن يجادل عن صاحبهم وقالوا أن لم تفعل هلك صاحبنا وافتضح وبرئ اليهودى فهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يفعل فنزل

١٠٥

{إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق} أى محقا

{لتحكم بين الناس بما أراك اللّه} ما عرفك وأوحى به إليك وقال الشيخ أبو منصور رحمه اللّه بما ألهمك بالنظر فى أصوله المنزلة وفيه دلالة جواز الاجتهاد فى حقه

{ولا تكن للخائنين} لأجل الخائنين

{خصيما} مخاصما أى ولا تخاصم اليهود لأجل بنى ظفر

١٠٦

{واستغفر اللّه} مما هممت به

{إن اللّه كان غفورا رحيما}

١٠٧

{ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم} يخونونها بالمعصية جعلت معصية العصاة خيانة منهم لأنفسهم لأن الضرر راجع اليهم والمراد به طعمة ومن عاونه من قومة وهم يعلمون أنه سارق أو ذكر بلفظ الجمع لتناول طعمة وكل من خان خيانته

{إن اللّه لا يحب من كان خوانا أثيما} و إنما قيل بلفظ المبالغة لأنه تعالى عالم من طعمه أنه مفرط فى الخيانة وركوب المآثم وروى أن طعمة هرب إلى مكة وارتد ونقب حائطا بمكة ليسرف أهله فسقط الحائط عليه فقتله وقيل إذا عثرت من رجل على سيئة فاعلم أن لها أخوات وعن عمر رضى اللّه عنه أنه أمر بقطع يد سارق فجاءت أمه تبكى وتقول هذه أول سرقة سرقها فاعف عنه فقال كذبت إن اللّه لا يؤاخذ عبده فى أول مرة

١٠٨

{يستخفون} يستترون

{من الناس} حياء منهم وخوفا من ضررهم

{ولا يستخفون من اللّه} ولا يستحيون منه

{وهو معهم} وهو عالم بهم مطلع عليهم لا يخفى عليه خاف من سرهم وكفى بهذه الآية ناعية على الناس ما هم فيه من قلة الحياء والخشية من ربهم مع علمهم أنهم فى حضرته لا سترة ولا غيبة

{إذ يبيتون} يدبرون وأصله أن يكون ليلا

{ما لا يرضى من القول} وهو تدبير طعمة أن يرمى بالدرع فى دار زيد ليسرق دونه ويحلف أنه لم يسرقها وهو دليل على أن الكلام هو المعنى القائم بالنفس حيث سمى التدبير قولا

{وكان اللّه بما يعملون محيطا} عالما علم إحاطة

١٠٩

{ها أنتم هؤلاء} ها للتنبيه فى أنتم واولاء وهما مبتدأ وخبر

{جادلتم} خاصمتم وهى جملة مبينة لوقوع اولاء خبرا كقولك لبعض الأسخياء أنت حاتم تجود بمالك أو أولاء اسم موصول بمعنى الذين وجادلتم صلته والمعنى هبوا انكم خاصمتم

{عنهم} عن طعمة وقومه

{في الحياة الدنيا فمن يجادل اللّه عنهم يوم القيامة} فمن يخاصم عنهم فى الآخرة إذا أخذهم اللّه بعذابه وقرئ عنه أى عن طعمة

{أم من يكون عليهم وكيلا} حافظا ومحاميا من بأس اللّه وعذابه

١١٠

{ومن يعمل سوءا} ذنبا دون الشرك

{أو يظلم نفسه} بالشرك أو سوءا قبيحا يتعدى ضرره إلى الغير كما فعل طعمة بقتادة واليهودى أو يظلم نفسه بما يختص به كالحلف الكاذب

{ثم يستغفر اللّه} يسأل مغفرته

{يجد اللّه غفورا رحيما} له وهذا بعث لطعمة على الاستغفار والتوبة

١١١

{ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه} لأن وباله عليها

{وكان اللّه عليما حكيما} فلا يعاقب الذنب غير فاعله

١١٢

{ومن يكسب خطيئة} صغيرة

{أو إثما} أو كبيرة أو الأول ذنب بينه وبين ربه والثانى ذنب فى مظالم العباد

{ثم يرم به بريئا} كما رمى طعمة زيدا

{فقد احتمل بهتانا} كذبا عظيما

{وإثما مبينا} ذنبا ظاهرا وهذا لأنه يكسب الإثم آثم ويرمى البرئ باهت فهو جامع بين الامرين والبهتان كذب ببهت من قيل عليه مالا علم له به

١١٣

{ولولا فضل اللّه عليك ورحمته} أى عصمته ولطفه من الاطلاع على سرهم

{لهمت طائفة منهم} من بنى ظفر أو المراد بالطائفة بنو ظفر والضمير فى منهم يعود إلى الناس

{أن يضلوك} عن القضاء بالحق وتوخى طريق العدل مع علمهم بأن الجانى صاحبهم

{وما يضلون إلا أنفسهم} لأن وباله عليهم

{وما يضرونك من شيء} لأنك إنما عملت بظاهر الحال وما كان يخطر ببالك أن الحقيقة على خلاف ذلك

{وأنزل اللّه عليك الكتاب} القرآن

{والحكمة} والسنة

{وعلمك ما لم تكن تعلم} من امور الدين والشرائع أو من خفيات الأمور وضمائر القلوب

{وكان فضل اللّه عليك عظيما} فيما علمك وأنعم عليك

١١٤

{لا خير في كثير من نجواهم} من تناجى الناس

{إلا من أمر بصدقة} إلا نجوى من أمر وهو مجرور و بدل من كثير أو من نجواهم أو منصوب على الانقطاع بمعنى ولكن من أمر بصدقه خفي نجواه الخير

{أو معروف} أى قرض أو إغاثة ملهوف أو كل جميل أو المراد بالصدقة الزكاة وبالمعروف التطوع

{أو إصلاح بين الناس} أى إصلاح ذات البين

{ومن يفعل ذلك} المذكور

{ابتغاء مرضات اللّه} طلب رضا اللّه وخرج عنه من فعل ذلك رياء أو ترؤسا وهو مفعول له والاشكال أنه قال إلا من أمر ثم قال ومن يفعل ذلك والجواب أنه ذكر الامر بالخير ليدل به على فاعله لأنه إذا دخل الآمر به فى زمرة الخيرين كان الفاعل فيهم ادخل ثم قال ومن يفعل ذلك فذكر الفاعل وقرن به الوعد بالأجر العظيم أو المراد ومن يأمر بذلك فعبر عن الأمر بالفعل

{فسوف نؤتيه أجرا عظيما} يؤتيه أبو عمرو وحمزة

١١٥

{ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى} ومن يخالف الرسول من بعد وضوح الدليل وظهور الرشد

{ويتبع غير سبيل المؤمنين} أى السبيل الذى عليه من الدين الحنيفى وهو دليل على أن الإجماع حجة لا تجوز مخالفتها كما لا تجوز مخالفة الكتاب والسنة لأن اللّه تعالى جمع بين اتباع غير سبيل المؤمينن وبين مشاقة الرسول فى الشرط وجعل جزاءه الوعيد الشديد فكان اتباعهم واجبا كموالاة الرسول

{نوله ما تولى} نجعله واليا لما تولى من الضلال وندعه وما اختاره فى الدنيا

{ونصله جهنم} فى العقبى

{وساءت مصيرا} قيل هى فى طعمة وارتداده

١١٦

{إن اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} مر تفسيره فى هذه السورة

{ومن يشرك باللّه فقد ضل ضلالا بعيدا} عن الصواب

١١٧

{إن يدعون من دونه} ما يعبدون من دون اللّه

{إلا إناثا} جمع أنثى وهى اللات والعزى ومناة ولم يكن حى من العرب إلا ولهم صنم يعبدونه يسمونه أنثى بنى فلان وقيل كانوا يقولون فى أصنامهم هن بنات اللّه

{وإن يدعون} يعبدون

{إلا شيطانا} لأنه هو الذى أغراهم على عبادة الأصنام فأطاعوه فجعلت طاعتهم له عبادة

{مريدا} خارجا عن الطاعة عاريا عن الخير ومنه الأمرد

١١٨

{لعنه اللّه وقال لأتخذن} صفتان يعنى شيطانا مريدا جامعا بين لعنة اللّه وهذ القول الشنيع

{من عبادك نصيبا مفروضا} مقطوعا واجبا لى من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون وواحدا للّه

١١٩

{ولأضلنهم} بالدعاء إلى الضلالة والتزيين والوسوسة ولو كان إنفاذ الضلالة إليه لأضل الكل

{ولأمنينهم} ولألقين فى قلوبهم الأمانى الباطلة من طول الأعمار وبلوغ الآمال

{ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام} البتك القطع والتبتيك للتكثير والتكرير أى لأحملنهم على أن يقطعوا آذان الأنعام وكانوا يشقون آذان الناقة إذا ولدت خسمة أبطن وجاء الخامس ذكرا وحرموا على أنفسهم الانتفاع بها

{ولآمرنهم فليغيرن خلق اللّه} بفقء عين الحامى وإعفائه عن الركوب أو بالخصاء وهو مباح فى البهائم محظور فى بنى آدم أو بالوشم أو بنفى الأنساب واستلحاقها أو بتغيير الشيب بالسواد أو بالتحريم والتحليل أو بالتخنث أو بتبديل فطرة اللّه التى هى دين الإسلام لقوله لا تبديل لخلق اللّه

{ومن يتخذ الشيطان وليا من دون اللّه} وأجاب إلى ما دعاه إليه

{فقد خسر خسرانا مبينا} فى الدارين

١٢٠

{يعدهم} يوسوس اليهم أن لا جنة ولا نار ولا بعث ولا حساب

{ويمنيهم} مالا ينالون

{وما يعدهم الشيطان إلا غرورا} هو أن يرى شيئا يظهر خلافه

١٢١

{أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصا}معدلا ومفرا

١٢٢

{والذين آمنوا وعملوا الصالحات} ولم يتبعوا الشيطان فى الأمر بالكفر

{سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا} وقرأ النخعى سيدخلهم

{وعد اللّه حقا} مصدران الأول مؤكد لنفسه والثاني مؤكد لغيره

{ومن أصدق من اللّه قيلا} قولا وهو استفهام بمعنى النفى أى لا أحد أصدق منه وهو تأكيد ثالث وفائدة هذه التوكيدات مقابلة مواعيد الشيطان الكاذبة لقرنائه بوعد اللّه الصادق لأوليائه

١٢٣

{ليس بأمانيكم} ليس الأمر على شهواتكم وأمانيكم أيها المشركون أن تنفعكم الأصنام

{ولا أماني أهل الكتاب} ولا على شهوات اليهود والنصارى حيث قالوا أبناء اللّه وأحباؤه لن تمسنا النار إلا أياما معدودة

{من يعمل سوءا يجز به} أى من المشركين و أهل الكتاب بدليل قوله

{ولا يجد له من دون اللّه وليا ولا نصيرا} وهذا وعيد للكفار لأنه قال بعده

١٢٤

{ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن} فقوله وهو مؤمن حال ومن الأولى للتبعيض والثاينة لبيان الإبهام فى من يعمل وفيه إشارة إلى أن الأعمال ليست من الإيمان

{فأولئك يدخلون الجنة} يدخلون فكي و أبو عمرو و أبو بكر

{ولا يظلمون نقيرا} قدر النقير وهو النقرة فى ظهر النواة والراجع فى ولا يظلمون لعمال السوء وعمال الصالحات جميعا وجاز أن يكون ذكره عند أحد الفريقين دليلا على ذكره عند الآخر وقوله ومن يعمل سوءا يجز به وقوله

{ومن يعمل من الصالحات} بعد ذكر تمنى أهل الكتاب كقوله

{بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته} وقوله

{والذين آمنوا وعملوا الصالحات} عقيب قوله

{وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة}

١٢٥

{ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه للّه} أخلص نفسه للّه وجعلها سالمة له لا يعرف لها ربا ولا معبودا سواه

{وهو محسن} عامل للحسنات

{واتبع ملة إبراهيم حنيفا} مائلا عن الأديان الباطلة وهو حال من المتبع أو من إبراهيم

{واتخذ اللّه إبراهيم خليلا} هو الأصل المخال وهو الذى يخالك أى يوافقك فى خلالك أو يداخلك خلال منزلك أو يسد خللك كما يسد خللّه فالخلة صفاء مودة توجب الاختصاص بتخلل الأسرار والمحبة أصفى لأنها من حبة القلب وهى جملة اعتراضية لا محل لها من الاعراب كقوله والحوادت جملة وفائدتها تأكيد وجوب اتباع ملته وطريقته لأن من بلغ من الزلفى عند اللّه أن اتخذه خليلا كان جديرا بأن تتبع ملته وطريقته ولوجعلتها معطوفة على الجمل قبلها لم يكن لها معنى وفى الحديث:

اتخذ اللّه إبراهيم خليلا لاطعامه الطعام وإفشائه السلام وصلاته بالليل والناس ينام

وقيل أوحى إليه إنما اتخذتك خليلا لأنك تحب أن تعطى ولا تعطى وفى رواية لأنك تعطى الناس ولا تسألهم وفى قوله

١٢٦

{وللّه ما في السماوات وما في الأرض} دليل على أن اتخاذه خليلا لا يحتاج الخليل إليه لالاحتياجه تعالى لأنه منزه عن ذلك

{وكان اللّه بكل شيء محيطا} عالما

١٢٧

{ويستفتونك في النساء} ويسألونك الافتاء في النساء والافتاء تبين المبهم

{قل اللّه يفتيكم فيهن} وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء أى اللّه يفتيكم والمتلو فى الكتاب أى القرآن فى معنى اليتامى يعنى قوله و إن خفتم أن لا تقسطوا فى اليتامى وهو من قولك أعجبنى زيد وكرمه وما يتلى فى محل الرفع بالعطف على الضمير فى يفتيكم أو على لفظ اللّه وفى يتامى النساء صلة يتلى أى يتلى عليكم فى معناهن ويجوز أن يكون فى يتامى النساء بدلا من فيهن والإضافة بمعنى من

{اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن} ما فرض لهن من الميراث وكان الرجل منهم يضم اليتيمة إلى نفسه وما لها فإن كانت جميلة تزوجها وأكل المال و إن كانت دميمة عضلها عن التزوج حتى تموت فيرثها

{وترغبون أن تنكحوهن} فى أن تنكحوهن لجمالهن أو عن أن تنكحوهن لدمامتهن

{والمستضعفين من الولدان} أى اليتامى وهو مجرور معطوف على يتامى النساء وكانوا فى الجاهلية إنما يؤرثون الرجال القوام بالأمور دون الأطفال والنساء

{وأن تقوموا لليتامى} مجرور كالمستضعفين بمعنى يفتيكم فى يتامى النساء وفى المستضعفين وفى أن تقوموا أو منصوب بمعنى ويأمركم أن تقوموا وهو خطاب للأئمة فى أن ينظروا لهم ويستوفوا لهم حقوقهم

{بالقسط} بالعدل فى ميراثهم ومالهم

{وما تفعلوا من خير} شرط وجوابه

{فإن اللّه كان به عليما} أى فيجازيكم عليه

١٢٨

{وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا} توقعت منه ذلك لما لاح لها من مخايلة وامارته والنشوز أن يتجافى عنها بأن يمنعها نفسه ونفقته وأن يؤذيها بسبب أو ضرب

{أو إعراضا} عنها بأن يقل محاذثتها ومؤانستها بسب كبر سن أو دمامة أو سوء فى خلق أو خلق أو ملال أو طموح عين إلى أخرى أو غير ذلك

{فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما} كوفى يصالحا غيرهم أى يتصالحا وهو أصله فأبدلت التاء صاداء وأدغمت

{صلحا} فى معنى مصدر كل واحد من الفعلين ومعنى الصلح أن يتصالحا على أن تطيب له نفسا عن القسمة أو عن بعضها أو تهب له بعض المهر أو كله أو النفقة

{والصلح خير} من الفرقة أو من الشوز أو من الخصومة فى كل شيء أو والصلح خير من الخيور كما أن الخصومة شر من الشرور وهذه الجملة اعتراض كقوله

{وأحضرت الأنفس الشح} أى جعل الشح حاضرا لها لا يغيب عنها أبدا ولا تنفك عنه يعنى أنها مطبوعة عليه والمراد أن المرأة لا تكاد تسمح بقسمها والرجل لا يكاد يسمع بأن يقسم لها إذا رغب عنها فكل واحد منهما يطلب ما فيه راحته وأحضرت يتعدى إلى مفعلوين والأول الأنفس ثم حث على مخالفة الطبع ومتابعة الشرع بقوله

{وإن تحسنوا} بالإقامة على نسائكم و إن كرهتموهن وأحببتم غيرهن وتصبروا على ذلك مراعاة لحق الصحبة

{وتتقوا} النشوز والاعراض وما يؤدى إلى الأذى والخصومة

{فإن اللّه كان بما تعملون} من الإحسان والتقوى

{خبيرا} فيثيبكم عليه وكان عمر الخارجى من أدم بنى آدم وامرأته من أجملهم فنظرت إليه وقالت الحمد للّه على أنى واياك من اهل الجنة قال كيف فقالت لانك رزقت مثلى فشكرت ورزقت مثلك فصبرت والجنةموعودة للشاكرين والصابرين

١٢٩

{ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء} ولن تستطيعوا العدل بين النساء والتسوية حتى لا يقع ميل ألبتة فتمام العدل أن يسوى بينهن بالقسمة والنفقة والتعهد والنظر والإقبال والمحالمةوالمفاكهة وغيرها وقيل معناه أن تعدلوا فى المحبة وكان عليه السلام يقسم بين نسائه فيعدل ويقول هذه قسمتى فيما أملك فلا تؤاخذنى فيما تملك ولا أملك يعنى المحبة لأن عائشة رضى اللّه عنها كانت أحب إليه

{ولو حرصتم} بالغتم فى تحرى ذلك

{فلا تميلوا كل الميل} فلا تجوروا على المرغوب عنها كل الجور فتمنعوها قسمها من غير رضا منها يعنى أن اجتناب كل الميل فى حد اليسر فلا تفرطوا فيه و إن وقع منكم التفريط فى العدل كله وفيه ضرب مع التوبيخ وكل نصب على المصدر لأن له حكم ما يضاف إليه

{فتذروها كالمعلقة} وهى التى ليست بذات بعل ولا مطلقة

{وإن تصلحوا} بينهن

{وتتقوا} الجور

{فإن اللّه كان غفورا رحيما} يغفر لكم ميل قلوبكم ويرحمكم فلا يعاقبكم

١٣٠

{وإن يتفرقا} أى أن لم يصطلح الزوجان على شيء وتفرقا بالخلع أو بتطليقه إياها وإيفائه مهرها ونفقة عدتها

{يغن اللّه كلا} كل واحد منهما

{من سعته} من غناه اى يرزقه زوجا خيرا من زوجه وعيشا أهنأ من عيشه

{وكان اللّه واسعا} بتحليل النكاح

{حكيما} بالإذن فى السراح فالسعة الغنى والقدرة والواسع الغنى ثم المقتدر بين غناه وقدرته بقوله

١٣١

{وللّه ما في السماوات وما في الأرض} خلقا والمتملكوت عبيده رقا

{ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب} هو اسم للجنس فيتناول الكتب السمواية

{من قبلكم} من الأمم السالفة وهو متعلق بوصينا أو بأوتوا

{وإياكم} عطف على الذين أوتوا

{أن اتقوا اللّه} بأن اتقوا أو تكون أن المفسرة لأن التوصية فى معنى القول والمعنى أن هذه وصية قديمة ما زال يوصى اله عنها عباده ولستم بها مخصوصين لأنهم بالتقوى يسعدون عنده

{وإن تكفروا} عطف على اتقوا لأن المعنى أمر ناهم وامرناكم بالتقوى وقلنا لهم ولكم إن تكفروا

{فإن للّه ما في السماوات وما في الأرض وكان اللّه غنيا} عن خلقه وعن عبادتهم

{حميدا} مستحقا لأن يحمد لكثرة نعمه و إن لم يحمده أحد وتكرير قوله

{للّه ما في السماوات وما في الأرض} تقرير لما هو موجب تقواه لأن الخلق لما كان كله له وهو خالقهم ومالكهم فحقه أن يكون مطاعا فى خلقه غير معصى وفيه دليل على أن التقوى أصل الخير كله وقوله و إن تكفروا عقيب التقوى دليل على أن المراد الاتقاء عن الشرك

١٣٢

{وللّه ما في السماوات وما في الأرض وكفى باللّه وكيلا} فاتخذوه وكيلا ولا تتكلوا على غيره ثم خوفهم وبين قدرته بقوله

١٣٣

{إن يشأ يذهبكم} يعدمكم

{أيها الناس ويأت بآخرين} ويوجد إنسا آخرين مكانكم أو خلقا آخرين غير الإنس

{وكان اللّه على ذلك قديرا} بليغ القدرة

١٣٤

{من كان يريد ثواب الدنيا} كالمجاهد يريد بجهاده الغنيمة

{فعند اللّه ثواب الدنيا والآخرة} فماله يطلب أحدهما دون الآخر والذى يطلبه أخسهما

{وكان اللّه سميعا} للاقوال

{بصيرا} بالأفعال وهو وعد ووعيد

١٣٥

{يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط} مجتهدين فى إقامة العدل حتى لا تجوروا

{شهداء} خبر بعد خبر

{للّه} أى تقيمون شهاداتكم لوجه اللّه

{ولو على أنفسكم} ولو كانت الشهادة على أنفسكم والشهادة على نفسه هى الإقرار على نفسه لأنه فى معنى الشهادة عليها بالزام الحق وهذا لأن الدعوى والشهادة والإقرار يشترك جميعها فى الاخبار عن حق لأحد على أحد غير أن الدعوى اخبار عن حق لنفسه على الغير والإقرار للغير على نفسه والشهادة للغير على الغير

{أو الوالدين والأقربين} أى ولو كانت الشهادة على آبائكم وأمهاتكم وأقاربكم

{إن يكن} المشهود عليه

{غنيا} فلا يمنع الشهادة عليه لغناه طلبا لرضاه

{أو فقيرا} فلا يمنعها ترحما عليه

{فاللّه أولى بهما} بالغنى والفقير أى بالنظر لهما والرحمة و إنما ثنى الضمير فى بهما وكان حقه أن يوحد لأن المعنى إن يكن أحد هذين لأنه يرجع إلى ما دل عليه قوله غنيا أو فقيرا وهو جنس الغنى والفقير كأنه قيل فاللّه أولى بجنسى الغنى والفقير أى بالأغنياء والفقراء

{فلا تتبعوا الهوى} إرادة

{أن تعدلوا} عن الحق من العدول أو كراهة أن تعدلوا بين الناس من العدل

{وإن تلووا} بواو واحدة وضم اللام شامى وحمزة من الولاية

{أو تعرضوا} أى و إن وليتم إقامة الشهادة أو أعرضتم عن إقامتها غيرهما تلووا بواوين وسكون اللام من اللى أى و إن تلووا ألسنتكم عن شهادة الحق أو حكومة العدل أو تعرضوا عن الشهادة بما عندكم وتمنعوها

{فإن اللّه كان بما تعملون خبيرا} فيجازيكم عليه

١٣٦

{يا أيها الذين آمنوا} خطاب للمسلمين

{آمنوا} اثبتوا على الإيمان ودوموا عليه أو لأهل الكتاب لأنهم آمنوا ببعض الكتب والرسل وكفروا ببعض أو المنافقين أى يا أيها الذين آمنوا نفاقا آمنوا إخلاصا

{باللّه ورسوله} أى محمد صلى اللّه عليه وسلم

{والكتاب الذي نزل على رسوله} أى الفرقان

{والكتاب الذي أنزل من قبل} أى جنس ما أنزل على الأنبياء قبله من الكتب ويدل عليه قوله وكتبه نزل و أنزل بالبناء للمفعول مكى وشامى و أبو عمرو وعلى البناء للفاعل فيهما غيرهم و إنما قيل نزل على رسوله و أنزل من قبل لأن الفرقان نزل مفرقا منجما فى عشرين سنة بخلاف الكتب قبله

{ومن يكفر باللّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر} أى ومن يكفر بشئ من ذلك

{فقد ضل ضلالا بعيدا} لأن الكفر ببعضه كفر بكله

١٣٧

{إن الذين آمنوا} بموسى عليه السلام

{ثم كفروا} حين عبدوا العجل

{ثم آمنوا} بموسى من بعد عوده

{ثم كفروا} بعيسى عليه السلام

{ثم ازدادوا كفرا} بكفرهم بمحمد صلى اللّه عليه وسلم

{لم يكن اللّه ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا} إلى النجاة أو إلى الجنة أو هم المنافقون آمنوا فى الظاهر وكفروا فى السر مرة بعد أخرى وازدياد الكفر منهم ثباتهم عليه إلى الموت يؤيده قوله

١٣٨

{بشر المنافقين} أى أخبرهم ووضع بشر مكانه تهكما بهم

{بأن لهم عذابا أليما} مؤلما

١٣٩

{الذين} نصب على الذم أو رفع بمعنى اريد الذين أوهم الذين

{يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة} كان المنافقون يوالون الكفرة يطلبون منهم المنعة والنصرة ويقولون لا يتم أمر محمد عليه السلام

{فإن العزة للّه جميعا} ولمن أعزه كالنبى عليه السلام والمؤمنين كما قال وللّه العزة ولرسوله وللمؤمنين

١٤٠

{وقد نزل عليكم} بفتح النون عاصم وبضمها غيره

{في الكتاب} القرآن

{أن إذا سمعتم آيات اللّه يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره} حتى يشرعوا فى كلام غير الكفر والاستهزاء بالقرآن والخوض الشروع و أن مخففة من الثقيلة أى أنه إذا سمعتم أى نزل عليكم أن الشأن كذا والشأن ما أفادته الجملة بشرطها وجزائها و أن مع ما فى حيزها فى موضع الرفع بنزل أو فى موضع النصب بنزل والمنزل عليهم فى الكتاب هو ما نزل عليهم بمكة من قوله و إذا رأيت الذين يخوضون فى آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا فى حديث غيره وذلك أن المشركين كانوا يخوضون فى ذكر القرآن فى مجالسهم فيستهزءون به فنهى المسلمون عن القعود معهم ماداموا خائضين فيه وكان المنافقون بالمدينة يفعلون نحو فعل المشركين بمكة فنهوا أن يقعدوا معهم كما نهوا عن مجالسة المشركين بمكة

{إنكم إذا مثلهم} أى فى الوزر إذا مكثتم معهم ولم يرد به التمثيل من كل وجه فإن خوض المنافقين فيه كفر ومكث هؤلاء معهم معصية

{إن اللّه جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا} لاجتماعهم فى الكفر والاستهزاء

١٤١

{الذين} بدل من الذين يتخذون أو صفة للمنافقين أو نصب على الذم منهم

{يتربصون بكم} ينتظرون بكم ما يتجدد لكم من ظفر أو اخفاق

{فإن كان لكم فتح من اللّه} نصرة وغنيمة

{قالوا ألم نكن معكم} مظاهرين فاشركونا فى الغنيمة

{وإن كان للكافرين نصيب} سمى ظفر المسلمين فتحا لشأنهم لأنه أمر عظيم تفتح له ابواب السماء وظفر الكافرين نصيبا تخسيسا لحظهم لأنه لمظة من الدنيا يصيبونها

{قالوا} للكافرين

{ألم نستحوذ عليكم} ألم نغلبكم ونتمكن من قتلكم فأبقينا عليكم والاستحواذ الاستيلاء والغلبة

{ونمنعكم من المؤمنين} بأن ثبطناهم عنكم وخيلنا لهم ما ضعفت قلوبهم به ومرضوا عن قتالكم وتوانينا ف مظاهرتهم عليكم فهاتوا نصيبا لنا مما أصبتم

{فاللّه يحكم بينكم} أيها المؤمنون والمنافقون

{يوم القيامة} فيدخل المنافقين النار والمؤمنين الجنة

{ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلا} أى فى القيامة بدليل أول الآية كذا عن على رضى اللّه عنه أو حجة كذا عن ابن عباس رضى اللّه عنهما

١٤٢

{إن المنافقين يخادعون اللّه} أى يفعلون ما يفعل المخادع من إظهار الإيمان وابطال الكفر والمنافق من اظهر الإيمان وأبطن الكفر أو أولياء اللّه وهم المؤمنون فأضاف خداعهم إلى نفسه تشريفا لهم

{وهو خادعهم} وهو فاعل بهم ما يفعل المغالب فى الخداع حيث تركهم معصومى الدماء والأموال فى الدنيا وأعد لهم الدرك الأسفل من النار فى العقبى والخادع اسم فاعل من خادعته فخدعته إذا غلبته وكنت أخدع منه وقيل يجزيهم جزاء خداعهم

{وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى} متثاقلين كراهة أما الغفلة فقد يبتلى بها المؤمن وهو جمع كسلان كسكارى فى سكران

{يراؤون الناس} حال أى يقصدون بصلاتهم الرياء والسمعة والمارءاة مفاعلة من الرؤية لأن المرائى يريهعم عمله وهم يرونه استحسانا

{ولا يذكرون اللّه إلا قليلا} ولا يصلون إلا قليلا لأنهم لا يصلون قط غائبين عن عيون الناس أو لا يذكرون اللّه بالتسبيح والتهليل إلا ذكرا قليلا نادرا قال الحسن لو كان ذلك القليل للّه تعالى لكان كثير

١٤٣

{مذبذبين} نصب على الذم اى مررددين يعنى ذبذبهم الشيطان والهوى بين الإيمان والكفر فهم مترددون بينهما متحيرون وحقيقة المذبذب الذى يذب عن كلا الجانبين أى يدفع فلا يقر فى جانب واحد إلا أن الذبذبة فيها تكرير ليس فى الذب

{بين ذلك} بين الكفر و الإيمان

{لا إلى هؤلاء} لا منسوبين إلى هؤلاء فيكونوا مؤمنين

{ولا إلى هؤلاء} ولا منسوبين إلى هؤلاء فيسموا مشركين

{ومن يضلل اللّه فلن تجد له سبيلا} طريقا إلى الهدى

١٤٤

{يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا للّه عليكم سلطانا مبينا}حجة بينة فى تعذيبكم

١٤٥

{إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار} أى فى الطبق الذى فى قعر جهنم والنار سبع دركات سميت بذلك لانها متداركة متتابعة بعضها فوق بعض و إنما كان المناقق أشد عذابا من الكافر لأنه أمن السيف فى الدنيا فاستحق الدرك الأسفل فى العقبى تعديلا و لأنه مثله فى الكفر وضم إلى كفره الاستهزاء بالإسلام وأهله والدرك بسكون الراء كوفى غير الأعشى وبفتح الراء غيرهم وهما لغتان وذكر الزجاج أن الاختيار فتح الراء

{ولن تجد لهم نصيرا} يمنعهم من العذاب

١٤٦

{إلا الذين تابوا} من النفاق وهو استثناء من الضمير المجرور فى ولن تجد لهم نصيرا

{وأصلحوا} ما أفسدوا من أسرارهم وأحوالهم فى حال النفاق

{واعتصموا باللّه} ووثقوا به كما يثق المؤمنون الخالص فى الدارين

{وسوف يؤت اللّه المؤمنين أجرا عظيما} فيشاركونهم فيه وحذفت الياء فى الخط هنا اتباعا للفظ ثم استفهم مقررا أنه لا يعذب المؤمن الشاكر فقال

١٤٧

{ما يفعل اللّه بعذابكم إن شكرتم} للّه

{وآمنتم} به فما منصوبة بيفعل أى شيء يفعل بعذابكم فالإيمان معرفة المنعم والشكر الاعتراف بالنعمة والكفر بالمنعم والنعمة عنادفلذا استحق الكافر العذاب وقدم الشكر على الإيمان لأن العاقل ينظر إلى ما ليه من النعمة العظيمة فى خلقه وتعريضه للمنافع فيشكر شكرا مبهما فإذا انتهى به النظر إلى معرفة المنعم آمن به ثم شكر شكرا مفصلا فكان الشكر متقدما على الإيمان

{وكان اللّه شاكرا} يجزيكم على شكركم أو يقبل اليسير من العلم ويعطى الجزيل من الثواب {عليما} عالما بما تصنعون

١٤٨

{لا يحب اللّه الجهر بالسوء من القول} ولا غير الجهرولكن الجهر أفحش

{إلا من ظلم} إلا جهر من ظلم استثنى من الجهر الذى لا يحبه اللّه جهر المظلوم وهو أن يدعوا على الظالم ويذكره بما فيه من السوء وقيل الجهر بالسوء من القول هو الشتم إلا من ظلم فانه أن رد عليه مثله فلا حرج عليه ولمن انتصر بعد ظلمه

{وكان اللّه سميعا} لشكوى المظلوم

{عليما} بظلم الظالم ثم حث على العفو و أن لا يجهر أحد لأحد بسوء وان كان على وجه الانتصار بعد ما أطلق الجهر به حثا على الأفضل وذكر ابداء الخير وإخفاءه تسبيبا للعفو فقال

١٤٩

{إن تبدوا خيرا} مكان جهر السوء

{أو تخفوه} فتعملوه سرا ثم عطف العفو عليهما فقال

{أو تعفوا عن سوء} أى تمحوه عن قلوبكم والدليل على أن العفو هو المقصود بذكر ابداء الخير واخفائه قوله

{فإن اللّه كان عفوا قديرا} أى أنه لم يزل عفوا عن الآثام مع قدرته على الانتقام فعليكم أن تقتدوا بسنته

١٥٠

{إن الذين يكفرون باللّه ورسله ويريدون أن يفرقوا بين اللّه ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض} كاليهود كفروا بعيسى ومحمد عليهما السلام والانجيل و القرآن وكالنصارى كفروا بمحمد صلى اللّه عليه وسلم والقرآن

{ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا} أى دينا وسطا بين الإيمان والكفر ولا واسطة بينهما

١٥١

{أولئك هم الكافرون} هم الكاملون فى الكفر لأن الكفر بواحد كفر بالكل

{حقا} تأكيد لمضمون الجملة كقولك هذا عبد اللّه حقا أى حق ذلك حقا وهو كونهم كاملين فى الكفر أو هو صفة لمصدر الكافرين أى هم الذين كفروا كفرا حقا ثابتا يقينا لا شك فيه

{وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا} فى الآخرة

١٥٢

{والذين آمنوا باللّه ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم} و إنما جاز دخول بين على أحد لأنه عام فى الواحد المذكر والمؤنث وتثنيتهما وجمعهما

{أولئك سوف يؤتيهم} وبالياء حفص

{أجورهم} أى الثواب الموعود لهم

{وكان اللّه غفورا} يستر السيئات

{رحيما} يقبل الحسنات الآية تدل على بطلان قول المعتزلة فى تخليد المرتكب الكبيرة لأنه أخبر أن من آمن باللّه ورسله ولم يفرق بين احد منهم يؤتيه أجره ومرتكب الكبيرة ممن آمن باللّه ورسله ولم يفرق بين أحد فيدخل تحت الوعد وعلى بطلان قول من لا يقول بقدم صفات الفعل من المغفرة والرحمة لأنه قال وكان اللّه غفورا رحيما وهم يقولون ما كان اللّه غفورا رحيما فى الأزل ثم صار غفورا رحيما ولما قال فنحاص وأصحابه للنبى صلى اللّه عليه وسلم إن كنت نبيا صادقا فأتنا بكتاب من السماء جملة كما أتى به موسى عليه السلام نزل

١٥٣

{يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم} وبالتخفيف مكى و أبو عمرو

{كتابا من السماء} أى جملة كما نزلت التوراة جملة و إنما اقترحوا ذلك على سبيل التعنت وقال الحسن ولو سألوه مسترشدين لأعطاهم لأن انزال القرآن جملة ممكن

{فقد سألوا موسى أكبر من ذلك} هذا جواب شرط مقدر معناه أن استكبرت ما سألوه منك فقد سألوا موسى أكبر من ذلك و إنما أسند السؤال اليهم وقد وجد من آبائهم فى ايام موسى عليه السلام وهم النقباء السبعون لأنهم كانوا على مذهبهم وراضين بسؤالهم

{فقالوا أرنا اللّه جهرة} عيانا أى أرنا نره جهرة

{فأخذتهم الصاعقة} العذاب الهائل أو النار المحرقة

{بظلمهم} على أنفسهم بسؤال شيء فى غير موضعه أو بالتحكم على نبيهم فى الآيات وتعنتهم فى سؤل الرؤية لا بسؤال الرؤية لأنها ممكنة كما نزل القرآن جملة ولو كان ذلك بسبب سؤال الرؤية لكان موسى بذلك أحق فانه قال رب أرنى انظر اليك وما أخدته الصاعقة بل أطمعه وقيده بالممكن ولا يعلق بالممكن إلا ما هو ممكن الثبوت ثم أحياهم

{ثم اتخذوا العجل} إلها

{من بعد ما جاءتهم البينات} التوارة والمعجزات التسع

{فعفونا عن ذلك} تفضلا ولم نستأصلهم

{وآتينا موسى سلطانا مبينا} حجة ظاهرة على من خالفه

١٥٤

{ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم} بسبب ميثاقهم ليخافوا فلا ينقضوه

{وقلنا لهم} والطور مظل عليهم

{ادخلوا الباب سجدا} أى ادخلوا باب ايلياء مطأطئين عند الدخول رؤسكم

{وقلنا لهم لا تعدوا} لا تجاوزوا الحد تعدوا ورش تعدزت باسكان العين وتشديد الدال مدنى غير ورش وهما مدغما تعتدوا وهى قراءة أبى إلا أنه ادغم التاء فى الدال وأبقى العين ساكنة فى رواية وفى رواية نقل فتح التاء إلى العين

{في السبت} بأخذ السمك

{وأخذنا منهم ميثاقا غليظا} عهدا مؤكذا

١٥٥

{فبما نقضهم} أى فبنقضهم وما مزيدة للتوكيد والباء يتعلق بقوله حرمنا عليهم طيبات تقديره حرمنا عليهم طيبات بنقضهم ميثاقهم وقوله فبظلم من الذين هادوا بدل من قوله فبما نقضهم

{ميثاقهم} ومعنى التوكيد تحقيق أن تحريم الطيبات لم يكن إلا بنقض العهد وما عطف عليه من الكفر وقتل الأنبياء وغير ذلك

{وكفرهم بآيات اللّه} أى معجزات موسى عليه السلام

{وقتلهم الأنبياء} كزكريا ويحيى وغيرهما

{بغير حق} بغير سبب يستحقون به القتل

{وقولهم قلوبنا غلف} جمع أغلف أى محجوبة لا يتوصل اليها شيء من الذكر والوعظ

{بل طبع اللّه عليها بكفرهم} هو رد وإنكار لقولهم قلوبنا غلف

{فلا يؤمنون إلا قليلا} كعبد اللّه بن سلام وأصحابه

١٥٦

{وبكفرهم} معطوف على فيما نقضهم أو على ما يليه من قوله بكفرهم ولما تكرر منهم الكفر لأنهم كفروا بموسى ثم بعيسى ثم بمحمد صلى اللّه عليه وسلم عطف بعض كفرهم على بعض

{وقولهم على مريم بهتانا عظيما} هو النسبة إلى الزنا

١٥٧

{وقولهم إنا قتلنا المسيح} سمى مسيحا لأن جبريل عليه السلام مسحه بالبركة فهو ممسوح أو لأنه كان يمسح المريض والأكمه والأبرص فيبرأ فسمى مسيحا بمعنى الماسح

{عيسى ابن مريم رسول اللّه} هم لم يعتقدةه رسول اللّه لكنهم قالوا استهزاء كقول الكفار لرسولنا يا أيها الذى نزل عليه الذكر إنك لمجنون ويحتمل أن اللّه وصفه بالرسول و إن لم يقولوا ذلك

{وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم} روى أن رهطا من اليهود سبوه وسبوا أمه فدعا عليهم اللّهم أنت ربى وبكلمتك خلقتنى اللّهم العن من سبنى وسب والدتى فمسخ اللّه من سبهما قردة وخنازير فاجتمعت اليهود على قتله فأخبره اللّه بانه يرفعه إلى السماء ويطهره من صحبة اليهود فقال لأصحابه أيكم يرضى أن يلقى عليه شبهى فيقتل ويصلب ويدخل الجنة فقال رجل منهم انا فألقى اللّه عليه شبهه فقتل وصلب وقيل كان رجل ينافق عيسى فلما أرادوا قتله قال أنا أدلكم عليه فدخل بيت عيسى ورفع عيسى والقى اللّه شبهه على المنافق فدخلوا عليه فقتلوه وهم يظنون أنه عيسى وجاز هذا على قوم متعنتين حكم اللّه بأنهم لا يؤمنون وشبه مسند إلى الجار والمجرور وهو لهم كقولك خيل إليه كأنه قيل ولكن وقع لهم التشبيه أو مسند إلى ضمير المقتول لدلالة غنا قتلنا عليه كأنه قيل ولكن شبه لهم من قتلوه

{وإن الذين اختلفوا فيه} فى عيسى يعنى اليهود قالوا إن الوجه وجه عيسى والبدن بدن صاحبنا أو اختلف النصارى قالوا إله وابن إله وثالث ثلاثة

{لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن} استثناء منقطع لأن اتباع الظن لس من جنس العلم يعنى ولكنهم يتبعون الظن و إنما وصفوا بالشك وهو أن لا يترجح أحد الجانبين ثم وصفوا بالظن وهو أن يترجح أحدهما لأن المراد أنهم شاكون ما لهم به من علم ولكن أن لا حت لهم أمارة فظنوا فذاك وقيل وان الذين اختلفوا فيه أى فى قتله لفى شك منه أى من قتله لأنهم كانوا يقولون إن كان هذا عيسى فأين صاحبنا و إن كان هذا صاحبنا فأين عيسى

{وما قتلوه يقينا} أى قتلا يقينا أو ما قتلوه متيقنين أو ما قتلوه حقا فيجعل يقينا تأكيدا لقوله وما قتلوه أى حق انتفاء قتله حقا

١٥٨

{بل رفعه اللّه إليه} إلى حيث لا حكم فيه لغير اللّه أو إلى السماء

{وكان اللّه عزيزا} فى انتقامه من اليهود

{حكيما} فيما دبر من رفعه إليه

١٥٩

{وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته} ليؤمنن به جملة قسمية واقعة صفة لموصوف محذوف تقديره وان من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمنن به ونحوه وما منا إلا له مقام معلوم والمعنى وما من اليهود والنصارى أحد إلا ليؤمنن قبل موته بعيسى عليه السلام وبأنه عبد اللّه ورسوله يعنى إذا عاين قبل أن تزهق روحه حين لا ينفعه إيمانه لانقطاع وقت التكليف أو الضميران لعيسى يعنى وان منهم أحد إلا ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى وهم أهل الكتاب الذين يكونون فى زمان نزوله روى أنه ينزل من السماء فى آخر الزمان فلا يبقى أحد من أهل الكتاب إلا يؤمن به حتى تكون الملة واحدة وهى ملة الإسلام أو الضمير فى به يرجع إلى اللّه أو إلى محمد صلى اللّه عليه وسلم والثاني إلى الكتابى

{ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا} يشهد على اليهود بأنهم كذبوه وعلى النصارى بأنهم دعوه ابن اللّه

١٦٠

{فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم} وهى ما ذكر فى سورة الأنعام وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذى ظفر الآية والمعنى ما حرمنا عليهم الطيبات الظلم عظيم ارتكبوه وهو ما عدد قبل هذا

{وبصدهم عن سبيل اللّه} ويمنعهم عن الإيمان

{كثيرا} أى خلقا كثيرا أو صدا كثيرا

١٦١

{وأخذهم الربا وقد نهوا عنه} كان الربا محرما عليهم كما حرم علينا وكانوا يتعاطونه

{وأكلهم أموال الناس بالباطل} بالرشوة وسائر الوجوه المحرمة

{وأعتدنا للكافرين منهم} دون من آمن

{عذابا أليما} فى الاخرة

١٦٢

{لكن الراسخون في العلم} أى الثابتون فيه المتقون كابن سلام وأضرابه

{منهم} من أهل الكتاب

{والمؤمنون} أى المؤمنون منهم والمؤمنون من المهاجرين والأنصار وارتفع الراسخون على الابتداء

{يؤمنون} خبره

{بما أنزل إليك} أى القرآن

{وما أنزل من قبلك} أى سائر الكتب

{والمقيمين الصلاة} منصوب على المدح لبيان فضل الصلاة وفى مصحف عبد اللّه والمقيمون وهى قراءة مالك بن دينار وغيره

{والمؤتون الزكاة} مبتدأ

{والمؤمنون باللّه واليوم الآخر} عطف عيله والخبر

{أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما} وبالباء حمزة

١٦٣

{إنا أوحينا إليك} جواب لأهل الكتاب عن سؤالهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن ينزل عليهم كتابا من السماء واحتجاج عليهم بأن شأنه فى الوحى إليه كشأن سائر الأنبياء الذين سلفوا

{كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده} كهود وصالح وشعيب وغيرهم

{وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط} أى اولاد يعقوب

{وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا} زبروا حمزة مصدر بمعنى مفعول سمى به الكتاب المنزل على داود عليه السلام

١٦٤

{ورسلا} نصب بمضمر فى معنى أوحينا اليك وهو أرسلنا ونبأنا

{قد قصصناهم عليك من قبل} من قبل هذه السورة

{ورسلا لم نقصصهم عليك} سأل أبو ذر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن الأنبياء قال مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا قال كم الرسل منهم قال ثلثمائة وثلاثة عشر أول الرسل آدم وآخرهم نبيكم محمد عليه السلام وأربعة من العرب هود وصالح وشعيب ومحمد عليه السلام والآية تدل على أن معرفة الرسل بأعيانهم ليست بشرط لصحة الإيمان بل من شرطه أن يؤمن بهم جميعا إذ لو كان معرفة كل واحد منهم شرطا لقص علينا كل ذلك

{وكلم اللّه موسى تكليما} أى بلا واسطة

١٦٥

{رسلا مبشرين ومنذرين} الاوجه أن ينتصب على المدح أى أعنى رسلا ويجوز أن يكون بدلا من الأول و أن يكون مفعولا أى وأرسلنا رسلا واللام فى

{لئلا يكون للناس على اللّه حجة بعد الرسل} يتعلق بمبشرين ومنذرين والمعنى أن ارسالهم ازاحة للعلة وتتميم لالزام الحجة لئلا يقولوا لولا أرسلت الينا رسولا فيوقظنا من سنة الغفلة وينبهنا بما وجب الانتباه له ويعلمنا ما سبيل معرفته السمع كالعبادات والشرائع اعنى فى حق مقاديرها وأوقاتها وكيفياتها دون أصولها فانها مما يعرف بالفعل

{وكان اللّه عزيزا} فى العقاب على الانكار

{حكيما} فى بعث الرسل للانذار ولما نزل إنا أوحينا إليك قالوا ما نشهدلك بهذا فنزل

١٦٦

{لكن اللّه يشهد بما أنزل إليك} ومعنى شهادة اللّه بما أنزل إليه اثباته لصحته باظهار المعجزات كما يثبت الدعاوى بالبينات إذا لحيكم لا يؤيد الكاذب بالمعجزة

{أنزله بعلمه} أى أنزله وهو عالم بأنك أهل لانزاله إليه وأنك مبلغه أو انزله بما علم من مصالح العباد وفيه نفى قول المعتزلة فى انكار الصفات فانه أثبت لنفسه العلم

{والملائكة يشهدون} لك بالنبوة

{وكفى باللّه شهيدا} شاهدا و إن لم يشهد غيره

١٦٧

{إن الذين كفروا} بتكذيب محمد صلى اللّه عليه وسلم وهم اليهود

{وصدوا عن سبيل اللّه} ومنعوا الناس عن سبيل الحق بقولهم للعرب إنا لا نجده في كتابنا

{قد ضلوا ضلالا بعيدا} عن الرشد

١٦٨

{إن الذين كفروا} باللّه

{وظلموا} محمد عليه السلام بتغيير نعته وانكار نبوته

{لم يكن اللّه ليغفر لهم} ما داموا على الكفر {ولا ليهديهم طريقا}

١٦٩

{إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا وكان ذلك على اللّه يسيرا} وكان تخليدهم فى جهنم سهلا عليه والتقدير يعاقبهم خالدين فهو حال مقدرة والآيتان فى قوم علم اللّه أنهم لا يؤمنون ويموتون على الكفر

١٧٠

{يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم} أى بالاسلام أو هو حال أى محقا

{فآمنوا خيرا لكم} وكذلك انتهوا خير لكم انتصابه بمضمر وذلك أنه لما بعثهم على الإيمان وعلى الانتهاء عن التثليث علم انه يحملهم على أمر فقال خيرا لكم أى اقصدوا وأتوا أمرا خيرا لكم مما انتم فيه من الكفر والتثليث وهو الإيمان به والتوحيد

{وإن تكفروا فإن للّه ما في السماوات والأرض} فلا يضره كفركم

{وكان اللّه عليما} بمن يؤمن وبمن يكفر

{حكيما} لايسوى بينها فى الجزاء

١٧١

{يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم} لا تجاوزوا الحد فغلت اليهود فى حط المسيح عن منزلته حتى قالوا أنه ابن الزنا وغلت النصارى فى رفعه عن مقدراه حيث جعلوه ابن اللّه

{ولا تقولوا على اللّه إلا الحق} وهو تنزيهه عن الشريك والولد

{إنما المسيح عيسى ابن مريم} لا ابن اللّه

{رسول اللّه} خبر المبتدأ وهو المسيح وعيسى عطف بيان أو بدل

{وكلمته} عطف على رسول اللّه وقيل له كلمة لأنه يهتدى به كما يهتدى بالكلام

{ألقاها إلى مريم} حال وقد معه مراده أى أوصلها إليها وحصلها فيها

{وروح} معطوف على الخبر أيضا وقيل له روح لأنه كان يحيى الموتى كما سمى القرآن روحا بقوله وكذلك أوحنيا اليك روحا من أمرنا لما أنه يحيى القلوب

{منه} أى بتخليقه وتكوينه كقوله تعالى

{وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا} منه وبه أجاب على بن الحسين بن واقد غلاما نصرانيا كان للرشيد في مجلسه حيث زعم أن في كتابكم حجة على أن عيسى من اللّه

{فآمنوا باللّه ورسله ولا تقولوا ثلاثة} خبر مبتدأ محذوف أى ولا تقولوا الآلهة ثلاثة

{انتهوا} عن التثلث

{خيرا لكم} والذى يدل عليه القرآن والتصريح منهم بأن اللّه والمسيح ومريم ثلاثة آلهة و أن المسيح ولد اللّه من مريم ألا ترى إلى قوله أأنت قلت للناس اتخذونى وأمى إلهين من دون اللّه  * وقالت النصارى المسيح ابن اللّه

{إنما اللّه} مبتدأ {إله} خبره {واحد} توكيد

{سبحانه أن يكون له ولد} أسبحه تسبيحا من أن يكون له ولد

{له ما في السماوات وما في الأرض} بيان لتنزهه مما نسب إليه بمعنى أن كل مافيهما خلقه وملكه فكيف يكون بعض ملكه جزأ منه إذ النبوة والملك لا يجتمعان على أن الجزء إنما يصح فى الاجسام وهو يتعالى عن أن يكون جسما

{وكفى باللّه وكيلا} حافظا ومدبرا لهما ولما فيهما ومن عجز عن كفاية أمر يحتاج إلى ولد يعينه ولما قال وفد نجران لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لم تعيب صاحبنا عيسى قال و أى شيء أقول قالوا اتقول إنه عبد اللّه ورسوله قال أنه ليس بعار أن يكون عبد اللّه قالوا بلى نزل قوله تعالى

١٧٢

{لن يستنكف المسيح} أى لن يأنف

{أن يكون عبدا للّه} هو رد عل النصارى

{ولا الملائكة} رد على من يعبدهم من العرب وهو عطف على المسيح

{المقربون} أى الكروبيون الذين حول العرش كجبريل وميكائيل وإسرافيل ومن فى طبقتهم والمعنى ولا الملائكة المقربون أن يكونوا عبادا للّه فحذف ذلك لدلالة عبد اللّه عليه إيجازا وتشبثت المعتزلة والقائلون بتفضيل الملك على البشر بهذه الآية وقالوا الارتقاء إنما يكون إلى الأعلى يقال فلان لا يستنكف عن خدمتى ولا أبوه ولو قال ولا عبده لم يسحن وكان معنى قوله ولا الملائكة المقربون ولا من هو اعلى منه قدرا وأعظم منه خطرا ويدل عليه تخصيص المقربين والجواب أنا نسلم تفضبل الثانى على الأول لكن هذا لا يمس ما تنازعنا فيه لأن الآية تدل على أن الملائكة المقربين بأجمعهم أفضل من عيسى ونحن نسلم بأن جميع الملائكة المقربين أفضل من رسول واحد من البشر إلى هذا ذهب بعض أهل السنة و لأن المراد أن الملائكة مع ما لهم من القدرة الفائقة قدر البشر والعلوم اللوحية وتجردهم عن التولد الازدواجى رأسا لا يستنكفون عن عبادته فكيف بمن يتولد من آخر ولا يقدر على ما يقدرون ولا يعلم ما يعلمون وهذا لأن شدة البطش وسعة العلوم وغرابة التنكون هى التى تورث الحمقاء امثال النصارى وهم الترفع عن العبودية حيث رأوا المسيح ولد من غير أب وهو يبرئ الأكمه والأبرص ويحيى الموتى وينبئ بما يأكلون ويدخرون فى بيوتهم فبرؤه من العبودية فقيل لهم هذه الأوصاف فى الملائكة أتم منها فى السيح ومع هذا لم يستنكفوا عن العبودية فكيف المسيح والحاصل أن خواص البشر وهم الأنبياء عليهم السلام أفضل من خواص الملائكة وهم الرسل منهم كجبريل ومكائيل وعزرائيل ونحوهم وخواص الملائكة أفضل من عوام المؤمنين من البشر وعوام المؤمنين من البشر أفضل من عوام الملائكة ودليلنا على تفضيل البشر على الملك ابتداء أنهم قهروا نوازع الهوى فى ذات اللّه تعالى مع أنهم جبلوا عليها فضاهت الأنبياء عليهم السلام الملائكة عليهم السلام فى العصمة وتفضلوا علهيم فى قهر البواعث النفسانية والدواعى الجسدانية فكانت طاعتهم أشق لكونها مع الصوارف بخلاف طاعة الملائكة لأنهم جبلوا عليها فكانت أزيد ثوابا بالحديث

{ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر} بترفع ويطلب الكبرياء

{فسيحشرهم إليه جميعا} فيجازيهم على استنكافهم واستكبارهم ثم فصل فقال

١٧٣

{فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما ولا يجدون لهم من دون اللّه وليا ولا نصيرا} فإن قلت التفصيل غير مطابق للمفصل لأن التفصيل اشتمل على الفريقين والمفصل على فريق واحد فلت هو مثل قولك جمع الامام الخوارج فمن لم يخرج عليه كساه وحمله ومن خرج عليه نكل به وصحة ذلك لوجهين أحدهما أنه حذف ذكر أحد الفريقين لدلالة التفصيل عليه ولان ذكر أحدهما يدل على ذكر الثانى كما حذف أحدهما فى التفصيل فى قوله تعالى بعد هذا فأما الذين آمنوا باللّه واعتصموا به والثانى أن الاحسان إلى غيرهم مما يغمهم فكان داخلا فى جملة التنكيل بهم فكأنه قيل ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيعذب بالحسرة إذا رأى أجور العاملين وبما يصيبه من عذاب اللّه

١٧٤

{يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم} أى رسوله يبهر المنكر بالاعجاز

{وأنزلنا إليكم نورا مبينا} قرآنا يستضاء به فى ظلمات الحيرة

١٧٥

{فأما الذين آمنوا باللّه واعتصموا به} باللّه أو بالقرآن

{فسيدخلهم في رحمة منه} أى جنة

{وفضل} زيادة النعمة

{ويهديهم} ويرشدهم

{إليه} إلى اللّه أو إلى الفضل أو إلى صراطه

{صراطا مستقيما} فصراطا حال من المضاف المحذوف

١٧٦

{يستفتونك قل اللّه يفتيكم في الكلالة} كان جابر بن عبد اللّه مريضا فعاده رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال انى كلالة فكيف أصنع فى مالى فنزلت

{إن امرؤ هلك} ارتفع امرؤ بمضمر يفسره الظاهر ومحل

{ليس له ولد} الرفع على الصفة أى أن هلك امرؤ غير ذى ولد والمراد بالولد الابن وهو مشترك يقع على الذكر والأنثى لأن الابن يسقط الأخت ولا تسقطها البنت

{وله أخت} أى لأب وأم أو لأب

{فلها نصف ما ترك} أى الميت

{وهو يرثها} أى الأخ يرث الأخت جميع مالها أن قدر الأمر على العكس من موتها وبقائه بعدها

{إن لم يكن لها ولد} أى أبن لأن الابن يسقط الأخ دون البنت فإن قلت الابن لا يسسقط الأخ وحده فالأب نظيره فى الاسقاط فلم اقتصر على نفى الولد قلت بين حكم انتفاء الولد وكل حكم انتفاء الولد إلى بيان السنة وهو قوله عليه السلام ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقى فلأولى عصبة ذكر والأب أولى من الأخ

{فإن كانتا اثنتين} أى فإن كانت الأختان اثنتين دل على ذلك وله أخت

{فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة} أى و إن كان من يرث بالاخوة ٢والمراد بالاخوة الاخوة والأخوات تغليبا لحكم الذكورة

{رجالا ونساء} ذكروا واناثا

{فللذكر} منهم

{مثل حظ الأنثيين يبين اللّه لكم} الحق فهو مفعول يبين

{أن تضلوا} كراهة ان تضلوا

{واللّه بكل شيء عليم} يعلم الأشياء بكنهها قبل كونها وبعده

﴿ ٠