تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل

أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م)

_________________________________

سورة المائدة

سورة المائدة مدنية وهى مائة وعشرون آية بسم اللّه الرحمن الرحيم

_________________________________

{يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} يقال وفى بالعهد وأوفى به والعقد الموثق شبه بعقد الحبل ونحوه وهى عقود اللّه التى عقدها على عباده وألزمها إياهم من مواجب التلكيف أو ما عقد اللّه عليكم وما تعاقدتم بينكم والظاهر أنها عقود اللّه عليهم فى دينه من تحليل حلاله وتحريم حرامه و أنه كلام قدم مجملا ثم عقب بالتفصيل وهو قوله

{أحلت لكم بهيمة الأنعام} والبهيمة كل ذات أربع قوائم فى البر والبحر وإضافتها إلى الأنعام للبيان وهى بمعنى من كخاتم فضة ومعناه البهيمة من الانعام وهى الأزواج الثمانية وقيل بهيمة الأنعام الظباء وبقر الوحش ونحوهما

{إلا ما يتلى عليكم} آية تحريمه وهو قوله

{حرمت عليكم الميتة} الآية

{غير محلي الصيد} حال من الضمير فى لكم أى احلت لكم هذه الأشياء لا محلين الصيد

{وأنتم حرم} حال من محلى الصيد كأنه قيل أحللنا لك بعض الأنعام فى حال امتناعكم من الصيد وأنتم محرمون لئلا يضيق عليكم والحرم جمع حرام وهو المحرم

{إن اللّه يحكم ما يريد} من الأحكام أو من التحليل والتحريم ونزل نهيا عن تحليل ما حرم

٢

{يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر اللّه} جمع شعيرة وهى اسم ما أشعر أى جعل شعارا وعلما للنسك به من مواقف الحج ومرامى الجمار والمطاف والمسعى والافعال التى هى علامات الحاج يعرف بها من الاحرم والطواف والسعى والحلق والنحر

{ولا الشهر الحرام} أى أشهر الحج

{ولا الهدي} وهو ما أهدى إلى البيت وتقرب به إلى اللّه تعالى من النسائك وهو جمع هدية

{ولا القلائد} جمع قلادة وهى ما قلد به الهدى من نعل أو عروة مزادة أو لحاء الشجر أو غيره

{ولا آمين البيت الحرام} ولا تحلوا قوما قاصدين المسجد الحرام وهم الحجاج والعمار واحلال هذه الأشياء أن يتهاونوا بحرمة الشعائر و أن يحال بينها وبين المتنسكين بها و أن يحدثوا فى أشهر الحج ما يصدون به الناس عن الحج و أن يتعرضوا للّهدى بالغصب أو بالمنع من بلوغ محله وأما القلائد فجاز أن يراد بها ذوات القلائد وهى البدن وتعطف على الهدى للاختصاص لانها أشرف الهدى كقوله وجبريل وميكال كأنه قيل والقلائد منها خصوصا وجاز أن ينهى عن التعرض لقلائد الهدى مبالغة فى النهى عن التعرض للّهدى أى ولا تحلوا قلائدها فضلا أن تحلوها كما قال ولا يبدين زينتهن فنهى عن إبداء الزينة مبالغة فى النهى عن ابداء مواقعها

{يبتغون} حال من الضمير فى آمين

{فضلا من ربهم} أى ثوابا

{ورضوانا} و أن يرضى عنهم أى لا تتعرضوا لقوم هذه صفتهم تعظيما لهم

{وإذا حللتم} خرجتم من الاحرام

{فاصطادوا} إباحة للاصطياد بعد حظره عليهم بقوله غير محلى الصيد وأنتم حرم

{ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا} جرم مثل كسب فى تعديته إلى مفعول واحد واثنين تقوم جرم ذنبا نحو كسبه وجرمته ذنبا نحو كسبته اياه و أول المفعولين ضمير المخاطبين والثانى أن تعتدوا و أن صدوكم متعلق بالشنآن بمعنى العلة وهو شدة البغض وبسكون النون شامى و أبو بكر والمعنى ولا يكسبدنكم بعض قوم لأن صدوكم الاعتداء ولا يحملنكم عليه أن صدوكم على الشرط مكى و أبو عمرو ويدل على الجزاء ما قبله وهو لا يجرمنكم ومعنى صدهم إياهم عن المسجد الحرام منع أهل مكة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والمؤمنين يوم الحديبية عن العمرة ومعنى الاعتداء الانتقام منهم بالحاق مكروه بهم

{وتعاونوا على البر والتقوى} على العفو والاغضاء

{ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} على الانتقام والتشفى أو البر فعل المأمور والتقوى ترك المحظور والاثم ترك المأمور والعدوان فعل المحظور ويجوز أن يراد العموم لكل بر وتقوى ولك اثم وعدوان فيتناول بعمومه العفو والانتصار

{واتقوا اللّه إن اللّه شديد العقاب} لمن عصاه وما اتقاه ثم بين ما كان أهل الجاهلية يأكلونه فقال

٣

{حرمت عليكم الميتة} أى البهيمة التى تموت حتف أنفها

{والدم} أى المسفوح وهو السائل

{ولحم الخنزير} وكله نجس و إنما خص اللحم لأنه معظم المقصود

{وما أهل لغير اللّه به} أى رفع الصوت به لغير اللّه وهو قولهم باسم اللات والعزة عند ذبحه

{والمنخنقة} التى خنقوها حتى ماتت أو انخنقت بالشبكة أو غيرها

{والموقوذة} التى أثخنوها ضربا بعصا أو حجر حتى ماتت

{والمتردية} التى تردت من جبل أو فى بئر فماتت

{والنطيحة} المنطوحة وهى التى نطحتها اخرى فماتت بالنطح

{وما أكل السبع} بعضه ومات بجرحه

{إلا ما ذكيتم} إلا ما أدركتم ذكاته وهو يضطرب اضطراب المذبوح والاستثناء يرجع إلى المنخنقة وما بعدها فانه إذا أدركها وبها حياة فذبحها وسمى عليها حلت

{وما ذبح على النصب} كانت لهم حجارة منصوبة حول البيت يذبحون عليها يعظمونها بذلك ويتقربون إليها تسمى الأنصاب واحدها نصب أو هو جمع والواحدنصاب

{وأن تستقسموا بالأزلام} فى موضع الرفع بالعطف على المتية أى حرمت عليكم الميتة وكذا وكذا والاستقسام بالازلام وهى القداح المعلمة واحدها زلم وزلم كان أحدهم إذا أراد سفرا أو غزوا أو تجارة أو نكاحا أو غير ذلك يعمد إلى قداح ثلاثة على واحد منها مكتوب أمرنى ربى وعلى الآخر نهانى والثالث غفل فان خرج الآمر مضى لحاجته و إن خرج الناهى أمسك و إن خرج الغفل أعاده فمعنى الاسقسام بالأزلام طلب معرفة ما قسم له مما لم يقسم له بالأزلام قال الزجاج لا فرق بين هذا وبين قول المنجمين لا تخرج من أجل نجم كذا وأخرج لطلوع نجم كذا وفى شرح التاويلات رد هذا وقال لا يقول المنجم أن نجم كذا يأمر بكذا أو نجم كذا ينهى عن كذا كما كان فعل أولئك ولكن المنجم جعل النجوم دلالات وعلامات على أحكام اللّه تعالى ويجوز أن يجعل اللّه فى النجوم معانى واعلاما يدرك بها الأحكام ويستخرج بها الأشياء ولا لائمة فى ذلك إنما اللائمة عليه فيما يحكم على اللّه ويشهد عليه وقيل هو الميسر وقسمتهم الجزور على الأنصباء المعلومة

{ذلكم فسق} الاستقسام بالأزلام خروج عن الطاعة ويحتمل أن يعود إلى كل محرم فى الآية

{اليوم} ظرف لبئس ولم يرد به يوم بعينه و إنما معناه الان وهذا كما تقول انا اليوم قد كبرت تريد الآن وقيل اريد يوم نزولها وقد نزلت يوم الجمعة وكان يوم عرفة بعد العصر فى حجة الوداع

{يئس الذين كفروا من دينكم} يئسوا منه أن يبطلوه أو يئسوا من دينكم أن يغلبوه لأن اللّه تعالى وفى بوعده من اظهاره على الدين كله

{فلا تخشوهم} بعد إظهار الدين وزوال الخوف من الكفار وانقلابهم مغلوبين بعد ما كانوا غالبين

{واخشون} بغير ياء فى الوصل والوقف أى أخلصوا إلى الخشية

{اليوم} ظرف لقوله

{أكملت لكم دينكم} بأن كفيتكم خوف عدوكم وأظهرتكم عليهم كما يقول الملوك اليوم كمل لنا الملك أى كفينا من كنا نخافه أو اكملت لكم ما تحتاجون إليه فى تكليفكم من تعليم الحلال والحرام والتوفيق على شرائع الاسلام وقوانين القياس

{وأتممت عليكم نعمتي} بفتح مكة ودخولها آمنين ظاهرين وهدم منار الجاهلية ومناسكهم

{ورضيت لكم الإسلام دينا} حال اخترته لكم من بين الأديان وآذنتكم بأنه هو الدين المرضى وحده ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه

{فمن اضطر} متصل بذكر المحرمات وقوله ذلكم فسق اعتراض أكد به معنى التحريم وكذا ما بعده لأن تحريم هذه الخبائث من جملة الدين الكامل والنعمة التامة والإسلام المنعوت بالرضا دون غيره من الملل ومعناه فمن اضطر إلى الميتة أو إلى غيرها

{في مخمصة} مجاعة

{غير} حال

{متجانف لإثم} مائل إلى اثم أى غير متجاوز سد الرمق

{فإن اللّه غفور رحيم} لا يؤاخذه بذلك

{رحيم} إباحة المحظور للمعذور

٤

{يسألونك} فى السؤال معنى القول فلذا وقع بعده

{ماذا أحل لهم} كأنه قيل يقولون لك ماذا احل لهم و إنما لم يقل ماذا أحل لنا حكاية لما قالوا لأن يسألونك بلفظ الغيبة كقولك اقسم زيد ليفعلن ولو قيل لا فلن وأحل لنا لكان صوابا وماذا متبدا وأحل لهم خبره كقولك أى شيء احل لهم ومعناه ماذا أحل لهم من المطاعم كأنهم حين تلى عليهم ما حرم عليهم من خبيثات المآكل سألوا عما أحل لهم منها فقال

{قل أحل لكم الطيبات} أى ماليس بخبيث منها أو هو كل مالم يأت تحريمه فى كتاب اللّه أو سنة أو اجماع أو قياس

{وما علمتم} عطف على الطيبات أى احل لكم الطيبات وصيد ما علمتم فحذف المضاف أو تجعل ماشرطية وجوابها فكلوا

{من الجوارح} أى الكواسب للصيد من سباع البهائم والطير كالكلب والفهد والعقاب والصقر والبازى والشاهين وقيل هى من الجراحة فيشترط للحل الجرح

{مكلبين} حال من علمتم وفائدة هذه الحال مع أنه استغنى عنها بعلمتم أن يكون من يعلم الجوارح موصوفا بالنكليب والمكلب مؤدب الجوارح ومعلمها مشتق من الكلب لأن التأديب فى الكلاب اكثر فاشتق من لفظه لكثرته فى جنسه أو لأن السبع يسمى كلبا ومنه الحديث اللّهم سلط عليه كلبا من كلابك فأكله الأسد

{تعلمونهن} حال أو استئناف ولا موضع له وفيه دليل على أن كل آخذ علما على ألا يأخذه إلا من أقتل أهله علما وانحرهم دوابه فكم من آخذ من غير متقن قد ضيع أيامه وعض عند لقاء التحارير أنامله

{مما علمكم اللّه} من التكليب

{فكلوا مما أمسكن عليكم} الامساك على صاحبه أن لا يأكل منه فان أكل منه لم يؤكل إذا كان صيد كلب ونحوه فأما صيد البازي ونحوه فاكله لا يحرمه وقد عرف فى موضعه والضمير فى

{واذكروا اسم اللّه عليه} يرجع إلى ما أمسكن على معنى وسموا عليه إذا أدركتم ذكاته أو إلى ما علمتم من الجوارح أى سموا عليه عند ارساله

{واتقوا اللّه} واحذروا مخالفة أمره فى هذا كله

{إن اللّه سريع الحساب} إنه محاسبكم على أفعالكم ولا يلحقه فيه لبث

٥

{اليوم} الآن

{أحل لكم الطيبات} كرره تأكيدا للمنة

{وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم} أى ذبائحهم لأن سائر الأطعمة لا يختص حلها بالملة

{وطعامكم حل لهم} فلا جناح عليكم أن تطعموهم لأنه لو كان حراما عليهم طعام المؤمنين لما ساغ لهم اطعامهم

{والمحصنات من المؤمنات} هى الحرائر أو العفائف وليس هذا بشرط لصحة النكاح بل هو للاستحباب لأنه يصح نكاح الاماء من المسلمات ونكاح غير العفائف وتخصيصهن بعث على تخير من المؤمنين لنطفهم وهو معطوف على الطيبات أو مبتدأ والخبر محذوف أى والمحصنات من المؤمنات حل لكم

{والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} هى الحرائر الكتابيات أو العفائف الكتابيات

{إذا آتيتموهن أجورهن} أعطيتموهن مهورهن

{محصنين غير مسافحين} متزوجين غير زانين

{ولا متخذي أخدان} صدائق والخدن يقع على الذكر والأنثى

{ومن يكفر بالإيمان} بشرائع الإسلام وما احل اللّه وحرم

{فقد حبط} بطل

{عمله وهو في الآخرة من الخاسرين

٦

يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم} أى إذا أردتم القيام إلى الصلاة كقوله فإذا قرأت القرآن أى إذا أردت أن تقرأ القرآن فعبر عن ارادة الفعل بالفعل لأن الفعل مسبب عن الإرادة فأقيم المسبب مقام السبب لملابسه بينهما طلبا للايجاز ونحوه كما تدين تدان عبر عن الفعل الابتدائى الذى هو سبب الجزاء بلفظ الجزاء الذى هو مسبب عنه وتقديره و انتم محدثون عن ابن عباس رضى اللّه عنهما أو من النوم لأنه دليل الحدث وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والصحابة يتوضئون لكل صلاة وقبل كان الوضوء لكل صلاة واجبا أول ما فرض ثم نسخ

{وأيديكم إلى المرافق} إلى تفيد معنى الغاية مطلقا فاما دخولها فى الحكم وخروجها فامر يدور مع الدليل فما فيه دليل على الخروج فنظرة إلى ميسرة لأن الاعسار علة الانظار وبوجود الميسرة تزول العلة ولو دخلت الميسرة فيه لكان منظرا فى الحالتين معسرا وموسرا وكذلك أتموا الصيام إلى الليل لو دخل الليل لوجب الوصال ومما فيه دليل على الدخول قولك حفظت القرآن من اوله إلى آخره لأن الكلام مسوق لحفظ القرآن كله ومنه قوله تعالى

{من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى} لوقوع العلم بأنه عليه السلام لا يسرى به إلى بيت المقدس من غير أن يدخله وقوله إلى المرافق لا دليل فيه على أحد الأمرين فاخذ الجمهور بالاحتياط فحكموا بدخولها فى الغسل وأخذ زفر وداود بالمتيقن فلم يدخلاها وعن النبى صلى اللّه عليه وسلم أنه كان يدير الماء على مرفقيه

{وامسحوا برؤوسكم} المراد الصاق المسح بالرأس وماسح بعثه ومستوعبه بالمسح كلاهما ملصق للمسح برأسه فأخذ مالك بالاحتياط فأوجب الاستيعاب والشافعي باليقين فأوجب أقل ما يقع عليه اسم المسح وأخذنا ببيان النبى عليه السلام وهو ما روى أنه مسح على ناصيته وقدرت الناصية بربع الرأس

{وأرجلكم إلى الكعبين} بالنصب شامى ونافع وعلى وحفص والمعنى فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وأرجلكم إلى الكعبين وامسحوا برؤسكم على التقديم والتأخير غيرهم بالجر بالعطف على الرؤس لأن الأرجل من بين الأعضاء الثلاثة المغسولة تغسل بصب الماء عليها فكانت مظنة للاسراف المنهى عنه فعطفت على الممسوح لا لتمسح ولكن لينبه على وجوب الاقتصاد فى صب الماء عليها وقيل إلى الكعبين فجئ بالغاية إماطة لظن ظان يحسبها ممسوحة لأن المسح لم تضرب له غاية فى الشريعة وقال فى جامع العلوم أنها مجرورة للجواز وقد صح أن النبى عليه السلام رأى قوما يمسحون على أرجلهم فقال ويل للاعقاب من النار وعن عطاء واللّه ما علمت أن أحدا من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مسح على القدمين و إنما أمر بغسل هذه الأعضاء ليطهرها من الأوساخ التى تتصل بها لانها تبدو كثيرا والصلاة خدمة اللّه تعالى والقيام بين يديه متطهر من الأوساخ أقرب إلى التعظيم فكان أكمل فى الخدمة كما فى الشاهد إذا أراد أن يقوم بين يدى الملك ولهذا قيل أن الأولى إن يصلى الرجل فى أحسن ثيابه و أن الصلاة متعمما أفضل من الصلاة مكشوف الرأس لما أن ذلك أبلغ فى التعظيم

{وإن كنتم جنبا فاطهروا} فاغسلوا أبدانكم

{وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم} قال الرازى معناه وجاء حتى لا يلزم المريض والمسافر التيمم بلا حدث

{من الغائط} المكان المطمئن وهو كتابة عن قضاء الحاجة

{أو لامستم النساء} جامعتم

{فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد اللّه ليجعل عليكم من حرج} فى باب الطهارة حتى لا يرخص لكم فى التيمم

{ولكن يريد ليطهركم} بالتراب إذا أعوزكم التطهر بالماء

{وليتم نعمته عليكم} وليتم برخصة انعامه عليكم بعزائمه

{لعلكم تشكرون} نعمته فيثيبكم

٧

{واذكروا نعمة اللّه عليكم} بالاسلام

{وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا} أى عاقدكم به عقدا وثيقا وهو الميثاق الذي اخذه على المسليمن حين بايعهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على السمع والطاعة فى حال اليسر والعسر والمنشط والمكره فقبلوا وقالوا سمعنا واطعنا وقيل هو الميثاق ليلة العقبة وفى بيعة الرضوان

{واتقوا اللّه} فى نقض الميثاق

{إن اللّه عليم بذات الصدور} بسرائر الصدور من الخير والشر وهو وعد ووعيد

٨

{يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين للّه شهداء بالقسط} بالعدل

{ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا} عدى يجرمنكم بحرف الاستعلاء مضمنا معنى فعل يتعدى به كأنه قيل ولا يحملنكم بغض قوم على ترك العدل فيهم

{اعدلوا هو أقرب للتقوى} أى العدل أقرب إلى التقوى نهاهم اولا أن تحملهم البغضاء على ترك العلد ثم استأنف فصرح لهم بالأمر بالعدل تأكيدا وتشديدا ثم استأنف فذكر لهم وجه الامر بالعدل وهو قوله تعالى

{هو أقرب للتقوى} و إذا كان وجوب العدل مع الكفار بهذه الصفة من القوة فما الظن بوجوبه مع المؤمنين الذين هم أولياؤه

{واتقوا اللّه} فيما أمر ونهى

{إن اللّه خبير بما تعملون} وعد ووعيد ولذاذكر بعدها آية الوعد وهو قوله تعالى

٩

{وعد اللّه الذين آمنوا وعملوا الصالحات} وعد يتعدى إلى مفعولين فالأول الذين آمنوا والثانى محذوف استغنى عنه بالجملة التى هى قوله

{لهم مغفرة وأجر عظيم} والوعيد وهو قوله

١٠

{والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم} أى لا يفارقونها

١١

{يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ هم قوم} روى أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أتى بنى قريظة ومعه الشيخان أبو بكر وعمر والختان يستقرضهم دية مسلمين قتلهما عمرو بن أمية الضمرى خطأ يحسبهما مشركين فقالوا نعم يا أبا القاسم اجلس حتى نطعمك ونقرضك فاجلسوه فى صفة وهموا بالفتك به وعمد عمرو بن جحاش إلى رحى عظيمة يطرحها عليه فأمسك اللّه يده و نزل جبريل فأخبره بذلك فخرج النبى صلى اللّه عليه وسلم ونزلت الآية إذ ظرف للنعمة

{أن يبسطوا} بأن يبسطوا

{إليكم أيديهم} بالقتل يقال بسط لسانه إليه إذا شتمه وبسط إليه يده إذا بطش به ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء ومعنى بسط اليد مدها إلى المبطوش به

{فكف أيديهم عنكم} فمنعها أن تمد إليكم

{واتقوا اللّه وعلى اللّه فليتوكل المؤمنون} فانه الكافى والدافع والمانع

١٢

{ولقد أخذ اللّه ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا} هو الذى ينقب عن احوال القوم ويفتش عنها ولما استقر بنوا إسرائيل بمصر بعد هلاك فرعون أمرهم اللّه بالمسير إلى اريحاء أرض الشام وكان يسكنها الكنعانيون الجبابرة وقا لهم إنى كتبتها لكم دارا وقرارا فاخرجوا إليها وجاهدوا من فيها و إنى ناصركم وأمر اللّه موسى عليه السلام أن يأخذ من كل سبط نقيبا يكون كفيلا على قومه بالوفاء بما أمروا به توثقة عليهم فاختار النقباء وأخذ الميثاق على بنى إسرائيل وتكفل لهم النقباء وسار بهم فلما دنا من ارض كنعان بعث النقباء يتجسسوا فرأو أجراما عظيمة وقوة وشوكة فهابوا ورجعوا فحدثوا قومهم وقد نهاهم أن يحدثوهم فنكثوا الميثاق إلا كالب بن يوقنا ويوشع بن نون وكانا من النقباء

{وقال اللّه إني معكم} أى ناصركم ومعينكم وتقف هنا لا بتدائك بالشرط الداخل عليه اللام الموطئة للقسم وهو

{لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة} وكانتا فريضتين عليهم

{وآمنتم برسلي} من غير تفريق بين أحد منهم

{وعزرتموهم} وعطمتوهم أو نصرتموهم بأن تردوا عنهم اعدائهم والعزر فى اللغة الرد ويقال عزرت فلانا أى أدبته يعنى فعلت به ما يردعه عن القبيح كذا قاله الزجاج

{وأقرضتم اللّه قرضا حسنا} بلا من وقيل هو كل خير واللام فى

{لأكفرن عنكم سيئاتكم} جواب للقسم وهذا الجواب ساد مسد جواب القسم والشرط جميعا

{ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك منكم} أى بعد ذلك الشرط المؤكد المتعلق بالوعد العظيم

{فقد ضل سواء السبيل} أخطأ طريق الحق نعم من كفر قبل ذلك فقد ضل سواء السبيل أيضا ولكن الضلال بعده اظهر وأعظم

١٣

{فبما نقضهم ميثاقهم} ما مريد لإفادة تفخيم الأمر

{لعناهم} طردناهم وأخرجناهم من رحمتنا أو مسخناهم أو ضربنا عليهم الجزية

{وجعلنا قلوبهم قاسية} يابسة لا رحمة فيها ولا لين قسية حمزة وعلى أى رديئة من قولهم درهم قسى أى ردئ

{يحرفون الكلم عن مواضعه} يفسرونه على غير ما أنزل وهو بيان لقسوة قلوبهم لأنه لا قسوة أشد من الافتراء على اللّه وتغيير وحيه

{ونسوا حظا} وتركوا نصيبا جزيلا وقسطا وافيا

{مما ذكروا به} من التوراة يعنى إن تركهم واعارضهنم عن التوراة إغفال حظ عظيم أو قست قلوبهم وفسدت فحرفوا التوراة وزلت اشياء منها عن حفظهم عن ابن مسعود رضى اللّه عنه قد ينسى المرء بعض العلم بالمعصية وتلا هذه الآية وقيل تركوا نصيب أنفسهم مما أمروا به من الإيمان بمحمد صلى اللّه عليه وسلم وبيان نعته

{ولا تزال} يا محمد

{تطلع على خائنة منهم} أى هذه عادتهم وكان عليها أسلافهم كانوا يخونون الرسل وهؤلاء يخونونك ويهمون بالفتك بك وقوله على خائنة أى خيانة أو على فعلة ذات خيانة أو على نفس أو فرقة خائية ويقال رجل خائنة كقولهم رجل راوية للشعر للمبالغة

{إلا قليلا منهم} وهم الذين آمنوا منهم

{فاعف عنهم} بعث على مخالفتهم أو فاعف عن مؤمنيهم ولا تؤاخذهم بما سلف منهم

{واصفح إن اللّه يحب المحسنين} ومن فى قوله

١٤

{ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم} وهو الإيمان باللّه والرسل وأفعال الخير يتعلق بأخذنا أى وأخذنا من الذين قالوا إنا نصارى ميثاقهم فقدم على الفعل الجار والمجرور وفصل بين الفعل والواو بالجار والمجرور و إنما لم يقل من النصارى لأنهم إنما سموا انفسهم بذلك ادعاء لنصر اللّه وهم الذين قالوا لعيسى نحن أنصار اللّه ثم اختلفوا بعد نسطورية ويعقوبية وملكانية أنصارا للشيطان

{فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا} فألصقنا وألزمنا من غرى بالشئ إذا لزمه ولصق به ومنه الغراء الذى يلصق به

{وبينهم} بين فرق النصارى المختلفين

{العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة} بالأهواء المختلفة

{وسوف ينبئهم اللّه بما كانوا يصنعون} أى فى القيامة بالجزاء والعقاب

١٥

{يا أهل الكتاب} خطاب لليهود والنصارى والكتاب للجنس

{قد جاءكم رسولنا} محمد عليه السلام

{يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب} من نحو صفة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومن نحوا الرجم

{ويعفو عن كثير} مما تخفونه لا يبينه أو يعفو عن كثير منكم لا يؤاخذه

{قد جاءكم من اللّه نور وكتاب مبين} يريد القرآن لكشفه ظلمات الشرك والشك ولا بانته ما كان خافيا على الناس من الحق أو لأنه ظاهر الإعجاز أو النور محمد عليه السلام لأنه يهتدى به كما سمى سراجا

١٦

{يهدي به اللّه} أى بالقرآن

{من اتبع رضوانه} ومن آمن منهم

{سبل السلام} أو اللّه

{ويخرجهم من الظلمات إلى النور} من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام

{بإذنه} بإرادته وتوفيقه

{ويهديهم إلى صراط مستقيم}

١٧

{لقد كفر الذين قالوا إن اللّه هو المسيح ابن مريم} معناه بت القول على أن اللّه هو المسيح لا غير قيل كان فى النصارى قوم يقولون ذلك أو لأن مذهبم يؤدى اليه حيث أنهم اعتقدوا أنه يخلق ويحيى ويميت

{قل فمن يملك من اللّه شيئا} فمن يمنع من قدرته ومشيئته شيئا

{إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا} رأى إن أراد أن يهلك من دعوه إلها من المسيح وأمه يعنى أن المسيح عبد مخلوق كسائر العباد وعطف من فى الأرض جميعا على المسيح و أمه إبانه أنهما من جنسهم لا تفاوت بينهما وبينهم والمعنى أن من اشتمل عليه رحم الأمومية متى يفارقه نقص البشرية ومن لا حت عليه شواهد الحدثية أنى يليق به نعت الربوبية ٨ولو قطع البقاء عن جميع ما أوجد لم يعد نقص إلى الصمدية

{وللّه ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء} أى يخلق من ذكر وأنثى ويخلق من أنثى بلا ذكر كما خلق عيسى ويخلق من ذكر من غير أنثى كما خلق حواء من آدم ويخلق من غير ذكر وأنثى كما خلق آدم أو يخلق كما يشاء كخلق الطير على يد عيسى معجزة له فلا اعتراض عليه لأنه الفعال لما يريد

{واللّه على كل شيء قدير}

١٨

{وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء اللّه وأحباؤه} أى أعزة عليه كالابن على الأب أو أشياع ابنى اللّه عزير والمسيح كما قيل لأشباع أبى خبيب وهو عبد اللّه بن الزبير الخبيبيون كما كان يقول رهط مسيلمة نحن أبناء اللّه ويقول أقرباء الملك وحشمه نحن أبناءالملوك أو نحن أبناء رسل اللّه

{قل فلم يعذبكم بذنوبكم} أى فإن صح أنكم أبناء اللّه وأحباؤه فلم تعذبون بذنوبكم بالمسخ والنار أياما معدودة على زعمكم وهل يمسخ الأب ولده وهل يعذب الوالد ولده بالنار ثم قال ردا عليهم

{بل أنتم بشر ممن خلق} أي أنتم خلق من خلقه لا بنوه

{يغفر لمن يشاء} لمن تاب عن الكفر فضلا

{ويعذب من يشاء} من مات عليه عدلا

{وللّه ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير يا} فيه تنبيه على عبودية المسيح لأن الملك والنبوة متنافيان

١٩

{يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا} محمد عليه السلام

{يبين لكم} أى الشرائع وحذف لظهوره أو ما كنتم تخفون وحذف لتقدم ذكره أو لا يقدر المبين ويكون المعنى يبذل لكم البيان وهو حال أى مبينا لكم

{على فترة من الرسل} متعلق بجاءكم على جاءكم فى حين فتور من إرسال الرسل وانقطاع من الوحى وكان بين عيسى ومحمد عليهما السلام ستمائة سنة أو خمسمائة سنة وستون سنة

{أن تقولوا} كراهة أن تقولوا

{ما جاءنا من بشير ولا نذير} والفاء فى

{فقد جاءكم} متعلق بمحذوف أى لا تعتذروا فقد جاءكم

{بشير} للمؤمنين

{ونذير} للكافرين والمعنى الامتنان عليهم بأن الرسول بعث اليهم حين انطمست آثار الوحى وكانوا أحوج ما يكونون إليه ليهشوا إليه ويعدوه أعظم نعمة من اللّه وتلزمهم الحجة فلا يعتلوا غدا بأنه لم يرسل اليهم من ينبههم من غفلتهم

{واللّه على كل شيء قدير} فكان قادرا على إرسال محمد عليه السلام ضرورة

٢٠

{وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ جعل فيكم أنبياء} لأنه لم يبعث فى أمه ما بعث فى بنى إسرائيل من الأنبياء

{وجعلكم ملوكا} لأنه ملكهم بعد فرعون ملكه وبعد الجبابرة ملكهم و لأن الملوك تكاثروا فيهم تكاثر الأنبياء وقيل الملك من له سكن واسع فيه ماء جار وكانت منازلهم واسعة فيها مياه جارية وقيل من له بيت وخدم أو لأنهم كانوا مملوكين فى أيدى القبط فأنقذهم اللّه فسمى انقاذهم ملكا

{وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين} من فلق البحر وإغراق العدوا و إنزال المن والسلوى وتظليل الغمام ونحو ذلك من الأمور العظام أو أراد عالمى زمانهم

٢١

{يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة} أى المطهرة أو المباركة وهى ارض بيت المقدس أو الشام

{التي كتب اللّه لكم} قسمها لكم أو سماها أو كتب فى اللوح المحفوظ أنها مساكن لكم

{ولا ترتدوا على أدباركم} ولا ترجعوا على أعقابكم مدبرين منهزمين من خوف الجبابرة جبنا أو لا ترتدوا على أدباركم فى دينكم

{فتنقلبوا خاسرين} فترجعوا خاسرين ثواب الدنيا و الآخرة

٢٢

{قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين} الجبار فعال من جبره على الأمر بمعنى أجبره عليه وهو العاتى الذى يجبر الناس على ما يريد

{وإنا لن ندخلها} بالقتال

{حتى يخرجوا منها} بغير قتال

{فإن يخرجوا منها} بلا قتال

{فإنا داخلون} بلادهم حينئذ

٢٣

{قال رجلان} كالب ويوشع

{من الذين يخافون} اللّه ويخشونه كأنه قيل رجلان من المتقين وهو فى محل الرفع صفة لرجلان وكذ

{أنعم اللّه عليهما} بالخوف منه

{ادخلوا عليهم الباب} إى باب المدينة

{فإذا دخلتموه فإنكم غالبون} أى انهزموا وكانت الغلبة لكم و إنما علما ذلك بإخبار موسى عليه السلام

{وعلى اللّه فتوكلوا إن كنتم مؤمنين} إذ الإيمان به يقتضى التوكل عليه وهو قطع العلائق وترك التملق للخلائق

٢٤

{قالوا يا موسى إنا لن ندخلها} هذا نفى لدخولهم فى المستقبل على وجه التوكيد

{أبدا} تعليق للنفى المؤكد بالدهر المتطاول

{ما داموا فيها} بيان للأبد

{فاذهب أنت وربك} من العلماء من حمله على الظاهر وقال أنه كفر منهم وليس كذلك إذ لو قالوا ذلك اعتقادا وكفروا به لحاربهم موسى ولم تكن مقاتلة الجبارين اولى من مقاتلة هؤلاء ولكن الوجه فيه أن يقال فاذهب أنت وربك يعينك على قتالك أو وربك أى وسيدك وهو اخوك الأكبر هرون أو لم يرد به حقيقة الذهاب ولكن كما نقول كلمته فذهب يجيبنى تريد معنى الإرادة كأنهم قالوا أريد قتالهم

{فقاتلا إنا ها هنا قاعدون} ماكثون لا نقاتلهم لنصرة دينكم فلما عصوه وخالفوه

٢٥

{قال رب إني لا أملك} لنصرة دينك

{إلا نفسي وأخي} وهو منصوب بالعطف على نفسى أو على اسم إن أى إنى لا املك إلا نفسى و إن اخى لا يملك إلا نفسه أو مرفوع بالعطف على محل إن واسمها أو على الضمير فى لا أملك وجاز للفصل أى ولا يملك اخى إلا نفسه أو هو مبتدأ والخبر محذوف أى وأخى كذلك وهذا من البث والشكوى إلى اللّه ورقة القلب التى بمثلها تستجلب الرحمة وتستنزل النصرة و كأنه لم يثق بالرجلين المذكورين كل الوثوق فلم يذكر إلا النبى المعصوم أو أراد ومن يؤاخينى على دينى

{فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين} فافصل بيننا وبينهم بأن تحكم لنا بما وعدتنا وتحكم عليهم بما هم أهله وهو فى معنى الدعاء عليهم أو فباعد بيننا وبينهم وخلصنا من صحبتهم كقوله ونجنى من القوم الظالمين

٢٦

{قال فإنها} أى الأرض المقسدة

{محرمة عليهم} لا يدخلونها وهو تحريم منع لا تحريم تعبد كقوله وحرمنا عليه المراضع والمراد بقوله كتب اللّه لكم أى بشرط أن تجاهدوا أهلها فلما أبوا الجهاد قيل فإنها محرمة عليهم أو المراد فإنها محرمة عليهم

{أربعين سنة} فإذا مضى الأربعون كان ما كتب فقد سار موسى عليه السلام بمن بقى من بنى إسرائيل وكان يوشع على مقدمته ففتحها وأقام فيها ما شاء اللّه ثم قبض وأربعين ظرف التحريم والوقف على سنة أو ظرف

{يتيهون في الأرض} أى يسيرون فيها متحيرين لا يهتدون طريقا أربعين سنة والوقف على عليهم و إنما عوقبوا بالحبس لاختيارهم المكث فكانوا مع شدة سيرهم يصبحون حيث أمسوا ويمسون حيث أصبحوا فى ستة فراسخ ولما ندم على الدعاء عليهم قيل له

{فلا تأس على القوم الفاسقين} فلا تحزن عليهم لأنهم فاسقون قيل لم يكن موسى وهرون معهم فى التيه لأنه كان عقابا وقد سأل موسى ربه أنه يفرق بينهما وبينهم وقيل كانا معهم إلا أنه كان ذلك روحا لهما وسلاما لا عقوبة ومات هرون فى التيه وموسى فيه بعده بسنة ومات النقباء فى التيه إلا كالب ويوشع أمر اللّه تعالى مححد صلى اللّه عليه وسلم أن يقص على حاسديه ما جرى بسبب الحسد ليتركوه ويؤمنوا بقوله

٢٧

{واتل عليهم} على أهل الكتاب

{نبأ ابني آدم} ومن صلبه هابيل وقابيل أو هما رجلان من بنى إسرائيل

{بالحق} نبأ ملتبسا بالصدق موافقا لما فى كتب الأولين أو تلاوة ملتبسة بالصدق والصحة أو واتل عليهم و أنت محق صادق

{إذ قربا} نصب بالنبأ أى قصتهما وحديثهما فى ذلك الوقت أو بدل من النبأ أى اتل عليهم النبأ نبأ ذلك الوقت على تقدير حذف المضاف

{قربانا} ما يتقرب به إلى اللّه من نسيكة أو صدقة يقال قرب صدقة وتقرب بها لأن تقرب مطاوع قرب والمعنى إذ قرب كل واحد منهما قربانه دليله

{فتقبل من أحدهما} قربانه وهو هابيل

{ولم يتقبل من الآخر} قربانه وهو قابيل روى أنه اوحى اللّه تعالى إلى آدم أن يزوج كل واحد منهما توأمه الآخر وكانت توأمة قابيل أجمل واسمها إقليما فحسده عليها أخاه وسخط فقال لهما آدم قربا قربانا فمن أيكما قبل يتزوجها فقبل قربان هابيل بأن نزلت نار فأكلته فازداد قابيل حسدا وسخطا وتوعده بالقتل وهو قوله

{قال لأقتلنك} أى قال لهابيل

{قال إنما يتقبل اللّه من المتقين} وتقديره قال لم تقتلنى قال لأن اللّه قبل قربانك ولم يقبل قربانى فقال إنما يتقبل اللّه من المتقين و أنت غير متق فإنما أوتيت من قبل نفسك لانسلاخها من لباس التقوى لا من قبلى وعن عامر بن عبد اللّه أنه بكى حين حضرته الوفاة فقيل له ما يبكيك وقد كنت وكنت قال إنى أسمع اللّه يقول إنما يتقبل اللّه من المتقين

٢٨

{لئن بسطت} مددت

{إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط} بماد

{يدي} مدنى و أبو عمرو وحفص

{إليك لأقتلك إني أخاف اللّه رب العالمين} قيل كان أقوى من القاتل وأبطش منه ولكن تحرج عن قتل اخيه واستسلم له خوفا من اللّه تعالى لأن الدفع لم يكن مباحا فى ذلك الوقت وقيل بل كان ذلك واجبا فإن فيه إهلاك نفسه ومشاركة للقاتل فى اثمه و إنما قتله فتكا على غفلة منه إنى أخاف حجازى و أبو عمرو

٢٩

{إني أريد} مدنى

{أن تبوء} أن تحتمل أو ترجع

{بإثمي} باثم قتلى إذا قتلتنى

{وإثمك} الذى لاجله لم يتقبل قربانك وهو عقوق الأب والحسد والحقد و إنما أراد ذلك لكفره برده قضية اللّه تعالى أو كان ظالما وجزاء الظالم جائز أن يراد

{فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين}

٣٠

{فطوعت له نفسه قتل أخيه} فوسعته ويسرته من طاع له المرتع إذا اتسع

{فقتله} عند عقبة حراء أو بالبصرة والمقتول ابن عشرين سنة

{فأصبح من الخاسرين}

٣١

{فبعث اللّه غرابا يبحث في الأرض ليريه} أى اللّه أو الغراب

{كيف يواري سوأة أخيه} عورة أخيه وما لا يجوز أن ينكشف من جسده روى أنه أول قتيل قتل على وجه الأرض من بنى آدم ولما قتله تركه بالعراء لا يدرى ما يصنع به فخاف عليه السباع فحمله فى جراب على ظهره سنة حتى أروح وعكفت عليه السباع فبعث اللّه غرابين فاقتتلا فقتل أحدهما الآخر فحفر له بمنقاره ورجليه ثم ألقاه فى الحفرة فحينئذ

{قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري} عطف على اكون

{سوأة أخي فأصبح من النادمين} على قتله لما تعب فيه من حمله وتحيره فى أمره ولم يندم ندم التائبين أو كان الندم توبة لنا خاصة أو على حمله لا على قتله وروى أنه لما قتله اسود جسده وكان ابيض فسأله آدم عن أخيه فقال ما كنت عليه وكيلا فقال بل قتلته ولذا أسود جسدك فالسودان من ولده وما روى أن آدم رثاه بشعر فلا يصح لأن الأنبياء عليهم السلام معصمومون من الشعر

٣٢

{من أجل ذلك} بسبب ذلك وبعلنه وذلك اشارة إلى القتل المذكور قيل هو متصل بالآية الاولى فيوقف على ذلك أى فأصبح من النادمين لاجل حمله ولأجل قتله وقيل هو مستأنف والوقف على النادمين ومن يتعلق بكتبنا لا بالنادمين

{كتبنا على بني إسرائيل} خصهم بالذكر وان اشترك الكل فى ذلك لأن التوراة أول كتاب فيه الأحكام

{أنه من قتل نفسا} الضمير للشأن ومن شرطية

{بغير نفس} بغير قتل نفس

{أو فساد في الأرض} عطف على نفس أى بغير فساد فى الأرض وهو الشرك أو قطع الطريق أو كل فساد يوجب القتل

{فكأنما قتل الناس جميعا} أى فى الذنب عن الحسن لأن قاتل النفس جزاؤه جهنم وغضب اللّه عليه والعذاب العظيم ولو قتل الناس جميعا لم يزد على ذلك

{ومن أحياها} ومن استنفذها من أسباب الهلكة من قتل أو غرق أو حرق أو هدم أو غير ذلك

{فكأنما أحيا الناس جميعا} جعل قتل الواحد كقتل الجميع وكذلك الاحياء ترغيبا وترهيبا لأن المتعرض لقتل النفس إذا تصور أن قتلها كقتل الناس جميعا عظم ذلك عليه فثبطه وكذا الذى أراد إحياءها إذا تصور أن حكمه حكم إحياء جميع الناس رغب فى إحيائها

{ولقد جاءتهم} أى بنى إسرائيل

{رسلنا} رسلنا أبو عمرو

{بالبينات} بالآيات الواضحات

{ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك} بعدما كتبنا عليهم أو بعد مجئ الرسل بالآيات

{في الأرض لمسرفون} فى القتل لا يبالون بعظمته

٣٣

{إنما جزاء الذين يحاربون اللّه ورسوله} أى أولياء اللّه فى الحديث يقول اللّه تعالى من أهان لى وليا فقد بارزنى بالمحاربة

{ويسعون في الأرض فسادا} مفسدين ويجوز أن يكون مفعولا له أى للفساد وخبر جزاء

{أن يقتلوا} وما عطف عليه وأفاد التشديد الواحد بعد الواحد ومعناه أن يقتلوا من غير صلب إن أفردوا القتل

{أو يصلبوا} مع القتل أن جمعوا بين القتل وأخذ المال

{أو تقطع أيديهم وأرجلهم} أن أخذوا المال

{من خلاق} حال من الأيدى والأرجل أى مختلفة

{أو ينفوا من الأرض} بالحبس إذا لم يزيدوا على الاخافة

{ذلك} المذكور

{لهم خزي في الدنيا} ذل وفضيحة

{ولهم في الآخرة عذاب عظيم

٣٤

إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم} فتسقط عنهم هذه الحدود لا ما هو حق العباد

{فاعلموا أن اللّه غفور رحيم} يغفر لهم بالتوبة ويرحمهم فلا يعذبهم

٣٥

{يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه} فلا تؤذوا عباد اللّه

{وابتغوا إليه الوسيلة} هى كل ما يتوسل به أى يتقرب من قرابة أو صنيعة أو غير ذلك فاستعيرت لما يتوسل به إلى إللّه تعالى من فعل الطاعات وترك السيئات

{وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون}

٣٦

{إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا} من صنوف الأموال

{ومثله معه} وأنفقوه

{ليفتدوا به} ليجعلوه فدية لانفسهم ولو مع ما فى حيزه خبر إن ووحد الراجع فى ليفتدوا به وقد ذكر شيئان لأنه أجرى الضمير مجرى اسم الاشارة كأنه قيل ليفتدوا بذلك

{من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم} فلا سبيل لهم إلى التجاة بوجه

٣٧

{يريدون} يطلبون أو يتمنون

{أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم} دائم

٣٨

{والسارق والسارقة} ارتفعا بالأبتداء والخبر محذوف تقديره وفيما يتلى عليكم السارق و السارقة أو الخبر

{فاقطعوا أيديهما} أى يديهما والمراد اليمينان بدليل قراءة عبد اللّه بن مسعود ودخول الفاء لتضمنهما معنى الشرط لأن المعنى والذى سرق والتى سرقت فاقطعوا أيديهما والاسم الموصول يضمن معنى الشرط وبدأ بالرجل لأن السرقة من الجراءة وهى فى الرجال أكثر وأخر الزانى لأن الزنا ينبعث من الشهوة وهى فى النساء أوفر وقطعت اليد لانها آلة السرقة ولم تقطع آلة الزنا تفاديا عن قطع النسل

{جزاء بما كسبا} مفعول له

{نكالا من اللّه} أى عقوبة منه وهو بدل من جزاء

{اللّه عزيز} غالب لا يعارض فى حكمه

{حكيم} فيما حكم من قطع يد السارق والسارقة

٣٩

{فمن تاب} من السرقة

{من بعد ظلمه} سرقته

{وأصلح} برد المسروق

{فإن اللّه يتوب عليه} يقبل توبته

{إن اللّه غفور رحيم} يغفر ذنبه ويرحمه

٤٠

{ألم تعلم} يا محمد أو يا مخاطب

{أن اللّه له ملك السماوات والأرض يعذب من يشاء} من مات على الكفر

{ويغفر لمن يشاء} لمن تاب عن الكفر

{واللّه على كل شيء} من التعذيب والمغفرة وغيرهما

{قدير} قادر وقدم التعذيب على المغفرة هنا لتقدم السرقة على التوبة

٤١

{يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر} أى لاتهتم ولا تبال بمسارعة المنافقين فى الكفر أى فى إظهاره بما يلوح منهم من آثار الكيد للاسلام ومن موالاة المشركين فإنى ناصرك عليهم وكافيك شرهم يقال أسرع فيه الشيب أى وقع فيه سريعا فكذلك مسارعتهم فى الكفر وقوعهم فيه أسرع شى اذا وجدوا فرصة لم يخطئوها

{من الذين قالوا} تبيين لقوله الذين يسارعون فى الكفر

{آمنا} مفعول قالوا

{بأفواههم} متعلق بقالوا أى قالوا بأفواههم أمنا

{ولم تؤمن قلوبهم} فى محل النصب على الحال

{ومن الذين هادوا} معطوف على من الذين قالوا أى من المنافقين واليهود ويرتفع

{سماعون للكذب} على أنه خبر مبتدأ مضمر أى هم سماعون والضمير للفريقين أو سماعون مبتدأ وخبره من الذين هادوا وعلى هذا يوقف على قلوبهم وعلى الأول على هادوا ومعنى سماعون للكذب يسمعون منك ليكذبوا عليك بأن يمسخوا ما سمعوا منك بالزيادة والنقصان والتبديل والتغيير

{سماعون لقوم آخرين لم يأتوك} أى سماعون منك لأجل قوم آخرين من اليهود وجهوهم عيونا ليبلغوهم ما سمعوا منك

{يحرفون الكلم من بعد مواضعه} أى يزيلونه ويميلونه عن مواضعةالتى وضعه اللّه فيها فيهملونه بغير مواضع بعد أن كان ذا موضع يحرفون صفة لقوم كقوله لم يأتوك أو خبر لمبتدأ محذوف أى هم يحرفون والضمير مردود على لفظ الكلم

{يقولون إن أوتيتم هذا} المحرف المزال عن مواضعه ويقولون مثل يحرفون وجاز أن يكون حالا من الضمير فى يحرفون

{فخذوه} واعلموا أنه الحق واعملوا به

{وإن لم تؤتوه} وأفتاكم محمد بخلافه

{فاحذروا} فاياكم وإياه فهو الباطل روى أن شريفا زنى بشريفة بخيبر وهما محصنان وحدهما الرجم فى التوراة فكرهوا رجمهما لشرفهما فبعثوا رهطا منهم ليسألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن ذلك وقالوا أن أمركم بالجلد والتحميم فاقبلوا و إن أمركم بالرجم فلا تقبلوا فأمرهم بالرجم فأبوا أن يأخذوا به

{ومن يرد اللّه فتنته} ضلالته وهو حجة على من يقول يريد اللّه الإيمان ولا يريد الكفر

{فلن تملك له من اللّه شيئا} قطع رجاء محمد صلى اللّه عليه وسلم عن إيمان هؤلاء

{أولئك الذين لم يرد اللّه أن يطهر قلوبهم} عن الكفر لعلمه منهم اختيار الكفر وهو حجة لنا عليهم أيضا

{لهم في الدنيا خزي} للمنافقين فضيحة ولليهود جزية

{ولهم في الآخرة عذاب عظيم} أى التخليد فى النار

٤٢

{سماعون للكذب} كرر للتأكيد أى هم سماعون ومثله

{أكالون للسحت} وهو كل مالا يحل كسبه وهو من سحته إذا استأصله لأنه مسحوت البركة وفى الحديث هو الرشوة فى الحكم وكانوا يأخذون الرشا على الأحكام وتحليل الحرام وبالتثقيل مكى وبصرى وعلى

{فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} قيل كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مخيرا إذا تحاكم إليه أهل الكتاب بين أن يحكم بينهم وبين أن لا يحكم بينهم وقيل نسخ التخيير بقوله و أن احكم بينهم بما أنزل اللّه

{وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا} فلن يقدروا على الاضرار بك لأن اللّه تعالى يعصمك من الناس

{وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط} بالعدل

{إن اللّه يحب المقسطين} العادلين

٤٣

{وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم اللّه} تعجيب من تحكيمهم لمن لا يؤمنون به وبكتابه مع أن الحكم منصوص فى كتابهم الذى يدعون الإيمان به فيها حكم اللّه حال من التوراة وهى مبتدأ وخبره عندهم

{ثم يتولون من بعد ذلك} عطف على يحكمونك أى ثم يعرضون من بعد تحكيمك عن حكمك الموافق لما فى كتابهم لا يرضون به

{وما أولئك بالمؤمنين} بك أو بكتابهم كما يدعون

٤٤

{إنا أنزلنا التوراة فيها هدى} يهدى للحق

{ونور} يبين ما استبهم من الأحكام

{يحكم بها النبيون الذين أسلموا} انقادوا لحكم اللّه فى التواة وهو صفة أجريت للنبيين على سبيل المدح وأريد باجرائها التعريض باليهود لأنهم بعداء من ملة الاسلام التى هى دين الانبياء كلهم

{للذين هادوا} تابوا من الكفر واللام يتعلق بيحكم

{والربانيون والأحبار} معطوفان على النبيون أى الزهاد والعلماء

{بما استحفظوا} استودعوا قيل ويجوز أن يكون بدلا من بها فى يحكم بها

{من كتاب اللّه} من للنبيين والضمير فى استحفظوا للانبياء والربانيين والاحبار جميعا ويكون الاستحفاظ من اللّه أى كلفهم اللّه حفظه أو للربانيون والأحبار ويكون الاستحفاظ من الأنبياء

{وكانوا عليه شهداء} رقباء لئلا يبدل

{فلا تخشوا الناس} نهى للحكام عن خشيتهم غير اللّه فى حكوماتهم وامضائها على خلاف ما أمروا به من العدل خشية سلطان ظالم أو خيفة أذية أحد

{واخشون} فى مخالفة أمرى وبالياء فيهما سهل وافقه أبو عمرو وفى الوصل

{ولا تشتروا بآياتي} ولا تستبدلوا بآيات اللّه وأحكامه

{ثمنا قليلا} وهو الرشوة وابتغاء الجاه ورضا الناس

{ومن لم يحكم بما أنزل اللّه} مستهينا به

{فأولئك هم الكافرون} قال ابن عباس رضى اللّه عنهما من لم يحكم جاحدا فهو كافر و إن لم يكن جاحدا فهو فاسق ظالم وقال ابن مسعود رضى اللّه عنه هو عام فى اليهود وغيرهم

٤٥

{وكتبنا عليهم فيها} وفرضنا على اليهود فى التوراة

{أن النفس} مأخوذه

{بالنفس} مقتولة بها إذا قتلتها بغير حق

{والعين} مفقوءة

{بالعين والأنف} مجدوع

{بالأنف والأذن} مقطوعة

{بالأذن والسن} مقلوعة

{بالسن والجروح قصاص} أى ذات قصاص وهو المقاصه ومعناه ما يمكن فيه القصاص و إلا فحكومة عدل وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما كانوا لا يقتلون الرجل بالمرأة فنزلت وقوله

{أن النفس بالنفس} يدل على أن المسلم يقتل بالذمى والرجل بالمرأة والحر بالعبد نصب نافع وعاصم وحمزة المعطوفات كلها لعطف على ما عملت فيه أن ورفعها على للعطف على محل أن النفس لأن المعنى وكتبنا عليهم النفس بالنفس اجراء لكتبنا مجرى قلنا ونصب الباقون الكل ورفعواالجروح والأذن بسكون الذال حيث كان نافع والباقون بضمها وهما لغتان كالسحت والسحت

{فمن تصدق} من أصحاب الحق

{به} بالقصاص وعفا عنه

{فهو كفارة له} فالتصدق به كفارة للمتصدق باحسانه قال عليه السلام من تصدق بدم فمادونه كان كفارة له يوم ولدته أمه

{ومن لم يحكم بما أنزل اللّه فأولئك هم الظالمون} بالامتناع عن ذلك

٤٦

{وقفينا} معنى قفيت الشئ بالشئ جعلته فى أثره كأنه جعل فى قفاه يقال قفاه يقفوه إذا تبعه

{على آثارهم} على آثار النبيين الذين أسلموا

{بعيسى ابن مريم مصدقا} هو حال من عيسى

{لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة} أى وآتيناه الانجيل ثابتا فيه هدى ونور ومصدقا افنصب مصدقا بالعطف على ثابتا الذى تعلق به فيه وقام مقامه فيه وارتفع هدى ونور بثابتا الذى قام مقامه فيه

{وهدى وموعظة} انتصبا على الحال أى هاديا واعظا

{للمتقين} لأنهم ينتفعون به

٤٧

{وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل اللّه فيه} وقلنا لهم احكموا بموجبه فاللام لام الأمر وأصله الكسر و إنما سكن استثقالا لفتحة وكسرة وفتحة وليحكم بكسر اللام وفتح الميم حمزة على أنها لام كى أى وقفينا ليؤمنوا وليحكم يجوز أن يحمل على الجحود فى الثلاث فيكون كافرا ظالما فاسقا لأن الفاسق المطلق والظالم المطلق هو الكافر وقيل ومن لم يحكم بما أنزل اللّه فهو كافر بنعمة اللّه ظالم فى حكمه فاسق فى فعله

٤٨

{وأنزلنا إليك الكتاب} أى القرآن فحرف التعريف فه للعهد

{بالحق} بسبب الحق واثباته وتبيين الصواب من الخطأ

{مصدقا} حال من الكتاب

{لما بين يديه} لما تقدمه نزولا وإنما قيل لما قبل الشئ هو بين يديه لأن ما تأخر عنه يكون وراءه وخلفه فما تقدم عليه يكون قدامه وبين يديه

{من الكتاب} المراد به جنس الكتب المنزلة لأن القرآن مصدق لجميع كتب اللّه فكان حرف التعريف فيه للجنس ومعنى تصديقه الكتب موافقتها فى التوحيد والعبادة وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا يوحى إليه أنه لا إله إلا انا فاعبدون

{ومهيمنا عليه} وشاهدا لأنه يشهد له بالصحة والثبات

{فاحكم بينهم بما أنزل اللّه} أى بما فى القرآن

{ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق} نهى أن يحكم بما حرفوه وبدلوه اعتمادا على قولهم ضمن ولا تتبع معنى ولا تنحرف فلذا عدى بعن فكأنه قيل ولا تنحرف عما جاءك من الحق متبعا أهواءهم أو التقدير عادلا عما جاءك

{لكل جعلنا منكم} أيها الناس

{شرعة} شريعة

{ومنهاجا} وطريقا واضحا واستدل به من قال إن شريعة من قبلنا لا تلزمنا ذكر اللّه إنزال التوراة على موسى عليه السلام إنزال الانجيل على عيسى عليه السلام ثم إنزال القرآن على محمد صلى اللّه عليه وسلم وبين أنه ليس للسماع فحسب بل للحكم به فقال فى الأول يحكم بها النبيون وفى الثانى وليحكم أهل الانجيل وفى الثالث فاحكم بينهم بما أنزل اللّه

{ولو شاء اللّه لجعلكم أمة واحدة} جماعة متفقة على شريعة واحدة

{ولكن} أراد

{ليبلوكم} ليعاملكم معاملة المختبر

{في ما آتاكم} من الشرائع المختلفة فتعبد كل أمة بما اقتضته الحكمة

{فاستبقوا الخيرات} فابتدروها وسابقوا نحوها قبل الفوات بالوفاة والمراد بالخيرات كل ما أمر اللّه تعالى به

{إلى اللّه مرجعكم} استئناف فى معنى التعليل لاستباق اليخارت

{جميعا} حال من الضمير المجرور والعامل المصدر المضاف لأنه فى تقدير إليه ترجعون

{فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون} فيخبركم بما لا تشكون معه من الجزاء الفاصل بين محقكم ومبطلكم وعاملكم ومفرطكم فى العمل

٤٩

{وأن احكم} معطوف على بالحق أى وانزلنا اليك الكتاب بالحق وبأن احكم

{بينهم بما أنزل اللّه ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك} أى يصرفوك وهو مفعلول له أى مخافة أن يفتنوك و إنما حذره وهو رسول مأمون لقطع أطماع القوم

{عن بعض ما أنزل اللّه إليك فإن تولوا} عن الحكم بما أنزل اللّه اليكم وأرادوا غيره

{فاعلم أنما يريد اللّه أن يصيبهم ببعض ذنوبهم} أى بذنب التولى عن حكم اللّه وارادة خلافه فوضع ببعض ذنوبهم موضع ذلك وهذا الابهام لتعظيم التولى وفيه تعظيم الذنوب فإن الذنوب بعضها مهلك فكيف بكلها

{وإن كثيرا من الناس لفاسقون} لخارجون عن أمر اللّه

٥٠

{أفحكم الجاهلية يبغون} يطلبون وبالتالى شامى يخاطب

بنى النضير فى تفاضلهم على بنى قريظة وقد قال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم القتلى سواء فقال بنو النضير نحن لا نرضى بذلك فنزلت وسئل طاوس عن الجرل بفضل بعض ولده على بعض فقرأ هذه الآية وناصب أفحكم الجاهلية يبغون

{ومن أحسن} مبتدأ وخبره وهو استفهام فى معنى النفى أى لا احد أحسن

{من اللّه حكما} هو تمييز واللام فى

{لقوم يوقنون} للبيان كاللام فى هيت لك أى هذا الخطاب وهذا الاستفهام لقوم يوقنون فإنهم هم الذين يتبينون أن لا أعدل من اللّه ولا أحسن حكما منه وقال أبو على معنى لقوم عند قوم لأن اللام وعند يتقاربان فى المعنى ونزل نهيا عن موالاة أعداء الدين

٥١

{يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء} أى لا تتخذوهم أولياء تنصرونهم وتستنصرونهم وتؤاخونهم وتعاشرونهم معاشرة المؤمنين ثم علل النهى بقوله

{بعضهم أولياء بعض} وكلهم أعداء المؤمنين وفيه دليل على أن الكفر كله ملة واحدة

{ومن يتولهم منكم فإنه منهم} من جملتهم وحكمه حكمهم وهذا تغليظ من اللّه وتشديد فى وجوب مجانبة المخالف فى الدين

{إن اللّه لا يهدي القوم الظالمين} لا يرشد الذين ظلموا انفسهم بموالاة الكفرة

٥٢

{فترى الذين في قلوبهم مرض} نفاق

{يسارعون} حال أو مفعول ثان لاحتمال أن يكون فترى من رؤية العين أو القلب

{فيهم} فى معاونتهم على المسلمين وموالاتهم

{يقولون} أى فى أنفسهم لقوله على ما أسروا

{نخشى أن تصيبنا دائرة} أى حادثة تدور بالحال التى يكونون عليها

{فعسى اللّه أن يأتي بالفتح} لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على أعدائه وإظهار المسلمين

{أو أمر من عنده} أى يؤمر النبى عليه السلام بإظهار أسرار المنافقين وقتلهم

{فيصبحوا} أى المنافقون

{على ما أسروا في أنفسهم} من النفاق

{نادمين} خبر فيصبحوا

٥٣

{ويقول الذين آمنوا} أى يقول بعضهم لبعض عند ذلك ويقول بصرى عطفا على أن يأتى يقول بغير واو شامى وحجازى على أنه جواب قائل يقول فماذا يقول المؤمنون حينئذ فقيل يقول الذين آمنوا

{أهؤلاء الذين أقسموا باللّه جهد أيمانهم إنهم لمعكم} أى أقسموا لكم بإغلاظ الأيمان أنهم أولياؤكم ومعاضدوكم على الكفار وجهد أيمانهم مصدر فى تقدير الحال أى مجتهدين فى توكيد أيمانهم

{حبطت أعمالهم} ضاعت أعمالهم التى عملوها رياء وسمعة لا إيمانا وعقيدة وهذا من قول اللّه عزوجل شهادة لهم بحبوط الأعمال لهم وتعجيبا من سوء حالهم

{فأصبحوا خاسرين} فى الدنيا والعقبى لفوات المعونة ودوام العقوبة

٥٤

{يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه} من يرجع منكم عن دين الإسلام إلى ما كان عليه من الكفر يرتدد مدنى وشامى

{فسوف يأتي اللّه بقوم يحبهم ويحبونه} يرضى أعمالهم ويثنى عليهم بها ويطيعونه ويؤثرون رضاه وفيه دليل نبوته عليه السلام حيث أخبرهم بما لم يكن فكان واثبات خلافة الصديق لأنه جاهد المرتدين وفى صحة خلافته وخلافة عمر رضى اللّه عنهما وسئل النبى صلى اللّه عليه وسلم عنهم فضرب على عاتق سلمان وقال هذا وذووه لو كان الإيمان معلقا بالثريا لناله رجال من أبناء فارس والراجع من الجزاء إلى الاسم المتضمن لمعنى الشرط محذوف معناه فسوف يأتى اللّه بقوم مكانهم

{أذلة} جمع ذليل وأما ذلول فجمعه ذلل ومن زعم أنه من الذل الذى هو ضد الصعوبة فقدسها لأن ذلولا لا يجمع على أذلة قال الجوهرى الذل ضد العز ورجل ذليل بين الذل وقوم أذلاء وأذلة والذل بالكسر اللين وهو ضد الصعوبة يقال دابة ذلول ودواب ذلل

{على المؤمنين} ولم يقل للمؤمنين لتضمن الذل معنى الحنو والعطف كأنه قيل عاطفين عليهم على وجه التذلل والتواضع

{أعزة على الكافرين} أشجداء عليهم والعزاز الأرض الصلبة فهم مع المؤمنين كالولد لوالده والعبد لسيده ومع الكافرين كالسبع على فريسته

{يجاهدون في سبيل اللّه} يقاتلون الكفار وهو صفة لقوم كحبهم واعزة وأذلة

{ولا يخافون لومة لائم} الواو يحتمل أن تكون للحال أى يجهادون وحالهم فى المجاهدة خلاف حال المنافقين فإنهم كانوا موالين لليهود فإذا خرجوا فى جيش المؤمنين خافوا أولياءهم اليهود فلا يعملون شيئا مما يعلمون أنه يلحقهم فيه لوم من جهتهم وأما المؤمنون فمجاهدتهم للّه لا يخافون لومة لائم و أن تكون للعطف أى من صفتهم المجاهدة فى سبيل اللّه وهم صلاب فى دينهم إذا شرعوا فيه أمر من أمور الدين لا تزعهم لومة لائم واللومة المرمة من اللوم وفيها وفى التنكير مبالغتان كأنه قيل لا يخافون شيئا قط من لوم واحد من اللوام

{ذلك} إشارة إلى ما وصف به القوم من المحبة والذلة والعزة والمجاهدة وانتفاء خوف اللومة

{فضل اللّه يؤتيه من يشاء واللّه واسع} كثير الفواضل

{عليم} بمن هو من أهلها عقب النهى عن موالاة من تجب معاداتهم ذكر من تحب موالاتهم بقوله

٥٥

{إنما وليكم اللّه ورسوله والذين آمنوا} و إنما يفيد اختصاصهم بالموالاة ولم يجمع الولى و إن كان المذكور جماعة تنبيها على أن الولاية للّه أصل ولغيره تبع ولو قيل إنما أولياؤكم اللّه ورسوله والذين آمنوا لم يكن فى الكلام أصل وتبع ومحل

{الذين يقيمون الصلاة} الرفع على البدل من الذين آمنوا أو على هم الذين أو النصب على المدح

{ويؤتون الزكاة} والواو فى

{وهم راكعون} للحال أى يؤتونها فى حال ركوعهم فى الصلاة قيل أنها نزلت فى على رضى اللّه عنه حين سأله سائل وهو راكع فى صلاته فطرح له خاتمه كأنه كان مرجا فى خنصره فلم يتكلف لخلعه كثير عمل يفسد صلاته وورد بلفظ الجمع و إن كلان السبب فيه واحدا ترغيبا للناس فى مثل فعله لينالوا مثل ثوباه والآية تدل على جواز الصدقة فى الصلاة وعلى أن الفعل القليل لا يفسد الصلاة

٥٦

{ومن يتول اللّه ورسوله والذين آمنوا} يتخذه وليا أو يكن وليا

{فإن حزب اللّه هم الغالبون} من إقامة الظاهر مقام الضمير أى فإنهم هم الغالبون أو المراد بحزب اللّه الرسول والمؤمنون صأى ومن يتولهم فقد تولى حزب اللّه واعتضد بمن لا يغالب وأصل الحزب القوم يجتمعون الأمر حزبهم أى أصابهم وروى أن رفاعة بن زيد وسويد بن الحرث قد أظهرا الإسلام ثم نافقا وكان رجال من المسلمين يوادونهما فنزل

٥٧

{يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا} يعنى اتخاذهم دينكم هزوا ولعبا لا يصح أن يقابل باتخاذكم إياهم اولياء بل يقابل ذلك بالبغضاء والمنابذة

{من الذين أوتوا الكتاب} من للبيان

{من قبلكم والكفار} أى المشركين وهو عطف على الذين المنصوبة والكفار بصرى وعلى عطف على الذين المجرورة أى من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الكفار

{أولياء واتقوا اللّه} فى موالاة الكفار

{إن كنتم مؤمنين} حقا لأن الإيمان حقا يأبى موالاة أعداء الدين

٥٨

{وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها} أى الصلاة أو المناداة

{هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون} لأن لعبهم وهزوهم من أفعال السفهاء والجهلة فكانهم لا عقل لهم وفيه دليل على ثبوت الأذان بنصب الكتاب لا بالمنام وحده

٥٩

{قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا باللّه وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل} يعنى هل تعيبون منا وتنكرون إلا الإيمان باللّه وبالكتب المنزلة كلها

{وأن أكثركم فاسقون} وهو عطف على المجرور أى وما تنقمون منا إلا الإيمان باللّه وما أنزل وبأن أكثركم فاسقون والمعنى أعاديتمونا لأنا اعتقدنا توحيد اللّه وصدق أنبيائه وفسقكم لمخالفتكم لنا فى ذلك ويجوز أن يكون الواو بمعنى مع أى وما تنقمون منا إلا الإيمان باللّه مع انكم فاسقون

٦٠

{قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند اللّه} أى ثوابا وهو نصب على التمييز والمثوبة و إن كانت مختصة بالإحسان ولكنها وضعت موضع العقوبة كقوله

{فبشرهم بعذاب أليم} وكان اليهود يزعمون أن المسلمين مستوجبون للعقوبة فقيل لهم

{من لعنه اللّه} شر عقوبة فى الحقيقة من أهل الإسلام فى زعمكم وذلك إشارة إلى المتقدم أى الإيمان أى بشر مما نقمتم من إيماننا ثوابا أى جزاء ولا بد من حذف مضاف قبله أو قبل من تقديره بشر من أهل ذلك أو دين من لعنه اللّه

{وغضب عليه وجعل منهم القردة} يعنى أصحاب السبت

{والخنازير} أى كفار أهل مائدة عيسى عليه السلام أو كلا المسخين من أصحاب السبت فشبانهم مسخوا قردة ومشايخهم مسخوا خنازير

{وعبد الطاغوت} أى العجل أو الشيطان لأن عبادتهم العجل بتزيين الشيطان وهو عطف على صلة من كأنه قيل ومن عبد الطاغوت وعبد الطاغوت حمزة جعله اسما موضوعا للمبالغة كقولهم رجل حذر وفطن للبليغ فى الحذر والفطنة وهو معطوف على القردة والخنازير أى جعل اللّه منهم عبد الطاغوت

{أولئك} الممسوخون الملعونون

{شر مكانا} جعلت الشرارة للمكان وهى لاهله مبالغة

{وأضل عن سواء السبيل} عن قصد الطريق الموصل إلى الجنة ونزل فى ناس من اليهود كانوا يدخلون على النبى صلى اللّه عليه وسلم ويظهرون له الإيمان نفاقا

٦١

{وإذا جاؤوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به} الباء للحال أى دخلوا كافرين وخرجوا كافرين وتقديره ملتبسين بالكفر وكذلك قد دخلوا وهم قد خرجوا ولذا دخلت قد تقريبا للماضى من الحال وهو متعلق بقالوا آمنا أى قالوا ذلك وهذه حالهم

{واللّه أعلم بما كانوا يكتمون} من النفاق

٦٢

{وترى كثيرا منهم} من اليهود

{يسارعون في الإثم} الكذب

{والعدوان} الظلم أو الاثم ما يختص بهم والعدوان ما يتعداهم إلى غيرهم والمسارعة فى الشئ الشروع فيه بسرعة

{وأكلهم السحت} الحرام

{لبئس ما كانوا يعملون} لبئس شيئا عملوه

٦٣

{لولا} هلا وهو تخصيض

{ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون} هذا ذم للعلماء و الأول للعامة وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما هى أشد آية فى القرآن حيث أنزل تارك النهى عن المنكر منزلة مرتكب المنكر فى الوعيد

٦٤

{وقالت اليهود يد اللّه مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان} روى أن اليهود لعنهم اللّه لما كذبوا محمد عليه السلام كف اللّه ما بسط عليهم من السعة وكانوا من اكثر الناس مالا فعند ذلك قال فخاص يد اللّه مغلولة ورضى بقوله الآخرون فاشركوا فيه وغل اليد وبسطها مجاز عن البخل والجود ومنه قوله تعالى ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط ولا يقصد المتكلم به إثبات يد ولا غل ولا بسط حتى أنه يستعمل فى ملك يعطى ويمنع بالإشارة من غير استعمال اليد ولو أعطى الأقطع إلى المنكب عطاء جزلا لقالوا ما أبسط يده بالنوال وقد استعمل حيث لا تصح اليد يقال بسط البأس كفيه فى صدرى فجعل للبأس الذى هو من المعانى كفان ومن لم ينظر فى علم البيان يتحير فى تأويل أمثال هذه الآية وقوله غلت أيديهم دعاء عليهم بالبخل ومن ثم كانوا أبخل خلق اللّه أو تغل فى جهنم فهى كانها غلت و إنما ثنيت اليد فى بل يداه مبسوطتان وهى مفردة فى يد اللّه مغلولة ليكون رد قولهم وانكاره أبلغ وأدل على إثبات غاية السخاء له ونفى البخل عنه فغاية ما يبذله السخى أن يعطيه بيديه

{ينفق كيف يشاء} تأكيد للوصف بالسخاء ودلالة على أنه لا ينفق إلا على مقتضى الحكمة

{وليزيدن كثيرا منهم} من اليهود

{ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا} أى يزدادون عند نزول القرآن لحسدهم تماديا فى الجحود وكفرا بآيات اللّه وهذا من إضافة الفعل إلى السبب كما قال فزادتهم رجسا إلى رجسهم

{وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة} فكلمتهم أبدا مختلفة وقلوبهم شتى لا يقع بينهم اتفاق ولا تعاضد

{كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها اللّه} كلما أرادوا محاربة أحد غلبوا وقهروا لم يقم لهم نصر من اللّه على أحد قط وقد أتاهم الإسلام وهم فى ملك المجوس وقيل كلما حاربوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نصر عليهم عن قتادة لا تلقى يهوديا فى بلدا إلا وقد وجدته من أذل الناس

{ويسعون في الأرض فسادا} ويجتهدون فى دفع الإسلام ومحو ذكر النبى عليه السلام من كتبهم

{واللّه لا يحب المفسدين}

٦٥

{ولو أن أهل الكتاب آمنوا} برسول اللّه عليه السلام وبما جاء به مع ما عددنا من سيئاتهم

{واتقوا} أى وقرنوا إيمانهم بالتقوى

{لكفرنا عنهم سيئاتهم} ولم نؤاخذهم بها

{ولأدخلناهم جنات النعيم} مع المسلمين

٦٦

{ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل} أى أقاموا أحكامهما وحدودهما وما فيهما من نعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

{وما أنزل إليهم من ربهم} من سائر كتب اللّه لأنهم مكلفون الإيمان بجميعها فكانها انزلت اليهم وقيل هو القرآن

{لأكلوا من فوقهم} يعنى الثمار من فوق رءوسهم

{ومن تحت أرجلهم} يعنى الزروع وهذه عبارة عن التوسعة كقولهم فلان فى النعمة من فرقه إلى قدمه ودلت الآية على أن العمل يطاعة اللّه تعالى سبب لسعة الرزق وهو كقوله تعالى

{ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض}{ومن يتق اللّه يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب} {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا} الآيات و أن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا

{منهم أمة مقتصدة} طائفة حالها امم فى عداوة رسول اللّه عليه السلام وقيل هى الطائفة المؤمنة وهم عبد اللّه بن سلام وأصحابه وثمانية وأربعون من النصارى

{وكثير منهم ساء ما يعملون} فيه معنى التعجب كأنه قيل وكثير منهم ما أسوأ عملهم وقيل هم كعب بن الأشرف وأصحابه وغيرهم

٦٧

{يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} جميع ما انزل اليك واى شيء أنزل إليك غير مراقب فى تبليغه أحدا ولا خائف أن ينالك مكروه

{وإن لم تفعل} و إن لم تبلغ جميعه كما أمرتك

{فما بلغت رسالته} رسالاته مدنى وشامى و أبو بكر أى فلم تبلغ إذا ما كلفت من أداء الرسالة ولم تؤد منها شيئا قط وذلك أن بعضها ليس بأولى بالأداء من بعض فإذا لم تود بعضها فكانك أغفلت أداءها جميعا كما أن من لم يؤمن ببعضها كان كمن لم يؤمن بكلها لكونها فى حكم شيء واحد لدخولها تحت خطاب واحد والشئ الواحد لا يكون مبلغا غير مبلغ مؤمنا به غير مؤمن قالت الملحدة لعنهم اللّه تعالى هذ كلام لا يفيد وهو كقولك لغلامك كل هذا الطعام فإن لم تأكله فإنك ما أكلته قلنا هذا أمر بتبليغ الرسالة فى المستقبل أى بلغ ما أنزل إليك من ربك فى المستقبل فإن لم تفعل أى إن لم تبلغ الرسالة فى المستقبل فكانك لم تبلغ الرسالة أصلا أو بلغ ما أنزل اليك من ربك الآن ولا تنتظر به كثرة الشوكة والعهدة فإن لم تبلغ كنت كمن لم يبلغ أصلا أو بلغ ذلك غير خائف أحدا فإن لم تبلغ على هذا الوصف فكأنك لم تبلغ الرسالة أصلا ثم قال مشجعا له فى التبليغ

{واللّه يعصمك من الناس} يحفظك منهم قتلا فلم يقدر عليه و إن شج فى وجهه يوم أحد وكسرت رباعيته أو نزلت بعدما أصابه ما أصابه والناس الكفار بدليل قوله

{إن اللّه لا يهدي القوم الكافرين} لا يمكنهم مما يريدون انزاله بك من الهلاك

٦٨

{قل يا أهل الكتاب لستم على شيء} على دين يعتد به حتى يسمى شيئا لبطلانه

{حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم} يعنى القرآن

{وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا} إضافة زيادة الكفر والطغيان إلى القرآن بطريق التسبيب

{فلا تأس على القوم الكافرين} فلا تتأسف عليهم فإن ضرر ذلك يعود اليهم لا إليك

٦٩

{إن الذين آمنوا} بألسنتهم وهم المنافقون ودل عليه قوله لا يحزنك الذين يسارعون فى الكفر من الذين قالوا امنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم

{والذين هادوا والصابئون والنصارى} قال سيبويه وجميع البصريين ارتفع الصابئون بالابتداء وخبره محذوف و النية به التأخير عما فى حيز إن من اسمها وخبرها كأنه قيل إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى

{من آمن باللّه واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون} والصابئون كذلك أى من آمن باللّه واليوم الآخر فلا خوف عليهم فقدم وحذف الخبر كقوله

فمن يك أمسى بالمدينة رحله  فإنى وقيار بها لغريب

أى فإنى لغريب وقيار كذلك ودل اللام على أنه خبر إن ولا يرتفع بالعطف على محل إن واسمها لأن ذا لا يصح قبل الفراغ من الخبر لا تقول إن زيدا وعمر ومنطلقان و إنما يجوز أن زيدا منطلق وعمرو والصابئون مع خبره المحذوف جملة معطوفة على جملة قوله إن الذين آمنوا إلى آخره ولا محل لها كما لا محل للتى عطفت عليها وفائدة التقديم التنبيه على أن الصابئين وهم أبين هؤلاء المعدودين ضلالا وأشدهم غيا يتاب عليهم إن صح منهم الإيمان فما الظن بغيرهم ومحل من آمن الرفع على الابتداء وخبره فلا خوف عليهم والفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط ثم الجملة كما هى خبر أن والراجع إلى اسم إن محذوف تقديره من آمن منهم

٧٠

{لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل} بالتوحيد

{وأرسلنا إليهم رسلا} ليقفوهم على ما يأتون وما يذرون فى دينهم

{كلما جاءهم رسول} جملة شرطية وقعت صفة لرسلا والراجع محذوف أى رسول منهم

{بما لا تهوى أنفسهم} بما يخالف هواهم ويضاد شهواتهم من مشاق التكليف والعمل بالشرائع وجواب الشرط محذوف دل عليه

{فريقا كذبوا وفريقا يقتلون} كأنه قيل كلما جاءهم رسول منهم ناصبوه وقوله فريقا كذبوا جواب مستأنف لقائل كأنه يقول كيف فعلوا برسلهم وقال يقتلون بلفظ المضارع على حكاية الحال الماضية استفظاعا للقتل وتنبيها على أن القتل من شأنهم وانتصب فريقا وفريقا على أنه مفعول كذبوا ويقتلون وقيل التكذيب مشترك بين اليهود والنصارى والقتل مختص باليهود فهم قتلوا زكريا ويحيى

٧١

{وحسبوا ألا تكون فتنة} حمزة وعلى و أبو عمرو وعلى أن أن مخففة من الثقيلة أصله أنه لا تكون فخففت أن وحذف ضمير الشأن ونزل حسبانهم لقوته فى صدورهم منزلة العلم فلذا دخل فعل الحسبان على أن التى هى للتحقيق

{فتنة} بلاء وعذاب أى وحسب بنو إسرائيل أنهم لا يصيبهم من اللّه عذاب بقتل الأنبياء وتكذيب الرسل وسد ما يشتمل عليه صلة أن و أن من المسند والمسند إليه مسد مفعولى حسب

{فعموا وصموا} فلم يعملوا بما راوا ولا بما سمعوا أو فعموا عن الرشد وصموا عن الوعظ

{ثم تاب اللّه عليهم} رزقهم التوبة

{ثم عموا وصموا كثير منهم} هو بدل من الضمير أى الواو وهو بدل البعض من الكل أو هو خبر مبتدأ محذوف أى أولئك كثير منهم

{واللّه بصير بما يعملون} فيجازيهم بحسب اعمالهم

٧٢

{لقد كفر الذين قالوا إن اللّه هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا اللّه ربي وربكم} لم يفرق عيسى عليه السلام بينه وبينهم فى أنه عبد مربوب ليكون حجة على النصارى

{إنه من يشرك باللّه} فى عبادته غير اللّه

{فقد حرم اللّه عليه الجنة} التى هى دار الموحدين أى حرمه دخولها ومنعه منه

{ومأواه النار} أى مرجعه

{وما للظالمين} أى الكافرين

{من أنصار} وهو من كلام اللّه تعالى أو من كلام عيسى عليه السلام

٧٣

{لقد كفر الذين قالوا إن اللّه ثالث ثلاثة} أي ثالث ثلاثة آلهة والاشكال أنه تعالى قال فى الآية الأولى لقد كفر الذين قالوا إن اللّه هو المسيح ابن مريم وقال فى الثانية لقد كفر الذين قالوا إن اللّه ثالث ثلاثة والجواب أن بعض النصارى كانوا يقولون كان المسيح بعينه هو اللّه لأن اللّه ربما يتجلى فى بعض الأزمان فى شخص فتجلى فى ذلك الوقت فى شخص عيسى ولهذا كان يظهر من شخص عيسى أفعال لا يقدر عليها إلا اللّه وبعضهم ذهبوا إلى آلهة ثلاثة اللّه ومريم والمسيح و أنه ولد اللّه من مريم ومن فى قوله

{وما من إله إلا إله واحد} للاستغراق أى وما إله قط فى الوجود إلا إنه موصوف بالوحدانية لا ثانى له وهو اللّه وحده لا شريك له وفى قوله

{وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم} للبيان كالتى فى فجتنبوا الرجس من الأوثان ولم يقل ليمسنهم لأن فى إقامة الظاهر مقام المضمر تكرير للشهادة عليهم بالكفر أو للتبعيض أى ليمسن الذين بقوا على الكفر منهم لأن كثيرا منهم تابوا عن النصرانية

{عذاب أليم} نوع شديد الألم من العذاب

٧٤

{أفلا يتوبون إلى اللّه ويستغفرونه} ألا يتوبون بعد هذه الشهادة المكررة عليهم بالكفر وهذا الوعيد الشديد مما هم عليه وفيه تعجيب من إصرارهم

{واللّه غفور رحيم} يغفر لهؤلاء إن تابوا ولغيرهم

٧٥

{ما المسيح ابن مريم إلا رسول} فيه نفى الألوهية عنه

{قد خلت من قبله الرسل} صفة الرسول أى ما هو إلا رسول من جنس الرسل الذين خلوا من قبله وابراؤه الأكمه والأبرص واحياؤه الموتى لم يكن منه لأنه ليس إلها بل اللّه أبرأ الأكمه والأبرص وأحيا الموتى على يده كما أحيا العصا وجعلها حية تسعى على يد موسى وخلقه من غير ذكر كخلق آدم من غير ذكر وأنثى

{وأمه صديقة} أى وما أمه أيضا إلا كبعض النساء المصدقات للأنبياء المؤمنات بهم ووقع اسم الصديقة عليهم لقوله تعالى

{وصدقت بكلمات ربها وكتبه} ثم أبعدهما عما نسب اليهما بقوله

{كانا يأكلان الطعام} لأن من احتاج إلى الاغتذاء بالطعام وما يتبعه من الهضم والنقض لم يكن إلا جسما مركبا من لحم وعظم وعروق وأعصاب وغير ذلك مما يدل على أنه مصنوع مؤلف كغيره من الأجسام

{انظر كيف نبين لهم الآيات} أى الأعلام من الأدلة الظاهرة على بطلان قولهم ثم انظر

{أنى يؤفكون} كيف يصرفون عن استماع الحق وتأمله بعد هذا البيان وهذا تعجيب من اللّه تعالى فى ذهابهم عن الفرق بين الرب والمربوب

٧٦

{قل أتعبدون من دون اللّه ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا} هو عيسى عليه السلام أى شيئا لا يستطيع أن يضركم بمثل ما يضركم به اللّه من البلاء والمصائب فى الأنفس والأموال ولا أن ينفعكم بمثل ما ينفعكم به من صحة الابدان والسعة والخصب لأن كل ما يستطيعه البشر من المضار والمنافع فبتخليقه تعالى فكأنه لا يملك منه شيئا وهذا دليل قاطع على أن أمره مناف للربوبية حيث جعله لا يستطيع ضرا ولا نفعا وصفة الرب أن يكون قادرا على كل شيء لا يخرج مقدور عن قدرته

{واللّه هو السميع العليم} متعلق بأتعبدون أى أتشركون باللّه ولا تخشونه وهو الذى يسمع ما تقولونه ويعلم ما تعتقدونه

٧٧

{قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم} الغلو مجاوزة الحد فغلو النصارى رفعه فوق قدره باستحقاق الألوهية وغلو اليهود وضعه عن استحقاق النبوة

{غير الحق} صفة لمصدر محذوف أى غلوا غير الحق يعنى غلوا باطلا

{ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل} أى أسلافكم وائمتكم الذين كانوا على الضلال قبل مبعث النبى صلى اللّه عليه وسلم

{وأضلوا كثيرا} ممن تابعهم

{وضلوا} لما بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

{عن سواء السبيل} حين كذبوه وحسدوه وبغوا عليه

٧٨

{لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم} قيل إن أهل ايلة لما اعتدوا فى السبت قال داود اللّهم العنهم واجعلهم آية فمسخوا قردة ولما كفر أصحاب عيسى بعد المائدة قال عيسى اللّهم عذب من كفر بعد ما اكل من المائدة عذابا لم تعذبه أحدا من العالمين والعنهم كما لعنت اصحاب السبت فأصبحوا خنازير وكانوا خمسة آلاف رجل

{ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون} ذلك اللعن بعصيانهم واعتدائهم ثم فسر المعصية والاعتداء بقوله

٧٩

{كانوا لا يتناهون} لا ينهى بعضهم بعضا

{عن منكر فعلوه} عن قبيح فعلوه ومعنى وصف المنكر يفعلوه ولا يكون النهى بعد الفعل أنهم لا يتناهون عن معاودة منكر فعلوه أو عن مثل منكر فعلوه أو عن منكر أرادوا فعله أو المراد لا ينتهون عن منكر فعلوه بل يصرون عليه يقال تناهى عن الأمر وانتهى عنه إذا امتنع منه وتركه ثم عجب من سوء فعلهم مؤكدا لذلك بالقسم بقوله

{لبئس ما كانوا يفعلون} وفيه دليل على أن ترك النهى عن المنكر من العظائم فيا حسرة على المسلمين فى اعراضهم عنه

٨٠

{ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا} هم منافقو أهل الكتاب كانوا يوالون المشركين ويصافونهم

{لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط اللّه عليهم} لبئس شيئا قدموه لأنفسهم سخط اللّه عليهم أى موجب سخط اللّه

{وفي العذاب هم خالدون} أى فى جهنم

٨١

{ولو كانوا يؤمنون باللّه} إيمانا خالصا بلا نفاق

{النبي} أى محمد صلى اللّه عليه وسلم

{وما أنزل إليه} يعنى القرآن

{ما اتخذوهم أولياء} ما اتخذوا المشركين أولياء يعنى أن موالاة المشركين تدل على نفاقهم

{ولكن كثيرا منهم فاسقون} مستمرون فى كفرهم ونفاقهم أو معناه ولو كان هؤلاء اليهود يؤمنون باللّه وبموسى وما أنزل إليه يعنى التوراة ما اتخذوا المشركين أولياء كما لم يوالهم المسلمون ولكن كثيرا منهم فاسقون خارجون عن دينهم فلا دين لهم أصلا

٨٢

{لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود} هو مفعول ثان لتجدن وعداوة تمييز

{والذين أشركوا} عطف عليهم

{ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى} اللام تتعلق بعداوة ومودة وصف اليهود بشدة الشكيمة والنصارى بلين العريكة وجل اليهود قرناء المشركين فى شدة العداوة للمؤمنين ونبه على تقدم قدمهم فيها بتقديمهم على المشركين

{ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا} أى علماء وعبادا

{وأنهم لا يستكبرون} علل سهولة مأخذ النصارى وقرب مودتهم للمؤمنين بأن منهم قسيسين ورهبانا وان فيهم تواضعا واستكانة واليهود على خلاف ذلك وفيه دليل على أن العلم أنفع شيء وأهداه إلى الخير و إن كان علم القسيسين وكذا علم الارخرة و إن كان فى راهب والبراءة من الكبر و إن كانت فى نصرانى

٨٣

{وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق} وصفهم برقة القلوب و أنهم يبكون عند استماع القرآن كما روى عن النجاشى أنه قال لجعفر بن أبى طالب حين اجتمع فى مجلسه المهاجرون إلى الحبشة والمشركون وهم يقرءونه عليهم هل فى كتابكم ذكر مريم قال جعفر فيه سورة تنسب إلى مريم فقرأها إلى قوله ذلك عيسى ابن مريم وقرأ سورة طه إلى قوله هل أتاك حديث موسى فبكى النجاشى وكذلك فعل قومه الذين وفدوا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهم سبعون رجلا حين قرأ عليهم سورة يس فبكوا تفيض من الدمع تمتلئ من الدمع حتى تفيض لأن الفيض أن يمتلئ الإناء أو غيره حتى يطلع ما فيه من جوانبه فوضع الفيض الذى هو من الامتلاء موضع الامتلاء أو قصدت المبالغة فى وصفهم بالبكاء فجعلت أعينهم كأنها تفيض بأنفسها أى تسيل من أجل البكاء ومن فى مما عرفوا لابتداء الغاية على أن فيض الدمع ابتدأ ونشأ من معرفة الحق وكان من أجله ومن فى من الحق لتبيين الموصول الذى هو ما عرفوا أو للتبعيض على أنهم عرفوا بعض الحق فأبكاهم فكيف إذا عرفوا كله وقرءوا القرآن وأحاطوا بالسنة

{يقولون} حال من ضمير الفاعل فى عرفوا

{ربنا آمنا} بمحمد صلى اللّه عليه وسلم والمراد إنشاء الإيمان والدخول فيه

{فاكتبنا مع الشاهدين} مع أمة محمد عليه السلام الذين هم شهداء على سائر الامم يوم القيامة لتكونوا شهداء على الناس وقالوا ذلك لأنهم وجدوا ذكرهم فى الإنجيل كذلك

٨٤

{وما لنا لا نؤمن باللّه} إنكار واستبعاد لانتفاء الإيمان مع قيام موجبه وهو الطمع فى انعام اللّه عليهم بصحبة الصالحين وقيل لما رجعوا إلى قومهم لا موهم فاجابوهم بذلك وما لنا مبتدأ وخبر ولا نؤمن حال أى غير مؤمنين كقولك مالك قائما

{وما جاءنا} وبما جاءنا

{من الحق} عنى محمدا عليه السلام والقرآن

{ونطمع} حال من ضمير الفاعل فى نؤمن والتقدير ونحن نطمع

{أن يدخلنا ربنا} الجنة

{مع القوم الصالحين} الأنبياء والمؤمنين

٨٥

{فأثابهم اللّه بما قالوا} أى بقولهم ربنا آمنا وتصديقهم لذلك

{جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين} وفيه دليل على أن الإقرار داخل فى الإيمان كما هو مذهب الفقهاء وتعلقت الكرامية فى أن الإيمان مجرد القول بقوله بما قالوا لكن الثناء بفيض الدمع فى السباق والإحسان فى السياق يدفع ذلك وأنى يكون مجرد القول إيمانا وقد قال اللّه تعالى ومن الناس من يقول آمنا باللّه وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين نفى الإيمان عنهم مع قولهم آمنا باللّه لعدم التصديق بالقلب وقال أهل المعرفة الموجود منهم ثلاثة اشياء البكاء على الجفاء والدعاء على العطاء والرضا بالقضاء فمن ادعى المعرفة ولم يكن فيه هذه الثلاثة فليس بصادق فى دعواه

٨٦

{والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم} هذا أثر الرد فى حق الأعداء والأول أثر القبول للأولياء ونزل فى جماعة من الصحابة رضى اللّه عنهم حلفوا أن يترهبوا ويلبسوا المسوح ويقوموا الليل ويصوموا النهار ويسيحوا فى الأرض ويجبوا مذاكيرهم ولا يأكلوا اللحم والودك ولا يقربوا النساء والطيب

٨٧

{يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل اللّه لكم} ما طاب ولد من الحلال ومعنى لا تحرموا لا تمنعوها انفسكم كمنع التحريم أو لا تقولوا حرمناها على انفسنا مبالغة منكم فى العزم على تركها تزهدا منكم وتقشفا روى أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يأكل الدجاج والفالوذ وكان يعجبه الحواء والعسل وقال إن المؤمن حلو يحب الحلاوة وعن الحسن أنه دعى إلى طعام ومعه فرقد السنجى وأصحابه فقعدوا على المائدة وعليها الألوان من الدجاج المسمن والفالوذ وغير ذلك فاعتزل فرقد ناحية فسأل الحسن اهو صائم قالوا لا ولكنه يكره هذه الألوان فاقبل الحسن عليه وقال يا فريقد أترى لعاب النحل بلباب البر بخالص السمن يعيبه مسلم وعنه أنه قيل له فلان يأكل الفالوذ ويقول لا أؤدى شكره فقال أفيشرب الماء البارد قالوا نعم قال انه جاهل أن نعمة اللّه عليه في الماء البارد اكبر من نعمته عليه فى الفالوذ

{ولا تعتدوا} ولا تجاوزوا الحد الذى حد عليكم فى تحليل أو تحريم أو ولا تتعدوا حدود ما احل لكم إلى ما حرم عليكم أو ولا تسرفوا فى تناول الطيبات

{إن اللّه لا يحب المعتدين} حدوده

٨٨

{وكلوا مما رزقكم اللّه حلالا طيبا} حلالا حال مما رزقكم اللّه

{واتقوا اللّه} توكيد للتوصية بما أمر به وزاده توكيدا بقوله

{الذي أنتم به مؤمنون} لأن الإيمان به يوجب التقوى فيما أمر به ونهى

٨٩

{لا يؤاخذكم اللّه باللغو في أيمانكم} اللغو فى اليمين الساقط الذى لا يتعلق به حكم وهو أن يحلف على شيء يرى أنه كذلك وليس كما ظن وكانوا حلفوا على تحريم الطيبات على ظن أنه قربة فلما نزلت الآية قالوا فكيف إيماننا فنزلت وعند الشافعى رحمه اللّه ما يجرى على اللسان بلا قصد

{ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان} أى بتعقيدكم الأيمان وهو توثيقها وبالتخفيف كوفى غير حفص والعقد العزم على الوطء وذا لا يتصور فى الماضى فلا كفارة فى الغموس وعند الشافعى رحمه اللّه القصد بالقلب ويمين الغموس مقصودة فكانت معقودة فكانت الكفارة فيها مشروعة والمعنى ولكن يؤاخذكم بما عقدتم إذا حنثتم فحذف وقت المؤاخذة لأنه كان معلوما عندهم أو بنكث ما عقدتم فحذف المضاف

{فكفارته} أى فكفارة نكثه أو فكفارة معقود الإيمان والكفارة الفعلة التي من شأنها أن تكفر الخطيئة أى تسترها

{إطعام عشرة مساكين} هو أن يغديهم ويعشيهم ويجوز أن يعطيهم بطريق التمليك وهو لكل أحد نصف صاع من بر أو صاع من شعير أو صاع من تمر وعند الشافعى رحمه اللّه مد لكل مسكين

{من أوسط ما تطعمون أهليكم} أى غذاء وعشاء من بر إذ الاوسع ثلاث مرات مع الادام والأدنى مرة من تمر أو شعير

{أو كسوتهم} عطف على اطعام أو على محل من أوسط ووجهه أن من اوسط بدل من اطعام والبدل هو المقصود فى الكلام وهو ثوب يغطى العورة وعن ابن عمر رضى اللّه عنه ازار وقميص ورداء

{أو تحرير رقبة} مؤمنة أو كافرة لإطلاق النص وشرط الشافعى رحمة اللّه الإيمان حملا للمطلق على المقيد فى كفارة القتل ومعنى أو التخيير وإيجاب إحدى الكفارات الثلاث

{فمن لم يجد} احداها

{فصيام ثلاثة أيام} متتابعة لقراءة أبى وابن مسعود كذلك

{ذلك} المذكور

{كفارة أيمانكم إذا حلفتم} وحنثتم فترك ذكر الحنث لوقوع العلم بأن الكفارة لا تجب بنفس الحلف ولذا لم يجز التكفير قبل الحنث

{واحفظوا أيمانكم} فبروا فيها ولا تحنثوا إذا لم يكن الحنث خيرا أو ولا تحلفوا أصلا

{كذلك} مثل ذلك البيان

{يبين اللّه لكم آياته} إعلام شريعته وأحكامه

{لعلكم تشكرون} نعمته فيما يعلمكم ويسهل عليكم المخرج منه

٩٠

{يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر} أى القمار

{والأنصاب} الأصنام لانها تنصب فتعبد

{والأزلام} وهى القداح التى مرت

{رجس} نجس أو خبيث مستقذر

{من عمل الشيطان} لأنه يحمل عليه فكأنه عمله والضمي في

{فاجتنبوه} يرجع إلى الرجس أو إلى عمل الشيطان أو إلى المذكور أو إلى المضاف المحذوف كأنه قيل إنما تعاطى الخمر والميسر ولذا قال رجس

{لعلكم تفلحون} أكد تحريم الخمر والميسر من وجوه حيث صدر الجملة بإنما وقرنهما بعبادة الأصنام ومنه الحديث شارب الخمر كعابد الوثن وجعلهما رجا من عمل الشيطان ولا يأنى منه إلا الشر البحت وأمر بالاجتناب وجعل الاجتناب من الفلاح و إذا كان الاجتناب فلاحا كان الارتكاب خسارا

٩١

{إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر اللّه وعن الصلاة} ذكر ما يتولد منهما من الوبال وهو وقوع التعادى والتباغض بين أصحاب الخمر والقمر وما يؤديان إليه من الصد عن ذكر اللّه وعن مراعاة أوقات الصلاة وخص الصلاة من بين الذكر لزيادة درجتها كأنه قال وعن الصلاة خصوصا و إنما جمع الخمر والميسر مع الأنصاب والأزلام أو لا ثم أفردهما آخرا لأن الخطاب مع المؤمنين و إنما نهاهم عما كانوا يتعاطونه من شرب الخمر واللعب بالميسر وذكر الأنصاب والأزلام لتأكيد تحريم الخمر والميسر واظهار أن ذلك جميعا من أعمال أهل الشرك فكأنه لا مباينة بين عابد الصنم وشارب الخمر والمقامر ثم أفردهما بالذكر ليعلم أنهما المقصود بالذكر

{فهل أنتم منتهون} من أبلغ ما ينتهى به كأنه قيل قد تلى عليكم ما فيهما من الصوارف والزواجر فهل أنتم مع هذه الصوارف منتهون أم انتم على ما كنتم عيه كان لم توعظوا ولم تزجروا

٩٢

{وأطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول واحذروا} وكونوا حذرين خاشعين لأنهم إذا حذروا دعاهم الحذر إلى اتقاء كل سيئة وعمل كل حسنة

{فإن توليتم} عن ذلك

{فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين} أى فاعلموا انكم لم تضروا بتوليكم الرسول لأنه ما كلف إلا البلاغ المبين بالآيات وانما ضررتم أنفسكم حين أعرضتم عما كلفتموه ونزل فيمن تعاطى شيئا من الخمر والميسر قبل التحريم

٩٣

{ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا} أى شربوا من الخمر وأكلوا من مال القمار قبل تحريمهما

{إذا ما اتقوا} الشرك

{وآمنوا} باللّه

{وعملوا الصالحات} بعد الإيمان

{ثم اتقوا} الخمر والميسر بعد التحريم

{وآمنوا} بتحريمهما

{ثم اتقوا} سائر المحرمات أو الأول عن الشرك والثانى عن المحرمات والثالث عن الشبهات

{وأحسنوا} إلى الناس

{واللّه يحب المحسنين} ولما ابتلاهم اللّه بالصيد عام الحديبية وهم محرمون وكثر عندهم حتى كان يغشاهم فى رحالهم فيستمكنون من صيده أخذا بأيديهم وطعنا برماحهم نزل

٩٤

{يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم اللّه بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم} ومعنى يبلوا بختبر وهو من اللّه لاظهار ما علم من العبد على ما علم لا لعلم مالم يعلم ومن للتبعيض إذ لا يحرم كل صيد أو لبيان الجنس

{ليعلم اللّه من يخافه بالغيب} ليعلم اللّه خوف الخائف منه بالامتناع عن الاصطياد موجودا كما كان يعلم قبل وجوده أنه يوجد ليثيبه على عمله لا على علمه به

{فمن اعتدى} فصاد

{بعد ذلك} الابتلاء

{فله عذاب أليم} قلل فى قوله بشئ من الصيد ليعلم أنه ليس من الفتن العظام وتناله صفة لشئ

٩٥

{يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد} أى المصيد إذ القتل إنما يكون فيه

{وأنتم حرم} أى محرمون جمع حرام كردح فى جمع رداح فى محل النصب على الحال من ضمير الفاعل فى تقتلوا

{ومن قتله منكم متعمدا} حال من ضمير الفاعل أى ذاكرا لا حرامه أو عالما أن ما يقتله مما يحرم قتله عليه فإن قتله ناسيا لاحرامه أو رمى صيدا وهو يظن أنه ليس بصيد فهو مخطئ وانما شرط التعمد فى الآية مع أن محظورات الاحرام يستوى فيها العمد والخطأ لأن مورده الآية فيمن تعمد فقد روى أنه عن لهم في عمرة الحديبية حمار وحش فحمل عليه أبو اليسر فقلنه فقيل له انك قتلت الصيد وأنت محرم فنزلت ولأن الاصل فعل المتعمدة والخطأ ملحق به للتغليظ وعن الزهرى نزل الكتاب بالعمد ووردت السنة بالخطأ

{فجزاء مثل ما قتل} كوفى أى فعليه جزاء يماثل ما قتل من الصيد وهو قيمة الصيد يقوم حيث صيد فإن بلغت فيمته ثمن هدى خير بين أن يهدى من النعم ما قيمته قيمة الصيد وبين أن يشترى يقيمته طعاما فيعطى كل مسكين نصف صاع من بر أو صاعا من غيره و إن شاء صام عن طعام كل مسكين يوما وعند محمد والشافعى رحمهما اللّه تعالى مثله نظيره من النعم فإن لم يوجد له نظير من النعم فكما مر فجزاء مثل على الإضافة غيرهم وأصله فجزاء مثل ما قتل أى فعليه أن يجزى مثل ما قتل ثم أضيف كما تقول عجبت من ضرب زيدا ثم من ضرب زيد من النعم حال من الضمير في قتل إذا المقتول يكون من النعم أو صفة لجزاء يحكم به بمثل ما قتل

{ذوا عدل منكم} حكمان عادلان من المسلمين وفيه دليل على أن المثل القيمة لأن التقويم مما يحتاج إلى النظر والاجتهاد دون الأشياء المشاهدة و لأن المثل المطلق فى الكتاب والسنة والاجماع مقيد بالصورة والمعنى أو بالمعنى لا بالصورة أو بالصورة بلا معنى والقيمة أريدت فيما لا مثل له صورة إجماعا فلم يبق غيرها مرادا إذ لا عموم للمشترك فإن قلت قوله من النعم ينافى تفسير المثل بالقيمة قلت من أوجب القيمة خير بين أن يشترى بها هديا أو طعاما أو يصوم كما خير اللّه تعالى فى الآية فكان من النعم بيانا للّهدى المشترى بالقيمة فى أحد وجوه التخيير لأن من قوم الصيد واشترى بالقيمة هديا فأهداه فقد جرى بمثل ما قتل من النعم على أن التخيير الذى فى الآية بين أن يجزى بالهدى أو يكفر بالطعام أو الصوم إنما يستقيم إذا قوم ونظر بعد التقويم أى الثلاثة يختار فاما إذا عمد إلى النظير وجعله الواجب وحده من غير تخيير فإذا كان شيئا لا نظير له قوم حينئذ ثم تخير بين الطعام والصيام ففيه بنو عما فى الآية ألا ترى إلى قوله أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما كيف خير بين الأشياء الثلاثة ولا سبيل إلى ذلك إلا بالتقويم

{هديا} حال من الهاء فى به أى يحكم به فى حال الهدى

{بالغ الكعبة أو} صفة لهديا لأن إضافته غير حقيقية ومعنى بلوغه الكعبة أن يذبح بالمحرم فأما التصدق به فحيث شئت وعند الشافعى رحمه اللّه فى الرحم

{أو كفارة} معطوف على جزاء

{طعام} بدل من كفارة أو خبر مبتدأ محذوف أى هى طعام أو كفارة طعام على الإضافة مدنى وشامى وهذه الإضافة لتبيين المضاف كأنه قيل أو كفارة من طعام

{مساكين} كما تقول خاتم فضة أى خاتم من فضة

{أو عدل} وقرئ بكسر العين قال القراء العدل ما عدل الشئ من غير جنسة كالصوم والإطعام والعدل مثله من جنسه ومنه عدلا الحمل يقال عندى غلام عدل غلامك بالكسر إذا كان من جنسه قان اريد أن قيمته كقيمته ولم يكن من جنسه قيل هو عدل غلامك بالفتح

{ذلك} إشارة إلى الطعام

{صياما} تمييز نحو لى مثله رجلا والخيار فى ذلك إلى القاتل وعند محمد رحمه اللّه إلى الحكمين

{ليذوق وبال أمره} متعلق بقوله فجزاء أى فعليه أى يجازى أو يكفر ليذوق سوء عقاب عاقبة هتكه لحرمة الاحرام والوبال المكروه والضرر الذى ينال فى العاقبة من عمل سوء لثقله عليه من قوله تعالى

{فأخذناه أخذا وبيلا} أى ثقيلا شديدا والطعام الوبيل الذى يثقل على المعدة فلا يستمرا

{عفا اللّه عما سلف} لكم من الصيد قبل التحريم

{ومن عاد} إلى قتل الصيد بعد التحريم أو فى ذلك الاحرام

{فينتقم اللّه منه} بالجزاء وهو خبر مبتدأ فحذوف تقديره فهو ينتقم اللّه منه

{واللّه عزيز} بالزام الأحكام

{ذو انتقام} لمن جاوز حدود الإسلام

٩٦

{أحل لكم صيد البحر} مصيدات البحر مما يؤكل ومما لا يؤكل

{وطعامه} وما يطعم من صيده والمعنى أحل لكم الانتفاع بجميع ما يصاد فى البحر وأحل لكم اكل المأكول منه وهو السمك وحده

{متاعا لكم} مفعول له أى أحل لكم تمتيعا لكم

{وللسيارة} وللمسافرين والمعنى أحل لكم طعامه تمتيعا لتنائكم يأكلونه طريا ولسيارتكم يتزودونه قديدا كما تزود موسى عليه السلام الحوت فى مسيره إلى الخضر

{وحرم عليكم صيد البر} ما صيد فيه وهو ما يفرخ فيه و إن كان يعيش فى الماء فى بعض الأوقات كالبط فإنه يرى لأنه يتولد فى البر والبحر له مرعى كما للناس متجر

{ما دمتم حرما} محرمين

{واتقوا اللّه} فى الاصطياد فى الحرم أو فى الاحرام

{الذي إليه تحشرون} تبعثون فيجزيكم على أعمالكم

٩٧

{جعل اللّه الكعبة} أى صير

{البيت الحرام} بدل أو عطف بيان

{قياما} مفعول ثان أو جعل بمعنى خلق وقياما حال

{للناس} أى انتعاشا لهم فى أمر دينهم ونهوضا إلى أعراضهم فى معاشهم ومعادهم لما يتم لهم من أمر حجهم وعمرتهم و أنواع منافعهم قبل لو تركوه عاما لم ينظروا ولم يؤخروا

{والشهر الحرام} والشهر الذى يؤدى فيه الحج وهو ذو الحجة لأن فى اختصاصه من بين الاشهر بإقامة موسم الحج فيه شأنا قد علمه اللّه أو أريد به جنس الأشهر الحرم وهو رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم

{والهدى} ما يهدى إلى مكة

{والقلائد} والمقلد منه خصوصا وهو البدن فالثواب فيه أكثر وبهاء الحج معه أظهر

{ذلك} إشارة إلى جعل الكعبة قياما أو إلى ما ذكر من حفظ حرمة الاحرام بترك الصيد وغيره

{لتعلموا أن اللّه يعلم ما في السماوات وما في الأرض وأن اللّه بكل شيء} أى لتعلموا أن اللّه يعلم مصالح ما فى السموات وما فى الارض وكيف لا يعلم وهو بكل شيء عليم

٩٨

{اعلموا أن اللّه شديد العقاب} لمن استخف بالحرم والاحرام

{وأن اللّه غفور} لآثام من عظم المشاعر العظام

{رحيم} بالجانى الملتجئ إلى البلد الحرام

٩٩

{وما على الرسول إلا البلاغ} تشديد فى إيجاب القيام بما أمر به و أن الرسول قد فرغ مما وجب عليه من التبليغ وقامت عليكم الحجة ولزمتكم الطاعة فلا عذر لكم فى التفريط

{واللّه يعلم ما تبدون وما تكتمون} فلا يخفى عليه نفاقكم ووفاقكم

١٠٠

{قل لا يستوي الخبيث والطيب} لما أخبر أنه يعلم ما يبدون وما يكتمون ذكر أنه لا يستوى خبيثهم وطيبهم بل يميز بيهما فيعاقب الخبيث أى الكافر ويثيب الطيب أى المسلم

{ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا اللّه} وآثروا الطيب وان قل على الخبيث و إن كثر وقبل هو عام فى حلال المال وحرامه وصالح العمل وطالحه وجيد الناس ورديئهم

{يا أولي الألباب} أى العقول الخالصة

{لعلكم تفلحون} كانوا يسألون النبى صلى اللّه عليه وسلم عن أشياء امتحانا فنزل

١٠١

{يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء} قال الخليل وسيبويه وجمهور البصريين أصله شيئاء بهمزتين بينهما ألف وهى فعلاء من لفظ شيء وهمزتها الثانية للتأنيث ولذا لم تنصرف كحمراء وهى مفردة لفظا جمع معنى ولما استثقلت الهمزتان المجتمعتان قدمت الاولى التى هى لام الكلمة فجعلت قبل الشين فصار وزنها لفعاء والجملة الشرطية والمعطوفة عليها أى قوله

{إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم} صفة لأشياء أى وان تسألوا عن هذه التكاليف الصعبة فى زمان الوحى وهو مادام الرسول بين أظهركم تبدلكم تلك التكاليف التى تسوؤكم أى تغمكم وتشق عليكم تؤمرون بتحملها فتعرضون أنفسكم لغضب اللّه بالتفريط فيها

{عفا اللّه عنها} عفا اللّه عما سلف من مسألتكم فلا تعودوا إلى مثلها

{واللّه غفور حليم} لا يعاقبكم إلا بعد الإنذار والضمير فى

١٠٢

{قد سألها} لا يرجع إلى أشياء حتى يعدى بعن بل يرجع إلى المسألة التى دلت عليها لا تسألوا أى قد سأل هذه المسألة

{قوم من قبلكم} من الأولين

{ثم أصبحوا بها} صاروا بسببها

{كافرين} كما عرف فى بنى إسرائيل

١٠٣

{ما جعل اللّه من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام} كان أهل الجاهلية إذا نتجت الناقة خمسة أبطن آخرها ذكر بحروا أذنها أى شقوها وامتنعوا عن ركوبها وذبحا ولا تطرد عن ماء ولا مرعى واسمها البحيرة وكان يقول الرجل إذا قدمت من سفرى أو برأت من مرضى فناقتى سائبة وجعلها كالبحيرة فى تحريم الانتفاع بها وقيل كان الرجل إذا أعتق عبدا قال هو سائبة فلا عقل بينهما ولا ميراث وكانت الشاة إذا ولدت سبعة أبطن فإن كان السابع ذكرا أكله الرجال و إن كان أنثى أرسلت فى الغنم وكذا إن كان ذكرا وأنثى وقالوا وصلت أخاها فالوصيلة بمعنى الواصلة و إذا نتجت من صلب الفحل عشرة أبطن قالوا قد حمى ظهره فلا يركب ولا يحمل عليه ولا يمنع من ماء ولا مرعى ومعنى ما جعل ما شرع ذلك ولا أمر به

{ولكن الذين كفروا} بتحريمهم ما حرموا

{يفترون على اللّه الكذب} فى نسبتهم هذا التحريم إليه

{وأكثرهم لا يعقلون} أن اللّه لم يحرم ذلك وهم عوامهم

١٠٤

{وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل اللّه وإلى الرسول} أى هلموا إلى حكم اللّه ورسوله بأن هذه الأشياء غير محرمة

{قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا} أى كافينا ذلك حسبنا مبتدأ والخبر ما وجدنا وما بمعنى الذى والواو فى

{أولو كان آباؤهم} للحال قد دخلت عليها همزة الإنكار وتقديره أحسبهم ذلك ولو كان آباؤهم

{لا يعلمون شيئا ولا يهتدون} أى الاقتداء إنما يصح بالعالم المهتدى و إنما يعرف اهتداؤه بالحجة

١٠٥

{يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم} انتصب أنفسكم بعليكم وهو من أسماء الأفعال أى الزموا إصلاح أنفسكم والكاف والميم فى عليكم فى موضع جر لأن اسم الفاعل هو الجار والمجرور لا على وحدها

{لا يضركم} رفع على الاستئناف أو حزم على جواب الأمر و إنما ضمت الراء اتباعا لضمة الضاد

{من ضل إذا اهتديتم} كان المؤمنون تذهب أنفسهم حسرة على أهل العناد من الكفرة يتمنون دخولهم فى الإسلام فقيل لهم عليكم أنفسكم وما كلفتم من إصلاحها لا يضركم الضلال من دينكم إذا كنتم مهتدين وليس المراد ترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فإن تركهما مع القدرة عليهما لا يجوز

{إلى اللّه مرجعكم جميعا} رجوعكم

{فينبئكم بما كنتم تعملون} ثم يجزيكم على اعمالكم روى أنه خرج بديل مولى عمرو بن العاص وكان من المهاجرين مع عدى وتمام وكانا نصرانيين إلى الشام فمرض بديل وكتب كتابا فيه ما معه وطرحه فى متاعه ولم يخبر به صاحبيه وأوصى اليهما بأن يدفعا متاعه إلى أهل ه ومات ففتشا متاعه فأخذا إناء من فضة فأصاب أهل بديل الصحيفة فطالبوهما بالإناء فجحدا فرفعوهما إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فنزل

١٠٦

{يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان} ارتفع اثنان لأنه خبر المبتدا وهو شهادة بتقدير شهادة بينكم شهادة اثنين أو لأنه فاعل شهادة بينكم أى فيما فرض عليكم أن يشهد اثنان واتسع فى بين فأضيف إليه المصدر و إذا حضر ظرف للشهادة حين الوصية بدل منه وفي إبداله منه دليل على وجوب الوصية لأن حضور الموت من الأمور الكائنة وحين الوصية بذل منه فيدل على وجود الوصية ولو وجدت بدون الاختيار لسقط الإبتلاء فنقل إلى الوجوب وحضور الموت مشارفته وظهور أمارات بلوغ الأجل

{ذوا عدل} صفة لاثنين

{منكم} من أقاربكم لأنهم أعلم بأحوال الميت

{أو آخران} عطف على اثنان

{من غيركم} من الأجانب

{إن أنتم ضربتم في الأرض} سافرتم فيها وأنتم فاعل فعل يفسره الظاهر

{فأصابتكم مصيبة الموت} أو منكم من المسلمين ومن غيركم من أهل الذمة وقيل منسوخ إذ لا يجوز شهادة الذمى على المسلم و إنما جازت فى أول الإسلام لقلة المسلمين

{تحبسونهما} تقفونهما للحلف هو استئناف كلام أو صفة لقوله أو آخران من غيركم أى أو اخران من غيركم محبوسان و إن انتم ضربتم فى الأرض فأصابتكم مصيبة الموت اعتراض بين الصفة والموصوف

{من بعد الصلاة} من بعد صلاة العصر لأنه وقت اجتماع الناس وعن الحسن رحمه اللّه بعد العصر أو الظهر لأن أهل الحجاز كانوا يقعدون للحكومة بعدهما وفى حديث بديل أنهما لما نزلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صلاة العصر ودعا بعدى وتميم فاستحلفهما عند المنبر فحلفا ثم وجد الإناء بمكة فقالوا إنا اشتريناه من تميم وعدى

{فيقسمان باللّه} فيحلفان به

{إن ارتبتم} شككتم فى أمانتهما وهو اعتراض بين يقسمان وجوابه وهو

{لا نشتري} وجواب الشرط محذوف أغنى عنه معنى الكلام والتقدير أن ارتبتم فى شأنهما فحلفوهما

{به} باللّه أو بالقسم

{ثمنا} عوضا من الدنيا

{ولو كان} أى المقسم له

{ذا قربى} أى لا نحلف باللّه كاذبين لأجل المال ولو كان من نقسم له قريبا منا

{ولا نكتم شهادة اللّه} أى الشهادة التى أمر اللّه بحفظها وتعظيمها

{إنا إذا} إن كتمنا

{لمن الآثمين} وقيل أن أريد بهما الشاهدان فقد نسخ تحليف الشاهدين و إن أريد الوصيان فلم ينسخ تحليفهما

١٠٧

{فإن عثر} فان اطلع

{على أنهما استحقا إثما} فعلا ما أوجب اثما واستوجبا أن يقال إنهما لمن الآثمين

{فآخران} فشاهدان آخران

{يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم} أى من الذين استحق عليهم الاثم ومعناه من الذين جنى عليهم وهم أهل الميت وعشيرته وفى قصة بديل أنه لما ظهرت خيانة الرجلين حلف رجلا من ورثته أنه إناء صاحبهما و أن شهادتهما احق من شهادتهما

{الأوليان} الاحقان بالشهادة لقرابتهما أو معرفتهما وارتفاعهما على هما الأوليان كأنه قيل ومن هما فقيل الأوليان أو هما يدل منن الضمير في يقومان أو من آخران استحق عليهم الأوليان حفص أى من الورثة الذين استحق عليهم الاوليان من بينهم بالشهادة أن يجردوهما للقيام بالشهادة ويظهرا بهما كذب الكاذبين الأولين حمزة و أبو بكر على أنه وصف للذين استحق عليهم مجرورو أو منصوب على المدح وسموا أولين لأنهم كانوا أولين فى الذكر فى قوله شهادة بينكم

{فيقسمان باللّه لشهادتنا أحق من شهادتهما} أى ليميننا احق بالقبول من يمين هذين الوصيين الخائنين

{وما اعتدينا} وما تجاوزنا الحق فى يميننا

{إنا إذا لمن الظالمين} أى إن حلقنا كاذبين

١٠٨

{ذلك} الذى مر ذكره من بيان الحكم

{أدنى} أقرب

{أن يأتوا} أى الشهداء على نحو تلك الحادثة

{بالشهادة على وجهها} كما حملوها بلا خيانة فيها

{أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم} أى تكرر أيمان شهود آخرين بعد أيمانهم فيقتضحوا بظهور كذبهم

{واتقوا اللّه} فى الخيانة واليمين الكاذبة

{واسمعوا} سمع قبول وإجابة

{واللّه لا يهدي القوم الفاسقين} الخارجين عن الطاعة فإن قلت ما معنى أو هنا قلت معناه ذلك أقرب من أن يؤدوا الشهادة بالحق والصدق اما للّه أو لخوف العار والافتضاح برد الأيمان وقد احتج به من يرى رد اليمين على المدعى والجواب أن الورثة قد ادعوا على النصرانيين أنهما قد اختانا فحلفا فلما ظهر كذبهما ادعيا الشراء فيما كتما فأنكرت الورثة فكانت اليمين على الورثة لإنكارهما الشراء

١٠٩

{يوم} منصوب باذكروا أو احذروا

{يجمع اللّه الرسل فيقول ماذا أجبتم} ما الذى أجابتكم به أممكم حين دعوتموهم إلى الإيمان وهذا السؤال توبيخ لمن انكرهم وماذا منصوب بأجبتم نصب المصدر على معنى أى إجابة أجبتم

{قالوا لا علم لنا} بإخلاص قومنا دليله

{إنك أنت علام الغيوب} أو بما احدثوا بعدنا دليله كنت أنت الرقيب عليهم أو قالوا ذلك تأدبا أى علمنا ساقط مع علمك ومغمور به فكأنه لا علم لنا

١١٠

{إذ قال اللّه} بدل من يوم يجمع

{يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك} حيث طهرتها واصطفيتها على نساء العالمين والعامل فى

{إذ أيدتك} أى قويتك نعمتى

{بروح القدس} بجبريل عليه السلام أيد به لتثبت الحجة عليهم أو بالكلام الذى يحيا به الدين وأضافه إلى القدس لأنه سبب الطهر من أوصام الأثام دليله

{تكلم الناس في المهد} حال أى تكلمهم طفلا إعجازا

{وكهلا} تبليغا

{وإذ علمتك} معطوف على إذ أيدتك ونحوه و إذ تخلق و إذ تخرج و إذ كففت و إذ أوحيت

{الكتاب} الخط

{والحكمة} الكلام المحكم الصواب

{والتوراة والإنجيل وإذ تخلق} تقدر

{من الطين كهيئة الطير} هيئة مثل هيئة الطير

{بإذني} بتسهيلى

{فتنفخ فيها} الضمير للكاف لانها صفة الهيئة التى كان يخلقها عيسى وينفخ فيها ولا يرجع إلى الهيئة المضاف إليها لأنها ليست من خلقه وكذا الضمير فى

{فتكون طيرا بإذني} وعطف

{وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني} على تخلق

{وإذ تخرج الموتى} من القبور أحياء

{بإذني} قيل اخرج سام ابن نوح ورجلين وامرأة وجارية

{وإذ كففت بني إسرائيل عنك} أى اليهود حين هموا بقتله

{إذ جئتهم} ظرف لكففت

{بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين} ساحر حمزة وعلى

١١١

{وإذ أوحيت} ألهمت

{إلى الحواريين} الخواص أو الأصفياء

{أن آمنوا} أى آمنوا

{بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون} أى اشهد بأننا مخلصون من أسلم وجهه

١١٢

{إذ قال الحواريون} أى اذكروا إذ

{يا عيسى ابن مريم} عيسى نصب على اتباع حركته حركة الابن نحو يا زيد بن عمرو

{هل يستطيع ربك} هل يفعل أو هل يعطيك ربك إن سألته فاستطاع وأطاع بمعنى كاستجاب وأجاب هل تستطيع ربك على أى هل تستطيع سؤال ربك فحذف المضاف والمعنى هل تسأله من غير صارف يصرفك عن سؤاله

{أن ينزل علينا} ينزل مكى وبصرى

{مائدة من السماء} هى الخوان إذا كان عليه الطعام من مادة إذا أعطاه كأنها تميد من تقدم اليها

{قال اتقوا اللّه} فى إقتراح الآيات بعد ظهور المعجزات

{إن كنتم مؤمنين} إذ الإيمان يوجب التقوى

١١٣

{قالوا نريد أن نأكل منها} تبركا

{وتطمئن قلوبنا} ونزداد يقينا كقول إبراهيم عليه السلام ولكن ليطمئن قلبى

{ونعلم أن قد صدقتنا} أى نعلم صدقك عيانا كما علمناه استدلالا

{ونكون عليها من الشاهدين} بما عاينا لمن بعدنا ولما كان السؤال لزيادة العلم لا للتعنت

١١٤

{قال عيسى ابن مريم اللّهم} أصله يا أللّه فحذف يا وعوض منه الميم

{ربنا} نداء ثان

{أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا} أى يكون يوم نزولها عيدا قيل هو يوم الأحد ومن ثم اتخذه النصارى عيدا والعيد والسرور العائد ولذا يقال يوم عيد فكان معناه تكون لنا سرورا وفرحا

{لأولنا وآخرنا} بدل من لنا بتكرير العامل أى لمن فى زماننا من أهل ديننا ولمن يأتى بعدنا أو ياكل منها آخر الناس كما يأكل أولهم أو للمتقدمين منا والاتباع

{وآية منك} على صحة نبوتى ثم أكد ذلك بقوله

{وارزقنا وأنت خير الرازقين} وأعطنا ما سألناك و أنت خير المعطين

١١٥

{قال اللّه إني منزلها عليكم} بالتشديد مدنى وشامى وعاصم وعد الانزال وشرط عليهم شرطا بقوله

{فمن يكفر بعد منكم} بعد إنزالها منكم

{فإني أعذبه عذابا} أى تعذيبا كالسلام بمعنى التسليم والضمير فى

{لا أعذبه} للمصدر ولو أريد بالعذاب ما يعذب به لم يكن بد من الباء

{أحدا من العالمين} عن الحسن أن المائدة لم تنزل ولو نزلت لكانت عيدا إلى يوم القيامة لقوله وآخرنا والصحيح أنها نزلت فعن وهب نزلت مائدة منكوسة تطير بها الملائكة عليها كل طعام إلا اللحم وقيل كانوا يجدون عليها ما شاءوا وقيل كانت تنزل حيث كانوا بكرة وعشيا

١١٦

{وإذ قال اللّه يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون اللّه} الجمهور على أن هذا السؤال يكون فى يوم القيامة دليله سياق الآية وسباقها وقيل خاطبه به حين رفعه إلى السماء دليله لفظ إذ

{قال سبحانك} من أن يكون لك شريك

{ما يكون لي} ما ينبغى لى

{أن أقول ما ليس لي بحق} أن أقول قولا لا يحق لى أن أقوله

{إن كنت قلته فقد علمته} إن صح إنى قلته فيما مضى فقد علمته والمعنى إنى لا أحتاج إلى الاعتذار لانك تعلم إنى لم أقله ولو قلته علمته لانك

{تعلم ما في نفسي} ذاتى

{ولا أعلم ما في نفسك} ذاتك فنفس الشئ ذاته وهويته والمعنى تعلم معلومى ولا أعلم معلومك

{إنك أنت علام الغيوب} تقرير للجملتين معا لأن ما انطوت عليه النفوس من جملة الغيوب و لأن ما يعلم علام الغيوب لا ينتهى اليه علم أحد

١١٧

{ما قلت لهم إلا ما أمرتني به} أى ماأمرتهم إلا بما أمرتنى به ثم فسرما أمر به فقال

{أن اعبدوا اللّه ربي وربكم} فإن مفسرة بمعنى أى

{وكنت عليهم شهيدا} رقيبا

{ما دمت فيهم} مدة كونى فيهم

{فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم} الحفيظ وأنت على كل شيء شهيد من قولى وفعلى وقولهم وفعلهم

١١٨

{إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} قال الزجاج علم عيسى عليه السلام أن منهم من آمن ومنهم من اقام على الكفر فقال فى جملتهم أن تعذبهم أى أن تعذب من كفر منهم فانهم عبادك الذين علمتهم جاحدين لآياتك مكذبين لأنبيائك و أنت العادل فى ذلك فانهم قد كفروا بعد وجوب الحجة عليهم و إن تغفر لهم أى لمن اقلع منهم وآمن فذلك تفضل منك و أنت عزيز لا يمتنع عليك ما تريد حكيم فى ذلك أو عزير قوى قادر على الثواب حكيم لا يعاقب إلا عن حكمة وصواب

١١٩

{قال اللّه هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم} برفع اليوم والإضافة على انه خبر هذا أى يقول اللّه تعالى هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم برفع اليوم والإضافة على أنه خبر هذا أي يقول اللّه تعالى هذا يوم ينفع الصادقين فيه المستمر فى دنياهم وآخرتهم والجملة من المبتدأ والخبر فى محل النصب على المفعولية كما تقول قال زيد عمرو منطلق وبالنصب نافع على الظرف أى قال اللّه هذا لعيسى عليه السلام يوم ينفع الصادقين صدقهم وهو يوم القيامة

{لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي اللّه عنهم} بالسعى المشكور

{ورضوا عنه} بالجزاء الموفور

{ذلك الفوز العظيم} لأنه باق بخلاف الفوز فى الدنيا فهو غير باق

١٢٠

{للّه ملك السماوات والأرض وما فيهن} عظم نفسه عما قالت النصارى إن معه إلها آخر

{وهو على كل شيء قدير} من المنع والإعطاء والإيجاد والافناء نسأله أن يوفقنا لمرضاته ويجعلنا من الفائزين بجناته صلى اللّه على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

﴿ ٠