تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل

أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م)

_________________________________

سورة الأنعام

سورة الأنعام مكية وهى مائة وخمس وستون آية كوفى أربع وستون بصرى بسم اللّه الرحمن الرحيم

_________________________________

{الحمد للّه} تعليم اللفظ والمعنى مع تعريض الاستغناء أى الحمد اللّه و إن لم تحمدوه

{الذي خلق السماوات والأرض} جمع السموات لانها طباق بعضها فوق بعض و الأرض و إن كانت سبعة عند الجمهور فليس بعضها فوق بعض بل بعضها موال لبعض جعل يتعدى إلى مفعول واحد إذا كان بمعنى أحدث وأنشأ كقوله

{وجعل الظلمات والنور} و إلى مفعولين إن كان بمعنى صبر كقوله

{وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا} وفيه رد قول الثنوية بقدم النور والظلمة وأفرد النور لارادة الجنس و لأن ظلمة كل شيء تختلف باختلاف ذلك الشئ نظيره ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة الموضع المظلم يخالف كل واحد منها صاحبه والنور ضرب واحد لا يختلف كما تختلف الظلمات وقدم الظلمات لقوله عليه السلام خلق اللّه خلقه فى ظلمة ثم رش عليهم من نوره فمن أصابه ذلك النور إهتدى اهتدى ومن أخطأه ضل

{ثم الذين كفروا} بعد هذا البيان

{بربهم يعدلون} يساوون به الأوثان تقول عدلت هذا بذا أى ساويته به والباء فى بربهم صلة للعدل لا للكفر أو ثم الذين كفروا بربهم يعدلون عنه أى يعرضون عنه فتكون الباء صلة للكفر وصلة يعدلون أى عنه محذوفة وعطف ثم الذين كفروا على الحمد للّه على معنى أن اللّه حقيق بالحمد على ما خلق لأنه ما خلقه إلا نعمة ثم الذين كفروا به يعدلون فيكفرون نعمته أو على خلق السموات على معنى أنه خلق ما خلق مما لا يقدر عليه أحد سواه ثم هم يعدلون به مالا يقدر على شيء منه ومعنى ثم استبعاد أن يعدلوا به بعر وضوح آيات قدرته

٢

{هو الذي خلقكم من طين} من لابتداء الغاية أى ابتدأ خلق أصلكم يعنى آدم

{ثم قضى أجلا} أى تحكم أجل الموت

{وأجل مسمى عنده} أجل القيامة أو الأول ما بين أن يخلق إلى أن يموت والثانى ما بين الموت والبعث وهو البرزخ أو الأول النوم والثانى الموت أو الثانى هو الأول وتقديره وهو أجل مسمى أى معلوم وأجل مسمى مبتدأ والخبر عنده وقدم المبتدأ و إن كان نكرة والخبر ظرفا وحقه التأخير لأنه تخصص بالصفة فقارب المعرفة

{ثم أنتم تمترون} تشكون من المرية أو تجادلون من المراء ومعنى ثم استبعاد أن يمتروا فيه بعد ما ثبت أنه محييهم ومميتهم وباعثهم

٣

{وهو اللّه} مبتدأ وخبر

{في السماوات وفي الأرض} متعلق بمعنى اسم اللّه كأنه قيل وهو المعبود فيهما كقوله هو الذى فى السماء إله وفى الأرض إله أو هو المعروف بالإلهية فيهما أو هو الذى يقال له اللّه فيهما مبتدأ أى وهو يعلم سركم وجهركم

{ويعلم ما تكسبون} من الخير والشر ويثيب عليه ويعاقب ومن فى

٤

{وما تأتيهم من آية} للاستغراق وفى

{من آيات ربهم} للتبعيض أى وما يظهرلهم دليل قط من الأدلة التى يجب فيها النظر والاعتبار

{إلا كانوا عنها معرضين} تاركين للنظر لا يلتفتون إليه لقلة خوفهم وتدبرهم فى العواقب

٥

{فقد كذبوا} مردود على كلام محذوف كأنه قيل أن كانوا معرضين عن الآيات فقد كذبوا

{بالحق لما جاءهم} أى بما هو اعظم آية وأكبرها هو القرآن الذى تحدوا به فعجزوا عنه

{فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزؤون} أى أنباء الشئ الذى كانوا به يستهزءون وهو القرآن أى أخباره وأحواله يعنى سيعلمون بأى شيء استهزءوا وذلك عند إرسال العذاب عليهم فى الدنيا أو يوم القيامة أو عند ظهور الإسلام وعلو كلمته

٦

{ألم يروا} يعنى المكذبين

{كم أهلكنا من قبلهم من قرن} هو مدة انقضاء أهل كل عصر وهو ثمانون سنة أو سبعون

{مكناهم} فى موضع جر صفة لقرن وجمع على المعنى

{في الأرض ما لم نمكن لكم} التمكين فى البلاد إعطاء المكنة والمعنى لم نعط أهل مكة نحو ما أعطينا عادا وثمود وغيرهم من البسطة فى الأجسام والسعة فى الأموال والاستظهار بأسباب الدنيا

{وأرسلنا السماء} المطر

{عليهم مدرارا} كثيرا وهو حال من السماء

{وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم} من تحت أشجارهم والمعنى عاشوا فى الخصب بين الأنهار والثمار وسقيا الغيث المدرار

{فأهلكناهم بذنوبهم} ولم يغن ذلك عنهم شيئا

{وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين} بدلا منهم

٧

{ولو نزلنا عليك كتابا} مكتوبا

{في قرطاس} فى ورق

{فلمسوه بأيديهم} هو للتأكيد لئلا يقولوا سكرت أبصارنا ومن المحتج عليهم العمى

{لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين} تعنتا وعنادا للحق بعد ظهوره

٨

{وقالوا لولا} هلا

{أنزل عليه} على النبى صلى اللّه عليه وسلم

{ملك} يكلمنا أنه نبى فقال اللّه

{ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر} لقضى أمر هلاكهم

{ثم لا ينظرون} لا يمهلون بعد نزوله طرفة عين لأنهم إذا شاهدوا ملكا فى صورته زهقت أرواحهم من هول ما يشاهدون ومعنى ثم بعد ما بين الأمرين قضاء الامر وعدم الانظار جعل عدم الانظار أشد من قضاء الأمر لأن مفاجأة الشدة أشد من نفس الشدة

٩

{ولو جعلناه ملكا} ولو جعلنا الرسول ملكا كما اقترحوا لأنهم كانوا يقولون تارة لولا أنزل على محمد ملك وتارة يقولون ما هذا إلا بشر مثلكم ولو شاء ربنا لأنزل ملائكة

{لجعلناه رجلا} لارسلناه فى صورة رجل كما كان جبريل عليه السلام ينزل على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فى أعم الأحوال فى صورة دحية لأنهم لا يبقون مع رؤية الملائكة فى صورهم

{وللبسنا عليهم ما يلبسون} ولخلطنا وأشكلنا عليهم من أمره إذا كان سبيله كسبيلك يا محمد فإنهم يقولون إذا رأوا الملك فى صورة الإنسان هذا إنسان وليس بملك يقال لبست الأمر على القوم وألبسته إذا أشبهته وأشكلته عليهم ثم سلى نبيه على ما أصابه من استهزاء قومه بقوله

١٠

{ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزؤون} فاحاط بهم الشئ الذى كانوا يستهزءون به وهو الحق حيث أهلكوا من أجل استهزائهم ومنهم متعلق بسخروا كقوله فيسخرون منهم والضمير للرسل والدال مكسورة عند أبى عمرو وعاصم لالتقاء الساكنين وضمها غيرهما اتباعا لضم التاء

١١

{قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين} والفرق بين فانظروا وبين ثم انظروا أن النظر جعل مسببا عن السير في فانظروا فكأنه قيل سيروا لأجل النظر ولا تسيروا سير الغافلين ومعنى سيروا فى الأرض ثم انظروا اباحة السير فى الأرض للتجارة وغيرها وايجاب النظر فى آثار الهالكين ونبه على ذلك بثم لتباعد ما بين الواجب والمباح

١٢

{قل لمن ما في السماوات والأرض} من استفهام وما بمعنى الذى فى موضع الرفع على الابتداء ولمن خبره

{قل للّه} تقدير لهم أى هو للّه لاخلاف بينى وبينكم ولا تقدرون أن تضيفوا منه شيئا إلى غيره

{كتب على نفسه الرحمة} أصل كتب أوجب ولكن لا يجوز الاجراء على ظاهره إذ لا يجب على اللّه شيء للعبد فالمراد به أنه وعد ذلك وعدا مؤكدا وهو منجزه لا محالة وذكر النفس للاختصاص ورفع الوسائط ثم أو عدهم على اغفالهم النظر واشراكهم به من لا يقدر على خلق شيء بقوله

{ليجمعنكم إلى يوم القيامة} فيجازيكم على اشراككم

{لا ريب فيه} فى اليوم أو فى الجمع

{الذين خسروا أنفسهم} نصب على الذم أى أريد الذين خسروا أنفسهم باختيارهم الكفر

{فهم لا يؤمنون} وقال الأخفش الذين بدل من كم فى ليجمعنكم أى ليجمعن من هؤلاء المشركين الذين خسروا أنفسهم والوجه هو الأول لأن سيبويه قال لا يجوز مررت بى المسكين ولا بك المسكين فتجعل المسكين بدلا من الياء أو الكاف لانهما فى غاية الوضوح فلا يحتاجان إلى البدل والتفسير

١٣

{وله} عطف على للّه

{ما سكن في الليل والنهار} من السكنى حتى يتناول الساكن والمتحرك أو من السكون ومعناه ماسكن وتحرك فيهما فاكتفى بأحد الضدين عن الآخر كقوله تقيكم الحر أى الحر والبرد وذكر السكون لأنه اكثر من الحركة وهو احتجاج على المشركين لأنهم لم ينكروا أنه خالق الكل ومدبره

{وهو السميع العليم} يسمع كل مسموع ويعلم كل معلوم فلا يخفى عليه شيء مما يشتمل عليه الملوان

١٤

{قل أغير اللّه أتخذ وليا} ناصرا ومعبودا وهو مفعول ثان لا تخذ والأول غير و إنما أدخل همزة الاستفهام على مفعول أتخذ لا عليه لأن الانكار فى اتخاذ غير اللّه وليا لا فى اتخاذ الولى فكان أحق بالتقديم

{فاطر السماوات والأرض} بالجر صفة للّه أى مخترعهما وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما ما عرفت معنى الفاطر حتى اختصم إلى أعرابيان فى بئر فقال أحدهما أنا فطرتها أى أبتدأتها

{وهو يطعم ولا يطعم} وهو يرزق ولا يرزق أى المنافع كلها من عنده ولا يجوز عليه الانتفاع

{قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم} لأن النبى سابق أمته فى الإسلام كقوله وبذلك امرت و انا أول المسلمين

{ولا تكونن من المشركين} وقيل لى لا تكونن من المشركين ولو عطف على ماقبله لفظا لقيل و أن لا اكون والمعنى أمرت أمرت بالإسلام ونهيت عن الشرك

١٥

{قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم} أى إنى أخاف عذاب يوم عظيم وهو القيامة أن عصيت ربى فالشرط معترض بين الفاعل والمفعول به محذوف الجواب

١٦

{من يصرف عنه} العذاب

{يومئذ فقد رحمه} اللّه الرحمة العظمى وهى النجاة من يصرف حمزة وعلى و أبو بكر أى من يصرف اللّه عنه العذاب

{وذلك الفوز المبين} النجاة الظاهرة

١٧

{وإن يمسسك اللّه بضر} من مرض أو فقر أو غير ذلك من بلاياه

{فلا كاشف له إلا هو} فلا قادر على كشفه إلا هو

{وإن يمسسك بخير} من غنى أو صحة

{فهو على كل شيء قدير} فهو قادر على إدامته وإزالته

١٨

{وهو القاهر} مبدأ وخبر أى الغالب المقتدر

{فوق عباده} خبر بعد خبر أى عال عليهم بالقدرة والقهر بلوغ المراد بمنع غيره عن بلوغه

{وهو الحكيم} فى تنفيذ مراده

{الخبير} بأهل القهر من عباده

١٩

{قل أي شيء أكبر شهادة} أى شيء مبتدأ وأكبر خبره وشهادة تمييز و أى كلمة يراد بها بعض ما تضاف إليه فإذا كانت استفهاما كان جوابها مسمى باسم ما أضيفت إليه وقوله

{قل اللّه} جواب أى اللّه أكبر شهادة فاللّه مبتدأ والخبر محذوف فيكون دليلا على أنه يجوز إطلاق اسم الشئ على اللّه تعالى وهذا لأن الشئ اسم للموجود ولا يطلق على المعدوم واللّه تعالى موجود فيكون شيئا ولذا تقول اللّه تعالى شيء لا كالأشياء ثم ابتدأ

{شهيد بيني وبينكم} أى هو شهيد بينى وبينكم ويجوز أن يكون الجواب اللّه شهيد بينى وبينكم لأنه إذا كان اللّه شهيدا بينه وبينهم فأكبر شيء شهادة شهيد له

{وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ} أى ومن بلغه القرآن إلى قيام الساعة فى الحديث من بلغه القرآن فكأنما رأى محمد صلى اللّه عليه وسلم ومن فى محل النصب بالعطف على كم والمراد به أهل مكة والعائد إليه محذوف أى ومن بلغه وفاعل بلغ ضمير القرآن

{أئنكم لتشهدون أن مع اللّه آلهة أخرى} استفهام انكار وتبكيت

{قل لا أشهد} بما تشهدون وكرر

{قل} توكيدا و

{إنما هو إله واحد} ما كافة لأن عن العمل وهو مبتدأ و إله خبره وواحد صفة أو بمعنى الذى فى لمحل النصب بأن هو مبتدأ وإله خبره والجملة صلة الذى وواحد خبران وهذا الوجه أوقع

{وإنني بريء مما تشركون} به

٢٠

{الذين آتيناهم الكتاب} يعنى اليهود والنصارى والكتاب التوراة والإنجيل

{يعرفونه} أى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بحليته ونعته الثابت فى الكتابين

{كما يعرفون أبناءهم} بحلاهم ونعوتهم وهذا استشهاد لأهل مكة بمعرفة أهل الكتاب به وبصحة نبوته ثم قال

{الذين خسروا أنفسهم} من المشركين ومن أهل الكتاب الجاحدين

{فهم لا يؤمنون} به

٢١

{ومن أظلم} استفهام يتضمن معنى النفى أى لا أحد أظلم لنفسه والظلم وضع الشئ فى غير موضعه وأشنعه اتخاذ المخلوق معبودا

{ممن افترى} اختلق

{على اللّه كذبا} فيصفه بما لا يليق به

{أو كذب بآياته} بالقرآن والمعجزات

{أنه} أن الأمر والشأن

{لا يفلح الظالمون} جمعوا بين امرين باطلين فكذبوا على اللّه مالا حجة عليه وكذبوا بما ثبت بالحجة حيث قالوا الملائكة بنات اللّه وسموا القرآن والمعجزات سحرا

٢٢

{ويوم نحشرهم} هو مفعول به والتقدير واذكر يوم نحشرهم

{جميعا} حال من ضمير المفعول

{ثم نقول للذين أشركوا} مع اللّه غيره توبيخا وبالياء فيهما يعقوب

{أين شركاؤكم} آلهتكم التى جعلتموها شركاء اللّه

{الذين كنتم تزعمون} أى تزعمونهم شركاء فحذف المفعولان

٢٣

{ثم لم تكن} وبالياء حمزة وعلى

{فتنتهم} كفرهم

{إلا أن قالوا واللّه ربنا ما كنا مشركين} يعنى ثم لم تكن عاقبة كفرهم الذين لزموه أعمارهم وقاتلوا عليه إلا الجحود والتبرؤ منه والحلف على الانتفاء من التدين به أو ثم لم يكن جوابهم إلا أن قالوا فسمى فتنة لأنه كذب وبرفع الفتنة مكى وشامى وحفص فمن قرأ تكن بالتاء ورفع الفتنة فقد جعل الفتنة مكى وشامى وحفص فمن قرأ تكن بالتاء ورفع الفتنة فقد جعل الفتنة اسم تكن و إن قالوا الخبر أى لم تكن فتنتهم إلا قولهم ومن قرأ بالياء ونصب الفتنة جعل أن قالوا اسم يكن أى لم يكن فتنهم إلا قولهم ومن قرأ بالتاء ونصب الفتنة حمل على المقالة ربنا حمزة وعلى على النداء أى يا ربنا وغيرهما بالجر على النعت من اسم اللّه

٢٤

{انظر} يا محمد

{كيف كذبوا على أنفسهم} بقولهم ما كنا مشركين قال مجاهد إذا جمع اللّه الخلائق ورأى المشركون سعة رحمة اللّه وشفاعة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم للمؤمنين قال بعضهم لبعض تعالوا نكتم الشرك لعلنا ننجوا مع أهل التوحيد فاذا قال لهم اللّه أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون قالوا واللّه ربنا ما كنا مشركين فيختم اللّه على أفواههم فتشهد عليهم جوارحهم

{وضل عنهم} وغاب عنهم

{ما كانوا يفترون} الهيته وشفاعته

٢٥

{ومنهم من يستمع إليك} حين تتلو القرآن روى أنه اجتمع أبو سفيان والوليد والنضر وأضرابهم يستمعون تلاوة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالوا للنضر ما يقول محمد فقال واللّه ما أدرى ما يقول محمد إلا أنه يحرك لسانه ويقول أساطير الأولين مثل ما حدثتكم عن القرون الماضية فقال أبو سفيان إنى لأراه حقا فقال أبو جهل كلا فنزلت

{وجعلنا على قلوبهم أكنة} أغطية جمع كنان وهو الغطاء مثل عنان وأعنه

{أن يفقهوه} كراهة أن يفقهوه

{وفي آذانهم وقرا} ثقلا يمنع من السمع ووحد الوقر لأنه مصدر وهو عطف على اكنة وهو حجة لنا فى الأصلح على المعتزلة

{وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاؤوك يجادلونك يقول الذين كفروا} حتى هى التى تقع بعدها الجمل والجملة قوله إذا جاءوك يقول الذين كفروا. و يجادلونك فى موضع الحال ويجوز أن تكون جارة ويكون إذا جاءوك فى موضع الجر بمعنى حتى وقت مجيئهم ويجادلونك حال ويقول الذين كفروا تفسير له والمعنى أنه بلغ تكذيبهم الآيات إلى أنهم يجادلونك ويناكرونك وفسر مجادلتهم بأنهم يقولون

{إن هذا} ما القرآن

{إلا أساطير الأولين} فيجعلون كلام اللّه أكاذيب وواحد الأساطير أسطورة

٢٦

{وهم} أى المشركين

{ينهون عنه} ينهون الناس عن القرآن أو عن الرسول وأتباعه والإيمان به

{وينأون عنه} ويبعدون عنه بأنفسهم فيضلون ويضلون

{وإن يهلكون} بذلك

{إلا أنفسهم وما يشعرون} أى لايتعداهم الضرر إلى غيرهم و إن كانوا يظنون أنهم يضرون رسول اللّه وقيل عنى به أبو طالب لأنه كان ينهى قريشا عن التعرض لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وينأى عنه فلا يؤمن به والأول أشبه

٢٧

{ولو ترى} حذف جوابه أى ولو ترى لشاهدت أمرا عظيما

{إذ وقفوا على النار} أروها حتى يعاينوها أو حبسوا على الصراط فوق النار

{فقالوا يا ليتنا نرد} إلى الدنيا تمنوا الرد إلى الدنيا ليؤمنوا وتم تمنيهم ثم ابتدءوا بقوله

{ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين} واعدين الإيمان كانهم قالوا ونحن لا نكذب ونؤمن ولا نكذب ونكون حمزة وعلى وحفص على جواب التمنى بالواو وباضمار أن ومعناه أن رددنا لم نكذب ونكن من المؤمنين وافقهما فى ونكون شامى

٢٨

{بل} للاضراب عن الوفاء بما تمنوا

{بدا لهم} ظهر لهم

{ما كانوا يخفون} من الناس

{من قبل} فى الدنيا من قبائحهم وفضائحهم فى صحفهم وقيل هو فى المنافقين و أنه يظهر نفاقهم الذى كانوا يسرونه أو فى أهل الكتاب و أنه يظهر لهم ما كانوا يخفونه من ضحة نبوة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

{ولو ردوا} إلى الدنيا بعد وقوفهم على النار

{لعادوا لما نهوا عنه} من الكفر

{وإنهم لكاذبون} فيما وعدوا من أنفسهم لا يوفون به

٢٩

{وقالوا} عطف على لعادوا أى ولو ردوا لكفروا ولقالوا

{إن هي إلا حياتنا الدنيا} كما كانوا يقولون قبل معاينة القيامة أو على قوله وانهم لكاذبون أى وانهم لقوم كاذبون فى كل شيء وهم الذين قالوا أن هى إلا حياتنا الدنيا وهى كناية عن الحياة أو هو ضمير القصة

{وما نحن بمبعوثين}

٣٠

{ولو ترى إذ وقفوا على ربهم} مجاز عن الحبس للتوبيخ والسؤال كما يوقف العبد الجانى بين يدى سيده ليعابته أو وقفوا على جزاء ربهم

{قال} جواب لسؤال مقدر كأنه قيل ماذا قال لهم ربهم إذ وقفوا عليه فقيل قال

{أليس هذا} أى البعث

{بالحق} بالكائن الموجود وهذا تعبير لهم على التكذيب للبعث وقولهم لما كانوا يسمعون من حديث البعث ما هو بحق

{قالوا بلى وربنا} أقروا وأكدوا الإقرار باليمين

{قال} اللّه تعالى

{فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون} بكفركم

٣١

{قد خسر الذين كذبوا بلقاء اللّه} ببلوغ الآخرة وما يتصل بها أو هو مجرى على ظاهره لأن منكر البعث منكر للرؤية

{حتى} غاية لكذبوا لا لخسر لأن خسرانهم لا غاية له

{إذا جاءتهم الساعة} أى القيامة لأن مدة تأخرها مع تأبد ما بعدها كساعة واحدة

{بغتة} فجأة وانتصابها على الحال يعنى باغتة أو على المصدر كأنه قيل بغتتهم الساعة بغتة وهى ورود الشئ على صاحبه من غير علمه بوقته

{قالوا يا حسرتنا} نداء تفجع معناه يا حسرة احضرى فهذا أوانك

{على ما فرطنا}قصرنا

{فيها} فى الحياة الدنيا أو فى الساعة أى قصرنا فى شأنها وفى الإيمان بها

{وهم يحملون أوزارهم} آثامهم

{على ظهورهم} خص الظهر لأن المعهود حمل الأثقال على الظهور كما عهد الكسب بالأيدى وهو مجاز عن اللزوم على وجه لا يفارقهم وقيل أن الكافر إذا خرج من قبره استقبله أقبح شيء صورة وأخبثه ريحا فيقول انا عملك السيئ فطالما ركبتنى فى الدنيا و أنا أركبك اليوم

{ألا ساء ما يزرون} بئس شيئا يحملونه وأفاد ألا تعظيم ما يذكر بعده

٣٢

{وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو} جواب لقولهم أن هى إلا حياتنا الدنيا واللعب ترك ما ينفع بما لا ينفع واللّهو الميل عن الجد إلى الهزل قيل ما أهل الحياة الدنيا إلا أهل لعب ولهو وقيل ما أعمال الحياة الدنيا إلا لعب ولهو لانها لا تعقب منفعة كما تعقب أعمال الآخرة المنافع العظيمة

{وللدار} مبتدأ

{الآخرة} صفتها ودار الآخرة بالاضافة شامى أى ولدار الساعة الآخرة لأن الشئ لا يضاف إلى صفته وخبر المبتدأ على القراءتين

{خير للذين يتقون} وفيه دليل على أما سوى أعمال المتقين لعب ولهو

{أفلا يعقلون} بالتاء مدنى وحفص نزلت لما قال أبو جهل ما نكذبك يا محمد وإنك عندنا لمصدق و إنما نكذب ما جئتنا به نزل

٣٣

{قد نعلم إنه} الهاء ضمير الشأن

{ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك} لا ينسبونك إلى الكذب وبالتخفيف نافع وعلى من أكذبه إذا وجده كاذبا

{ولكن الظالمين بآيات اللّه يجحدون} من إقامة الظاهر مقام المضمر وفيه دلالة على أنهم ظلموا فى جحودهم والباء يتعلق بيجحدون أو بالظالمين كقوله

{فظلموا بها} والمعنى أن تكذيبك أمر راجع إلى اللّه لانك رسوله المصدق بالمعجزات فهم لا يكذبونك فى الحقيقة و إنما يكذبون اللّه لأن تكذيب الرسل تكذيب المرسل

٣٤

{ولقد كذبت رسل من قبلك} تسلية لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو دليل على أن قوله فانهم لا يكذبونك ليس بنفى لتكذيبه و إنما هو من قولك لغلامك إذا أهانه بعض الناس إنهم لم يهينوك و إنما أهانونى

{فصبروا} الصبر حبس النفس على المكروه

{على ما كذبوا وأوذوا} على تكذيبهم وإيذائهم

{حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات اللّه} لمواعيده من قوله

{ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين} أنهم لهم المنصورون انا لننصر رسلنا

{ولقد جاءك من نبإ المرسلين} بعض أنبائهم وقصصهم وما كابدوا من مصابرة المشركين وأجاز الأحفش أن تكون من زائدة والفاعل نبأ المرسلين وسيبويه لا يجيز زيادتها فى الواجب كان يكبر على النبى صلى اللّه عليه وسلم كفر قومه وإعراضهم ويجب مجئ الآيات ليسلموا فنزل

٣٥

{وإن كان كبر عليك} عظم وشق

{إعراضهم} عن الإسلام

{فإن استطعت أن تبتغي نفقا} منفدا تنفذ فيه إلى ما تحت الأرض حتى تطلع لهم آية يؤمنون بها

{في الأرض} صفة لنفقا

{أو سلما في السماء فتأتيهم} منها

{بآية} فافعل وهو جواب فإن استطعت وان استطعت وجوابها جواب و إن كان كبر والمعنى إنك لا تستطيع ذلك والمراد بيان حرصه على إسلام قومه و أنه لو استطاع أن يأتيهم بآية من تحت الأرض أو من فوق السماء لأتى بها رجاء إيمانهم

{ولو شاء اللّه لجمعهم على الهدى} لجعلهم بحيث يختارون الهدى ولكن لما علم أنهم يختارون الكفر لم يشأ أن يجمعهم على ذلك كذا قاله الشيخ أبو منصور رحمه اللّه

{فلا تكونن من الجاهلين} من الذين يجهلون ذلك ثم أخبر أن حرصه على هدايتهم لا ينفع لعدم سمعهم كالموتى بقوله

٣٦

{إنما يستجيب الذين يسمعون} أى إنما يجيب دعاءك الذين يسمعون دعاءك بقلوبهم

{والموتى} مبتدأ أى الكفار

{يبعثهم اللّه ثم إليه يرجعون} فحينئذ يسمعون وأما قبل ذلك فلا

٣٧

{وقالوا لولا نزل عليه} هلا أنزل عليه

{آية من ربه} كما نقترح من جعل الصفا ذهبا وتوسيع أرض مكة وتفجير الأنهار خلالها

{قل إن اللّه قادر على أن ينزل آية} كما اقترحوا

{ولكن أكثرهم لا يعلمون} أن اللّه قادر على أن ينزل تلك الآية أو لا يعلمون ما عليهم فى الآية من البلاء لو انزلت

٣٨

{وما من دابة} هى اسم لما يدب وتقع على المذكر والمؤنث

{في الأرض} فى موضع جر صفة لدابة

{ولا طائر يطير بجناحيه} قيد الطيران بالجناحين لنفى المجاز لأن غير الطائر قد يقال فيه طار إذا أسرع

{إلا أمم أمثالكم} فى الخلق والموت والبعث والاحتياج إلى مدبر يدبر أمرها

{ما فرطنا} ما تركنا

{في الكتاب} فى اللوح المحفوظ

{من شيء} من ذلك لم نكتبه ولم نثبت ما وجب أن يثبت أو الكتاب القرآن وقوله من شيء أى من شيء يحتاجون إليه فهو مشتمل على ما تعبدنا به عبارة وإشارة ودلالة واقتضاء

{ثم إلى ربهم يحشرون} يعنى الأمم كلها من الدواب والطيور فينصف بعضها من بعض كما روى أنه يأخذ للجماء من القرناء ثم يقول كونى ترابا و إنما قال إلا أمم مع افراد الدابة والطائر لمعنى الاستغراق فيها ولما ذكر من خلائقه وآثار قدرته ما يشهد لربوبيته وينادى على عظمته قال

٣٩

{والذين كذبوا بآياتنا صم} لا يسمعون كلام المنيه

{وبكم} لا ينطقون بالحق خابطون

{في الظلمات} أى ظلمة الجهل والحيرة والكفر غافلون عن تأمل ذلك والتفكر فيه صم وبكم خبر الذين ودخول الواو لا يمنع من ذلك وفى الظلمات خبر آخر ثم قال إيذانا بأنه فعال لما يريد

{من يشإ اللّه يضللّه} أى من يشإ اللّه ضلاله يضللّه

{ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم} وفيه دلالة خلق الأفعال وإرادة المعاصى ونفى الأصلح

٤٠

{قل أرأيتكم} وبتليين الهمزة مدنى وبتركه على ومعناه هل علمتم أن الأمر كما يقال لكم فاخبرونى بما عندكم والضمير الثانى لا محل له من الاعراب والتاء ضمير الفاعل ومتعلق الاستخبار محذوف تقديره أرءيتكم

{إن أتاكم عذاب اللّه أو أتتكم الساعة} من تدعون ثم بكتهم بقوله

{أغير اللّه تدعون} أى أتخصون آلهتكم بالدعوة فيما هو عادتكم إذا أصابكم ضر أم تدعون اللّه دونها

{إن كنتم صادقين} فى أن الأصنام آلهة فادعوها لتخلصكم

٤١

{بل إياه تدعون} بل تخصونه بالدعاء دون الآلهة

{فيكشف ما تدعون إليه} أى ما تدعونه إلى كشفه

{إن شاء} إن أراد أن يتفضل عليكم

{وتنسون ما تشركون} وتتركون آلهتكم أو لا تذكرون آلهتكم فى ذلك الوقت لأن أذهانكم مغمورة بذكر ربكم وحده إذ هو القادر على كشف الضر دون غيره ويجوز أن يتعلق الاستخبار بقوله

{أغير اللّه تدعون} كأنه قيل أرءيتكم أغير اللّه تدعون إن أتاكم عذاب اللّه

٤٢

{ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك} رسلا فالمفعول محذوف فكذبوهم

{فأخذناهم بالبأساء والضراء} بالبؤس والضر والأول القحط والجوع والثانى المرض ونقصان الأنفس والأموال

{لعلهم يتضرعون} يتذللون ويتخشعون لربهم ويتوبون عن ذنوبهم فالنفوس تتخشع عند نزول الشدائد

٤٣

{فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا} أى هلا تضرعوا بالتوبة ومعناه نفى التضرع كأنه قيل فلم يتضرعوا اذ جاءهم بأسنا ولكنه جاء بلولا ليفيد أنه لم يكن لهم عذر فى ترك التضرع إلا عنادا

{ولكن قست قلوبهم} فلم يتزوجوا بما ابتلوا به

{وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون} وصاروا معجبين بأعمالهم التى زينها الشيطان لهم

٤٤

{فلما نسوا ما ذكروا به} من البأساء والضراء أى تركوا الاتعاظ به ولم يزجرهم

{فتحنا عليهم أبواب كل شيء} من الصحة والسعة وصنوف النعمة فتحنا شامى

{حتى إذا فرحوا بما أوتوا} من الخير والنعمة

{أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون} آيسون متحسرون وأصله الاطراق حزنا لما أصابه أو ندما على ما فاته و إذا للمفاجأة

٤٥

{فقطع دابر القوم الذين ظلموا} أى أهلكوا عن آخرهم ولم يترك منهم أحد

{والحمد للّه رب العالمين} إيذان بوجوب الحمد للّه عند هلاك الظلمة و أنه من أجل النعم واجزل القسم أو احمدوا اللّه على إهلاك من لم يحمد اللّه ثم دل على قدرته وتوحيده بقوله

٤٦

{قل أرأيتم إن أخذ اللّه سمعكم وأبصاركم} بأن أصمكم وأعماكم

{وختم على قلوبكم} فسلب العقول والتمييز

{من إله غير اللّه يأتيكم به} بما اخذ وختم عليه من رفع بالابتداء وإله خبره وغير صفة لإله وكذا يأتيكم والجملة فى موضع مفعولى أرأيتم وجواب الشرط محذوف

{انظر كيف نصرف} لهم

{الآيات} نكررها

{ثم هم يصدفون} يعرضون عن الآيات بعد ظهورها والصدوف الاعراض عن الشئ

٤٧

{قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب اللّه بغتة} بأن لم تظهر أماراته

{أو جهرة} بأن ظهرت أماراته وعن الحسن ليلا أو نهارا

{هل يهلك إلا القوم الظالمون} ما يهلك هلاك تعذيب وسخط إلا الذين ظلموا أنفسهم بكفرهم بربهم

٤٨

{وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين} بالجنان والنيران للمؤمنين والكفار ولن نرسلهم ليقترح عليهم الآيات بعد وضوح أمرهم بالبراهين القاطعة والأدلة الساطعة

{فمن آمن وأصلح} أى داوم على إيمانه

{فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون} فلا خوف يعقوب

٤٩

{والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب}

جعل العذاب ماسا كأنه حى يفعل يهم ما يريد من الآلام

{بما كانوا يفسقون} بسبب فسقهم وخروجهم عن طاعة اللّه تعالى بالكفر

٥٠

{قل لا أقول لكم عندي خزائن اللّه} أى قسمه بين الخلق وأرزاقه ومحل

{ولا أعلم الغيب} النصب عطفا على محل عندى خزائن اللّه لأنه من جملة المقول كأنه قال لا أقول لكم هذا القول ولا هذا القول

{ولا أقول لكم إني ملك} أى لا أدعى ما يستبعد فى العقول أن يكون لبشر من ملك خزائن اللّه وعلم الغيب ودعوى الملكية و إنما أدعى ما كان لكثير من البشر وهو النبوة

{إن أتبع إلا ما يوحى إلي} أى ما أخبركم إلا بما أنزل اللّه على

{قل هل يستوي الأعمى والبصير} مثل للضال والمهتدى أو لمن اتبع ما يوحى إليه ومن لم يتبع أو لمن يدعى المستقيم وهو النبوة والمحال وهو الإلهية

{أفلا تتفكرون} فلا تكونوا ضالين أشباه العميان أو فتعلموا إنى ما ادعيت ما لا يليق بالبشر أو فتعلموا أن اتباع ما يوحى إلى ما لا بد منه

٥١

{وأنذر به} بما يوحى

{الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم} هم المسلمون المقرون بالبعث إلا أنهم مفرطون في العمل فينذرهم بما أوحي إليه أو أهل الكتاب لأنهم مقرون بالبعث

{ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع} فى موضع الحال من يحشروا أى يخافون أن يحشروا غيرا منصورين ولا مشفوعا لهم

{لعلهم يتقون} يدخلون فى زمرة أهل التقوى ولما أمر النبى عليه السلام بإنذار غير المتقين ليتقوا أمر بعد ذلك بتقريب المتقين ونهى عن طردهم بقوله

٥٢

{ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} وأثنى عليهم بأنهم يواصلون دعاء ربهم أى عبادته ويواظبون عليها والمراد بذكر الغداة والعشى الدوام أو معناه يصلون صلاة الصبح والعصر أو الصلوات الخمس بالغدوة شامى ووسمهم بالإخلاص فى عبادتهم بقوله

{يريدون وجهه} فالوجه يعبر به عن ذات الشئ وحقيقته نزلت فى الفقراء بلال وصهيب وعمار وأضرابهم حين قال رؤساء المشركين لو طردت هؤلاء السقاط لجلسناك فقال عليه السلام ما انا بطارد المؤمنين فقالوا اجعل لنا يوما ولهم يوما وطلبوا بذلك كتابا فدعا عليا رضى اللّه عنه ليكتب فقام الفقراء وجلسوا ناحية فنزلت فرمى عليه الصلاة والسلام بالصحيفة وأتى الفقراء فعانقهم

{ما عليك من حسابهم من شيء} كقوله

{إن حسابهم إلا على ربي}

{وما من حسابك عليهم من شيء} وذلك أنهم طعنوا فى دينهم واخلاصهم فقال حسباهم عليهم لازم لهم لا يتعداهم اليك كما أن حسابك عليك لا يتعداك اليهم

{فتطردهم} جواب النفى وهو ما عليك من حسابهم

{فتكون من الظالمين} جواب النهى وهو ولا تطرد ويجوز أن يكون عطفا على فتطردهم على وجه التسبيب لأن كونه ظالما مسبب عن طردهم

٥٣

{وكذلك فتنا بعضهم ببعض} ومثل ذلك الفتن العظيم ابتلينا الأغنياء بالفقراء

{ليقولوا} أى الأغنياء

{أهؤلاء من اللّه عليهم من بيننا} أى أنعم اللّه عليهم بالإيمان ونحن المقدمون والرؤساء وهم الفقراء إنكارا لأن يكون أمثالهم على الحق وممنونا عليهم من بينهم بالخير ونحوه لو كان خيرا ما سبقونا إليه

{أليس اللّه بأعلم بالشاكرين} بمن يشكر نعمته

٥٤

{وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم} إما أن يكون أمرا بتبليغ سلام اللّه اليهم و إما أن يكون أمرا بأن يبدأهم بالسلام إكراما لهم وتطيبا لقلوبهم وكذا قوله

{كتب ربكم على نفسه الرحمة} من جملة ما يقول لهم ليبشرهم بسعة رحمة اللّه وقبوله التوبة منهم ومعناه وعدكم بالرحمة وعدا مؤكدا

{أنه} الضمير للشأن

{من عمل منكم سوءا} ذنبا

{بجهالة} فى موضع الحال أى عمله وهو جاهل بما يتعلق به من المضرة أو جعل جاهلا لإيثاره المعصية على الطاعة

{ثم تاب من بعده} من بعد السوء أو العمل

{وأصلح} وأخلص توبته

{فأنه غفور رحيم} أنه فانه شامى وعاصم الأول بدل الرحمة والثانى خبر مبتدأ محذوف أى فشأنه أنه غفور رحيم أنه فإنه مدنى الأول بدل الرحمة والثانى مبتدأ أنه فإنه غيرهم على الاستئناف كان الرحمة استفسرت فقيل أنه من عمل منكم

٥٥

{وكذلك نفصل الآيات ولتستبين} وبالياء حمزة وعلى و أبو بكر

{سبيل المجرمين} بالنصب مدنى غيره بالرفع فرفع السبيل مع التاء والياء لانها تذكر وتؤنث ونصب السبيل مع التاء على خطاب الرسول صلى اللّه عليه وسلم يقال استبان الأمر وتبين واستبنته وتبيته والمعى ومثل ذلك التفصيل البين نفصل آيات القرآن ونلخصها فى صفة أحوال المجرمين من هو مطبوع على قلبه ومن يرجى إسلامه ولتستوضح سبيلهم فتعامل كلا منهم بما يجب أن يعامل به فصلنا ذلك التفصيل

٥٦

{قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون اللّه} أى صرفت وزجرت بأدلة العقل والسمع عن عبادة ما تعبدون من دون اللّه

{قل لا أتبع أهواءكم} أى لا أجرى فى طريقتكم التى سلكتموها فى دينكم من اتباع الهوى دون اتباع الدليل وهو بيان للسبب الذى منه وقعوا فى الضلال

{قد ضللت إذا} أى أن اتبعت أهواءكم فانا ضال

{وما أنا من المهتدين} وما أنا من المهتدين فى شيء يعنى أنكم كذلك ولما نفى أن يكون الهوى متبعا نبه على ما يجب اتباعه بقوله

٥٧

{قل إني على بينة من ربي} أى إنى من معرفة ربى و أنه لا معبود سواه على حجة واضحة

{وكذبتم به} حيث أشركتم به غيره وقيل على بينة من ربى على حجة من جهة ربى وهو القرآن وكذبتم به بالبينة وذكر الضمير على تأويل البرهان أو البيان أو القرآن ثم عقبه بما دل على أنهم أحقاء بأن يعاقبوا بالعذاب فقال

{ما عندي ما تستعجلون به} يعنى العذاب الذى استعجلوه فى قولهم فأمطر علينا حجارة من السماء

{إن الحكم إلا للّه} فى تأخير عذابكم

{يقص الحق} حجازى وعاصم أى يتبع الحق والحكمة فيما يحكم به ويقدره من قص آثره الباقون بقص الحق فى كل ما يقضى من التأخير والتعجيل فالحق أى القضاء الحق صفة لمصدر يقضى وقوله

{وهو خير الفاصلين} أى القاضين بالقضاء الحق إذ الفصل هو القضاء وسقوط الياء من الخط لاتباع اللفظ لالتقاء الساكنين

٥٨

{قل لو أن عندي} أى فى قدرتى وأمكانى

{ما تستعجلون به} من العذاب

{لقضي الأمر بيني وبينكم} لأهلكتكم عاجلا غضبا لربى

{واللّه أعلم بالظالمين} فهو ينزل عليكم العذاب فى وقت يعلم أنه أردع

٥٩

{وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو} المفاتح جمع مفتح وهو المفتاح وهىخزائن العذاب والرزق أو ما غاب عن العباد من الثواب والعقاب والآجال والاحوال جعل للغيب مفاتح على طريق الاستعارة لأن المفاتح يتوصل بها إلى ما فى الخزائن المستوثق منها بالإغلاق والإقفال ومن علم مفاتحها وكيفية فتحها توصل اليها فأراد أنه هو المتوصل إلى المغيبات وحده لا يتوصل اليها غيره كمن عنده مفاتح أقفال المخازن ويعلم فتحها فهو المتوصل إلى ما فى المخازن قيل عنده مفاتح الغيب وعندك مفاتح الغيب فمن آمن بغيبه أسبل اللّه الستر على عيبه

{ويعلم ما في البر} من النبات والدواب

{والبحر} من الحيوان والجواهر وغيرهما

{وما تسقط من ورقة إلا يعلمها} ما للنفى ومن للاستغراق أى يعلم عددها واحوالها قيل السقوط وبعد

{ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس} عطف على ورقة وداخل فى حكمها وقوله

{إلا في كتاب مبين} كالتكرير لقوله إلا يعلمها لأن معنى إلا يعلمها ومعنى إلا كتاب مبين واحد وهو علم اللّه أو اللوح ثم خاطب الكفرة بقوله

٦٠

{وهو الذي يتوفاكم بالليل} أى يقبض انفسكم عن التصرف بالتمام فى المنام

{ويعلم ما جرحتم بالنهار} كسبتم فيه من الآثام

{ثم يبعثكم فيه} ثم يوقظكم فى النهار أو التقدير ثم يبعثكم فى النهار ويعلم ما جرحتم فيه فقدم الكسب لأنه اهم وليس فيه أنه لا يعلم ما جرحنا بالليل ولا أنه لا يتوفانا بالنهار فدل أن تخصيص الشئ بالذكر لا يدل على نفى ما عداه

{ليقضى أجل مسمى} لتوفى الآجال على الاستكمال

{ثم إليه مرجعكم} رجوعكم بالبعث بعد الموت

{ثم ينبئكم بما كنتم تعملون} فى ليلكم ونهاركم قال بعض أهل الكلام أن لكل حاسة من هذه الحواس روجا تقبض عند النوم ثم ترد اليها إذا ذهب النوم فأما الروح التى تحيا بها النفس فانها لا تقبض إلا عند انقضاء الأجل والمراد بالأرواح المعانى والقوى التى تقوم بالحواس ويكون بها السمع والبصر والأخذ والمثنى والشم ومعنى ثم يبعثكم فيه أى يوقظكم ويرد اليكم أرواح الحواس فيستدل به على منكرى البعث لأنه بالنوم يذهب أرواح هذه الحواس ثم يردها اليها فكذا يحيى الأنفس بعد موتها

٦١

{وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة} ملائكة حافظين لأعمالكم وهم الكرام الكاتبون ليكون ذلك أزجر للعباد عن ارتكاب الفساد إذا تفكروا أن صحائفهم تقرأ على رؤس الاشهاد

{حتى إذا جاء أحدكم الموت} حتى لغاية حفظ الأعمال أى وذلك دأب الملائكة مع المكلف مدة الحياة إلى أن يأتيه الممات

{توفته رسلنا} أى استوفت روحه وهم ملك الموت وأعوانه توفيه واستوفيه بالامالة حمزة رسلنا أبو عمرو

{وهم لا يفرطون} لا يتوانون ولا يؤخرون

٦٢

{ثم ردوا إلى اللّه} إلى حكمه وجزائه أى رد المتوفون برد الملائكة

{مولاهم} مالكهم الذى يلى عليهم أمورهم

{الحق} العدل الذى لا يحكم إلا بالحق وهما صفتان للّه

{ألا له الحكم} يومئذ لا حكم فيه لغيره

{وهو أسرع الحاسبين} لا يشغله حساب عن حساب يحاسب جميع الخلق فى مقدار حلب شاة وقيل الرد إلى من رباك خير من البقاء مع من آذاك

٦٣

{قل من ينجيكم} ينجيكم ابن عباس

{من ظلمات البر والبحر} مجاز عن مخاوفهما وأهوالهما أو ظلمات البر الصواعق والبحر الأمواج وكلاهما فى الغيم والليل

{تدعونه} حال من ضمير المفعول فى ينجيكم

{تضرعا} معلنين الضراعة وهو مصدر فى موضع الحال وكذا

{وخفية} أى مسرين فى أنفسكم خفية حيث كان أبو بكر وهما لغتان

{لئن أنجانا} عاصم وبالامالة حمزة وعلى الباقون أنجيتنا والمعنى يقولون لئن خلصنا

{من هذه} الظلمات

{لنكونن من الشاكرين} للّه تعالى

٦٤

{قل اللّه ينجيكم} بالتشديد كوفى

{منها} من الظلمات

{ومن كل كرب} وغم وحزن

{ثم أنتم تشركون} ولا تشكرون

٦٥

{قل هو القادر} هو الذى عرفتموه قادر أو هو الكامل القدرة فاللام يحتمل العهد والجنس

{على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم} كما أمطر على قوم لوط وعلى أصحاب الفيل الحجارة

{أو من تحت أرجلكم} كما غرق فرعون وخسف بقارون أو من قبل سلاطينكم وسفلتكم أو هو حبس المطر والنبات

{أو يلبسكم شيعا} أو يخلطكم فرقا مختلفين على أهواء شتى كل فرقة منكم مشايعة لامام ومعنى خلطهم أن ينشب القتال بينهم فيختلطوا ويشتبكوا فى ملاحم القتال

{ويذيق بعضكم بأس بعض} يقتل بعضكم بعضا والبأس السيف وعنه عليه الصلاة والسلام سألت اللّه تعالى أن لا يبعث على أمتى عذابا من فوقهم أو من تحت أرجلهم فأعطانى ذلك وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمعنى واخبرنى جبريل أن فناء أمتى بالسيف

{انظر كيف نصرف الآيات} بالوعد والوعيد

{لعلهم يفقهون}

٦٦

{وكذب به} بالقرآن أو بالعذاب

{قومك} قريش

{وهو الحق} أى الصدق أو لا بد أن ينزل بهم

{قل لست عليكم بوكيل} بحفيظ وكل إلى أمركم إنما أنا منذر

٦٧

{لكل نبإ} لكل شيء ينبإ به يعنى أنباءهم بأنهم يعذبون وايعادهم به

{مستقر} وقت استقرار وحصول لا بد منه

{وسوف تعلمون} تهديد

٦٨

{وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا} أى القرآن يعنى يخوضون فى الاستهزاء بها والطعن فيها وكانت قريش فى أنديتهم يفعلون ذلك

{فأعرض عنهم} ولا تجالسهم وقم عنهم

{حتى يخوضوا في حديث غيره} غير القرآن مما يحل فحينئذ يجوز أن تجالسهم

{وإما ينسينك الشيطان} ما نهيت عنه ينسينك شامى نسى وأنسى واحد

{فلا تقعد بعد الذكرى} بعد أن تذكر

{مع القوم الظالمين}

٦٩

{وما على الذين يتقون من حسابهم} من حساب هؤلاء الذين يخوضون فى القرآن تكذيبا وستهزاء

{من شيء} أى وما يلزم المتقين الذين يجالسونهم شيء مما يحاسبون عليه من ذنوبهم

{ولكن} عليهم أن يذكروهم

{ذكرى} إذا سمعوهم يخوضون بالقيام عنهم وإظهار الكراهة لهم وموعظتهم ومحل ذكرى نصب أى ولكن يذكرونهم ذكرى أى تذكيرا أو رفع والتقدير ولكن عليهم ذكرى فذكرى مبتدأ والخبر محذوف

{لعلهم يتقون} لعلهم يجتنبون الخوض حياء أو كراهة لمساءتهم

٧٠

{وذر الذين اتخذوا دينهم} الذى كلفواه ودعوا إليه وهو دين الإسلام

{لعبا ولهوا} سخروا به واستهزءوا ومعنى ذرهم اعرض عنهم ولا تبال بتكذيبهم واستهزائهم واللّهو ما يشغل الإنسان من هوى أو طرب

{وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به} وعظ بالقرآن

{أن تبسل نفس بما كسبت} مخافة أن تسلم إلى الهلكة والعذاب وترتهن بسوء كسبها وأصل الإبسال المنع

{ليس لها من دون اللّه ولي} ينصرها بالقوة

{ولا شفيع} يدفع عنها بالمسألة ولا وقف على كسبت فى الصحيح لأن قوله ليس لها صفة لنفس والمعنى وذكر بالقرآن كراهة أن تبسل نفس عادمة وليا وشفيعا يكسبها

{وإن تعدل كل عدل} نصب على المصدر و إن تفد كل فداء والعدل الفدية لأن الفادى يعدل المفدى بمثله وفاعل

{لا يؤخذ منها} لا ضمير العدل لأن العدل هنا مصدر فلا يسند إليه الأخذ وأما فى قوله ولا يؤخذ منها عدل فبمعنى الفدى به فصح إسناده إليه

{أولئك} إشارة إلى المتخذين من دينهم لعبا ولهوا وهو مبتدأ والخبر

{الذين أبسلوا بما كسبوا} وقوله

{لهم شراب من حميم} أى ماء سخين حار خبر ثان لأولئك والتقدير أولئك المبسلون ثابت لهم شراب من حميم أو مستأنف

{وعذاب أليم بما كانوا يكفرون} بكفرهم

٧١

قل لابى بكر يقل لابنه عبد الرحمن وكان يدعوا اباه إلى عبادة الأوثان أندعوا أنعبد من دون اللّه الضار النافع

{ما لا ينفعنا} مالايقدر على نفعنا أن دعوناه

{ولا يضرنا} أن تركناه

{ونرد} وأنرد

{على أعقابنا} راجعين إلى الشرك

{بعد إذ هدانا اللّه} للاسلام وأنقذنا من عبادة الأصنام

{كالذي استهوته الشياطين} كالذى ذهبت به الغيلان ومردة الجن والكاف فى محل النصب على الحال من الضمير فى نرد على أعقابنا أى اننكص مشبهين من استهوته الشياطين وهو استفعال من هوى فى الأرض إذا ذهب فيها كان معناه طلبت هو يه

{في الأرض} فى المهمة

{حيران} حال من مفعول استهوته أى تائها ضالا عن الجادة لا يدرى كيف يصنع

{له} لهذا المستوى

{أصحاب} رفقة

{يدعونه إلى الهدى} إلى أن يهدوه الطريق سمى الطريق المستقيم بالهدى يقولون له

{ائتنا} رقد اعتسف المهمه تابعا للجن لا يجيبهم ولا يأتيهم وهذا مبنى على ما يقال أن الجن تستهوى الانسان والغيلان تستولى عليه فشبه به الضال عن طريق الإسلام التابع لخطوات الشيطان والمسلمون يدعونه إليه فلا يلتفت اليهم

{قل إن هدى اللّه} وهو الإسلام

{هو الهدى} وحده وما وراءه ضلال

{وأمرنا} محله النصب بالعطف على محل إن هدى اللّه هو الهدى على أنهما مقولان كأنه قيل قل هذا القول وقل أمرنا

{لنسلم لرب العالمين}

٧٢

{وأن أقيموا الصلاة} والتقدير وأمرنا لأن نسلم و لأن أقيموا أى للإسلام ولإقامة الصلاة

{واتقوه وهو الذي إليه تحشرون} يوم القيامة

٧٣

{وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق} بالحكمة أو محقا

{ويوم يقول كن فيكون} على الخبر دون الجواب

{قوله الحق} مبتدأ ويوم يقول خبره مقدما كما تقول يوم الجمعة قولك الصدق أى قولك الصدق كان يوم الجمعة واليوم بمعنى الحين والمعنى أنه خلق السموات و الأرض بالحق والحكمة وحين يقول لشئ من الأشياء كن فيكون ذلك الشئ قوله الحق * والحكمة أى لا يكون شيء من السموات و الأرض وسائر المكونات إلا عن حكمة وصواب

{وله الملك} مبتدأ وخبر

{يوم ينفخ} ظرف لقوله وله الملك

{في الصور} هو القرن بلغة اليمن أو جمع صورة

{عالم الغيب} هو عالم الغيب

{والشهادة} أى السر والعلانية

{وهو الحكيم} فى الافناء والاحياء

{الخبير} بالحساب والجزاء

٧٤

{وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر} هو اسم أبيه أو لقبه لأنه خلاف بين النسابين أن اسم أبيه تارح وهو عطف بيان لأبيه وزنه فاعل

{أتتخذ أصناما آلهة} استفهام توبيخ أى أتتخذها آلهة وهى لا تستحق الإلهية

{إني أراك وقومك في ضلال مبين}

٧٥

{وكذلك} أى وكما أريناه قبح الشرك

{نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض} أى نرى بصيرته لطائف خلق السموات و الأرض ونرى حكاية حال ماضية والملكوت أبلغ من الملك لأن الواو والتاء تزادان للمبالغة قال مجاهد فرجت له السموات السبع فنظر إلى ما فيهن حتى انتهى نظره إلى العرش وفرجت له الأرضون السبع حتى نظر إلى ما فيهن

{وليكون من الموقنين} فعلنا ذلك أو ليستدل وليكون من الموقنين عيانا كما أيقن بيانا

٧٦

{فلما جن عليه الليل} أى أظلم وهو عطف على قال إبراهيم لأبيه وقوله وكذلك نرى إبراهيم جملة اعتراضية بين المعطوف والمعطوف عليه

{رأى كوكبا} أى الزهرة أو المشترى وكان أبوه وقومه يعبدون الأصنام والشمس والقمر والكواكب فأراد أن ينبههم على الخطأ فى دينهم و أن يرشدهم إلى طريق النظر والاستدلال ويعرفهم أن النظر الصحيح مؤد إلى أن شيئا منها ليس بإله لقيام دليل الحدوث فيها و لأن لها محدثا أحدثها ومدبرا دبر طلوعها وأفولها وانتقالها ومسيرها وسائر أحوالها فلما رأى الكوكب الذى كانوا يعبدونه

{قال هذا ربي} أى قال لهم هذا ربى فى زعمكم أو المراد أهذا استهزاء بهم وانكارا عليهم والعرب تكتفى عن حرف الاستفهام بنغمة الصوت والصحيح أن هذا قول من ينصف خصمه مع علمه أنه مبطل فيحكى قوله كما هو غير متعصب لمذهبه لأنه ادعى إلى الحق وأنجى من الشغب ثم يكر عليه بعد حكايته فيبطله بالحجة

{فلما أفل} غاب

{قال لا أحب الآفلين} أى لا أحب عبادة الأرباب المتغيرين عن حال إلى حال لأن ذلك من صفات الأجسام

٧٧

{فلما رأى القمر بازغا} مبتدئا فى الطلوع

{قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين} نبه قومه على أن من اتخذ القمر إلها فهو ضال و إنما احتج عليهم بالأفول دون البزوع وكلاهما انتقال من حال إلى حال لأن الاحتجاج به أظهر لأنه انتقال مع خفاء واحتجاج

٧٨

{فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي} وامنا ذكره لأنه أراد الطالع أو لأنه جعل المبتدا مثل الخبر لانهما شيء واحد معنى وفيه صيانة الرب عن شبهة التأنيث ولهذا قالوا فى صفات اللّه تعالى علام ولم يقولوا علامة وان كان الثانى أبلغ تقاديا من علامة التأنيث

{هذا أكبر} من باب استعمال الصفة أيضا مع خصومه

{فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون} من الاجرام التى تجعلونها شركاء لخالقها وقيل هذا كان نظره واستدلاله فى نفسه فحكاه اللّه تعالى والأول اظهر لقوله يا قوم إنى برئ مما تشركون

٧٩

{إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض} أي للذى دلت هذه المحدثات على أنه منشئها

{حنيفا} حال أى مائلا عن الأديان كلها إلا هذا الإسلام

{وما أنا من المشركين} باللّه شيئا من خلقه

٨٠

{وحاجه قومه} فى توحيد اللّه تعالى ونفى الشركاء عنه

{قال أتحاجوني في اللّه} فى توحيده اتحاجونى مدنى وابن ذكوان

{وقد هدان} إلى التوحيد والياء فى الوصل أبو عمرو ولما خوفوه أن معبوداتهم تصيبه بسوء قال

{ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا} أى لا أخاف معبوداتكم فى وقت قط لانها لا تقدر على منفعة ولا مضرة إلا إذا شاء ربى أن يصيبنى منها بضر فهو قادر على أن يجعل فيما شاء نفعا وفيما شاء ضرا لا الاصنام

{وسع ربي كل شيء علما} فلا يصيب عبدا شيء من ضر أو نفع إلا بعلمه

{أفلا تتذكرون} فتميزوا بين القادر والعاجز

٨١

{وكيف أخاف ما أشركتم} معبوداتكم وهى مامونة الخوف

{ولا تخافون أنكم أشركتم باللّه ما لم ينزل به} بإشراكه

{عليكم سلطانا} حجة إذ الاشراك لا يصح أن يكون عليه حجة والمعنى وما لم تفكرون على الأمن فى موضع الأمن ولا تنكرون على أنفسكم الأمن فى موضع الخوف

{فأي الفريقين} أى فريقى الموحدين والمشركين

{أحق بالأمن} من العذاب

{إن كنتم تعلمون} ولم يقل فأينا احترازا من تزكية نفسه ثم استأنف الجواب عن السؤال بقوله

٨٢

{الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} بشرك عن الصديق رضى اللّه عنه

{أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} ثم كلام إبراهيم عليه السلام

٨٣

{وتلك حجتنا} إشارة إلى جميع ما احتج به إبراهيم عليه السلام على قومه من قوله فلما جن عليه الليل إلى وهم مهتدون

{آتيناها إبراهيم على قومه} وهو خبر بعد خبر

{نرفع درجات من نشاء} فى العلم والحكمة وبالتنوين كوفى وفيه نقض قول المعتزلة فى الأصلح

{إن ربك حكيم} بالرفع

{عليم} بالأهل

٨٤

{ووهبنا له} لابراهيم

{إسحاق ويعقوب كلا هدينا}

أى كلهم وانتصب كلا بهدينا

{ونوحا هدينا} أي وهدينا نوحا

{من قبل} من قبل إبراهيم

{ومن ذريته} الضمير لنوح أو لابراهيم والأول أظهر لأن يونس ولوطا لم يكونا من ذرية إبراهيم

{داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون} والتقدير وهدينا من ذريته هؤلاء

{وكذلك نجزي المحسنين} ونجزى المحسنين جزاء مثل ذلك فالكاف فى موضع نصب نعت لمصدر محذوف

٨٥

{وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل} أى كلهم

{من الصالحين} وذكر عيسى معهم دليل على أن النسب يثبت من قبل الأم ايضا لأنه جعله من ذرية نوح عليه السلام وهو لا يتصل به إلا بالأم وبذا أجيب الحجاج حين أنكر أن يكون بنو فاطمة اولاد النبى عليه السلام

٨٦

{وإسماعيل واليسع} والليسع حيث كان بلامين حمزة وعلى

{ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين} بالنبوة والرسالة

٨٧

{ومن آبائهم} فى موضع النصب عطفا على كلا أى وفضلنا بعض آبائهم

{وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم}

٨٨

{ذلك} أى مادان به هؤلاء المذكورون

{هدى اللّه} دين اللّه

{يهدي به من يشاء من عباده} فيه نقض قول المعتزلة لأنهم يقولون أن اللّه شاء هداية الخلق كلهم لكنهم لم يهتدوا

{ولو أشركوا} مع فضلهم وتقدمهم وما رفع لهم من الدرجات العلى

{لحبط عنهم ما كانوا يعملون} لبطلت أعمالهم كما قال لئن أشركت ليحبطن عملك

٨٩

{أولئك الذين آتيناهم الكتاب} يريد الجنس

{والحكم} والحكمة اوفهم الكتاب

{والنبوة} وهى اعلى مراتب البشر

{فإن يكفر بها} بالكتاب والحكم والنبوة أو بآيات القرآن

{هؤلاء} أى أهل مكة

{فقد وكلنا بها قوما} هم الأنبياء المذكورون ومن تابعهم بدليل قوله أولئك الذين هدى اللّه فبهداهم اقتده أو أصحاب النبى عليه السلام أو كل من آمن به أو العجم ومعنى توكيلهم بها أنهم وفقوا للايمان بها والقيام بحقوقها كما يوكل الرجل بالشئ ليقوم به ويتعهد ويحافظ عليه والباء فى

{ليسوا بها} صلة كافرين وفى

{بكافرين} لتأكيد النفى

٩٠

{أولئك الذين هدى اللّه} أى الأنبياء الذين مر ذكرهم

{فبهداهم اقتده} فاختص هداهم بالاقتداء ولا تقتد إلا بهم وهذا معنى تقديم المفعول والمراد بهداهم طريقتهم فى الإيمان باللّه وتوحيده وأصول الدين دون الشرائع فهى مختلفة والهاء فى اقتده للوقف تسقط فى الوصل واستحسن إيثار الوقف لثبات الهاء فى المصحف وبحذفها حمزة وعلى فى الوصل ويختلسها شامى

{قل لا أسألكم عليه} على الوحى أو على تبليغ الرسالة والدعاء إلى التوحيد

{أجرا} جعلا وفيه دليلا على أن اخذ الأجر على تعليم القرآن ورواية الحديث لا يجوز

{إن هو إلا ذكرى للعالمين} ما القرآن إلا عظة للجن والانس

٩١

{وما قدروا اللّه حق قدره إذ قالوا ما أنزل اللّه على بشر من شيء} أى ما عرفوه حتى معرفته فى الرحمة على عباده حين أنكروا بعثه الرسل والوحى اليهم وذلك من أعظم رحمته وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين روى أن جماعة من اليهود منهم مالك بن الصيف كانوا يجادلون النبى عليه السلام فقال النبى عليه السلام أليس فى التوراة أن اللّه يبغض الحبر السمين قال نعم قال فأنت الحبر السمين فغضب وقال ما أنزل اللّه على بشر من شيء وحق قدره منصوب نصب المصدر

{قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا} مما فيه نعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أى بعضوه وجملوه قراطيس مقطعة وورقات مفرقة ليتمكنوا مماراموا من الابداء والاخفاء بالياء فى الثلاثة معي و أبو عمرو

{وعلمتم} يا أهل الكتاب بالكتاب

{ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم} من امور دينكم ودنياكم

{قل اللّه} جواب أى انزله اللّه فانهم لا يقدرون أن يناكروك

{ثم ذرهم في خوضهم} فى باطلهم الذى يخوضون فيه

{يلعبون} حال من ذرهم أو من خوضهم

٩٢

{وهذا كتاب أنزلناه} على نبينا عليه السلام

{مباركا} كثير المنافع والفوائد

{مصدق الذي بين يديه} من الكتب

{ولتنذر} وبالبياء أبو بكر أى الكتاب وهو معطوف على ما دل عليه صفة الكتاب كأنه قيل أنزلناه للبركات وتصديق ما تقدمه من الكتب ولا نذار

{أم القرى} مكة وسميت أم القرى لانها سرة الأرض وقبلة أهل القرى وأعظمها شأنا و لأن الناس يؤمونها

{ومن حولها} أهل الشرق والغرب

{والذين يؤمنون بالآخرة} يصدقون بالعاقبة ويخافونها

{يؤمنون به} بهذا الكتاب فأصل الدين خوف العاقبة فمن خافها لم يزل به الخوف حتى يؤمن

{وهم على صلاتهم يحافظون} حصت الصلاة بالذكر لانها علم الإيمان وعماد الدين فمن حافظ عليها يحافظ على أخواتها ظاهرا

٩٣

{ومن أظلم ممن افترى على اللّه كذبا} هو مالك بن الصيف

{أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء} هو مسيلمة الكذاب

{ومن قال} فى موضع جر عطف على من افترى أى وممن قال

{سأنزل مثل ما أنزل اللّه} أى سأقول وأملى هو عبد اللّه بن سعد بن أبى سرح كاتب الوحى وقد أملى النبى عليه السلام عليه ولقد خلقنا الإنسان إلى حلق آخر فجرى على لسانه فتبارك اللّه أحسن الخالقين فقال عليه السلام أكتبها فكذلك نزلت فشك وقال إن كان محمدا صادقا فقد أوحى إلى كما أوحى إليه و إن كان كاذبا فقد قلت كما قال فارتد ولحق بمكة أو النضر بن الحرث كان يقول والطاحنات طحنا فالعاجنات عجنا فالخابزات خبزا كأنه يعارض

{ولو ترى} جوابه محذوف أى لرأيت أمرا عظيما

{إذ الظالمون} يريد الذين ذكرهم من اليهود والمتنبئة فتكون اللام للعهد ويجوز أن تكون للجنس فيدخل فيه هؤلاء لاشماله

{في غمرات الموت} شدائده وسكراته

{والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم} أى يبسطون إليهم أيديهم يقولون هاتوا أرواحكم أخرجوها إلينا من أجسادكم وهذه عبارة عن التشديد فى الازهاق من غير تنفيس وإمهال

{اليوم تجزون عذاب الهون} أرادوا وقت الاماتة وما يعذبون به من شدة النزع والهون والهوان الشديد وإضافة العذاب إليه كقولك رحل سوء يريد العراقة فى الهوان والتمكن فيه

{بما كنتم تقولون على اللّه غير الحق} من أن له شريكا وصاحبة وولدا وغير الحق مفعول تقولون أو وصف لمصدر محذوف أى قولا غير الحق

{وكنتم عن آياته تستكبرون} فلا يؤمنون بها

٩٤

{ولقد جئتمونا} للحساب والجزاء

{فرادى} منفردين بلا مال ولا معين هو جمع فريد كاسير وأسارى

{كما خلقناكم} فى محل النصب صفة لمصدر جئتمونا أى مجيئا مثل ما خلقناكم

{أول مرة} على الهيآت التى ولدتم عليها فى الانفراد

{وتركتم ما خولناكم} ملكناكم

{وراء ظهوركم} ولم تحتملوا منه نقيرا

{وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء} فى استعبادكم

{لقد تقطع بينكم} وصلكم عن الزجاج والبين الوصل والهجر قال

فواللّه لولا البين لم يكن الهوى  ولولا الهوى ما حن للبين آلف

بينكم مدنى وعلى وحفص أى وقع التقطع بينكم

{وضل عنكم} وضاع وبطل

{ما كنتم تزعمون} أنها شفعاؤكم عند اللّه

٩٥

{إن اللّه فالق الحب والنوى} بالنبات والشجر أى فلق الحب عن السنبلة والنواة عن النخلة والقلق الشق وعن مجاهد أراد الشقين اللذين فى النواة والحنطة

{يخرج الحي من الميت} النبات الغض النامى من الحب اليابس

{ومخرج الميت من الحي} الحب اليابس من النبات النامى أو الإنسان من النطفة والنطفة من الانسان أو المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن فاحتج اللّه عليهم بما يشاهدونه من خلقه لأنهم أنكروا البعث فاعلمهم أنه الذى خلق هذه الأشياء فهو يقدر على بعثهم و إنما قال ومخرج الميت بلفظ اسم الفاعل لأنه معطوف على فالق الحب لا على الفعل ويخرج الحى من الميت موقعه موقع الجملة المبينة لقوله فالق الحب والنوى لأن فلق الحب والنوى بالنبات والشجر الناميين من جنس اخراج الحى من الميت لأن النامى فى حكم الحيوان دليله قوله

{ويحيي الأرض بعد موتها} {ذلكم اللّه} ذلكم المحيى والمميت هو اللّه الذى تحق له الربوبية لا الاصنام

{فأنى تؤفكون} فكيف تصرفون عنه وعن توليه إلى غيره بعد وضوح الأمر بما ذكرنا

٩٦

{فالق الإصباح} هو مصدر سمى به الصبح أى شاق عمودا صبح عن سواد الليل أو خالق نورالنهار

{وجعل الليل} وجعل الليل كوفى لأن اسم الفاعل الذى قبله بمعنى المضى فلما كان فالق بمعنى فلق عطف عليه جعل لتوافقهما معنى

{سكنا} مسكونا فيه من قوله لتسكنوا فيه أى ليسكن فيه الخلق عن كد المعيشة إلى نوم الغفلة أو عن وحشة الخلق إلى الأنس بالحق

{والشمس والقمر} انتصبا باضمار فعل يدل عليه جاعل الليل أى وجعل الشمس والقمر

{حسبانا} أى جعلهما على حسبان لأن حساب الأوقات يعلم بدورهما وسيرهما والحسبان بالضم مصدر حسب كما أن الحسبان بالكسر مصدر حسب

{ذلك} إشارة إلى جعلهما حسبانا أى ذلك التسيير بالحساب المعلوم

{تقدير العزيز} الذى قهرهما وسخرهما

{العليم} بتدبيرهما وتدويرهما

٩٧

{وهو الذي جعل لكم النجوم} خلقها

{لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر} أى فى ظلمات الليل بالبر والبحر وأضافها اليهما لملابستها لهما أو شبه مشتبهات الطرق بالظلمات

{قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون} قد بينا الآيات الدالة على التوحيد لقوم يعلمون

٩٨

{وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة} هى آدم عليه السلام

{فمستقر ومستودع} فمستقر بالكسر مكى وبصرى فمن فتح القاف كان المستودع اسم مكان مثله ومن كسرها كان اسم فاعل والمستودع اسم مفعول يعنى فلكم مستقر فى الرحم ومستودع فى الصلب أو مستقر فوق الأرض ومستودع تحتها أو فمنكم مستقر ومنكم مستودع

{قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون} و إنما قيل يعلمون ثم ويفقهون هنا لأن الدلالة ثم أظهر و هنا أدق لأن انشاء الانس من نفس واحدة وتصريفهم بين احوال مختلفة أدق فكان ذكر الفقه الدال على تدقيق النظر أوفق

٩٩

{وهو الذي أنزل من السماء ماء} من السحاب مطرا

{فأخرجنا به} بالماء

{نبات كل شيء} نبت كل صنف من أصناف النامى أى السبب وهو الماء واحد والمسببات صنوف مختلفة

{فأخرجنا منه} من النبات

{خضرا} أى شيئا غضا أخضر يقال أخضر وخضر وهو ما تشعب من أصل النبات الخارج من الحبة

{نخرج منه} من الخضر

{حبا متراكبا} وهو السنبل الذى تراكب فيه حبه

{ومن النخل من طلعها قنوان} وهو جمع قنو وهو العذق نظيره صنو وصنوان

{دانية} من المجتنى لا نحنائها يثقل حملها أو لقصر ساقها وفيه اكتفاء أى وغير دانية لطولها كقوله سرابيل تقيكم الحر

{وجنات} بالنصب عطفا على نبات كل شيء أى وأخرجنا به جنات

{من أعناب} أى مع النخل وكذا

{والزيتون والرمان} وجنات بالرفع الأعشى أى وثم جنات من أعناب أى مع النخل

{مشتبها وغير متشابه} يقال اشتبه الشيئان وتشابها نحو استويا وتساويا والافتعال والتفاعل يشتركان كثيرا أو تقديره والزيتون متشابها وغير متشابه والرمان كذلك يعنى بعضه متشابه وبعضه غير متشابه فى القدر واللون والطعم

{انظروا إلى ثمره إذا أثمر} إذا أخرج ثمره كيف يخرجه ضعيفا لا ينتفع به

{وينعه} ونضجه أى انظروا إلى نضجه كيف يعود شيئا جامعا لمنافع نظراعتبار واستدلال على قدره مقدرة ومدبره وناقله من حال الىحال

{إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون} ثمرة وكذا ما بعده حمزة وعلى جمع ثمار فهو جمع الجمع يقال ثمرة وثمر وثمار وثمر

١٠٠

{وجعلوا للّه شركاء الجن} أن جعلت للّه شركاء مفعولى جعلوا كان الجن بدلا من شركاء و إلا كان شركاء الجن مفعولين قدم ثانيهما على الأول وفائدة التقديم استعظام أن يتخذللّه شريك من كان ملكا أو جنبا أو غير ذلك والمعنى أنهم أطاعوا الجن فيما سولت لهم من شركهم فجعلوهم شركاء للّه

{وخلقهم} أى وقد خلق الجن فكيف يكون المخلوق شريكا لخالقه والجملة حال أو وخلق الجاعلين للّه شركاء فكيف يعبدون غيره

{وخرقوا له} أى اختلفوا يقال خلق الافك وخرقه واختلفه واخترقه بمعنى أو هو من خرق الثوب أذا شقه أى اشتقوا له

{بنين} كقول أهل الكتابين فى المسيح وعزير

{وبنات} كقول بعض العرب فى الملائكة وخرقوا بالتشديد للتكثير مدنى لقوله بنين وبنات

{بغير علم} من غير أن يعلموا حقيقة ما قالوا من خطأ أو صواب ولكن رميا بقول عن جهالة وهو حال من فاعل خرقوا أى جاهلين بما قالوا

{سبحانه وتعالى عما يصفون} من الشريك والولد

١٠١

{بديع السماوات والأرض} يقال بدع الشئ فهو بديع وهو من إضافة الصفة المشبهة إلى فاعلها يعنى بديع سمواته وأرضه أو هو بمعنى المبدع أى مبدعها وهو خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ وخبره

{أنى يكون له ولد} أو هو فاعل تعالى

{ولم تكن له صاحبة} أى من يكون له ولد والولد لا يكون إلا من صاحبة ولا صاحبة له ولأن الولادة من صفات الأجسام ومخترع الأجسام لا يكون جسما حتى يكون له ولد

{وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم} أى ما من شيء إلا وهو خالقه وعالمه ومن كان كذلك كان غنيا عن كل شيء والوالد إنما يطلبه المحتاج

١٠٢

{ذلكم} إشارة إلى الموصوف بما تقدم من الصفات وهو مبتدأ وما بعده أخبار مترادفة وهى

{اللّه ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء} وقوله

{فاعبدوه} مسبب عن مضمون الجملة أى من استجمعت له هذه الصفات كان هوالحقيقى بالعبادة فاعبدوه ولا تعبدوا من دونه من بعض خلقه

{وهو على كل شيء وكيل} أى هو مع تلك الصفات مالك لكل شيء من الأرزاق والآجال رقيب على الأعمال

١٠٣

{لا تدركه الأبصار} لا تحيط به أو أبصار من سبق ذكرهم وتشبث المعتزلة بهذه الآية لا يستنب لأن المنفى هو الإدراك لا الرؤيه والادراك هو الوقوف على جوانب المرئى وحدوده وما يستحيل عليه الحدود والجهات يستحيل إدراكه لا رؤيته فنزل الإدراك من الرؤية منزلة الاحاطة من العلم ونفى الإحاطة التى تقتضى الوقوف على الجوانب والحدود لا يقتضى نفى العلم به فهكذا هذا على أن مورد الآية وهو التمدح يوجب ثبوت الرؤية اذ نفى ادراك ما تستحيل رؤيته لا تمدح فيه لأن كل مالايرى لا يدرك وانما التمدح بنفى الإدراك مع تحقيق الرؤية إذ انتفاؤه مع تحقق الرؤية دليل ارتفاع نقيصة التناهى والحدود عن الذات فكانت الآية حجة لنا علهيم ولو أنعموا النظر فيها لاغتنموا التقصى عن عهدتها ومن ينفى الرؤية يلزمه نفى أنه معلوم موجود والافكما يعلم موجودا بلاكيفية وجهة بخلاف كل موجود لم يجز أن يرى بلا كيفية وجهة بخلاف كل مرئى وهذا لأن الرؤية تحقق الشئ بالبصر كما هو فإن كان المرئى فى الجهة يرى فيها وان كان إلا فى الجهة يرى لافيها

{وهو} للطف إدراكه

{يدرك الأبصار وهو اللطيف} أى العالم بدقائق الأمور ومشكلاتها

{الخبير} العليم بظواهر الأشياء وخفياتها وهو من قبيل اللف والنشر

١٠٤

{قد جاءكم بصائر من ربكم} البصيرة نور القلب الذى به يستبصر القلب كما أن البصر نور العين الذى به تبصر أى جاءكم من الوحى والتنبيه ما هو للقلوب كالبصائر

{فمن أبصر} الحق وآمن

{فلنفسه} أبصر واياها نفع

{ومن عمي} عنه وضل

{فعليها} فعلى نفسه عمى وإياها ضر بالعمى

{وما أنا عليكم بحفيظ} أحفظ أعمالكم وأجازيكم عليها إنما انا منذر واللّه هو الحفيظ عليكم الكاف فى

١٠٥

{وكذلك نصرف الآيات} فى موضع نصب صفة المصدر المحذوف أى نصرف الآيات تصريفا مثل ما تلونا عليك

{وليقولوا} جوابه محذوف أى وليقولوا

{درست} نصرفها ومعنى درست قرأت كتب أهل الكتاب دارست مكى و أبو عمرو أى دارست أهل الكتاب درست شامى أى قدمت هذه الآية ومضت كما قالوا أساطير الأولين

{ولنبينه} أى القرآن و أن لم يجر له ذكر لكونه معلوما أو الآيات لانها فى معنى القرآن قبل اللام الثاينة حقيقة والأولى لام العاقبة والصيرورة أى لنصير عاقبة امرهم إلى أن يقولوا درست وهو كقولك فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا وهم لم يلتقطوه للعداوة وانما التقطوه ليصير لهم قرة عين ولكن صارت عاقبة أمرهم إلى العداوة فكذلك الآيات صرفت للتبيين ولم تصرف ليقولوا درست ولكن حصل هذا القول بتصريف الآيات كما حصل النبيين فشبه به وقيل ليقولوا لنبينه وعندنا ليس كذلك لما عرف

{لقوم يعلمون} الحق من الباطل

١٠٦

{اتبع ما أوحي إليك من ربك} ولا تتبع أهواءهم

{لا إله إلا هو} اعتراض أكد به اتباع الوحى لا محل له من الإعراب أو حال من ربكم مؤكدة

{وأعرض عن المشركين} فى الحال إلى أن يرد الأمر بالقتال

١٠٧

{ولو شاء اللّه} أى إيمانهم فالمفعول محذوف

{ما أشركوا} بين أنهم لا يشركون على خلاف مشيئة اللّه ولو علم منهم اختيار الإيمان لهداهم إليه ولكن علم منهم اختيار الشرك فشاء شركهم فاشركوا بمشيئته

{وما جعلناك عليهم حفيظا} مراعيا لأعمالهم مأخوذا باجرامهم

{وما أنت عليهم بوكيل} بمسلط وكان المسلمون يسبون آلهتهم فنهوا لئلا يكون سبهم سببا لسب اللّه بقوله

١٠٨

{ولا تسبوا} آلهة

{الذين يدعون من دون اللّه فيسبوا اللّه} منصوبا على جواب النهى

{عدوا} ظلما وعدوانا

{بغير علم} على جهالة باللّه وبما يجب أن يذكر به

{كذلك} مثل ذلك التزيين

{زينا لكل أمة} من أمم الكفار

{عملهم} وهو كقوله أفمن زين له سوء علمه فرآه حسنا فإن اللّه يضل من يشاء ويهدى من يشاء وهو حجة لنا فى الأصلح

{ثم إلى ربهم مرجعهم} مصيرهم

{فينبئهم بما كانوا يعملون} فيخبرهم بما عملوا ويجزيهم عليه

١٠٩

{وأقسموا باللّه جهد أيمانهم} جهد مصدر وقع موقع الحال أى جاهدين فى الاتيان بأوكد الإيمان

{لئن جاءتهم آية} من مفترحاتهم

{ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند اللّه} وهو قادر عليها لا عندى فكيف آتيكم بها

{وما يشعركم} وما يدريكم

{إنها} أن الآية المقترحة

{إذا جاءت لا يؤمنون} بها يعنى انا أعلم أنها إذا جاءت لا يؤمنون بها وأنتم لا تعلمون ذلك وكان المؤمنون يطمعون فى ايمانهم إذا جاءت تلك الآية ويتمنون مجيئها فقال اللّه تعالى وما يدريكم أنهم لا يؤمنون على معنى إنكم لا تدرون ما سبق علمى به من أنهم لا يؤمنون إنها بالكسرة مكى وبصرى و أبو بكر على أن الكلام تم قبله أى وما يشعركم ما يكون منهم ثم أخبرهم بعلمه فيهم فقال أنها إذا جاءت لا يؤمنون ألبته ومنهم من جعل لا مزيدة فى قراءة الفتح كقوله وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون لا تؤمنون شامى وحمزة

١١٠

{ونقلب أفئدتهم} عن قبول الحق

{وأبصارهم} عن رؤية الحق عند نزول الآية التى اقترحوها فلا يؤمنون بها قيل هو عطف على لا يؤمنون داخل فى حكم وما يعشركم أى وما يشعركم أنهم لا يؤمنون وما يشعركم انا نقلب أفئدتهم وأبصارهم فلا يفقهون ولا يبصرون الحق

{كما لم يؤمنوا به أول مرة} كما كانوا عند نزول آياتنا اولا لا يومنون بها

{ونذرهم في طغيانهم يعمهون} قيل وما يشعركم انا نذرهم فى طغيانهم يعمهون يتحيرون

١١١

{ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة} كما قالوا لولا أنزل علينا الملائكة

{وكلمهم الموتى} كما قالوا فأتوا بآبائنا

{وحشرنا عليهم} جمعنا

{كل شيء قبلا} كفلاء بصحة ما بشر نابه وأنذرنا جمع قبيل وهو الكفيل قبلا مدنى وشامى أى عيانا وكلاهما نصب على الحال

{ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء اللّه} إيمانهم فيؤمنوا وهذا جواب لقول المؤمنين لعلهم يؤمنون بنزول الآية

{ولكن أكثرهم يجهلون} ان هؤلاء لا يؤمنون إذا جاءتهم الآية المقترحة

١١٢

{وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا} وكما جعلنا لك أعداء من المشركين جعلنا لمن تقدمك من الانبياء أعداء لما فيه من الابتلاء الذى هو سبب ظهور الثبات والصبروكثرة الثواب والأجر وانتصب

{شياطين الإنس والجن} على البدل من عدو أو على أنه من المفعول الأول وعدوا مفعول ثان

{يوحي بعضهم إلى بعض} يوسوس شياطين الجن إلى شياطين الانس وكذلك بعض الجن إلى بعض وبعض الانس إلى بعض وعن مالك بن دينار أن شيطان الانس أشد على من شيطان الجن لانى إذا تعوذت باللّه ذهب شيطان الجن عنى وشيطان الانس يجيئنى فيجرنى إلى المعاصى عيانا وقال عليه السلام: قرناء السوء شر من شياطين الجن

{زخرف القول} ما زينوه من القول والوسوسة والاغراء على المعاصى

{غرورا} خداعا وأخذا على غرة وهو مفعول له

{ولو شاء ربك ما فعلوه} أى الايحاء يعنى ولو شاء اللّه لمنع الشياطين من الوسوسة ولكنه امتحن بما يعلم أنه أجزل فى الثواب

{فذرهم وما يفترون} عليك وعلى اللّه فإن اللّه يخزيهم وينصرك ويجزيهم

١١٣

{ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة} ولتميل إلى زخرف القول قلوب الكفار وهى معطوفة على غرورا أى ليغروه ولتصفى إليه

{وليرضوه} لأنفسهم

{وليقترفوا ما هم مقترفون} من الآثام

١١٤

{أفغير اللّه أبتغي حكما} أى قل يا محمد أفغير اللّه أطلب حاكما يحكم بينى وبينكم ويفصل المحق منا من المبطل

{وهو الذي أنزل إليكم الكتاب} المعجز

{مفصلا} حال من الكتاب أى مبينا فيه الفصل بين الحق والباطل والشهادة لى بالصدق وعليكم بالافتراء ثم عضد الدلالة على أن القرآن حق بعلم أهل الكتاب أنه حق لتصديقه ماعندهم وموافقته له بقوله

{والذين آتيناهم الكتاب} أى عبد اللّه بن سلام وأصحابه

{يعلمون أنه منزل} شامى وحفص

{من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين} الشاكين فيه أيها السماع أو فلا تكونن من الممترين فى أن أهل الكتاب يعلمون أنه منزل بالحق ولا يربك جحودا اكثرهم وكفرهم به

١١٥

{وتمت كلمة ربك} أى ما تكلم به كلمات ربك حجازى وشامى و أبو عمرو أى ثم كل ما أخبر به و أمر ونهى ووعد واوعد

{صدقا} فى وعده ووعيده

{وعدلا} فى أمره ونهيه وانتصبا على التمييز أو على الحال

{لا مبدل لكلماته} لا أحد يبدل شيئا من ذلك

{وهو السميع} لإقرار من اقر

{العليم} بإصرار من أصر أو السميع لما يقولون العليم بما يضمرون

١١٦

{وإن تطع أكثر من في الأرض} أى الكفار لأنهم الأكثرون

{يضلوك عن سبيل اللّه} دينه

{إن يتبعون إلا الظن} وهو ظنهم أن آباءهم كانوا على الحق فهم يقلدونهم

{وإن هم إلا يخرصون} يكذبون فى أن اللّه حرم عليهم كذا واحل لهم كذا

١١٧

{إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين} أى هو يعلم الكفار والمؤمنين من رفع بالابتداء ولفظها لفظ الاستفهام والخبر يضل وموضع الجملة نصب بيعلم المقدر لا باعلم لأن أفعل لا يعمل فى الاسم الظاهر النصب ويعمل الجر وقيل تقديره أعلم بمن يضل بدليل ظهور الباء بعده فى المهتدين

١١٨

{فكلوا مما ذكر اسم اللّه عليه إن كنتم بآياته مؤمنين} هو مسبب على انكار اتباع المضلين الذين يحلون الحرام ويحرمون الحلال وذلك أنهم كانوا يقولون للمسلمين انكم تزعمون انكم تعبدون اللّه فما قتل اللّه أحق أن تأكلوا مما قتلتم أنتم فقيل للمسليمن إن كنتم متحققين بالإيمان فكلوا مما ذكر اسم اللّه عليه خاصة أى على ذبحه دون ما ذكر عليه اسم غيره من آلهتم أو مات حتف أنفه

١١٩

{وما لكم ألا تأكلوا} ما استفهام فى موضع رفع بالابتداء ولكم الخبر أى و أى غرض لكم فى أن لا تأكلوا

{مما ذكر اسم اللّه عليه وقد فصل لكم} بين لكم

{ما حرم عليكم} مما لم يحرم بقوله

{حرمت عليكم الميتة} فصل وحرم كوفى غير حفص وبفتحهما مدنى وحفص وبضمهما غيرهم

{إلا ما اضطررتم إليه} مما حرم عليكم فانه حلال لكم فى حال الضرورة أى شدة المجاعة إلى أكله

{وإن كثيرا ليضلون} ليضلون كوفى

{بأهوائهم بغير علم} أى يضلون فيحرمون ويحللون بأهوائهم وشهواتهم من غير تعلق بشريعة

{إن ربك هو أعلم بالمعتدين} بالمتجاوزين من الحق إلى الباطل

١٢٠

{وذروا ظاهر الإثم وباطنه} علانيته وسره أو الزنا فى الحوانيت والصديقه فى السر أو الشرك الجلى والخفى

{إن الذين يكسبون الإثم سيجزون} يوم القيامة

{بما كانوا يقترفون} يكتسبون فى الدنيا

١٢١

{ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم اللّه عليه} عند الذبح

{وإنه} و إن اكله

{لفسق وإن الشياطين ليوحون} ليوسوسون

{إلى أوليائهم} من المشركين

{ليجادلوكم} بقولهم لا تأكلون مما قتله اللّه وتأكلون مما تذبحون بايديكم و الآية تحرم متروك التسمية وخصت حالة النسيان بالحديث أو يجعل الناسي ذاكرا تقديرا

{وإن أطعتموهم} فى استحلال ماحرمه اللّه

{إنكم لمشركون} لأن من اتبع غير اللّه دينه فقد أشرك به ومن حق المتدين أن لا ياكل مما لم يذكر اسم اللّه عليه لما فى الآية من التشديد العظيم ومن أول الآية بالميتة وبما ذكر غير اسم اللّه عليه لقوله أو فسقا أهل لغير اللّه به وقال أن الواو فى وانه لفسق للحال لأن عطف الجملة الاسمية على الفعلية لا يحسن فيكون القتدير ولا تاكلوا منه حال كونه فسقا والفسق مجمل فبين بقوله أو فسقا أهل لغير اللّه به فصار التقدير ولا تأكلوا منه حال كونه مهلا لغير اللّه به فيكون ما سواه حلالا بالعمومات المحلة منها قوله قل لا أجد الآية فقد عدل عن ظاهر اللفظ

١٢٢

{أو من كان ميتا فأحييناه} أى كافرا فهديناه لأن الإيمان حيات القلوب ميتا مدنى

{وجعلنا له نورا يمشي به في الناس} مستضيا به والمراد به اليقين

{كمن مثله} أى صفته

{في الظلمات} أى خابط فيها

{ليس بخارج منها} لا يفارقها ولا يتخلص منها وهو حال قيل المراد بهما حمزة و أبو جهل والأصح أن الآية عامة لكل من هداه اللّه ولكل من أضله اللّه فبين أن مثل المهتدى مثل الميت الذى أحيى وجعل مستضيئا يمشى فى الناس بنور الحكمة والإيمان ومثل الكافر مثل من هو فى الظمات التى لا يتخلص منها

{كذلك} كما زين للمؤمن إيمانه

{زين للكافرين} بتزيين اللّه تعالى كقوله زينا لهم أعمالهم

{ما كانوا يعملون} أى أعمالهم

١٢٣

{وكذلك} أى وكما جعلنا فى مكة صناديدها ليمكروا فيها

{جعلنا} صيرنا

{في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها} ليتجبروا على الناس فيها ويعملوا بالمعاصى واللام على ظاهرها عند أهل السنة وليست بلام العاقبة وخص الأكابر وهم الرؤساء لأن ما فيهم من الرياسةوالسعة أدعى لهم إلى المكر والكفر من غيرهم دليله ولو بسط اللّه الرزق لعباده لبغوا فى الأرض ثم سلى رسوله عليه السلام ووعد له النصرة بقوله

{وما يمكرون إلا بأنفسهم} لأن مكرهم يحيق بهم

{وما يشعرون} أنه يحيق بهم أكابر مفعول أول والثانى فى كل قرية ومجرميها بدل من أكابر أو الأول مجرميها والثانى أكبار والتقدير مجرميها أكابر ولما قال أبو جهل زاحمنا بنو عبد مناف فى الشرف حتى إذا صرنا كفرسى رهان قالوا منا نبى يوحى إليه واللّه لا نرضى به إلا أن يأتينا وحى كما يأتيه نزل

١٢٤

{وإذا جاءتهم} أى الأكابر

{آية} معجزة أو آية من القرآن تأمرهم بالإيمان

{قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل اللّه} أى نعطى من الآيات مثل ما أعطى الأنبياء فأعلم اللّه تعالى أنه أعلم بمن يصلح للنبوة فقال تعالى

{اللّه أعلم حيث يجعل رسالته} مكى وحفص رسالاته غيرها حيث مفعول به والعامل محذوف والتقدير يعلم موضع رسالته

{سيصيب الذين أجرموا} من أكابرها

{صغار} ذل وهوان

{عند اللّه} فى القيامة

{وعذاب شديد} فى الدارين من القتل والأسر وعذاب النار

{بما كانوا يمكرون} فى الدنيا

١٢٥

{فمن يرد اللّه أن يهديه يشرح صدره للإسلام} يوسعه وينور قلبه قال عليه السلام إذا دخل الندر فى القلب انشرح وانفتح قيل وما علامة ذلك قال الإنابة إلى دار الخلود والتجافى عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزول الموت

{ومن يرد} أى اللّه

{أن يضله يجعل صدره ضيقا} ضيقا مكى

{حرجا} صفة لضيقا مدنى و أبو بكر بالغا فى الضيق حرجا غيرهما وصفا بالمصدر

{كأنما يصعد في السماء} كأنه كلف أن يصعد إلى السماء إذا دعى إلى الإسلام من ضيق صدره عن إذا ضاقت عليه الأرض فطلب مصعدا في السماء أو كعازب الرأى طائر القلب في الهواء يصعد مكى يصاعد أبو بكر وأصله يتصاعد الباقون يصعدو أصله يتصعد

{كذلك يجعل اللّه الرجس} العذاب فى الآخرة واللعنة فى الدنيا

{على الذين لا يؤمنون} و الآية حجة لنا على المعتزلة فى إرادة المعاصي

١٢٦

{وهذا صراط ربك} أى طريقة الذى اقتضته الحكمة وسنته فى شرح صدر من أراد هدايته وجعله ضيقا لمن أراد ضلاله

{مستقيما} عادلا مطردا أو حال مؤكدة

{قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون} يتعظون

١٢٧

{لهم} أى لقوم يذكرون

{دار السلام} دار اللّه يعنى الجنة أضافها إلى نفسه تعظيما لها أو دار السلامة من كل آفةوكدر أو السلام التحية سميت دار السلام لقوله تحيتهم فيها سلام * إلا قيلا سلاما سلاما

{عند ربهم} فى ضمانه

{وهو وليهم} محبهم أو ناصرهم على أعدائهم

{بما كانوا يعملون} بأعمالهم أو متوليهم بجزاء ما كانوا يعملون أو هو ولينا فى الدنيا بتوفيق الأعمال وفى العقبى تبحقيق الآمال

١٢٨

{ويوم نحشرهم جميعا} وبالياء حفص أى واذكر يوم نحشرهم أو ويوم نحشرهم قلنا

{يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس} أضللتم منهم كثيرا وجعلتموهم أتباعكم كما تقول استكثر الأمير من الجنود

{وقال أولياؤهم من الإنس} الذين أطاعوهم واستمعوا إلى وسوستهم

{ربنا استمتع بعضنا ببعض} أى انتفع الإنس بالشياطين حيث دلوهم على الشهوات وعلى أسباب التوصل اليها وانتفع الجن بالانس حيث أطاعوهم وساعدوهم على مرادهم فى إغوائهم

{وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا} يعنون يوم البعث وهذا الكلام اعتراف بما كان منهم من طاعة الشياطين واتباع الهوى والتكذيب بالبعث وتحسر على حالهم

{قال النار مثواكم} منزلكم

{خالدين فيها} حال والعامل معنى الإضافة كقوله تعالى

{أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين} فمصبيحن الحال من هؤلاء والعامل فى الحال معنى الإضافة إذ معناه الممازجة والمضامة والمثوى ليس بعامل لأن المكان لا يعمل فى شيء

{إلا ما شاء اللّه} أى يخلدون فى عذاب النار الأبد كله إلا ماشاء اللّه إلا الاوقات التى ينقلون فيها من عذاب السعير إلى عذاب الزمهرير

{إن ربك حكيم} فيما يفعل بأوليائه وأعدائه

{عليم} بأعمالهم فيجزى كلا علىوفق علمه

١٢٩

{وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا} نتبع بعضهم بعض فى النار أو نسلط بعضهم على بعض أو نجعل بعضهم أولياء بعض

{بما كانوا يكسبون} بسبب ما كسبوا من الكفر والمعاصى ثم يقال لهم يوم القيامة على جهة التوبيخ

١٣٠

{يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم} عن الضحاك بعث إلى الجن رسلا منهم كما بعث إلى الإنس رسلا منهم لأنهم به آنس وعليه ظاهر النص وقال آخرون الرسل من الإنس خاصة و إنما قيل رسل منكم لأنه لما جمع الثقلين فى الخطاب صح ذلك و إن كان من أحدهما كقوله يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان أو رسلهم رسل نبينا كقوله ولوا إلى قومهم منذرين

{يقصون عليكم آياتي} يقرءون كتبى

{وينذرونكم لقاء يومكم هذا} يعنى يوم القيامة

{قالوا شهدنا على أنفسنا} بوجوب الحجة علينا وتبليغ الرسل إلينا

{وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين} بالرسل

١٣١

{ذلك} إشارة إلى ما تقدم من بعثة الرسل اليهم وهو خبر مبتدأ محذوف أى الأمر ذلك

{أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون} تعليل أى الأمر ما قصصنا عليك لانتفاء كون ربك مهلك القرى بظلم على أن أن مصدريه ويجوز أن تكون مخففة من الثقيلة والمعنى لأن الشأن والحديث لم يكن ربك مهلك القرى بظلم بسبب ظلم أقدموا عليه أو ظالما على أنه لو أهلكهم وهم غافلون لم ينهوا برسول وكتاب لكان ظالما وهو متعال عنه

١٣٢

{ولكل} من المكلفين

{درجات} منازل

{مما عملوا} من جزاء أعمالهم وبه استدل أبو يوسف ومحمد رحمهما اللّه على أن للجن الثواب بالطاعة لأنه ذكر عقيب ذكر الثقلين

{وما ربك بغافل عما يعملون} بساه عنه وبالتاء شامى

١٣٣

{وربك الغني} عن عباده وعن عباتهم

{ذو الرحمة} عليهم بالتكليف ليعرضهم للمنافع الدائمة

{إن يشأ يذهبكم} أيها الظلمة

{ويستخلف من بعدكم ما يشاء} من الخلق المطيع

{كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين} من أولاد قوم آخرين لم يكونوا على مثل صفتكم وهم أهل سفينة نوح عليه السلام

١٣٤

{إن ما} ما بمعنى الذى

{توعدون} من البعث والحساب والثواب والعقاب

{لآت} خبر أن أى لكائن

{وما أنتم بمعجزين} بفائتين رد لقولهم من مات فقد فات المكانة تكون مصدرا يقال مكن مكانة إذا تمكن أبلغ التمكن وبمعنى المكان يقال مكان ومكانة ومقام ومقامة وقوله

١٣٥

{يا قوم اعملوا على مكانتكم} يحتمل اعملوا على تمكنكم من أمركم وأقصى استطاعتكم وإمكانكم واعملوا على جهتكم وحالكم التى انتم عليها ويقال للرجل إذا أمر أن يثبت على حاله على مكانتك يا فلان أى اثبت على ما أنت عليه

{إني عامل} على مكانتى التى أنا عليها أى اثبتوا على كفركم وعداوتكم لى فإنى ثابت على الإسلام وعلى مصابرتكم وهو أمر تهديد ووعيد ودليله قوله

{فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار} أى فسوف تعلمون أينا تكون له العاقبة المحمودة وهذا طريق لطيف فى الإنذار

{إنه لا يفلح الظالمون} أى الكافرون مكاناتكم حيث كان أبو بكر يكون حمزة وعلى وموضع من رفع إذا كان بمعنى أى وعلق عنه فعل العلم أو نصب إذا كان بمعنى الذى

١٣٦

{وجعلوا للّه مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا} أى وللأصنام نصيبا فاكتفى بدلالة قوله تعالى

{فقالوا هذا للّه بزعمهم وهذا لشركائنا} بزعمهم على وكذا ما بعده أى زعموا أنه للّه واللّه لم يأمرهم بذلك ولا شرع لهم تلك القسمة

{فما كان لشركائهم فلا يصل إلى اللّه} أى لا يصل إلى الوجوه التى كانوا يصرفونه اليها من قرى الضيفان والتصدق على المساكين

{وما كان للّه فهو يصل إلى شركائهم} من انفاقهم عليها والإجراء على سدنتها روى أنهم كانوا يعينون أشياء من حرث ونتاج للّه وأشياء منهما لآلهتم فإذا رأوا ما جعلوا للّه زاكيا ناميا رجعوا فجعلوه للأصنام و إذا زكا ما جعلوه للأصنام تركوه لها وقالوا أن اللّه غنى و إنما ذاك لحبهم آلهتهم وإيثارهم لها وفى قوله

{مما ذرأ} إشارة إلى أن اللّه كان أولى بأن يجعل له الزاكى لأنه هو الذى ذرأه ثم ذم صنيعهم بقوله

{ساء ما يحكمون} فى إيثار آلهتهم على اللّه وعملهم على مالم يشرع لهم وموضع ما رفع أى ساءالحكم حكمهم أو نصب أى ساء حكما حكمهم

١٣٧

{وكذلك زين لكثير من المشركين} أى كما زين لهم تجزئة المال زين وأد البنات

{قتل} مفعول زين

{أولادهم شركاؤهم} هو فاعل زين زين بالضم قتل بالرفع أولادهم بالنصب شركائهم بالجر شامى على إضافة القتل إلى الشركاء أي الشياطين والفصل بينهما بغير الظرف وهو المفعول وتقديره زين لكثير من المشركين قتل شركائهم اولادهم

{ليردوهم} ليهلكوهم بالإغواء

{وليلبسوا عليهم دينهم} وليخلطوا عليهم ويشوبوه ودينهم ما كانوا عليه من دين إسمعيل حتى زلوا عنه إلى الشرك

{ولو شاء اللّه ما فعلوه} وفيه دليل على أن الكائنات كلها بمشيئة اللّه تعالى

{فذرهم وما يفترون} وما يفترونه من الافك أو وافتراءهم لأن ضرر ذلك الافتراء عليهم لا عليك ولا علينا

١٣٨

{وقالوا هذه أنعام وحرث} للأوثان

{حجر} حرام فعل بمعنى المفعول كالذبح والطعن ويستوى فى الوصف به المذكر والمؤنث والواحد والجمع لأن حكمه حكم الأسماء غير الصفات وكانوا إذا عينوا أشياء من حرثهم وانعامهم لآلهتهم قالوا

{لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم} يعنون خدم الأوثان والرجال دون النساء والزعم قول الظن يشوبه الكذب

{وأنعام حرمت ظهورها} هى البحائر والسوائب والحوامى

{وأنعام لا يذكرون اسم اللّه عليها} حالة الذبح و إنما يذكرون عليها أسماء الأصنام

{افتراء عليه} هو مفعول له أو حال أى قسموا أنعامهم قسم حجر وقسم لا يركب وقسم لا يذكر اسم اللّه عليها ونسبوا ذلك إلى اللّه افتراء عليه

{سيجزيهم بما كانوا يفترون} وعيد

١٣٩

{وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا} كانوا يقولون في أجنة البحائر والسوائب ما ولد منها حيا فهو خالص للذكور لا يأكل منه الإناث وما ولد ميتا اشترك فيه الذكور والإناث و أنث خالصة وهو خبر ما للحمل على المعنى لأن ما فى معنى الأجنة وذكر ومحرم حملا على اللفظ أو التاء للمبالغة كنسابة

{وإن يكن ميتة} أى و أن يكن ما فى بطونها ميتة وان تكن ميتة أبو بكر أى وان تكن الأجنة ميتة وان تكن ميته شامى على كان التامة يكن مية مكى لتقدم الفعل وتذكير الضمير فى

{فهم فيه شركاء} لأن الميتة اسم لكل ميت ذكر أو أنثى فكأنه قيل وان يكن ميت فهم فيه شركاء

{سيجزيهم وصفهم} جزءا وصفهم الكذب على اللّه فى التحليل والتحريم

{إنه حكيم} فى جزائهم

{عليم} باعتقادهم

١٤٠

{قد خسر الذين قتلوا أولادهم} كانوا يئدون بناتهم مخافة السبى والفقر قتلوا مكى وشامى

{سفها بغير علم} لخفة أحلامهم وجهلهم بأن للّه هو رازق أولادهم لا هم

{وحرموا ما رزقهم اللّه} من البحائر والسوائب وغيرها

{افتراء على اللّه} مفعول له

{قد ضلوا وما كانوا مهتدين} إلى الصواب

١٤١

{وهو الذي أنشأ} خلق

{جنات} من الكروم

{معروشات} مسموكات مرفوعات

{وغير معروشات} متروكات على وجه الأرض لم تعرش يقال عرشت الكرم إذا جعلت له دعائم وسمكا تعطف عليه القضبان

{والنخل والزرع مختلفا} فى اللون والطعم والحجم والرائحة وهو حال مقدرة لأن النخل وقت خروجه لا أكل فيه حتى يكون مختلفا وهو كقوله

{فادخلوها خالدين} أكله اكله حجازى وهو ثمره الذى يؤكل والضمير للنخل الزرع داخل فى حكمه لأنه معطوف عليه أو لكل واحد

{والزيتون والرمان متشابها} فى اللون

{وغير متشابه} فى الطعم

{كلوا من ثمره} من ثمر كل واحد وفائدة إذا أثمر أن يعلم أن أول وقت الإباحة وقت اطلاع الشجر الثمر ولا يتوهم أنه لا يباح إلا إذا أدرك

{وآتوا حقه} عشره وهو حجة ابى حنيفة رحمه اللّه فى تعيمم العشر

{يوم حصاده} بصرى وشامى وعاصم وبكسر الجاء غيرهم وهما لغتان

{ولا تسرفوا} بإعطاء الكل وتضييع العيال وقوله كلوا إلى

{إنه لا يحب المسرفين} اعتراض

١٤٢

{ومن الأنعام حمولة وفرشا} عطف على جنات أى وأنشأ من الأنعام ما يحمل الأثقال وما يفرش للذبح أو الحمولةالكبار التى تصلح للحمل والفرش الصغار كالفصلان والعجاجيل والغنم لانها دانية من الأرض مثل الفرش المفروش عليها

{كلوا مما رزقكم اللّه} أى ما أحل لكم منها ولا تحرموها كما فى الجاهلية

{ولا تتبعوا خطوات الشيطان} طرقه فى التحليل والتحريم كفعل أهل الجاهلية

{إنه لكم عدو مبين} فانهموه على دينكم

١٤٣

{ثمانية أزواج} بدل من حمولة وفرشا

{من الضأن اثنين ومن المعز اثنين} زوجين اثنين يريد الذكر والأنثى والواحد إذا كان وحده فهو فرد و إذا كان معه غيره من جنسه سمى كل واحد منهما زوجا وهما زوجان بدليل قوله خلق الزوجين الذكر والأنثى ويدل عليه قوله ثمانية أزواج ثم فسرها بقوله من الضأن اثنين ومن المعز اثنين ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين والضأن والمعز جمع ضائن وماعز كتاجر وتجر وفتح عين المعز مكى وشامى و أبو عمرو وهما لغتان والهمزة فى

{قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين} للانكار والمراد بالذكرين الذكر من الضأن والذكر من المعز والانثيين الأنثى من الضأن والأنثى من المعز والمعنى إنكار أن يحرم اللّه من جنسى الغنم ضأنها ومعزها شيئا من نوعى ذكورها وإناثها ولا مما تحمل الاناث وذلك انهم كانوا يحرمون ذكورة الأنعام تارة وإناثها طورا وأولادها كيفا كانت ذكورا أو إناثا أو مختلطة وكانوا يقولون قد حرمها اللّه فأنكر ذلك عليهم وانتصب آلذكرين يحرم وكذا أم الانثيين أى أم حرم الانثيين وكذا ما فى أم ما اشتملت

{نبئوني بعلم} أخبرونى بأمر معلوم من جهة اللّه يدل على تحريم ما حرمتم

{إن كنتم صادقين} فى أن اللّه حرمه

١٤٤

{ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين قل آلذكرين} منهما

{حرم أم الأنثيين} منهما

{أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين} أم ما تحمل أناثها

{أم كنتم شهداء} أى منقطعة أى بل كنتم شهداء

{إذ وصاكم اللّه بهذا} يعنى أم شاهدتم ربكم حين أمركم بهذا التحريم ولما كانوا لا يؤمنون برسول اللّه وهم يقولون اللّه حرم هذا الذي نحرمه تهكم بهم فى قوله

{أم كنتم شهداء} على معنى أعرفتم التوصية به مشاهدين لانكم لا تؤمنون بالرسل

{فمن أظلم ممن افترى على اللّه كذبا} فنسب إليه تحريم ما لم يحرم

{ليضل الناس بغير علم إن اللّه لا يهدي القوم الظالمين} أى الذين فى علمه انهم يختمون على الكفر ووقع الفاصل بين بعض المعدود وبعضه اعتراضا غير أجنبى من المعدود وذلك أن اللّه تعالى من على عباده بانشاء الأنعام لمنافعهم وباباحتها لهم فالاعترض بالاحتجاج على من حرمها يكون تأكيد للتحليل والاعترضات فى الكلام لا تساق إلا للتوكيد

١٤٥

{قل لا أجد فيما أوحي إلي} أى فى ذلك الوقت أو فى وحى القرآن لأن وحى السنة قد حرم غيره أو من الأنعام لأن الآية فى رد البحيرة وأخواتها و أما الموقوذة والمتردية والنطيحة فمن الميتة وفيه تنبيه على أن التحريم إنما يثبت بوحى اللّه وشرعه لا بهوى الانفس

{محرما} حيوانا حرم أكله

{على طاعم يطعمه} على آكل يأكله

{إلا أن يكون ميتة} إلا أن يكون الشئ المحرم ميتة أن تكون مكى وشامى وحمزة ميتة شامى

{أو دما مسفوحا} مصبوبا سائلا فلا يحرم الدم الذي في اللحم والكبد والطحال

{أو لحم خنزير فإنه رجس} نجس

{أو فسقا} عطف على المنصوب قبله وقوله

{فإنه رجس} اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه

{أهل لغير اللّه به} منصوب المحل صفة لفسقا أى رفع الصوت على ذبحه باسم غير اللّه وسمى بالفسق لتوغله فى باب الفسق

{فمن اضطر} فمن دعته الضرورة إلى أكل شيء من هذه المحرمات

{غير باغ} على مضطر مثله تارك لمواساته

{ولا عاد} متجاوز قدر حاجته من تناوله

{فإن ربك غفور رحيم} لا يؤاخذه

١٤٦

{وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر} أى ماله أصبع من دابه أو طائر ويدخل فيه الابل والنعام

{ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما} أى حرمنا عليهم لحم كل ذى ظفر وشحمه وكل شيء منه ولم يحرم من البقر والغنم إلا الشحوم وهى الثروب وشحوم الكلى

{إلا ما حملت ظهورهما} إلا ما اشتمل على الظهور والجنوب  من السحفة

{أو الحوايا} أو ما اشتمل على الامعاء واحدها حاوياء أو حوية

{أو ما اختلط بعظم} وهو الالية أو المخ

{ذلك} مفعول ثان لقوله

{جزيناهم} والتقدير جزيناهم ذلك

{ببغيهم} بسبب ظلمهم

{وإنا لصادقون} فيما أخبرنا به وكيف نشكر من سبب معصيتهم لتحريم الحلال ومعصية سالفنا لتحليل الحرام حيث قال وعفا عنكم فالآن باشروهن

١٤٧

{فإن كذبوك} فيما أوحيت إليك من هذا

{فقل ربكم ذو رحمة واسعة} بها يمهل المكذبين ولا يعاجلهم بالعقوبة

{ولا يرد بأسه} عذابه مع سعة رحمته

{عن القوم المجرمين} إذا جاء فلا تغتر بسعة رحمته عن خوف نقمته

١٤٨

{سيقول الذين أشركوا} اخبار بما سوف يقولونه

{لو شاء اللّه} لانشرك

{ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء} ولكن شاء فهذا عذرنا يعنون أن شركهم وشرك آبائهم وتحريمهم ما أحل اللّه لهم بمشيئته ولولا مشيئته لم يكن شيء من ذلك

{كذلك كذب الذين من قبلهم} أى كتكذبيهم إياك كان تكذيب المقدمين رسلهم وتشبثوا بمثل هذا فلم ينفعهم ذلك إذ لم يقولوه عن اعتقاد بل قالوا ذلك استهزاء ولانهم جعلوا مشيئته الشرك والشرك مراد لكنه غير مرضى ألا ترى أنه قال فلوا شاء لهداكم أجمعين اخبرانه لو شاء منهم الهدى لآمن كلهم ولكن لم يشأ من الكل الإيمان بل شاء من البعض الإيمان ومن البعض الكفر فيحب حمل المشيئة هنا على ما ذكرنا دفعا للتناقض

{حتى ذاقوا بأسنا} حى أنزلنا عليهم العذاب

{قل هل عندكم من علم} من أمر معلوم يصح إلاحتجاج به فيما قلتم

{فتخرجوه لنا} فتظهروه

{إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون} تكذبون

١٤٩

{قل فللّه الحجة البالغة} عليكم بأوامره ونواهيه ولا حجة لكم على اللّه بمشيئته

{فلو شاء لهداكم أجمعين} أى فلو شاء هدايتكم وبه تبطل صولة المعتزلة

١٥٠

{قل هلم شهداءكم} هاتوا شهداءكم وقربوهم ويستوى فى هذه الكلمة الواحد والجمع والمذكر والمؤنث عند الحجازيين وبنوا تميم تؤنث وتجمع

{الذين يشهدون أن اللّه حرم هذا} أى زعموه محرما

{فإن شهدوا فلا تشهد معهم} فلا تسلم لهم ما شهدوا به ولا تصدقهم لانه إذا سلم لهم فكأنه شهد معهم مثل شهادتهم فكان واحدا منهم

{ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا} من وضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على أن من كذب بآيات اللّه فهومتبع للّهوى إذ لو تبع الدليل لم يكن إلا مصدقا بالآيات موحدا للّه

{والذين لا يؤمنون بالآخرة} هم المشركون

{وهم بربهم يعدلون} يسوون الأصنام

١٥١

{قل} للذين حرموا الحرث والأنعام

{تعالوا} هو من الخاص الذى صار عام وأصله أن يقوله من كان فى مكان عال لمن هو أسفل منه ثم كثر حتى عم

{أتل ما حرم ربكم} الذى حرمه ربكم

{عليكم} من صلة حرم

{ألا تشركوا به شيئا} أى مفسرة لفعل التلاوة ولا للنهى

{وبالوالدين إحسانا} وأحسنوا بالوالدين إحسانا ولما كان إيجاب الإحسان تحريما لترك الإحسان ذكر فى المحرمات وكذا حكم ما بعده من الأوامر

{ولا تقتلوا أولادكم من إملاق} من أجل فقر ومن خشيته كقوله خشية إملاق

{نحن نرزقكم وإياهم} لأن رزق العبيد على مولاهم

{ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها} ما بينك وبين الخلق

{وما بطن} ما بينك وبين اللّه ما ظهر بدل من الفواحش

{ولا تقتلوا النفس التي حرم اللّه إلا بالحق} كالقصاص والقتل على الردة والرجم

{ذلكم وصاكم به} أى المذكور مفصلا أمركم ربكم بحفظه

{لعلكم تعقلون} لتعقلوا عظمها عند اللّه

١٥٢

{ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن} إلا بالخصلة التى هى أحسن وهي حفظه وتثميره

{حتى يبلغ أشده} أشده مبلغ حلمه فادفعوه إليه وواحده شد كفلس وأفلس

{وأوفوا الكيل والميزان بالقسط} بالسوية والعدل

{لا نكلف نفسا إلا وسعها} إلا ما يسعها ولا تعجز عنه وإنما اتبع الأمر بإيفاء الكيل والميزان ذلك لأن مراعاة الحد من القسط الذى لا زيادة ولا نقصان مما فيه حرج فأمر ببلوغ الوسع و إن ما وراءه معفو عنه

{وإذا قلتم فاعدلوا} فأصدقوا

{ولو كان ذا قربى} ولو كان المقوم له أو عليه فى شهادة أو غيرها من أهل قرابة للقائل كقوله {ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين} وبعهد اللّه يوم الميثاق أو فى الأمر والنهى والوعد والوعيد والنذر واليمين

{أوفوا ذلكم} أى مامر

{وصاكم به لعلكم تذكرون} بالتخفيف حيث كان حمزة وعلى وحفص على حذف إحدى التاءين غيرهم بالتشديد أصله تتذكرون فأدغم التاء الثانية فى الذال أى أمركم به لتتعظوا

١٥٣

{وأن هذا صراطي} و لأن هذا صراطى فهو علة للاتباع بتقدير اللام و أن بالتخفيف شامى وأصله و أنه على أن الهاء ضمير الشأن والحديث و إن على الإبتداء حمزة وعلى

{مستقيما} حال

{فاتبعوه ولا تتبعوا السبل} الطرق المختلفة فى الدين من اليهودية والنصرانية والمجوسية وسائر البدع والضلالات

{فتفرق بكم عن سبيله} فنفرقكم أيادى سبا عن صراط اللّه المستقيم وهو دين الإسلام روى أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خط خطا مستويا ثم قال هذا سبيل الرشد وصراط اللّه فاتبعوه ثم خط على كل جانب ستة خطوط ممالة ثم قال هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعوا إليه فاجتنوها وتلا هذه الآية ثم يصير كل واحد من الأثنى عشر طريقا ستة طرق فتكون اثنين وسبعين وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما هذه الآيات محكمات لم ينسخهن شيء من جميع الكتب وعن كعب أن هذه الآيات لأول شيء فى التوارة

{ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} لتكونوا على رجاء إصابة التقوى ذكر اولا تعقلون ثم تذكرون ثم تتقون لأنهم إذا عقلوا تفكروا ثم تذكروا أى اتعظوا فاتقوا المحارم

١٥٤

{ثم آتينا موسى الكتاب تماما} أى ثم أخبركم انا آتينا أو هو عطف على قل أى ثم قل آتينا أو ثم مع الجملة تأتى بمعنى الواو كقوله ثم اللّه شهيد

{على الذي أحسن} على من كان محسنا صالحا يريد جنس المحسنين دليله قراءة عبد اللّه على الذين أحسنوا أو أراد به

{وتفصيلا لكل شيء} وبيانا مفصلا لكل ما يحتاجون إليه فى دينهم

{وهدى ورحمة لعلهم} أى بنى إسرائيل

{بلقاء ربهم يؤمنون} يصدقون أى بالبعث والحساب وبالرؤية

١٥٥

{وهذا} أى القرآن

{كتاب أنزلناه مبارك} كثير الخير

{فاتبعوه واتقوا} مخالفته

{لعلكم ترحمون} لترحموا

١٥٦

{أن تقولوا} كراهة أن تقولوا أو لئلا تقولوا

{إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا} أى أهل التوارة و أهل الانجيل وهذا دليل على أن المجوس ليسوا بأهل كتاب

{وإن كنا عن دراستهم} عن تلاوة كتبهم

{لغافلين} لا علم لنا بشئ من ذلك إن مخففة من الثقيلة واللام فارقة بينها وبين النافية والأصل و إنه كنا عن دراستهم غافلين على أن الهاء ضمير الشأن والخطاب لأهل مكة والمراد اثبات الحجة علهيم بانزال القرآن على محمد صلى اللّه عليه وسلم كى لا يقولوا يوم القيامة إن التوراة والانجيل انزلا على طائفتين من قبلنا وكنا غافلين عما فيهما

١٥٧

{أو تقولوا} كراهة أن تقولوا

{لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم} لحدة أذهاننا وثقابة أفهامنا وغزارة حفظنا لايام العرب

{فقد جاءكم بينة من ربكم} أى أن صدقتم فيما كنتم تعدون من انفسكم فقد جاءكم ما فيه البيان الساطع والبرهان القاطع فحذف الشرط وهو من أحاسن الحذوف

{وهدى ورحمة فمن أظلم ممن كذب بآيات اللّه} بعدما عرف صحتها وصدقها

{وصدف عنها} أى أعرض

{سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب} وهو النهاية فى النكاية

{بما كانوا يصدفون} بإعراضهم

١٥٨

{هل ينظرون} فى ترك الإيمان بعدها

{إلا أن تأتيهم الملائكة} أى ملاك الموت لقبض أرواحهم ياتيهم حمزة وعلى

{أو يأتي ربك} أى أمر ربكم وهو العذاب أو القيامة وهذا لأن الاتيان متشابه واتيان أمره منصوص عليه محكم فيرد إليه

{أو يأتي بعض آيات ربك} أى اشراط الساعة كطلوع الشمس من مغربها وغير ذلك

{يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها} لأنه ليس بإيمان اختيارى بل هل ايمان دفع العذاب والبأس عن أنفسهم

{لم تكن آمنت من قبل} صفة نفسا

{أو كسبت في إيمانها خيرا}

أى اخلاصا كما لا يقبل ايمان الكافر بعد طلوع الشمس من مغربها لا يقبل اخلاص المنافق أيضا أو توبته وتقديره لا ينفع ايمان من لم يؤمن ولا توبة من لم يتب قبل

{قل انتظروا} إحدى الآيات الثلاث

{إنا منتظرون} بكم احداها

١٥٩

{إن الذين فرقوا دينهم} اختلفوا فيه وصاروا فرقا كما اختلفت اليهود والنصارى وفى الحديث افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة كلها فى الهاوية إلا واحدة وتفترق أمتى على ثلاث وسبعين فرقة كلها فى الهاوية إلا واحدة وهى السواد الأعظم

وفى رواية وهى ما انا عليه وأصحابى

وقيل فرقوا دينهم فآمنوا ببعض وكفروا ببعض فارقوا دينهم حمزة وعلى أى تركوا

{وكانوا شيعا} فرقا كل فرقة تشيع إماما لها

{لست منهم في شيء} أى من السؤال عنهم وعن تفرقهم أو من عقابهم

{إنما أمرهم إلى اللّه ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون} فيجازيهم على ذلك

١٦٠

{من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} تقديره عشر حسنات أمثالها إلا أنه أقيم صفة الجنس المميز مقام الموصوف

{ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون} بنقص الثواب وزيادة العقاب

١٦١

{قل إنني هداني ربي} ربى أبو عمرو ومدنى

{إلى صراط مستقيم دينا} نصب على البدل من محل إلى صراط مستقيم لأن معناه هدانى صراطا بدليل قوله

{ويهديكم صراطا مستقيما} فيما فيعل من قام كسدي من ساد وهو أبلغ من القائم قيما كوفى وشامى وهو مصدر بمعنى القيام وصف به

{ملة إبراهيم} عطف بيان

{حنيفا} حال من إبراهيم

{وما كان من المشركين} باللّه يا معشر قريش

١٦٢

{قل إن صلاتي ونسكي} أى عبادتى والنسك العابد أو ذبحى أو حجى

{ومحياي ومماتي} وما أتيته فى حياتى وأموت عليه من الإيمان والعلم الصالح

{للّه رب العالمين} خالصة لوجهه محياى ومماتى بسكون الياء الأول وفتح الثانى مدنى وبعكسه غيره

١٦٣

{لا شريك له} فى شيء من ذلك

{وبذلك} الاخلاص

{أمرت وأنا أول المسلمين} لأن اسلام كل نبى متقدم على اسلام أمته

١٦٤

{قل أغير اللّه أبغي ربا} جواب عن دعائهم له على عبادة آلهتهم والهمزة للانكار أى منكر أن أطلب ربا غيره وتقديم المفعول للاشعار بانه أهم

{وهو رب كل شيء} وكل من دونه مربوب ليس فى الوجود من له الربوبية غيره

{ولا تكسب كل نفس إلا عليها} جواب عن قولهم اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم

{ولا تزر وازرة وزر أخرى} أى لا تؤخذ نفس آثمة بذنب نفس أخرى

{ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون} من الأديان التى فرقتموها

١٦٥

{وهو الذي جعلكم خلائف الأرض} لأن محمدا صلى اللّه عليه وسلم خاتم النبيين فأمته قد خلفت سائر الأمم أو لأن بعضهم يخلف بعضا أو هم خلفاء اللّه فى أرضه يملكونها ويترفون فيها

{ورفع بعضكم فوق بعض} فى الشرف والرزق وغير ذلك

{درجات} مفعول ثان أو التقدير إلى درجات أو هى واقعة موقع المصدر كأنه قيل رفعة بعد رفعة

{ليبلوكم في ما آتاكم} فيما أعطاكم من نعمة الجاه والمال كيف تشكرون تلك النعمة وكيف يصنع الشريف بالوضيع والغنى بالفقير والمالك بالمملوك

{إن ربك سريع العقاب} لمن كفر

{وإنه لغفور رحيم} لمن قام بشكرها ووصف العقاب بالسرعة لأن ما هو آت قريب وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب عن النبى صلى اللّه عليه وسلم من قرأ ثلاث آيات من أول الأنعام حين يصبح وكل اللّه تعالى به سبيعن ألف ملك يحفظونه وكتب له مثل اعمالهم إلى يوم القيامة

﴿ ٠