تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م) _________________________________سورة الأنفال سورة الأنفال مدنية وهى خمس أو ست أو سبع وسبعون آية بسم اللّه الرحمن الرحيم _________________________________ {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال للّه والرسول} النفل الغنيمة لانها من فضل اللّه وعطائه والانفاق الغنائم ولقد وقع اختلاف بين المسلين فى غنائم بدر وفى قسمتها فسالوا رسول اللّه كيف تقسم ولمن الحم فى قسمتها للمهاجرين أم للانصار أم لهم جميعا فقيل له قل لهم هى لرسول اللّه وهو الحاكم فيها خاصة يحكم فيها ماشياء ليس لأحد غيره فيها حكم ومعنى الجمع بين ذكر اللّه والرسول أن حكمها مختص باللّه ورسوله يامر اللّه بقسمتها على ما تقتضيه حكمته ومتثل الرسول أمر اللّه فيها وليس الامر فى قسمتها مفوضا إلى راى أحد {فاتقوا اللّه} فى الاختلاف والتخاصم وكونوا متىخين فى اللّه {وأصلحوا ذات بينكم} أحوال بينكم يعنى ما بينكم من الأحوال حتى تكون احوا لألفة ومحبة واتفاق وقال الزجاج معنى ذات بينكم حقيقة وصلكم والبين الوصل أى فتقوا اللّه وكونوا مجتمعين على ما أمر اللّه ورسوله به قال عبادة بن الصامت رضى اللّه عنه نزلت فينا يا معشر أصحاب بدر حين اختلفنا فى النفل وساءت فيه أخلاقنا فنزعه اللّه من أيدينا فحلعه لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقسمه بين المسلمين على غلسواء {وأطيعوا اللّه ورسوله} فيما أمرتم به فى الغنلائم وغيرها {إن كنتم مؤمنين} كاملى الإيمان ٢{إنما المؤمنون} إنما الكاملون الإيمان {الذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم} فزعت لذكره استعظاما له وتهيبا من جلاله وعزه وسلطانه {وإذا تليت عليهم آياته} أى القرآن {زادتهم إيمانا} ازدادوا بها يقينا وطمأنينة لأن تظاهر الأدلة أقوى المدلول عليه وأثبت لقدمه أو زادتهم غيمانا بتلك الآيات لأنهم لم يؤمنوا بأحكامها قبل {وعلى ربهم يتوكلون} يعتمدون ولا يفوضون أمورهم إلى غير ربهم لا يخشون ولا يرجون إلا اياه ٣{الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون} جمع بين اعمال القلوب من الوجل والاخلاص والتوكل وبين أعمال الجوارح من الصلاة والصدقة ٤{أولئك هم المؤمنون حقا} هو صفة لمصدر محذوف أى أولئك هم المؤمنون إيمانا حقا أو مصدر مؤكد للجلة التى هى أولئك هم المؤمنون كقولك هو عبد اللّه حقا أى حق ذلك حقا وعن الحسن رحمه اللّه أن رجلا سأله أمؤمن أنت قال إن كنت تسالنى عن الإيمان باللّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والجنة والنار والبعث والحساب فانا مؤمن و إن كانت تسألنى عن قوله إنما المؤمنون [الانفال:٢] الآية فلا أدرى انا منها أم لا وعن الثورى من زعم أنه مؤمن باله حقا ثم لم يشهد أنه أهل الجنة فقد امن بنصف ا لاية أى كما لا يقطع بأنه من أهل ثواب المؤمنين حقا فلا يقطع بانه مؤمن حقا وبهذا يتشبث من يقول انا مؤمن إن شاء اللّه وكان أبو حنيفة رحمه اللّه لا يقول ذلك وقال لقتادة لم تستثنى فى إيمانك قال اتباعها لابراهيم فى قوله {والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين} فقال له هلا اقتديت به فى قوله أو لم تؤمن قال بتى وعن إبراهيم التيمى قل انا مؤمن حقا فإن صدقت أثبت عليه و إن كذبت فكفرك اشد من كذبك وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما من لم يكن منافقا فهو مؤمن حقا وقد احتج عبد اللّه فقال أنا أحمد حقا فقال حيث سماك والداك لا تستثنى وقد سماك اللّه فى القرآن مؤمنا تستثنى {لهم درجات} مراتب بعضها فوق بعض على قدر الاعمال {عند ربهم ومغفرة} وتجاوز لسيآتهم {ورزق كريم} صاف عن كد الاكتساب وخوف الحساب الكاف فى ٥{كما أخرجك ربك} فى محل النصب على أنه صفة لمصدر الفعل المقدر والتقدير قل الأنفال استقرت للّه والرسول وثبتت مع كراهتم ثبات مثل ثبات اخراج ربك إياك من بيتك وهم كارهون {من بيتك} يريد بيته بالمدينة أو المدينة نفسها لانها مهاجره ومسكنه فهى فى اختصاصها به كاختصاص البيت لساكنه {بالحق} اخرادها ملتبسا بالحكمة والصواب {وإن فريقا من المؤمنين لكارهون} فى موضع الحال أى أخرجك فى حال كراهتك وذلك أن عير قريش أقبلت من الشام فيها تجارة عظيمة ومعها أربعون راكبا منهم أبو سفيان فأخبر جبريل النبى عليه السلام فأخبر أصحباه فأعجبهم تلقى العير لكثرة الخير وقلة القوم فلما خرجوا علمت قريش بذلك فخرج أبو جهل بجميع أهل مكةوهو النفير فى المثل السائر لا فى العير ولا فى النفي فقيل له إن العير أخذت طريق الساحل ونجت فأبى وسار بمن معه إلى بدر وهو ماء كانت العرب تجتمع فيه لسوقهم يوما فى السنة ونزل جبريل عليه السلام فقال يا محمد إن اللّه وعدكم احدى الظائفيتن غما العير و إما قريشا فاستشار النبى صلى اللّه عليه وسلم أصحباه وقال العير أحب غليكم أم النفير قالوا بل العير احب الينا من لقاء العدو فتغير وجه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثم ردد عليهم فقا لأن العير قد مضت على ساحل البحر وهذا أبو جهل قد أقبل فقالوا يا رسول اللّه عليك بالعير ودع العدو فقام عند غضب النبى صلى اللّه عليه وسلم أبو بكر وعمر رضى اللّه عنهما فاحسنا ثم قام سعد بن عبادة فقال انظر امرك فامض فواللّه لو سرت إلى عدن أبين ما تخلف عنك رجل من الانصار ثم قال المقداد ابن عمرو وامض لما أمرك اللّه فإنا ههنا قاعدون ولكن اذهب ولكن اذهب أنت وربكم فقاتلا إنا معكما مقاتلون مادامت عين منا تطرف فضحك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقال سعد بن معاذ امض يا رسول اللّه لما أردت فوالذى بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته فخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد فسر بنا على بركة اللّه ففرح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ونشطه قول سعد ثم قال سيروا على بركة اللّه ابشروا فإن اللّه وعدنى غحدى الطائفتبين واللّه لكأنى الآن انظر إلى مصارع القوم وكانت الكراهة من بعضهم لقوله و إن فريقا من المؤمنين لكارهون قال الشيخ أبو منصور رحمه اللّه يحتمل أنهم منافقون كرهوا ذلك اعتقادا ويحتمل أن يكونوا مخلصين و أن يكون ذلك كراه طبع لأنهم غير متأهبين له ٦{يجادلونك في الحق} الحق الذى جادلوا فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تلقى النفير لإيثارهم عليه تلقى العير {بعد ما تبين} بعد اعلام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بانهم ينصرون وجدالهم قولهم ماكان خروجناا إلا للعيبر وهلا قلتلنا لنستعد وذلك لكراهتهم القتالر {كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون} شبه حالهم فى فرط فزعهم وهم يسار بهم إلى الظفر والغنيمة بحال من يعتل إلى القتل ويساق على الصفار إلى الموت وهو مشاهد لأسبابه ناظر إليها لا يشك فيها وقيل كان خوفهم لقلة العدد و أنهم كانوا رجالة وما كان فيهم إلا فارسان ٧{وإذ يعدكم اللّه إحدى الطائفتين} إذ منصوب باذكر وغحدى مفعول ثان {أنها لكم} بدل من إحدى الظائفتين وهما العير والنفير والتقدير و إذ يعدكم اللّه أن إحدة الطائفتين لكم {وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم} أى العير وذات الشوكة ذات السلاح كانت فى النفير لعددهم وعدتهم أى تتمنون أن تكون لكم العير لانها الطائفة التى لا سلاح لها ولا تريدون الطائةف الأخرى {ويريد اللّه أن يحق الحق} أى يثبته ويعليه {بكلماته} بآياته المنزلة فى محاربة ذات الشوكة وبما أمر الملائكة من نزولهم للنصرة وبما قضى من قتلهم وطرحهم فى قليب بدر {ويقطع دابر الكافرين} آخرهم والدابر الآخر فاعل من دابر إذا أدبر وقطع الدابر عبارة عن الاتسئصال ينعى أنكم تريدون الفائدة العاجلة وسفساف الامور واللّه تعالى يريد معالى الامور ونصرة الحق وعلوا الكلو وشتان ما بين المرادين ولذلك اختار لكم الطائفة ذات الشوكة وكسر قوتهم بضعفكم وأعزكم وأذلهم ٨{ليحق الحق} متعلق بيقطع أو بحذوف بقديره ليحق الحق {ويبطل الباطل} فعل ذلك والمقدر متأخر ليفغيد الاختصاص أى ما فعله إلا لهما هوه إثبات الاصلام وإظهراه وإبطال الكفر ومحقه وليس هذا بتكرارا لأن الأول تمييز بين الإرتديتن وهذا بيان لمراده فيما فعل من اختيار ذات الشوكة على غيرها لهم ونصرتهم علهيا {ولو كره المجرمون} المشركون ذلك ٩{إذ تستغيثون ربكم} بدل من إذا يعدكم أو متعلق بقوله ليحق الحق ويبطل الباطل واستغاثتهم أغثنا وهى طلب الغوث وهو التخلص من المكروه {فاستجاب لكم} فأجاب وأصله {أني ممدكم} بانى ممدكم فحذف الجار وسط عليه استجاب فنصب محله {بألف من الملائكة مردفين} مدنى غيره بكسر الدال وفتحها فكسر على أنهم أردفوا غيرهم والفتح على أنه أردف كل ملك ملكا آخر يقال ردفه إذا تبعه واردفته إياه إذا اتبعته ١٠{وما جعله اللّه} أى الامداد الذى دل عليه ممدكم {إلا بشرى} إلا بشارة لم بالنصر {ولتطمئن به قلوبكم} يعنى انكم استغثتم وتضرعتم لقلتكم فكان الامداد بالملائكة بشارة لكم بالنصر وتسكينا منكم وربطا على قلوبكم {وما النصر إلا من عند اللّه} أى ولا تحسبوا النصر من الملائكة وغيرهم من الأساب إلى من عند اللّه والمصور من نصره اللّه واختلف فى قتال الملائكة يوم بدر فقيل نزل جبريل عليه السلام فى خسمائة ملك على الميمنة وفيها أبو بكر رضى اللّه عنه وميكائيل فى خسمائة على الميسرة وفيها على ضلى اللّه عنه فى صورة الرجال عليهم ثياب بيض وعمائم بيض قد أرخوا أذنابها بين أكتافهم فقاتلت حتى قال أبو جهل لا بن سمعود من اين كان ياتينا الضرب ولا ترى الشخص قال من قال فهم غلبونا لا أنتم وقيل لم يقاتلوا و إنما كانوا يكثرون السواد ويثتبون المؤمنين و إلا فملك واحد كاف فى إهلاك أهل الدنيا {أن اللّه عزيز} بنصر اوليائه {حكيم} بقهر أعدائه ١١{إذ يغشيكم} بدل ثان من إذ يعدكم أو مصوب بالنص راو باضمار اذكر بغشيكم مدنى {النعاس} النوم والفاعل هو اللّه على القاءتين يغشاكم النعاس مكى و أبو عمرو {أمنة} مفعول له أى إذ تنعسون امنة بمعنى أمنا أى لأمنكم أو مصدر أى فأمنتم أمنة فالنوم يزيح الرعب ويريح النفس {منه} صفة لها أى امته حاصلة لكم من اللّه {وينزل} بالتخفيف مكى وبصرى وبالتشديد غيرهم {عليكم من السماء ماء} مطار {ليطهركم به} بالماء من الحدث والجنابة {ويذهب عنكم رجز الشيطان} وسوسته الهم وتخويفه إياهم من العطش أو الجنمابة من الاحتلام لأنه من الشيطان وقد وسوس اليهم أن لا نصرة مع الجنابة {وليربط على قلوبكم} بالصب {ويثبت به الأقدام} أى بالماء إذ الأقدام كانت تسوح فى الرمل أو بالربط لأن القلب إذا تمكن فيه الصبر يثبت القدم فى مواطن القتال ١٢{إذ يوحي} بدل ثالث من إذ يعدكم أو منصوب بيثبت {ربك إلى الملائكة أني معكم} بالنصر {فثبتوا الذين آمنوا} بالبشرى كان الملك يسير امام الصف فى صورة رجل فيقول أبشروا فإن اللّه ناصرم {سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب} هو امتلاء القلب من الخوف والرعب شامى وعلى {فاضربوا} أمر للمؤمنين أو للملائكة وفيه دليل على أنهم قاتلوا {فوق الأعناق} أى أعالى الاعناق التى هى المذابح تطييرر للرءوس أو أراد الرءوس لانها فوق الأعناق حتى ضرب الهام {واضربوا منهم كل بنان} هى الاصابع يريد الاطراف والمعنى فاضربوا المقاتل والشوى لأن الضرب إما أن يقع على معقل اوغير مقتل فامرهم اغن يجمعوا عليهم النوعين ١٣{ذلك} إشارة إلى ما أصابهم من الضرب والقتل والعقاب العاجل وهو مبتدأ خبره {بأنهم شاقوا اللّه ورسوله} أى ذلك العقاب وقع عليهم بسبب مشاقتهم أى مخالفتهم وهى مشتقة من الشق لأن كلا المتاديين فى شق خلاف شق صاحبه وكذا المعاداة والمخاصمة لأن هذا فى عدوة وخصم أى جانب وذا فى عدوة وخصم {ومن يشاقق اللّه ورسوله فإن اللّه شديد العقاب} والكاف فى ذلك لخطاب الرسول أو لكم أحد وفى ذلم للكفرة على طريقة الالتفات ومحله الرفع على ذلكم العقاب أو العقاب ١٤{ذلكم فذوقوه} والواو {وأن للكافرين عذاب النار} بمعنى مع أى ذوقوا هذا العذاب العاجل مع الآجل الذى لكم فى الآخرة فوضع الظاهر موضع الضمير ١٥{يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا} حال من الذين كفورا والزحف الجيش الذى يرى لكثرته كأنه يزحف أى يدب دبيبا من الزحف الصبى إذا دب على أسته قليلا قليلا سمى بالمصدر {فلا تولوهم الأدبار} فلا تنصرفوا عنهم منهزمين أى إذا لقيتموهم للتقال وهم كثير ووأنتم قليل فلا تفرواا فضلا أن تدانوهم فى الهدد أو تساووهم أو حال من المؤمنين أو من الفريقين أى إذا لقيتموهم متزاحفين هم و انتم ١٦{ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا} مائلا {لقتال} وهو الكسر بعد الفريخيل عدوه أنه منهزم ثم يعطف عليه وهو من خدع الرحب {أو متحيزا} منظما {إلى فئة} إلى جماع اخرى من المسليمن سوى الفئة التى هو تفيها وهما حالان من ضمير الفاعل فى يولهم {فقد باء بغضب من اللّه ومأواه جهنم وبئس المصير} ووزن متحيز متفيعل لا متفعل لأنه من حاز يجوز فبناء متفعل منه متحوزا ولما كسروا أهل مكة وقتلوا و أسروا وكان القاتل منهم يقول تاخفار قتلت وأسرت قيل لهم ١٧{فلم تقتلوهم ولكن اللّه قتلهم} والفاء جواب لشرط محذوف تقديره أن افتخرتم بقتلهم فأنتم لم تقتلوهم ولكم اللّه قتلهم ولما قال جبريل للنبى صلى اللّه عليه وسلم خذ قبضة من تراب فارمهم بها فرماى بها فى وجوهم وقال شاهت الوجوه فلم يبق مشرك إلا شغل بعينه فانهزموا قيل {وما رميت} يا محمد {إذ رميت ولكن اللّه رمى} يعنى أن الرمية التى رميتها أنت لم ترمها أنت على الحقيقة لأنك لو رميتها لما بلغ أثرها إلا ما يبلغه اثر رمى البشر ولكنها كانت رمية اللّه حيث أثرت ذلك الأثصر العظيم وفى الآية بيان أن فعل العبد مضاف إليه كسبا و إلى اللّه تعالى خلقا لا كما تقول الجبرية والمعتزلة لأنه أثبت الفعل من العبد بقوله إذ رميت ثم نفاه عنه وأثبته للّه تعالى بقوله ولكن اللّه رمى ولكنم اللّه قتلهم ولكمن اللّه رمى بتخفيف لكن شامى وحمزة وعلى {وليبلي المؤمنين} ولعيطيهم {منه بلاء حسنا} عطاء تجميلا والمعنى وللاحسان إلى المؤمنين فعل ما فعل وما فعل إلا لذلك {إن اللّه سميع} لدعائهم {عليم} بأحوالهم ١٨{ذلكم} إشارة إلى البلاء الحسن ومحله الرفع أى المراد ذلكم {وأن اللّه موهن كيد الكافرين} معطوف على ذلكم أى المراد ابلاء المؤمنين وتوهين كيد الكافرين موهن كيد شامى وكوفى غير حفص موهن كيد حفص موهم غيرهم ١٩{إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} أن تستنصروا فقد جاءكم النصر عليكم وهو خطاب لأهل مكة لأنهم أرادوا أن ينفروا تعلقوا بأستار الكعبة وقالوا اللّهم أن كان محمد على حق فانصره وان كنا علىى الحق فانصرنا وقيل أن تستفتحوا خطاب للمؤمنين وان تنتهوا للكافرين أى {وإن تنتهوا} عن عداوة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {فهو} أى الانتها {خير لكم} وأسلم {وإن تعودوا} لمحاربةه {نعد} لنصرته عليكم {ولن تغني عنكم فئتكم} جمعكم {شيئا} ولو كثرت عدد {وأن اللّه مع المؤمنين} بالفتح مدنى وشامى وحفص أى و لأن اللّه مع المؤمنين بالنصر كان ذلك وبالسكر غيرهم ويؤيده قراءة عبد اللّه واللّه مع المؤمنين ٢٠{يا أيها الذين آمنوا أطيعوا اللّه ورسوله ولا تولوا عنه} عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لأن المعنى وأطيعوا رسول اللّه كقوله واللّه ورسوله احق أن يرضوه ولان طاعة الرسول وطاعة اللّه شيء واحد من يطع الرسول فقد أطاع اللّه فكان رجوزع الضمير إلى أحدهما كرجوعه اليهما كقولك الاحسان والاجمال لا ينفع فى فغلان أو يرجع الضمير إلى الامر بالطاعة أى ولا تولوا عن هذه الأمر وامتثاله والاجمال لا ينفع فى فلان أو يرجع الضمير إلى الامر بالطاعة أى ولا تولوا عن هذا الأمر وامتثاله وأصله ولا تتولوا فحذف احدى التاءين تخفيفا {وأنتم تسمعون} أى و انتم تسمونه أو ولا تتولوا عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولا تخالوفا وأنتم تسمعون أى تصدقون لانكم مؤمنون لستم كالصم المكذبين من الكفرة ٢١{ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا} أى ادعوا السماع وهم المنافقونه و أهل الكتاب {وهم لا يسمعون} لأنهم ليسوا بمصقدين فكانهم غير سامعين والمعنى انكم تعصدقون بالقرآن والنبوة فإذا توليتم عن طاعة الرسول فى بعض الأمور من قسمة الغنائم وغيرها أشبه سماعكم سماع من لا يؤمن ثم قال ٢٢{إن شر الدواب عند اللّه الصم البكم الذين لا يعقلون} أى أن شر من يدب على وجه اغلارض البهائم و إن شر البهائم الذين هم صم عن الحثق لا يعقلونه جعلهم من جنس البهائم ثم جعلهم شرها لأنهم عاندوا بعد الفهم وكابروا بعد العقل ٢٣{ولو علم اللّه فيهم} فى هؤلاء الصم البكم {خيرا} صدقا ورغبة {لأسمعهم} لجعلهم سامعيه تحتى يسمعوا سماع المصدقين {ولو أسمعهم لتولوا} عنه أى ولو أسمعهم وصدقوا لارتدوا بعد ذلك ولم يستقيموا {وهم معرضون} عن الإيمان ٢٤{يا أيها الذين آمنوا استجيبوا للّه وللرسول إذا دعاكم} وحد الضمير أيضا كما وحده فيما قبله لأن استجابة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وسلم كاستجابته والمراد بالاستجابة الطاعة والامتثال وبالدعوة البعث والتحريض {لما يحييكم} من علوم الديانات والشرائع لأن العلم حياة كما أن الجهل موت كما قال الشاعر لا تعجبن الجهول حلته فذاك ميت وثوبه كفن أو لمجاهدة الكافر لأنهم لو رفضوها لغلبوهم وقتلوهم أو للشهادة لقوله تعالى بل أحياء عند ربهم {واعلموا أن اللّه يحول بين المرء وقلبه} أى يميته فتفوته الفرصة التى هو واحدها وهى التمكن من اخلاص القلب فاغتموا هذه الفرصة وأخلصوا قلوبكم لطاعة اللّه ورسوله أو بينه وبين ما تمناه بقلبه من طول الحياة فيفسخ عزائمه {وأنه إليه تحشرون} واعلموا انكم إليه تحشرون فيثيبكم على حسب سلامة القلوب واخلاص الطاعة ٢٥{واتقوا فتنة} عذابا {لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} هو جواب للامر أى أن اصابتكم لا تصب الظالمين منكم خاصة ولكنها تعمكم وجاز أن تدخل النون والمؤكدة فى جواب الامر لأن فيه معنى النهى كما إذا قلت أنزل عن الدابة لا تطرحك وجاز لا تطرحتك ون فى منك للتبعيض ور {واعلموا أن اللّه شديد العقاب} إذا عاقب ٢٦{واذكروا إذ أنتم قليل} إذ مفعول به لا ظرف أى واذكروا وقت كونكم أقلة أذلة {مستضعفون في الأرض} ارض مكة قبل الهجرة تستضعفكم قريش {تخافون أن يتخطفكم الناس} لأن الناس كانوا لهم أعداء مضادين {فآواكم} إلى المدينة {وأيدكم بنصره} بمظاهرة الأنصار وبامداد الملائكة يوم بدر {ورزقكم من الطيبات} من الغنائم ولم تحل لأحد قبلكم {لعلكم تشكرون} هذه النعم ٢٧{يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا اللّه} بأن تعطولا فرائضه {والرسول} بأن لا تستنوا به {وتخونوا} جزم عطف على ألا تخونوا إلى ولا تخونوا {أماناتكم} فيما بينكم بألا تحفظوها {وأنتم تعلمون} تبعة ذلك ووباله أو وانتم تعملون انكم تخونون بعنى أن الخيانة توجد منكم عن تعمد لا عن سهو أو وانتع علماء تعلمون حسن وقبح القبيح ومعنى الخون النقص كما أن معنى الايفاء التمام ومنه تخونه إذا انتقصه ثم استعمل فى ضد الأمانة والوافاء لانك إذا خنت الرحل فى شيء فقد أدخلت عليه النقصان فيه ٢٨{واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة} أى سبب الوقوع فى الفتنة وهى الاثم والعاذب أو محنة من اللّه ليبولكم كيف تحافظون فيهم على حدوده لا {وأن اللّه عنده أجر عظيم} فعليكم أن تحضروا على طلب ذلك وتزهدوا فى الدينا ولا تحرصوا على تجمع المال وحب الولد ٢٩{يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا اللّه يجعل لكم فرقانا} نصر الانه يفرق بين الحق والباطل وبين الكفر بلاذلال حزبه والاسلام بعزاز اهله واو بينانا وظهورا يشهر امركم ويثبت صيتكم وآثاركم فى اقطار الأرض من قولهم سطع الفرقان أى طلع الفجر أو مخرجا من الشبهات وشحار لصدور أو تفرقة بينكم بوين يغركم من أهل الأديان وفضلا ومزية فى الدينا و الآخرة {ويكفر عنكم سيئاتكم} أى الصغائر {ويغفر لكم} ذنبكم أى الكبائر {واللّه ذو الفضل العظيم} على عباده ٣٠{وإذ يمكر بك الذين كفروا} لما فتح اللّه عليه ذكره مكر قريش به حين كان بمكة ليشرك نعمة اللّه فى نجاته من مرهم واستيلائه عليهم والمعنى واذكر إذ يمكرون بك وذلك أن قريشا لما أسلمت الأنصار فرقوا أن يتفاقم امره فاجتمعوا فى دار الندوة متشاورين فى أمره فدخل عليهم إبليس فى صورة شيخ وقال أنا شءخ من نجد دخلت مكة فسمعت باجتماعكم فأردت أن أحضركم ولن تعدموا من رأيا ونصحا فقال أبو التخترى رأيى أن تحبسوه فى بيت وتشدوا وثاقه وتسدوا بابه غير كوة تلقون إليه كعامه وشرابه منها وتتربصوا به ريب المنون فقال إبليس بئس الرأى يأتيكم من يقاتلم من قومه ويخ٩لصه ن أيديكم فقال هشام بن عمرو رأى أن تحملوه على جمل وتخرجوه من بين أظهركم فلا يضرم ما صنع وسارحتم فقال البيس بئس الرأى يفسد قوما غيركم ويقالتكم بهم فقا ل أبو جهل لعنة الللّه أنا أرى أن تاخذوامن كل بطن غلاما وتعطوه سيفا فيضربوه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه فى القبائل فلا يقى بنوا هاشم على حرب قريش كلهم فإذا طلبوا العقل عقلناه واستحرنا فقال اللعين صدق هذا الفتى هو أجودكم رأيا فتفرقوا على رأى أبى تجهل مجتمعين على قتله فأخبر جبريل عليه السلام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأمره أن لا يبيت فى مضجعه واذن له اللّه فى الهجرة فأمر علينا فنام فى مضجعه وقال له اتشح ببردتى فانه لن يخلص اليك أمر تكرهه وباتوا مترصدين فلما أصبحوا ثاروا إلى مصجعه فابصروا علينا فبهتوا وخيب اللّه سعيهم وافتقوا أثره فأبطل اللّه مكرهم {ليثبتوك} ليجبسوك ويوثفوك {أو يقتلوك} بسيوفهم {أو يخرجوك} من كة {ويمكرون} ويخفون المكايد له {ويمكر اللّه} ويخفى اللّه ما أعد لهم حتى يأتيهم بغتة {واللّه خير الماكرين} أى مركه انفذ مكر غيره وأبلغ تأثيرا كان عليه السلام يقرأ القرآن ويذكر أخبار القرون الماضية فى قرءاته فقال النضر بن الحرث لو شئت لقلت مثل هذا وهو الذى جاء بمن بلاد فارس بنسخة حديث رستم وأحاديث العجم فنزل ٣١{وإذا تتلى عليهم آياتنا} أى القرآن {قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين} وهذا صلف منه مووقاحة لأنهم دعوا إلى أن ياتوا بسورة واحدة من مثل هذا القثران فلم ياتوا به ٣٢{وإذ قالوا اللّهم إن كان هذا} أى القرآن {هو الحق من عندك} هذا اسم كان هو فصل والحق خي كلان روى أن النضر لما قال إن هذا إلا أساطير الاولين قال له النبى عليه السلام ويلك هذا كلام اللّه فرفع النضر رأسه إلى السماء وقال إن كان هذا هو الحق من عندك {فأمطر علينا حجارة من السماء} أى أن كان القرانهو الحق فعاقبنا على إنكاره بالسجيل كما فعلت بأصحاب الفيل {أو ائتنا بعذاب} أليم بنوع آخر ن جنس العذاب الأليم فقتل يوم بدر صبرا وعن معاية أنه قال لرجل من سبا ما اجهل قومك حين ملكوا عليهم امرأة قال اجهل من قومى قومك قالوا لرسول اللّه عليه السلام حين دعاهم إلى الحق إن كان هذه هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء ولم يقولوا إن كان هذا هو الحق فاهدنا له ٣٣{وما كان اللّه ليعذبهم وأنت فيهم} اللام لتأكيد النفى والدلالة على أن تعذيبهم و أنت بين اظهرهم غير مستقيم لانك بعثت رحمة للعالمين وسنته أن لا يعذب قوما عذاب استئصال ما دام نبيهم بين أظهرهم وفيه اشعار بأنهم مرصدون بالعذاب إذا هاجر عنهم {وما كان اللّه معذبهم وهم يستغفرون} هو فى موضع الحال ومعناه نفى الاستغفار عنهم أى ولو كانوا ممت يؤمن ويستغعفر من الكفر لما عذبهم أو معناه وماكان اللّه معذبهم وفيهم من يستغفر وهم المسلمون بين أظهرهم ممن تخلف عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ن المستضعفين رر ٣٤{وما لهم ألا يعذبهم اللّه} أى وما كان اللّه ليعذبهم و أنت فيهم وهو معذبهم إذا فارقتهم وما لهم ألا يعذبهم اللّه {وهم يصدون عن المسجد الحرام} وكيف لا يعذبون وحالهم أنهم يصدون عن السمجد الحرام كما صدوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عام الحديبة واخراجهم رسول اللّه والمؤنين من الصد وكانوا يقولون نحن ولاة البيت والحم فنصد من نشاء وندخل من نشاء فقيل {وما كانوا أولياءه} وما استحقوا مع اشركاهم وعداوتهم للدين أن يكونوا ولاة أمر الحرم {إن أولياؤه إلا المتقون} من المسلمين وقيل الضميران راجعان إلى اللّه {ولكن أكثرهم لا يعلمون} ذلك كأنه استثنى من كان يعلم وهو يعاند اغو أراد بالأكثر الجيمع كما يراد بالقلة العدم ٣٥{وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء} صفيرا كصوت المكاء وهو طائر مليح الصوت وهو فعال من مكا يمكوا إذا صفر {وتصدية} وتصفيقا تفعله من الصدى وذلك أنهم كانوا يطوفن بالبيت عراة وهم كشبكون بين أصباعهم يصفرون فيها ويفقون وكانوا يفعلون نحو ذلك إذا قرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فى صلابته يخطلون عليه {فذوقوا العذاب} عذاب القعل والأسر يوم بدر {بما كنتم تكفرون} بسبب كفركم ونزل فى المطعمين يوم بدر وكانوا اثنى عشر رجلا وكلهم من قريش وكان يطعم كل واحد منهم كل يومم عشر جزر ٣٦{إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل اللّه} أى كاك غغرضهم فى الانفاق الصد عن اتباع محمد صلى اللّه عليه وسلم وهو سبيل اللّه {فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة} ثم تكون عاقبة انفاقها ندما وحسرة فكان ذاتها تصير ندما وتنقلب حسرة {ثم يغلبون} اخر الأمر وهو من دلائل النبوة لأنه اخبر عنه قبل وقوعه فكان كما أخبر {والذين كفروا} والكافرون منهم {إلى جهنم يحشرون} لأن منهم من أسلم وحسن اسلامه ٣٧{ليميز اللّه الخبيث} الفريق الخبيث من الكافر {من الطيب} أى من الفريق الطيب من المؤمنين متعلقة بيحشرون ليمييز حمزة وعلى {ويجعل الخبيث} الفريق الخبيث {بعضه على بعض فيركمه جميعا} فيحمعه {فيجعله في جهنم} أى الفريق الخبيث {أولئك} إشارة إلى الفريق الخبيث {هم الخاسرون} أنفسعهم واموالهم ٣٨{قل للذين كفروا} أى أبى سفيان وأصحباه {إن ينتهوا} عماهم عليه من عداوة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقتلاه بالدخول فى الإسلام {يغفر لهم ما قد سلف} لهم من الاعداوة {وإن يعودوا} قلتاله {فقد مضت سنة الأولين} بالإهلاك فى الدنيا والعذاب قفى العقىب أو معناه أن الكفار إذا انتهوع عن الكفر وأسلموا غفرلهم ماقد سلف من الكفر والمعاصى وبه احتج أبو حنيفة رحمه اللّه فى أن المرتد إذا أسلم لم يلزمه قضاء العبادات المتروكة ٣٩{وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} إلى أن لا يوجد فيهم شرط قط {ويكون الدين كله للّه} وضمحل عنهم كل دين باطل ويبقى فيهم دين الإسلام {فإن انتهوا} عن الكفر وأسلموا {فإن اللّه بما يعملون بصير} يثيبهم على اسلامهم ٤٠{وإن تولوا} أرعضوا عن الإيمان ولم ينتهوا {فاعلموا أن اللّه مولاكم} ناصركم ومعينكم فثقوا بولايته ونصرته {نعم المولى} لا يضيع من تولاه {ونعم النصير} لا يغلب من نصره والمخصوص بالمحد محذوف ٤١{واعلموا أنما غنمتم} ما بمعنى الذى ولا يجوز أن يكتب إلا مفصولا إذ لو كتب موصولا لوجب أن تكون ما كافة وغنمتم صلته والعائد محذوف والتقدير الذى غنمتموه {من شيء} بيانه قيل حتى الخيط والمخيط {فأن للّه خمسه} والفاء إنما دخلت لما فى الذى من معنى المجازاة وان وما عملت فيه فى موضع رفع على أنه خبر مبتدأ تقديره فالحكم أن للّه خمسه {وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل} فالخمس كان فى عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقسم على خسمة أسهم سهم لرسول اللّه وسهم لذوى قرابته من بنى هاشم وبنى المطلب دون بنى عبد شمس وبنى نوفل استخقوه حينئذ بالنصرة لقصة عثمان وجبير بن مكعم وثلاثة أسهم لليتمامى والمساكين وابن السبيل و اما بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فسهمه ساقط بموته وكذلك سهم ذوى القربى و إنما يعطون لفقراءهم ولا يعطى أغناؤهم فيقسم على اليتامى والمساكين وبان السبيل وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما أنه كان على ستة للّه والرسول سهمان وسهم لأقاربه حتى قبض فأجرى أبو بكر رضى اللّه عنه الخمس على ثلاثة وكذا عمر ومن بعده من الخلفىء رضى اللّه عنهم ومعنى للّه وللرسول لرسول اللّه كقوله واللّه ورسوله أحق أن يرضوه {إن كنتم آمنتم باللّه} فاعملوا به وارضوا بهذه القسمة فالإيمان يوجب الرضا بالحكم والعمل بالعلم {وما أنزلنا} معطوف على باللّه أى أن كنتم آمنتم باللّه وبالمنزل {على عبدنا يوم الفرقان} يوم بدر {يوم التقى الجمعان} الفريقان من السملين والكافرين والمراد ما أنزل عليه من الآيات والملائكة والفتح يومئذ وهو بدل من يوم الفرقان {واللّه على كل شيء قدير} يقدر على أن ينصر القليل على الكثيرة كما فعل بكم يوم بدر ٤٢{إذا أنتم} إذ أنتم بدل من يوم افرقان أو التقدير اذكروا إذ انتم {بالعدوة} شط الوادى وبالكسر فيهما مكى وبو عرمو {الدنيا} القربى إلى جهة الميدنة تأنيث الأذنى {وهم بالعدوة القصوى} البعد عن المدينة تأنيث الأقصى وكلتاهما فعلى من بنات الواو والقياس قلب الواو ياء كالعليا تأنيث الأعلى واما القصوى فكالقود فى مجيئه على الأصل {والركب} أى العير وهو جمع راكب فى المعنى أسلف منكم نصب على الظرف أى مكانا اسفل من مكانكم يعنى فى اسفل الوادى بثلاثة اميال وهو مرفوع المحل لأنه خبر المبتدا {ولو تواعدتم} انتم و أهل مكة وتواضعتم بينكم على موعد تلقتون فيه لبقتال {لاختلفتم في الميعاد} لخالف بعضكم بعضا فثبطكم قلتكم وكثرتهم عن الوفاء بالموعد وثبتطهم ما فى قلوبهم من تهيب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والمسلمين فلم ينفق لكم من التلاقى ماوفقه اللّه وسبب له ولكن جمع بينكم بلا يمعاد {ليقضي اللّه أمرا كان مفعولا} من اعزاز دينه واعلاء كلمته واللام تتعلق بمحذوف أى ليقضى اللّه امرا كان ينبغى أن يفعل وهو نصر تاوليائه وقهر اعدائه دبر ذلك قال الشيخ أبو منصور رحمه اللّه القضاء يحتمل الحكم أى ليحكم ما قد علم أنه يكون كائنا أو ليتم امرا كان قد أراده وما أراد كونه فهو مفعول لا محالة وهو عز الإسلام وأهله وذل الكفر وحزبه ويتعلق بيقضى {ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة} حيى نافع و أبو عمرو فالادغام لالتقاء المثلين والاظهار لأن حركة الثانى غير لازمة لانك تقول فى الستقبل يحيا والادغام اكثير استيعر الهلاك والحياة للكفر و الإسلام أى ليصدر كفر من كفر عن وضوح بينة لا عن مخالجة شبهة حتى لا يبقى له على اللّه حجة ويصدر اسلام من اسلم أيضا عن يقين وعلم بانه دين الحق الذى يجب الدخول فيه والتسمك به وذلك أن وقعة بدر من الآيات الواضحة التى من كفر بعدها كان مكابرا لنفسه مغالطا لها ولهذا ذكر فيها مراكز الفريقين وان العير كانت اسفل منهم مع أنهم قد علموا ذلك كله مشاهدة ليعلم الخلق أن النصر والغلبة لا تكون بالكثرة والأسباب بل باللّه تعالى وذلك أن العدوة القصوة التى اناخ بها المشركون كان فيا المساء وكانت أرضا لا بأس بها ولا ماء بالعدوة الدنيا وهى خيار تسوخ فيها الأرجل ولا يمشى فهيا إلا بتعب وشمقة وكان العير وراء ظهور العدو مع كثرة عددهم وعدتعهم وقلة المسليمن وضعفهم ثم كان ما كان {وإن اللّه لسميع} لأقيواهم {عليم} بكفر من كفر وعقابه وبايمان من آمن وثوباه ٤٣{إذ يريكهم اللّه} نصب باظمار اذكر ا هو متعلق بقوله لسميع عليم اغى يعلم المصالح إذ يقللّهم فى عينك {في منامك قليلا} أى فى رؤياك وذلك أن اللّه تعالى اراه اياهم فى رؤياه قليلا فاخبر بذلك أصحباه فكان ذلك تشجيعا لهم على عدوهم {ولو أراكهم كثيرا لفشلتم} لجبتنتم وهبتم الإقدام {ولتنازعتم في الأمر} أمر القتال وترددتم بين الثبات والفغاررا {ولكن اللّه سلم} عصم وأنعم بالسلامة من الفشل والتنازع والاختلاف {إنه عليم بذات الصدور} يعلم ما سيكون فيها من الجراءة والجبن والصبر والزع ٤٤{وإذ يريكموهم} الضميران مفعولان أى و إذ يبصركم إياهم {إذ التقيتم} وقت اللقاء {في أعينكم قليلا} هو نصب على الحال و إنما قللّهم فى أعيهم تصديقا لرؤسا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وليعاينوا ما أخبرهم به فيزداد يقينهم ينجدوا ويثبتوا قال اببن مسعود رضى اللّه عنه لقد قللوا فى أعيننا حتى قلت لرجل إلى جنبى أتراهم سبعين قال أراهم مائة وكاوا ألفا {ويقللكم في أعينهم} حتى قا لقائل منه إنما تهم أكلة جزور قيل قد قللّهم فى أعينهم قبل اللققاء ثم كثرهم فيها بعده ليجترئوا عليهم قلة مبالاة بهم ثم تفجأهم الكثرة فيبهتوا وبها بواو يجوز أن يبصروا الكثير قليلا بان يستر اللّه بعضهم بساتر أو يحدث فى عيونهم ما يستقولن به الكثير كما احدث فى أعين الحول ما يرون به الواحد اثنين قبل لبعضهم أن الاحل يرى الواحد اثنين وكان بين يديه ديك واحد فقال مالى لا أرى هذهين الديكين أربعة {ليقضي اللّه أمرا كان مفعولا وإلى اللّه ترجع الأمور} فيحكم فيها بما يريد ترجع شامى وحمزة وعلى ٤٥{يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة} إذا حاربتم جماعة من الكفار وترك وصفها لأن المؤمنين ما كانوا يلقون إلا الكفار واللقاء اسم غالب للقتال {فاثبتوا} لقتالهم ولا تفروا {واذكروا اللّه كثيرا} فى مواطن الحرب مستظهرين بذكره مستنصرين به داعين له على عدوكم اللّهم اخذلهم اللّهم اقطع دابرهمم {لعلكم تفلحون} تظفرون بمرادكم من النصرة والمثوبة وفيه اشعار بان على العبد ألا يفتر عن ذكر ربه أشغل ما يكون قلبا واكثر ما يكون هما و أن تكون نفسه مجتمعة لذلك وان كانت متوزعة عن غيهر ٤٦{وأطيعوا اللّه ورسوله} فى الأمر بالجهاد والثبات مع العدو وغيرهما {ولا تنازعوا فتفشلوا} فنجبنوا وهو منصوب باضمار أن ويدل عليه {وتذهب ريحكم} أى دولتكم يقال هبت رياح فلان إذا دالت له الدولة ونفذ امره شبهت فى نفوذ أمرها وتمشيته بالربح وهبوبها وقيل لم يكن نصر قط إلا بربح يبعثها اللّه {مع الصابرين} أى معينهمو حافظهم ٤٧{ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس} هم أهل مكة حين نفروا لحمية العير فأتاهم رسول أبى سفيان أن ارجعوا فقد سلمت عيركمم فأبى أبو جهل وقال حتى نقدم بدرا وشنرب بها لاخمور وننحر الجزور ونعزف علنا القيان ونكطعم بها العرب فذلك بطرهم ورياؤهم الناس باطعامهم فوافوها فسقوا كئوس المنايا مكان الخمر وناحت علهيم النوائح مكان القيان فناهم أن يكونوا مثلهم بطرين طربين مرائين بأعمالهم و أن يكونوا من أهل التقوى والكآبة والحزن من خشية اللّه مخلصين أعمالهم للّه والبطر أن تشغله كثرة النعمة عن شكرها {ويصدون عن سبيل اللّه} دين اللّه {واللّه بما يعملون محيط} تعالم وهو وعيد ٤٨{وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس} واذكر إذ زين لهم الشياطن اعمالهم التى عمللوها فى معاداة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ووسوس اليهم أنهم تلا يغلبون وغالب مبنى نحو لا رجل روكم فى موشع رفع خبر لا تقديره لا غالب كائن لكم {وإني جار لكم} أى مجير لكم أوهمهم أن الشيطان مما يجيرهم {فلما تراءت الفئتان} فلما تلاقى الفريقان {نكص} الشياطان هاربا {على عقبيه} أى رجع القهقرى {وقال إني بريء منكم} أى رجعت عما ضمنت لكم من الامان روى أن ابليس تمثل لهم فى صورة سراقة بن مالكم بن جعشم فى جند من الشياكني معه راية فلما رأى الملائكة تنزل نكص فقا للّه الحرث بن هشام اتخذ لنا فى هذه الحالة فقال {إني أرى ما لا ترون} أى الملائكة وانهمزا فلما بلغوا مكة قالوا هزم الناس سراقة فبلغ ذلك سراقة فقال واللّه ما شعرت بمسيركم حتى بلغتنى هزيممتكم فلما اسلموا علموا أنه الشيطان {إني أخاف اللّه} أى عقوبته {واللّه شديد العقاب} اذكروا ٤٩{إذ يقول المنافقون} بالمدينة {والذين في قلوبهم مرض} هو من صفة المنافقين اريد والذين هم على حرف ليسوا بثابتى الاقدام فى الإسلام {غر هؤلاء دينهم} يعنون أن المسلمين اغتروا بدينهم فخرجوا وهم ثلثمائة وبضعة عشر إلى زهار ألف ثم قال جوابا لهم {ومن يتوكل على اللّه} بكب إليه أمره {فإن اللّه عزيز} غالب يسلط القيل الضعيف على الكثير القوى {حكيم} لا يسوى بين وليه وعدوه ٥٠{ولو ترى} ولو عاينت وشاهدت لأن لو ترد المضارع إلى معنى الماضى كما ترد الماضى إلى معنى الاستقبال {إذ} نصب على الظرف {يتوفى الذين كفروا} بقبض أرواحهم {الملائكة} فاعل {يضربون} حال منهم {وجوههم} إذا أقبلوا {وأدبارهم} ظهورهم وأستاههم إذا أدبروا أو وجوههم عندالاقدام وأدبارهم عند النهزام وقيل فى يتوفى ضمير اللّه تعالى والملائكة مرفوعة بالابتداء ويضربون خبر و الأول الوجه لأن الكفار لا يستحقون أن يكون اللّه متوفيهم بلا واسطة دليلة قرءاة ابن عامر تتوفى بالتاء {وذوقوا} ويقولن لهم ذوقوا معطوف على يضربون {عذاب الحريق} أى مقدمة عذاب النارأو ذوقوا عذاب الآخرة بشارة لهم به أو يقال لهم يوم القيامة ذوثواوجواب لو محذوف أى لرأيت امرا فظيعا ٥١{ذلك بما قدمت أيديكم} أى كسبت وهو رد على الجبرية وهو من كلام اللّه تعالى أو من كلام الملائكة وذلك رفع بالابتداء وبما قدمت خبره {وأن اللّه} عطف عليه أى ذلك العذاب بسببين بسبب كفركم ومعاصيكم وبأن اللّه {ليس بظلام للعبيد} لأن تعذيب الكفار من العدل وقيل ظلام للتكثير لجل العبيد أو لفى انواع الظلم الكاف فى ٥٢{كدأب آل فرعون} فى محل الرفع أى دأب هؤلاء مثل دأب آل فرعون ودأبهم عادتهم وعملهم الذى دأبوا فيه أى داوموا عليه {والذين من قبلهم} من قبل قريش أو قبل آل فرعون {كفروا} تفسير لدأب آل فرعون {بآيات اللّه فأخذهم اللّه بذنوبهم إن اللّه قوي شديد العقاب} والمعنى جروا على عادتهم في التكذيب فأجرى عليه مثل ما فعل بهم في التعذيب ٥٣{ذلك} العذاب أو الانتقام {بأن اللّه لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} بسبب أن اللّه لم يصح فى حكمته أن يغير نعمته عند قوم حتى يغيروا ما بهم من الحال نعم لم يكن لآل فرعون ومشركى مكة حال مرضية فيغيروها إلى حال مسخوطة لكن لما تغيرت الحال المرضية إلى المسحوطة تغيرت الحال المسحوطة إلى أسخط منها و أولئك كانوا قبل بعثة الرسول اليهم كفرة عبدة أصنام فلما بعث اليهم بالآيات فكذبوه وسعوا فى إراقة دمه غيروا حالهم إلى أسوأ مما كانت فغير اللّه ما أنعم به عليهم من الامهال وعاجلهم بالعذاب {وأن اللّه سميع} لما يقول مكذبوا الرسل {عليم} بما يفعلون ٥٤{كدأب آل فرعون} تكرير للتأكيد أو لأن فى الاولى الأخذ بالذنوب بلا بيان ذلك وهنا بين أن ذلك هو الاهلاك والاسئصال {والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم} وفى قوله بآيات ربهم زيادة دلالة على كفران النعم وجحود الحق {فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون} بماء البحر {وكل} وكلهم من غرق القبط وقتلى قريش {كانوا ظالمين} أنفسهم بالكفر والمعاصى ٥٥{إن شر الدواب عند اللّه الذين كفروا فهم لا يؤمنون} أى أصروا على الكفر فلا يتوقع منهم الإيمان ٥٦{الذين عاهدت منهم} بدل من الذين كفروا أى الذين عاهدتهم من الذين كفروا وجعلهم شر الدواب لأن شر الناس الكفار وشر الكفار المصرون وشر المصرين الناكثون للعهود {ثم ينقضون عهدهم في كل مرة} فى كل معاهدة {وهم لا يتقون} لا يخافون عاقبة الغدر ولا يبالون بما فيه من العار والنار ٥٧{فإما تثقفنهم في الحرب} فاما تصادفنهم وتظفرن بهم {فشرد بهم من خلفهم} ففرق عن محاربتك ومناصبتك بقتلهم شر قتلة والنكاية فيهم من وراءهم من الكفرة حتى لا يجسر عليك بعدهم أحدا اعتبارا بهم واتعاظا بحالهم وقال الزجاج افعل بهم ما تفرق به جمعهم وتطرد به من عداهم {لعلهم يذكرون} لعل المشردين من ورائهم يتعظون ٥٨{وإما تخافن من قوم} معاهدين {خيانة} نكثا بامارات تلوح لك {فانبذ إليهم} فاطرح اليهم العهد {على سواء} على استواء منك ومنهم في العلم ينقض العهد وهو حال من النابذ والمنبوذ اليهم أى حاصلين على استواء فى العلم {إن اللّه لا يحب الخائنين} الناقضين للعهود ٥٩{ولا يحسبن} بالياء وفتح السين شامى وحمزة ويزيد وحفص وبالتاء وفتح السين أبو بكر وبالتاء وكسر السين غيرهم {الذين كفروا سبقوا} فاتوا وأفلتوا من أن يظفر بهم {إنهم لا يعجزون} أنهم لا يفوتون ولا يجدون طالبهم عاجزا عن إدراكهم أنهم شامى أى لأنهم كل واحدة من المكسورة والمفتوحة تعليل غير أن المكسورة على طريقة الاستئناف والمفتوحة تعليل صريح فمن قرأ بالتاء فالذين كفروا مفعول أول والثانى سبقوا ومن قرأ بالياء الذين كفروا فاعل وسبقوا مفعول تقديره أن سبقوا فحذف أن و أن مخففة من الثقيلة أى أنهم سبقوا فسد مسد المفعولين أو يكون الفاعل مضمرا أى ولا يحسبن محمد الكافرين سابقين ومن ادعى تفرد حمزة بالقراءة ففيه نظر لما بيننا من عدم تفرده بها وعن الزهرى أنها نزلت فيمن أفلت من فل المشركين ٦٠{وأعدوا} أيها المؤمنون {لهم} لنا قضى العهد أو لجميع الكفار {ما استطعتم من قوة} من كل ما يتقوى به فى الحرب من عددها وفى الحديث الا إن القوة الرمى قالها ثلاثا على المنبر وقيل هى الحصون {ومن رباط الخيل} هو اسم للخيل التى تربط فى سبيل اللّه أو هو جمع ربيط كفصيل وفصال وخص الخيل من بين ما يتقوى به كقوله وجبريل وميكال {ترهبون به} بما استطعتم {عدو اللّه وعدوكم} أى أهل مكة {وآخرين من دونهم} غيرهم وهم اليهود أو المنافقون أو أهل فارس أو كفرة الجن وفى الحديث: إن الشيطان لا يقرب صاحب فرس ولا دارا فيها فرس عتيق وروى أن صهيل الخيل يرهب الجن {لا تعلمونهم} لا تعرفونهم بأعيانهم {اللّه يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل اللّه يوف إليكم} يؤفي إليكم جزاؤه {وأنتم لا تظلمون} فى الجزاء بل تعطون على التمام ٦١{وإن جنحوا} مالوا جنح له واليه مال {للسلم} للصلح وبكسر السين أبو بكر وهو مؤنث تأنيث ضدها وهو الحرب {فاجنح لها} فمل اليها {وتوكل على اللّه} ولا تخف من ابطانهم المكر في جنوحهم إلى السلم فإن اللّه كافيك وعاصمك من مكرهم {إنه هو السميع العليم} لأقوالك {العليم} بأحوالك ٦٢{وإن يريدوا أن يخدعوك} يمكروا ويغدروا {فإن حسبك اللّه} كافيك اللّه {هو الذي أيدك} قواك {بنصره وبالمؤمنين} جميعا أو بالأنصار ٦٣{وألف بين قلوبهم} قلوب الاوس والخزرج بعد تعايدهم مائة وعشرين سنة {لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم} أى بلغت عداوتهم مبلغا لو أنفق منفق فى اصلاح ذات بينهم ما فى الأرض من الأموال لم يقدر عليه {ولكن اللّه ألف بينهم} بفضله ورحمته وجمع بين كلمتهم بقدرته فاحدث بينهم التوادد والتحابب واماط عنهم التباعض والتماقت {إنه عزيز} يقهر من يخدعونك {حكيم} ينصر من يتبعونك ٦٤{يا أيها النبي حسبك اللّه ومن اتبعك من المؤمنين} الواو بمعنى مع وما بعده منصوب والمعنى كفاك وكفى اتبعاك من المؤمنين اللّه ناصرا ويجوز أن يكون فى محل الرفع أى كفاك اللّه وكافك أتباعك من المؤمنين قيل أسلم مع النبى صلى اللّه عليه وسلم ثلاثة وثلاثون رجلا وست نسوة ثم أسلم عمر فنزلت ٦٥{يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال} التحريض المبالغة فى الحث على الأمر من الحرض وهو أن ينهكه المرض حتى يشفى على الموت {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا} هذه عدة من اللّه وبشارة بأن الجماعة من المؤمنين أن صبروا غلبوا عشرة أمثالهم من الكفار بعون اللّه وتأييده {بأنهم قوم لا يفقهون} بسبب أن الكفار قوم جهلة يقاتلون على غير احتساب وطلب ثواب كالبهائم فيقل ثباتهم ويعدمون لجهلهم باللّه نصرته بخلاف من يقاتل على بصيرة وهو يرجو النصر من اللّه قيل كان عليهم أن لا يفروا ويثبت الواحد للعشرة ثم ثقل عليهم ذلك فنسخ وخفف عنهم بمقاومة الواحد الاثنين بقوله ٦٦{الآن خفف اللّه عنكم وعلم أن فيكم ضعفا} ضعفا عاصم وحمزة والمراد الضعف فى البدن {فإن يكن منكم مائة صابرة} بالياء فيهما كوفى وافقه البصرى فى الاولى والمراد الضعف فى البدن {يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن اللّه واللّه مع الصابرين} وتكرير مقاومة الجماعة لأكثر منها مرتين قبل التخفيف وبعده للدلالة على أن الحال مع القلة والكثرة لا تتفاوت إذ الحال قد تتفاوت بين مقاومة العشرين المائتين والمائة الألف وكذلك بين مقاومة المائة المائتين والألف الألفين ٦٧{ما كان لنبي} ما صح له ولا استقام {أن يكون له أسرى} أن تكون بصرى {حتى يثخن في الأرض} الاثخان كثرة القتل والمبالغة فيه من الثخانة وهى الغلط والكثافة يعنى حتى يذل الكفر باشاعة القتل فى اهله ويعز الإسلام بالاستيلاء والقهر ثم الأسر بعد ذلك روى أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اتى بسبعين أسيرا فيهم العباس عمه وعقيل فاستشار النبى عليه السلام أبا بكر فيهم فقال قومك وأهلك استبقهم لعل اللّه يتوب عليهم وخذ منهم فدية تقوى بها أصحابك وقال عمرو رضى اللّه عنه كذبوك وأخرجوك فقدمهم واضرب أعناقهم فإن هؤلاء أئمة الكفر وان اللّه أغناك عن الفداء مكن عليا من عقيل وحمزة من العباس ومكنى من فلان لنسيب له فلنضرب أعناقهم فقال عليه السلام: مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم حيث قال ومن عصانى فأنك غفور رحيم ومثلك يا عمر كمثل نوح حيث قال رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لهم أن شئتم قتلتموهم وان شئتم فاديتموهم واستشهد منكم بعدتهم فقالوا بل نأخذ الفداء فاستشهدوا بأحد فلما أخذوا الفداء نزلت الآية {تريدون عرض الدنيا} متاعها يعنى الفداء سماه عرضا لقلة بقائه وسرعة فناءه {واللّه يريد الآخرة} أى ما هو سبب الجنة من اعزاز الإسلام بالاثخان فى القتل {واللّه عزيز} يقهر الاعداء {حكيم} فى عتاب الاولياء ٦٨{لولا كتاب من اللّه} لو لا حكم من اللّه {سبق} أن لا يعذب أحدا على العلم بالاجتهاد وكان هذا اجتهاد منهم لأنهم نظروا فى أن استبقاءهم ربما كان سببا فى اسلامهم و أن فداءهم يتقوى به على الجهاد وخفى عليهم أن قتلهم أعز للاسلام وأهيب لمن وراءهم أو ما كتب اللّه فى اللوح أن لا يعذب أهل بدر أو كان لا يؤاخذ قبل البيان والاعذار وفيما ذكر من الاستشارة دلالة على جواز الاجتهاد فيكون حجة على منكرى القياس كتاب مبتدأ ومن اللّه صفته أى لولا كتاب ثابت من اللّه وسبق صفة أخرى له وخبر المبتدأ محذوف أى لولا كتاب بهذه الصفة فى الوجود وسبق لا يجوز أن يكون خبرا لأن لولا لا يظهر خبرها أبدا {لمسكم} لنالكم وأصابكم {فيما أخذتم} من فداء الاسرى {عذاب عظيم} روى أن عمر رضى اللّه عنه دخل على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فإذا هو و أبو بكر يبكيان فقال يا رسول اللّه أخبرنى فإن وجدت بكاء بكيت وان لم أجد بكاء تباكيت فقال أبكى على أصحابك فى أخذهم الفداء ولقد عرض على عذابهم أدنى من هذه الشجرة لشجرة قريبة منه وروى أنه عليه السلام قال لو نزل عذاب من السماء لما نجا منه غير عمر وسعد بن معاذ لقوله كان الأثخان فى القتل أحب إلى ٦٩{فكلوا مما غنمتم} روى أنهم أمسكوا عن الغنائم ولم يمدوا أيديهم إليها فنزلت وقيل هو إباحة للفداء لأنه من جملة الغنائم والفاء للتسبيب والسبب محذوف ومعناه قد أحللت لكم الغنائم فكلوا {حلالا} مطلقا عن العتاب والعقاب من حل العقال وهو نصب على الحال من المغنوم أو صفة للمصدر أى اكلا حلالا {طيبا} لذيذا هنيئا أو حلالا بالشرع طيبا بالطبع {واتقوا اللّه} فلا تقدموا على شيء لم يعهد اليكم فيه {إن اللّه غفور} لما فعلتم من قبل {رحيم} بإحلال ما غنتم ٧٠{يا أيها النبي قل لمن في أيديكم} فى ملكتكم كأن أيديكم قابضة عليهم {من الأسرى} جمع أسير من الأسارى أبو عمرو جمع أسرى {إن يعلم اللّه في قلوبكم خيرا} خلوص ايمان وصحة نية {يؤتكم خيرا مما أخذ منكم} من الفداء إما أن يخلفكم فى الدنيا أضعفاه أو يثيبكم فى الآخرة {ويغفر لكم واللّه غفور رحيم} روى أنه قدم على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مال البحرين ثمانون ألفا فتوضأ لصلاة الظهر وما صلى حتى فرقه وأمر العباس أن يأخذ منه فأخذ منه ما قدر على حمله وكان يقول هذا خير مما أخذ منى وأرجوا المغفرة وكان له عشرون عبدا وان أدناهم ليتجر فى عشرين ألفا وكان يقول أنجز اللّه أحد الوعدين و أنا على ثقة من الآخر ٧١{وإن يريدوا} أى الأسرى {خيانتك} نكث ما بايعوك عليه من الإسلام بالردة أو منع ما ضمنوه من الفداء {فقد خانوا اللّه من قبل} فى كفرهم به ونقض ما أخذ على كل عاقل من ميثاقه {فأمكن منهم} فأمكنك منهم أى أظفرك بهم كما رأيتم يوم بدر فسيمكن منهم إن عادوا إلى اللّه الخيانة {واللّه عليم} بالمآل {حكيم} فيما أمر فى الحال ٧٢{إن الذين آمنوا وهاجروا} من مكة حبا للّه ورسوله {وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللّه} هم المهاجرون {والذين آووا ونصروا} أى آووهم إلى ديارهم ونصروهم على أعدائهم وهم الانصار {أولئك بعضهم أولياء بعض} أى يتولى بعضهم بعضا فى الميراث وكان المهاجرون والأنصار يتوارثون بالهجرة بالنصرة دون ذوى القرابات حتى نسخ ذلك بقوله وأولو الارحام بعضهم أولى ببعض وقيل أراد به النصرة والمعاونة {والذين آمنوا ولم يهاجروا} من مكة {ما لكم من ولايتهم} من توليهم فى الميراث ولا يتهم حمزة وقيل هما واحد {من شيء حتى يهاجروا} فكان لا يرث المؤمن الذى لم يهاجر ممن آمن وهاجر ولما أبقى للذين لم يهاجروا إسم الإيمان وكانت الهجرة فريضة فصاروا بتركها مرتكبين كبيرة دل أن صاحب الكبيرة لا يخرج من الإيمان {وإن استنصروكم} أى من أسلم ولم يهاجر {في الدين فعليكم النصر} أى إن وقع بينهم وبين الكفار قتال وطلبوا معونة فواجب عليكم أن تنصروهم على الكافرين {إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق} فإنه لا يجوز لكم نصرهم عليهم لأنهم لا يبتدئون بالقتال إذ الميثاق مانع من ذلك {واللّه بما تعملون بصير} تحذير عن تعدى حد الشرع ٧٣{والذين كفروا بعضهم أولياء بعض} ظاهره اثبات الموالاة بينهم ومعناه نهى المسلمين عن موالاة الكفار وموارثتهم وإيجاب مباعدتهم ومصارمتهم و أن كانوا أقارب وان يتركوا يتوارثون بعضهم بعضا ثم قال {إلا تفعلوه} أى إلا تفعلوا ما أمرتكم به من تواصل المسلمين وتولى بعضهم بعضا حتى فى التوارث تفضيلا لنسبة الإسلام على نسبة القرابة ولم تجعلوا قرابة الكفار كلا قرابة {تكن فتنة في الأرض وفساد كبير} تحصل فتنة فى الأرض ومفسدة عظيمة لأن المسلمين ما لم يصيروا يدا واحدة على الشرك كان الشرك ظاهرا والفساد زائدا ٧٤{والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل اللّه والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا} لأنهم صدقوا إيمانهم وحققوه بتحصيل مقتضياته من هجرة الوطن ومفارقة الاهل والسكن والانسلاخ من المال والدنيا لأجل الدين والعقبى {لهم مغفرة ورزق كريم} لامنة فيه ولا تنغيص ولا تكرار لأن هذه الآية واردة للثناء عليهم مع الوعد الكريم والأولى للأمر بالتواصل ٧٥{والذين آمنوا من بعد} يريد اللاحقين بعد السابقين إلى الهجرة {وهاجروا وجاهدوا} {معكم فأولئك منكم} جعلهم منهم تفضيلا وترغيبا {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض} وأولوا القرابات اولى بالتوارث وهو نسخ للتوارث بالهجرة والنصرة {في كتاب اللّه} فى حكمه وقسمته أو فى اللوح أو فى القرآن وهو آية المواريث وهو دليل لنا على توريث ذوى الأرحام {أن اللّه بكل شيء عليم} فيقضى بين عباده بما شاء من أحكامه قسم الناس أربعة أقسام قسم آمنوا وهاجروا وقسم آمنوا ونصروا وقسم آمنوا ولم يهارجروا وقسم كفروا ولم يؤمنوا |
﴿ ٠ ﴾