تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل

أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م)

_________________________________

سورة يونس

سورة يونس عليه السلام مائة وتسع آيات مكية وكذا ما بعدها إلى سورة النور بسم اللّه الرحمن الرحيم

_________________________________

{الر} ونحوه ممال حمزة وعلى و أبوعمرو وهو تعديد للحروف على طريق التحدى

{تلك آيات الكتاب} اشارة إلى ما تضمتنه السورة من الآيات والكتاب السورة

{الحكيم} ذى الحكمة لاشمتاله عليها أو المحكم عن الكذب والاقتراف والهمزة فى

٢

{أكان للناس عجبا} لانكار التعجب والتعجيب منه

{أن أوحينا} اسم كان وعجبا خبره واللام فى للناس متعلق بمحذوف هو صفة لعجبا فلما تقدم صار حالا

{إلى رجل منهم أن أنذر الناس} بأن أنذرا أو هى مفسرة إذ الايحاء فيه معنى القول

{وبشر الذين آمنوا} أن لهم بأن لهم ومعنى اللام فى للناس أنهم جعلوه لهم اعجوبة يتعجبون منه والذى تعجبوا منه أن يوحى إلى بشر و أن يكون رجلا من أفناء رجالهم دون عظيم من عظمائهم فقد كانوا يقولون العجب أن اللّه لم يجد رسولا يرسله إلى الناس إلا يتيم أبى طالب و أن يذكر لهم البعث وينذر بالنيران ويبشر بالجنان وكل واحد من هذه الأمور ليس بعجب لأن الرسل المبعوثين إلى الأمم لم يكونوا إلا بشرا مثلهم وارسال اليتيم أو الفقير ليس بعجب أيضا لأن اللّه تعالى إنما يختار للنبوة من جمع أسبابها والغنى والتقدم فى الدنيا ليس من أسبابها والبعث للجزاء على الخير والشر هو الحكمة العظمى فكيف يكون عجبا إنما العجب والمنكر فى العقول تعطيل الجزاء

{قدم صدق عند ربهم} أى سابقة وفضلا ومنزلة رفيعة ولما كان السعى والسبق بالقدم سميت المسعاة الجميلة والسابقة قدما كما سميت النعمة يدا لانها تعطى باليد وباعا لأن صاحبها يبوع بها فقيل لفلان قدم فى الخير واضافتها إلى صدق دلالة على زيادة فضل وانه من السوابق العظيمة أو مقام صدق أو سبق السعادة

{قال الكافرون إن هذا} الكتاب

{لسحر مبين} مدنى وبصرى وشامى ومن قرأ لساحر فهذه إشارة إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو دليل عجزهم واعترافهم به وان كانوا كاذبين فى تسميته سحرا

٣

{إن ربكم اللّه الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش} أى استولى فقد يقدس الديان عن المكان والمعبود عن الحدود

{يدبر} يقضى ويقدر على مقتضى الحكمة

{الأمر} أى أمر الخلق كله وأمر ملكوت السموات و الأرض والعرش ولما ذكر ما يدل على عظمته وملكه من خلق السموات و الأرض والاستواء على العرش أتبعها هذه الجملة لزيادة الدلالة على العظمة و أنه لا يخرج أمر من الامور عن قضائه وتقديره وكذلك قوله

{ما من شفيع إلا من بعد إذنه} دليل على عزته وكبريائه

{ذلكم} العظيم الموصوف بما وصف به

{اللّه ربكم} وهو الذى يستحق العبادة

{فاعبدوه} وجدوه ولا تشركوا به بعض خلقه من إنسان أو ملك فضلا عن جماد لا يضر ولا ينفع

{أفلا تذكرون} افلا تتدبرون فتستدلون بوجود المصالح والمنافع على وجود المصلح النافع

٤

{إليه مرجعكم جميعا} حال أى لا ترجعون فى العاقبة إلا إليه فاستعدوا للقائه والمرجع الرجوع أو مكان الرحوع

{وعد اللّه} مصدر مؤكد لقوله إليه مرجعكم

{حقا} مصدر مؤكد لقوله {وعد اللّه}

{إنه يبدأ الخلق ثم يعيده} استئناف معناه التعليل لوجوب المرجع إليه

{ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات} أى الحكمة بابتداء الخلق وإعادته هو جزاء المكلفين على أعمالهم

{بالقسط} بالعدل وهو متعلق بيجزى أى ليجزيهم بقسطه وليوفيهم أجورهم أو بقسطهم أى بما أقسطوا وعدلوا ولم يظلموا حين آمنوا اذ الشرك ظلم إن الشرك لظلم عظيم وهذا أوجه لمقابلة قوله

{والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون} ولوجه كلامى

٥

{هو الذي جعل الشمس ضياء} الياء فيه منقلبة عن واو ضوء لكسرة ما قبلها وقلبها قتيل همزة لأنها للحركة اجمل

{والقمر نورا} والضياء أقوى من النور فلذا جعله للشمس

{وقدره} وقدر القمر أى وقدر مسيره

{منازل} أو وقدره ذا منازل كقوله

{والقمر قدرناه منازل} {لتعلموا عدد السنين} أى عدد السنين والشهور فاكتفى بالسنين لاشتمالها على الشهور

{والحساب} وحساب الآجال والمواقيت المقدرة بالسنين والشهور

{ما خلق اللّه ذلك} المذكور

{إلا} ملتبسا

{بالحق} الذى هو الحكمة البالغة ولم يخلقه عبثا

{يفصل الآيات} مكى وبصرى وحفص وبالنون غيرهم

{لقوم يعلمون} فينتفعون بالتأمل فيها

٦

{إن في اختلاف الليل والنهار} فى مجيء كل واحد منها خلف الآخر أو فى اختلاف لونيهما

{وما خلق اللّه في السماوات والأرض} من الخلائق

{لآيات لقوم يتقون} خصهم بالذكر لأنهم يحذرون الآخرة فيدعوهم الحذر إلى النظر

٧

{إن الذين لا يرجون لقاءنا} لا يتوقعونه اصلا ولا يخطرونه ببالهم لغفلتهم عن التفطن للحقائق أو لا يؤملون حسن لقائنا كما يؤمله السعداء أو لا يخافون سوء لقائنا الذى يجب أن يخاف

{ورضوا بالحياة الدنيا} من الآخرة وآثروا القليل الفانى على الكثير الباقى

{واطمأنوا بها} وسكنوا فيها سكون من لا يزعد عنها فبنوا شديدا واملوا بعيدا

{والذين هم عن آياتنا غافلون} لا يتفكرون فيها ولا وقف عليه لأن خبر أن

٨

{أولئك مأواهم النار} فأولئك مبتدأ وماؤهم مبتدأ ثان والنار خبره والجملة خبر أولئك والباء فى

{بما كانوا يكسبون} يتعلق بمحذوف دل عليه الكلام وهو جوزوا

٩

{إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم} يسددهم بسبب ايمانهم للاستقامة على سلوك الطريق السديد المؤدى إلى الثواب ولذا جعل

{تجري من تحتهم الأنهار} بيانا له وتفسيرا إذ التمسك بسبب السعادة كالوصول إليها أو يهديهم فى الآخرة بنور ايمانهم إلى طريق الجنة ومنه الحديث: أن المؤمن إذا خرج من قبره صور له عمله فى صورة حسنة فيقول له أنا عملك فيكون له نورا وقائدا إلى الجنة والكافر إذا خرج من قبره صور له عمله فى صورة سيئة فيقول له أنا عملك فينطلق به حتى يدخله النار وهذا دليل على أن الإيمان المجرد منج حيث قال بايمانهم ولم يضم إليه العمل الصالح

{في جنات النعيم} متعلق بتجرى أو حال من الانهار

١٠

{دعواهم فيها سبحانك اللّهم} أى دعاؤهم لأن اللّهم نداء للّه ومعناه اللّهم أنا نسبحك أى يدعون اللّه بقولهم سبحانك اللّهم تلذذا بذكره لاعبادة

{وتحيتهم فيها سلام} أى يحيى بعضهم بعضا بالسلام أو هى تحية الملائكة إياهم واضيف المصدر إلى المفعول أو تحية اللّه لهم

{وآخر دعواهم} وخاتمة دعائهم الذى هو التسبيح

{أن الحمد للّه رب العالمين} أن يقولوا الحمد للّه رب العالمين أن مخففة من الثقيلة واصله أنه الحمد للّه رب العالمين والضمير للشأن قيل أول كلامهم التسبيح و آخره التحميد فيبتدءون بتعظيم اللّه وتنزيهه ويختمون بالشكر والثناء عليه ويتكلمون بينهما بما أرادوا

١١

{ولو يعجل اللّه للناس الشر استعجالهم بالخير} أصله ولو يعجل اللّه للناس الشر تعجيله لهم الخير فوضع استعجالهم بالخير موضع تعجيله لهم الخير اشعارا بسرعة اجابته لهم والمراد أهل مكة وقولهم فأمطر علينا حجارة من السماء اي ولو عجلنا لهم الشر الذى دعوا به كما نعجل لهم الخير ونجيبهم إليه

{لقضي إليهم أجلهم} لأميتوا وأهلكوا لقضى إليهم أجلهم شامى على البناء للفاعل وهو اللّه عز وجل

{فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم} شركهم وضلالهم

{يعمهون} يترددون ووجه اتصاله بما قبله أن قوله ولو يعجل اللّه متضمن معنى نفى التعجيل كأنه قيل ولا نعجل لهم الشر ولا نقضى اليهم أجلهم فنذرهم فى طغيانهم أي فنمهلهم ونفيض عليهم النعمة مع طغيانهم إلزاما للحجة عليهم

١٢

{وإذا مس الإنسان} أصابه والمراد به الكافر

{الضر دعانا} أى دعا اللّه لإزالته

{لجنبه} فى موضع الحال بدليل عطف الحالين أى

{أو قاعدا أو قائما} عليه أى دعانا مضطجعا وفائدة ذكر هذه الأحوال أن المضرور لا يزال داعيا لا يفتر عن الدعاء حتى يزول عنه الضر فهو يدعونا فى حالاته كلها كان مضطجعا عاجزا عن النهوض أو قاعدا لا يقدر على القيام أو قائما لا يطيق المشي

{فلما كشفنا عنه ضره} أزلنا ما به

{مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه} أى مضى على طريقته الأولى قبل مس الضر ونسى حال الجهد أو مر عن موقف الابتهال والتضرع لا يرجع إليه كأنه لا عهد له به والأصل كأنه لم يدعنا فخفف وحذف ضمير الشأن

{كذلك} مثل ذلك التزيين

{زين للمسرفين} للمجاوزين الحد فى الكفر زين الشيطان بوسوسته

{ما كانوا يعملون} من الاعراض عن الذكر واتباع الكفر

١٣

{ولقد أهلكنا القرون من قبلكم} يا أهل مكة

{لما ظلموا} أشركوا وهو ظرف لأهلكنا والواو فى

{وجاءتهم رسلهم} للحال ا ظلموا بالتكذيب وقد جاءتهم رسلهم

{بالبينات} بالمعجزات

{وما كانوا ليؤمنوا} أن بقوا ولم يهلكوا لأن اللّه علم منهم أنهم يصرون

على كفرهم وهو عطف على ظلموا أو اعتراض واللام لتأكيد النفى يعنى أن السبب فى إهلاكهم تكذيبهم للرسل وعلم اللّه أنه لا فائدة فى إمهالهم بعد أن ألزموا الحجة ببعثة الرسل

{كذلك} مثل ذلك الجزاء يعنى الاهلاك

{نجزي القوم المجرمين} وهو وعيد لأهل مكة على اجرامهم بتكذيب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

١٤

{ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم} الخطاب للذين بعث اليهم محمد صلى اللّه عليه وسلم أى استخلفناكم فى الارض بعد القرون التى اهلكناها

{لننظر كيف تعملون} أى لننظر أتعملون خيرا و شرا فنعاملكم على حسب عملكم وكيف فى محل النصب يتعملون لا ينتظر لأن معنى الاستفهام فيه يمنع أن يتقدم عليه عامله والمعنى أنتم بمنظر منا فانظروا كيف تعملون أبالاعتبار بماضيكم أم الاغترار بما فيكم قال عليه السلام الدنيا حلوة خضرة وان اللّه مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون

١٥

{وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات} حال

{قال الذين لا يرجون لقاءنا} لما غاظهم ما في القرآن من ذم عبادة الأوثان والوعيد لأهل الطغيان

{ائت بقرآن غير هذا} ليس فيه ما يغيظنا من ذلك نتبعك

{أو بدله} بأن تجعل مكان آية عذاب آية رحمة وتسقط ذكر الآلهة وذم عبادتها فأمر بأن يجيب عن التبديل لأنه داخل تحت قدرة الانسان وهو أن يضع مكان آية عذاب آية رحمة و أن يسقط ذكر الآلهة بقوله

{قل ما يكون لي} ما يحل لى

{أن أبدله من تلقاء نفسي} من قبل نفسى

{إن أتبع إلا ما يوحى إلي} لا أتبع إلا وحى اللّه من غير زيادة ولا نقصان ولا تبديل لأن الذى أتيت به من عند اللّه لا من عندى فابدله

{إني أخاف إن عصيت ربي} بالتبدليل من عند نفسى

{عذاب يوم عظيم} أى يوم القيامة و أما الايتان بقرآن آخر فلا يقدر عليه الانسان وقد ظهر لهم العجز عنه إلا أنهم كانوا لا يعترفون بالعجز ويقولون لو نشاء لقلنا مثل هذا ولا يحتمل أن يريدوا بقوله ائت بقرآن غير هذا أو بدله من جهة الوحى لقوله إنى أخاف أن عصيت ربى عذاب يوم عظيم وغرضهم فى هذا الاقتراح الكيد اما اقتراح ابدال قرآن بقرآن ففيه أنه من عندك وانك قادر على مثله فأبدل مكانه آخر واما اقتراح التبديل فلاختيار الحا ل و أنه أن وجد منه تبديل فأما أن يهلكه اللّه فينجوا منه اولا يهلكه فيسخروا منه فيجعلوا التبديل حجة عليه وتصحيحا لافترائه على اللّه

١٦

{قل لو شاء اللّه ما تلوته عليكم} يعنى أن تلاوته ليست إلا بمشيئة اللّه واظهاره أمرا عجيبا خارجا عن العادات وهو أن يخرج رجل أمى لم يتعلم ولم يشاهد العلماء فيقرأ عليكم كتابا فصيحا يغلب كل كلام فصيح ويعلو على كل منثور ومنظوم مشحونا بعلوم الأصول والفروع والاخبار عن الغيوب التى لا يعلمها إلا اللّه

{ولا أدراكم به} ولا أعلمكم اللّه بالقرآن على لسانى

{فقد لبثت فيكم عمرا من قبله} من قبل نزول القرآن أى فقد اقمت فيما بينكم اربعين سنة ولم تعرفونى متعاطيا شيئا من نحوه ولا قدرت عليه ولا كنت موصوفا بعلم وبيان فتتهمونى باختراعه

{أفلا تعقلون} فتعلموا أنه ليس إلا من عند اللّه لا من مثلى وهذا جواب عما دسوه تحت قوله ائت بقرآن غير هذا من إضافا الافترءا إليه

١٧

{فمن أظلم ممن افترى على اللّه كذبا} يحتمل أن يريد افتراء المشركين على اللّه فى أنه ذو شريك وذو ولد وان يكون تفاديا مما أضافوه إليه من الافتراء

{أو كذب بآياته} بالقرآن فيه بيان أن الكاذب على اللّه والمكذب بآياته فى الكفر سواء

{إنه لا يفلح المجرمون

١٨

ويعبدون من دون اللّه ما لا يضرهم} أن تركوا عبادتها

{ولا ينفعهم} أن عبدوها

{ويقولون هؤلاء} أى الأصنام

{شفعاؤنا عند اللّه} أى فى أمر الدنيا ومعيشتها لأنهم كانوا لا يقرون بالبعث وأقسموا باللّه جهد أيمانهم لا يبعث اللّه من يموت أو يوم القيامة أن يكن بعث ونشور

{قل أتنبئون اللّه بما لا يعلم} أتخبرونه بكونهم شفعاء عنده وهو انباء بما ليس بمعلوم للّه و إذا لم يكن معلوما له وهو عالم بجميع المعلومات لم يكن شيئا وقوله

{في السماوات ولا في الأرض} تأكيد لنفيه لأن ما لم يوجد فيهما فهو معدوم

{سبحانه وتعالى عما يشركون} نزه ذاته عن أن يكون له شريك وبالتاء حمزة وعلى وما موصولة أو مصدريه اى عن الشركاء الذين تشركونهم به أو عن إشراكهم

١٩

{وما كان الناس إلا أمة واحدة} حنفاء متفقين على ملة واحدة من غير أن يختلفوا بينهم وذلك فى عهد آدم عليه السلام إلى أن قتل قابيل هابيل أو بعد الطوفان حين لم يذر اللّه من الكافرين ديارا

{فاختلفوا} فصاروا مللا

{ولولا كلمة سبقت من ربك} وهو تأخير الحكم بينهم إلى يوم القيامة

{لقضي بينهم} عاجلا

{فيما فيه يختلفون} فيما اختلفوا فيه وليميز المحق من المبطل وسبق كلمته لحكمه وهى أن هذه الدار تكليف وتلك الدار دار ثواب وعقاب

٢٠

{ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه} أى آية من الآيات التى اقترحوها

{فقل إنما الغيب للّه} أى هو المختص بعلم الغيب فهو العالم بالصارف عن انزال الآيات المقترحة لا غير

{فانتظروا} نزول ما اقترحتموه

{إني معكم من المنتظرين} لما يفعل اللّه بكم لعنادكم وجحودكم الآيات

٢١

{وإذا أذقنا الناس} أهل مكة

{رحمة} خصبا وسعة

{من بعد ضراء مستهم} يعنى القحط والجوع

{إذا لهم مكر في آياتنا} أى مكروا بآياتنا بدفعها وإنكارها روى أنه تعالى سلط القحط سبع سنين على أهل مكة حتى كادوا يهلكون ثم رحمهم بالحيا فلما رحمهم طفقوا يطعنون فى آيات اللّه ويعادون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ويكيدونه فإذا الاولى للشرط والثاينة جوابها وهى للمفاجأة وهو كقوله و إن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون أى وان تصبهم سيئة قنطوا و إذا أذقنا الناس رحمة مكروا والمكر إخفاء الكيد وطيه من الجارية الممكورة المطوية الخلق ومعنى مستهم خالطتهم حتى أحسوا بسوءأثرها فيهم و إنما قال

{قل اللّه أسرع مكرا} ولم يصفهم بسرعة المكر لأن كلمة المفاجأة دلت على ذلك كأنه قال و إذا رحمناهم من بعد ضراء فاجؤا وقوع المكر منهم وسارعوا إليه قبل أن يغسلوا رءوسهم من مس الضراء

{إن رسلنا} يعنى الحفظة

{يكتبون ما تمكرون} إعلام بأن ما تظنونه خافيا لا يخفى على اللّه وهو منتقم منكم وبالياء سهل

٢٢

{هو الذي يسيركم في البر والبحر} يجعلكم قادرين على قطع المسافات بالارجل والدواب والفلك الجارية فى البحار أو يخلق فيكم السير ينشركم شامى

{حتى إذا كنتم في الفلك} أى السفن

{وجرين} أى السفن

{بهم} بمن فيها رجوع من الخطاب إلى الغيبة للمبالغة

{بريح طيبة} لينة الهبوب لاعاصفة ولا ضعيفة

{وفرحوا بها} بتلك الريح للينها واستقامتها

{جاءتها} أى الفلك أو الريح الطيبة أى تلقتها

{ريح عاصف} ذات عصف أى شديدة الهبوب

{وجاءهم الموج} هو ما علا على الماء

{من كل مكان} من البحر أو من جميع امكنة الموج

{وظنوا أنهم أحيط بهم} أهلكوا جعل إحاطة العدوا بالحى مثلا فى الاهلاك

{دعوا اللّه مخلصين له الدين} من غير إشراك به لأنهم

لا يدعون حينئذ معه غيره يقولون

{لئن أنجيتنا من هذه} الأهوال أو من هذه الريح

{لنكونن من الشاكرين} لنعمتك مؤمنين بك متمسكين بطاعتك ولم يجعل الكون فى الفلك غاية للتسيير فى البحر ولكن مضمون الجملة الشرطية الواقعة بعد حتى بما فى حيزها كأنه قيل يسيركم حتى إذا وقعت هذه الحادثة وكان كيت و كيت من مجئ الريح العاصف وتراكم الأمواج والظن بالهلاك والدعاء بالإنجاء وجواب إذا جاءتها ودعوا بدل من ظنوا لأن دعاءهم من لوازم ظنهم للّهلاك فهو ملتبس به

٢٣

{فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض} يفسدون فيها

{بغير الحق} باطلا أى مبطلين

{يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم} أى ظلمكم يرجع اليكم كقوله

{من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها} متاع الحياة الدنيا حفص اى تتمتعون متاع الحياة الدنيا وعلى انفسكم خبر لبغيكم غيره بالرفع على أنه خبر بغيكم وعلى أنفسكم صلته كقوله فبغى عليهم ومعناه إنما بغيكم على أمثالكم أو هو خبر ومتاع خبر بعد خبر أو متاع خبر مبتدأ مضمر أى هو متاع الحياة الدنيا وفى الحديث أسرع الخير ثوابا صلة الرحم واعجل الشر عقابا البغى واليمين الفاجرة وروى ثنتان يعجلهما اللّه فى الدنيا البغى وعقوق الوالدين وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما لو بغى جبل على جبل لدك الباغى وعن محمد بن كعب ثلاث من كن فيه كن عليه البغى والنكث والمكر قال اللّه تعالى إنما بغيكم على أنفسكم ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله ومن نكث فانما ينكث على نفسه

{ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون} فنخبركم به ونجازيكم عليه

٢٤

{إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء} من السحاب

{فاختلط به} بالماء

{نبات الأرض} أى فاشتبك بسببه حتى خالط بعضه بعضا

{مما يأكل الناس} يعنى الحبوب والثمار والبقول

{والأنعام} يعنى الحشيش

{حتى إذا أخذت الأرض زخرفها} زينتها بالنبات واختلاف الوانه

{وازينت} وتزينت به وهو أصله وأدغمت التاء فى الزاى وهو كلام فصيح جعلت الأرض آخذة زخرفها على التمثيل بالعروس إذا أخذت الثياب الفاخرة من كل لون فاكتستها وتزينت بغيرها من ألوان الزين

{وظن أهلها} أهل الأرض

{أنهم قادرون عليها} متمكنون من منفعتها محصلون لثمرتها رافعون لغلتها

{أتاها أمرنا} عذابنا وهو ضرب زرعها ببعض العاهات بعد أمنهم واستيقانهم أنه قد سلم

{ليلا أو نهارا فجعلناها} فجعلنا زرعها

{حصيدا} شبيها بما يحصد من الزرع فى قطعه واستئصاله

{كأن لم تغن} كأن لم يغن زرعها أى لم يلبث حذف المضاف فى هذه المواضع لا بدمنه ليستقيم المعنى

{بالأمس} هو مثل فى الوقت القريب كأنه قيل كأن لم تغن آنفا

{كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون} فينتفعون بضرب الأمثال وهذا من التشبيه المركب شبهت حال الدنيا فى سرعة تقضيها وانقراض نعيمها بعد الاقبال بحال نبات الأرض فى جفاقه وذهابه حطاما بعدما التف وتكاثف وزين الأرض بخضرته ورفيفه وحكمة التشبيه التنبيه على أن الحياة صفوها شبيتها وكدرها شيبتها كما أن صفوالماء فى أعلى الاناء قال

ألم تر أن العمر كأس سلافة  فأوله صفو وآخره كدر

وحقيقة تزيين جثة الطين بمصالح الدنيا والدين كاختلاط النبات على اختلاف التلوين فالطينة الطيبة تنبت بساتين الانس ورياحين الرحوح وزهرة الزهد وكروم الكرم وحبوب الحب وحدائق الحقيقة وشقائق الطريقة والخبيثة تخرج خلاف الخلف وثمام الاثم وشوك الشرك وشيح الشح وحطب العطب ولعاع اللعب ثم يدعوه معاده كما يحين للحرث حصاده فتزاليه الحياة مغترا كما يهيج النبات مصفرا فتغيب جثته فى الرمس كأن لم تغن بالأمس إلى أن يعود ربيع البعث وموعد العرض والبحث وكذلك حال الدنيا كالماء ينفع قليله ويهلك كثيره ولا بد من ترك مازاد كما لا بد من اخذ الزاد وآخذ المال لا يخلوا من زلة كما أن خائض الماء لا ينجو من بلة وجمعه وإمساكه تلف صاحبه وإهلاكه فما دون النصاب كضحضاح ماء يجاوز بلا احتماء والنصاب كنهر حائل بين المجتاز والجواز إلى المفاز لا يمكن إلا بقنطرة وهى الزكاة وعمارتها بذل الصلاة فمتى اختلت القنطرة غرقته امواج القناطير المقنطرة وعن هذا قال عليه السلام الزكاة قنطرة الإسلام وكذا المال يساعد الأوغاد دون الأمجاد كما أن الماء يجمتع فى الوهاد دون النجاد وكذالك المال لا يجتمع إلا بكد البخيل كما أن الماء لا يجتمع إلا بسد المسيل ثم يفنى ويتلف ولا يبقى كالماء فى الكف

٢٥

{واللّه يدعو إلى دار السلام} وهى الجنة أضافها إلى اسمه تعظيما لها أو السلام والسلامة لأن اهلها سالمون من كل مكروه وقيل لفشوا السلام بينهم وتسليم الملائكة عليهم إلا قيلا سلاما سلاما

{ويهدي من يشاء} ويوفق من يشاء

{إلى صراط مستقيم} إلى الإسلام أو طريق السنة فالدعوة عامة على لسان رسول اللّه بالدلالة والهداية خاصة من لطف المرسل بالتوفيق والعناية والمعنى يدعوا العباد كلهم إلى دار السلام ولا يدخلها إلا المهديون

٢٦

{للذين أحسنوا} آمنوا باللّه ورسله

{الحسنى} المثوبة الحسنى وهى الجنة

{وزيادة} رؤية الرب عز وجل كذا عن أبى بكر وحذيفة وابن عباس و أبى موسى الأشعري وعبادة بن الصامت رضى اللّه عنهم وفى بعض التفاسير أجمع المفسرون على أن الزيادة النظر إلى اللّه تعالى وعن صهيب أن النبى صلى اللّه عليه وسلم قال إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول اللّه تبارك وتعالى اتريدون شيئا ازيدكم فيقولون ألم تبيض وجوهنا ألم ندخلنا الجنة وتنجينا من النار قال فيرفع الحجاب فينظرون إلى اللّه تعالى فما اعطوا شيئا أحب اليهم من النظر إلى ربهم ثم تلا

{للذين أحسنوا الحسنى} وزيادة والعجب من صاحب الكشاف أنه ذكر هذا الحديث لا بهذه العبارة وقال أنه حديث مدفوع مع أنه مرفوع قد أورده صاحب المصابيح فى الصحاح وقيل الزيادة المحبة فى قلوب العباد وقيل الزيادة مغفرة من اللّه ورضوان

{ولا يرهق وجوههم} ولا يغشى وجوهم

{قتر} غبرة فيها سواد

{ولا ذلة} ولا أثر هوان والمعنى ولا يرهقهم مايرهق أهل النار

{أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون}

٢٧

{والذين كسبوا} عطف على للذين أحسنوا أى وللذين كسبوا

{السيئات} فنون الشرك

{جزاء سيئة بمثلها} الباء زائدة كقوله

{وجزاء سيئة سيئة مثلها} أو التقدير جزاء سيئة مقدرة بمثلها

{وترهقهم ذلة} ذل وهوان

{ما لهم من اللّه} من عقابه

{من عاصم} اى لا يعصمهم أحد من سخطه وعقابه

{كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما} اى جعل عليها غطاء من سواد الليل أي هم سود الوجوه وقطعا جمع قطعة وهو مفعول ثان لا غشيت قطعا مكى وعلى من قوله يقطع من الليل وعلى هذه القرءاة مظلما صفة لقطع وعلى الأول حال من الليل والعامل فيه أغشيت لأن من الليل صفة لقطعا فكان افضاؤه إلى الموصوف كافضائه إلى الصفة أو معنى الفعل من الليل

{أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}

٢٨

{ويوم نحشرهم} أى الكفار وغيرهم

{جميعا} حال

{ثم نقول للذين أشركوا مكانكم} أى الزموا مكانكم ولا تبرحوا حتى تنظروا ما يفعل بكم

{أنتم} أكد به الضمير في مكانكم لسده مسد قوله الزموا

{وشركاؤكم} عطف عليه

{فزيلنا} ففرقنا

{بينهم} وقطعنا أقرانهم والوصل التى كانت بينهم فى الدنيا

{وقال شركاؤهم} من عبدوه من دون اللّه من اولى العقل أو الأصنام ينطقها اللّه عز وجل

{ما كنتم إيانا تعبدون} إنما كنتم تعبدون الشياطين حيث أمروكم أن تتخذوا للّه أندادا فأطعتموهم وهو قوله

{ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم} إلى قوله {بل كانوا يعبدون الجن}

٢٩

{فكفى باللّه شهيدا بيننا وبينكم} أى كفى اللّه شهيدا وهو تميز

{إن كنا عن عبادتكم لغافلين} أن مخففة من الثقيلة واللام فارقة بينها وبين النافية

٣٠

{هنالك} فى ذلك المكان أو فى ذلك الوقت على استعارة اسم المكان للزمان

{تبلو كل نفس} تختبر وتذوق

{ما أسلفت} من العمل فتعرف كيف هو أقبيح أم حسن أنافع أم ضار أمقبول أم مردود وقال الزجاج تعلم كل نفس ما قدمت تتلوا حمزة وعلى أى تتبع ما أسلفت لأن عمله هو الذى هديه إلى طريق الجنة أو النار أو تقرأ فى صحيفتها ما قدمت من خير أو شر كذا عن الاخفش

{وردوا إلى اللّه مولاهم الحق} ربهم الصادق فى ربوبيته لأنهم كانوا يتولون ماليس لربوبيته حقيقة أو الذى يتولى حسابهم وثوابهم العدل الذى لا يظلم أحدا

{وضل عنهم ما كانوا يفترون} وضاع عنهم ما كانوا يدعون أنهم شركاء للّه أو بطل عنهم ما كانوا يختلقون من الكذب وشفاعة الآلهة

٣١

{قل من يرزقكم من السماء} بالمطر

{والأرض} بالنبات

{أم من يملك السمع والأبصار} من يستطيع خلقهما وتسويتهما على الحد الذى سويا عليه من القطرة العجيبة أو من يحميها من الآفات مع كثرتها فى المدد الطوال وهما لطيفان يؤذيهما أدنى شيء

{ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي} أي الحيوان والفرخ والزرع والمؤمن والعالم من النطفة والبيضة والحب والكافر والجاهل وعكسها

{ومن يدبر الأمر} ومن يلى تدبير أمر العالم كله جاء بالعموم بعد الخصوص

{فسيقولون اللّه} فسيجيبونك عند سؤالك أن القادر على هذه هو اللّه

{فقل أفلا تتقون} الشرك فى العبودية إذا اعترفتم بالربوبية

٣٢

{فذلكم اللّه} أى من هذه قدرته هو اللّه

{ربكم الحق} الثابت ربوبيته ثباتا لا ريب فيه لمن حقق النظر

{فماذا بعد الحق إلا الضلال} أي لا واسطة بين الحق والضلال فمن تخطى الحق وقع في الضلال

{فأنى تصرفون} عن الحق إلى الضلال وعن التوحيد إلى الشرك

٣٣

{كذلك} مثل ذلك الحق

{حقت كلمة ربك} كلمات شامى ومدنى أى كما حق وثبت أن الحق بعده الضلال أو كما حق أنهم مصروفون عن الحق فكذلك حقت كلمة ربك

{على الذين فسقوا} تمردوا فى كفرهم وخرجوا إلى الحد الأقصى فيه

{أنهم لا يؤمنون} بدل من الكلمة أى حق عليهم انتفاء الإيمان أو حق عليهم كلمة اللّه أن ايمانهم غير كائن أو أراد الكلمة العدة بالعذاب و أنهم لا يؤمنون تعليل أى لأنهم

٣٤

{قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده} إنما ذكر ثم يعيده وهم غير مقرين بالاعادة لأنه لظهور برهانها جعل امرا مسلما على أن فيهم من يقر بالاعادة أو يحتمل إعادة غير البشر كاعادة الليل والنهار وإعادة الانزال والنبات

{قل اللّه يبدأ الخلق ثم يعيده} أمر نبيه بان ينوب عنهم فى الجواب يعنى أنهم لا تدعهم مكابرتهم أن ينطقوا بكلمة الحق فكلم عنهم

{فأنى تؤفكون} فكيف تصرفون عن قصد السبيل

٣٥

{قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق} يرشد إليه

{قل اللّه يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدى} يقال هداه للحق والى الحق فجمع بين اللغتين ويقال هدى بنفسه بمعنى اهتدى كما يقال شرى بمعنى اشترى ومنه قراءة حمزة وعلىأمن لا يهدى بمعنى يهتدى لا يهدى بفتح الياء والهاء وتشديد الدال مكى وشامى وورش وباشمام الهاء فتحة أبو عمرو وبكسر الهاء وفتح الياء عاصم غير يحيى و الأصل يهتدى وهى قراءة عبد اللّه فأدغمت التاء فى الدال وفتحت الهاء بحركة التاء وكسرت لالتقاء الساكنين وبكسر الياء والهاء وتشديد الذال يحيى لاتباع ما بعدها وبسكون الهاء وتشديد الدال مدنى غير ورش والمعنى أن اللّه وحده هو الذى يهدى للحق بما ركب فى المكلفين من العقول وأعطاهم من التمكين للنظر فى الأدلة التى نصبها لهم وبما وفقهم والهمهم ووقفهم على الشرائع بارسال الرسل فهل من شركائكم الذين جعلتم أنداد اللّه أحد لا يهدى إلى الحق مثل هداية اللّه ثم قال أفمن يهدى إلى الحق أحق بالاتباع أم الذى لا يهدى أى لا يهدى بنفسه أو لا يهدى غيره إلا أن يهديه اللّه وقيل معناه أم من لا يهتدى من الأوثان إلى مكان فينتقل إليه الا ان يهدى إلا أن ينقل أو لا يهتدى ولا يصح منه الاهتداء إلا أن ينقله اللّه من حاله إلى ان يجعله حيا ناطقا فيهديه

{فما لكم كيف تحكمون} بالباطل حيث تزعمون أنهم انداد اللّه

٣٦

{وما يتبع أكثرهم} فى قولهم للاصنام أنها آلهة و إنها شفعاء عند اللّه والمراد بالأكثر الجميع

{إلا ظنا} بغير دليل وهو اقتداؤهم بأسلافهم ظنا منهم أنهم مصيبون

{إن الظن لا يغني من الحق} وهو العلم

{شيئا} فى موضع المصدر أى اغناء

{إن اللّه عليم بما يفعلون} من اتباع الظن وترك الحق

٣٧

{وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون اللّه} أى افتراء من دون اللّه والمعنى وما صح وما استقام أن يكون مثله فى علو امره واعجازه مفترى

{ولكن} كان

{تصديق الذي بين يديه} وهو ما تقدمه من الكتب المنزلة

{وتفصيل الكتاب} وتبيين ما كتب وفرض من الاحكام والشرائع من قوله كتاب اللّه عليكم

{لا ريب فيه من رب العالمين} داخل فى حيز الاستدراك كأنه قال ولكن كان تصديقا وتفصيلا منتفيا عنه الريب كائنا من رب العالمين ويجوز أن يراد ولكن كان تصديقا من رب العالمين وتفصيلا منه لا ريب فى ذلك فيكون من رب العالمين متعلقا بتصديق وتفصيل ويكون لا ريب فيه اعتراضا كما تقول زيد لا شك فيه كريم

٣٨

{أم يقولون افتراه} بل أيقولون اختلقه قل إن كان الأمر كما تزعمون

{فأتوا} أنتم على وجه الافترءا

{بسورة مثله} أى شبيهة به فى البلاغة وحسن النظم فأنتم مثلى فى العربية

{وادعوا من استطعتم من دون اللّه} أى وادعوا من دون اللّه من استطعتم من خلقه للاستعانة به على الاتيان بمثله

{إن كنتم صادقين} أنه افتراه

٣٩

{بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله} بل سارعوا إلى التكذيب بالقرآن فى بديهة السمع قبل أن يفقهوه ويعلموا كنه امره وقبل أن يتدبروه ويقفوا على تاويله ومعانيه وذلك لفرط نفورهم عما يخالف دينهم وشرادهم عن مفارقة دين آبائهم ومعنى التوقع فى ولما ياتهم تاويله أنهم كذبوا به على البديهة قبل التدبر ومعرفة التأويل تقليدا للآباء وكذبوه بعد التدبر تمردا وعنادا فذمهم بالتسرع إلى التكذيب قبل العلم به وجاء بكلمة التوقع ليؤذن أنهم علموا بعد علو شانه واعجازه لما كرر عليهم التحدى وجربوا قواهم فى المعارضة وعرفوا عجزهم عن مثله فكذبوا به بغيا وحسدا

{كذلك} مثل ذلك التكذيب

{كذب الذين من قبلهم} يعنى كفار الأمم الماضية كذبوا رسلهم قبل النظر فى معجزاتهم وقبل تدبرها عنادا وتقليدا للآباء ويجوز أن يكون معنى ولما ياتهم تأويله ولم يأتهم بعد تأويل ما فيه من الاخبار بالغيوب أى عاقبته حتى يتبين لهم اهو كذب أم صدق يعنى أنه كتاب معجز من جهتين من جهة اعجاز نظمه ومن جهة ما فيه من الاخبار بالغيوب فتسرعوا إلى التكذيب به قبل أن ينظروا فى نظمه وبلوغه حد الاعجاز وقبل أن يجربوا اخباره بالمغيبات وصدقه وكذبه

{فانظر كيف كان عاقبة الظالمين}

٤٠

{ومنهم من يؤمن به} بالنبى أو بالقرآن اي بصدق به فى نفسه ويعلم أنه حق ولكن يعاند بالتكذيب

{ومنهم من لا يؤمن به} لا يصدق به ويشك فيه أو يكون للاستقبال أى ومنهم من سيؤمن به ومنهم من سيصر

{وربك أعلم بالمفسدين} بالمعاندين أو المصرين

٤١

{وإن كذبوك} وان تموا على تكذيبك ويئست من إجابتهم

{فقل لي عملي} جزاء عملى

{ولكم عملكم} جزاء أعمالكم

{أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون} فكل مؤاخذ بعمله

٤٢

{ومنهم من يستمعون إليك} ومنهم ناس يستمعون اليك إذا قرأت القرآن وعلمت الشرائع ولكنهم لا يعون ولا يقبلون فهم كالصم

{أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون} أتطمع أنك تقدر على اسماع الصم ولو انضم إلى صممهم عدم عقولهم لأن الأصم العاقل ربما تفرس واستدل إذا وقع فى صماخه دوى الصوت فإذا اجتمع سلب العقل والسمع فقد تم الأمر

٤٣

{ومنهم من ينظر إليك} ومنهم ناس ينظرون اليك ويعاينون أدلة الصدق وأعلام النبوة ولكنهم لا يصدقون

{أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون} أتحسب انك تقدر على هداية العمي ولو انضم إلى فقد البصر فقد البصيرة لأن الاعمى الذى له فى قلبه بصيره قد يحدس و اما العمى مع الحمق فجهد البلاء يعنى أنهم فى الياس من أن يقبلوا ويصدقوا كالصم والعمى الذين لا عقول لهم ولا بصائر

٤٤

{إن اللّه لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون} ولكن الناس حمزة وعلى أى لم يظلمهم بسلب آلة الاستدلال ولكنهم ظلموا أنفسهم بترك الاستدلال حيث عبدوا جمادا وهم أحياء

٤٥

{ويوم نحشرهم} وبالياء حفص

{كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار} استقصروا مدة لبثهم فى الدنيا أو فى قبورهم لهو ما يرون

{يتعارفون بينهم} يعرف بعضهم بعضا كأنهم لم يتفارقوا إلا قليلا وذلك عند خروجهم من القبور ثم ينقطع التعارف بينهم لشدة الأمر عليهم كأن لم يلبثوا حول من هم أى نحشرهم مشبيهين بمن لم يلبثوا إلا ساعة وكأن مخففة من الثقيلة واسمها محذوف أى كانهم ويتعارفون بينهم حال بعد حال أو مستأنف على تقديرهم يتعارفون بينهم

{قد خسر الذين كذبوا بلقاء اللّه} على إرادة القول أى يتعارفون بينهم قائلين ذلك أو هي شهادة من اللّه على خسرانهم والمعنى أنهم وضعوا فى تجارتهم وبيعهم الإيمان بالكفر

{وما كانوا مهتدين} للتجارة عارفين بها وهو استئناف فيه معنى التعجب كأنه قيل ما أخسرهم

٤٦

{وإما نرينك بعض الذي نعدهم} من العذاب

{أو نتوفينك} قبل عذابهم

{فإلينا مرجعهم} جواب نتوفينك وجواب نرينك محذوف اي و إما نرينك بعض الذى نعدهم فى الدنيا فذاك أو نتوفينك قبل أن نريكه فنحن نريكه فى الآخرة

{ثم اللّه شهيد على ما يفعلون} ذكرت الشهادة والمراد مقتضاها وهو العقاب كأنه قيل ثم اللّه معاقب على ما يفعلون وقيل ثم هنا بمعنى الواو

٤٧

{ولكل أمة رسول} يبعث اليهم لينبههم على التوحيد ويدعوهم إلى دين الحق

{فإذا جاء رسولهم} بالبينات فكذبوه ولم يتبعوه

{قضي بينهم} بين النبى ومكذبيه

{بالقسط} بالعدل فانجى الرسول وعذب المكذبين أو ولكل أمة من الأمم يوم القيامة رسول تنسب إليه وتدعى به فإذا جاء رسولهم الموقف ليشهد عليهم بالكفر و الإيمان قضى بينهم بالقسط

{وهم لا يظلمون} لا يعذب أحد بغير ذنبه ولما قال و اما نرينك بعض الذى نعدهم أى من العذاب استعجلوا لما وعدوا من العذاب فنزل

٤٨

{ويقولون متى هذا الوعد} أى وعد العذاب

{إن كنتم صادقين} أن العذاب نازل وهو خطاب منهم للنبى والمؤمنين

٤٩

{قل} يا محمد

{لا أملك لنفسي ضرا} من مرض أو فقر

{ولا نفعا} من صحة أو غنى

{إلا ما شاء اللّه} استثناء منقطع أى ولكن ما شاء اللّه من ذلك كائن فكيف أملك لكم الضر وجلب العذاب

{لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} لكل أمة وقت معلوم للعذاب مكتوب فى اللوح فإذا جاء وقت عذابهم لا يتقدمون ساعة ولا يتأخرون فلا تستعجلوا

٥٠

{قل أرأيتم إن أتاكم عذابه} الذى تستعجلونه

{بياتا} نصب على الظرف أى وقت بيات وهو الليل و انتم ساهون نائمون لا تشعرون

{أو نهارا} وانتم مشتغلون بطلب المعاش والكسب

{ماذا يستعجل منه المجرمون} أى من العذاب والمعنى أن العذاب كله مكروه موجب للنفور فأى شيء تستعجلون منه وليس شيء منه يوجب الاستعجال والاستفهام فى ماذا يتعلق بأرأيتم لأن المعنى أخبرونى ماذا يتعلق بأرأيتم لأن المعنى أخبرونى ماذا يستعجل منه المجرموون وجواب الشرط محذوف وهو تندموا على الاستعجال أو تعرفوا الخطا فيه ولم يقل ماذا يستعجلون منه لأنه أريدت الدلالة على موجب ترك الاستعجال وهو الاجرام أو ماذا يستعجل منه المجرمون جواب الشرط نحو إن أتيتك ماذا تطعمنى ثم تتعلق الجملة بأرأيتم أو

٥١

{أثم إذا ما وقع} العذاب

{آمنتم به} جواب الشرط وماذا يستعجل منه المجرمون اعتراض والمعنى إن اتاكم عذابه آمنتم به بعد وقوعه حين لا ينفعكم الإيمان ودخول حرف الاستفهام على ثم كدخوله على الواو والفاء فى أفأمن أهل القرى أو أمن أهل القرى

{الآن} على إرادة القول أى قيل لهم إذا آمنوا بعد وقوع العذاب آلآن آمنتم به

{وقد كنتم به تستعجلون} أى بالعذاب تكذيبا واستهزاء آلآن بحذف الهمزة التى بعد اللام والقاء حركتها على اللام نافع

٥٢

{ثم قيل للذين ظلموا} عطف على قيل المضمر قبل آلآن

{ذوقوا عذاب الخلد} أى الدوام

{هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون} من الشرك والتكذيب

٥٣

{ويستنبئونك} ويستخبرونك فيقولون

{أحق هو} وهو استفهام على جهة الإنكار والاستهزاء والضمير للعذاب الموعود

{قل} يا محمد

{إي وربي} نعم واللّه

{إنه لحق} إن العذاب كائن لا محالة

{وما أنتم بمعجزين} بفائتين العذاب وهو لاحق بكم لا محالة

٥٤

{ولو أن لكل نفس ظلمت} كفرت وأشركت وهو صفة لنفس أى ولو أن لكل نفس ظالمة

{ما في الأرض} فى الدنيا اليوم من خزائنها واموالها

{لافتدت به} لجعلته فدية لها يقال فداه فافتدى ويقال افتداه أيضا بمعنى فداه

{وأسروا الندامة لما رأوا العذاب} واظهروها من قولهم أسر الشيء إذا أظهره أو أخفوها عجزا عن النطق لشدة الأمر فاسر من الأضداد

{وقضي بينهم بالقسط} بين الظالمين والمظلومين دل على ذلك ذكر الظلم

{وهم لا يظلمون} ثم اتبع ذلك الأعلام بأن له الملك كله بقوله

٥٥

{ألا إن للّه ما في السماوات والأرض} فكيف يقبل الفداء و أنه المثيب المعاقب وما وعده من الثواب أو العقاب فهو حق بقوله

{ألا إن وعد اللّه} بالثواب أو بالعذاب حق كائن

{ولكن أكثرهم لا يعلمون}

٥٦

{هو يحيي ويميت} هو القادر على الاحياء والاماتة لايقدر عليهما غيره

{وإليه ترجعون} إلى حسابه وجزائه المرجع فيخاف ويرجى

٥٧

{يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم} اي قد جاءكم كتاب جامع لهذه الفوائد من موعظة وتنبيه على التوحيد والموعظة التى تدعوا إلى كل مرغوب وتزجر عن كل مرهوب فما فى القرآن من الاوامر والنواهى داع إلى كل مرغوب وزاجر عن كل مرهوب إذ الامر يقتضى حسن الأمور به فيكون مرغوبا وهو يقتضى النهى عن ضده وهو قبيح وعلى هذا فى النهى

{وشفاء لما في الصدور} اة صدوركم من العقائد الفاسدة

{وهدى} من الضلالة

{ورحمة للمؤمنين} لمن آمن به منكم

٥٨

{قل} يا محمد

{بفضل اللّه وبرحمته فبذلك فليفرحوا} أصل الكلام بفضل اللّه وبرحمته فليفرحوا والتكرير للتأكيد والتقرير وإيجاب اختصاص الفضل والرحمة بالفرح دون ما عداهما من فوائد الدنيا فحذف أحد الفعلين لدلالة المذكور عليه والفاء داخلة لمعنى الشرط كأنه قبل أن فرحوا بشيء فليخصوهما بالفرح أو بفضل اللّه وبرحمته فليعتنوا فبذلك فليفرحوا وهما كتاب اللّه والإسلام فى الحديث من هداه اللّه للإسلام وعلمه القرآن ثم شكا الفاقة كتب اللّه الفقر بين عينينه إلى يوم يلقاه وقرأ الآية

{هو خير مما يجمعون} وبالتاء شامى فلتفرحوا يعقوب

٥٩

{قل أرأيتم} أخبرونى

{ما أنزل اللّه لكم من رزق} ما منصوب بانزل أو بأرأيتم اي أخبر ونبه

{فجعلتم منه حراما وحلالا} فبغضتموه وقلتم هذا حلال وهذا حرام كقوله مافى بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على ازواجنا نعم الأرزاق تخرج من الأرض ولكن لما نيطت أسبابها بالسماء نحو انظر الذى به تنبت الأرض النبات والشمس التى بها النضج وينع الثمار أضيف إنزالها إلى السماء

{قل آللّه أذن لكم} متعلق بأرأيتم وقل تكرير للتوكيد والمعنى أخبرونى اللّه أذن لكم فى التحليل والتحريم فأنتم تفعلون ذلك بإذنه

{أم على اللّه تفترون} أم انتم تكذبون على اللّه في نسبة ذلك إليه أو الهمزة للانكار وأم منقطعة بمعنى بل أتفترون على اللّه تقرير للافتراء والآية زاجرة عن التجوز فيما يسأل من الأحكام وباعثة على وجوب الاحتياط فيه و أن لا يقول أحد فى شيء جائز أو غير جائز إلا بعد إيقان وإتقان و إلا فهو مفتر على الديان

٦٠

{وما ظن الذين يفترون على اللّه الكذب} ينسبون ذلك إليه

{يوم القيامة} منصوب بالظن وهو ظن واقع فيه أى شيء ظن المفترين فى ذلك اليوم ما يصنع بهم وهو يوم الجزاء بالإحسان والإساءة وهو وعيد عظيم حيث ابهم امره

{إن اللّه لذو فضل على الناس} حيث أنعم عليهم بالعقل ورحمهم بالوحى وتعليم الحلال والحرام

{ولكن أكثرهم لا يشكرون} هذه النعمة ولا يتبعون ما هدوا إليه

٦١

{وما تكون في شأن} ما نافية والخطاب للنبى صلى اللّه عليه وسلم والشأن الأمر

{وما تتلو منه} من التنزيل كأنه قيل وما تتلوا من التنزيل من قرآن لأن كل جزء منه قران والاضمار قبل الذكر تفخيم له أو من اللّه عز وجل

{ولا تعملون} انتم جميعا

{من عمل} أى عمل

{إلا كنا عليكم شهودا} شاهدين رقباء نحصى عليكم

{إذ تفيضون فيه} تخوضون فيه تخوضون من افاض فى الأمر إذا اندفع فيه

{وما يعزب عن ربك} وما يبعد وما يغيب وبكسر الزاى على حيث كان

{من مثقال ذرة} وزن نملة صغيرة

{في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر} رفعهما حمزة على الابتداء والخبر

{إلا في كتاب مبين} يعنى اللوح المحفوظ ونصبهما غيره على نفى الجنس وقدمت الأرض على السماء هنا وفى سبأ قدمت السموات لأن العطف بالواو وحكمه حكم التثنية

٦٢

{ألا إن أولياء اللّه} هم الذين يتولونه بالطاعة ويتولاهم بالكرامة أو هم الذين تولى اللّه هداهم بالبرهان الذى آتاهم فتولوا القيام بحقه والرحمة لخلقه أو هم المتحابون فى اللّه على غير أرحام نبيهم ولا أموال يتعاطونها أو هم المؤمنون المتقون بدليل الآية الثانية

{لا خوف عليهم} إذا خاف الناس

{ولا هم يحزنون} إذا حزن الناس

٦٣

{الذين آمنوا} منصوب باضمار أعنى أو لأنه صفة لأولياء أو مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أى هم الذين آمنوا

{وكانوا يتقون} الشرك والمعاصى

٦٤

{لهم البشرى في الحياة الدنيا} ما بشر اللّه به المؤمنين المتقين فى غير موضع من كتابه وعن النبى صلى اللّه عليه وسلم هى الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له وعنه عليه السلام ذهبت النبوة وبقيت المبشرات والرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزاء من النبوة وهذا لأن مدة الوحى ثلاث وعشرون سنة وكان فى ستة أشهر منها يؤمر فى النوم بالإنذار وستة أشهر من ثلاث وعشرين سنة جزء من ستة وأربعين جزءا أو هى محبة الناس له والذكر الحسن أو لهم البشرى عند النزع بأن يرى مكانه فى الجنة

{وفي الآخرة} هى الجنة

{لا تبديل لكلمات اللّه} لا تغيير لأقواله ولا إخلاف لمواعيده

{ذلك} إشارة إلى كونهم مبشرين فى الدارين

{هو الفوز العظيم} وكلتا الجملتين اعتراض ولا يجب ان يقع بعد الاعتراض كلام كما تقول فلان ينطق بالحق والحق أبلج وتسكت

٦٥

{ولا يحزنك قولهم} تكذيبهم وتهديدهم وتشاورهم فى تدبير هلاكك وإبطال امرك

{إن العزة} استئناف بمعنى التعليل كأنه قيل مالى لا أحزن فقيل إن العزة

{للّه} إن الغلبة والقهر فى ملكة اللّه جميعا لا يملك أحد شيئا منهما لاهم ولا غيرهم فهو يغلبهم وينصرك عليهم كتب اللّه لأغلبن أنا ورسلى إنا لننصر رسلنا أو به يتعزز كل عزيز فهو يعزك ودينك واهلك والوقف لازم على قولهم لئلا يصير إن العزة مقول الكفار

{جميعا} حال

{هو السميع} لما يقولون

{العليم} بما يدبرون ويعزمون عليه وهو مكافئهم بذلك

٦٦

{ألا إن للّه من في السماوات ومن في الأرض} يعنى العقلاء وهم الملائكة والثقلان وخصهم ليؤذن أن هؤلاء إذا كانوا له وفى مملكته ولا يصلح أحد منهم للربوبية و لا أن يكون شريكا له فيها فما وراءهم مما لا يعقل أحق أن لا يكون له ندا وشريكا

{وما يتبع الذين يدعون من دون اللّه شركاء} ما نافية اي وما يتبعون حقيقة الشركاء و إن كانوا يسمونها شركاء لأن شركة اللّه فى الربوبية محال

{إن يتبعون إلا الظن} إلا ظنهم أنهم شركاء اللّه

{وإن هم إلا يخرصون} يحزرون ويقدرون أن تكون شركاء تقديرا باطلا أو استفهامية أى و أى شيء يتبعون وشركاء على هذا نصب بيدعون وعلى الأول بيتبع وكان حقه وما يتبع الذين يدعون من دون اللّه شركاء فاقتصر على أحدهما للدلالة والمحذوف مفعول يدعون أو موصولة معطوفة على من كأنه قيل وللّه ما يتبعه الذين يدعون من دون اللّه شركاء أى وله شركاؤهم ثم نبه على عظيم قدرته وشمول نعمته على عباده بقوله

٦٧

{هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه} أى جعل لكم الليل مظلما لتستريحوا فيه من تعب التردد فى النهار

{والنهار مبصرا} مضيئا لتبصروا فيه مطالب أرزقاكم ومكاسبكم

{إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون} سماع مذكر معتبر

٦٨

{قالوا اتخذ اللّه ولدا سبحانه} تنزيه له عن اتخاذ الولد وتعجيب من كلمتهم الحمقاء

{هو الغني} علة لنفى الولد لأنه إنما يطلب الولد ضعيف ليتقوى به أو فقير ليستعين به أو ذليل ليتشرف به الكل امارة الحاجة فمن كان غنيا غير محتاج كان الولد عنه منفيا و لأن الولد بعض الوالد فيستدعى أن يكون مركبا وكل مركب ممكن وكل ممكن يحتاج إلى الغير فكان حادثا فاستحال القديم أن يكون له ولد

{له ما في السماوات وما في الأرض} ملكا ولا تجتمع البنوة معه

{إن عندكم من سلطان بهذا} ما عندكم من حجة بهذا القول والباء حقها أن تتعلق بقوله أن عندكم على أن يجعل القول مكانا لسلطان كقولك ما عندكم بأرضكم موز كأنه قيل أن عندكم فيما تقولون سلطان ولما نفى عنهم البرهان جعلهم غير عالمين فقال

{أتقولون على اللّه ما لا تعلمون}

٦٩

{قل إن الذين يفترون على اللّه الكذب} باضافة الولد إليه

{لا يفلحون} لا ينجون من النار ولا يفوزون بالجنة

٧٠

{متاع في الدنيا} أى افتراؤهم هذا منفعة قليلة هى الدنيا حيث يقيمون به رياستهم فى الكفر ومناصبة النبى صلى اللّه عليه وسلم بالتظاهر به

{ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد} المخلد

{بما كانوا يكفرون} بكفرهم

٧١

{واتل عليهم} واقرأ عليهم

{نبأ نوح} خبره مع قومه والوقف عليه لازم إذ لو وصل لصار إذ ظرفا لقوله واتل بل التقدير واذكر

{إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم} عظم وثقل كقوله {وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين}

{مقامي} مكانى يعنى نفسه كقوله ولمن خاف مقام ربه جنتان أى خاف ربه أو قيامى ومكثى بين أظهركم ألف سنة إلا خمسين عاما أو مقامى

{وتذكيري بآيات اللّه} لأنهم كانوا إذا وعظوا الجماعة قاموا على أرجلهم يعظونهم ليكون مكانهم بينا وكلامهم مسموعا

{فعلى اللّه توكلت} أى فوضت امرى إليه

{فأجمعوا أمركم} من أجمع الامر إذا نواه وعزم عليه

{وشركاءكم} الواو بمعنى مع أى فاجمعوا أمركم مع شركائكم

{ثم لا يكن أمركم عليكم غمة} أى غما عليكم وهما والغم والغمة كالكرب والكربة أو ملتبسا فى خفية والغمة السترة من غمه إذا ستره ومنه الحديث: لاغمة فى فرائض اللّه أى لا تستر و لكن يجاهر بها والمعنى ولا يكن قصدكم إلى اهلاكى مستورا عليكم ولكم مكشوفا مشهور اتجاهروننى به

{ثم اقضوا إلي} ذلك الأمر الذى تريدون بى أى أدوا إلى ما هو حق عندكم من هلاكى كما يقضى الرجل غريمه أو اصنعوا ما امكنكم

{ولا تنظرون} ولا تمهلونى

٧٢

{فإن توليتم} فإن أعرضتم عن تذكيرى ونصحى

{فما سألتكم من أجر} فأوجب التولى أو فما سألتكم من أجر ففاتنى ذلك بتوليكم

{إن أجري إلا على اللّه} وهو الثواب الذى بثيبنى به فى الآخرة أى ما نصحتكم إلا للّه لا لغرض من اغراض الدنيا وفيه دلالة منع اخذ الأجر على تعليم القرآن والعلم الدينى

{وأمرت أن أكون من المسلمين} من المستسلمين لأوامره ونواهيه أن أجرى بالفتح مدنى وشامى و أبو عمرو وحفص

٧٣

{فكذبوه} فداموا على تكذيبه

{فنجيناه} من الغرق

{ومن معه في الفلك وجعلناهم خلائف} يخلفون الهالكين بالغرق فى السفينة

{وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا فانظر كيف كان عاقبة المنذرين} هو تعظيم لما جرى عليهم وتحذير لمن أنذرهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من مثله وتسلية له

٧٤

{ثم بعثنا من بعده} من بعد نوح عليه السلام

{رسلا إلى قومهم} أى هودا وصالحا وابراهيم ولوطا وشعيبا

{فجاؤوهم بالبينات} بالحجج الواضحة المثبتة لدعواهم

{فما كانوا ليؤمنوا} فاصروا على الكفر بعد المجيء

{بما كذبوا به من قبل} من قبل مجيئهم يريد أنهم كانوا قبل بعثة الرسل أهل جاهلية مكذبين بالحق فما وقع فصل بن حالتيهم بعد بعثة الرسل وقبلها كأن لم يبعث اليهم أحد

{كذلك نطبع} مثل ذلك الطبع نختم

{على قلوب المعتدين} المجاوزين الحد فى التكذيب

٧٥

{ثم بعثنا من بعدهم} من بعد الرسل

{موسى وهارون إلى فرعون وملئه بآياتنا} بالآيات التسع

{فاستكبروا} عن قبولها وأعظم الكبر أن يتهاون العبيد برسالة ربهم بعد تبينها ويتعظموا عن قبولها

{وكانوا قوما مجرمين} كفارا ذوى آثام عظام فلذلك استكبروا عنها واجترءوا على ردها

٧٦

{فلما جاءهم الحق من عندنا} فلما عرفوا أنه هو الحق وانه من عند اللّه

{قالوا} لحبهم الشهوات

{إن هذا لسحر مبين} وهم يعلمون أن الحق أبعد شيء من السحر

٧٧

{قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم} إنكار ومقولهم محذوف أى هذا سحر ثم استأنف إنكارا آخر فقال

{أسحر هذا} خبرومبتدأ

{ولا يفلح الساحرون} أى لا يظفر

٧٨

{قالوا أجئتنا لتلفتنا} لتصرفنا

{عما وجدنا عليه آباءنا} من عبادة الأصنام أو عبادة فرعون

{وتكون لكما الكبرياء} أى الملك لأن الملوك موصوفون بالكبرياء والعظمة والعلو

{في الأرض} ارض مصر

{وما نحن لكما بمؤمنين} بمصدقين فيما جئتما به يكون حماد ويحيى

٧٩

{وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم} سحار حمزة وعلى

٨٠

{فلما جاء السحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون

٨١

فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر} ما موصلوة واقعة مبتدأ وجئتم به صلها والسحر خبر أى الذى جئتم به هو السحر لا الذى سماه فرعون وقومه سحرا من آيات اللّه آلسحر بعد وقف أبو عمروعلى الاستفهام فعلى هذه القراءة استفهامية أى أى شيء جئتم به أهو السحر

{إن اللّه سيبطله} يظهر بطلانه

{إن اللّه لا يصلح عمل المفسدين} لا يثبته بل يدمره

٨٢

{ويحق اللّه الحق} ويثبته

{بكلماته} باوامره وقضاياه أو يظهر الإسلام بعداته بالنصرة

{ولو كره المجرمون} ذلك

٨٣

{فما آمن لموسى} فى أول امره

{إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون} إلا طائفة من ذرارى بنى إسرائيل كأنه قيل إلااولاد من اولاد قومه وذلك أنه دعا الآباء فلم يجيبوه خوفا من فرعون وأجابته طائفة من أبنائهم مع الخوف أو الضمير فى قومه لفرعون والذرية مؤمن آل فرعون وآسية امرأته وخازنه وامرأة خازنة وماشطته والضمير فى

{وملئهم} يرجع إلى فرعون بمعنى آل فرعون كما يقال ربيعة ومضر أولأنه ذو أصحاب يأتمرون له أو إلى الذرية أى على خوف من فرعون وخوف من أشراف بنى إسرائيل لأنهم كانوا يمنعون اعقابهم خوفا من فرعون عليهم وعلى أنفسهم دليله قوله

{أن يفتنهم} يريد أن يعذبهم فرعون

{وإن فرعون لعال في الأرض} لغالب فيها قاهر

{وإنه لمن المسرفين} فى الظلم والفساد وفى الكبر والعتو بادعائه الربوبية

٨٤

{وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم باللّه} صدقتم به وبآياته

{فعليه توكلوا} فإليه أسندوا أمركم فى العصمة من فرعون

{إن كنتم مسلمين} شرط فى التوكل الإسلام وهو أن يسملوا نفوسهم للّه اى يجعلو هاله سالمة خالصة لاحظ للشيطان فيها لأن التوكل لا يكون مع التخليط

٨٥

{فقالوا على اللّه توكلنا} إنما قالوا ذلك لأن القوم كانوا مخلصين لاجرم أن اللّه قبل توكلهم واجاب دعاءهم ونجاهم واهلك من كانوا يخافونه وجعلهم خلفاء فى أرضه فمن أراد أن يصلح للتوكل على ربه فعليه برفض التخليط إلى الاخلاص

{ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين} موضع فتنة لهم أى عذاب يعذبوننا أو يفتنوننا عن ديننا أى يضلوننا والفاتن المضل عن الحق

٨٦

{ونجنا برحمتك من القوم الكافرين} أي من تعذيبهم وتسخيرهم

٨٧

{وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتا} تبوأ المكان اتخذه مباءه كقوله "توطنه" إذا اتخذه وطنا والمعنى اجعلا بمصر بيوتا من بيوته مباءة لقومكما ومرجعا يرجعون إليه للعبادة والصلاة فيه

{واجعلوا بيوتكم قبلة} أى مساجد متوجهة نحو القبلة وهى الكعبة وكان موسى ومن معه يصلون إلى الكعبة وكانوا فى أول الأمر مأمورين بأن يصلوا فى بيوتهم فى خفية من الكفرة لئلا يظهروا عليهم فيؤذوهم ويفتنوهم عن دينهم كما كان المسلمون على ذلك فى أول الإسلام بمكة

{وأقيموا الصلاة} فى بيوتكم حتى تأمنوا

{وبشر المؤمنين} يا موسى ثنى الخطاب اولا ثم جمع ثم وحد آخرا لأن اختيار مواضع العبادة مما يفوض إلى الأنبياء ثم تجمع لأن اتخاذ المساجد والصلاة فيها واجب على الجمهور وخص موسى عليه السلام بالبشارة تعظيما لها وللمبشر بها

٨٨

{وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة} هو ما يتزين به من لباس أو حلى أو فرش أو أثاث أو غير ذلك

{وأموالا} أى نقدا ونعما وضيعة

{في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك} ليضلوا الناس عن طاعتك كوفى ولا وقف على الدنيا لأن قوله ليضلوا متعلق بآتيت وربنا تكرار الأول للالحاح فى التضرع قال الشيخ أبو منصور رحمه اللّه إذا علم منهم أنهم يضلون الناس عن سبيله آتاهم ما آتاهم ليضلوا عن سبيله وهو كقوله إنما نملى لهم ليزدادوا إثما فتكون الآية حجة على المعتزلة

{ربنا اطمس على أموالهم} أى أهلكها وأذهب آثاراها لأنهم يستعينون بنعمتك على معصيتك والطمس المحو والهلاك قيل صارت دراهمهم ودنانيرهم حجارة كهيئآتها منقوشة وقيل وسائر أموالهم كذلك

{واشدد على قلوبهم} اطبع على قلوبهم واجعلها قاسية

{فلا يؤمنوا} جواب الدعاء الذى هو أشدد

{حتى يروا العذاب الأليم} إلى أن يروا العذاب الأليم وكان كذلك فانهم لم يؤمنوا إلى الغرق وكان ذلك إيمان يأس فلم يقبل وانما دعا عليهم بهذا لما أيس من إيمانهم وعلم بالوحى أنهم لا يؤمنون فاما قبل أن يعلم بانهم لا يؤمنون فلا يسع له أن يدعو بهذا الدعاء لأنه أرسل اليهم ليدعوهم إلى الإيمان وهو يدل على أن الدعاء على الغير بالموت على الكفر لا يكون كفرا

٨٩

{قال قد أجيبت دعوتكما} قيل كان موسى عليه السلام يدعوا وهارون يؤمن فثتب أن التأمين دعاء فكان اخفاؤه أولى والمعنى أن دعائكما مستجاب وما طلبتما كائن ولكم فى وقته

{فاستقيما} فاثبتا على ما أنتما عليه من الدعوة والتبليغ

{ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون} ولا تتبعان طريق الجهلة الذين لا يعلمون صدق الإجابة وحكمة الامهال فقد كان بين الدعاء والاجابة أربعون سنة ولا تتبعان بتخفيف النون وكسرها لالتقاء الساكنين تشبيها بنون التثنيه شامى وخطأه بعضهم لأن النون الخفيفة واجبة السكون وقيل هو اخبار عما يكونان عليه وليس بنهى أو هو حال وتقديره فاستقيما غير متبعين

٩٠

{وجاوزنا ببني إسرائيل البحر} هو دليل لنا على خلق الأفعال

{فأتبعهم فرعون وجنوده} فلحقهم يقال تبعته حتى اتبعته

{بغيا} تطاولا

{وعدوا} ظلما وانتصبا على الحال أو على المفعول له

{حتى إذا أدركه الغرق} لا وقف عليه لأن

{قال آمنت} جواب إذا

{أنه} حمزة وعلى على الاستئناف بدل من آمنت وبالفتح غيرهما على حذف الباء التى هى صلة الإيمان

{لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين} وفيه دليل على أن الإيمان والاسلام واحد حيث قال آمنت ثم قال و أنا من المسلمين كرر فرعون المعنى الواحد ثلاث مرات فى ثلاث عبارات حرصا على القبول ثم لم يقبل منه حيث أخطأ وقته وكانت المرة الواحدة تكفى فى حالة الاختيار

٩١

{الآن} أتؤمن الساعة فى وقت الاضطرار حين أدركك الغرق وأيست من نفسك قيل قال ذلك حين ألجمه الغرق والعامل فيه أتؤمن

{وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين} من الضالين المضلين عن الإيمان روى أن جبريل عليه السلام أتاه بفتيا ما قول الأمير فى عبد لرجل نشأ فى ماله ونعمته فكفر نعمته وجحد حقه وادعى السيادة دونه فكتب فيه يقول أبو العباس الوليد بن مصعب جزاء العبد الخارج على سيده الكافر نعماءه أن يغرق فى البحر فلما ألجمه الغرق ناوله جبريل عليه السلام خطه فعرفه

٩٢

{فاليوم ننجيك} نلقيك بنجوة من الأرض فرماه الماء إلى الساحل كأنه ثور

{ببدنك} فى موضع الحال أى فى الحال التى لا روح فيك و إنما أنت بدن أو ببدنك كاملا سويا لم ينقص منه شيء ولم يتغير أو عريانا لست إلا بدنا من غير لباس أو بدرعك وكانت له درع من ذهب يعرف بها وقرأ أبو حنيفة رضى اللّه عنه بأبدانك وهو مثل قولهم هو باجرامه أى ببدنك كله وافيا بأجزائه أو بدروعك لأنه ظاهر بينها

{لتكون لمن خلفك آية} لمن ورءاك من الناس علامة وهم بنوا إسرائيل وكان فى أنفسهم أن فرعون أعظم شأنا من أن يغرق

وقيل أخبرهم موسى بهلاكه فلم يصدقوه فألقاه اللّه عز وجل على الساحل حتى عاينوه وقيل لمن يأتى بعدك من القرون ومعنى كونه آية أن يظهر للناس عبوديته وان ما كان يدعيه من الربوبية محال و أنه مع ما كان عليه من عظيم الملك آل امره إلى ما ترون لعصاينه ربه فما الظن بغيره

{وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون}

٩٣

{ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق} منزلا صالحا مرضيا وهو مصر والشام

{ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا} فى دينهم

{حتى جاءهم العلم} أى التوراة وهم اختلفوا فى تأويلها كما اختلف أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم فى تأويل الآيات من القرآن أو المراد العلم بمحمد واختلاف بنى اسرائل وهم أهل الكتاب اختلافهم فى صفته أنه هو أم ليس هو بعد ما جاءهم العلم أنه هو

{إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون} يميز المحق من المبطل ويجزى كلا جزءاه

٩٤

{فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك} لما قدم ذكر بنى إسرائيل وهم قراء الكتاب ووصفهم بان العلم قد جاءهم لأن أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مكتوب فى التوارة والانجيل وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم أراد أن يؤكد علمهم بصحة القرآن وبصحة نبوته صلى اللّه عليه وسلم ويبالغ فى ذلك فقال فإن وقع لك شك فرضا وتقديرا وسبيل من خالجته شبهة أن يسارع إلى حلها بالرجوع إلى قوانين الدين وأدلته أو بمباحثة العلماء فسل علماء أهل الكتاب فإنهم من الإحاطة بصحة ما أنزل اليك بحيث يصلحون لمراجعة مثلك فضلا عن غيرك فالمراد وصف الأخبار بالرسوخ فى العلم بصحة ما أنزل إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لا وصف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالشك فيه ثم قال

{لقد جاءك الحق من ربك} أى ثبت عندك بالآيات الواضحة والبراهين اللائحة أن ما أتاك هو الحق الذى لا مجال فيه للشك

{فلا تكونن من الممترين} الشاكين ولا وقف عليه للعطف

٩٥

{ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات اللّه فتكون من الخاسرين} أى فاثبت ودم على ما أنت عليه من انتقاء المرية عنك والتكذيب بآيات اللّه أو هو على طريقة التهييج والالهاب كقوله {فلا تكونن ظهيرا للكافرين ولا يصدنك عن آيات اللّه بعد إذ أنزلت إليك} ولزيادة التثبيت والعصمة ولذلك قال عليه السلام عند نزوله لا أشك ولا أسأل بل أشهد أنه الحق أو خوطب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والمراد امته أى و إن كنتم فى شك مما انزلنا اليكم كقوله وانزلنا اليكم نورا مبينا أو الخطاب لكل سامع يجوز عليه الشك كقول العرب إذا عز أخوك فهن أو أن للنفى أى فما كنت فى شك فاسأل أى ولا نأمرك بالسؤال لانك شاك ولكن لتزداد يقينا كما ازداد إبراهيم عليه السلام بمعاينة إحياء الموتى فإن قلت إنما يجئ إن للنفى إذا كان بعده إلا كقوله أن الكافرون إلا فى غرور قلت ذاك غير لازم ألا ترى إلى قوله أن أمسكهما من أحد من بعده فإن للنفى وليس بعده إلا

٩٦

{إن الذين حقت عليهم كلمة ربك} ثبت عليهم قول اللّه الذى كتبه فى اللوح وأخبر به الملائكة أنهم يموتون كفارا أو قوله لأملان جهنم الآية ولا وقف على

{لا يؤمنون} لأن

٩٧

{ولو جاءتهم كل آية} تتعلق بما قبلها

{حتى يروا العذاب الأليم} أى عند اليأس فيؤمنون ولا ينفعهم أو عند القيامة ولا يقبل منهم

٩٨

{فلولا كانت قرية آمنت} فهلا كانت قرية واحدة من القرى التى أهلكناها تابت عن الكفر وأخلصت الإيمان قبل المعاينة ولم تؤخر كما آخر فرعون إلى أن اخذ بحتفه

{فنفعها إيمانها} بأن تقبل اللّه إيمانها منها بوقوعه فى وقت الاختيار

{إلا قوم يونس} استثناء منقطع أى ولكن قوم يونس أو متصل والجملة فى معنى النفى كأنه قيل ما آمنت قرية من القرى الهالكة إلا قوم يونس وانتصابه على أصل الاستثناء

{لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين} إلى آجالهم روى أن يونس عليه السلام بعث إلى نينوى من أرض الموصل فكذبوه فذهب عنه مغاضبا فلما فقدوه خافوا نزول عذاب فلبسوا المسوح كلهم وعجوا أربعين ليلة وبرزوا إلى الصعيد بأنفسهم ونسائهم وصبيانهم ودوابهم وفرقوا بين النساء والصبيان والدواب واولادها فحن بعضهم إلى بعض وأظهروا الإيمان والتوبة فرحمهم وكشف عنهم وكان يوم عاشوراء يوم الجمعة وبلغ من توبتهم أن ترادوا المظالم حتى إن الرجل كان يقلع الحجر وقد وضع عليه أساس بنيانه فيرده وقيل خرجوا لما نزل بهم العذاب إلى شيخ من بقية علمائهم فقال له قولوا يا حى حين لا حى ويا حى محيى الموتى ويا حى لا إله إلا أنت فقالوا فكشف اللّه عنهم وعن الفضيل قدس اللّه روحه قالوا اللّهم أن ذنوبنا قد عظمت وجلت و أنت اعظم منها وأجل افعل بناما أنت أهله ولا تفعل بنا ما نحن أهله

٩٩

{ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم} على وجه الإحاطة والشمول

{جميعا} مجتمعين على الإيمان مظبقين عليه لا يختلفون فيه أخبر عن كمال قدرته ونفوذ مشيئته أنه لو شاء لآمن من فى الأرض كلهم ولكنه شاء أن يؤمن به من علم منه اختيار الإيمان به وشاء الكفر ممن علم أنه يختار الكفر ولا يؤمن به وقول المعتزلة المراد بالمشيئة مشيئة القسر والالجاء أى لو خلق فيهم الإيمان جبرا لآمنوا لكن قد شاء أن يؤمنوا اختيار لهم فلم يؤمنوا دليله

{أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين} أى ليس اليك مشيئة الاكراه والجبر فى الإيمان إنما ذلك إلى فاسد لأن الإيمان فعل العبد وفعله ما يحصل بقدرته ولا يتحقق ذلك بدون الاختيار وتأويله عندنا أن اللّه تعالى لطفا لو اعطاهم لآمنوا كلهم عن اختيار ولكن علم منهم أنهم لا يؤمنون فلم يعطهم ذلك وهو التوفيق والاستفهام فى أفأنت بمعنى النفى أى لا تملك أنت يا محمد أن تكرههم على الإيمان لأنه يكون بالتصديق والاقدار ولا يمكن الاكراه على التصديق

١٠٠

{وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن اللّه} بمشيئته أو بقضائه أو بتوفيقه وتسهيله أو بعلمه

{ويجعل الرجس} أى العذاب أو السخط أو الشيطان أى ويسلط الشيطان

{على الذين لا يعقلون} لا ينتفعون بعقلوهم ونجعل حماد ويحيى

١٠١

{قل انظروا} نظر استدلال واعتبار

{ماذا في السماوات والأرض} من الآيات والعبر باختلاف الليل والنهار وخروج الزروع والثمار

{وما تغني الآيات} ما نافية

{والنذر} والرسل المنذرون أو الانذارا

{عن قوم لا يؤمنون} لا يتوقع إيمانهم وهم الذين لا يعقلون

١٠٢

{فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم} يعنى وقائع اللّه فيهم كما يقال أيام العرب لوقائعها

{قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين}

١٠٣

{ثم ننجي رسلنا} معطوف على كلام محذوف يدل عليه إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم كأنه قيل نهلك الأمم ثم ننجى رسلنا على حكاية الأحوال الماضية

{والذين آمنوا} من آمن معهم

{كذلك حقا علينا ننج المؤمنين} أى مثل ذلك الانجاء ننجى المؤمنين منكم ونهلك المشركين وحقا علينا اعتراض أى وحق ذلك علينا حقا ننجى بالتخفيف على وحفص

١٠٤

{قل يا أيها الناس} يا أهل مكة

{إن كنتم في شك من ديني} وصحته وسداده فهذا دينى فاستمعوا وصفه ثم وصف دينه فقال

{فلا أعبد الذين تعبدون من دون اللّه} أى الأصنام

{ولكن أعبد اللّه الذي يتوفاكم} يميتكم وصفه بالتوفى ليريهم أنه الحقيق بأن يخاف ويتقى ويعبد دون مالايقدر على شيء

{وأمرت أن أكون من المؤمنين} أى بان اكون يعنى أن اللّه أمرنى بذلك بماركب فى من العقل وبما أوحى إلى فى كتابه

١٠٥

{وأن أقم وجهك للدين} أى أوحى إلى أن أقم ليشاكل قوله أمرت أى استقم مقبلا بوجهك على ماأمرك اللّه أو استقم إليه ولا تلتفت يمينا ولا شمالا

{حنيفا} حال من الدين أو الوجه

{ولا تكونن من المشركين}

١٠٦

{ولا تدع من دون اللّه ما لا ينفعك} ان دعوته

{ولا يضرك} ان خذلته

{فإن فعلت} فإن دعوت من دون اللّه مالا ينفعك ولا يضرك فكنى عنه بالفعل ايجازا

{فإنك إذا من الظالمين} إذا جزاء للشرط وجواب لسؤال مقدر كأن سائلا سأل عن تبعة عبادة الأوثان وجعل من الظالمين لأنه لا ظلم أعظم من الشرك

١٠٧

{وإن يمسسك اللّه} يصبك

{بضر} مرض

{فلا كاشف له} لذلك الضر

{إلا هو} إلا اللّه

{وإن يردك بخير} عافية

{فلا راد لفضله} فلا راد لمراده

{يصيب به} بالخير

{من يشاء من عباده} قطع بهذه الآية على بعاده طريق الرغبة والرهبة إلا إليه والاعتماد إلا عليه

{وهو الغفور} المكفر بالبلاء

{الرحيم} المعافى بالعطاء اتبع النهى عن عبادة الأوثان ووصفها بأنها لا تنفع ولا تضر إن اللّه هو الضار النافع الذى أن أصابك بضر لم يقدر على كشفه إلا هو وحده دون كل أحد فكيف بالجماد الذى لا شعور به وكذا أن أرادك بخير لم يرد احدما يريده بك من الفضل والإحسان فكيف بالأوثان وهو الحقيق إذا بأن توجه إليه العبادة دونها وهو أبلغ من قوله إن أرادني اللّه بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته وانما ذكر المس في أحدهما والارادة فى الآخر كأنه أراد أن يذكر الامرين الإرادة والإصابة فى كل واحد من الضر و أنه لاراد لما يريد منهما ولا مزيل لما يصيب به منهما فأوجز الكلام بأن ذكر المس وهو الإصابة فى أحدهما والارادة فى الآخر ليدل بما ذكر على ما ترك على أنه قد ذكر الإصابة بالخير فى قوله يصيب به من يشاء من عباده

١٠٨

{قل يا أيها الناس} يا أهل مكة

{قد جاءكم الحق} القرآن أو الرسول

{من ربكم فمن اهتدى} اختار الهدى واتبع الحق

{فإنما يهتدي لنفسه} فما نفع باختياره إلا نفسه

{ومن ضل فإنما يضل عليها} ومن آثر الضلال فما ضر إلا نفسه ودل اللام وعلى على معنى النفع والضر

{وما أنا عليكم بوكيل} بحفيظ موكول إلى أمركم إنما أنا بشير ونذير

١٠٩

{واتبع ما يوحى إليك واصبر} على تكذيبهم وايذائهم

{حتى يحكم اللّه} لك بالنصرة عليهم والغلبة

{وهو خير الحاكمين} لأنه المطلع على السرائر فلا يحتاج إلى بينة وشهود

﴿ ٠