تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل

أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م)

_________________________________

سورة هود

سورة هود عليه السلام مكية وهى مائة وثلاث وعشرون آية بسم اللّه الرحمن الرحيم

_________________________________

{الر كتاب} أى هذا كتاب فهو خبر مبتدأ محذوف

{أحكمت آياته} صفه له أى نظمت نظما رصينا محكما لا يقع فيه نقص ولا خلل كالبناء المحكم

{ثم فصلت} كما تفصل القلائد بالفرائد من دلائل التوحيد والاحكام والمواعظ والقصص أو جعلت فصولا سورة سورة و آية آية أو فرقت فى التنزيل ولم تنزل جملة أو فصل فيها ما يحتاج إليه العابد أى بين ولخص وليس معنى ثم التراخى فى الوقت ولكن فى الحال

{من لدن حكيم خبير} صفة اخرى لكتاب أو خبر بعد خبر أو صلة لحكمت وفصلت أى من عنده أحكامها وتفصيلها

٢

{ألا تعبدوا إلا اللّه} مفعول له أى لئلا تعبدوا أو أن مفسرة لأن فى تفصيل الآيات معنى القوم كأنه قيل قال لاتعبدوا إلا اللّه أو أمركم ألا تعبدوا إلا اللّه

{إنني لكم منه نذير وبشير} أى من اللّه

٣

{وأن استغفروا ربكم} أى أمركم بالتوحيد والاستغفار

{ثم توبوا إليه} أى استغفروه من الشرك ثم ارجعوا اليه بالطاعة

{يمتعكم متاعا حسنا} يطول نفعكم فى الدنيا بمنافع حسنة مرضية من عيشة واسعة ونعمة متتابعة

{إلى أجل مسمى} إلى أن يتوفاكم

{ويؤت كل ذي فضل فضله} ويعط فى الآخرة كل من كان له فضل فى العلم وزيادة فيه جزاء فضله لا يبخس منه شيئا

{وإن تولوا} وان تتولوا

{فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير} هو يوم القيامة

٤

{إلى اللّه مرجعكم} رجوعكم

{وهو على كل شيء قدير} فكان قادرا على اعادتكم

٥

{ألا إنهم يثنون صدورهم} يزورون عن الحق وينحرون عنه لأن من أقبل على الشيء استقبله بصدره ومن ازور عنه وانحرف نثى عنه صدره وطوى عنه كشحه

{ليستخفوا منه} ليطلبوا الخفاء من اللّه فلا يطلع رسوله والمؤمنون على ازوراراهم

{ألا حين يستغشون ثيابهم} يتغطون بها أى يريدون الاستخفاء حين يستغشون ثيابهم كراهة لاستماع كلام اللّه كقول نوح عليه السلام جعلوا أصابعهم فى آذانهم واستغشوا ثيابهم

{يعلم ما يسرون وما يعلنون} أى لا تفاوت فى علمه بين اسرارهم واعلانهم فلا وجه لتوصلهم إلى ما يريدون من الاستخفاء واللّه مطلع على ثنيهم صدورهم واستعشائهم ثيابهم ونفاقهم غير نافق عند قيل نزلت فى المنافقين

{إنه عليم بذات الصدور} بما فيها

٦

{وما من دابة في الأرض إلا على اللّه رزقها} تفضلا لا وجوبا

{ويعلم مستقرها} مكانه من الأرض ومسكنه

{ومستودعها} حيث كان مودعا قبل الاستقرار من صلب أو رحم أو بيضة

{كل في كتاب مبين} كل واحد من الدواب رزقها ومستقرها ومستودعها فى اللوح يعنى ذكرها مكتوب فيه مبين

٧

{وهو الذي خلق السماوات والأرض} وما بينهما

{في ستة أيام} من الاحد إلى الجمعه تعليما للتأنى

{وكان عرشه على الماء} أى فوقه يعنى ما كان تحته خلق قبل خلق السموات والارض إلا الماء وفيه دليل على أن العرش والماء كانا مخلوقين قبل خلق السموات والأرض قيل بدأه بخلق ياقوتة خضراء فنظر اليها بالهيبة فصارت ماء ثم خلق ريحا فأقر الماء على متنه ثم وضع عرشه على الماء وفى وقوف العرش على الماء أعظم اعتبار لاهل الأفكار

{ليبلوكم} أى خلق السموات والأرض وما بينهما للممتحن فيهما ولم يخلق هذه الأشياء لأنفسها

{أيكم أحسن عملا} أكثر شكرا وعنه عليه السلام أحسن عقلا وأورع عن محارم اللّه وأسرع فى طاعة اللّه فمن شكر واطاع أثابه ومن كفر وعصى عاقبه ولما أشبه ذلك اختبار المختبر قال ليبلوكم أى ليفعل بكم ما يفعل المبتلى لاحوالكم كيف تعملون

{ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن} الذين كفروا

{إن هذا إلا سحر مبين} أشار بهذا إلى القرآن لأن القرآن هو الناطق بالبعث فإذا جعلوه سحرا فقد اندرج تحته انكار ما فيه من البعث وغيره ساحر حمزة وعلى يريد دون الرسول والساحر كاذب مبطل

٨

{ولئن أخرنا عنهم العذاب} عذاب الآخرة أو عذاب يوم بدر

{إلى أمة} إلى جماعة من الاوقات

{معدودة} معلومة أو قلائل والمعنى إلى حين معلوم

{ليقولن ما يحبسه} ما يمنعه من النزول استعجالا له على وجه التكذيب والاستهزاء

{ألا يوم يأتيهم} العذاب

{ليس} العذاب

{مصروفا عنهم} ويوم منصوب بمصروفا أى ليس العذاب مصروفا عنهم يوم يأتيهم

{وحاق بهم} وأحاط بهم

{ما كانوا به يستهزؤون} العذاب الذىكانوا به يستعجلون و إنما وضع يستهزءون موضع يستعجلون لأن استعجالهم كان على وجه الاستهزاء

٩

{ولئن أذقنا الإنسان} هو للجنس

{منا رحمة} نعمة من صحة و أمن وجدة واللام فى لئن لتوطئة القسم

{ثم نزعناها منه} ثم سلبناه تلك النعمة وجواب القسم

{إنه ليؤوس} شديد اليأس من أن يعود إليه مثل تلك النعمة المسلوبة قاطع رجاءه من سعة فضل اللّه من غير صبر ولا تسليم لقضائه

{كفور} عظيم الكفران لما سلف له من التقلب فى نعمة اللّه نساءله

١٠

{ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته} وسعنا عليه النعمة بعد الفقر الذى ناله

{ليقولن ذهب السيئات عني} أى المصائب التى ساءتنى

{إنه لفرح} أشر بطر

{فخور} على الناس بما أذاقه اللّه من نعمائه قد شغله الفرح والفخر عن الشكر

١١

{إلا الذين صبروا} فى المحنة والبلاء

{وعملوا الصالحات} وشكروا فى النعمة والرخاء

{أولئك لهم مغفرة} لذنوبهم

{وأجر كبير} يعنى الجنة كانوا يقترحون عليه آيات تعنت لا استرشادا لأنهم لو كانوا مسترشدين لكانت آية واحدة مما جاء به كافية فى رشادهم ومن اقتراحاتهم لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك وكانوا لا يعتدون بالقرآن ويتهاونون به فكان يضيق صدر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يلق اليهم مالا يقبلونه ويضحكون منه فهيجه لأداء الرسالة وطرح المبالاة بردهم واستهزائهم واقتراحهم بقوله

١٢

{فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك} أى لعلك تترك أن تلقيه اليهم وتبلغه إياهم مخافة ردهم له وتهوانهم به

{وضائق به صدرك} بأن تتلوه عليه ولم يقل ضيق ليدل على أنه ضيق عارض غير ثابت لأنه عليه السلام كان أفسح الناس صدرا و لأنه أشكل بتارك

{أن يقولوا} مخافة أن يقولوا

{لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك} هلا أنزل عليه ماافترضنا من الكنز لننفقه والملائكة لنصدقة ولم أنزل عليه مالا نريده ولا نقترحه

{إنما أنت نذير} أى ليس عليك إلا أن تنذرهم بما أوحى اليك وتبلغهم ما أمرت بتبليغه ولا عليك أن ردوا أو تهاونوا

{واللّه على كل شيء وكيل} يحفظ ما يقولون وهو فاعل بهم ما يجب أن يفعل فتوكل عليه وكل امرك إليه وعليك بتبليغ الوحى بقلب فيسح وصدر منشرح غير ملتفت إلى استكبارهم ولا مبال بسفههم واستهزائهم

١٣

{أم يقولون} أم منقطعة

{افتراه} الضمير لما يوحى اليك

{قل فأتوا بعشر سور} تحداهم أولا بعشر سور ثم بسورة واحدة كما يقول المخابر فى الخط لصاحبه اكتب عشرة أسطر نحو ما اكتب فإذا تبين له العجز عن ذلك قال قد اقتصرت منك على سطر واحد

{مثله} فى الحسن والجزالة ومعنى مثله أمثاله ذهابا إلى مماثله كل واحدة منها له

{مفتريات} صفة لعشر سور لما قالوا افتريت القرآن واختلقته من نفسك وليس من عند اللّه أرخى معهم العنان وقال هبوا إنى اختلقته من عند نفسى فأتوا أنتم أيضا بكلام مثله مختلق من عند أنفسكم فأنتم عرب فصحاء مثلى

{وادعوا من استطعتم من دون اللّه} إلى المعاونة على المعارضة

{إن كنتم صادقين} أنه مفترى

١٤

{فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم اللّه وأن لا إله إلا هو} أى أنزل ملتبسا بمالا يعلمه إلا اللّه من نظم معجز للخلق واخبار بغيوب لا سبيل لهم إليه واعملوا عند ذلك أن لا إله إلا اللّه وحده و أن توحيده واجب والاشراك به ظلم عظيم و إنما جمع الخطاب بعد افراده وهو قوله لكم فاعلموا بعد قوله قل لأن الجمع لتعظيم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أو لأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والمؤمنين كانوا يحدثونهم أو لأن الخطاب للمشركين والضمير فى فإن لم يستجيبوا لمن استطعتم أى فإن لم يستجب لكم من تدعونه من دون اللّه إلى المظاهرة على المعارضة لعلمهم بالعجز عنه فاعلموا أنما أنزل بعلم اللّه أى باذنه أو بأمره

{فهل أنتم مسلمون} متبعون للاسلام بعد هذه الحجة القاطعة ومن جعل الخطاب للمسلمين فمعناه فاثبتوا على العلم الذى انتم مسلمون مخلصون

١٥

{من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون} نوصل اليهم أجور أعمالهم وافية كاملة من غير بخس فى الدنيا وهو ما يرزقون فيها من الصحة الرزق وهم الكفار أو المنافقون

١٦

{أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها} وحبط فى الآخرة ما صنعوه أو صنيعهم أى لم يكن لهم ثواب لأنهم لم يريدوا به الآخرة إنما أرادوا به الدنيا وقد وفى ما أرادوا

{وباطل ما كانوا يعملون} أى كان عملهم فى نفسه باطلا لأنه لم يعلم لغرض صحيح والعلم الباطل لا ثواب له

١٧

{أفمن كان على بينة من ربه} أمن كان يريد الحياة الدنيا كمن كان على بينة من ربه أى لا يعقبونهم فى المنزلة ولا يقاربونهم يعنى أن بين الفريقين تباينا بينا وأراد بهم من آمن من اليهود كعبد اللّه بن سلام وغيره كان على بينة من ربه أى على برهان من اللّه وبيان أن دين الإسلام حق وهو دليل العقل

{ويتلوه} ويتبع ذلك البرهان

{شاهد} يشهد بصحته وهو القرآن

{منه} من اللّه أو من االقران فقد مر ذكره آنفا

{ومن قبله} و من قبل القرآن

{كتاب موسى} وهو التوراة أى ويتلو ذلك البرهان أيضا من قبل القرآن كتاب موسى عليه السلام

{إماما} كتابا مؤتما به فى الدين قدوة فيه

{ورحمة} ونعمة عظيمة على المنزل اليهم وهما حالان

{أولئك} أى من كان على بينة

{يؤمنون به} بالقرآن

{ومن يكفر به} بالقرآن

{من الأحزاب} يعنى أهل مكة ومن ضامهم من المتحزبين على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

{فالنار موعده} مصيره ومورده

{فلا تك في مرية} شك

{منه} من القرآن أو من الموعد

{إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون}

١٨

{ومن أظلم ممن افترى على اللّه كذبا أولئك يعرضون على ربهم} يحبسون فى الموقف وتعرض أعمالهم

{ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم} ويشهد عليهم الأشهاد من الملائكة والنبيين بأنهم الكذابون على اللّه بأنه اتخذ ولدا وشريكا

{ألا لعنة اللّه على الظالمين} الكاذبين على ربهم والأشهاد جمع شاهد كأصحاب وصاحب أو شهيد كشريف وأشراف

١٩

{الذين يصدون عن سبيل اللّه} يصرفون الناس عن دينه

{ويبغونها عوجا} يصفونها بالاعوجاج وهي مستقيمة أو يبغون أهلها أن يعرجوا بالارتداد

{وهم بالآخرة هم كافرون} هم الثانية لتأكيد كفرهم بالآخرة واختصاصهم به

٢٠

{أولئك لم يكونوا} أى ما كانوا

{معجزين في الأرض} بمعجزين اللّه فى الدنيا أن يعاقبهم لو أراد عقابهم

{وما كان لهم من دون اللّه من أولياء} من يتولاهم فينصرهم منه ويمنعهم من عقابه ولكنه أراد إنظارهم وتأخير عقابهم إلى هذا اليوم وهو من كلام الأشهاد

{يضاعف لهم العذاب} لأنهم أضلوا الناس عن دين اللّه يضعف مكى وشامى

{ما كانوا يستطيعون السمع} أى استماع الحق

{وما كانوا يبصرون} الحق

٢١

{أولئك الذين خسروا أنفسهم} حيث اشتروا عبادة الآلهة بعبادة اللّه

{وضل عنهم} وبطل عنهم وضاع ما اشتروه وهو

{ما كانوا يفترون} من الآلهة وشفاعتها

٢٢

{لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون} بالصد والصدود وفى لا جرم أقوال أحدها أن لا رد لكلام سابق أى ليس الامر كما زعموا ومعنى جرم كسب وفاعله مضمر وانهم فى الآخرة فى محل النصب والتقدير كسب قولهم خسرانهم فى الآخرة وثانيها أن لا جرم كلمتان ركبتا فصار معناهما حقا و أن فى موضع رفع بأنه فاعل لحق أى حق خسرانهم وثالثها أن معناه لا محالة

٢٣

{إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم} واطمأنوا إليه وانقطعوا إلى عبادته بالخشوع والتواضع من الخبث وهى الأرض المطمئنة

{أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون}

٢٤

{مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع} شبه فريق الكافرين بالأعمى والأصم وفريق المؤمنين بالبصير والسميع

{هل يستويان} يعنى الفريقين

{مثلا} تشبيها وهو نصب على التمييز

{أفلا تذكرون} فتنفعون بضرب المثل

٢٥

{ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين} أى بانى والمعنى أرسلناه ملتبسا بهذا الكلام وهو قوله إنى لكم نذير مبين بالكسر فلما اتصل به الجار فتح كما فتح فى كان والمعنى على الكسر وبكسر الألف شامى ونافع وعاصم وحمزة على إرادة القول

٢٦

{أن لا تعبدوا إلا اللّه} أن مفسرة متعلقة بأرسلنا أو بنذير

{إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم} وصف اليوم بأليم من الإسناد المجازى لوقوع الأمل فيه

٢٧

{فقال الملأ الذين كفروا من قومه} يريد الاشراف لأنهم يملئون القلوب هيبة والمجالس أبهة ولانهم ملئوا بالأحلام والآراء الصائبة

{ما نراك إلا بشرا مثلنا} ارادوا أنه كان ينبغى أن يكون ملكا أو ملكا

{وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا} أخساؤنا جمع الأرذل

{بادي} وبالهمزة أبو عمرو

{الرأي} وبغير همز أبو عمرو أى اتبعوك ظاهر الرأي أو أول الرأي من بدا يبدو إذا ظهر أو بدأ يبدأ إذا فعل الشيء أولا وانتصابه على الظرف أصله وقت حدوث ظاهر رأيهم أو أول رأيهم فحذف ذلك وأقيم المضاف إليه مقامه أرادوا أن اتباعهم لك شيء عن لهم بديهة من غير روية ونظر ولو تفكروا ما اتبعوك و إنما استرذلوا المؤمنين لفقرهم وتأخرهم فى الأسباب الدنيوية لأنهم كانوا جهالا ما كانوا يعلمون إلا ظاهرا من الحياة الدنيا فكان الأشراف عندهم من له جاه وما كما ترى اكثر المتسمين بالإسلام يعتقدون ذلك ويبنون عليه إكرامهمم وإهانتهم ولقد زل عنهم أن التقدم فى الدنيا لا يقرب أحدا من اللّه و إنما يبعده ولا يرفعه بل يضعه

{وما نرى لكم علينا من فضل} فى مال ورأى عنوا نوحا وأتباعه

{بل نظنكم كاذبين} اي نوحا فى الدعوة ومتبعيه فى الإجابة والتصديق يعنى تواطأتم على الدعوة والإجابة تسبيبا للرياسة

٢٨

{قال يا قوم أرأيتم} أخبروني

{إن كنت على بينة} برهان

{من ربي} وشاهد منه يشهد بصحة دعواى

{وآتاني رحمة من عنده} يعني النبوة

{فعميت عليكم} اي خفيت فعميت حمزة وعلى وحفص أى أخفيت أى فعميت عليكم البينة فلم تهدكم كما لو عمى على القوم دليلهم فى المفازة بقوا بغير هاد وحقيقته أن الحجة كما جعلت بصيرة ومبصرة جعلت عمياء لأن الأعمى لا يهتدى ولا يهدى غيره

{أنلزمكموها} أى الرحمة

{وأنتم لها كارهون} لا تريدونها والواو دخلته هنا تتمة للميم وعن أبى عمرو إسكان الميم ووجهة أن الحركة لم تكن إلا خلسة خفيفة فظنها الراوي سكونا وهو لحن لأن الحركة الإعرابية لا يسوغ طرحها إلا فى ضرورة الشعر

٢٩

{ويا قوم لا أسألكم عليه} على تبليغ الرسالة لأنه مدلول قوله إنى لكم نذير

{مالا} أجرا يثقل عليكم إن أديتم أو على إن ابيتم

{إن أجري} مدنى وشامى و أبو عمرو وحفص

{أجري إلا على اللّه وما أنا بطارد الذين آمنوا} جواب لهم حين سالوا طردهم ليؤمنوا به أنفة من المجالسة معهم

{إنهم ملاقوا ربهم} فيشكوننى إليه إن طردتهم

{ولكني أراكم قوما تجهلون} تتسافهون على المؤمنين وتدعونهم اراذل أو تجهلون لقاء ربكم أو أنهم خير منكم

٣٠

{ويا قوم من ينصرني من اللّه} من يمنعنى من انتقامه

{إن طردتهم أفلا تذكرون} تتعظون

٣١

{ولا أقول لكم عندي خزائن اللّه} فادعى فضلا عليكم بالغنى حتى تجحدوا فضلى بقولكم وما نرى لكم علينا من فضل

{ولا أعلم الغيب} حتى أطلع على ما فى نفوس أتباعى وضمائر قلوبهم وهو معطوف على عندى خزائن أى لا أقول عندى خزائن اللّه ولا اقول أنا اعلم الغيب

{ولا أقول إني ملك} حتى تقولوا لى ما أنت إلا بشر مثلنا

{ولا أقول للذين تزدري أعينكم} ولا احكم على من استرذلتم من المؤمنين لفقرهم

{لن يؤتيهم اللّه خيرا} فى الدنيا و الآخرة لهوانه عليه مساعدة لكم ونزولا على هواكم

{اللّه أعلم بما في أنفسهم} من صدق الاعتقاد و إنما على قبول ظاهر إقرارهم إذ لا أطلع على خفى أسرارهم

{إني إذا لمن الظالمين} إن قلت شيا من ذلك والازدراء افتعال من زرى عليه إذا عباه وأصله تزترى فابدلت التاء دالا

٣٢

{قالوا يا نوح قد جادلتنا} خاصمتنا

{فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا} من العذاب

{إن كنت من الصادقين} فى وعدك

٣٣

{قال إنما يأتيكم به اللّه إن شاء} أى ليس الإتيان بالعذاب إلى و إنما هو إلى من كفرتم به

{وما أنتم بمعجزين} أى لم تقدروا على الهرب منه

٣٤

{ولا ينفعكم نصحي} هو إعلام موضع الغى ليتقى والرشد ليقتفى ولكنى إنى إذا نصحى مدنى و أبو عمرو

{إن أردت أن أنصح لكم إن كان اللّه يريد أن يغويكم} أى يضلكم وهذا شرط دخل على شرط فيكون الثانى مقدما فى الحكم لما عرف تقديره إن كان اللّه يريد أن يغويكم لا ينفعكم نصحى إن أردت أن أنصح لكم وهو دليل بين لنا فى إرادة المعاصى

{هو ربكم} فيتصرف فيكم على قضية إرادته

{وإليه ترجعون} فيجازيكم على أعمالكم

٣٥

{أم يقولون افتراه} بل أيقولون افتراه

{قل إن افتريته فعلي إجرامي} أى إن صح إنى افتريته فعلى عقوبة إجرامى أى افترائى يقا أجرم الرجل إذا أذنب

{وأنا بريء} أى ولم يثبت ذلك و أنا برئ منه ومعنى

{مما تجرمون} من إجرامكم فى إسناد الافتراء إلى فلا وجه لإعراضكم ومعاداتكم

٣٦

{وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن} إقناط من إيمانهم وانه غير متوقع وفيه دليل على أن للايمان حكم التجدد كأنه قال إن الذى آمن يؤمن فى حادث الوقت وعلى ذلك تخرج الزيادة التى ذكرت فى الإيمان بالقرآن

{فلا تبتئس بما كانوا يفعلون} فلا تحزن حزن بائس مستكين والابتآس افتعال من البؤس وهو الحزن والفقر والمعنى فلا تحزن بما فعلوه من تكذيبك وإيذائك فقد حان وقت الانتقام من اعدائك

٣٧

{واصنع الفلك بأعيننا} وهو فى موضع الحال أى اصنعها محفوظا وحقيقته ملتبسا بأعيننا كأن للّه أعينا تكلؤه من أن يزيغ فى صنعته عن الصواب

{ووحينا} وإنا نوحى اليك ونلهمك كيف تصنع عن ابن عباس رضى اللّه عنهما لم يعلم كيف صنعة الفلك فأوحى اللّه إليه أن يصنعها مثل جؤجؤ الطير

{ولا تخاطبني في الذين ظلموا} ولا تدعنى فى شان قومك واستدفاع العذاب عنهم بشفاعتك

{إنهم مغرقون} محكوم عليهم بالإغراق وقد قضى به وجف القلم فلا سبيل إلى كفه

٣٨

{ويصنع الفلك} حكاية حال ماضية

{وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه} من عمله السفينة وكان يعملها فى برية فى أبعد موضع من الماء فكانوا يتضاحكون منه ويقولون له يا نوح صرت نجارا بعدما كنت نبيا

{قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم} عند رؤية الهلال

{كما تسخرون} منا عند رؤية الفلك روى أن نوحا عليه السلام اتخذ السفينة من خشب الساج فى سنتين وكان طولها ثلثمائة ذراع أو الفا ومائتى ذراع وعرضها خمسون ذراعا أو ستمائة ذراع وطولها فى السماء ثلاثون ذراعا وجعل لها ثلاثة بطون فحمل فى البطن الأسفل الوحوش والسباع والهوام وفى البطن الاوسط الدواب والانعام وركب نوح ومن معه فى البطن الاعلى مع ما يحتاج إليه من الزاد وحمل معه جسد آدم عليه السلام وجعله حاجزا بين الرجال والنساء

٣٩

{فسوف تعلمون من يأتيه} من فى محل نصب يتعلمون أى فسوف تعلمون الذى يأتيه

{عذاب يخزيه} ويعنى به إياهم ويريد بالعذاب عذاب الدنيا وهو الغرق ويحل عليه وينزل عليه

{عذاب مقيم} وهو عذاب الآخرة

٤٠

{حتى} هى التى يبتدا بعدها الكلام أدخلت على الجملة من الشرط والجزاء وهى غاية لقوله ويصنع الفلك أى وكان يصنعها إلى أن جاء وقت الموعد وما بينهما من الكلام حال من يصنع أى يصنعها والحال أنه كلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه وجواب كلما سخروا وقال استئناف على تقدير سؤال سائل أو قال جواب وسخروا بدل من مر أو صفة لملأ

{إذا جاء أمرنا} عذابنا

{وفار التنور} هو كناية عن اشتداد الأمر وصعوبته وقيل معناه جاش الماء من تنور الخبز وكان من حجر لحواء فصار إلى نوح عليه السلام وقيل التنور وجه الأرض

{قلنا احمل فيها} فى السفينة

{من كل زوجين اثنين} تفسيره فى سورة ا٤لمؤمنين

{وأهلك إلا من سبق عليه القول} عطف على اثنين وكذا

{ومن آمن} أى واحمل اهلك والمؤمنين من غيرهم واستثنى من أهله من سبق عليه القول أنه من أهل النار وما سبق عليه القول بذلك إلا للعلم بأنه يختار الكفر بتقديره وارادته جل خالق العباد عن أن يقع فى الكون خلاف ما أراد

{وما آمن معه إلا قليل} قال عليه السلام كانوا ثمانية نوح وأهله وبنوه الثلاثة ونساؤهم وقيل كانوا عشرة خمسة رجال وخمس نسوة وقيل كانوا اثنين وسبعين رجالا ونساء وأولاد نوح سام وحام ويافث ونساؤهم فالجميع ثمانية وسبعون نصفهم رجال ونصفهم نساء

٤١

{وقال اركبوا فيها بسم اللّه مجراها ومرساها} بسم اللّه متصل باركوا حالا من الواو أى اركبوا فيها مسمين اللّه أو قائلين بسم اللّه وقت إجرائها ووقت ارسائها اما لأن المجرى والمرسى للوقت واما لانهما مصدران كالاجراء والارساء حذف منهما الوقت المضاف كقولهم خفوق النجم ويجوز أن يكون بسم اللّه مجراها ومرساها جملة برأسها غير متعلقة بما قبلها وهى مبتدأ وخبر يعنى أن نوحا عليه السلام أمرهم بالركوب ثم أخبرهم بأن مجراها ومرساها بذكر اسم اللّه أى بسم اللّه اجراؤها وارساؤها وكان إذا أراد أن تجرى قال بسم اللّه فجرت و إذا أراد أن ترسوا قال بسم اللّه فرست مجريها بفتح الميم وكسر الراء من جرى اما مصدر أو وقت حمزة وعلى وحفص وبضم الميم وكسر الراء أبو عمرو والباقون بضم الميم وفتح الراء

{إن ربي لغفور} لمن امن منهم

{رحيم} حيث خلصهم

٤٢

{وهي تجري بهم} متصل بمحذوف دل عليه اركبوا فيها بسم اللّه كأنه قيل فركبوا فيها يقولون باسم اللّه وهى تجرى بهم أى السفينة تجرى وهم فيها

{في موج كالجبال} يريد موج الطوفان وهو جمع موجة كتمر وتمرة وهو ما يرتفع من الماء عند اضطرابه بدخول الرياح الشديدة فى خلاله شبه كل موجة منه بالجبل فى تراكمها وارتفاعها

{ونادى نوح ابنه} كنعان وقيل يام والجمهور على أنه ابنه الصلى وقيل كان ابن امرأته

{وكان في معزل} عن ابيه وعن السفينة مفعل من عزله عنه إذا نحاه وأبعده أو فى معزل عن دين أبيه

{يا بني} بفتح الياء عاصم اقتصارا عليه من الألف المبدلة من ياء الاضافة من قولكم يا بنيا غيره بكسر الياء اقتصار عليه من ياء الإضافة

{اركب معنا} فى السفينة أى اسلم واركب

{ولا تكن مع الكافرين}

٤٣

{قال سآوي} ألجأ

{إلى جبل يعصمني من الماء} يمنعنى من الغرق

{قال لا عاصم اليوم من أمر اللّه إلا من رحم} إلا الراحم وهو اللّه تعالى أو لا عاصم اليوم من الطوفان إلا من رحم اللّه أى إلا مكان من رحم اللّه من المؤمنين وذلك أنه لما جعل الجبل عاصما من الماء قال له لا يعصمك اليوم معتصم قط من جبل ونحوه سوى معتصم واحد وهو مكان من رحمهم اللّه ونجاهم يعنى السفينة أو هو استثناء منقطع كأنه قيل ولكن من رحمه اللّه فهو المعصوم كقوله

{ما لهم به من علم إلا اتباع الظن}

{وحال بينهما الموج} بين ابنه والجبل أو بين نوح وابنه

{فكان من المغرقين} فصار أو فكان فى علم اللّه

٤٤

{وقيل يا أرض ابلعي ماءك} انشفى وتشربى والبلع النشف

{ويا سماء أقلعي} امسكى

{وغيض الماء} نقص من غاضه اذا نقصه وهو لازم ومتعد

{وقضي الأمر} وانجز ما وعد اللّه نوحا من اهلاك قومه

{واستوت} واستقرت السفينة بعد أن طافت الأرض كلها ستة أشهر

{على الجودي} وهو جبل بالموصل

{وقيل بعدا للقوم الظالمين} أى سحقا لقوم نوح الذين غرقوا يقال بعد بعداو بعدا إذا أرادوا البعد البعيد من حيث الهلاك والموت ولذلك خص بدعاء السوء والنظر فى هذه الآية من اربع جهات من جهة علم البيان وهو النظر فيما فيها من المجاز والاستعارة والكناية وما يتصل بها فنقول إن اللّه تعالى لما اراد أن يبين معنى أردنا أن نرد ما انفجر من الأرض إلى بطنها فارتد و أن نقطع طوفان السماء فانقطع و أن نغيض الماء النازل من السماء فغيض و أن نقضى أم أمد نوح وهو انجاز ما كما وعدناه من إغراق قومه فقضى و أن نسوى السفينة على الجودى فاستوت وابقينا الظلمة غرقى بنى الكلام على تشبيه المراد بالأمر الذى لا يتاتى منه لكمال هيبته العصيان وتشبيه تكوين المراد بالأمر الجزم النافذ فى تكون المقصود تصويرا لافتداره العظيم و أن السموات و الأرض منقادة لتكوينه فيها ما يشاء غير ممتنعة لارادته فيها تغييرا وتبديلا كانها عقلاء مميزون قد عرفوه حق معرفته وأحاطوا علما بوجوب الانقياد لأمره والاذعان لحكمه ويحتم بذل المجهود عليهم فى تحصيل مراده ثم بنى على تشبيه هذ نظم الكلام فقال عز وجل

وقيل على سبيل المجاز عن الارادة الواقع بسببها قول القائل وجعل قرينه المجاز الخطاب للجماد وهو يا ارض ويا سماء ثم قال مخاطبا لهما يا ارض ويا سماء على سبيل الاستعارة للشبه المذكور ثم استعار لغور الماء فى الأرض البلع الذى هو أعمال الجاذبة فى المطعوم للشبه بينهما وهو الذهاب إلى مقر خفى ثم استعار الماء للغذاء تشبيها له بالغذاء لتقوى الأرض بالماء فى الانبات كتقوى الآكل بالطعام ثم قال ماءك باضافة الماء إلى الأرض على سبيل المجاز لإتصال الماء بالأرض كاتصال الملك بالمالك ثم اختار لاحتباس المطر الاقلاع الذى هو ترك الفاعل الفعل للشبه بينهما فى عدم التأنى ثم قال وغيض الماء وقضى الأمر واستوت على الجودي

وقيل بعدا ولم يصرح بمن غاض الماء ولا بمن قضى الأمر وسوى السفينة وقال بعدا كما لم يصرح بقائل يا ارض ويا سماء سلوكا فى كل واحد من ذلك لسبيل الكناية و أن تلك الامور العظام لا تكون إلا بفعل فاعل قادر وتكوين مكون قاهر وان فاعلها واحد لا يشارك فى فعله فلا يذهب الوهم إلى أن يقول غيره ياء ارض ابلعى ماءك ويا سماء أقلعى ولا أن يكون الغائض والقاضى والمسوى غيره ثم ختم الكلام بالتعريض تنبيها لسالكى مسلكههم فى تكذيب الرسل ظلما لانفسهم اظهارا لمكان السخط و أن ذلك العذاب الشديد ما كان إلا لظلمهم ومن جهة علم المعانى وهو النظر فى فائدة كل كلمة فيها وجهة كل تقديم وتأخير فيما بين جملها وذلك أنه اختبر يا دون اخواتها لكونها اكثر استعمالا ولدلاتها على بعد المنادى الذى يستدعيه مقام اظهار العظمة والملكوت وابداء العزة والجبروت وهو تعبيد المنادى والمؤذن بالتهاون به ولم يقل يا ارض لزيادة التهاون إذ الاضافة تستدعى القرب ولم يقل يا ايتها الأرض للاختصار واختير لفظ الأرض والسماء لكونهما أخف وأدور واختير ابلعى على ابتلعى لكونه اخصر وللتجانس بينه وبين اقلعى

وقيل اقلعى ولم يقل عن المطر وكذا لم يقل يا ارض ابلعى ماءك فبلعت ويا سماء أقلعى فأقلعت اختصارا أو اختير غيض على غيض

وقيل الماء دون أن يقول ماء الطوفان والأمر ولم يقل أمر نوح وقومه لقصد الاختصار والاستغناء بحرف العهد عن ذلك ولم يقل وسويت على الجودى أى أقرت على نحو قيل وغيض اعتبارا لبناء الفاعل مع السفينة فى قوله وهى تجرى بهم ارادة للمطابقة ثم قيل بعد للقوم ولم يقل ليبعد القوم طلبا للتأكيد مع الاختصار هذا من حيث النظر إلى تركيب الكلم وأما من حيث النظر إلى ترتيب الجمل فذلك أنه قدم النداء على الأمر

فقيل أيا ارض ابلعى ويا سماء أقعلى ولم يقل ابلعى يا ارض وأقلعى يا سماء جريا على مقتضى الكلام فيمن كان مامورا حقيقة من تقديم التنبيه ليتمكن الأمر الوارد عقيبه فى نفس المنادى قصدا بذلك لمعنى الترشيح ثم قدم الأرض على أمر المساء وابتدأ به الطوفان منها ثم أتبع وغيض الماء لاتصاله بقصة الماء وأخذه بحجزتها ثم ذكر ما هو المقصود وهو قوله

{وقضي الأمر} أى أنجز الموعود من إهلاك الكفرة وانجاء نوح ومن معه فى الفلك وعلى هذا فاعتبر ومن جهة الفصاحة المعنوية وهى كما ترى نظم للمعانى لطيف وتأدية لها ملخصة مبينة لا تعقيد يعثر الفكر في طلب المراد ولا التواء يشبك الطريق إلى المرتاد ومن جهة الفصاحة اللفظية فألفاظها على ما ترى عربية مستعملة سليمة عن التنافر بعيدة عن البشاعة عذبة على العذبات سلسلة على الاسلات كل منها كالماء فى السلاسة وكالعسل فى الحلاوة وكالنسيم فى الرقة ومن ثم أطبق المعاندون على أن طوق البشر قاصر على الإتيان بمثل هذه الآية وللّه در شأن التنزيل لا يتامل العالم آية من اياته إلا أدرك لطائف لاتسع الحصر ولا تظنن الآية مقصورة على المذكور فلعل المتروك اكثر من المسطور

٤٥

{ونادى نوح ربه فقال رب} نداؤه ربه دعاؤه له وهو قوله رب مع ما بعده من اقتضاء وعده فى تنجية اهله

{إن ابني من أهلي} أى بعض أهلى لأنه كان ابنه من صلبه أو كان ربيبا له فهو بعض اهله

{وإن وعدك الحق} وان كل وعد تعده فهو الحق الثابت الذى لا شك فى انجازه والوفاء به وقد وعدتنى أن تنجى اهلى فما بال ولدى

{وأنت أحكم الحاكمين} أى اعلم الحكام واعدلهم إذ لا فضل لحاكم على غيره إلا بالعلم والعدل ورب غريق فى الجهل والجور من متقلدى الحكومة فى زمانك قد لقب أقضى القضاة ومعناه احكم الحاكمين فاعتبر واستعبر

٤٦

{قال يا نوح إنه ليس من أهلك} ثم علل لانتفاء كونه من اهله بقوله

{إنه عمل غير صالح} وفيه ايذان بأن قرابة الدين غامرة لقرابة النسب وان نسيبك فى دينك وان كان حبشيا وكنت قرشيا لصيقك ومن لم يكن على دينك وان كان أمس أقاربك رحما فهو أبعد بعيد منك وجعلت ذاته عملا غير صالح مبالغة فى دمة كقولها

فانما هى إقبال وإدبار

أو التقدير أنه ذو عمل وفيه اشعار بانه إنما انجى من أنجى من أهله لصلاحهم لا لأنهم أهله وهذا لما انتفى عنه الصلاح لم تنفعه ابوته عمل غير صالح على قال الشيخ أبو منصور رحمه اللّه كان عند نوح عليه السلام أن ابنه كان على دينه لأنه كان ينافق و إلا لايحتمل أن يقول ابنى من اهلى ويسأله نجاته وقد سبق منه النهى عن سؤال مثله بقوله ولا تخاطبنى فى الذين ظلموا أنهم مغرقون فكان يسأله على الظاهر الذى عنده كما كان أهل النفاق يظهرون الموافقة لنبينا عليه السلام ويضمرون الخلاف له ولم يعلم بذلك حتى اطلعه اللّه عليه وقوله

{ليس من أهلك} أى من الذين وعدت النجاة لهم وهم المؤمنون حقيقة فى السر والظاهر

{فلا تسألن} اجتزا بالكسرة عن الياء كوفى تسألنى بصرى نسألنى مدنى تسألن شامى فحذف الياء واجتزأ بالكسرة والنون نون التوكيد تسألن مكى

{ما ليس لك به علم} بجواز مسألته

{إني أعظك أن تكون من الجاهلين} هو كما نهى رسولنا بقوله

{فلا تكونن من الجاهلين}

٤٧

{قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم} أى من أن أطلب منك فى المستقبل مالا علم لى بصحته تأدبا بأدبك واتعاظا بموعظتك

{وإلا تغفر لي} ما فرط منى

{وترحمني} بالعصمة عن العود إلى مثله

{أكن من الخاسرين}

٤٨

{قيل يا نوح اهبط بسلام منا} بتحية منا أو بسلامة من الغرق

{وبركات عليك} هى الخيرات النامية وهى فى حقه بكثرة ذريته وأتباعه فقد جعل اكثر الانبياء من ذريته وأئمة الدين فى القرون البقاية من نسله

{وعلى أمم ممن معك} من للبيان فتراد الأمم الذين كانوا معه فى السفينة لأنهم كانوا جماعات أو قيل لهم أمم لأن الأمم تتشعب منهم أو لابتداء الغاية أى على امم ناشئة من معك وهى الامم إلى آخر الدهر وهو الوجه

{وأمم} رفع بالابتداء

{سنمتعهم} فى الدنيا بالسعة فى الرزق والحفض فى العيش صفة والخبر محذوف تقديره وممن معك امم سنمتعهم إنما حذف لأن ممن معك يدل عليه

{ثم يمسهم منا عذاب أليم} أى فى الآخرة والمعنى أن السلام منا والبركات عليك وعلى أمم مؤمنين ينشؤن ممن معك وممن معك اهم ممتعون بالدنيا منقلبون إلى النار نوح عليه السلام أبا الانبياء والخلق بعد الطوفان منه وممن كان معه فى السفينة وعن محمد بن كعب دخل فى ذلك السلام كل مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة وفيما بعده من المتاع والعذاب كل كافر

٤٩

{تلك} إشارة إلى قصة نوح عليه السلام ومحلها الرفع على الابتداء والجمل بعدها وهى

{من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك} اخبار أى تلك القصة بعض أنباء الغيب موحاة اليك مجهولة عندك وعند قومك

{من قبل هذا} الوقت أو من قبل ايحائى اليك واخبارك بها

{فاصبر} على تبليغ الرسالة واذى قومك كما صبر نوح وتوقع فى العاقبة لك ولمن كذبك نحو ما كان لنوح ولقومه

{إن العاقبة} فى الفوز والنصر والغلبة

{للمتقين} عن الشرك

٥٠

{وإلى عاد أخاهم} واحدا منهم وانتصابه للعطف على ارسلنا نوحا أى وأرسلنا إلى عاد أخاهم

{هودا} عطف بيان

{قال يا قوم اعبدوا اللّه} وحدوه

{ما لكم من إله غيره} بالرفع نافع صفة على محل الجار والمجرور بالجر على على اللفظ

{إن أنتم إلا مفترون} تفترون على اللّه الكذب باتخاذكم الاوثان له شركاء

٥١

{يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني} ما من رسول الا واجه قومه بهذا القول لأن شانهم النصيحة والنصيحة لا يمحضها إلا حسم المطامع وما دام يتوهم شيء منها لم تنجح ولم تنفع

{أفلا تعقلون} إذ تردون نصيحة من لا يطلب عليها أجرا إلا من اللّه وهو ثواب الآخرة ولا شيء أنفى للتهمة من ذلك

٥٢

{ويا قوم استغفروا ربكم} آمنوا به

{ثم توبوا إليه} من عبادة غيره

{يرسل السماء} أى المطر

{عليكم مدرارا} حال أى كثيرة الدرور

{ويزدكم قوة إلى قوتكم} إنما قصد استمالتهم إلى الايمان بكثرة المطر وزيادة القوة لأنهم كانوا أصحاب زروع وبساتين فكانوا أحوج شيء إلى الماء وكانوا مدلين بما أوتوا من شدة البطش والقوة وقيل أراد القوة بالمال أو على النكاح

وقيل حبس عنهم القطر ثلاث سنين وعقمت أرحام نسائهم فوعدهم هود عليه السلام المطر والاولاد على الإيمان والاستغفار وعن الحسن بن على رضى اللّه عنهما أنه وفد على معاوية فلما خرج قال له بعض حجابه إنى رجل ذو مال ولا يولد لى علمنى شيئا لعل اللّه يرزقنى ولدا فقال الحسن عليك بالاستغفار فكان يكثر الاستغفار حتى ربما استغفر في يوم واحد سبعمائة مرة فولد له عشر بنين فبلغ ذلك معاوية فقال هلا سألته مم قال ذلك فوفد وفدة أخرى فسأله الرجل فقال ألم تسمع قول هود و يزدكم قوة إلى قوتكم وقول نوح عليه السلام ويمددكم بأموال وبنين

{ولا تتولوا} ولا تعرضوا عنى وعما أدعوكم إليه

{مجرمين} مصرين على إجرامكم وآثامكم

٥٣

{قالوا يا هود ما جئتنا ببينة} كذب منهم وجحود كما قالت قريش لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لولا أنزل عليه آية من ربه مع فوت آياته الحصر

{وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك} هو حال من الضمير فى تاركى آلهتنا كأنه قيل وما نترك آلهتنا صادرين عن قولك

{وما نحن لك بمؤمنين} وما يصح من امثالنا أن يصدقوا مثلك فيما يدعوهم إليه اقناطا له من الإجابة

٥٤

{إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء} إن حرف نفى فنفى جميع القول إلا قولا واحدا وهو قولهم اعتراك أصابك بعض آلهتنا بسوء بجنون وخبل وتقديره ما نقول قولا إلا هذه المقالة أى قولنا اعتراك بعض آلهتنا بسوء

{قال إني أشهد اللّه واشهدوا أني بريء مما تشركون}

٥٥

{من دونه} أى من إشراككم ألهة من دونه والمعنى إنى أشهد اللّه أنى برئ مما تشركون واشهدوا أنتم أيضا إنى برئ من ذلك وجئ به على لفظ الأمر بالشهادة كما يقول الرجل لمن يبس الثرى بينه وبينه اشهد على إنى لا أحبك تهكما به واستهانة بحاله

{فكيدوني جميعا} أنتم وآلهتكم

{ثم لا تنظرون} لا تمهلون فانى لا أبالى بكم وبكيدكم ولا أخاف معرتكم و إن تعاونتم على وكيف تضرنى آلهتكم وما هى إلا جماد لا يضرو لا ينفع وكيف تنتقم منى إذا نلت منها وصددت عن عبادتها بأن تخبلنى وتذهب بعقلى

٥٦

{إني توكلت على اللّه ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها} أى مالكها لما ذكر توكله على اللّه وثقته بحفظه وكلاءته من كيدهم وصفه بما يوجب التوكل عليه من اشتمال ربوبيته عليه وعليهم ومن كون كل دابة فى قبضته وملكته وتحت قهره وسلطانه والأخذ بالناصية تمثيل لذلك

{إن ربي على صراط مستقيم} إن ربى على الحق لا يعدل عنه أو إن ربى يدل على صراط مستقيم

٥٧

{فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم} هو فى موضع فقد ثتبتت الحجة عليكم

{ويستخلف ربي قوما غيركم} كلام مستانف أى ويهلككم اللّه ويجئ بقوم اخرين يخلفونكم فى دياركم واموالكم

{ولا تضرونه} تبوليكم

{شيئا} من ضرر قط إذ لا يجوز عليه المضار و إنما تضرون أنفسكم

{إن ربي على كل شيء حفيظ}

رقيب عليه مهيمن فما تخفى عليه أعمالكم ولا يغفل عن مؤاخذتكم أو من كان رقيبا على الأشياء كلها حافظا لها وكانت الأشياء مفتقرة إلى حفظه عن المضار لم يضر مثله مثلكم

٥٨

{ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه} وكانوا أربعة آلاف

{برحمة منا} أى بفضل منا لابعملهم أو بالإيمان الذى أنعمنا عليهم

{ونجيناهم من عذاب غليظ} وتكرار نجينا للتاكيد أو الثانية من عذاب الاخرة ول٤ا عذاب أغلظ منه

٥٩

{وتلك عاد} إشارة إلى قبورهم وآثارهم كأنه قال سبحوا فى الأرض فانظروا اليها واعتبروا ثم استأنف وصف أحوالهم فقال

{جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله} لأنهم إذا عصوا رسولهم فقد عصوا جميع رسل اللّه لا نفرق بين أحد من رسله

{واتبعوا أمر كل جبار عنيد} يريد رؤساءهم ودعاتهم إلى تكذيب الرسل لأنهم الذين يجبرون الناس على الامور ويعاندون ربهم ومعنى اتباع امرهم طاعتهم

٦٠

{وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة} لما كانوا تابعين لهم دون الرسل جعلت اللعنة تابعة لهم فى الدارين

{ألا إن عادا كفروا ربهم ألا بعدا لعاد} تكرار إلا مع النداء على كفرهم والدعاء عليهم تهويل لأمرهم وبعث على الاعتبار بهم والحذر من مثل حالهم والدعاء ببعدا بعد هلاكهم وهو دعاء بالهلاك للدلالة على أنهم كانوا مستاهلين له

{قوم هود} عطف بيان لعاد وفيه فائدة لأن عادا عادان الاولى القديمة التى هى قوم هود والقصة فيهم و الاخرى إرم

٦١

{وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا اللّه ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض} لم ينشئكم منها إلا هو وانشاوهم منها خلق آدم من التراب ثم خلقهم من آدم

{واستعمركم فيها} وجعلكم عمارها وأراد منكم عمارتها أو استعمركم من العمر أى اطال اعماركم فيها وكانت اعمارهم من ثلثمائة إلى ألف وكان ملوك فارس قد أكثروا من حفر الانهار وغرس الأشجار وعمروا الأعمار الطوال مع مافيهم من الظلم فسأل نبى من أنبياء زمانهم ربه عن سبب تعميرهم فاوحى اللّه إليه أنهم عمروا بلادى فعاش فيها عبادى

{فاستغفروه} فاسألوه مغفرته بالإيمان

{ثم توبوا إليه إن ربي قريب} دانى الرحمة

{مجيب} لمن دعاه

٦٢

{قالوا يا صالح قد كنت فينا} فيما بيننا

{مرجوا قبل هذا} للسيادة والمشاورة فى الامور أو كنا نرجو أن تدخل فى ديننا وتوافقنا على ما نحن عليه

{أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا} حكاية حال ماضية

{وإننا لفي شك مما تدعونا إليه} من التوحيد

{مريب} موقع فى الريبة من أرابه إذا أوقعه فى الريبة وهى قلق النفس وانتفاء الطمأنينة

٦٣

{قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني منه رحمة} نبوة إتى بحرف الشك مع أنه على يقين أنه على بينة لأن خطابه للجاحدين فكأنه قال قدروا إنى على بينة من ربى و أننى نبى على الحقيقة وانظروا إن تابعتكم وعصيت ربى فى أوامره

{فمن ينصرني من اللّه} فمن يمنعنى من عذاب اللّه

{إن عصيته} فى تبليغ رسالته ومنعكم عن عبادة الاوثان

{فما تزيدونني} بقولكم أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا

{غير تخسير} بنسبتكم إياى إلى الخسار أو بنسبتى إياكم إلى الخسران

٦٤

{ويا قوم هذه ناقة اللّه لكم آية} نصب على الحال قد عمل فيها مادل عله اسم الإشارة من معنى الفعل ولكم متعلق بآية حالا منها متقدمة لانها لو تاخرت لكانت صفة لها فلما تقدمت انتصبت على الحال

{فذروها تأكل في أرض اللّه} أى ليس عليكم رزقها مع أن لكم نفعها

{ولا تمسوها بسوء} عقر أو نحر

{فيأخذكم عذاب قريب} عاجل

٦٥

{فعقروها} يوم الاربعاء

{فقال} صالح

{تمتعوا} استمتعوا بالعيش

{في داركم} فى بلدكم وتسمى البلاد الديار لأنه يدار فيها أى يتصرف أو فى دار الدنيا

{ثلاثة أيام} ثم تهلكون فهلكوا يوم السبت

{ذلك وعد غير مكذوب} أى غير مكذوب فيه فاتسع فى الظرف بحذف الحرف وإجرائه مجرى المفعول به أو وعد غير كذب على أن المكذوب مصدر كالمعقول

٦٦

{فلما جاء أمرنا} بالعذاب أو عذابنا

{نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا} قال الشيخ رحمه اللّه هذا يدل على أن من نجى إنما نجى برحمة اللّه تعالى لا بعمله كما قال عليه السلام لا يدخل أحد الجنة إلا برحمة اللّه

{ومن خزي يومئذ} بإضافة الخزى إلى اليوم وانجرار اليوم بالإضافة وبفتحها مدنى وعلى لأنه مضاف إلى إذ وهو مبنى وظروف الزمان إذا أضيفت إلى الأسماء المبهمة والأفعال الماضية بنيت واكتسبت البناء من المضاف إليه كقوله

على حين عاتبت المشيب على الصبا

والواو للعطف وتقديره ونجيناهم من خزى يؤمئذ أى من ذلة وفضيحته ولا خزى أعظم من خزى من كان هلاكه بغضب اللّه وانتقامه وجاز أن يريد بيؤمئذ يوم القيامة كما فسر العذاب الغليظ بعذاب الاخرة

{إن ربك هو القوي} القادر على تجية أوليائه

{العزيز} الغالب باهلاك اعدائه

٦٧

{وأخذ الذين ظلموا الصيحة} اى صيحة جبريل عليه السلام

{فأصبحوا في ديارهم} منازلهم

{جاثمين} ميتين

٦٨

{كأن لم يغنوا فيها} لم يقيموا فيها

{ألا أن ثمودا كفروا ربهم} ثمود حمزة وحفص

{ألا بعدا لثمود} فالصرف للذهاب إلى الحى أو الأب الأكبر ومنعه للتعريف والتأنيث بمعنى القبيلة

٦٩

{ولقد جاءت رسلنا} جبريل وميكائيل وإسرافيل أو جبريل مع أحد عشر ملكا

{إبراهيم بالبشرى} هى البشارة بالولد أو بهلاك قوم لوط و الأول اظهر

{قالوا سلاما} سلمنا عليك سلاما

{قال سلام} أمركم سلام سلم حمزة وعلى بمعنى السلام

{فما لبث أن جاء بعجل} فما لبث فى المجئ به بل عجل فيه أو فما لبث مجيئه والعجل ولد البقرة وكان مال إبراهيم البقر

{حنيذ} مشوى بالحجارة المحماة

٧٠

{فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم} نكر وانكر بمعنى وكانت عادتهم أنه إذا مس من يطرقهم طعامهم أمنوه و إلا خافوه والظاهر إنه احس بانهم ملائكة ونكرهم لأنه تخوف أن يكون نزولهم لأمر أنكره اللّه عليه أو لتعذيب قومه دليله قوله

{وأوجس منهم خيفة} أى أضمر منهم خوفا

{قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط} بالعذاب و إنما يقال هذا لمن عرفهم ولم يعرف فيم أرسلوا و إنما قالوا لا تخف لأنهم راوا أثر الخوف والتغير فى وجهه

٧١

{وامرأته قائمة} وراء الستر تسمع تحاورهم أو على رءوسهم تخدمهم

{فضحكت} سرورا بزوال الخفية أو بهلاك أهل الخبائث أو من غفلة قوم لوط مع قرب العذاب أو فحاضت

{فبشرناها بإسحاق} وخصت بالبشارة لأن النساء أعظم سرورا بالولد من الرجال و لأنه لم يكن لها ولد وكان لإبراهيم ولد وهو اسمعيل

{ومن وراء إسحاق} ومن بعده

{يعقوب} بالنصب شامى وحمزة وحفص بفعل مضمر دل عليه أى فبشرناها بإسحاق ووهبنا لها يعقوب من وراء اسحق وبالرفع غيرهم على الابتداء والظرف قبله خبر كما تقول فى الدار زيد

٧٢

{قالت يا ويلتى} الالف مبدلة من ياء الإضافة وقرأ الحسن يا ويلتى بالياء على الأصل

{أألد وأنا عجوز} ابنة تسعين سنة

{وهذا بعلي شيخا} ابن مائة وعشرين سنة هذا مبتدأ وبعلى خبره وشيخنا حال والعامل معنى الإشارة التى دلت عليه ذا أو معنى التنبيه الذى دل عليه هذا

{إن هذا لشيء عجيب} أن يولد ولد من هرمين وهو استبعاد من حيث العادة

٧٣

{قالوا أتعجبين من أمر اللّه} قدرته وحكمته و إنما انكرت الملائكة تعجبها لانها كانت فى بيت الآيات ومهبط المعجزات و الامور الخارقة للعادات فكان عليها أن تتوقر ولا يزدهيا ما يزدها سائر النساء الناشئات فى غير بيت النبوة و أن تسبح اللّه وتمجده مكان التعجيب و إلى ذلك أشارت الملائكة حيث قالوا

{رحمة اللّه وبركاته عليكم أهل البيت} ارادوا أن هذه وامثالها مما يكرمكم به رب العزة ويخصكم بالإنعام به يا أهل بيت النبوة فليست بمكان عجيب وهو كلام مستأنف علل به انكار التعجب كأنه قيل إياك والتعجب لأن أمثال هذه الرحمة والبركة متكاثرة من اللّه عليكم

وقيل الرحمة النبوة والبركات الاسباط من بنى اسرائيل لأن الأنبياء منهم وكلهم من ولد إبراهيم و أهل البيت نصت على النداء أو على الاختصاص

{إنه حميد} محمود بتعجيل النعم

{مجيد} ظاهر الكرم بتأجيل النقم

٧٤

{فلما ذهب عن إبراهيم الروع} الفزع وهو ما اوجس من الخيفة حين نكر أضيافه

{وجاءته البشرى} بالولد

{يجادلنا في قوم لوط} أى لما اطمأن قلبه بعد الخوف وملئ سرورا بسبب البشرى فزغ للمجادلة وجواب لما محذوف تقديره أقبل يجادلنا أو يجادلنا جواب لما و إنما جيء به مضارعا لحكاية الحال والمعنى يجادل رسلنا ومجادلته إياهم أنهم قالوا انا مهلكوا أهل هذه القرية فقال أرأيتم لو كان فهيا خمسون مؤمنا أتهلكونها قالوا لا قال فأربعون قالوا لا قال فثلاثون قالوا لا حتى بلغ العشرة قالوا لا قال أرأيتم إن كان فيها رجل واحد مسلم اتهلكونها قالوا لا فعند ذلك قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله

٧٥

{إن إبراهيم لحليم} غير عجول على كل من أساء إليه أو كثير الاحتمال ممن آذاه صفوح عمن عصاه

{أواه} كثير التأوه من خوف اللّه

{منيب} تائب راجع إلى اللّه وهذه الصفات دالة على رقة القلب والرأفة والرحمة فبين أن ذلك مما حمله على المجادلة فيهم رجاء أن يرفع عنهم العذاب ويمهلوا لعلهم يحدثون التوبة كما حمله على الاستغفار لأبيه فقالت الملائكة

٧٦

{يا إبراهيم أعرض عن هذا} الجدال و إن كانت الرحمة ديدنك

{إنه قد جاء أمر ربك} قضاؤه وحكمه

{وإنهم آتيهم عذاب غير مردود} لا يرد بجدال وغير ذلك عذاب مرتفع باسم الفاعل وهو آتيهم تقديره و إنهم يأتيهم ثم خرجوا من عند إبراهيم متوجهين نحو قوم لوط وكان بين قرية إبراهيم وقوم لوط أربعة فراسخ

٧٧

{ولما جاءت رسلنا لوطا} اتوه ورأى هيآتهم وجمالهم

{سيء بهم} أحزن لأنه حسب أنهم انس فخاف عليهم خبث قومه و أن يعجز عن مقاومتهم ومدافعتهم

{وضاق بهم ذرعا} تمييز أى وضاق بمكانهم صدره

{وقال هذا يوم عصيب} شديد روى أن اللّه تعالى قال لهم لا تهلكوهم حتى يشهد عليهم لوط اربع شهادات فلما مشى معهم منطلقا بهم إلى منزله قال لهم اما بلغكم أمر هذه القرية قالوا وما امرهم قال أشهد باللّه أنها لشر قرية فى الأرض عملا قال ذلك اربع مرات فدخلوا معه منزله ولم يعلم بذلك احد فخرجت امرأته فأخبرت بهم قومها

٧٨

{وجاءه قومه يهرعون إليه} يسرعون كانما يدفعون دفعا

{ومن قبل كانوا يعملون السيئات} ومن قبل ذلك الوقت كانوا يعملون الفواحش حتى مرنوا عليها وقل عندهم استقباحها فلذلك جاءوا يهرعون مجاهرين لا يكفهم حياء

{قال يا قوم هؤلاء بناتي} فتزوجوهن أراد أن يقى أضيفاه ببناته وذلك غاية الكرم وكان تزويج المسلمات من الكفار جائزا فى ذلك الوقت كما جاز فى الابتداء فى هذه الامة فقد زوج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ابنتيه من عتبة بن أبى لهب و أبى العاص وهما كافران وقيل كان لهم سيدان مطاعان فأراد لوط أن يزوجهما ابنتيه

{هن أطهر لكم} أحل هؤلاء مبتدأ وبناتى عطف بيان وهن فصل وأطهر خبر المتبدا أو بناتى خبر هن اطهر مبتدأ وخبر

{فاتقوا اللّه} بإيثارهم عليهم

{ولا تخزون} ولا تهينونى ولا تفضحونى من الخزة أو ولا تخجلونى من الخزاية وهى الحياء وبالياء أبو عمرو فى الوصل

{في ضيفي} فى حق ضيوفى فانه إذا خزى ضيف الرجل أو جاره فقد خزى الرجل وذلك من عراقة الكرم وأصالة المروءة

{أليس منكم رجل رشيد} أى رجل واحد يهتدى إلى طريق الحق وفعل الجميل والكف عن السوء

٧٩

{قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق} حاجة لأن نكاح الإناث أمر خارج عن مذهبنا فمذهبنا إتيان الذكران

{وإنك لتعلم ما نريد} عنوا إتيان الذكور ومالهم فيه من الشهوة

٨٠

{قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد} جواب لو محذوف أى لفعلت بكم ولصنعت والمعنى لو قويت عليكم بنفسى أو اويت إلى قوى أستند إليه و أتمنع به فيحمينى منكم فشبه القوى العزيز بالركم من الجبل فى شدته ومنعته روى أنه أغلق بابه حين جاءوا وجعل يرادهم ما حكى اللّه عنه ويجادلهم فتسوروا الجدار فلما رأت الملائكة مالقى لوط من الكرب

٨١

{قالوا يا لوط} إن ركنك لشديد

{إنا رسل ربك} فافتح الباب ودعنا وإياهم ففتح الباب فدخلوا فاستأذن جبريل عليه السلام ربه فى عقوبتهم فأذن له فضرب بجناحه وجوههم فطمس أعينهم فأعماهم كما قال اللّه تعالى فطمسنا أعينهم فصاروا لا يعرفون الطريق فخرجوا وهم يقولون النجاء فإن فى بيت لوط قوما سحرة

{لن يصلوا إليك} جملة موضحة للتى قبلها لأنهم إذا كانوا رسل اللّه لم يصلوا اليه ولم يقدروا على ضرره

{فأسر} بالوصل حجازى من سرى

{بأهلك بقطع من الليل} طائفة منه أو نصفه

{ولا يلتفت منكم أحد} بقلبه إلى ما خلف أو لا ينظر إلى ما ورءاه أو لا يتخلف منكم أحد

{إلا امرأتك} مستثنى من فأسر بأهلك وبالرفع مكى وأبو عمرو وعلى البدل من أحد وفى إخراجها مع اهله روايتان روى أنه اخرجها معهم وأمر ان لا يلتفت منهم أحد إلا هى فلما سمعت هدة العذاب التفتت وقالت يا قوماه فأدركها حجر فقتلها وروى أنه أمر بأن يخلفها مع قومها فإن هواها اليهم فلم يسر بها واختلاف القراءتين لاختلاف الروايتين

{إنه مصيبها ما أصابهم} أى أن الامر وروى أنه قال لهم متى موعد هلاكهم قالوا

{إن موعدهم الصبح} فقال أريد أسرع من ذلك فقالوا

{أليس الصبح بقريب}

٨٢

{فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها} جعل جبريل عليه السلام جناحه فى أسفلها أى أسفل قراها ثم رفعها إلى السماء حتى سمع أهل السماء نباح الكلاب وصياح الديكة ثم قلبها عليهم وأتبعوا الحجارة من فوقهم وذلك قوله

{وأمطرنا عليها حجارة من سجيل} هى كلمة معربة من سنك كل بدليل قوله حجارة من طين

{منضود} نعت لسجيل أى متتابع أو مجموع معد للعذاب

٨٣

{مسومة} نعت لحجارة أى معلمة للعذاب قيل مكتوب على كل واحد اسم من يرمى به

{عند ربك} في خزائنه أو فى حكمه

{وما هي من الظالمين ببعيد} بشىء بعيد وفيه وعيد لأهل مكة فإن جبريل عليه السلام قال لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يعنى ظالمى امتك ما من ظالم منهم إلا وهو بعرض جحر يسقط عليه من ساعه الى ساعه أو الضمير للقرى أى هى قريبة من ظالمى مكة يمرون بها فى مسايرهم

٨٤

{وإلى مدين أخاهم شعيبا} هو اسم مدينتهم أو اسم جدهم مدين بن إبراهيم أى وارسلنا شعيبا إلى ساكنى مدين أو إلى بنى مدين

{قال يا قوم اعبدوا اللّه ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال} أى المكيال بالمكيال

{والميزان} والموزون بالميزان

{إني أراكم بخير} بثروة وسعة تغنيكم عن التطفيف أو اراكم بنعمة من اللّه حقها أن تقابل بغير ما تفعلون

{وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط} مهلك من قوله وأحيط بثمره وأصله من إحاطة العدو والمراد عذاب الاستئصال فى الدنيا أو عذاب الآخرة

٨٥

{ويا قوم أوفوا المكيال والميزان} اتموهما

{بالقسط} بالعدل نهوا أولا عن عين القبيح الذى كانوا عليه من نقص المكيال والميزان ثم ورد الأمر بالإيفاء الذى هو حسن فى العقول لزيادة الترغيب فيه وجيء به مقيدا بالقسط أى ليكن الإيفاء على وجه العدل والتسوية من غير زيادة ولا نقصان

{ولا تبخسوا الناس أشياءهم} البخس النقص كانوا ينقصون من اثمان ما يشترون من الاشياء فنهوا عن ذلك

{ولا تعثوا في الأرض مفسدين} العثى والعبث أشد الفساد نحو السرقة والغارة وقطع السبيل ويجوز أن يجعل البخس والتطفيف عيثا منهم فى الأرض

٨٦

{بقية اللّه} ما يبقى لكم من الحلال بعد التنزه عما هو حرام عليكم

{خير لكم إن كنتم مؤمنين} بشرط أن تؤمنوا نعم بقية اللّه خير للكفرة أيضا لأنهم يسلمون معها من تبعة البخس والتطفيف إلا أن فائدتها تظهر مع الإيمان من حصول الثواب مع النجاة من العقاب ولاتظهر مع عدمه لانغماس صاحبها فى غمرات الكفر وفى ذلك تعظيم للايمان وتنبيه على جلالة شأنه أو المراد إن كنتم مصدقين لى فيما أقول لكم وانصح به إياكم

{وما أنا عليكم بحفيظ} لنعمه عليكم فاحفظوها بترك البخس

٨٧

{قالوا يا شعيب أصلاتك} وبالتوحيد كوفى غير أبى بكر

{تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء} كان شعيب عليه السلام كثير الصلوات وكان قومه يقولون له ما تستفيد بهذا فكان يقول إنها تامر بالمحاسن وتنهى عن القبائح فقالوا على وجه الاستهزاء أصلواتك تأمرك أن تأمرنا بترك عبادة ما كان يعبد آباؤنا أو أن نترك التبسط فى اموالنا ما نشاء من إيفاء ونقص وجاز أن تكون الصلوات آمرة مجازا كما سماها اللّه تعالى ناهية مجازا

{إنك لأنت الحليم الرشيد} أى السفيه الضال وهذه تسمية على القلب استهزاء أو انك حليم رشيد عندنا ولست تفعل بنا ما يقتضيه حالك

٨٨

{قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه} من لدنه

{رزقا حسنا} يعنى النبوة والرسالة أو مالا حلالا من غير بخس وتطفيف وجواب أرأيتم محذوف أى أخبرونى إن كنت على حجة واضحة من ربى وكنت نبيا على الحقيقة أيصح لى أن لا آمركم بترك عبادة الأوثان والكف عن المعاصى والانبياء لا يبعثون إلا لذلك يقال خالفنى فلان إلى كذا إذا قصده و أنت مول عنه وخالفنى عنه إذا ولى عنه و أنت قاصده ويلقاك الرجل صادرا عن الماء فتسأله عن صاحبه فيقول خالفنى إلى الماء يريد أنه قد ذهب إليه و أراد و أنا ذاهب عنه صادرا ومنه قوله

{وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه} يعنى أن أسبقكم إلى شهواتكم التى نهيتكم عنها لاستبد بها دونكم

{إن أريد إلا الإصلاح} ما أريد إلا أن أصلحكم بموعظتى ونصيحتى وامرى بالمعروف ونهى عن المنكر

{ما استطعت} ظرف أى مدة استطاعتى للاصلاح ومادمت متمكنا منه آلو فيه جهدا

{وما توفيقي إلا باللّه} وما كونى موفقا لإصابة الحق فيما آنى وأذر إلا بمعونته وتأييده

{عليه توكلت} اعتمدت

{وإليه أنيب} أرجع فى السراء والضراء جرم مثل كسب فى تعديه إلى مفعول واحد و إلى مفعولين ومنه قوله

٨٩

{ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم} أى لا يكسبنكم خلافى إصابة العذاب

{مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح} وهو الغرق والريح والرجفة

{وما قوم لوط منكم ببعيد} فى الزمان فهم أقرب الهالكين منكم أو فى المكان فمنازلهم قريبة منكم أو فيما يستحق به الهلاك وهو الكفر والمساوى وسوى فى قريب وبعيد وقليل وكبير بين المذكر والمؤنث لورودها على زنة المصادرالتي هي الصهيل والنهيق ونحوهما

٩٠

{واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم} يغفر لأهل الجفاء من المؤمنين

{ودود} يحب أهل الوفاء من الصالحين

٩١

{قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول} أى لا نفهم صحة ما تقول وإلا فكيف لا يفهم كلامه وهو خطيب الأنبياء

{وإنا لنراك فينا ضعيفا} لا قوة لك ولا عز فيما بيننا فلا تقدر على الامتناع منا أن أردنا بك مكروها

{ولولا رهطك لرجمناك} ولولا عشرتيك لقتلناك بالرجم وهو شر قتله وكان رهطه من أهل ملتهم فلذلك اظهروا الميل اليهم و الاكرام لهم

{وما أنت علينا بعزيز} أى لا تعز علينا ولا تكرم حتى نكرمك من القتل ونرفعك عن الرجم و إنما يعز علينا رهطك لأنهم من اهل ديننا وقد دل إيلاء ضميره حرف النفى على أن الكلام واقع فى الفاعل لا فى الفعل كأنه قيل وما أنت علينا بعزيز بل رهطك هم الاعزة علينا ولذلك

٩٢

{قال} فى جوابهم

{يا قوم أرهطي أعز عليكم من اللّه} ولو قيل وما عززت علينا لم يصح هذا الجواب و إنما قال أرهطى اعز عليكم من اللّه الكلام واقع فيه وفى رهطه وانهم الأعزة عليهم دونه لأن تهاونهم به وهو نبى اللّه تهاون باللّه وحين عز عليهم رهطه دونه كان رهطه اعز عليهم من اللّه ألا ترى إلى قوله تعالى

{من يطع الرسول فقد أطاع اللّه}

{واتخذتموه وراءكم ظهريا} ونسيتموه وجعلتموه كالشيء المنبوذ وراء الظهر لا يعبأ به والظهرى منسوب إلى الظهر والكسر من تغييرات النسب كقولهم فى النسبة إلى الامس أمسى

{إن ربي بما تعملون محيط} قد أحاط بأعمالكم علما فلا يخفى عليه شيء منها

٩٣

{ويا قوم اعملوا على مكانتكم} هى بمعنى المكان يقال مكان ومكانة ومقام ومقامة أو مصدر من مكن فهو مكين إذا تمكن من الشيء يعنى اعملوا قارين على جهتكم التى أنتم عليها من الشرك والشنآن لى أو اعملوا متمكنين من عداوتى مطبقين لها

{إني عامل} على حسب ما يؤتينى اللّه من النصرة والتأييد ويمكننى

{سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب} من استفهامية معلقة لفعل العلم عن عمله فيها كأنه قيل سوف تعلمون اينا نأتيه عذاب يخزيه أى يفضحه وأينا هو كاذب أو موصولة قد عمل فيها كأنه قيل سوف تعلمون الشقى الذى يأتيه عذاب يخزيه والذى هو كاذب فى زعمكم ودعوا كم وإدخال الفاء فى سوف وصل ظاهر بحرف وضع للوصل ونزعها وصل تقديرى بالاستئناف الذى هو جواب لسؤال مقدر كأنهم قالوا فماذا يكون إذا عملنا نحن على مكانتنا وعملت أنت فقال سوف تعلمون والاتيان بالوجهين للتفنن فى البلاغة وابلغهما الاستئناف

{وارتقبوا} وانتظروا العاقبة وما اقول لكم

{إني معكم رقيب} منتظر والرقيب بمعنى الراقب من رقبة كالضريب بمعنى الضارب أو بمعنى المراقب كالعشير بمعنى المعاشر أو بمعنى المرتقب كالرفيع بمعنى المرتفع

٩٤

{ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة} صاح بهم جبريل فهلكوا و إنما ذكر فى آخر قصة عاد ومدين ولما جاء وفى آخر قصة ثمود ولوط فلما جاء لانهما وقعا بعد ذكر الموعد وذلك قوله إن موعدهم الصبح * ذلك وعد غير مكذوب

فجئ بالفاء الذى هو للتسبيب كقولك وعدته فلما جاء الميعاد كان كبت و اما الآخريان فقد وقعتا مبتدأتين فكان حقهما أن تعطفا بحرف الجمع على ما قبلها ما قبلها كما تعطف قصة على قصة

{فأصبحوا في ديارهم جاثمين} الجاثم اللازم لمكانه لا يريم يعنى أن جبريل صاح بهم صيحة فزهق روح كل واحد منهم بحيث هو بغتة

٩٥

{كأن لم يغنوا فيها} كأن لم يقيموا فى ديارهم أحياء متصرفين مترددين

{ألا بعدا لمدين} البعد بمعنى البعد وهو الهلاك كالرشد بمعنى الرشد ألا ترى إلى قوله

{كما بعدت ثمود} وقرئ كما بعدت والمعنى فى البناءين واحد وهو نقيض القرب إلا أنهم فرقوا بين البعد من جهة الهلاك وبين غيره فغيروا البناء كما فرقوا بين ضمانى الخير والشر فقالوا وعد واوعد

٩٦

{ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين} المراد به العصا لأنها أبهرها

٩٧

{إلى فرعون وملئه فاتبعوا} أى الملأ

{أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد} هو تجهيل لمتبعيه حيث تابعوه إلى أمره وهو ضلال مبين وذلك أنه ادعى الألوهية وهو بشر مثلهم وجاهز بالظلم والشر الذي لا يأتي إلا من شيطان ومثله بمعزل عن الألوهية وفيه أنهم عاينوا الآيات والسلطان المبين وعلموا أن مع موسى الرشد والحق ثم عدلوا عن اتباعه إلى اتباع من ليس فى أمره رشد قط أو المراد وما أمره بصالح حميد العاقبة ويكون قوله

٩٨

{يقدم قومه يوم القيامة} أى يتقدمهم وهم على عقبه تفسيرا له وإيضاحا اى كيف يرشد أمر من هذه عاقبته والرشد يستعمل فى كل ما يحمد ويرتضى كما استعمل الغى فى كل ما يذم ويقال قدمه بمعنى تقدمه

{فأوردهم النار} ادخلهم وجئ بلفظ الماضى لأن الماضى يدل على أمر موجود مقطوع به فكأنه قيل يقدمهم فيوردهم النار لا محالة يعنىكما كان قدوة لهم فى الضلال كذلك يتقدمهم إلى النار وهم يتبعونه

{وبئس الورد} المورد و

{المورود} الذى ورده شبه بالفارط الذى يتقدم الواردة إلى الماء وشبه اتباعه بالواردة ثم قال وبئس الورد المورود الذى يردونه النار لأن الورد إنما يراد لتسكين العطش والنار ضده

٩٩

{وأتبعوا في هذه} أى الدنيا

{لعنة ويوم القيامة} أى يلعنون فى الدنيا ويلعنون فى الآخرة

{بئس الرفد المرفود} رفدهم أى بئس العون المعان أو بئس العطاء المعطى

١٠٠

{ذلك} مبتدأ

{من أنباء القرى} خبر

{نقصه عليك} خبر عبد خبر أى ذلك النبأ بعض أنباء القرى المهلكة مقصوص عليك

{منها} من القرى

{قائم وحصيد} أى بعضها باق وبعضها عافى الأثر كالزرع القائم على ساقه والذى حصد والجملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب

١٠١

{وما ظلمناهم} بإهلاكنا إياهم

{ولكن ظلموا أنفسهم} بارتكاب ما به أهلكوا

{فما أغنت عنهم آلهتهم} فما قدرت أن ترد عنهم بأس اللّه

{التي يدعون} يعبدون وهى حكاية حال ماضية

{من دون اللّه من شيء لما جاء أمر ربك} عذابه ولما منصوب بما أغنت

{وما زادوهم غير تتبيب} تخسير يقال تب إذا خسر وتبيه غيره اوقعه فى الخسران يعنى وما أفادتهم عبادة غير اللّه شيئا بل أهلكتهم

١٠٢

{وكذلك} محل الكاف الرفع أى ومثل ذلك الأخذ

{أخذ ربك إذا أخذ القرى} أى اهلها

{وهي ظالمة} حال من القرى

{إن أخذه أليم شديد} مؤلم شديد صعب على المأخوذ وهذا تحذير لكل قرية ظالمة من كفار مكة وغيرها فعلى كل ظالم أن يبادر التوبة ولا يغتر بالإمهال

١٠٣

{إن في ذلك} فيما قص اللّه من قصص الأمم الهالكة

{لآية} لعبرة

{لمن خاف عذاب الآخرة} أى اعتقد صحته ووجوده

{ذلك} إشارة إلى يوم القيامة لأن عذاب الآخرة دل عليه

{يوم مجموع له الناس} هو مرفوع بمجموع كما يرفع فعله إذا قلت يجمع له الناس و إنما آثر اسم المفعول على فعله لما فى اسم المفعول من دلالته على ثبات معنى الجمع لليوم وانه أثبت أيضا لاسناد الجمع إلى الناس وانهم لا ينفكون منه يجمعون للحساب والثواب والعقاب

{وذلك يوم مشهود} أى مشهود فيه فاتسع في الظرف بإجرائه مجرى المفعول به أى يشهد فيه الخلائق الموقف لا يغيب عنه أحد

١٠٤

{وما نؤخره} أى اليوم المذكور الأجل يطلق على مدة التأجيل كلها وعلى منتهاها والعد و إنما هو للمدة لا لغايتها ومنتهاها فمعنى قوله وما نؤخره

{إلا لأجل معدود} إلا لانتهاء مدة معدودة بحذف المضاف أو ما نؤخر هذا اليوم إلا لتنتهى المدة التى ضربناها لبقاء الدنيا

١٠٥

{يوم يأت} والياء مكى وافقه أبو عمرو ونافع وعلى فى الوصل وإثبات الياء هو الأصل إذ لا علة توجب حذفها وحذف الياء والاجتزاء عنها بالكسرة كثير فى لغة هذيل ونظيره ما كنا نبغ وفاعل يأت ضمير يرجع الى قوله يوم مجموع له الناس لا اليوم المضاف إلى يأت ويوم منصوب باذكر أو بقوله

{لا تكلم} أى لا تتكلم

{نفس إلا بإذنه} أى لا يشفع أحد إلا بإذن اللّه من ذا الذى يشفع عنده إلا بإذنه

{فمنهم} الضمير لأهل الموقف لدلالة لا تكلم نفس عليه وقد مر ذكر الناس فى قوله مجموع له الناس

{شقي} معذب

{وسعيد} أى ومنهم سعيد أي منعم

١٠٦

{فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير} هو أول نهيق الحمار

{وشهيق} هو آخره أو هما إخراج النفس ورده والجملة فى موضع الحال والعامل فيها الاستقرار الذى فى النار

١٠٧

{خالدين فيها} حال مقدرة

{ما دامت السماوات والأرض} فى موضع النصب أى مدة دوام السموات والأرض والمراد سموات الآخرة وأرضها وهى دائمة مخلوقة للابد والدليل على أن لها سموات وارضا قوله يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وقيل مادام فوق وتحت و لأنه لا بد لأهل الآخرة مما يقلهم ويظلهم إما سماء أو عرش وكل ما أظلك فهو سماء أو هو عبارة عن التأبيد ونفى الانقطاع كقول العرب مالاح كوكب وغير ذلك من كلمات التأبيد

{إلا ما شاء ربك} هو استثناء من الخلود فى عذاب النار وذلك لأن أهل النار لا يخلدون فى عذاب النار وحده بل يعذبون بالزمهرير وأنواع من العذاب سوى عذاب النار أو ماشاء بمعنى من شاء وهم قوم يخرجون من النار ويدخلون الجنة فيقال لهم الجهنميون وهو المستثنون من أهل الجنة أيضا لمفارقتهم اياها بكونهم فى النار أياما فهؤلاء لم يشقوا شقاوة من يدخل النار على التأبيد ولا سعدوا سعادة من لا تمسه النار وهو مروى عن ابن عباس والضحاك وقتادة رضى اللّه عنهم

{إن ربك فعال لما يريد} بالشقى والسعيد

١٠٨

{وأما الذين سعدوا} سعدوا حمزة وعلى وحفص سعد لازم وسعده يسعده متعد

{ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك} هو استثناء من الخلود فى نعيم الجنة وذلك أن لهم سوى الجنة ما هو اكبر منها وهو رؤية اللّه تعالى ورضوانه أو معناهاإلا من شاء أن يعذبه بقدر ذنبه قبل أن يدخله الجنة وعن أبى هريرة رضى اللّه عنه عن النبى صلى اللّه عليه وسلم أنه قال الاستثناء فى الآيتين لأهل الجنة ومعناه ما ذكرنا أنه لا يكون للمسلم العاصى الذى دخل النار خلود فى النار حيث يخرج منها ولا يكون له ايضا خلود فى الجنة لأنه لم يدخل الجنة ابتداء والمعتزلة لما لم يروا خروج العصاة من النار ردوا الأحاديث المروية فى هذا الباب وكفى به اثما مبينا

{عطاء غير مجذوذ} غير مقطوع ولكنه ممتد إلى غير نهاية كقوله لهم أجر غير ممنون وهو نصب فى المصدر أى اعطوا عطاء قيل كفرت الجهمية بأربع آيات عطاء غير مجذوذ أكلها دائم وما عند اللّه باق لا مقطوعة ولا ممنوعة لما قص اللّه قصص عبدة الأوثان وذكر ما احل بهم من نقمه وما اعد لهم من عذابه قال

١٠٩

{فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء} أى فلا تشك بعد ما أنزل عليك من هذه القصص فى سوء عاقبة عبادتهم لما اصاب أمثالهم قبلهم تسلية لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعدة بالانتقام منهم ووعيدا لهم ثم قال

{ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل} يريد أن حالهم فى الشرك مثل حال آبائهم وقد بلغك ما نزل بآبائهم قسينزلن بهم مثله وهو استئناف معناه تعليل النهى عن المرية وما فى مما وكما مصدرية أو موصولة أى من عبادتهم وكعبادتهم أو مما يعبدون من الاوثان ومثل ما يعبدون منها

{وإنا لموفوهم نصيبهم} حظهم من العذاب كما وفينا آباءهم أنصباءهم

{غير منقوص} حال من نصيبهم أى كاملا

١١٠

{ولقد آتينا موسى الكتاب} التوراة

{فاختلف فيه} آمن به قوم وكفر به قوم كما اختلف فى القرآن وهو تسلية لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

{ولولا كلمة سبقت من ربك} أنه لا يعاجلهم بالعذاب

{لقضي بينهم} بين قوم موسى أو قومك بالعذاب المستأصل

{وإنهم لفي شك منه} من القرآن أو من العذاب

{مريب} من أراب الرجل إذا كان ذا ريبة على الإسناد المجازى

١١١

{وإن كلا} التنوين عوض عن المضاف إليه يعنى و إن كلهم أى و إن جميع المختلفين فيه و إن مشددة

{لما} مخفف بصرى وعلى ما مزيدة جىء بها ليفصل بها بين لام إن ولام

{ليوفينهم} وهو جواب قسم محذوف واللام فى لما موطئة للقسم والمعنى و إن جميعهم واللّه ليوفينهم

{ربك أعمالهم} أى جزاء اعمالهم من ايمان وجحود وحسن وقبيح بعكس الاولى أبو بكر مخففان مكى ونافع على إعمال المخففة عمل الثقيلة اعتبارا لاصلها الذى هو التثقيل ولإن إن تشبه الفعل والفعل يعمل قبل الحذف وبعده نحو لم يكن ولم يك فكذا المشبه به مشددتان غيرهم وهو مشكل واحسن ما قيل فيه أنه من لممت الشيء جمعته لما ثم وقف فصار لما ثم أجرى الوصل مجرى الوقف وجاز أن يكون مثل الدعوى والثروى وما فيه ألف التأنيث من المصادر وقرأ الزهرى و إن كلا لما بالتنوين كقوله اكلا لما وهو يؤيد ما ذكرنا والمعنى وان كلا ملمومين أى مجموعين كأنه قيل وان كلا جميعا كقوله فسجد الملائكة كلهم اجمعون وقال صاحب الإيجاز لما فيه معنى الظرف وقد دخل فى الكلام اختصار كأنه قيل و إن كلا لما بعثوا ليوفينهم ربك اعمالهم وقال الكسائي ليس لى بتشديد لما علم

{إنه بما يعملون خبير}

١١٢

{فاستقم كما أمرت} فاستقم استقامة مثل الاستقامة التى أمرت بها غير عادل عنها

{ومن تاب معك} معطوف على المستتر فى استقم وجاز للفاصل يعنى فاستقم أنت وليسقتم من تاب عن الكفر ورجع إلى اللّه مخلصا

{ولا تطغوا} ولا تخرجوا عن حدود اللّه

{إنه بما تعملون بصير} فهو مجازيكم فاتقوه قيل ما نزلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم آية كان اشق عليه من هذه الآية ولهذا قال شيبتنى هود

١١٣

{ولا تركنوا إلى الذين ظلموا} ولا تميلوا قال الشيخ رحمه اللّه هذا خطاب لاتباع الكفرة أى لا تركنوا إلى القادة والكبراء فى ظلمهم وفيما يدعونكم إليه

{فتمسكم النار} وقيل الركون اليهم الرضا بكفرهم وقال قتادة ولا تلحقوا بالمشركين وعن الموفق أنه صلى خلص الإمام فلما قرأ هذه الآية غشى عليه فلما أفاق قيل له فقال هذا فيمن ركن إلى من ظلم فكيف بالظالم وعن الحسن جعل اللّه الذين بين لاءين ولا تطغوا ولا تركنوا وقال سفيان فى جهنم واد لا يسكنه إلا القراء الزائرون للملوك وعن الأوزاعى ما من شيء أبغض إلى اللّه من عالم يزور عاملا وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصى اللّه فى ارضه ولقد سئل سفيان عن ظالم أشرف على الهلاك فى برية هل يسقى شربة ماء فقال لا فقيل له يموت فقال دعه يموت

{وما لكم من دون اللّه من أولياء} حال من قوله فتمسكم النار وأنتم على هذه الحالة ومعناه ومالكم من دون اللّه من اولياء يقدرون على منعكم من عذابه ولا يقدر على منعكم منه غيره

{ثم لا تنصرون} ثم لا ينصركم هو لأنه حكم بتعذيبكم ومعنى ثم الاستبعاد أى النصرة من اللّه مستبعدة

١١٤

{وأقم الصلاة طرفي النهار} غدوة وعشية

{وزلفا من الليل} وساعات من الليل جمع زلفة وهى ساعاته القريبة من آخر النهار من ازلفه إذا قربه وصلاة الغدوة الفجر وصلاة العشية الظهر والعصر لأن ما بعد الزوال عشى وصلاة الزلف المغرب والعشاء وانتصاب طرفى النهار على الظرف لانهما مضافان إلى الوقت كقولك أقمت عنده جميع النهار وأتيته نصف النهار وأوله وآخره تنصب هذا كله على إعطاء المضاف حكم المضاف إليه

{إن الحسنات يذهبن السيئات} أن الصلوات الخمس يذهبن الذنوب وفى الحديث أن الصلوات الخمس تكفر ما بينها من الذنوب أو الطاعات قال عليه السلام اتبع السيئة الحسنة تمحها أو سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلا اللّه و اللّه أكبر

{ذلك} إشارة إلى فاستقم فما بعده أو القرآن

{ذكرى للذاكرين} عظة للمتعظين نزلت فى عمرو بن غزية الأنصارى بائع التمر قال لامرأة فى البيت تمر أجود فدخلت فقبلها فندم فجاءه حاكيا باكيا فنزلت فقال عليه السلام هل شهدت معنا العصر قال نعم قال هى كفارة لك فقيل أله خاصة قال بل للناس عامة

١١٥

{واصبر} على امتثال ما أمرت به والانتهاء عما نهيت عنه فلا يتم شيء منه الابه

{فإن اللّه لا يضيع أجر المحسنين} جاء بما هو مشتمل على جميع الاوامر والنواهى من قوله

{فاستقم} إلى قوله

{واصبر} وغير ذلك من الحسنات

١١٦

{فلولا كان من القرون من قبلكم} فهلا كان هو موضوع للتحضيض ومخصوص بالفعل

{أولوا بقية} أولو فضل وخير وسمى الفضل والجودة بقية لأن الرجل يستبقى مما يخرجه اجوده وأفضله فصار مثلا فى الجودة والفضل ويقال فلان من بقية القوم أى من خيارهم ومنه قولهم فى الزوايا خبايا وفى الرجال بقايا

{ينهون عن الفساد في الأرض} عجب محمد صلى اللّه عليه وسلم وأمته إن لم يكن فى الأمم التى ذكر اللّه اهلاكهم فى هذه السورة جماعة من اولى العقل والدين ينهون غيرهم عن الكفر والمعاصى

{إلا قليلا ممن أنجينا منهم} استثناء منقطع أى ولكن قليلا ممن انجينا من القرون نهوا عن الفساد وسائرهم تاركون لللنهى ومن فى ممن انجينا للبيان لا للتبعيض لأن النجاة للناهين وحدهم بدليل قوله انجينا الذين ينهون عن السوء واخذنا الذين ظلموا

{واتبع الذين ظلموا} أى التاركون للنهى عن المنكر وهو عطف على ممضمر أى إلا قليلا ممن انجينا منهم نهوا عن الفساد واتبع الذين ظلموا شهواتهم فهوعطف على نهو

{ما أترفوا فيه} أى اتبعوا ما عرفوا فيه التنعم والترفه من حب الرياسة والثروة وطلب أسباب العيش الهنيء ورفضوا الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ونبذوه وراء ظهورهم

{وكانوا مجرمين} اعتراض وحكم عليهم بأنهم قوم مجرمون

١١٧

{وما كان ربك ليهلك القرى} اللام لتأكيد النفى

{بظلم} حال من الفاعل أى لا يصح أن يهلك اللّه القرى ظالما لها

{وأهلها} قوم

{مصلحون} تنزيها لذاته عن الظلم وقيل الظلم الشرك أى لا يهلك القرى بسبب شرك اهلها وهم مصلحون فى المعاملات فيما بينهم لا يضمون إلى شركهم فساد آخر

١١٨

{ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة} أى متفقين على الإيمان والطاعات عن اختيار ولكن لم يشأ ذلك وقالت المعتزلة هى مشيئة قسر وذلك رافع للابتلاء فلا يجوز

{ولا يزالون مختلفين} فى الكفر والإيمان أى ولكن شاء أن يكونوا مختلفين لما علم منهم اختيار ذلك

١١٩

{إلا من رحم ربك} إلا ناسا عصمهم اللّه عن الاختلاف فاتفقوا على دين الحق غير مختلفين فيه

{ولذلك خلقهم} أى واما هم عليه من الاختلاف فعندنا خلقهم للذى علم أنهم سيصيرون إليه من اختلاف أواتفاق ولم يخلقهم لغير الذى علم أنهم سيصيرن إليه كذا فى شرك التأويلات

{وتمت كلمة ربك} وهى قوله للملائكة

{لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين} لعلمه بكثرة من يختار الباطل

١٢٠

{وكلا} التنوين فهي عوض من المضاف إليه كأنه قيل وكل نبأ وهو منصوب بقوله

{نقص عليك} وقوله

{من أنباء الرسل} بيان لكل وقوله

{ما نثبت به فؤادك} بدل من كلا

{وجاءك في هذه الحق} أى فى هذه السورة أو فى هذه الأنباء المقتصة ما هو حق

{وموعظة وذكرى للمؤمنين} ومعنى تثبيت فؤاده زيادة يقينه لأن تكاثر الأدلة أثبت للقلب

١٢١

{وقل للذين لا يؤمنون} من أهل مكة وغيرهم

{اعملوا على مكانتكم} على حالكم وجهتكم التى أنتم عليها

{إنا عاملون} على مكانتنا

١٢٢

{وانتظروا} بنا الدوائر

{إنا منتظرون} أن ينزل بكم نحو ما اقتص اللّه تعالى من النقم النازلة بأشباهكم

١٢٣

{وللّه غيب السماوات والأرض} لا تخفى عليه خافية مما يجرى فيها فلا تخفى عليه أعمالكم

{وإليه يرجع الأمر كله} فلابد أن يرجع إليه امرهم وأمرك فينتقم لك منهم يرجع نافع وحفص

{فاعبده وتوكل عليه} فإنه كافيك وكافلك

{وما ربك بغافل عما يعملون} وبالتاء مدنى وشامى وحفص أى أنت وهم على تغليب المخاطب قيل خاتمة التوراة هذه الآية وفى الحديث: من احب أن يكون أقوى الناس فليتوكل على اللّه تعالى

﴿ ٠