تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م) _________________________________سورة يوسف سورة يوسف عليه السلام وهى مائة واحدى عشرة آية شامى واثنتا عشرة مكى بسم اللّه الرحمن الرحيم _________________________________ {الر تلك آيات الكتاب المبين} تلك اشاةر إلى آيات هذه الصورة والكتاب المبين السورة أى تلك الآيات التى انزلت اليك فى هذه السورة آيات السورة الظاهر امرها فى إعجاز العرب أو التى تبين لمن تدبرها أنها من عند اللّه لا من عند البشر أو الواضحة التى لا تشتبه على العرب معانيها لنزولها بلسانهم أو قد أبين فيها ما سألت عنه اليهود من قصة يوسف عليه السلام فقد روى أن علماء اليهود قالوا للمشريكن سلوا محمد لم انتقل آل يعقوب من الشام إلى مصر وعن قصة يوسف عليه السلام ٢{إنا أنزلناه قرآنا عربيا} أى أنزلنا هذا الكتاب الذى فيه قصة يوسف عليه السلام فى حال كونه قرآنا عربيا وسمى بعض القرآن قرآنا لأنه اسم جنس يقع على كله وبعضه {لعلكم تعقلون} لكى تفهموا معانيه ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته ٣{نحن نقص عليك أحسن القصص} نبين لك أحسن البيان والقاص الذى يأتى بالقصة على حقيقتها عن الزجاج وقيل القصص يكون مصدرا بمعنى الاقتصاص تقول قص الحديث يقصه قصصا ويكون فعلا بمعنى مفعول كالنفض والحسب فعلى الأول معناه نحن نقص عليك أحسن الاقتصاص {بما أوحينا إليك هذا القرآن} أى بايحائنااليك هذه السوةر على أن يكون احسن منصوبا نصب المصدر لاضافته إليه والمخصوص محذوف لأن بما أوحينا اليك هذا القرآن مغن عنه والمراد بأحسن الاقتصاص أنه اقتص على أبدع طريقة وأعجب أسلوب فانك لا ترى اقتصاصه فى كتب الاولين مقاربا لاقتصاصه فى القرآن وان اريد بالقصص المقصوص فمعناه نحن نقص عليك أحسن ما يقص من الأحاديث وانما كان أحسن لما يتضمن من العبر والحكم والعجائب التى ليست فى غيره والظاهر أنه أحسن ما يقتص فى بابه كما يقال فلان أعلم الناس أى فى فنه واشتقاق القصص من قص اثره إذا تبعه لأن الذى يقص الحديث يتبع ما حفظ منه شيئا فشيئا {وإن كنت من قبله} الضمير يرجع إلى ما أوحينا {لمن الغافلين} عنه أن مخففة من الثقيلة واللام فارقة بينها وبين النافية يعنى و إن الشأن والحديث كنت من قبل إيحائنا اليك من الجاهلين به ٤{إذ قال} بدل اشتمال من أحسن القصص لأن الوقت مشتمل على القصص أو التقدير اذكر إذ قال {يوسف} اسم عبرانى لا عربى إذ لو كان عريبا نصرف لخلوه عن سبب آخر سوى التعريف {لأبيه} يعقوب {يا أبت} أبت شامى وهى تاء تأنيث عوضت عن ياء الاضافة لتناسبهما لأن كل واحدة منهما زائدة فى آخر الإسم ولهذه قلبت هاء فى الوقف وجاز الحاق تاء الاضافة لتناسبهما لأن كل واحدة منهما زائدة فى آخر الإسم ولهذه قلبت هاء فى الوقف وجاز الحاق تاء التأنيث بالمذكر كما فى رجل ربعة وكسرت التاء لتدل على الياء المحذوفة ومن فتح التاء فقد حذف الألف من يا أبتا واستبقى الفتحة قبلها كما فعل من حذف الياء فى يا غلام {إني رأيت} من الرؤيا لا من الرؤية {أحد عشر كوكبا} أسماؤها ببيان النبى عليه السلام جريان والذيال والطارق وقابس وعمودان والفليق والمصبح والصروح والفرغ ووثاب وذوالكتفين {والشمس والقمر} هما أبواه أو أبوه وخالته والكواكب إخوته قيل الواو بمعنى مع أى رأيت الكواكب مع الشمس والقمر وأجريت مجرى العقلاء فى {رأيتهم لي ساجدين} لأنه وصفها بما هو المختص بالعقلاء وهو السجود وكررت الرؤيا لأن الاولى تتعلق بالذات والثانية بالحال أو الثانة كلام مستأنف على تقدير سؤال وقع جوابا له كأن أباه قال له كيف رأيتها فقال رأيتهم لى ساجدين أى متواضعين وهو حال وكان ابن اثنتىعشر سنة يومئذ وكان بين رؤيا يوسف ومصير اخوته إليه أربعون سنة أو ثمانون ٥{قال يا بني} بالفتح حيث كان حفص {لا تقصص رؤياك} هى بمعنى الرؤية إلا أنها مختصة بما كان منها فى المنام دون اليقظة وفرق بينهما بحرفى التأنيث كما فى القربة والقربى {على إخوتك فيكيدوا لك} جواب النهى أى أن قصصتها عليهم كادوك عرف يعقوب عليه السلام أن اللّه يصطفيه للنبوة وينعم عليه بشرف الدارين فخاف عليه حسد الاخوة وانما لم يقل فيكيدوك كما قال فيكيدونى لأنه ضمن معنى فعل يتعدى باللام ليفيد معنى فعل الكيد مع الفعل المضمن فيكون آكدوا أبلغ فى التخويف وذلك نحو فيحتالوا لك ألا ترى إلى تأكيده بالمصدر وهو {كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين} ظاهر العداوة فيحملهم على الحسد والكيد ٦{وكذلك} ومثل ذلك الاجتباء الذى دلت عليه رؤياك {يجتبيك ربك} يصطفيك والاجتباء افتعال من جبيت الشيء إذا حصلته لنفسك وجبيت الماء فى الحوض جمعته {ويعلمك} كلام مبتدأ غير داخل فى حكم التشبيه كأنه قيل وهو يعلمك {من تأويل الأحاديث} أى تأويل الرؤيا وتأويلها عبارتها وتفسيرها وكان يوسف أعبر الناس للرؤيا أو تاويل أحاديث الأنبياء وكتب اللّه وهو اسم جمع للحديث وليس بجمع احدوثة {ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب} بأن وصل لهم نعمة الدنيا بنعمة الآخرة أى جعلهم أنبياء فى الدنيا وملوكا ونقلهم عنها إلى الدرجات العلى فى الجنة و آل يعقوب اهله وهم نسله وغيرهم واصل آل أهل بدليل تصغيره على أهيل إلا أنه لا يستعمل الا فيمن له خطر يقال آل النبى و آل الملك ولا يقال آل الحجام ولكن اهله وانما علم يعقوب أن يوسف يكون نبيا واخوته انبياء استدلالا بضوء الكواكب فلذا قال وعلى آل يعقوب {كما أتمها على أبويك من قبل} أراد الجد و أبا الجد {إبراهيم وإسحاق} عطف بيان لأبويك {إن ربك عليم} يعلم من يحق له الاجتباء {حكيم} يضع الأشياء مواضعها ٧{لقد كان في يوسف وإخوته} أى فى قصتهم وحديثهم {آيات} علامات ودلالات على قدرة اللّه وحكمته فى كل شيء آية مكى {للسائلين} لمن سأل عن قصتهم وعرفها و آيات على نبوة محمد صلى اللّه عليه وسلم للذين سألوه من اليهود عنها فأخبرهم من غير سماع من أحد ولا قراءة كتاب وأسماهم يهوذا وروبين وشمعون ولاوى وزبولون ويشجر وامهم ليا بنت ليان ودان ونفتالى وجادو آشر من سريتين زلفة وبلهة فلما توفيت ليا تزوج أختها راحيل فولدت له بنيامين ويوسف ٨{إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا} اللام لام الابتداء وفيها تأكيد وتحقيق لمضمون الجملة أرادوا أن زيادة محبته لهما أمر ثابت لا شبهة فيه و إنما قالوا واخوه وهم إخوته أيضا لأن امهما كانت واحدة وانما قيل أحب فى الاثنين لأن أفعل من لا يفرق فيه بين الواحد وما فوقه ولا بين المذكر والمؤنث ولا بد من الفرق مع لام التعريف و إذا أضيف ساع الامران والواو فى {ونحن عصبة} للحال أى أنه يفضلهما فى المحبة علينا وهما صغيران لا كفاية فيهما ونحن عشرة رجال كفاة نقوم بمرافقه فنحن أحق بزيادة المحبة منهما لفضلنا بالكثرة والمنفعة عليهما {إن أبانا لفي ضلال مبين} غلط فى تدبير أمر الدنيا ولو وصفوه بالضلالة فى الدين لكفروا والعصبة العشرة فصاعدا ٩{اقتلوا يوسف} من جملة ما حكى بعد قوله إذ قالوا كأنهم اطبقوا على ذلك إلا من قال لا تقتلوا يوسف وقيل الآمر بالقتل شمعون والبقاون كانوا راضين فجعلوا آمرين {أو اطرحوه أرضا} منكورة مجهولة بعيدة عن العمران وهو معنى تنكيرها واخلائها عن الوصف ولهذا الإبهام نصبت نصب الظروف المبهمة {يخل لكم وجه أبيكم} يقبل عليكم إقبالة واحدة لا يلتفت عنكم إلى غيركم والمراد سلامة محبته لهم ممن يشاركهم فيها فكان ذكر الوجه لتصوير معنى إقباله عليهم لأن الرجل إذا أقبل على الشئ أقبل بوجهه وجاز أن يراد بالوجه الذات كما قال ويبقى وجه ربك {وتكونوا} مجزوم عطفا على يخل لكم {من بعده} من بعد يوسف أى من بعد كفايته بالقتل أو التغريب أو من بعد قتله أو طرحه فيرجع الضمير الى مصدر اقتلوا أو اطرحوا {قوما صالحين} تائبين إلى اللّه مما جنيتم عليه أو يصلح حالكم عند أبيكم ١٠{قال قائل منهم} هو يهوذا وكان أحسنهم فيه رأيا {لا تقتلوا يوسف} فإن القتل عظيم {وألقوه في غيابة الجب يلتقطه} فى قعر البئر وما غاب منه عن عين الناظر غيابات وكذا ما بعده مدنى {يلتقطه بعض السيارة} بعض الأقوام الذى يسيرون فى الطريق {إن كنتم فاعلين} به شيئا ١١{قالوا يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون} أى لم تخافنا عليه ونحن نريد له الخير ونشفق عليه وأرادوا بذلك لما عزموا على كيد يوسف استنزاله عن رأيه وعادته فى حفظه منهم وفيه دليل على أنه أحس منهم بما اوجب أن لا يامنهم عليه ١٢{أرسله معنا غدا يرتع} نتسع فى أكل الفواكه وغيرها والرتعة السعة {ويلعب} نتفرج بما يباح كالصيد والرمى والركض الياء فيهما مدنى وكوفى وبالنون فيهما مكى وشامى و أبو عمرو وبكسر العين حجازى من ارتعى يرتعى افتعال من الرعى {وإنا له لحافظون} من أن يناله مكروه ١٣{قال إني ليحزنني أن تذهبوا به} أى يحزننى ذهابكم به واللام لام الابتداء {وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون} اعتذر اليهم بأن ذهابهم به مما يحزنه لأنه كان لا يصبر عنه ساعة و أنه يخاف عليه من عدوة الذئب إذا غفلوا عنه برعيهم ولعبهم ١٤{قالوا لئن أكله الذئب} اللام موطئة للقسم والقسم محذوف تقديره واللّه لئن أكله الذئب والواو فى {ونحن عصبة} أى فرقة مجتمعة مقتدرة على الدفع للحال {إنا إذا لخاسرون} جواب للقسم مجزىء عن جزاء الشرط إن لم نقدر على حفظ بعضنا فقد هلكت مواشينا إذا وخسرناها واجابوا عن عذره الثانى دون الأول لأن ذلك كان يغيظهم ١٥{فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب} أى عزموا على إلقائه فى البئر وهى بئر على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب عليه السلام وجواب لما محذوف تقديره فعلوا به ما فعلوا من الأذى فقد روى أنهم لما برزوا به إلى البرية أظهروا له العداوة وضربوه وكادوا يقتلونه فمنعهم يهوذا فلما أرادوا إلقائه فى الجب تعلق بثيابهم فنزعوها من يده فتعلق بحائط البئر فربطوا يديه ونزعوا قميصه ليلطخوه بالدم فيحتالوا به على أبيهم ودلوه فى البئر وكان فيها ماء فسقط فيه ثم اوى إلى صخر فقام عليها وهو يبكى وكان يهوذا يأتيه بالطعام ويروى أن إبراهيم عليه السلام حين ألقى فى النار جرد عن ثيابه فاتاه جبريل عليه السلام بقميص من حرير الجنة فألبسه اياه فدفعه ابراهيم إلى اسحاق واسحاق إلى يعقوب فجعله يعقوب فى تميمة علقها فى عنق يوسف فأخرجه جبريل والبسه اياه {وأوحينا إليه} قيل اوحى إليه فى الصغر كما اوحى إلى يحيى وعيسى عليهما السلام وقيل كان إذ ذاك مدركا {لتنبئنهم بأمرهم هذا} أى لتحدثن إخوتك بما فعلوا بك {وهم لا يشعرون} انك يوسف لعلو شأنك وكبرياء سلطانك وذلك أنه حين دخلوا عليه ممتارين فعرفهم وهم له منكرون دعا بالصواع فوضعه على يده ثم نقره فطن فقال إنه ليخبرنى هذا الجام أنه كان لكم اخ من أبيكم يقال له يوسف وأنكم ألقيتموه فى غيابة الجب وقلتم لأبيه أكله الذئب وبعتموه بثمن بخس أو يتعلق وهم لا يشعرون بأوحينا أى آنسناه بالوحى وازلنا عن قلبه الوحشة وهم لا يشعرون ذلك ١٦{وجاؤوا أباهم عشاء} للاستتار والتجسر على الاعتذار {يبكون} حال عن الأعمش لا تصدق باكية بعد إخوة يوسف فلما سمع صوتهم فزع وقال مالكم با بنىهل أصابكم فى غنمكم شيء قالوا لا قال فما بالكم وأين يوسف ١٧{قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق} أى نتسابق العدو أو فى الرمى والافتعال والتفاعل يشتركان كالارتماء والترامى وغير ذلك {وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا} بمصدق لنا {ولو كنا صادقين} ولو كنا عندك من أهل الصدق والثقة لشدة محبتك ليوسف فكيف و أنت سيء الظن بنا غير واثق بقولنا ١٨{وجاؤوا على قميصه بدم كذب} ذى كذب أو وصف بالمصدر مبالغة كأنه نفس الكذب ويعنه كما يقال للكذاب هو الكذب بعينه والزور بذاته روى أنهم ذبحوا سخلة ولطخواالقميص بدمها وزل عنهم أن يمزقوه وروى أن يعقوب عليه السلام لم سمع بخبر يوسف صاح بأعلى صوته وقال اين القميص وأخذه وألقاه على وجهه وبكى حتى خضب وجهه بدم القميص وقال تاللّه ما رأيت كاليوم ذئبا احلم من هذا اكل ابنى ولم يمزق عليه قميصه وقيل كان فى قميص يوسف ثلاث آيات كان دليلا ليعقوب على كذبهم وألقاه على وجهه فارتد بصيرا ودليلا على براءة يوسف حين قد من دبره ومحل على قميصه النصب على الظرف كأنه قيل وجاءوا فوق قميصه بدم {قال} يعقوب عليه السلام {بل سولت} زينت أوسهلت {لكم أنفسكم أمرا} عظيما ارتكبتموه {فصبر جميل} خبر أو مبتدأ لكونه موصوفا أى فأمرى صبر جميل أو فصبر جميل أجمل وهو مالا شكوى فيه إلى الخلق {واللّه المستعان} أى أستعينه {على} احتمال {ما تصفون} من هلاك يوسف والصبر على الرزء فيه إلى ١٩{وجاءت سيارة} رفقة تسير من قبل مدين إلى مصر وذلك بعد ثلاثة أيام من إلقاء يوسف فى الجب فأخطئوا الطريق فنزلوا قريبا منه وكان الجب فى قفرة بعيدة من العمران وكان ماؤه ملحا فعذب حين ألقى فيه يوسف {فأرسلوا واردهم} هو الذى يرد الماء ليستقى للقوم اسمه مالك بن ذعر الخزاعى {فأدلى دلوه} أرسل الدلو ليملأها فتشبت يوسف بالدلو فنزعوه {قال يا بشرى} كوفى نادى البشرى كأنه يقول تعالى فهذا أوانك غيرهم بشراى على إضافتها لنفسه أو هو اسم غلامه فناداه مضافا إلى نفسه {هذا غلام} قيل ذهب به فلما دنا من أصحابه صاح بذلك يبشرهم به {وأسروه} الضمير للوارد وأصحابه اخفوه من الرفقة أو لإخوة يوسف فإنهم قالوا للرفقة هذا غلام لنا قد أبق فاشتروه منا وسكت يوسف مخافة أن يقتلوه {بضاعة} حال أى اخفوه متاعا للتجارة والبضاعة ما بضع من المال للتجارة أى قطع {واللّه عليم بما يعملون} بما يعمل اخوة يوسف بأبيهم وأخيهم من سوء التصنيع ٢٠{وشروه} وباهوه {بثمن بخس} مبخوس ناقص عن القيمة نقصانا ظاهرا أو زيف {دراهم} بدل من ثمن {معدودة} قليلة تعد عدا ولا توزن لأنهم كانوايعدون ما دون الاربعين ويزنون الأربعين وما فوقها وكان عشرين درهما {وكانوا فيه من الزاهدين} ممن يرغب عما فى يده فيبيعه بالثمن الطفيف أو معنى وشروه واشتروه يعنى الرفقة من أخوته وكانوا فيه من الزاهدين أى غير راغبين لأنهم اعتقدوا أنه آبق ويروى أن اخوته اتبعوهم وقالوا استوثقوا منه لا يأبق ليس من صلة الزاهدين أى فغير راغبين لأن الصلة لا تتقدم على الموصول و إنما هو بيان كأنه قيل فى أى شيء زهدوا فقال زهدوا فيه ٢١{وقال الذي اشتراه من مصر} هو قطفير وهو العزيز الذى كان على خزائن مصر والملك يومئذ الريان بن الوليد وقد آمن بيوسف ومات فى حياته واشتراه العزيز بزينته ورقا وحريرا ومسكا وهو ابن سبع عشرة سنة وأقام فى منزله ثلاث عشرة سنة واستوزره ريان بن الوليد ابن ثلاثين سنةوآتاه اللّه الحكمة والعلم وهو ابن ثلاث وثلاثيتن سنة وتوفى وهو ابن مائة وعشرين سنة {لامرأته} راعيل أو زليخا واللام متعلقة بقال لاباشتراه {أكرمي مثواه} اجعلى منزلته ومقامه عندنا كريما أى حسنا مرضيا بدليل قوله {إنه ربي أحسن مثواي} وعن الضحاك بطيب معاشه ولين لباسه ووطىء فراشه {عسى أن ينفعنا} لعله إذا تدرب وراض الامور وفهم مجاريها نستظهر به على بعض ما نحن بسبيله {أو نتخذه ولدا} أو نبتناه ونقيمه مقام الولد وكان قطفير عقيما وقد تفرس فيه الرشد فقال ذلك {وكذلك} إشارة إلى ما تقدم من انجائه وعطف قلب العزيز عليه والكاف منصوب تقديره ومثل ذلك الانجاء والعطف {مكنا ليوسف} أى كما انجيناه وعطفنا عليه العزيز كذلك مكنا له {في الأرض} أى ارض مصر وجعلناه ملكا يتصرف فيها بأمره ونهيه {ولنعلمه من تأويل الأحاديث} كان ذلك الانجاء والتمكين {واللّه غالب على أمره} لا يمنع عما شاء أو على أمر يوسف بتبليغه ما أراد له دون ما أراد اخوته {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} ذلك ٢٢{ولما بلغ أشده} منتهى استعداد قوته وهو ثمان عشرة سنة أو إحدى وعشرون {آتيناه حكما وعلما} حكمة وهو العلم مع العمل واجتناب ما يجهل فيه أو تحكما بين الناس وفقها {وكذلك نجزي المحسنين} تنبيه على أنه كان محسنا فى عمله متقيا فى عنفوان أمره ٢٣{وراودته التي هو في بيتها عن نفسه} أى طلبت يوسف أن يواقعها والمراودة مفاعلة من راد يرود إذا جاء وذهب كان المعنى خادعته عن نفسه أى فعلت فعل المخادع لصاحبه عن الشيء الذى لا يريد أن يخرجه من يده يحتال أن يغلبه عليه ويأخذه منه وهى عبارة عن التمحل لمواقعته إياها {وغلقت الأبواب} وكانت سبعة {وقالت هيت لك} هو اسم لتعال وأقبل وهو مبنى على الفتح هيت مكى بناه على الضم هيت مدنى وشامى واللام للبيان كأنه قيل لك أقول هذا كما تقول هلم لك {قال معاذ اللّه} أعوذ باللّه معاذا {أنه} أى أن الشأن والحديث {ربي} سيدى ومالكى يريد قطفير {أحسن مثواي} حين قال لك اكرمى مثواى فما جزاؤه أن اخونه فى أهله {إنه لا يفلح الظالمون} الخائنون أو الزناة أو أراد بقوله إنه ربى اللّه تعالى لأنه مسبب الأسباب ٢٤{ولقد همت به} هم عزم {وهم بها} هم الطباع مع الامتناع قاله الحسن وقال الشيخ أبو منصور رحمه اللّه وهم بها هم خطرة ولا صنع للعبد فيمايخطر بالقلب ولا مؤاخذة عليه ولو كان همة كهمها لما مدحه اللّه تعالى بأنه من عباده المخلصين وقيل وهم بها وشارف أن يهم بها يقال هم بالأمر إذا قصده وعزم عليه وجواب {لولا أن رأى برهان ربه} محذوف أى لكان ماكان وقيل وهم بها جوابه ولا يصح لأن جواب لولا لا يتقدم عليها لأنه فى حكم القسم وله صدر الكلام والبرهان الحجة ويجوز أن يكون وهم بها داخلا فى حكم القسم فى قوله ولقد همت به ويجوز أن يكون خارجا ومن حق القارىء إذا قدر خروجه من حكم القسم وجعله كلاما برأسه أن يقف على به ويبتدىء بقوله وهم بها وفيه أيضا اشعار بالفرق بين الهمين وفسرهم يوسف بأنه حل تكة سراويله وقعد بين شعبها الأربع وهى مستلقية على فقاها وفسر البرهان بانه سمع صوتا اياك وإياها مرتين فسمع ثالثا اعرض عنها فلم ينجع فيه حتى مثل له يعقوب عاضا على انملته وهو باطل ويدل على بطلانه قوله هى راودتنى عن نفسى ولو كان ذلك منه أيضا لما برأ نفسه من ذلك وقوله كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء ولو كان كذلك لم يكن السوء مصروفا عنه وقوله ذلك ليعلم أَنى لم أخنه بالغيب ولو كان كذلك لخانه بالغيب وقوله ما علمنا عليه من سوء الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه و إنه لمن الصادقين و لأنه لو وجد منا ذلك لذكرت توبته واستغفاره كما كان لآدم ونوح وذى النون وداود عليهم السلام وقد سماه اللّه مخلصا فعلم بالقطع أنه ثبت فى ذلك المقام وجاهد نفسه مجاهدة اولى العزم ناظر فى دلائل التحريم حتى استحق من اللّه الثناء ومحل الكاف فى {كذلك} نصب أى مثل ذلك التثبيت ثبتناه أو رفع أى الامر مثل ذلك {لنصرف عنه السوء} خيانة السيد {والفحشاء} الزنا {إنه من عبادنا المخلصين} بفتح اللام حيث كان مدنى وكوفى أى الذين أخلصهم اللّه لطاعته وبكسرها غيرهم أى الذين أخلصوا دينهم للّه ومعنى من عبادنا بعض عبادنا أى هو مخلص من جملة المخلصين ٢٥{واستبقا الباب} وتسابقا إلى الباب هي للطلب وهو للّهرب على حذف الجار وايصال الفعل كقوله واختار موسى قومه أو عل تضمين استبقا معنى ابتدرا نفر منها يوسف فأسرع يريد الباب ليخرج وأسرعت وراءه لتمنعه الخروج ووحد الباب و إن كان جمعه فى قوله وغلقت الأبواب لأنه أراد الباب البرانى الذى هو المخرج من الدار ولما هرب يوسف جعل فراش القفل يتناثر ويسقط حتى خرج {وقدت قميصه من دبر} اجتذبته من خلفه فانقد أى انشق حين هرب منها إلى الباب وتبعته تمنعه {وألفيا سيدها لدى الباب} وصادفا بعلها قطفير مقبلا يريد أن يدخل فلما رأته احتالت لتبرئة ساحتها عند زوجها من الريبة ولتخويف يوسف طمعا فى أن يواطئها خيفة منها ومن مكرها حيث {قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم} ما نافية أى ليس جزاؤه إلا السجن أو عذاب أليم وهو الضرب بالسياط ولم تصرح بذلك يوسف و أنه أراد بها سوءا لانها قصدت العموم اي كل من أراد بأهلك سوءا فحقه أن يسجن أو يعذب لأن ذلك أبلغ فيما قصدت من تخويف يوسف ولما عرضته للسجن والعذاب ووجب عليه الدفع عن نفسه ٢٦{قال هي راودتني عن نفسي} ولولا ذلك لكتم عليها ولم يفضحها {وشهد شاهد من أهلها} هو ابن عم لها وانما القى اللّه الشهادة على لسان من هو من اهلها لتكون اوجب للحجة عليها واوثق لبرءاة يوسف وقيل كان ابن خال لها وكان صبيا فى المهد وسمى قوله شهادة لأنه أدى مؤدى الشهادة فى أن ثبت به قول يوسف وبطل قولها {إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين ٢٧وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين} والتقدير وشهد شاهد فقال أن كان قميصه وانما دل قد قميصه من قبل على أنها صادقة لأنه يسرع خلفها ليلحقها فيعثر فى مقادم قميصه فيشقه و لأنه يقبل عليها وهى تدفعه عن نفسها فيتخرق قميصه من قبل واما تنكير قبل ودبر فمعناه من جهة يقال لها قبل ومن جهة يقال لها دبر و إنما جمع بين إن التى للإستقبال وبين كان لأن المعنى أن يعلم أنه كان قميصه قد ٢٨{فلما رأى} قطفير {قميصه قد من دبر} وعلم براءة يوسف عليه السلام وصدقه وكذبها {قال إنه} أن قولك ما جزاء من أراد بأهلك سوءا أو إن هذا الامر وهو الاحتيال لنيل الرجال {من كيدكن} الخطاب لها ولأمتها {إن كيدكن عظيم} لأنهن ألطف كيدا وأعظم حيلة وبذلك يغلبن الرجال والقصريات منهن معهن ماليس مع غيرهن من البوائق وعن بعض العلماء إنى أخاف من النساء أكثر مما اخاف من الشيطان لأن اللّه تعالى قال أن كيد الشيطان كان ضعيفا وقال لهن أن كيدكن عظيم ٢٩{يوسف} حذف منه حرف النداء لأنه منادى قريب مفاطن للحديث وفيه تقريب له وتلطيف لمحله {أعرض عن هذا} الامر واكتمه ولا تحدث به ثم قال لراعيل {واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين} من جملة القوم المتعمدين للذنب يقال خطىء إذا أذنب متعمدا وانما قال بلفظ التذكير تغليبا للذكور على الإناث وكان العزيز رجلا حليما قليل الغيرة حيث اقتصر على هذا القول ٣٠{وقال نسوة} جماعة من النساء وكن خمسا امرأة الساقى وامرأة الخباز وامرأة صاحب الدواب وامرأة صاحب السجن وامرأة الحاجب والنسوة اسم مفرد لجمع المرأة وتأنيثها غير حقيقى ولذا لم يقل قالت وفيه لغتان كسر النون وضمها {في المدينة} فى مصر {امرأة العزيز} يردن قطفير والعزيز الملك بلسان العرب {تراود فتاها} غلامها يقال فتاى وفتاتى أى غلامىوجاريتى {عن نفسه} لتنال شهوتها منه {قد شغفها حبا} تمييز أى قد شغفها حبه يعنى حرق حبه شغاف قلبها حتى وصل إلى الفؤاد والشغاف حجاب القلب أو جلدة رقيقة يقال لها لسان القلب {إنا لنراها في ضلال مبين} فى خطأ وبعد عن طريق الصواب ٣١{فلما سمعت} راعيل {بمكرهن} باغتيابهن وقولهم امرأة العزيز عشقت عبدها الكنعانى ومقتها وسما الاغتياب مكرا لأنه فى خفية وحال غيبة كما يخفى الماكر مكره وقيل كانت استكتمتهن سرها فأفشينه عليها {أرسلت إليهن} دعتهن قيل دعت أربعين امراة منهم الخمس المذكورات {وأعتدت} وهيأت افتعلت من العتاد {لهن متكأ} ما يتكئن عليه من نمارق قصدت بتلك الهيئة وهى قعودهن متكأت والسكاكين فى أيديهن أن يدهشن عند رؤيته ويشغلن عن نفوسهن فتقع أيدهن على أيديهن فيقطعنها لأن المتكىء إذا بهت لشيء وقعت يده على يده {وآتت كل واحدة منهن سكينا} وكانوا لا يأكلون فى ذلك الزمان إلا بالسكاكين كفعل الأعاجم {وقالت اخرج عليهن} بكسر التاء بصرى وعاصم وحمزة وبضمها غيرهم {فلما رأينه أكبرنه} أعظمنه وهبن ذلك الحسن الرائق والجمال الفائق وكان فضل يوسف على الناس فى الحسن كفضل القمر ليلة البدر على نجوم السماء وكان إذا سار فى أزقة مصر يرى تلألؤ وجهه على الجدران وكان يشبه آدم يوم خلقه ربه وقيل ورث الجمال من جدته سارة وقيل أكبرن بمعنى حضن والهاء للسكت إذ لا يقال النساء قد حضنه لأنه لا يتعدى إلى مفعول يقال أكبرت المراة إذا حاضت وحقيقته دخلت فى الكبر لأنها بالحيض تخرج من حد الصغر وكأن ابا الطيب اخذ من هذا التفسير قوله خف اللّه واستر ذا الجمال ببرقع فإن لحت حاضت فى الخدور العواتق {وقطعن أيديهن} وجرحنها كما تقول كنت أقطع اللحم فقطعت يدى تريد جرحتها أى أردن أن يقطعن الطعام الذى فى أيديهن فدهشن لما رأينه فخدشن أيديهن {وقلن حاش للّه} حاشا كلمة تفيد معنى التنزيه فى باب الاستثناء تقول أساء القوم حاشا زيد وهى حرف من حروف الجر فوضعت موضع التنزيه والبراءة فمعنى حشا اللّه براءة اللّه وتنزيه اللّه وقرأءة أبى عمرو وحاشا للّه نحو قولك سقيا لك كأنه قال برءا ثم قال للّه لبيان من يبرأ وينزه وغيره حاش للّه بحذف الألف الأخيرة والمعنى تنزيه اللّه من صفات العجز والتعجب من قدرته على خلق جميل مثله {ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم} نفين عنه البشرية لغرابة جماله واثتبن له الملكية وبتتن بها الحكم لما ركز فى الطباع أن لا أحسن من الملك كما ركز فيها أن لا أقبح من الشيطان ٣٢{قالت فذلكن الذي لمتنني فيه} تقول هو ذلك العبد الكنعانى الذى صورتن فى أنفسكهن ثم لمتننى فيه تعنى انكن لم تصورنه حق صورته والا لعذرتنى فى الافتنان به {ولقد راودته عن نفسه فاستعصم} والإستعصام بناء مبالغة يدل على الامتناع البليغ والتحفظ الشديد كأنه فى عصمة وهو يجتهد فى الاستزادة منها وهذا بيان جلي على أن يوسف عليه السلام بريء مما فسر به أولئك الفريق الهم والبرهان ثم قلن له أطع مولاتك فقالت راعيل {ولئن لم يفعل ما آمره} الضمير راجع إلى ما وهي موصولة والمعنى ما آمر به فحذف االجار كما في قوله أمرتك الخير أو ما مصدرية والضمير يرجع إلى يوسف أى ولئن لم يفعل أمرى إياه أى موجب احري ومقتضاه {ليسجنن} ليحبسن والألف فى {وليكون} بدل من نون التأكيد الخفيفة {من الصاغرين} مع السراق والسفاك والأباق كما سرق قلبى وأبق منى وسفك دمى بالفراق فلا يهنأ ليوسف الطعام والشراب والنوم هنالك كما منعنى هنا كل ذلك ومن لم يرض بمثلى فى الحرير على السرير امير احصل فى الحصير على الحصير حسيرا فلما سمع يوسف تهديدها ٣٣{قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه} اسند الدعوة عليهن لأنهن قلن له ما عليك لو أجبت مولاتك أو افتتنت كل واحدة فدعته إلى نفسها سرا فالتجأ إلى ربه قال رب السجن احب إلى من ركوب المعصية {وإلا تصرف عني كيدهن} فزع منه إلى اللّه فى طلب العصمة {أصب إليهن} امل اليهن والصبوة الميل إلى الهوى ومنه الصبا لأن النفوس تصبوا اليها الطيب نسيمها وروحها {وأكن من الجاهلين} من الذين لا يعملون بما يعلمون لأن من لا جدوى لعلمه فهو ومن لم يعلم سواء أو من السفهاء فلما كان فى قوله وإلا تصرف عنى كيدهن معنى طلب الصرف والدعاء قال ٣٤{فاستجاب له ربه} أى أجاب اللّه دعاءه {فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع} لدعوات الملتجئين إليه {العليم} بحاله وحالهن ٣٥{ثم بدا لهم} فاعله مضمر لدلالة ما يفسره عليه وهو ليسجننه والمعنى بدا لهم بداء أى ظهر لهم رأى والضمير فى لهم للعزيز و أهله {من بعد ما رأوا الآيات} وهى الشواهد على برءاته كقد القميص وقطع الأيدى وشهادة الصبى وغير ذلك {ليسجننه} لإبداء عذر الحال وارخاء الستر على القيل والقال وما كان ذلك إلا بإستنزال المرأة لزوجها وكان مطواعا لها وحميلا ذلولا زمامه فى يدها وقد طمعت أن يذللّه السجن ويسخره لها أو خافت عليه العيون وظنت فيه الظنون فألجأها الخجل من الناس والوجل من الباس إلى أن رضيت بالحجاب مكان خوف الذهاب لتشتفى بخبره إذا منعت من نظره {حتى حين} إلى زمان كأنها اقترحت أن يسجن زمانا حتى تبصر ما يكون منه ٣٦{ودخل معه السجن فتيان} عبدان للملك خبازه وشرابيه بتهمة السم فادخلا السجن ساعة ادخل يوسف لأن مع يدل على معنى الصحبة تقول خرجت مع الأمير تريد مصاحبا له فيجب أن يكون دخولهما السجن مصاحبين له {قال أحدهما} أى شرابيه {إني أراني} أى فى المنام وهى حكاية حال ماضية {أعصر خمرا} أى عنبا تسمية للعنب بما يؤول إليه أو الخمر بلغته عمان اسم للعنب {وقال الآخر} أى خبازه {إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله} بتأويل ما رأيناه {إنا نراك من المحسنين} من الذين يحسنون عبارة الرؤيا أو من المحسنين إلى أهل السجن فإنك تداوى المريض وتعزى الحزين وتسوع على الفقير فأحسن الينا بتأويل ما رأيناه وقيل أنهما تحالماله يمتحناه فقال الشرابى إنى رأيت كأنى فى بستان فإذا بأصل حبلة عليها ثلاثة عناقيد من عنب فقطفتها وعصرتها فى كأس الملك وسقيته وقال الخباز إنى رأيت كأن فوق رأسى ثلاث سلال فيها انواع الأطعمة فإذا سباع الطير تنهش منها ٣٧{قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله} أى بييان ماهيته وكيفيته لأن ذلك يشبه تفسير المشكل {قبل أن يأتيكما} لما استعبراه ووصفاه بالإحسان افترض ذلك فوصل به وصف نفسه بما هو فوق علم العلماء وهو الإخبار بالغيب وانه ينبئهما بما يحمل اليهما من الطعام فى السجن قبل أن يأتيهما ويصفه لهما ويقول اليوم يأتيكما طعام من صفته كيت وكيت فيكون كذلك وجعل ذلك تخلصا إلى أن يذكر لهما التوحيد ويعرض عليهما الإيمان ويزينه لهما ويقبح إليهما الشرك وفيه أن العالم إذا جهلت منزلته فى العلم فوصف نفسه بما هو بصدده وغرضه أن يقتبس منه لم يكن من باب التزكية {ذلكما} إشارة لهما إلى التأويل أى ذلك التأويل والإخبار بالمغيبات {مما علمني ربي} وأوحى به إلى ولم أقله عن تكهن وتنجم {إني تركت ملة قوم لا يؤمنون باللّه وهم بالآخرة هم كافرون} يجوز أن يكون كلاما مبتدأ و أن يكون تعليلا لما قبله أى علمنى ذلك وأوحى به إلى لأنى رفضت ملة أولئك وهم أهل مصر ومن كان الفتيان على دينهم ٣٨{واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب} وهى الملة الحنيفية وتكريرهم للتوكيد وذكر الآباء ليريهما أنه من بيت النبوة بعد أن عرفهما أنه نبى يوحى إليه بما ذكر من إخباره بالغيوب ليقوى رغبتهما فى اتباع قوله والمراد به ترك الابتداء لا أنه كان فيه ثم تركه {ما كان لنا} ماصح لنا معشر الانبياء {أن نشرك باللّه من شيء} أى شيء كان صنما أو غيره ثم قال {ذلك} التوحيد {من فضل اللّه علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون} فضل اللّه فيشركون به ولا ينتهون ٣٩{يا صاحبي السجن} يا ساكنى السجن كقوله {أصحاب النار وأصحاب الجنة} {أأرباب متفرقون خير أم اللّه الواحد القهار} يريد التفرق فى العدد والتكاثر أى أأن تكون ارباب شتى يستعبدكما هذا ويستعبدكما هذا خير لكما أم يكون لكما رب واحد قهار لا يغالب ولا يشارك فى الربوبية وهذا مثل ضربه لعبادة اللّه وحده ولعبادة الأصنام ٤٠{ما تعبدون} خطاب لهما ولمن كان على دينهما من أهل مصر {من دونه} من دون اللّه {إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم} أى سميتم مالا يستحق الألوهية آلهة ثم طفقتم تعبدونها فكأنكم لا تعبدون إلا أسماء لا مسميات لها ومعنى سميتموها سميتم بها يقال سميته زيدا أو سميته بزيد {ما أنزل اللّه بها} بتسميتها {من سلطان} حجة {إن الحكم} فى أمر العبادة والدين {إلا للّه} ثم بين ما حكم به فقال {أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم} الثابت الذى دلت عليه البراهين {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} وهذا يدل على أن العقوبة تلزم العبد وان جهل إذا أمكن له العلم بطريقه ثم عبر الرؤيا فقال ٤١{يا صاحبي السجن أما أحدكما} يريد الشرابى {فيسقي ربه} سيده {خمرا} أى يعود إلى عمله {وأما الآخر} أى الخباز {فيصلب فتأكل الطير من رأسه} روى أنه قال للأول ما رأيت من الكرمة وحسنها هو الملك وحسن حالك عنده و اما القضبان الثلاثة فإنها ثلاثة أيام تمضى فى السجن ثم تخرج وتعود الى ما كنت عليه وقال للثانى ما رأيت من السلال ثلاثة أيام ثم تخرج فتقتل ولما سمع الخباز صلبه قال ما رأيت شيئا فقال يوسف {قضي الأمر الذي فيه تستفتيان} أى قطع وتم ما تستفتيان فيه من أمركما وشأنكما أى ما يجر إليه من العاقبة وهى هلاك أحدهما ونجاة الآخر ٤٢{وقال للذي ظن أنه ناج منهما} الظان هو يوسف عليه السلام أن كان تأويله بطريق الاجتهاد وان كان بطريق الوحى فالظان هو الشرابى أو يكون الظن بمعنى اليقين {اذكرني عند ربك} صفنى عند المك بصفتى وقص عليه قصتى لعله يرحمني ويخلصنى من هذه الورطة {فأنساه الشيطان} فأنسى الشرابى {ذكر ربه} أن يذكره لربه أو عند ربه أو فأنسى يوسف ذكر اللّه حين وكل امره إلى غيره وفي الحديث رحم اللّه اخى يوسف لو لم يقل اذكرنى عند ربك لما لبث فى السجن سبعا {فلبث في السجن بضع سنين} أى سبعا عند الجمهور والبضع ما بين الثلاث إلى التسع ٤٣{وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات} لما دنا فرج يوسف رأى الملك مصر الريان بن الوليد رؤيا عجيبة هالته رأى سبع بقرات سمان خرجن من نهر يابس وسبع بقرات عجاف فابتلعت العجاف السمان ورأى سبع سنبلات خضر قد انعقد حبها وسبعا آخر يابسات قد استحصدت وادركت فالتوت اليابسات على الخضر حتى غلبن عليها فاستعبرها فلم يجد فى قومه من يحسن عبارتها وقيل كان ابتداء بلاء يوسف فى الرؤيا ثم كان سبب نجاته أيضا الرؤيا سمان جمع سمين وسمينة والعجاف المهازيل والعجف الهزال الذى ليس بعده سمانه والسبب فى وقوع عجاف جمعا لعجفاء وافعل وفعلاء لا يجمعان على فعال حمله على نقيضه وهو سمان ومن دأبهم حمل النظير على النظير والنقيض على النقيض وفى الآية دلالة على أن سنبلات اليابسة كانت سبعا كالخضر لأن الكلام مبنى على انصبابه إلى هذا العدد فى البقرات السمان والعجاف والنسابل الخضر فوجب أن يتناول معنى الآخر السبع ويكون قوله وأخر يابسات بمعنى وسبعا أخر {يا أيها الملأ} كأنه أراد الأعيان من العلماء والحكماء {أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون} اللام فى للرؤيا للبيان كقوله وكانوا فيه من الزاهدين أو لأن المفعول به إذا تقدم على الفعل لم يكن فى قوته على العمل فيه مثله إذا تأخر عنه فعضد بها تقول عبرت الرؤيا وللرؤيا عبرت أو يكون للرؤيا خبر كان كقولك كان فلان لهذا الأمر إذا كان مستقلا به متمكنا منه وتعبرون خبر آخر أو حال وحقيقة عبرت الرؤيا ذكرت عاقبتها وأخر أمرها كما تقول عبرت النهر إذا قطعته حتى تبلغ آخر عرضه وهو عبره ونحوه اولت الرؤيا إذا ذكرت مآلها وهو مرجعها وعبرت الرؤيا بالتخفيف هو الذى اعتمده الإثبات ورأيتهم ينكرون عبرت بالتشديد والتعبير والمعبر ٤٤{قالوا أضغاث أحلام} أى هى أضغاث احلام أى تخاليطها وأباطيها وما يكون منها من حديث نفس أو وسوسة شيطان و أصل الأضغاث ما جمع من اخلاط النبات وحزم من انواع الحشيش الواحد ضغث فاستعيرت لذلك والإضافة بمعنى من أى أضغاث من أحلام وانما جمع وهو حلم واحد تزايدا فى وصف الحلم بالبطلان وجاز أن يكون قد قص عليهم مع هذه الرؤيا رؤيا غيرها {وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين} أرادوا بالأحلام المنامات الباطلة فقالوا ليس لها عندنا تأويل إنما التأويل للمنامات الصحيحة أو اعترفوا بقصور علمهم وأنهم ليسوا فى تأويل الأحلام بخابرين ٤٥{وقال الذي نجا} من القتل {منهما} من صاحبى السجن {وادكر} بالدال هو الفصح وأصله إذتكر فأبدلت الذال دالا والتاء دالا وأدغمت الاولى فى الثانية لتقارب الحرفين وعن الحسن واذكر ووجه أنه قلب التاء ذالا وأدغم أى تذكر يوسف وماشاهد منه {بعد أمة} بعد مدة طويلة وذلك أنه حين استفتى الملك فى رؤياه وأعضل على الملك تأويله تذكر الناجى يوسف وتأويله رؤياه ورؤيا صاحبه وطلبه إليه أن يذكره عند المك {أنا أنبئكم بتأويله} أنا أخبركم به عمن عنده علمه {فأرسلون} وبالياء يعقوب أى فابعثونى إليه لأسأله فارسلوه إلى يوسف فأتاه فقال ٤٦{يوسف أيها الصديق} أيها البليغ فى الصدق و إنما قال له ذلك لأنه ذاق وتعرف صدقه فى تأويل رؤياه ورؤيا صاحبه حيث جاءكما أول {أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس} إلى الملك وأتباعه {لعلهم يعلمون} فضلك ومكانك من العلم فيطلبوك ويخلصوك من محنتك ٤٧{قال تزرعون سبع سنين} هو خبر فى معنى الامر كقوله تؤمنون باللّه واليوم الآخر * وتجاهدون دليله قوله فذروه فى سنبله و إنما يخرج الامر فى صورة الخبر للمبالغة فى وجود المأمور به فيجعل كأنه موجود فهو يخبر عنه {دأبا} يسكون الهمزة وحفص يحركه وهما مصدرا دأب فى العمل وهو حال من المأمورين أى دائبين {فما حصدتم فذروه} فى سنبله كى لا يأكله السوس {إلا قليلا مما تأكلون} فى تلك السنين ٤٨{ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن} هو من إسناد المجاز جعل اكل اهلهن مسندا إليهن {ما قدمتم لهن} أى فى السنين المخصبة {إلا قليلا مما تحصنون} يحرزون وتخبئون ٤٩{ثم يأتي من بعد ذلك عام} أى من بعد اربع عشرة سنة عام {فيه يغاث الناس} من الغوث أى يجاب مستغيثهم أو من الغيث أى يمطرون يقال غثيت البلاد إذا مطرت {وفيه يعصرون} العنب الزيتون والسمسم فيتخذون الأشربة والادهان تعصرون حمزة فاول البقرات السمان والسنبلات الخضر بسنين مخاصيب والعجاف واليابسات بسنين مجدبة ثم بشرهم بعد الفراغ من تاويل الرؤيا بأن العام الثامن يجيء مباركا كثيرا لخير غزير ا لنعم وذلك من جهة الوحى ٥٠{وقال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول} ليخرجه من السجن {قال ارجع إلى ربك} أى الملك {فاسأله ما بال النسوة} أى حال النسوة {اللاتي قطعن أيديهن} إنما تثبت يوسف وتأنى فى إجابة الملك وقدم سؤال النسوة ليظهر برءاة ساحته عما رمى به وسجن فيه لئلا يتسلق به الحاسدون إلى تقبيح امره عنده ويجعلوه سلما إلى حط منزلته لدية ولئلا يقولوا ما خلد فى السجن سبع سنين إلا لامر عظيم وجرم كبير وفيه دليل على أن الاجتهاد فى نفى التهم واجب وجوب اتقاء الوقوف فى مواقفها وقال عليه السلام: لقد عجبت من يوسف وكرمه وصبره واللّه يغفر له حين سئل عن البقرات العجاف والسمان ولو كنت مكانه ما أخبرتهم حتى أشترط أن يخرجونى ولقد عجبت منه حين اتاه الرسول فقال ارجع إلى ربك ولو كنت مكانه ولبثت فى السجن ما لبث لأسرعت الإجابة وبادرت الباب ولما ابتغيت العذر إن كان لحليما ذا اناة ومن كرمه وحسن أدبه أنه لم يذكر سيدته مع ما صنعت به وتسببت فيه من السجن والعذاب واقتصر على ذكر المقطعات أيديهن {إن ربي بكيدهن عليم} أى إن كيدهن عظيم لا يعلمه إلا اللّه وهو مجازيهن عليه فرجع الرسول إلى الملك من عند يوسف برسالته فدعا الملك النسوة المقطعات أيديهن ودعا امرأة العزير ثم ٥١{قال} لهن {ما خطبكن} ما شأنكن {إذ راودتن يوسف عن نفسه} هل وجدتن منه ميلا اليكن {قلن حاش للّه} تعجبا من قدرته على خلق عفيف مثله {ما علمنا عليه من سوء} من ذنب {قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق} ظهر واستقر {أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين} فى قوله هى روادتنى عن نفسى ولا مزيد على شهادتهن له للبرءاة والنزاهة واعترافهن على انفسهن بانه لم يتعلق بشيء مما قذف به ثم رجع الرسول إلى يوسف واخبره بكلام النسوة وإقرار امرأة العزيز وشهادتها على نفسها فقال يوسف ٥٢{ذلك} أى امتناعى من الخروج والتثبت لظهور البرءاة {ليعلم} العزيز {أني لم أخنه بالغيب} بظهور الغيب فى حرمته وبالغيب حال من الفاعل أو المفعول على معنى و أنا غائب عنه أو وهو غائب عنى أو ليعلم الملك إنى لم أخن العزيز {وأن اللّه} أى وليعلم أن اللّه {لا يهدي كيد الخائنين} لا يسدده و كأنه تعريض بامراته في خيانتها امانة زوجها ثم اراد ان يتواضع للّه ويهضم نفسه لئلا يكون لها مزكيا وليبين ان ما فيه من الأمانة بتوفيق اللّه وعصمته فقال ٥٣{وما أبرئ نفسي} من الزلل وما أشهد لها بالبراءة الكلية ولا ازكيها فى عموم الأحوال أو فى هذه الحادثة لما ذكرنا من الهم الذى هو الخطرة البشرية لاعن طريق القصد والعزم {إن النفس لأمارة بالسوء} أراد الجنس أى ان هذا الجنس يأمر بالسوء ويحمل عليه لما فيه من الشهوات {إلا ما رحم ربي} إلا البعض الذى رحمه ربى بالعصمة ويجوز أن يكون ما رحم فى معنى الزمان أى إلا وقت رحمة ربى يعنى أنها أمارة بالسوء فى كل وقت إلا وقت العصمة أو هو استثناء منقطع أى ولكن رحمة ربى هى التى تصرف الاساءة وقيل هو من كلام امرأة العزيز أى ذلك الذى قلت ليعلم يوسف إنى لم أخنه ولم اكذب عليه فى حال الغيبة وجئت بالصدق فيما سئلت عنه وما أبرئ نفسى مع ذلك من الخيانة فإنى قد خنته حين قذفته وقلت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن وأودعته السجن تريد الاعتذار مما كان منها إن كل نفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربى إلا نفسا رحمها اللّه بالعصمة كنفس يوسف {إن ربي غفور رحيم} استغفرت ربها واسترحمته مما ارتكبت و إنما جعل من كلام يوسف ولا دليل عليه ظاهر لان المعنى يقود إليه وقيل هذا من تقديم القرآن وتأخيره أى قوله ذلك ليعلم متصل بقوله فأسأله مابال النسوة اللاتى قطعن أيديهن ٥٤{وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي} اجعله خالصا لنفسى {فلما كلمه} وشاهد منه مالم يحتسب {قال} الملك ليوسف {إنك اليوم لدينا مكين أمين} ذو مكانة ومنزلة أمين مؤتمن على كل شيء روى أن الرسول جاءه ومعه سبعون حاجبا وسبعون مركبا وبعث إليه لباس الملوك فقال أجب الملك فخرج من السجن ودعا لأهله اللّهم عطف عليهم قلوب الاخيار ولا تعم عليهم الاخبار فهم أعلم الناس بالاخبار فى الواقعات وكتب على باب السجن هذه منازل البلواء وقبور الأحياء وشماته الاعداء وتجربة الأصدقاء ثم اغتسل وتنظف من درن السجن ولبس ثيابا جدد فلما دخل على الملك قال اللّهم إنى أسألك بخيرك من خيره وأعوذ بعزتك وقدرتك من شره ثم سلم عليه ودعاله بالعبرانية فقال ماهذا اللسان قال لسان آبائى وكان الملك يتكلم بسبيعن لسانا فكلمه بها فأجابه بجميعها فتعجب منه وقال أيها الصديق إنى أحب أن أسمع رؤياى منك قال رأيت بقرات فوصف لونهن واحوالهن ومكان خروجهن ووصف السنابل وما كان منها على الهيئة التى رآها الملك وقال له من حقك أن تجمع الطعام فى الاهراء فيأتيك الخلق من النواحى ويمتارون منك ويجتمع لك من الكنوز ما لم يجتمع لاحد قبلك قال الملك ومن لى بهذا ومن يجمعه ٥٥{قال} يوسف {اجعلني على خزائن الأرض} ولى على خزائن أرضك يعنى مصر {إني حفيظ} أمين أحفظ ما تستحفظنيه {عليم} عالم بوجوة التصرف وصف نفسه بالامانة والكفاية وهما طلبة الملوك ممن يولونه و إنما قال ذلك ليتوصل إلى إمضاء إحكام اللّه وإقامة الحق وبسط العدل والتمكن مما لأجله بعث الأنبياء إلى العباد ولعلمه أن أحدا غيره لا يقوم مقامه فى ذلك فطلبه ابتغاء وجه اللّه لا لحب الملك والدنيا وفى الحديث رحم اللّه أخى يوسف لو لم يقل اجعلنى على خزائن الأرض لاستعمله من ساعته ولكنه آخر ذلك سنة قالوا وفيه دليل على أنه يجوز أن يتولى الإنسان عمالة من يد سلطان جائر وقد كان السلف يتولون القضاء من جهة الظلمة واذا علم النبي أو العالم أنه لا سبيل إلى الحكم بأمر اللّه ودفع الظلم إلا بتمكين الملك الكافر أو الفاسق فله أن يستظهر به وقيل كان الملك يصدر عن رأيه ولا يعترض عليه فى كل ما رأى وكان فى حكم التابع له ٥٦{وكذلك} ومثل ذلك التمكين الظاهر {مكنا ليوسف في الأرض} أرض مصر وكانت أربعين فرسخا فى أربعين والتمكين الاقدار وإعطاء المكنة {يتبوأ منها حيث يشاء} أى كل مكان أراد أن يتخذه منزلا لم يمنع منه لاستيلائه على جميعها ودخولها تحت سلطانه نشاء مكى {نصيب برحمتنا} بعطائنا فى الدنيا من الملك والغنى وغيرهما من النعم {من نشاء} من اقتضيت الحكمة أن نشاء له ذلك {ولا نضيع أجر المحسنين} فى الدينا ٥٧{ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا} يريد يوسف وغيره من المؤمنين إلى يوم القيامة {وكانوا يتقون} الشرك والفواحش قال سفيان بن عيينة المؤمن يثاب على حسناته فى الدنيا و الآخرة والفاجر يعجل له الخير فى الدنيا وماله فى الاخرة من خلاق وتلا الآية روى أن الملك توج يوسف وختمه بخاتمة ورداه بسيفه ووضع له سريرا من ذهب مكللا بالدر والياقوت فقال اما السرير فأشدبه ملكك واما الخاتم فأدبر به أمرك و اما التاج فليس من لبساى ولا لباس آبائى فجلس على السرير ودانت له الملوك وفوض الملك إليه أمره و عزل قطفير ثم مات بعد فزوجه الملك امرأته فلما دخل عليها قال أليس هذا خيرا مما طلبت فوجدها عذراء فولدت له ولدين افراثيم وميشا وأقام العدل بمصر واحبته الرجال والنساء وأسلم على يديه الملك وكثير من الناس وباع من أهل مصر فى سنين القحط الطعام بالدراهم والدنانير فى السنة الأولى حتى لم يبق معهم شيء منها ثم بالحلى والجواهر فى الثانية ثم بالدواب فى الثالثة ثم بالعبيد والاماء فى الرابعة ثم بالدور والعقار فى الخامسة ثم بأولادهم فى السادسة ثم برقابهم فى السابعة حتى استرقهم جميعا ثم اعتق أهل مصر عن آخرهم ورد عليهم أملاكهم وكان لا يبيع لاحد من الممتارين اكثر من حمل بعير وأصاب ارض كنعان نحو ما اصاب مصر فأرسل يعقوب بنيه ليمتاروا وذلك قوله ٥٨{وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم} بلا تعريف {وهم له منكرون} لتبدل الزي ولانه كان من وراء الحجاب ولطول المدة وهو اربعون سنة روى أنه لما رآهم وكلموه بالعبرانية قال لهم أخبرونى من أنتم وما شانكم قالوا نحن قوم من أهل الشام رعاة أصابنا الجهد فجئنا نمتار فقال لعلكم جئتم عيونا تنظرون عورة بلادى فقالوا معاذ اللّه نحن بنو نبى حزين لفقد ابن كان احبنا إليه وقد أمسك أخا له من أمه يستأنس به فقال ائتونى به أن صدقتم ٥٩{ولما جهزهم بجهازهم} اعطى كل واحد منهم حمل بعير وقرئ بكسر الجيم شاذا {قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم ألا ترون أني أوفي الكيل} اتمه {وأنا خير المنزلين} كان قد أحسن إنزالهم وضيافتهم رغبهم بهذا الكلام على الرجوع إليه ٦٠{فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي} فلا أبيعكم طعاما {ولا تقربون} أى فإن لم تأتونى به تحرموا ولا تقربوا فهو داخل فى حكم الجزاء مجزوم معطوف على محل قوله فلا كيل لكم أو هو بمعنى النهى ٦١{قالوا سنراود عنه أباه} سنخادعه عنه ونحتال حتى تنزعه من يده {وإنا لفاعلون} ذلك لا محالة لا نفرط فيه ولا نتوانى قال فدعوا بعضكم هنا فتركوا عنده شمعون وكان أحسنهم رأيا فى يوسف ٦٢{وقال لفتيانه} كوفى غير أبى بكر لفتيته غيرهم وهما جمع فتى كأخوة واخوان فى اخ وفعلة للقلة وفعلان للكثرة أى لغلمانه الكيالين {اجعلوا بضاعتهم في رحالهم} أوعيتهم وكانت نعالا أو أدما أو ورقا وهو أليق بالدس فى الرحال {لعلهم يعرفونها} يعرفون حق ردها وحق التكرم باعطاءالبدلين {إذا انقلبوا إلى أهلهم} وفرغوا ظروفهم {لعلهم يرجعون} لعل معرفتهم بذلك تدعوهم إلى الرجوع إلينا أو ربما لا يجدون بضاعة بها يرجعون أو ما فيهم من الديانة يعيدهم لرد الأمانة أو لم ير من الكرم أن يأخذ من أبيه واخوته ثمنا ٦٣{فلما رجعوا إلى أبيهم} بالطعام وأخبروه بما فعل {قالوا يا أبانا منع منا الكيل} يريدون قول يوسف فإن لم تأتون به فلا كيل لكم عندى لأنهم إذا أنذروا بمنع الكيل فقد منع الكيل {فأرسل معنا أخانا نكتل} نرفع المانع من الكيل ونكتل من الطعام ما نحتاج إليه يكتل حمزة وعلى أى يكتل أخونا فينضم اكتياله إلى اكتيالنا {وإنا له لحافظون} عن أن يناله مكروه ٦٤{قال هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل} يعنى انكم قلتم فى يوسف أرسله معنا غذا يرتع ويلعب و أنا له لحافظون كما تقولونه فى أخيه ثم خنتم بضمانكم فما يأمننى من مثل ذلك ثم قال {فاللّه خير حافظا} كوفى غير أبى بكر فتوكل على اللّه فيه ودفعه اليهم وهو حال أو تمييز ومن قرأ حفظا فهو تمييز لا غير {وهو أرحم الراحمين} فأرجو أن ينعم على بحفظه ولا يجمع على مصيبتين قال كعب لما قال فاللّه خير حفظا قال اللّه تعالى: وعزتى وجلالى لاردن عليك كليهما ٦٥{ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم قالوا يا أبانا ما نبغي} ما للنفى أى ما نبغى فى القول ولا نتجاوز الحق أو ما نبغي شيئا وراء ما فعل بنا من الاحسان أو ما نريد منك بضاعة اخرى أو للاستفهام أى أى شيء نطلب وراء هذا {هذه بضاعتنا ردت إلينا} جملة مستأنفة موضحة لقوله ما نبغى والجمل بعدها معطوفة عليها أى أن بضاعتنا ردت الينا فنستظهر بها {ونمير أهلنا} فى رجوعنا إلى الملك أى نجلب لهم ميرة وهى طعام يحمل من غير بلدك {ونحفظ أخانا} فى ذهابنا ومجيئنا فما يصيبه شيء مما تخافه {ونزداد كيل بعير} نزداد وسق بعير باستصحاب أخينا {ذلك كيل يسير} سهل عليه متيسر لا يتعاظمه ٦٦{قال لن أرسله معكم حتى تؤتون} وبالياء مكى {موثقا} عهدا {من اللّه} والمعنى حتى تعطونى ما اتوثق به من عند اللّه اي أراد أن يحلفوا له باللّه و إنما جعل الحلف باللّه موثقا منه لان الحلف به مما يؤكد به العهود وقد أذن اللّه فى ذلك فهو اذن منه {لتأتنني به} جواب اليمين لأن المعنى حتى تحلفوا لتأتننى به {إلا أن يحاط بكم} إلا أن تغلبوا فلم تطيقوا الاتيان به فهو مفعول له والكلام المثبت وهو قوله {لتأتنني به} فى تأويل النفى فلا بد من تأويله بالنفى أى لا تمتنعوا من الاتيان إلا للاحاطة بكم يعنى لاتمنعوا منه لعلة من العلل إلا لعلة واحدة وهى أن يحاط بكم فهو استثناء من أعم العام فى المفعول له والاستثناء من أعم العام لا يكون لا فى النفى فلا بد من تأويله بالنفى {فلما آتوه موثقهم} قيل حلفوا باللّه رب محمد عليه السلام {قال} بعضهم يسكت عليه لأن المعنى قال يعقوب {اللّه على ما نقول} من طلب الموثق واعطائه {وكيل} رقيب مطلع غير أن السكتة تفصل بين القول والمقول وذا لا يجوز فالأولى أن يفرق بينهما بالصوت فيقصد بقوة النغمة اسم اللّه ٦٧{وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة} الجمهور على أنه خاف عليهم العين لحمالهم وجلالة أمرهم ولم يأمرهم بالتفرق فى الكرة الاولى لأنهم كانوا مجهولين فى الكرة الاولى فالعين حق عندنا ووجه بان يحدث اللّه تعالى عند النظر إلى الشيء والاعجاب به نقصانا فيه وخللا وكان النبى صلى اللّه عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين رضى اللّه عنهما فيقول أعيذكما بكلمات اللّه التامة من كل هامة ومن كل عين لامة وأنكر الجبائى العين وهو مردود بما ذكرنا وقيل أنه أحب أن لا يفطن بهم أعداؤهم فيحتالوا لاهلاكهم {وما أغني عنكم من اللّه من شيء} أى أن كان اللّه أراد بكم سوءا لم ينفعكم ولم يدفع عنكم ما أشرت به عليكم من التفرق وهو مصيبكم لا محالة {إن الحكم إلا للّه عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون} التوكل تفويض الامر إلى اللّه تعالى والاعتماد عليه ٦٨{ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم} أى متفرقين {ما كان يغني عنهم} دخولهم من ابواب متفرقة {من اللّه من شيء} أى شيئا قط حيث أصابهم ماساءهم مع تفرقهم من إضافة السرقة اليهم وافتضاحهم بذلك وأخذ أخيهم بوجدان الصواع فى رحله وتضاعف المصيبة على أبيهم {إلا حاجة} استثناء منقطع أي ولكن حاجة {في نفس يعقوب قضاها} وهي شفقته عليهم {وإنه لذو علم} يعنى قوله ما اعنى عنكم وعلمه بأن القدر لا يغنى عنه الحذر {لما علمناه} لتعليمنا إياه {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} ذلك ٦٩{ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه} ضم إليه بنيامين وروى أنهم قالوا له هذا أخونا قد جئناك به فقال لهم أحسنتم فأنزلهم وأكرمهم ثم أضافهم وأجلس كل اثنين منهم على مائدة فبقى بنيامين وحده فبكى وقال لو كان أخي يوسف حيا لأجلسنى معه فقال يوسف بقي اخوكم وحيدا فأجلسه معه على مائدته وجعل يؤاكله وقال له أتحب أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك قال ومن يجد أخا مثلك ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل فبكى يوسف وعانقه ثم {قال} له {إني أنا أخوك} يوسف {فلا تبتئس} فلا تحزن {بما كانوا يعملون} بنا فيما مضى فان اللّه قد أحسن إلينا وجمعنا على خير ولا تعلمهم بما أعلمتك وروى أنه قال له فأنا لا أفارقك قال لقد علمت اغتمام والدى بي فان حبستك ازداد غمه ولا سبيل إلى ذلك إلا أن أنسبك إلى ما لا يحمد قال لا أبالى فافعل ما بدالك قال فأنى أدس صاعى في رحلك ثم أنادى عليك بأنك سرقته ليتهيأ لي ردك بعد تسريحك معهم فقال افعل ٧٠{فلما جهزهم بجهازهم} هيأ أسبابهم وأوفى الكيل لهم {جعل السقاية في رحل أخيه} السقاية هى مشربة يسقي بها وهي الصواع قيل كان يسقي بها الملك ثم جعلت صاعا يكال به لعزة الطعام وكان يشبه الطاس من فضة أو ذهب {ثم أذن مؤذن} ثم نادى مناد آذنه أي أعلمه وأذن أكثر الأعلام ومنه المؤذن لكثرة ذلك منه روى انهم ارتحلوا وأمهلهم يوسف عليه السلام حتى انطلقوا ثم أمر بهم فادركوا وحبسوا ثم قيل لهم {أيتها العير} هي الإبل التى عليها الاحمال لأنها تعير اي تذهب وتجىء والمراد اصحاب العير {إنكم لسارقون} كناية عن سرقتهم إياه من أبيه ٧١{قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون} ٧٢{قالوا نفقد صواع الملك} هو الصاع {ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم} يقوله المؤذن يريد وأنا بحمل البعير كفيل أؤديه إلى من جاء به وأراد وسق بعير من طعام جعلا لمن حصله ٧٣{قالوا تاللّه} قسم فيه معنى التعجب مما أضيف إليهم {لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض} استشهدوا بعلمهم لما ثبت عندهم من دلائل دينهم وأمانتهم حيث دخلوا وأفواه رواحلهم مشدودة لئلا تتناول زرعا أو طعاما لأحد من أهل السوق ولأنهم ردوا بضاعتهم التي وجدها في رحالهم {وما كنا سارقين} وما كنا نوصف قط بالسرقة ٧٤{قالوا فما جزاؤه} الضمير للصواع أي فما جزاء سرقته {إن كنتم كاذبين} في جحودكم وادعاؤكم البراءة منه ٧٥{قالوا جزاؤه من وجد في رحله} أي جزاء سرقته أخذ من وجد في رحله وكان حكم السارق في آل يعقوب ان يسترق سنة فلذلك استفتوا في جزائه وقولهم {فهو جزاؤه} تقرير للحكم أي فأخذ السارق نفسه هو جزاؤه لا غير أو جزاؤه مبتدأ والجملة الشرطية كما هي خبره {كذلك نجزي الظالمين} أي السراق بالاسترقاق ٧٦{فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه} فبدأ بتفتيش أوعيتهم قبل وعاء بنيامين لنفي التهمة حتى بلغ وعاءه فقال ما اظن هذا أخذ شيئا فقالوا واللّه لا نتركه حتى تنظر في رحله فأنه أطيب لنفسك وأنفسنا {ثم استخرجها} أي الصواع {من وعاء أخيه} ذكر ضمير الصواع مرات ثم أنثه لأن التأنيث يرجع الى السقاية أو لأن الصواع يذكر ويؤنث الكاف في {كذلك} في محل النصب أي مثل ذلك الكيد العظيم {كدنا ليوسف} يعنى علمناه إياه {ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك} تفسير للكيد وبيان له لأن الحكم في دين الملك أي في سيرته للسارق أن يغرم مثلى ما أخذ لا أن يستبعد {إلا أن يشاء اللّه} أي ما كان ليأخذه إلا بمشيئة اللّه وإرادته فيه {نرفع درجات} بالتنوين كوفي {من نشاء} أي في العلم كما رفعنا درجة يوسف فيه {وفوق كل ذي علم عليم} فوقه أرفع درجة منه في علمه أو فوق العلماء كلهم عليم هم دونه في العلم وهو اللّه عز وجل ٧٧{قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل} ارادوا يوسف قيل دخل كنيسة فأخذ تمثالا صغيرا من ذهب كانوا يعبدونه فدفنه وقيل كان في المنزل دجاجة فأعطاها السائل وقيل كانت منطقة لابراهيم عليه السلام يتوارثها أكابر ولده فورثها اسحق ثم وقعت الى ابنته وكانت أكبر أولاده فحضنت يوسف وهي عمته بعد وفاة امه وكانت لا تصبر عنه فلما شب أراد يعقوب ان ينزعه منها فعمدت إلى المنطقة فحزمتها على يوسف تحت ثيابه وقال فقدت منطقة إسحاق فانظروا من اخذها فوجدوها محزومة على يوسف فقالت إنه لي سلم افعل به ما شئت فخلاه يعقوب عندها حتى ماتت وروى أنهم لما استخرجوا الصاع من رحل بنيامين نكس اخوته رءوسهم حياء واقبلوا عليه وقالوا له فضحتنا وسودت وجوهنا يا بنى راحيل ما يزال لنا منكم بلاء متى أخذت هذا الصاع فقال بنو راحيل الذين لا يزال منكم عليهم بلاء ذهبتم بأخي فأهلكتموه ووضع هذا الصواع في رحلى الذي وضع البضاعة في رحالكم {فأسرها} أي مقالتهم أنه سرق كأنه لم يسمعها {يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانا} تمييز أي أنتم شر منزلة في السرق لأنكم سرقتم اخاكم يوسف من ابيه {واللّه أعلم بما تصفون} تقولون أو تكذبون ٧٨{قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا} في السن وفي القدر {فخذ أحدنا مكانه} ابدله على وجه الاسترهان أو الاستعباد فان اباه يتسلى به عن أخيه المفقود {إنا نراك من المحسنين} الينا فأتمم احسانك أو من عادتك الاحسان فاجر على عادتك ولا تغيرها ٧٩{قال معاذ اللّه أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده} أي نعوذ باللّه معاذا من ان نأخذ فأضيف المصدر إلى المفعول به وحذف من {إنا إذا لظالمون} اذا جواب لهم وجزاء لأن المعنى ان اخذنا بدله ظلمنا وهذا لأنه وجب على قضية فتواكم اخذ من وجد الصاع في رحله واستعباده فلو أخذنا غيره كان ذلك ظلما في مذهبكم فلم تطلبون ما عرفتم انه ظلم ٨٠{فلما استيأسوا} يئسوا وزيادة السين والتاء للمبالغة كما مر في استعصم {منه} من يوسف واجابته إياهم {خلصوا} انفردوا عن الناس خالصين لا يخالطهم سواهم {نجيا} ذوى نجوى أو فوجا نجيا اي مناجيا لمناجاة بعضهم بعضا أو تمحضوا تناجيا لاستجماعهم لذلك وإفاضتهم فيه بجد واهتمام كانهم في انفسهم صورة التناجى وحقيقته فالنجى يكون بمعنى المناجى كالسمير بمعنى المسامر وبمعنى المصدر الذي هو التناجى وكان تناجيهم في تدير أمرهم على أي صفة يذهبون وماذا يقولون لأبيهم في شأن أخيهم {قال كبيرهم} في السن وهو روبين أو في العقل والرأي وهو يهوذا أو رئيسهم وهو شمعون {ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من اللّه ومن قبل ما فرطتم في يوسف} ما صلة أي ومن قبل هذا قصرتم في شأن يوسف ولم تحفظوا عهد أبيكم أو مصدرية ومحل المصدر الرفع على الابتداء وخبره الظرف وهو من قبل ومعناه وقع من قبل تفريطكم في يوسف {فلن أبرح الأرض} فلن أفارق أرض مصر {حتى يأذن لي أبي} في الانصراف اليه {أو يحكم اللّه لي} بالخروج منها أو بالموت أو بقتالهم {وهو خير الحاكمين} لأنه لا يحكم إلا بالعدل ٨١{ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق} وقرىء سرق أي نسب إلى السرقة {وما شهدنا} عليه بالسرقة {إلا بما علمنا} من سرقته وتيقنا إذ الصواع استخرج من وعائه {وما كنا للغيب حافظين} وما علمنا انه سيسرق حين اعطيناك الموثق ٨٢{واسأل القرية التي كنا فيها} يعنى مصر اي أرسل إلى أهلها فاسألهم عن كنه القصة {والعير التي أقبلنا فيها} واصحاب العير وكانوا قوما من كنعان من جيران يعقوب عليه السلام {وإنا لصادقون} في قولنا فرجعوا إلى ابيهم وقالوا له ما قال لهم أخوهم ٨٣{قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا} أردتموه وإلا فمن أدرى ذلك الرجل أن السارق يسترق لو لا فتواكم وتعليمكم {فصبر جميل عسى اللّه أن يأتيني بهم جميعا} بيوسف وأخيه وكبيرهم {إنه هو العليم} بحالى في الحزن والأسف {الحكيم} الذي لم يبتلنى بذلك إلا لحكمة ٨٤{وتولى عنهم} واعرض عنهم كراهة لما جاءوا به {وقال يا أسفى على يوسف} أضاف الأسف وهو أشد الحزن والحسرة إلى نفسه والألف بدل من ياء الإضافة والتجانس بين الأسف ويوسف غير متكلف ونحوه اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم وهم ينهون عنه وينأون عنه وتحسبون انهم يحسنون صنعا من سبأ بنبأ وإنما تأسف على يوسف دون أخيه وكبيرهم لتمادى أسفه على يوسف دون الآخرين وفيه دليل على أن الرزء فيه مع تقادم عهده كان غضا عنده طريا {وابيضت عيناه} إذ أكثر الاستعبار ومحقت العبرة سواد العين وقلبته لى بياض كدر وقيل قد عمى بصره وقيل يدرك إدراكا ضعيفا {من الحزن} لأن الحزن سبب البكاء الذي حدث منه البياض فكأنه حدث من الحزن قيل ما جفت عينا يعقوب من وقت فراق يوسف إلى حين لقائه ثمانين عاما وما على وجه الأرض أكرم على اللّه من يعقوب ويجوز للنبي عليه السلام أن يبلغ به الجزع ذلك المبلغ لأن الإنسان مجبول على ان لا يملك نفسه عند الحزن فلذلك حمد صبره ولقد بكى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على ولده ابراهيم وقال القلب يجزع والعين تدمع ولا نقول ما يسخط الرب وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون وإنما المذموم الصياح والنياحة ولطم الصدور والوجوه وتمزيق الثياب {فهو كظيم} مملوء من الغيظ على أولاده ولا يظهر ما يسوءهم فعيل بمعنى مفعول بدليل قوله إذ نادى وهو مكظوم من كظم السقاء إذا شده على ملئه ٨٥{قالوا تاللّه تفتأ} أي لا تفتأ فحذف حرف النفي لأنه لا يلتبس إذ لو كان إثباتا لم يكن بد من اللام والنون ومعنى لا تفتأ لا تزال {تذكر يوسف حتى تكون حرضا} مشفيا على الهلاك مرضا {أو تكون من الهالكين} ٨٦{قال إنما أشكو بثي وحزني إلى اللّه} البث أصعب الهم الذي لا يصبر عليه صاحبه فيبثه إلى الناس أي ينشره اي لا اشكو إلى أحد منكم ومن غيركم إنما اشكوا إلى ربي داعيا له وملتجئا إليه فخلونى وشكاتي وروى أنه أوحى إلى يعقوب إنما وجدت عليكم لأنكم ذبحتم شاة فوقفت بباكم مسكين فلم تطعموه وإن أحب خلقى إلى الأنبياء ثم المساكين فاصنع طعاما وادع عليه المساكين وقيل اشترى جارية مع ولدها فباع ولدها فبكت حتى عميت {وأعلم من اللّه ما لا تعلمون} وأعلم من رحمته أنه يأيتني بالفرج من حيث لا احتسب وروى انه رأى ملك الموت في منامه فسأله هل قبضت روح يوسف فقال لا واللّه هو حى فاطلبه وعلمه هذا الدعاء ياذا المعروف الدائم الذي لا ينقطع معروفه أبدا ولا يحصيه غيرك فرج عنى ٨٧{يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه} فتعرفوا منهما وتطلبوا خبرهما وهو تفعل من الإحساس وهو المعرفة {ولا تيأسوا من روح اللّه} ولا تقنطوا من رحمة اللّه وفرجه {أنه} إن الأمر والشأن {لا ييأس من روح اللّه إلا القوم الكافرون} لأن من آمن يعلم أنه متقلب في رحمة اللّه ونعمته وأما الكافر فلا يعرف رحمة اللّه ولا تقلبه في نعمته فييأس من رحمته فخرجوا من عند أبيهم راجعين إلى مصر ٨٨{فلما دخلوا عليه} على يوسف {قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر} الهزال من الشدة والجوع {وجئنا ببضاعة مزجاة} مدفوعة يدفعها كل تاجر رغبة عنها واحتقارا لها من أزجيته إذا دفعته وطردته قيل كانت دراهم زيوفا لا تؤخذ إلا بوضيعة وقيل كانت صوفا وسمنا {فأوف لنا الكيل} الذي هو حقنا {وتصدق علينا} وتفضل علينا بالمسامحة والإغماض عن رداءة البضاعة أو زدنا على حقنا أو هب لنا أخانا {إن اللّه يجزي المتصدقين} لما قالوا مسنا واهلنا الضر وتضرعوا إليه وطلبوا منه أن يتصدق عليهم ارفضت عيناه ولم يتمالك أن عرفهم نفسه حيث قال ٨٩{قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف} أي هل علمتم قبح ما فعلتم بيوسف {وأخيه إذ أنتم جاهلون} لا تعلمون قبحه أو إذ أنتم في حد السفه والطيش وفعلهم يأخيه تعرضهم إياه للغم بإفراده عن أخيه لأبيه وأمه وإيذاؤهم له بانواع الاذى ٩٠{قالوا أئنك} بهمزتين كوفي وشامي {لأنت يوسف} اللام لام الابتداء وأنت مبتدأ ويوسف خبره والجملة خبر ان {قال أنا يوسف وهذا أخي} وإنما ذكر أخاه وهم قد سألوه عن نفسه لأنه كان في ذكر أخيه بيان لما سألوه عنه {قد من اللّه علينا} بالألفة بعد الفرقة وذكر نعمة اللّه بالسلامة والكرامة ولم يبدأ بالملامه {إنه من يتق} الفحشاء {ويصبر} عن المعاصي وعلى الطاعة {فإن اللّه لا يضيع أجر المحسنين} أي أجرهم فوضع المحسنين موضع الضمير لاشتماله على المتقين والصابرين وقيل من يتق مولاه ويصبر على بلواه لا يضيع أجره في دنياه وعقباه ٩١{قالوا تاللّه لقد آثرك اللّه علينا} اختارك وفضلك علينا بالعلم والحلم والتقوى والصبر والحسن {وإن كنا لخاطئين} وإن شأننا وحالنا أنا كنا خاطئين متعمدين للاثم لم نتق ولم نصبر لا جرم أن اللّه أعزك بالملك وأذلنا بالتمسكن بين يديك ٩٢{قال لا تثريب عليكم} لا تعيير عليكم {اليوم} متعلق بالتثريب أو بيغفر والمعنى لا اثر بكم اليوم وهو اليوم الذي هو مظنة التثريب فما ظنكم بغيره من الأيام ثم ابتدأ فقال {يغفر اللّه لكم} فدعا لهم بمغفرة ما فرط منهم يقال غفر اللّه لك ويغفر لك على لفظ الماضي والمضارع أو اليوم يغفر اللّه لكم بشارة بعاجل غفران اللّه وروى أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أخذ بعضادتى باب الكعبة يوم الفتح فقال لقريش ما تروننى فاعلا بكم قالوا نظن خيرا أخ كريم وابن أخ كريم وقد قدرت فقال أقول ما قال أخي يوسف لا تثريب عليكم اليوم وروى أن أبا سفيان لما جاء ليسلم قال له العباس إذا أتيت رسول اللّه فاتل عليه قال لا تثريب عليكم اليوم ففعل فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم غفر اللّه لك ولمن علمك ويروى أن إخوته لما عرفوه أرسلوا إليه انك تدعونا إلى طعامك بكرة وعشيا ونحن نستحى منك لما فرط منا فيك فقال يوسف إن أهل مصر وإن ملكت فيهم فإنهم ينظرون إلى بالعين الأولى ويقولون سبحان من بلغ عبدا بيع بعشرين درهما ما بلغ ولقد شرفت الآن بكم حيث علم الناس أنى من حفدة ابراهيم {وهو أرحم الراحمين} أي اذا رحمتكم وأنا الفقير القتور فما ظنكم بالغنى الغفور ثم سألهم عن حال أبيه فقالوا أنه عمى من كثرة البكاء قال ٩٣{اذهبوا بقميصي هذا} قيل هو القميص المتوارث الذي كان في تعويذ يوسف وكان من الجنة أمره جبريل أن يرسله اليه فان فيه ريح الجنه لا يفع على مبتلى ولا سقيم الا عوفى {فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا} يصر بصيرا تقول جاء البناء محكما أي صار أو يأت إلى وهو بصير قال يهوذا أما احمل قميص الشفاء كما ذهبت بقميص الجفاء وقيل حمله وهو حاف حاسر من مصر إلى كنعان وبينهما مسيرة ثمانين فرسخا {وأتوني بأهلكم أجمعين} لينعموا بآثار ملكى كما اغتموا بأخبار هلكى ٩٤{ولما فصلت العير} خرجت من عريش مصر يقال فصل من البلد فصولا اذا انفصل منه وجاوز حيطانه {قال أبوهم} لولد ولده ومن حوله من قومه {إني لأجد ريح يوسف} اوجده اللّه ريح القميص حين أقبل من مسيرة ثمانية أيام {لولا أن تفندون} التفنيد النسبة إلى الفند وهو الحزن وانكار العقل من هرم يقال شيخ مفند والمعنى لو لا تفنيدكم إياى لصدقتمونى ٩٥{قالوا} أي اسباطه {تاللّه إنك لفي ضلالك القديم} لفي ذهابك عن الصواب قديما في إفراط محبتك ليوسف أو في خطئك القديم من حب يوسف وكان عندهم انه قد مات ٩٦{فلما أن جاء البشير} اي يهوذا {ألقاه على وجهه} طرح البشير القميص على وجه يعقوب أو ألفاه يعقوب {فارتد} فرجع {بصيرا} يقال رده فارتده وارتده اذا ارتجعه {قال ألم أقل لكم} يعنى قوله انى لأجد ريح يوسف أو قوله ولا تيأسوا من روح اللّه وقوله {إني أعلم من اللّه ما لا تعلمون} كلام مبتدأ لم يقع عليه القول أو وقع عليه والمراد قوله انما أشكو بثى وحزنى إلى اللّه واعلم من اللّه ما لا تعلمون وروى أنه سأل البشير كيف يوسف قال هو ملك مصر فقال ما أصنع بالملك على اي دين تركته قال على دين الإسلام قال الآن تمت النعمة ٩٧{قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين} اي سل اللّه مغفرة ما ارتكبنا في حقك وحق ابنك انا تبنا واعترفنا بخطايانا ٩٨{قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم} اخر الاستغفار الى وقت السحر أو الى ليلة الجمعة أو ليتعرف حالهم في صدق التوبة أو الى أن يسأل يوسف هل عفا عنهم ثم إن يوسف وجه الى ابيه جهازا ومائتى راحلة ليتجهز اليه بمن معه فلما بلغ قريبا من مصر خرج يوسف والملك في أربعة آلاف من الجند والعظماء وأهل مصر بأجمعهم فتلقوا يعقوب وهو يمشى يتوكأ على يهوذا ٩٩{فلما دخلوا على يوسف آوى إليه} ضم إليه {أبويه} واعتنقهما قيل كانت أمه باقية وقيل ماتت وتزوج أبوه خالته والخالة أم كما أن العم أب ومنه قوله وإله آبائك ابراهيم واسماعيل واسحاق ومعنى دخولهم عليه قبل دخولهم مصر انه حين استقبلهم أنزلهم في مضرب خيمة أو قصر كان له ثمة فدخلوا عليه وضم اليه ابويه {وقال} لهم بعد ذلك {ادخلوا مصر إن شاء اللّه آمنين} من ملوكها وكانوا لا يدخلونها الا بجوار أو من القحط وروى أنه لما لقيه قال يعقوب عليه السلام السلام عليك يا مذهب الأحزان وقال له يوسف يا أبت بكيت علي حتى ذهب بصرك ألم تعلم أن القيامة تجمعنا قال بلى ولكن خشيت أن يسلب دينك فيحال بيني وبينك وقيل إن يعقوب وولده دخلوا مصر وهم اثنان وسبعون ما بين رجال ونساء وخرجوا منها مع موسى ومقاتلتهم ستمائة ألف وخمسمائة وبضعة وسبعون رجلا سوى الذرية والهرمى وكانت الذرية ألف ألف ومائتى ألف ١٠٠{ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا} قيل لما دخلوا مصر وجلسوا في مجلسه مستويا على سريره واجتمعوا اليه أكرم أبويه فرفعهما على السرير وخروا له يعنى الإخوة الأحد عشرة والأبوين سجدا وكانت السجدة عندهم جارية مجرى التحية والتكرمة كالقيام والمصافحة وتقبيل اليد وقال الزجاج سنة التعظيم في ذلك الوقت ان يسجد للمعظم وقيل ما كانت الا انحناءة دون تعفير الجباه وخرورهم سجدا يأباه وقيل وخروا لأجل يوسف سجدا للّه شكرا وفيه نبوة أيضا واختلف في استنبائهم {وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها} أي الرؤيا {ربي حقا} اى صادقة وكان بين الرؤيا وبين التأويل اربعون سنة أو ثمانون أو ست وثلاثون أو اثنتان وعشرون {وقد أحسن بي} يقال احسن اليه وبه كذلك أساء إليه وبه {إذ أخرجني من السجن} ولم يذكر الجب لقوله لا تثريب عليكم اليوم {وجاء بكم من البدو} من البادية لأنهم كانوا أصحاب مواش ينتقلون في المياه والمناجع {من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي} أي أفسد بيننا وأغرى {إن ربي لطيف} لما يشاء أي لطيف التدبير {إنه هو العليم الحكيم} بتأخير الآمال الى الآجال أو حكم بالائتلاف بعد الاختلاف ١٠١{رب قد آتيتني من الملك} ملك مصر {وعلمتني من تأويل الأحاديث} تفسير كتب اللّه أو تعبير الرؤيا ومن فيهما للتبعيض إذ لم يؤت إلا بعض ملك الدنيا وبعض التأويل {فاطر السماوات والأرض} انتصابه على النداء {أنت وليي في الدنيا والآخرة} أنت الذي تتولانى بالنعمة في الدارين وبوصل الملك الفاني بالملك الباقي {توفني مسلما} طلب الوفاة على حال الإسلام كقول يعقوب لولده ولا تموتن الا وأنتم مسلمون وعن الضحاك مخلصا وعن التسترى مسلما إليك أمرى وفي عصمة الأنبياء انما دعا به يوسف ليقتدى به قومه ومن بعده ممن ليس بمأمون العاقبة لأن ظواهر الأنبياء لنظر الأمم إليهم {وألحقني بالصالحين} من آبائى أو على العموم وروى أن يوسف أخذ بيد يعقوب فطاف به في خزائنه فأدخله خزائن الذهب والفضة وخزائن الثياب وخزائن السلاح حتى أدخله خزانة القراطيس قال يا بنى ما اعقك عندك هذه القراطيس وما كتبت الى على ثمان مراحل فقال امرنى جبريل قال أوما تسأله قال أنت ابسط إليه منى فاسأله فقال جبريل اللّه امرنى بذلك لقولك واخاف أن يأكله الذئب فهلا خفتنى وروى ان يعقوب أقام معه أربعا وعشرين سنة ثم مات وأوصى ان يدفنه بالشام الى جنب ابيه اسحاق فمضى بنفسه ودفنه ثمة ثم عاد إلى مصر وعاش بعد أبيه ثلاثة وعشرين سنة فلما تم أمره طلبت نفسه الملك الدائم فتمنى الموت وقيل ما تمناه نبي قبله ولا بعد فتوفاه اللّه طيبا طاهرا فتخاصم أهل مصر وتشاحنوا في دفنه كل يحب ان يدفن في محلتهم حتى هموا بالقتال فرأوا ان يعملوا له صندوقا من مرمر وجعلوه فيه ودفنوه في النيل بمكان يمر عليه الماء ثم يصل إلى مصر ليكونوا كلهم فيه شرعا حتى نقل موسى عليه السلام بعد اربعمائة سنة تابوته الى بيت المقدس وولدا له افراثيم وميشا وولد لافراثيم نون ولنون يوشع فتى موسى ولقد توارثت الفراعنة من العماليق بعده مصر ولم تزل بنو اسرائيل تحت أيديهم على بقايا دين يوسف وآبائه ١٠٢{ذلك} إشارة الى ما سبق من نبأ يوسف والخطاب لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو مبتدأ {من أنباء الغيب نوحيه إليك} خبران {وما كنت لديهم} لدى بنى يعقوب {إذ أجمعوا أمرهم} عزموا على ما هموا به من القاء يوسف في البئر {وهم يمكرون} بيوسف ويبغون له الغوائل والمعنى أن هذا النبأ غيب لم يحصل لك إلا من جهة الوحى لأنك لم تحضر بنى يعقوب حين اتفقوا على القاء اخيهم في البئر ١٠٣{وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين} أراد العموم أو أهل مكة أي وما هم بمؤمنين ولواجتهدت كل الاجتهاد على إيمانهم ١٠٤{وما تسألهم عليه} عن التبليغ أو على القرآن {من أجر} جعل {إن هو إلا ذكر} ما هو الا عظة من اللّه {للعالمين} وحث على طلب النجاة على لسان رسول من رسله ١٠٥{وكأين من آية} من علامة ودلالة على الخالق وعلى صفاته وتوحيده {في السماوات والأرض يمرون عليها} على الآيات أو على الأرض ويشاهدونها {وهم عنها} عن الآيات {معرضون} لا يعتبرون بها المراد ما يرون من آثار الأمم الهالكة وغير ذلك من العبر ١٠٦{وما يؤمن أكثرهم باللّه إلا وهم مشركون} اي وما يؤمن أكثرهم في إقراره باللّه وبأنه خلقه وخلق السموات والأرض إلا وهو مشرك بعبادة الوثن الجمهور على أنها نزلت في المشركين لأنهم مقرون باللّه خالقهم ورازقهم واذا حز بهم أمر شديد دعوا اللّه ومع ذلك يشركون به غيره ومن جملة الشرك ما يقوله القدرية من اثبات قدرة التخليق للعبد والتوحيد المحض ما يقوله أهل السنة وهو انه لا خالق الا اللّه ١٠٧{أفأمنوا أن تأتيهم غاشية} عقوبة تغشاهم وتشملهم {من عذاب اللّه أو تأتيهم الساعة} القيامة {بغتة} حال أي فجأة {وهم لا يشعرون} باتيانها ١٠٨{قل هذه سبيلي} هذه السبيل التي هي الدعوة الى الإيمان والتوحيد سبيلي والسبيل والطريق يذكران ويؤنثان ثم فسر سبيله بقوله {أدعو إلى اللّه على بصيرة} اي ادعو الى دينه مع حجة واضحة غير عمياء {إنا} تأكيد للمستتر فى ادعو {ومن اتبعني} عطف عليه اي ادعو الى سبيل اللّه انا ويدعو اليه من اتبعنى أو انا مبتدأ وعلى بصيرة خبر مقدم ومن اتبعنى عطف على أنا يخبر ابتداء بأنه ومن اتبعه على حجة وبرهان لا على هوى {وسبحان اللّه} وانزهه عن الشركاء {وما أنا من المشركين} مع اللّه غيره ١٠٩{وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا} لا ملائكة لأنهم كانوا يقولون لو شاء ربنا لأنزل ملائكة أو ليست فيهم امرأة {نوحي} بالنون حفص {إليهم من أهل القرى} لأنهم أعلم وأحلم وأهل البوادى فيهم الجهل والجفاء {أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الآخرة} الآخرة أي ولدار الساعة الآخرة {خير للذين اتقوا} الشرك وآمنوا به {أفلا تعقلون} وبالياء مكى وأبو عمرو وحمزة وعلى ١١٠{حتى إذا استيأس الرسل} يئسوا من إيمان القوم {وظنوا أنهم قد كذبوا} وأيقن الرسل أن قومهم كذبوهم وبالتخفيف كوفي أي وظن المرسل اليهم أن الرسل قد كذبوا أي أخلفوا أو وظن المرسل إليهم أنهم كذبوا من جهة الرسل أي كذبتهم الرسل في انهم ينصرون عليهم ولم يصدقوهم فيه {جاءهم نصرنا} للأنبياء والمؤمنين بهم فجأة من غير احتساب {فنجي} بنون واحدة وتشديد الجيم وفتح الياء شامى وعاصم على لفظ الماضي المبنى للمفعول والقائم مقام الفاعل من الباقون فنجى بنونين ثانيتهما ساكنة مخفاة للجيم بعدها واسكان الياء {من نشاء} اي النبي ومن آمن به {ولا يرد بأسنا} عذابنا {عن القوم المجرمين} الكافرين ١١١{لقد كان في قصصهم} اي في قصص الأنبياء وأممهم أو في قصة يوسف وأخوته {عبرة لأولي الألباب} حيث نقل من غاية الحب الى غيابة الجب ومن الحصير الى السرير فصارت عاقبة الصبر سلامة وكرامة ونهاية المكر وخامة وندامة {ما كان حديثا يفترى} ما كان القرآن حديثا مفترى كما زعم الكفار {ولكن تصديق الذي بين يديه} ولكن تصديق الكتب التي تقدمته {وتفصيل كل شيء} يحتاج إليه في الدين لأنه القانون الذي تستند إليه السنة والاجماع والقياس {وهدى} من الضلال {ورحمة} من العذاب {لقوم يؤمنون} باللّه وانبيائه وما نصب بعد لكن معطوف على خبر كان عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم علموا ارقاءكم سورة يوسف فايما عبد تلاها وعلمها أهله وما ملكت يمينه هون اللّه عليه سكرات الموت وأعطاه القوة أن لا يحسد مسلما قال الشيخ أبو منصور رحمه اللّه في ذكر قصة يوسف عليه السلام واخوته تصبير لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على أذى قريش كانه يقول ان اخوة يوسف مع موافقتهم إياه في الدين ومع الأخوة عملوا بيوسف ما عملوا من الكيد والمكر وصبر على ذلك فأنت مع مخالفتهم إياك في الدين أحرى أن تصبر على أذاهم وقال وهب إن اللّه تعالى لم ينزل كتابا إلا وفيه سورة يوسف عليه السلام تامة كما هي في القرآن العظيم واللّه أعلم |
﴿ ٠ ﴾