تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م) _________________________________سورة الرعد سورة الرعد مكية وهي ثلاث وأربعون آية كوفى وخمس وأربعون آية شامى بسم اللّه الرحمن الرحيم _________________________________ {المر} أنا اللّه أعلم وأرى عن ابن عباس رضي اللّه عنهما {تلك} اشارة إلى آيات السورة {آيات الكتاب} أريد بالكتاب السورة أي تلك الآيات آيات السورة الكاملة العجيبة في بابها {والذي أنزل إليك من ربك} أي القرآن كله {الحق} خبر والذي {ولكن أكثر الناس لا يؤمنون} فيقولون تقوله محمد ثم ذكر ما يوجب الإيمان فقال ٢{اللّه الذي رفع السماوات} أي خلقها مرفوعة لا أن تكون موضوعة فرفعها واللّه مبتدأ والخبر الذي رفع السموات {بغير عمد} حال وهو جمع عماد أو عمود {ترونها} الضمير يعود الى السموات أي ترونها كذلك فلا حاجة إلى البيان أو إلى عمد فيكون في موضع جر على أنه صفة لعمد أي بغير عمد مرئية {ثم استوى على العرش} استولى بالاقتدار ونفوذ السلطان {وسخر الشمس والقمر} لمنافع عباده ومصالح بلاده {كل يجري لأجل مسمى} وهو انقضاء الدنيا {يدبر الأمر} أمر ملكوته وربوبيته {يفصل الآيات} يبين آياته في كتبه المنزلة {لعلكم بلقاء ربكم توقنون} لعلكم توقنون بأن هذا المدبر والمفصل لا بد لكم من الرجوع إليه ٣{وهو الذي مد الأرض} بسطها {وجعل فيها رواسي} جبالا ثوابت {وأنهارا} جارية {ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين} أي الاسود والأبيض والحلو والحامض والصغير والكبير وما أشبه ذلك {يغشي الليل النهار} يلبسه مكانه فيصير أسود مظلما بعد ما كان أبيض منيرا يغشى حمزة وعلى وأبو بكر {إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} فيعلمون أن لها صانعا عليما حكيما قادرا ٤{وفي الأرض قطع متجاورات} بقاع مختلفة مع كونها متجاورة متلاصقة طيبة إلى سبخة وكريمة إلى زهيدة وصلبة إلى رخوة وذلك دليل على قادر مدبر مريد موقع لأفعاله على وجه دون وجه {وجنات} معطوفة على قطع {من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان} بالرفع مكى وبصرى وحفص عطف على قطع غيرهم بالجر بالعطف على أعناب والصنوان جمع صنو وهي النخلة لها رأسان وأصلها واحد وعن حفص بضم الصاد وهما لغتان {يسقى بماء واحد} وبالياء عاصم وشامى {ونفضل بعضها على بعض} وبالياء حمزة وعلى {في الأكل} في الثمر وبسكون الكاف نافع ومكى {إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون} عن الحسن مثل اختلاف القلوب في آثارها وأنوارها وأسرارها باختلاف القطع في أنهارها وأزهارها وثمارها ٥{وإن تعجب} يا محمد من قولهم في انكار البعث {فعجب قولهم} خبر ومبتدأ أي فقولهم حقيق بأن يتعجب منه لأن من قدر على انشاء ما عدد عليك كانت الاعادة أهون شيء عليه وأيسره فكان انكارهم أعجوبة من الأعاجيب {أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد} في محل الرفع بدل من قولهم قرأ عاصم وحمزة كل واحد بهمزتين {أولئك الذين كفروا بربهم} أولئك الكافرون المتمادون في كفرهم {وأولئك الأغلال في أعناقهم} وصف لهم بالإصرار أو من جملة الوعيد {وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} دل تكرار أولئك على تعظيم الأمر ٦{ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة} بالنقمة قبل العافية وذلك أنهم سألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يأتيهم بالعذاب استهزاء منهم بانذاره {وقد خلت من قبلهم المثلات} أي عقوبات أمثالهم من المكذبين فما لهم لم يعتبروا بها فلا يستهزءوا والمثلة العقوبة لما بين العقاب والمعاقب عليه من المماثلة وجزاء سيئة سيئة مثلها {وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم} أي مع ظلمهم أنفسهم بالذنوب ومحله الحال أي ظالمين لأنفسهم قال السدى يعنى المؤمنين وهى أرجى آية في كتاب اللّه حيث ذكر المغفرة مع الظلم وهو بدون التوبة فإن التوبة تزيلها وترفعها {وإن ربك لشديد العقاب} على الكافرين أو هما جميعا في المؤمنين لكنه معلق بالمشيئة فيهما أي يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ٧{ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه} لم يعتدوا بالآيات المنزلة على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عنادا فاقترحوا نحو آيات موسى وعيسى من انقلاب العصاحية واحياء الموتى فقيل لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {إنما أنت منذر} إنما انت رجل ارسلت منذرا مخوفا لهم من سوء العاقبة وناصحا كغيرك من الرسل وما عليك إلا الاتيان ما يصح به انك رسول منذر وصحة ذلك حاصلة بأي آيةكانت والآيات كلها سواء في حصول صحة الدعوى بها {ولكل قوم هاد} من الأنبياء يهديهم إلى الدين ويدعوهم إلى اللّه بآية خص بها لا بما يريدون ويتحكمون ٨{اللّه يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد} ما في هذه المواضع الثلاثة موصولة أي يعلم ما تحمله من الولد على أي حال هو من ذكورة وأنوثة وتمام وخداج وحسن وقبح وطول وقصر وغير ذلك وما تغيضه الأرحام اي ويعلم ما تنقصه يقال غاض الماء وغضته انا وما تزداده والمراد عدد الولد فانها تشتمل على واحد واثنين وثلاثا وأربعة أو جسد الولد فانه يكون تاما ومخدجا أو مدة الولادة فانها تكون أقل من تسعة أشهر وأزيد عليها إلى سنتين عندنا وإلى اربع عند الشافعي والى خمس عند مالك أو مصدرية اي يعلم حمل كل أثنى ويعلم غيض الأرحام وازديادها {وكل شيء عنده بمقدار} بقدر وحد لا يجاوزه ولا ينقص عنه لقوله انا كل شيء خلقناه بقدر ٩{عالم الغيب} ما غاب عن الخلق {والشهادة} ما شاهدوه {الكبير} العظيم الشأن الذي كل شيء دونه {المتعال} المستعلى على كل شيء بقدرته أو الذي كبر عن صفات المخلوقين وتعالى عنها وبالياء في الحالين مكى ١٠{سواء منكم من أسر القول ومن جهر به} أي في علمه {ومن هو مستخف بالليل} متوار {وسارب بالنهار} ذاهب في سربه أي في طريقه ووجهه يقال سرب في الأرض سروبا وسارب عطف على من هو مستخف لا على مستخف أو على مستخف غير أن من في معنى الاثنين والضمير في ١١{له} مردود على من كأنه قيل لمن أسر ومن جهر ومن استخفى ومن سرب {معقبات} جماعات من الملائكة تعتقب في حفظه والأصل معتقبات فأدغمت التاء في القاف أو هو مفعلات من عقبه اذا جاء على عقبه لأن بعضهم يعقب بعضا أو لأنهم يعقبون ما يتكلم به فيكتبونه {من بين يديه ومن خلفه} أي قدامه ووراءه {يحفظونه من أمر اللّه} هما صفتان جميعا وليس من أمر اللّه بصلة للحفظ كأنه قيل له معقبات من أمر اللّه أو يحفظونه من أجل أمر اللّه أي من أجل أن اللّه تعالى أمرهم بحفظه أو يحفظونه من بأس اللّه ونقمته اذا أذنب بدعائهم له {إن اللّه لا يغير ما بقوم} من العافية والنعمة {حتى يغيروا ما بأنفسهم} من الحال الجميلة بكثرة المعاصي {وإذا أراد اللّه بقوم سوءا} عذابا {فلا مرد له} فلا يدفعه شيء {وما لهم من دونه من وال} من دون اللّه ممن يلى أمرهم ويدفع عنهم ١٢{هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا} انتصبا على الحال من البرق كأنه في نفسة خوف وطمع أو على ذا خوف وذا طمع أو من المخاطبين أي خائفين وطامعين والمعنى يخاف من وقوع الصواعق عند لمع البرق ويطمع في الغيث قال أبو الطيب فتى كالسحاب الجون يخشي ويرتجى يرجى الحيا منه وتخشى الصواعق أو يخاف المطر من له فيه ضرر كالمسافر ومن له بيت يكف ومن البلاد ما لا ينتفع أهله بالمطر كأهل مصر ويطمع فيه من له نفع فيه {وينشئ السحاب} هو اسم جنس والواحدة سحابه {الثقال} بالماء وهو جمع ثقيلة تقول سحابة ثقيلة وسحاب ثقال ١٣{ويسبح الرعد بحمده} قيل يسبح سامعوا الرعد من العباد الراجين للمطر أي يصيحون بسبحان اللّه والحمد للّه وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال الرعد ملك موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب والصوت الذي يسمع زجره السحاب حتى ينتهى إلى حيث أمر {والملائكة من خيفته} ويسبح الملائكة من هيبته وإجلاله {ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء} الصاعقة نار تسقط من السماء لما ذكر علمه النافذ في كل شيء واستواء الظاهر والخفى عنده وما دل على قدرته الباهرة ووحدانيته قال {وهم يجادلون في اللّه} يعنى الذين كذبوا رسول اللّه صلى اله عليه وسلم يجادلون في اللّه حيث ينكرون على رسوله ما يصفه به من القدرة على البعث وإعادة الخلائق بقولهم من يحيى العظام وهي رميم ويردون الواحدنية باتخاذ الشركاء ويجعلونه بعض الأجسام بقولها الملائكة بنات اللّه أو الواو للحال أي فيصيب بها من يشاء في حال جدالهم وذلك ان أريد أخا لبيد بن ربيعة العامرى قال لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين وفد عليه مع عامر بن الطفيل قاصدين قتله فرمى اللّه عامرا بغدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية وأرسل على أربد صاعقة فقتله أخبرنى عن ربنا أمن نحاس هو أم من حديد {وهو شديد المحال} أي المماحلة وهي شدة المماكرة والمكايدة ومنه تمحل لكذا إذا تكلف لاستعمال الحيلة واجتهد فيه ومحل فلان اذا كادوه سعى به إلى السلطان والمعنى أنه شديد المكر والكيد لأعدائه يأتيهم بالهلكة من حيث لا يحتسبون ١٤{له دعوة الحق} أضيفت إلى الحق الذي هو ضد الباطل للدلالة على أن الدعوة ملابسة للحق وأنها بمعزل من الباطل والمعنى أن اللّه سبحانه يدعى فيستجيب الدعوة ويعطى الداعى سؤله فكانت دعوة ملابسه للحق لكونه حقيقا بأنه يوجه إليه الدعاء لما في دعوته من الجدوى والنفع بخلاف ما لا ينفع ولا يجدى دعاءه واتصال شديد المحال له ودعوة الحق بما قبله على قصة أربد ظاهر لأن اصابته بالصاعقة محال من اللّه ومكر به من حيث لم يشعر وقد دعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عليه وعلى صاحبه بقوله اللّهم اخسفهما بما شئت فأجيب فيهما فكانت الدعوة دعوة حق وعلى الأول وعيد للكفرة على مجادلتهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بحلول محاله بهم وإجابة دعوة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيهم ان دعا عليهم {والذين يدعون} والآلهة الذين يدعوهم الكفار {من دونه} من دون اللّه {لا يستجيبون لهم بشيء} من طلباتهم {إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه} استثناء من المصدر اي من الاستجابة التي دل عليها لا يستجيبون لأن الفعل بحروفه يدل على المصدر وبصيغته على الزمان وبالضرورة على المكان والحال فجاز استثناء كل منها من الفعل فصار التقدير لا يستجيبون استجابة إلا استجابة كاستجابة باسط كفيه إلى الماء أي كاستجابة الماء لمن بسط كفيه اليه يطلب منه أن يبلغ فاه الماء جماد لا يشعر ببسط كفيه ولا بعطشه وحاجته اليه ولا يقدر أن يجيب دعاءه ويبلغ فاه وكذلك ما يدعونه جماد لا يحس بدعائهم ولا يستطيع إجابتهم ولا يقدر على نفعهم واللام في ليبلغ متعلق بباسط كفيه {وما هو ببالغه} وما الماء ببالغ فاه {وما دعاء الكافرين إلا في ضلال} في ضياع لا منفعة فيه لأنهم إن دعوا اللّه لم يجبهم وان دعوا الأصنام لم تستطع اجابتهم ١٥{وللّه يسجد من في السماوات والأرض} سجود تعبد وأنقياد {طوعا} حال يعنى الملائكة والمؤمنين {وكرها} يعنى المنافقين والكافرين في حال الشدة والضيق {وظلالهم} معطوف على من جمع ظل {بالغدو} جمع غداة كقن وقناة {والآصال} جمع أصل جمع أصيل قيل ظل كل شيء يسجد للّه بالغدو والآصال وظل الكافر يسجد كرها وهو كاره وظل المؤمن يسجد طوعا وهو طائع ١٦{قل من رب السماوات والأرض قل اللّه} حكاية لاعترافهم لأنه إذا قال لهم من رب السموات والأرض لم يكن لهم بد من أن يقولوا اللّه دليله قراءة ابن مسعود وأبي قالوا اللّه أو هو تلقين أي فإن لم يجيبوا فلقنهم فانه لا جواب الا هذا {قل أفاتخذتم من دونه أولياء} أبعد أن علمتموه رب السموات والأرض اتخذتم من دونه آلهة {لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا} لا يستطيعون لأنفسهم أن ينفعوها أو يدفعوا ضررا عنها فكيف يستطيعونه لغيرهم وقد آثرتموهم على الخالق الرازق المثيب المعاقب فما أبين ضلالتكم {قل هل يستوي الأعمى والبصير} أي الكافر والمؤمن أو من يبصر شيئا ومن لا يخفى عليه شيء {أم هل تستوي الظلمات والنور} ملل الكفر والإيمان يستوى كوفي غير حفص {أم جعلوا للّه شركاء} بل اجعلوا ومعنى الهمزة الانكار {خلقوا كخلقه} خلقوا مثل خلقه وهو صفة لشركاء أي أنهم لم يتخذوا للّه شركاء خالقين قد خلقوا مثل خلق اللّه {فتشابه الخلق عليهم} فاشتبه عليهم مخلوق اللّه بمخلوق الشركاء حتى يقولوا قدر هؤلاء على الخلق كما قدر اللّه عليه فاستحقوا العبادة فنتخذهم له شركاء ونعبدهم كما يعبد ولكنهم اتخذوا له شركاء عاجزين لا يقدرون على ما يقدر عليه الخلق فضلا أن يقدروا على ما يقدر عليه الخالق {قل اللّه خالق كل شيء} أي خالق الأجسام والأعراض لا خالق غير اللّه ولا يستقيم أن يكون له شريك في الخلق فلا يكون له شريك في العبادة ومن قال ان اللّه لم يخلق أفعال الخلق وهم خلقوها فتشابه الخلق على قولهم {وهو الواحد} المتوحد بالربوبية {القهار} لا يغالب وما عداه مربوب ومقهور ١٧{أنزل} اي الواحد القهار وهو اللّه سبحانه {من السماء} من السحاب {ماء} مطرا {فسالت أودية} جمع واد وهو الموضع الذي يسيل فيه الماء بكثرة وإنما نكر لأن المطر لا يأتي إلا على طريق المناوبة بين البقاع فيسيل بعض {بقدرها} بمقدارها الذي علم اللّه أنه نافع للممطور عليهم غير ضار {فاحتمل السيل} اي رفع {زبدا} هو ما علا وجه الماء من الرغوة والمعنى علاه زبد {رابيا} منتفخا مرتفعا على وجه السيل {ومما يوقدون عليه} وبالياء كوفي غير أبي بكر ومن لابتداء الغاية أى ومنه ينشأ زبد مثل زبد الماء أو للتبعيض أي وبعضه زبد {في النار} حال من الضمير في عليه أي ومما توقدون عليه ثابتا في النار {ابتغاء حلية} مبتغين حلية فهو مصدر في موضع الحال من توقدون {أو متاع} من الحديد والنحاس والرصاص يتخذ منها الأوانى وما يتمتع به في الحضر والسفر وهو معطوف على حلية أي زينة من الذهب والفضة {زبد} خبث وهو مبتدأ {مثله} نعت له ومما توقدون خبر له أي لهذه الفلزات إذا أغليت زبد مثل زبد الماء {كذلك يضرب اللّه الحق والباطل} أي مثل الحق والباطل {فأما الزبد فيذهب جفاء} حال اي متلاشيا وهو ما تقذفه القدر عند الغليان والبحر عند الطغيان والجفء الرمى وجفوت الرجل صرعته {وأما ما ينفع الناس} من الماء والحلى والأوانى {فيمكث في الأرض} فيثبت الماء في العيون والآبار والحبوب والثمار وكذلك الجواهر تبقي في الأرض مدة طويلة {كذلك يضرب اللّه الأمثال} ليظهر الحق من الباطل قيل هذا مثل ضربه اللّه للحق وأهله والباطل وحزبه فمثل الحق واهله بالماء الذي ينزل من السماء فتسيل به أودية الناس فيحيون به وينفعهم بأنواع المنافع وبالفلز الذي ينتفعون به في صوغ الحلى منه واتخاذ الأوانى والآلات المختلفات وذلك ماكث في الأرض باق بقاء ظاهرا يثبت الماء في منافعه وكذلك الجواهر تبقى أزمنة متطاولة وشبه الباطل في سرعة اضمحلاله ووشك زواله بزبد السيل الذي يرمى به وبزبد الفلز الذي يطفو فوقه إذا أذيب قال الجمهور وهذا مثل قوله اللّه تعالى للقرآن والقلوب والحق والباطل فالماء القرآن نزل لحياة الجنان كالماء للابدان والأودية للقلوب ومعنى بقدرها بقدر سعة القلب وضيقه والزبد هو أجس النفس ووساوس الشيطان والماء الصافي المنتفع به مثل الحق فكما يذهب الزبد باطلا ويبقى صفو الماء كذلك تذهب هواجس النفس ووساوس الشيطان ويبقى الحق كما هو واما حلية الذهب والفضة فمثل للاحوال السنية والأخلاق الزكية وأما متاع الحديد والنحاس والرصاص فمثل للاعمال الممدة بالاخلاص المعدة للخلاص فان الأعمال جالبة للثواب دافعة للعقاب كما أن تلك الجواهر بعضها أداة النفع للكسب وبعضها آلة الدفع في الحرب وأما الزبد فالرياء والخلل والملل والكسال واللام في ١٨{للذين استجابوا} اي أجابوا متعلقة بيضرب اي كذلك يضرب اله أمثال للمؤمنين الذين استجابوا {لربهم الحسنى} هي صفة لمصدر استجابوا اي استجابوا الاستجابة الحسنى {والذين لم يستجيبوا له} اي وللكافرين الذين لم يستجيوا أي هما مثلا الفريقين وقوله {لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به} كلام مبتدأ في ذكر ما اعد لغير المستجيبين اي لو ملكوا أموال الدنيا وملكوا معها مثلها لبذلوه ليدفعوا عن أنفسهم عذاب اللّه والوجه أن الكلام قد تم على الأمثال وما بعده كلام مستأنف والحسنى مبتدأ خبره للذين استجابوا والمعنى لهم المثوبة الحسنى وهي الجنة والذين يستجيبوا مبتدأ خبره لو مع ما في حيزه {أولئك لهم سوء الحساب} المناقشة فيه في الحديث من نوقش الحساب عذب {ومأواهم جهنم} ومرجعهم بعد المحاسبة النار {وبئس المهاد} المكان الممهد والمذموم محذوف اي جهنم دخلت همزة الانكار على الفاء في ١٩{أفمن يعلم} لانكار أن تقع شبهة ما بعد ضرب من المثل في ان حال من علم {أنما أنزل إليك من ربك الحق} فاستجاب بمعزل من حال الجاهل الذي لم يستبصر فيستجيب وهو المراد بقوله {كمن هو أعمى} كبعد ما بين الزبد والماء والخبث والابريز {إنما يتذكر أولوا الألباب} اي الذين عملوا على قضايا عقولهم فنظروا واستبصروا ٢٠{الذين يوفون بعهد اللّه} مبتدأ والخبر أولئك لهم عقبى الدار كقوله والذين ينقضون عهد اللّه أولئك لهم اللعنة وقيل هو صفة لأولى الألباب والأول أوجه وعهد اللّه ما عقدوه على أنفسهم من الشهادة بربوبيته واشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى {ولا ينقضون الميثاق} ما اوثقوه على أنفسهم وقبلوه من الإيمان باللّه وغيره من المواثيق بينهم وبين اللّه وبين العباد تعميم بعد تخصيص ٢١{والذين يصلون ما أمر اللّه به أن يوصل} من الأرحام والقرابات ويدخل فيه وصل قرابة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقرابة المؤمنين الثابتة بسبب الإيمان أنما المؤمنون إخوة بالاحسان إليهم على حسب الطاقة ونصرتهم والذب عنهم والشفقة عليهم وإفشاء السلام عليهم وعيادة مرضاهم ومنه مراعاة حق الأصحاب والخدم والجيران والرفقاء في السفر {ويخشون ربهم} أي وعيده كله {ويخافون سوء الحساب} خصوصا فيحاسبون أنفسهم قبل أن يحاسبوا ٢٢{والذين صبروا} مطلق فيما يصبر عليه من المصائب في النفوس والأموال ومشاق التكاليف {ابتغاء وجه اللّه} لا ليقال ما اصبره وأحمله للنوازل وأوقره عند الزلازل ولا لئلا يعاب في الجزع {وأقاموا الصلاة} داوموا على إقامتها {وأنفقوا من ما رزقناهم} اي من الحلال وان كان الحرام رزقا عندنا {سرا وعلانية} يتناول النوافل لأنها في السر أفضل والفرائض لأن المجاهرة بها افضل نفيا للتهمة {ويدرؤون بالحسنة السيئة} ويدفعون بالحسن من الكلام ما يرد عليهم من سيء غيرهم وإذا حرموا اعطوا واذا ظلموا عفوا وإذا قطعوا أو صلوا وإذا اذنبوا تابوا وإذا هربوا أنابوا وإذا رأوا منكرا أمروا بتغييره فهذه ثمانية أعمال تشير إلى ثمانية ابواب الجنة {أولئك لهم عقبى الدار} عاقبة الدنيا وهي الجنة لأنها التي أرادها اللّه ان تكون عاقبة الدنيا ومرجع اهلها ٢٣{جنات عدن} بدل من عقبى الدار {يدخلونها ومن صلح} أي آمن {من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم} وقرىء صلح والفتح أفصح ومن في محل الرفع بالعطف على الضمير في يدخلونها وساغ ذلك وان لم يؤكد لأن الضمير المفعول صار فاصلا واجاز الزجاج أن يكون مفعولا معه ووصفهم بالصلاح ليعلم أن الأنساب لا تنفع بنفسها والمراد أبو كل واحد منهم فكانه قيل آبائهم وأمهاتهم {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب} في قدر كل يوم وليلة ثلاث مرات بالهدايا وبشارات الرضا ٢٤{سلام عليكم} في موضع الحال إذ المعنى قائلين سلام عليكم أو مسلمين {بما صبرتم} متعلق بمحذوف تقديره هذا بما صبرتم اي هذا الثواب بسبب صبركم عن الشهوات أو على أمر اللّه أو بسلام أي نسلم عليكم ونكرمكم بصبركم والأول أوجه {فنعم عقبى الدار} الجنات ٢٥{والذين ينقضون عهد اللّه من بعد ميثاقه} من بعد ما أوثقوه به من الاعتراف والقبول {ويقطعون ما أمر اللّه به أن يوصل ويفسدون في الأرض} بالكفر والظلم {أولئك لهم اللعنة} الابعاد من الرحمة {ولهم سوء الدار} يحتمل أن يراد سوء عاقبة الدنيا لأنه في مقابلة عقبى الدار وان يراد بالدار جهنم وبسوئها عذابها ٢٦{اللّه يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر} اي و يضيق لمن يشاء والمعنى اللّه وحده هو يبسط الرزق ويقدر دون غيره {وفرحوا بالحياة الدنيا} بما بسط لهم من الدنيا فرح بطر واشر لا فرح سرور بفضل اللّه وانعامه عليهم ولم يقابلوه بالشكر حتى يؤجروا بنعيم الآخرة {وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع} وخفى عليهم أن نعيم الدنيا في جنب نعيم الآخرة ليس الا شيئا نزرا يتمتع به كعجلة الراكب وهو ما يتعجله من تميرات أو شربة سويق ٢٧{ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه} أي الآية المقترحة {قل إن اللّه يضل من يشاء} باقتراح الآيات بعد ظهور المعجزات {ويهدي إليه من أناب} ويرشد إلى دينه من رجع إليه بقلبه ٢٨{الذين آمنوا} هم الذين أو محله النصب بدل من من {وتطمئن قلوبهم} تسكن {بذكر اللّه} على الدوام أو بالقرآن أو بوعده {ألا بذكر اللّه تطمئن القلوب} بسبب ذكره تطمئن قلوب المؤمنين ٢٩{الذين آمنوا وعملوا الصالحات} مبتدأ {طوبى لهم} خبره وهو مصدر من طاب كبشرى ومعنى طوبى لك اصبت خيرا وطيبا ومحلها النصب أو الرفع كقولك طيبا لك وطيب لك وسلاما لك وسلام لك واللام في لهم للبيان مثلها في سقيالك والواو في طوبى منقلبة عن ياء لضمة ما قبلها كموقز والقراءة في {وحسن مآب} مرجع بالرفع والنصب تدل على محليها ٣٠{كذلك أرسلناك} مثل ذلك الارسال أرسلناك ارسالا له شأن وفضل على سائر الارسالات ثم فسر كيف ارسله فقال {في أمة قد خلت من قبلها أمم} أي أرسلناك في أمة قد تقدمتها أمم كثيرة فهى آخر الأمم وأنت خاتم الأنبياء {لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك} لتقرأ عليهم الكتاب العظيم الذي أوحينا اليك {وهم يكفرون} وحال هؤلاء أنهم يكفرون {بالرحمن} بالبليغ الرحمة الذي وسعت رحمته كل شيء {قل هو ربي} رب كل شيء {لا إله إلا هو} اي هو ربى الواحد المتعالى عن الشركاء {عليه توكلت} في نصرتى عليكم {وإليه متاب} مرجعى فيثيبنى على مصابرتكم متابى وعقابي ومآبي في الحالين يعقوب ٣١{ولو أن قرآنا سيرت به الجبال} عن مقارها {أو قطعت به الأرض} حتى تتصدع وتتزايل قطعا {أو كلم به الموتى} فتسمع وتجيب لكان هذا القرآن لكونه غاية في التذكير ونهاية في الإنذار والتخويف فجواب لو محذوف أو معناه ولو ان قرآنا وقع به تسيير الجبال وتقطيع الأرض وتكليم الموتى وتنبيئهم لما آمنوا به ولما تنبهوا عليه كقوله ولو أننا نزلنا اليهم الملائكة الآية {بل للّه الأمر جميعا} بل للّه القدرة على كل شيء وهو قادر على الآيات التي اقترحوها {أفلم ييأس الذين آمنوا} أفلم يعلم وهي لغة قوم من النخع وقيل إنما استعمل اليأس بمعنى العلم لتضمنه معناه لأن اليائس عن الشيء عالم بأنه لا يكون كما استعمل النسيان في معنى الترك لتضمن ذلك دليله قراءة علي رضي اللّه عنه أفلم يتبين وقيل إنما كتبه الكاتب وهو ناعس مستوى السنات وهذه واللّه فرية ما فيها مرية {أن لو يشاء اللّه لهدى الناس جميعا ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا} من كفرهم وسوء أعمالهم {قارعة} داهية تقرعهم بما يحل اللّه بهم في كل وقت من صنوف البلايا والمصائب في نفوسهم وأولادهم وأموالهم {أو تحل قريبا من دارهم} أو تحل القارعة قريبا منهم فيفزعون ويتطاير عليهم شررها ويتعدى اليهم شرورها {حتى يأتي وعد اللّه} اي موتهم أو القيامة أو ولا يزال كفار مكة تصيبهم بما صنعوا برسول اللّه من العداوة والتكذيب قارعة لأن جيش رسول اللّه يغير حول مكة ويختطف منهم أو تحل أنت يا محمد قريبا من دارهم بجيشك يوم الحديبية حتى يأتي وعد اللّه اي فتح مكة {إن اللّه لا يخلف الميعاد} أي لا خلف في موعده ٣٢{ولقد استهزئ برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا} الاملاء الامهال وأن يترك ملاوة من الزمان في خفض وأمن {ثم أخذتهم فكيف كان عقاب} وهذا وعيد لهم وجواب عن اقتراحهم الآيات على رسول اللّه استهزاء به وتسلية له ٣٣{أفمن هو قائم} احتجاج عليهم في اشراكهم باللّه يعنى أفاللّه الذي هو رقيب {على كل نفس} صالحة أو طالحة {بما كسبت} يعلم خيره وشره ويعد لكل جزاءه كمن ليس كذلك ثم استأنف فقال {وجعلوا للّه شركاء} أي الاصنام {قل سموهم} أي سموهم له من هم ونبؤه بأسمائهم ثم قال {أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض} على أم المنقطعة أي بل اتنبؤنه بشركاء لا يعلمهم في الأرض وهو العالم بما في السموات والأرض فاذا لم يعلمهم على أنهم ليسوا بشيء والمراد نفي أن يكون له شركاء {أم بظاهر من القول} بل أتسمونهم شركاء بظاهر من القول من غير أن يكون لذلك حقيقة كقوله ذلك قولهم بأفواههم ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتوها {بل زين للذين كفروا مكرهم} كيدهم للاسلام بشركهم {وصدوا عن السبيل} عن سبيل اللّه بضم الصاد كوفي وبفتحها غيرهم ومعناه وصدوا المسلمين عن سبيل اللّه {ومن يضلل اللّه فما له من هاد} من احد يقدر على هدايته ٣٤{لهم عذاب في الحياة الدنيا} بالقتل والاسر وأنواع المحن {ولعذاب الآخرة أشق} اشد لدوامه {وما لهم من اللّه من واق} من حافظ من عذابه ٣٥{مثل الجنة التي وعد المتقون} صفتها التي هي في غرابة المثل وارتفاعه بالابتداء والخبر محذوف أي فيما يتلى عليكم مثل الجنة أو الخبر {تجري من تحتها الأنهار} كما تقول صفة زيد أسمر {أكلها دائم} ثمرها دائم الوجود لا ينقطع {وظلها} دائم لا ينسخ في الدنيا بالشمس {تلك عقبى الذين اتقوا} أي الجنة الموصوفة عقبى تقواهم يعنى منتهى أمرهم {وعقبى الكافرين النار} ٣٦{والذين آتيناهم الكتاب} يريد من أسلم من اليهود كابن سلام ونحوه ومن النصارى بأرض الحبشة {يفرحون بما أنزل إليك ومن الأحزاب} أي ومن أحزابهم وهم كفرتهم الذين تحزبوا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالعداوة ككعب بن الأشرف واصحابه والسيد والعاقب وأشياعهما {من ينكر بعضه} لأنهم كانوا لا ينكرون الأقاصيص وبعض الأحكام والمعانى مما هو ثابت في كتبهم وكانوا ينكرون نبوة محمد عليه الصلاة والسلام وغير ذلك مما حرفوه وبدلوه من الشرائع {قل إنما أمرت أن أعبد اللّه ولا أشرك به} هو جواب للمنكرين أي قل انما أمرت فيما أنزل إلى بأن أعبد اللّه ولا أشرك به فانكارهم له انكار لعبادة اللّه وتوحيده فانظروا ماذا تنكرون مع ادعائكم وجوب عبادة اللّه وأن لا يشرك به {إليه أدعو} خصوصا لا أدعوا إلى غيره {وإليه} لا إلى غيره {مآب} مرجعى وأنتم تقولون مثل ذلك فلا معنى لانكاركم ٣٧{وكذلك أنزلناه} ومثل ذلك الانزال أنزلناه مأمورا فيه بعبادة اللّه وتوحيده والدعوة اليه الى دينه والإنذار بدار الجزاء {حكما عربيا} حكمة عربية مترجمة بلسان العرب وانتصابه على الحال كانوا يدعون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى أمور يشاركهم فيها فقيل {ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم} أي بعد ثبوت العلم بالحجج القاطعة والبراهين الساطعة {ما لك من اللّه من ولي ولا واق} أي لا ينصرك ناصر ولا يقيك منه واق وهذا من باب النهييج والبعث للسامعين على الثبات في الدين وأن لا يزال عند الشبهة بعد استمساكه بالحجة والا فكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من شدة الثبات بمكان كانوا يعيبونه بالزواج والولادة ويقترحون عليه الآيات وينكرون النسخ فنزل ٣٨{ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية} نساء وأولاد {وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن اللّه} أي ليس في وسعه اتيان الآيات على ما يقترحه قومه وإنما ذلك الى اللّه {لكل أجل كتاب} لكل وقت حكم يكتب على العباد أي يفرض عليهم على ما تقتضيه حكمته ٣٩{يمحو اللّه ما يشاء} ينسخ ما يشاء نسخه {ويثبت} بدله ما يشاء أو يتركه غير منسوخ أو يمحو من ديوان الحفظة ما يشاء ويثبت غيره أو يمحو كفر التائبين ويثبت إيمانهم أو يميت من حان أجله وعكسه ويثبت مدنى وشامي وحمزة وعلى {وعنده أم الكتاب} أي أصل كل كتاب وهو اللوح المحفوظ لأن كل كائن مكتوب فيه ٤٠{وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك} وكيفما دارت الحال أريناك مصارعهم وما وعدناهم من انزال العذاب عليهم أو توفيناك قبل ذلك {فإنما عليك البلاغ} فما يجب عليك إلا تبليغ الرسالة فحسب {وعلينا الحساب} وعلينا حسابهم وجزاؤهم على اعمالهم لا عليك فلا يهمنك اعراضهم ولا تستعجل بعذابهم ٤١{أو لم يروا أنا نأتي الأرض} ارض الكفرة {ننقصها من أطرافها} بما نفتح على المسلمين من بلادهم فننقص دار الحرب ونزيد في دار الاسلام وذلك من آيات النصرة والغلبة والمعنى عليك البلاغ الذي حملته ولا تهتم بما وراء ذلك فنحن نكفيكه ونتم ما وعدناك من النصرة والظفر {واللّه يحكم لا معقب لحكمه} لا راد لحكمه والمعقب الذي يكر على الشيء فيبطله وحقيقته الذي يعقبه أي يقفيه بالرد والابطال ومنه قيل لصاحب الحق معقب لأنه يقفي غريمه بالاقتضاء والطلب والمعنى أنه حكم للاسلام بالغلبة والاقبال وعلى الكفر بالادبار والانتكاس ومحل لا معقب لحكمه النصب على الحال كانه قيل واللّه يحكم نافذا حكمه كما تقول جاءنى زيد لا عمامة على رأسه ولا قلنسوة له تريد حاسرا {وهو سريع الحساب} فعما قليل يحاسبهم في الآخرة بعد عذاب الدنيا ٤٢{وقد مكر الذين من قبلهم} اي كفار الأمم الخالية بأنبيائهم والمكر إرادة المكروه في خفية ثم جعل مكرهم كلا مكر بالاضافة الى مكره فقال {فللّه المكر جميعا} ثم فسر ذلك بقوله {يعلم ما تكسب كل نفس وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار} يعنى العاقبة المحمودة لأن من علم ما تكسب كل نفس وأعدلها جزاءها فهو المكر كله لأنه يأتيهم من حيث لا يعلمون وهم في غفلة عما يراد بهم الكافر على إرادة الجنس حجازى وأبو عمرو ٤٣{ويقول الذين كفروا لست مرسلا} المراد بهم كعب بن الأشرف ورؤساء اليهود قالوا لست مرسلا لهذا قال عطاء هي مكية إلا هذه الآية {قل كفى باللّه شهيدا بيني وبينكم} بما اظهر من الأدلة على رسالتي والباء دخلت على الفاعل وشهيدا تمييز {ومن عنده علم الكتاب} قيل هو اللّه عز وجل والكتاب اللوح المحفوظ دليله قراءة من قرأ ومن عنده علم الكتاب أي ومن لدنه علم الكتاب لأن علم من علمه من فضله ولطفه وقيل ومن هو من علماء أهل الكتاب الذين أسلموا لأنهم يشهدون بنعته في كتبهم وقال ابن سلام في نزلت هذه الآية وقيل هو جبريل عليه السلام ومن في موضع الجر بالعطف على لفظ اللّه أو في موضع الرفع بالعطف على محل الجار والمجرور إذ التقدير كفى اللّه وعلم الكتاب ويرتفع بالمقدر في الظرف فيكون فاعلا لأن الظرف صلة لمن ومن هنا بمعنى الذي والتقدير من ثبت عنده علم الكتاب وهذا لأن الظرف إذا وقع صلة يعمل عمل الفعل نحو مررت بالذي في الدار أخوه فأخوه فاعل كما تقول بالذي استقر في الدار أخوه وفي القراءة بكسر ميم من يرتفع العلم بالابتداء |
﴿ ٠ ﴾