تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م) _________________________________سورة إبراهيم سورة إبراهيم عليه السلام مكية اثنتان وخمسون آية بسم اللّه الرحمن الرحيم _________________________________ {الر كتاب} هو خبر مبتدأ محذوف أي هذا كتاب يعنى السورة والجملة التي هي {أنزلناه إليك} في موضع الرفع صفة للنكرة {لتخرج الناس} بدعائك اياهم {من الظلمات إلى النور} من الضلالة الى الهدى {بإذن ربهم} بتيسيره وتسهيله مستعار من الاذن الذي هو تسهيل الحجاب وذلك ما يمنحهم من التوفيق {إلى صراط} بدل من النور بتكرير العامل {العزيز} الغالب بالانتقام {الحميد} المحمود على الانعام ٢{اللّه} بالرفع مدنى وشامى على هو اللّه وبالجر وغيرهما على أنه عطف بيان للعزيز الحميد {الذي له ما في السماوات وما في الأرض} خلقا وملكا ولما ذكر الخارجين من ظلمات الكفر إلى نور الايمان توعد الكافرين بالويل وهو نقيض الوأل وهو النجاة وهو اسم معنى كالهلاك فقال {وويل للكافرين من عذاب شديد} وهو مبتدأ وخبر وصفة ٣{الذين يستحبون} يختارون ويؤثرون {الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل اللّه} عن دينه {ويبغونها عوجا} يطلبون لسبيل اللّه زيغا واعوجاجا والأصل ويبغون لها فحذف الجار وأوصل الفعل الذين مبتدأ خبره {أولئك في ضلال بعيد} عن الحق ووصف الضلال بالبعد من الاسناد المجازى والبعد في الحقيقة للضال لأنه هو الذي يتباعد عن طريق الحق فوصف به فعله كما تقول جد جده أو مجرور صفة للكافرين أو منصوب على الذم أو مرفوع على أعنى الذين أو هم الذين ٤{وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه} إلا متكلما بلغتهم {ليبين لهم} ما هو مبعوث به وله فلا يكون لهم حجة على اللّه ولا يقولون له لم نفهم ما خوطبنا به فإن قلت ان رسولنا صلى اللّه عليه وسلم بعث الى الناس جميعا بقوله قل يا أيها الناس إنى رسول اللّه اليكم جميعا بل إلى الثقلين وهم على ألسنة مختلفة فان لم تكن للعرب حجة فلغيرهم الحجة قلت لا يخلو إما ان ينزل بجميع الألسنة أو بواحد منها فلا حاجة الى نزوله بجميع الألسنة لأن الترجمة تنوب عن ذلك وتكفى التطويل فتعين أن ينزل بلسان واحد وكان لسان قومه أولى بالتعيين لأنهم أقرب اليه ولأنه أبعد من التحريف والتبديل {فيضل اللّه من يشاء} من آثر سبب الضلالة {ويهدي من يشاء} من آثر سبب الاهتداء {وهو العزيز} فلا يغالب على مشيئته {الحكيم} فلا يخذل إلا أهل الخذلان ٥{ولقد أرسلنا موسى بآياتنا} التسع {أن أخرج قومك} بأن أخرج أو أي أخرج لأن الارسال فيه معنى القول كانه قيل أرسلناه وقلنا له أخرج قومك {من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام اللّه} وأنذرهم بوقائعه التي وقعت على الأمم قبلهم قوم نوح وعاد وثمود ومنه ايام العرب لحروبها وملاحمها أو بأيام الانعام حيث ظلل عليهم الغمام وأنزل عليهم المن والسلوى وفلق لهم البحر {إن في ذلك لآيات لكل صبار} على البلايا {شكور} على العطايا كانه قال لكل مؤمن اذ الايمان نصفان نصف صبر ونصف شكر ٦{وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب} إذ ظرف للنعمة بمعنى الإنعام اي انعامه عليكم إذ ذلك الوقت أو بدل اشتمال من نعمة اللّه اي اذكروا وقت انجائكم {ويذبحون أبناءكم} ذكر في البقرة يذبحون وفي الأعراف يقتلون بلا واو وهنا مع الواو والحاصل أن التذبيح حيث طرح الواو جعل تفسيرا للعذاب وبيانا له وحيث أثبت الواو جعل التذبيح من حيث انه زاد على جنس العذاب كانه جنس آخر {ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم} الاشارة الى العذاب والبلاء المحنة أو الى الإنجاء والبلاء النعمة ونبلوكم بالشر والخير فتنة ٧{وإذ تأذن ربكم} أي آذن ونظير تأذن وآذن توعد وأوعد ولا بد في تفعل من زيادة معنى ليس في أفعل كأنه قيل وإذ آذن ربكم ايذانا بليغا تنتفى عنده الشكوك والشبه وهو من جملة ما قال موسى لقومه وانتصابه للعطف على نعمة اللّه عليكم كأنه قيل وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة اللّه عليكم واذكروا حين تأذن ربكم والمعنى وإذ تأذن ربكم فقال {لئن شكرتم} يا بنى اسرائيل ما خولتكم من نعمة الإنجاء وغيرها {لأزيدنكم} نعمة الى نعمة فالشكر قيد الموجود وصيد المفقود وقيل إذا سمعت النعمة نعمه الشكر تأهبت للمزيد وقال ابن عباس رضي اللّه عنهما لئن شكرتم بالجد في الطاعة لأزيدنكم بالجد في المثوبة {ولئن كفرتم} ما أنعمت به عليكم {إن عذابي لشديد} لمن كفر نعمتى أما في الدنيا فسلب النعمة وأما في العقبى فتوالى النقم ٨{وقال موسى إن تكفروا أنتم} يا بنى اسرائيل {ومن في الأرض جميعا} والناس كلهم {فإن اللّه لغني} عن شكركم {حميد} وإن لم يحمده الحامدون وأنم ضررتم أنفسكم حيث حرمتموها الخير الذي لا بد لكم منه ٩{ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود} من كلام موسى لقومه أو ابتداء خطاب لأهل عصر محمد عليه السلام {والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا اللّه} جملة من مبتدأ وخبر وقعت اعتراضا أو عطف الذين من بعدهم على قوم نوح ولا يعلمهم إلا اللّه اعتراض والمعنى أنهم من الكثرة بحيث لا يعلم عددهم إلا اللّه وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما بين عدنان وإسماعيل ثلاثون ابا لا يعرفون وروى انه عليه السلام قال عند نزول هذه الآية كذب النسابون {جاءتهم رسلهم بالبينات} بالمعجزات {فردوا أيديهم في أفواههم} الضميران يعودان الى الكفرة أي أخذوا أناملهم بأسنانهم تعجبا أو عضوا عليها تغيظا أو الثانى يعود الى الأنبياء أي رد القوم أيديهم في أفواه الرسل كيلا يتكلموا بما أرسلوا به {وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه} من الايمان باللّه والتوحيد {مريب} موقع في الريبة ١٠{قالت رسلهم أفي اللّه شك} أدخلت همزة الإنكار على الظرف لأن الكلام ليس في الشك إنما هو في المشكوك فيه وأنه لا يحتمل الشك لظهور الأدلة وهو جواب قولهم وإنا لفي شك {فاطر السماوات والأرض يدعوكم} إلى الإيمان {ليغفر لكم من ذنوبكم} إذا آمنتم ولم تجىء مع من إلا في خطاب الكافرين كقوله واتقوه وأطيعون يغفر لكم من ذنوبكم يا قومنا أجيبوا داعى اللّه وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم وقال في خطاب المؤمنين هل أدلكم على تجارة إلى أن قال يغفر لكم ذنوبكم وغير ذلك مما يعرف بالاستقرار وكان ذلك للتفرقة بين الخطابين ولئلا يسوى بين الفريقين في الميعاد {ويؤخركم إلى أجل مسمى} إلى وقت قد سماه وبين مقداره {قالوا} أي القوم {إن أنتم} ما أنتم {إلا بشر مثلنا} لا فضل بيننا وبينكم ولا فضل لكم علينا فلم تخصون بالنبوة دوننا {تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا} والأصنام {فأتونا بسلطان مبين} بحجة بينة وقد جاءتهم رسلهم بالبينات وإنما أرادوا بالسلطان المبين آية قد اقترحوها تعنتا ولجاجا ١١{قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم} تسليم لقولهم إنهم بشر مثلهم {ولكن اللّه يمن على من يشاء من عباده} بالايمان والنبوة كما من علينا {وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن اللّه} جواب لقولهم فأتونا بسلطان مبين والمعنى أن الاتيان بالآية التي قد قد اقترحتموها لبس إلينا ولا في استطاعتنا وإنما هو أمر يتعلق بمشيئة اللّه تعالى {وعلى اللّه فليتوكل المؤمنون} أمر منهم للمؤمنين كافة بالتوكل وقصدوا به أنفسهم قصدا أوليا كأنهم قالوا ومن حقنا أن نتوكل على اللّه في الصبر على معاندتكم ومعاداتكم وإيذائكم ألا ترى إلى قوله ١٢{وما لنا ألا نتوكل على اللّه} معناه وأي عذر لنا في ألا نتوكل عليه {وقد هدانا سبلنا} وقد فعل بنا ما يوجب توكلنا عليه وهو التوفيق لهداية كل منا سبيله الذي يجب عليه سلوكه في الدين قال أبو تراب التوكل طرح البدن في العبودية وتعلق القلب بالربوبية والشكر عندالعطاء والصبر عند البلاء {ولنصبرن على ما آذيتمونا} جواب قسم مضمر أي حلفوا على الصبر على أذاهم وأن لا يمسكوا عن دعائهم {وعلى اللّه فليتوكل المتوكلون} إي فليثبت المتوكلون على توكلهم حتى لا يكون تكرار ١٣{وقال الذين كفروا لرسلهم} سبلنا لرسلهم أبو عمرو {لنخرجنكم من أرضنا} من ديارنا {أو لتعودن في ملتنا} أي ليكونن أحد الأمرين اخراجكم أو عودكم وحلفوا على ذلك والعود بمعنى الصيرورة وهو كثير في كلام العرب أو خاطبوا به كل رسول ومن آمن معه فغلبوا في الخطاب الجماعة على الواحد {فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين} القول مضمر أو أجرى الايحاء مجرى القول لأنه ضرب منه ١٤{ولنسكننكم الأرض من بعدهم} أي أرض الظالمين وديارهم في الحديث من آذى جاره ورثه اللّه داره {ذلك} الإهلاك والإسكان أي ذلك الأمر حق {لمن خاف مقامي} موقفي وهو موقف الحساب أو المقام مقحم أو خاف قيامى عليه بالعلم كقوله أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت والمعنى أن ذلك حق للمتقين {وخاف وعيد} عذابى وبالياء يعقوب ١٥{واستفتحوا} واستنصروا اللّه على اعدائهم وهو معطوف على أوحى إليهم {وخاب كل جبار} وخسر كل متكبر بطر {عنيد} مجانب للحق معناه فنصروا وظفروا وأفلحوا وخاب كل جبار عنيد وهم قومهم وقيل الضمير لكفار ومعناه واستفتح الكفار على الرسل ظنا منهم بأنهم على الحق والرسل على الباطل وخاب كل جبار عنيد منهم ولم يفلح باستفتاحه ١٦{من ورائه} من بين يديه {جهنم} وهذا وصف حاله وهو في الدنيا لأنه مرصد لجهنم فكأنها بين يديه وهو على شفيرها أو وصف حاله في الآخرة حيث يبعث ويوقف {ويسقى} معطوف على محذوف تقديره من ورائه جهنم يلقى فيها ما يلقى ويسقى {من ماء صديد} ما يسيل من جلود اهل النار وصديد عطف بيان الماء لأنه مبهم فبين بقوله صديد ١٧{يتجرعه} يشربه جرعة جرعة {ولا يكاد يسيغه} ولا يقارب أن يسيغه فكيف تكون الاساغة كقوله لم يكد يراها أي لم يقرب من رؤيتها فكيف يراها {ويأتيه الموت من كل مكان} اي اسباب الموت من كل جهة أو من كل مكان من جسده وهذا لفظيع لما يصيبه من الآلام أي لو كان ثمة موت لكان كل واحد منها مهلكا {وما هو بميت} لأنه لو مات لاستراح {ومن ورائه} ومن بين يديه {عذاب غليظ} أي في كل وقت يستقبله يتلقى عذابا أشد مما قبله وأغلظ وعن الفضيل هو قطع الانفاس وحبسها في الاجساد ١٨{مثل الذين} مبتدأ محذوف الخبر اي فيما يتلى عليكم مثل الذين {كفروا بربهم} والمثل مستعار للصفة التي فيها غرابة وقوله {أعمالهم كرماد} جملة مستأنفة على تقدير سؤال سائل يقول كيف مثلهم فقيل أعمالهم كرماد {اشتدت به الريح} الرياح مدنى {في يوم عاصف} جعل العصف لليوم وهو لما فيه وهو الريح كقولك يوم ماطر وأعمال الكفرة المكارم التي كانت لهم من صله الأرحام وعتق الرقاب وفداء الأسرى وعقر الإبل للاضياف وغير ذلك شبهها في حبوطها لبنائها على غير أساس وهو الايمان باللّه تعالى برماد طيرته الريح العاصف {لا يقدرون} يوم القيامة {مما كسبوا} من أعمالهم {على شيء} أي لا يرون له أثرا من ثواب كما لا يقدر من الرماد المطير في الريح على شيء {ذلك هو الضلال البعيد} إشارة إلى بعد ضلالهم عن طريق الحق أو الثواب ١٩{ألم تر} ألم تعلم الخطاب لكل أحد {أن اللّه خلق السماوات والأرض} خالق مضافا حمزة وعلى {بالحق} بالحكمة والأمر العظيم ولم يخلقها عبثا {إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد} اي هو قارد على أن يعدم الناس ويخلق مكانهم خلقا آخر على شكلهم أو على خلاف شكلهم اعلاما بأنه قادر على إعدام الموجود وإيجاد المعدوم ٢٠{وما ذلك على اللّه بعزيز} بمعذر ٢١{وبرزوا للّه جميعا} ويبرزون يوم القيامة وإنما جىء به بلفظ الماضي لأن ما أخبر به عز وجل لصدقه كأنه قد كان ووجد ونحوه ونادى أصحاب الجنة ونادى أصحاب النار وغير ذلك ومعنى بروزهم للّه واللّه تعالى لا يتوارى عنه شيء حتى يبرز له أنهم كانوا يستترون من العيون عند ارتكاب الفواحش ويظنون أن ذلك خاف على اللّه فإذا كان يوم القيامة انكشفوا اللّه عند أنفسهم وعلموا أن اللّه لا تخفى عليه خافية أو خرجوا من قبورهم فبرزوا لحساب اللّه وحكمه {فقال الضعفاء} في الرأى وهم السفلة والا تباع وكتب الضعفاء بواو قبل الهمزة على لفظ من يفخم الألف قبل الهمزة فيميلها إلى الواو {للذين استكبروا} وهم السادة والرؤساء الذين استغووهم وصدوهم عن الاستماع الى الانبياء وأتباعهم {إنا كنا لكم تبعا} تابعبن جمع تابع على تبع كخادم وخدم وغائب وغيب أو ذوى تبع والتبع والاتباع يقال تبعه تبعا {فهل أنتم مغنون عنا من عذاب اللّه من شيء} فهل تقدرون على دفع شيء مما نحن فيه ومن الأولى للتبين والثانية للتبعيض كأنه قيل فهل أنتم مغنون عنا بعض الشيء الذي هو عذاب اللّه أو هما للتبعيض أي فهل أنتم مغنون عنا بعض شيء هو بعض عذاب اللّه ولما كان قول الضعفاء توبيخا لهم وعتابا على استغوائهم لأنهم علموا أنهم لا يقدرون على الاغناء عنهم {قالوا} لهم مجيبين معتذرين {لو هدانا اللّه لهديناكم} أي لو هدانا اللّه الى الايمان في الدنيا لهديناكم اليه أي لو هدانا اللّه طريق النجاة من العذاب لهديناكم أي لأغنينا عنكم وسلكنا بكم طريق النجاة كما سلكنا بكم طريق الهلكة {سواء علينا أجزعنا أم صبرنا} مستويان علينا الجزع والصبر والهمزة وأم للتسوية روى أنهم يقولون في النار تعالوا نجزع فيجزعون خمسمائة عام فلا ينفعهم الجزع فيقولون تعالوا نصبر فيصبرون خمسمائة عام فلا ينفعهم الصبر ثم يقولون سواء علينا أجزعنا أم صبرنا واتصاله بما قبله من حيث ان عتابهم لهم كان جزعا مم هم فيه فقالوا لهم سواء علينا اجزعنا ام صبرنا يريدون أنفسهم وإياهم لاجتماعهم في اعقاب الصلالة التي كانوا مجتمعين فيها يقولون ما هذا الجزع والتوبيخ ولا فائدة في الجزع كما لا فائدة في الصبر {ما لنا من محيص} منجى ومهرب جزعنا أم صبرنا ويجوز أن يكون هذا من كلام الضعفاء والمستكبرين جميعا ٢٢{وقال الشيطان لما قضي الأمر} حكم بالجنة والنار لأهليهما وفرغ من الحساب ودخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار وروى أن الشيطان يقوم عند ذلك خطيبا على منبر من نار فيقول لأهل النار {إن اللّه وعدكم وعد الحق} وهو البعث والجزاء على الأعمال فوفي لكم بما وعدكم {ووعدتكم} بأن لا بعث ولا حساب ولا جزاء {فأخلفتكم} كذبتكم {وما كان لي عليكم من سلطان} من تسلط واقتدار {إلا أن دعوتكم} لكنى الى الضلالة بوسوستى وتزيينى والاستثناء منقطع لأن دعاء لبس من جنس السلطان {فاستجبتم لي} فأسرعتم اجابتي {فلا تلوموني} لأن من تجرد للعداوة الا يلام اذا دعا الى أمر قبيح مع أن الرحمن قد قال لكم لا يفتنكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة {ولوموا أنفسكم} حيث اتبعتمونى بلا حجة ولا برهان وقول المعتزلة هذا دليل على أن الانسان هو الذي يختار الشقاوة أو السعادة ويحصلها لنفسه وليس من اللّه الا التمكين ولا من الشيطان الا التزيين باطل لقوله لو هدانا اللّه اي إلى الايمان لهدينا كم كما مر {ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي} لا ينجى بعضنا بعضا من عذاب اللّه ولا يغيثه والا صراخ الاغاثة بمصرخى حمزة اتباعا للخاء غيره بفتح الياء لئلا تجتمع الكسرة واليآن بعد كسرتين وهو جمع مصرخ فالياء الاولى ياء الجمع والثانية ضمير المتكلم {إني كفرت بما أشركتمون} وبالياء بصرى وما مصدرية {من قبل} متعلق بأشركتمونى أي كفرت اليوم باشراككم اياى مع اللّه من قبل هذا اليوم اي في الدنيا كقوله ويوم القيامة يكفرون بشرككم ومعنى كفره باشراكهم اياه تبرؤه منه واستنكاره له كقوله انا برآء منكم ومما تعبدون من دون اللّه كفرنا بكم أو من قبل متعلق بكفرت وما موصولة أي كفرت من قبل حين ابيت السجود لآدم بالذي اشركتمونيه وهو اللّه عز وجل تقول اشركنى فلان أي جعلنى له شريكا ومعنى إشراكهم الشيطان ياللّه طاعتهم له فيما كان يزينه لهم من عبادة الاوثان وهذا آخر قول الشيطان وقوله {إن الظالمين لهم عذاب أليم} قول اللّه عز وجل وقيل هو من تمام كلام ابليس وإنما حكى اللّه عز وجل ما سيقوله في ذلك الوقت ليكون لطفا للسامعين ٢٣{وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها} عطف على برزوا {بإذن ربهم} متعلق بأدخل أي ادخلتهم الملائكة الجنة باذن اللّه وأمره {تحيتهم فيها سلام} هو تسليم بعضهم على بعض في الجنة أو تسليم الملائكة عليهم ٢٤{ألم تر كيف ضرب اللّه مثلا} أي وصفه وبينه {كلمة طيبة} نصب بمضمر أي جعل كلمة طيبة {كشجرة طيبة} وهو تفسير لقوله ضرب اللّه مثلا نحو سرف الامير زيدا كساه حلة وحمله على فرس أو انتصب مثلا وكلمة يضرب أي ضرب كلمة طيبة مثلا يعنى جعلها مثلا ثم قال كشجرة طيبة على أنها خبر مبتدأ محذوف أي هي كشجرة طيبة {أصلها ثابت} أي في الأرض ضارب بعروقه فيها {وفرعها} واعلاها ورأسها {في السماء} والكلمة الطيبة كلمة التوحيد أصلها تصديق بالجنان وفرعها اقرار باللسان وأكلها عمل الاركان وكما أن الشجرة شجرة وان لم تكن حاملا فالمؤمن مؤمن وان لم يكن عاملا ولكن الأشجار لا تراد الا للثمار فما أقوات النار الا من الاشجار إذا اعتادت الاخفار في عهد الاثمار والشجرة كل شجرة مثمرة طيبة الثمار كالنخلة وشجرة التين ونحو ذلك والجمهور على أنها النخلة فعن ابن عمر ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال ذات يوم ان اللّه تعالى ضرب مثل المؤمن شجرة فأخبرونى ما هي فوقع الناس في شجر البوادى وكنت صبيا فوقع في قلبي أنها النخلة فهبت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن أقولها وانا اصغر القوم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ألا أنها النغلة فقال عمر يا بنى لو كنت قلتها لكانت احب إلى من حمر النعم ٢٥{تؤتي أكلها كل حين} تعطى ثمرها كل وقت وقته اللّه لا ثمارها {بإذن ربها} بتيسير خالقها وتكوينه {ويضرب اللّه الأمثال للناس لعلهم يتذكرون} لأن في ضرب الامثال زيادة افهام وتذكير وتصوير للمعانى ٢٦{ومثل كلمة خبيثة} هي كلمة الكفر {كشجرة خبيثة} هي كل شجرة لا يطيب ثمرها وفي الحديث انها شجرة الحنظل {اجتثت من فوق الأرض} استؤصلت جثتها وحقيقة الاجتثات أخذ الجثة كلها وهو في مقابلة اصلها ثابت {ما لها من قرار} أي استقرار يقال قر الشيء قرارا كقولك ثبت ثباتا شبه بها القول الذي لم يعضد بحجة فهو داحض غير ثابت ٢٧{يثبت اللّه الذين آمنوا} أي يديمهم عليه {بالقول الثابت} هو قول لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه {في الحياة الدنيا} حتى إذا فتنوا في دينهم لم يزلوا كما ثبت الذين فتنهم أصحاب الأخدود وغير ذلك {وفي الآخرة} الجمهور على أن المراد به في القبر بتلقين الجواب وتمكين الصواب فعن البراء ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ذكر قبض روح المؤمن فقال ثم تعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه في قبره فيقولان له من ربك وما دينك ومن نبيك فيقول ربى اللّه ودينى الاسلام ونبيى محمد صلى اللّه عليه وسلم فينادى مناد من السماء أن صدق عبدى فذلك قوله يثبت اللّه الذين آمنوا بالقول الثابت ثم يقول الملكان عشت سعيدا ومت حميدا نم نومة العروس {ويضل اللّه الظالمين} فلا يثبتهم على القول الثابت في مواقف الفتن ونزل أقدامهم أول شيء وهم في الآخرة أضل وأزل {ويفعل اللّه ما يشاء} فلا اعتراض عليه في تثبيت المؤمنين واضلال الظالمين ٢٨{ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة اللّه} أي شكر نعمة اللّه {كفرا} لأن شكرها الذي وجب عليهم وضعوا مكانه كفرا فكأنهم غيروا الشكر الى الكفر وبدلوه تبديلا وهم أهل مكة اكرمهم بمحمد عليه السلام فكفروا نعمة اللّه بدل ما لزمهم من الشكر {وأحلوا قومهم} الذين تابعوهم على الكفر {دار البوار} دار الهلاك ٢٩{جهنم} عطف بيان {يصلونها} يدخلونها {وبئس القرار} وبئس المقر جهنم ٣٠{وجعلوا للّه أندادا} أمثالا في العبادة أو في التسمية {ليضلوا عن سبيله} وبفتح الياء مكى وأبو عمرو {قل تمتعوا} في الدنيا والمراد به الخذلان والتخلية قال ذو النون التمتع أن يقضي العبد ما استطاع من شهوته {فإن مصيركم إلى النار} مرجعكم اليها ٣١{قل لعبادي الذين آمنوا} خصهم بالاضافة إليه تشريفا وبسكون الياء شامى وحمزة وعلى والأعشى {يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم} المقول محذوف لأن قل تقتضى مقولا وهو أقيموا وتقديره قل لهم أقيموا الصلاة وأتفقوا يقيموا الصلاة وينفقوا وقيل انه أمر وهو المقول والتقدير ليقيموا ولينفقوا فحذف اللام لدلالة قل عليه ولو قيل يقيموا الصلاة وينفقوا ابتداء بحذف اللام لم يجز {سرا وعلانية} انتصبا على الحال أي ذوى سر وعلانية يعنى مسرين ومعلنين أو على الظرف أي وقتى سر وعلانية أو على المصدر أي انفاق سر وانفاق علانية والمعنى اخفاء التطوع واعلان الواجب {من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال} أي لا انتفاع فيه بمبايعة ولا مخالة والخلال المخالة وإنما ينتفع فيه بالانفاق لوجه اللّه بفتحهما مكى وبصرى والباقون بالرفع والتنوين ٣٢{اللّه} مبتدأ {الذي خلق السماوات والأرض} خبره {وأنزل من السماء ماء} من السحاب مطرا {فأخرج به من الثمرات رزقا لكم} من الثمرات بيان للرزق أي اخرج به رزقا هو ثمرات أو من الثمرات مفعول أخرج ورزقا حال من المفعول {وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار} ٣٣{وسخر لكم الشمس والقمر دائبين} دائمين وهو حال من الشمس والقمر اي يدأبان في سيرهما وإنارتهما ودرئهما الظلمات واصلاحهما ما يصلحان من الأرض والابدان والنبات {وسخر لكم الليل والنهار} يتعاقبان خلفة لمعاشكم وسباتكم ٣٤{وآتاكم من كل ما سألتموه} من للتبعيض أي آتاكم بعض جميع ما سألتموه أو وآتاكم من كل شيء سألتموه وما لم تسألوه فما موصولة والجملة صفة لها وحذفت الجملة الثانية لأن الباقي يدل على المحذوف كقوله سرابيل تقيكم الحر من كل عن أبي عمرو وما سألتموه نفى ومحله النصب على الحال أي آتاكم من جميع ذلك غير سائليه أو ما موصولة أي وآتاكم من كل ذلك ما احتجتم إليه فكأنكم سألتموه أو طلبتموه بلسان الحال {وإن تعدوا نعمة اللّه لا تحصوها} لا تطيقوا عدها وبلوغ آخرها هذا إذا أرادوا أن يعدوها على الاجمال وأما التفصيل فلا يعلمه إلا اللّه {إن الإنسان لظلوم} يظلم النعمة باغفال شكرها {كفار} شديد الكفران لها أو ظلوم في الشدة يشكو ويجزع كفار في النعمة يجمع ويمنع والإنسان للجنس فيتناول الأخبار بالظلم والكفران من يوجدان منه ٣٥{وإذ قال إبراهيم} واذكر إذ قال إبراهيم {رب اجعل هذا البلد} أي البلد الحرام {آمنا} ذا أمن و الفرق بين هذه وبين ما في البقرة أنه قد سأل فيها أن يجعل من جملة البلدان التي يأمن أهلها وفي الثانى أن يخرجه من صفة الخوف إلى الأمن كأنه قال هو بلد مخوف فاجعله آمنا {واجنبني} وبعدنى أي ثبتنى وأدمنى على اجتناب عبادتها كما قال واجعلنا مسلمين لك أي ثبتنا على الإسلام {وبني} أراد بنيه من صلبه {أن نعبد الأصنام} من أن نعبد الأصنام ٣٦{رب إنهن أضللن كثيرا من الناس} جعلن مضلات على طريق التسبيب لأن الناس ضلوا بسببهن فكانهن أضللنهم {فمن تبعني} على ملتى وكان حنيفا مسلما مثلى {فإنه مني} أي هو بعضى لفرط اختصاصه بي {ومن عصاني} فيما دون الشرك {فإنك غفور رحيم} أو ومن عصانى عصيان شرك فإنك غفور رحيم ان تاب وآمن ٣٧{ربنا إني أسكنت من ذريتي} بعض أولادى وهم إسماعيل ومن ولد منه {بواد} هو وادى مكة {غير ذي زرع} لا يكون فيه شيء من زرع قط {عند بيتك المحرم} هو بيت اللّه سمى به لأن اللّه تعالى حرم التعرض له والتهاون به وجعل ما حوله حرما لمكانه أو لأنه لم يزل ممنعا يها به كل جبار أو لأنه محترم عظيم الحرمة لا يحل انتهاكها أو لأنه حرم على الطوفان أي منع منه كما سمى عتيقا لأنه أعتق منه {ربنا ليقيموا الصلاة} اللام متعلقة باسكنت أي ما اسكنتهم بهذا الوادى البلقع إلا ليقيموا الصلاة عند بيتك المحرم ويعمروه بذكرك وعبادتك {فاجعل أفئدة من الناس} أفئدة من افئدة الناس ومن للتبعيض لما روى عن مجاهد لو قال أفئدة الناس لزاحمتكم عليه فارس والروم والترك والهند أو للابتداء كقولك القلب منى سقيم تريد قلبى فكانه قيل أفئدة ناس ونكرت المضاف إليه في هذا التمثيل لتنكير أفئدة لأنها في الآية نكرة ليتناول بعض الأفئدة {تهوي إليهم} تسرع اليهم من البلاد الشاسعة وتطير نحوهم شوقا {وارزقهم من الثمرات} مع سكناهم واديا ما فيه شيء منها بأن تجلب إليهم من البلاد الشاسعة {لعلهم يشكرون} النعمة في أن يرزقوا أنواع الثمرات في واد ليس فيه شجر ولا ماء ٣٨{ربنا} النداء المكرر دليل التضرع واللجأ إلى اللّه {إنك تعلم ما نخفي وما نعلن} تعلم السر كما تعلم العلن {وما يخفى على اللّه من شيء في الأرض ولا في السماء} من كلام اللّه عز وجل تصديقا لإبراهيم عليه السلام أو من كلام إبراهيم ومن للاستغراق كأنه قيل وما يخفى على اللّه شيء ما ٣٩{الحمد للّه الذي وهب لي على الكبر} على بمعنى مع وهو في موضع الحال أي وهب لى وأنا كبير {إسماعيل وإسحاق} روى أن إسماعيل ولد له وهو ابن تسع وتسعين سنة وولد له إسحق وهو ابن مائة وثنتى عشرة سنة وروى أنه ولد له إسماعيل لأربع وستين وإسحق لتسعين وإنما ذكر حال الكبر لأن المنة بهبة الولد فيها أعظم لأنها حال وقوع اليأس من الولادة والظفر بالحاجة على عقب اليأس من أجل النعم ولأن الولادة في تلك السن العالية كانت آية لإبراهيم {إن ربي لسميع الدعاء} مجيب الدعاء من قولك سمع الملك كلام فلان إذا تلقاه بالإجابة والقبول ومنه سمع اللّه لمن حمده وكان قد دعا ربه وسأله الولد فقال رب هب لي من الصالحين فشكر للّه ما أكرمه به من اجابته واضافة السميع الى الدعاء من اضافة الصفة إلى مفعولها وأصله لسميع الدعاء وقد ذكر سيبويه فعيلا في جملة أبنية المبالغة العاملة عمل الفعل كقولك هذا رحيم اباه ٤٠{رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي} وبعض ذريتى عطفا على المنصوب في اجعلنى وإنما بعض لانه علم باعلام اللّه أنه يكون في ذريته كفار عن ابن عباس رضي اللّه عنهما لا يزال من ولد إبراهيم ناس على الفطرة الى ان تقوم الساعة {ربنا وتقبل دعاء} بالياء في الوصل والوقف مكى وافقه أبو عمرو وحمزة في الوصل الباقون بلاياء أي استجب دعائى أو عبادتى {وأعتزلكم وما تدعون من دون اللّه} ٤١{ربنا اغفر لي ولوالدي} أى آدم وحواء أو قاله قبل النهى واليأس عن إيمان أبويه {وللمؤمنين يوم يقوم الحساب} اي يثبت أو أسند الى الحساب قيام أهله اسنادا مجازيا مثل واسأل القرية ٤٢{ولا تحسبن اللّه غافلا عما يعمل الظالمون} تسلية للمظوم وتهديد للظالم والخطاب لغير الرسول عليه السلام وإن كان للرسول فالمراد تثبيته عليه السلام على ما كان عليه من أنه لا يحسب اللّه غافلا كقوله ولا تكونن من المشركين * ولا تدع مع اللّه إلها آخر وكما جاء في الأمر يا أيها الذين آمنوا آمنوا باللّه ورسوله وقيل المراد به الايذان بأنه عالم بما يفعل الظالمون لا يخفى عليه منه شيء وانه معاقبهم على قليله وكثيره على سبيل الوعيد والتهديد كقوله واللّه بما تعملون عليم {إنما يؤخرهم} أي عقوبتهم {ليوم تشخص فيه الأبصار} أي أبصارهم لا تقرفي أماكنها من هول ما ترى ٤٣{مهطعين} مسرعين إلى الداعى {مقنعي رؤوسهم} رافعيها {لا يرتد إليهم طرفهم} لا يرجع اليهم نظرهم فينظروا الى أنفسهم {وأفئدتهم هواء} صفر من الخير لا تعى شيئا من الخوف والهواء الخلاء الذي لم تشغله الاجرام فوصف به فقيل قلب فلان هواء إذا كان جبانا لا قوة في قلبه ولا جراءة وقيل جوف لا عقول لهم ٤٤{وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب} أي يوم القيامة ويوم مفعول ثان لأنذر لا ظرف إذ الانذار لا يكون في ذلك اليوم {فيقول الذين ظلموا} أي الكفار {ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل} أي ردنا إلى الدنيا وامهلنا الى أمد وحد من الزمان قريب نتدارك ما فرطنا فيه من اجابة دعوتك واتباع رسلك فيقال لهم {أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال} أي حلفتم في الدنيا انكم إذا متم لا تزالون عن تلك الحالة ولا تنتقلون الى دار أخرى يعنى كفرتم بالبعث كقوله واقسموا باللّه جهد أيمانهم لا يبعث اللّه من يموت وما لكم جواب القسم وإنما جاء بلفظ الخطاب كقوله اقسمتم ولو حكى لفظ المقسمين لقيل ما لنا من زوال أو اريد باليوم يوم هلاكهم بالعذاب العاجل أو يوم موتهم معذبين بشدة السكرات ولقاء الملائكة بلا بشرى فانهم يسألون يؤمنذ أن يؤخرهم ربهم الى أجل قريب يقال سكن الدار وسكن فيها ومنه ٤٥{وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم} بالكفر لأن السكنى من السكون وهو اللبث والاصل تعديته بفي نحو قرفى الدار واقام فيها ولكنه لما نقل الى سكون خاص تصرف فيه فقيل سكن الدار كما قيل تبوأها ويجوز ان يكون سكنوا من السكون أي قروا فيها واطمأنوا طيبى النفوس سائرين سيرة من قبلهم في الظلم والفساد لا يحدثونها بما لقى الأولون من أيام اللّه وكيف كان عاقبة ظلمهم فيعتبروا ويرتدعوا {وتبين لكم} بالاخبار أو المشاهدة وفاعل تبين مضمر دل عليه الكلام أي تبين لكم حالهم و {كيف} ليس بفاعل لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله وإنما نصب كيف بقوله {فعلنا بهم} أي أهلكناهم وانتقمنا منهم {وضربنا لكم الأمثال} أي صفات ما فعلوا وما فعل بهم وهي في الغرابة كالأمثال المضروبة لكل ظالم ٤٦{وقد مكروا مكرهم} أي مكرهم العظيم الذي استفرغوا فيه جهدهم وهو ما فعلوه من تأييد الكفر وبطلان الإسلام {وعند اللّه مكرهم} وهو مضاف الى الفاعل كالأول والمعنى ومكتوب عند اللّه مكرهم فهو مجازيهم عليه بمكر هو أعظم منه أو الى المفعول أي وعند اللّه مكرهم الذي يمكرهم به وهو عذابهم الذي يأتيهم من حيث لا يشعرون {وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال} بكسر اللام الأولى ونصب الثانية والتقدير وان وقع مكرهم لزوال أمر النبي صلى اللّه عليه وسلم فعبر عن النبي عليه السلام بالجبال لعظم شأنه وكان تامة أو ان نافية واللام مؤكدة لها كقوله وما كان اللّه ليعذبهم [الانفال:٣٣] والمعنى ومحال أن تزول الجبال بمكرهم على ان الجبال بمكرهم على ان الجبال مثل لآيات اللّه وشرائعه لأنها بمنزلة الجبال الراسية ثباتا وتمكنا دليله قراءة ابن مسعود وما كان مكرهم وبفتح اللام الأولى ورفع الثانية على أي وان كان مكرهم الشدة بحيث تزول منه الجبال وتنقطع عن أماكنها فان مخففة من ان واللام مؤكدة ٤٧{فلا تحسبن اللّه مخلف وعده رسله} يعنى قوله انا لننصر رسلنا كتب اللّه لاغلبن أنا ورسلى مخلف مفعول ثان لتحسبن وأضاف مخلف الى وعده وهو المفعول الثانى له والأول رسله والتقدير مخلف رسله وعده وإنما قدم المفعول الثانى على الأول ليعلم انه لا يخاف الوعد اصلا كقوله ان اللّه لا يخلف الميعاد ثم قال رسله ليوذن انه إذا لم يخلف وعده احدا فكيف يخلفه رسله الذين هم خيرته وصفوته {أن اللّه عزيز} غالب لا يماكر {ذو انتقام} لأوليائه من أعدائه وانتصاب ٤٨{يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات} على الظرف للانتقام أو على اضمار اذكر والمعنى يوم تبدل هذه الارض التي تعرفونها أرضا أخرى غير هذه المعروفة وتبدل السموات غير السموات وإنما حذف لدلالة ما قبله عليه والتبديل التغيير وقد يكون في الذوات كقولك بدلت الدراهم دنانير وفي الاوصاف كقولك بدلت الحلقة خاتما إذا أذبتها وسويتها خاتما فنقلتها من شكل الى شكل واختلف واحتلف في تبديل الأرض والسموات فقيل تبدل أوصافها وتسير عن الارض جبالها وتفجر بحارها وتسوى فلا ترى فيها عوجا ولا أمتا وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما هي تلك الأرض وإنما تغير وتبدل السماء بانتثار كواكبها وكسوف شمسها وخسوف قمرها وانشقاقها وكونها أبوابا وقيل تخلق بدلها ارض وسموات أخر وعن ابن مسعود رضي اللّه عنه يحشر الناس على أرض بيضاء لم يخطىء عليها أحد خطيئة وعن على رضي اللّه عنه تبدل أرضا من فضة وسموات من ذهب {وبرزوا} وخرجوا من قبورهم {للّه الواحد القهار} هو كقوله لمن الملك اليوم للّه الواحد القهار لأن حب ( لما ذا الون كك إلا يغا لغلا المب ) فلا مستغاث لأحد الى غيره كان الأمر في غاية الشدة ٤٩{وترى المجرمين} الكافرين {يومئذ} يوم القيامة {مقرنين} قرن بعضهم مع بعض أو مع الشياطين أو قرنت أيديهم الى أرجلهم مغللين {في الأصفاد} متعلق بمقرنين اي يقرنون في الاصفاد أو غير متعلق به والمعنى مقرنين مصفدين والاصفاد القيود أو الاغلال ٥٠{سرابيلهم} قمصهم {من قطران} هو ما يتحلب من شجر يسمى الابهل فيطبخ فيهنأ به الإبل الجربى فيحرق الجرب بحدته وحره ومن شأنه أن يسرع فيه اشتعال النار وهو أسود اللون منتن الريح فيطلى به جلود أهل النار حتى يعود طلاؤه لهم كالسرابيل ليجتمع عليهم لذع القطر ان وحرقته واسراع النار في جلودهم واللون الوحش ونتن الريح على أن التفاوت بين القطرانين كالتفاوت بين النارين وكل ما وعده اللّه أو أوعد به في الآخرة فبينه وبين ما نشاهد من جلسه ما لا يقادر قدره وكأنه ما عندنا منه إلا الاسامى والمسميات ثمة نعوذ باللّه من سخطه وعذابه من قطرآن زيد عن يعقوب نحاس مذاب بلغ حره اناه {وتغشى وجوههم النار} تعلوها باشتغالها - وخص الوجه لأنه اعز موضع في ظاهر البدن كالقلب في باطنه ولذا قال تطلع على الأفئدة ٥١{ليجزي اللّه كل نفس ما كسبت} أي يفعل بالمجرمين ما يفعل ليجزى كل نفس مجرمة ما كسبت أو كل نفس مجرمة أو مطيعة لأنه إذا عاقب المجرمين لاجرامهم علم أنه يثيب المؤمنين بطاعتهم {إن اللّه سريع الحساب} يحاسب جميع العباد في اسرع من لمح البصر ٥٢{هذا} أي ما وصفه في قوله ولا تحسبن الى قوله سريع الحساب {بلاغ للناس} كفاية في التذكير والموعظة {ولينذروا به} بهذا البلاغ وهو معطوف على محذوف اي لينصحوا ولينذروا {وليعلموا أنما هو إله واحد} لأنهم إذا خافوا ما انذروا به دعتهم المخافة الى النظر حتى يتوصلوا الى التوحيد لأن الخشية أم الخير كله {وليذكر أولوا الألباب} ذوو العقول |
﴿ ٠ ﴾