تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل

أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م)

_________________________________

سورة بنى إسرائيل

سورة بنى إسرائيل مكية وهي مائة وعشر آيات بصرى واحدى عشرة آية كوفي وشامى بسم اللّه الرحمن الرحيم

_________________________________

{سبحان} تنزيه اللّه عن السوء وهو علم للتسبيح كعثمان للرجل وانتصابه بفعل مضمر متروك إظهاره تقديره أسبح اللّه سبحان ثم نزل سبحان منزلة الفعل فسد مسده ودل على التنزيه البليغ

{الذي أسرى بعبده} محمد صلى اللّه عليه وسلم وسرى وأسرى لغتان

{ليلا} نصب على الظرف وقيده بالليل والاسراء لا يكون إلا بالليل للتأكيد أو ليدل بلفظ التنكير على تقليل مدة الاسراء وأنه أسرى به في بعض الليل من مكة إلى الشام مسيرة أربعين ليلة

{من المسجد الحرام} قيل أسرى به من دار أم هانىء بنت أبي طالب والمراد بالمسجد الحرام الحرم لاحاطته بالمسجد والتباسه به وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما الحرم كله مسجد وقيل هو المسجد الحرام بعينه وهوالظاهر فقد قال عليه السلام: بينما انا في المسجد الحرام في ال عند البيت بين النائم واليقظان إذ أتانى جبريل بالبراق وقد عرج بى إلى السماء في تلك الليلة

وكان العروج به من بيت المقدس وقد أخبر قريشا عن عيرهم وعدد جمالها وأحوالها وأخبرهم أيضا بما رأى في السماء من العجائب وأنه لقى الأنبياء عليهم السلام وبلغ البيت المعمور وسدرة المنتهى

وكان الاسراء قبل الهجرة بسنة وكان في اليقظة

وعن عائشة رضي اللّه عنها أنها قالت: واللّه ما فقد جسد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولكن عرج بروحه وعن معاوية مثله

وعلى الأول الجمهور إذ لا فضيلة للحالم ولا مزية للنائم

{إلى المسجد الأقصى} هو بيت المقدس لأنه لم يكن حينئذ وراءه مسجد

{الذي باركنا حوله} يريد بركات الدين والدنيا لأنه متعبد الأنبياء عليهم السلام ومهبط الوحى وهو محفوف بالانهار الجارية والأشجار المثمرة

{لنريه} أي محمدا عليه السلام

{من آياتنا} الدالة على وحدانية اللّه وصدق نبوته وبرؤيته السموات وما فيها من الآيات

{إنه هو السميع} للاقوال

{البصير} بالافعال ولقد تصرف الكلام على لفظ الغائب والمتكلم فقيل أسرى ثم باركنا ثم أنه هو وهي طريقة الالتفات التي هي من طريق البلاغة

٢

{وآتينا موسى الكتاب وجعلناه} أي الكتاب وهو التوارة

{هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا} أي لا تتخذوا وبالياء أبو عمرو أي لئلا يتخذوا

{من دوني وكيلا} ربا تكلون اليه أموركم

٣

{ذرية من حملنا مع نوح} نصب على الاختصاص أو على النداء فيمن قرأ لا تتخذوا بالياء على النهى أي قلنا لهم لا تتخذوا من دونى وكيلا يا ذرية من حملنا مع نوح

{أنه} ان نوحا عليه السلام

{كان عبدا شكورا} في السراء والضراء والشكر مقابلة النعمة بالثناء على المنعم

وروى انه كان لا يأكل ولا يشرب ولا يلبس الا قال الحمد للّه وأنتم ذرية من آمن به وحمل معه فاجعلوه اسوتكم كما جعله آباؤكم اسوتهم وآية رشد الابناء صحة الاقتداء بسنة الآباء وقد عرفتم حال الآباء هنالك فكونوا أيها الابناء كذلك

٤

{وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض} وأوحينا اليهم وحيا مقضيا أي مقطوعا مبتوتا بأنهم يفسدون في الأرض لا محالةوالكتاب التوارة ولتفسدن جواب قسم محذوف أو جرى القضاء المبتوت مجرى القسم فيكون لتفسدن جوابا له كانه قال وأقسمنا لتفسدن في الأرض

{مرتين} اولاهما قتل زكرياء عليه السلام وحبس أرمياء عليه السلام حين أنذرهم سخط اللّه والأخرى قتل يحيى بن زكرياء عليهما السلام وقصد قتل عيسى عليه السلام

{ولتعلن علوا كبيرا} ولتستكبرن عن طاعة اللّه من قوله أن فرعون علا في الأرض والمراد به البغى والظلم وغلبة المفسدين على المصلحين

٥

{فإذا جاء وعد أولاهما} أي وعد عقاب أولاهما

{بعثنا عليكم} سلطنا عليكم

{عبادا لنا أولي بأس شديد} أشداء في القتال يعنى سنجاريب وجنوده أو بختنصر أو جالوت قتلوا علماءهم وأحرقوا التوارة وخربوا المسجد وسبوا منهم سبعين ألفا

{فجاسوا خلال الديار} ترددوا للغارة فيها قال الزجاج الجوس طلب الشيء بالاستقصاء

{وكان وعدا مفعولا} وكان وعد العقاب وعد الابدان يفعل

٦

{ثم رددنا لكم الكرة} أي الدولة والغلبة

{عليهم} على الذين بعثوا عليكم حين تبتم ورجعتم عن الفساد والعلو قيل هي قتل بختنصر واستنقاذ بنى اسرائيل أسراهم وأموالهم ورجوع الملك اليهم وقيل أعدنا لكم الدولة بملك طالوت وقتل داود جالوت

{وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا} مما كنتم وهو تمييز جمع نفر وهو من ينفر مع الرجل من قومه

٧

{إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها} قيل اللام بمعنى على كقوله وعليها ما اكتسبت [البقرة:٢٨٦] والصحيح أنها على بابها لأن اللام للاختصاص والعامل مختص بجزاء عمله حسنة كانت أو سيئة يعنى أن الاحسان والاساءة تختص بأنفسكم لا يتعدى النفع والضرر إلى غيركم وعن على رضي اللّه عنه ما أحسنت إلى أحد ولا أسأت اليه وتلاها

{فإذا جاء وعد الآخرة} وعد المرة الآخرة بعثناهم

{ليسوؤوا} أي هؤلاء

{وجوهكم} وحذف لدلالة ذكره أولا عليه أي ليجعلوها بادية آثار المساءة والكآبة فيها كقوله سيئت وجوه الذين كفروا [ن:٢٧] ليسوء شامى وحمزة وأبو بكر والضمير للّه عز وجل أو للوعد أو للبعث لنسوء على

{وليدخلوا المسجد} بيت المقدس

{كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا} ما علوا مفعول لتبروا أي ليهلكوا كل شيء غلبوه واستولوا عليه أو بمعنى مدة علوهم

٨

{عسى ربكم أن يرحمكم} بعد المرة الثانية ان تبتم توبة اخرى وانزجرتم عن المعاصى

{وإن عدتم} مرة ثالثة

{عدنا} إلى عقوبتكم وقد عادوا فأعاد اللّه عليهم النقمة بتسليط الأكاسرة وضرب الأتاوة عليهم وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما سلط عليهم المؤمنون إلى يوم القيامة

{وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا} محبسا يقال للسجن محصر وحصير

٩

{إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} للحالة التي هي أقوم الحالات وأسدها وهي توحيد اللّه والايمان برسله والعمل بطاعته أو للملة أو للطريقة

{ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات} ويبشر حمزة وعلى

{أن لهم} بأن لهم

{أجرا كبيرا} أي الجنة

١٠

{وإن الذين} وبأن الذين

{لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا} أي أعددنا قلبت تاء

{لهم عذابا أليما} يعنى النار والآية ترد القول بالمنزلة بين المنزلتين حيث ذكر المؤمنين وجزاءهم والكافرين وجزاءهم ولم يذكر الفسقة

١١

{ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير} أي ويدعو اللّه عند غضبه بالشر على نفسه وأهله وماله وولده كما يدعو لهم بالخير أو يطلب النفع العاجل وان قل بالضرر الآجل وان جل

{وكان الإنسان عجولا} يتسرع إلى طلب كل ما يقع في قلبه ويخطر بباله لا يأتى فيه تأنى المتبصر أو اريد بالإنسان الكافر وأنه يدعوه بالعذاب استهزاء ويستعجل به كما يدعو بالخير إذا مسته الشدة وكان الإنسان عجولا يعنى أن العذاب آتيه لا محالة فما هذا الاستعجال وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما هو النصر بن الحرث قال اللّهم إن كان هذا هو الحق من عندك الآية فأجيب فضربت عنقه صبرا وسقوط الواو من يدع في الخط على موافقة اللفظ

١٢

{وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة} أي الليل والنهار آيتان في أنفسهما فتكون الإضافة في آية الليل وآية النهار للتبيين كإضافة العدد إلى المعدود أي فمحونا الآية التي هي الليل وجعلنا الآية التي هي النهار مبصرة أو وجعلنا نيرى الليل والنهار آيتيتن يريد الشمس والقمر فمحونا آية الليل التي هي القمر حيث لم يخلق له شعاعا كشعاع الشمس فترى الأشياء به رؤية بينة وجعلنا الشمس ذات شعاع يبصر في ضوئها كل شيء

{لتبتغوا فضلا من ربكم} لتتوصلوا ببياض النهار إلى التصرف في معايشكم

{ولتعلموا} باختلاف الجديدين

{عدد السنين والحساب} يعنى حساب الآجال ومواسم الأعمال ولو كانا مثلين لما عرف الليل من النهار ولا استراح حراص المكنسبين والتجار

{وكل شيء} مما تفتقرون إليه في دينكم ودنياكم

{فصلناه تفصيلا} بيناه بيانا غير ملتبس فازحنا عللكم وما تركنا لكم حجة علينا

١٣

{وكل إنسان ألزمناه طائره} عمله

{في عنقه} يعنى أن عمله لازم له لزوم القلادة أو الغل للعنق لا يفك عنه

{ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه} هو صفة لكتابا يلقاه شامى

{منشورا} حال من يلقاه يعنى غير مطوى ليمكنه قراءته أو هما صفتان للكتاب ونقول له

١٤

{اقرأ كتابك} أي كتاب أعمالك وكل يبعث قارئا

{كفى بنفسك اليوم عليك} الباء زائده أي كفى نفسك

{حسيبا} تمييز وهو بمعنى حاسب وعلى متعلق به من قولك حسب عليه كذا أو بمعنى الكافى وضع موضع الشهيد فعدى بعلى لأن الشاهد يكفى المدعى ما أهمه وإنما ذكر حسيبا لأنه بمنزلة الشهيد والقاضي والأمير إذ الغالب أن يتولى هذه الأمور الرجال فكأنه قيل كفى نفسك رجلا حسيبا أو تؤول النفس بالشخص

١٥

{من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها} أي فلها ثواب الاهتداء وعليها وبال الضلال

{ولا تزر وازرة وزر أخرى} أي كل نفس حاملة وزرا فإنما تحمل وزرها لا وزر نفس أخرى

{وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} وما صح منا أن نعذب قوما عذاب استئصال في الدنيا إلا بعد أن نرسل إليهم رسولا يلزمهم الحجة

١٦

{وإذا أردنا أن نهلك قرية} أي أهل قرية

{أمرنا مترفيها} متنعميها وجبابرتها بالطاعة عن أبي عمرو والزجاج

{ففسقوا فيها} أي خرجوا عن الأمر كقولك أمرته فعصى أو امرنا كثرنا دليله قراءة يعقوب أمرنا ومنه الحديث خير المال سكة مأبورة ومهرة مأمورة أي كثيرة النسل

{فحق عليها القول} فوجب عليها الوعيد

{فدمرناها تدميرا} فأهلكناها إهلاكا

١٧

{وكم} مفعول

{أهلكنا من القرون} بيان لكم

{من بعد نوح} يعنى عادا وثمود وغيرهما

{وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا} وإن أخفوها في الصدور

{بصيرا} وإن أرخوا عليها الستور

١٨

{من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء} لا ما يشاء

{لمن نريد} بدل من له بإعادة الجار وهو بدل البعض من الكل إذ الضمير يرجع إلى من أي من كانت العاجلة همه ولم يرد غيرها كالكفرة تفضلنا عليه من منافعها بما يشاء لمن نريد فقيد المعجل بمشيئته والمعجل له بإرادته وهكذا الحال ترى كثيرا من هؤلاء يتمنون ما يتمنون ولا يعطون إلا بعضا منه وكثيرا منهم يتمنون ذلك البعض وقد حرموه فاجتمع عليهم فقر الدنيا وفقر الآخرة وأما المؤمن التقى فقد اختار غنى الآخرة فإن أوتى حظا من الدنيا فبها وإلا فربما كان الفقر خيرا له

{ثم جعلنا له جهنم} في الآخرة

{يصلاها} يدخلها

{مذموما} ممقوتا

{مدحورا} مطرودا من رحمة اللّه

١٩

{ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها} هو مفعول به أو حقها من السعى وكفاءها من الأعمال الصالحة

{وهو مؤمن} مصدق للّه في وعده ووعيده

{فأولئك كان سعيهم مشكورا} مقبولا عند اللّه مثابا عليه عن بعض السلف من لم يكن معه ثلاث لم ينفعه عمله إيمان ثابت ونية صادقة وعمل مصيب وتلا الآية فإنه شرط فيها ثلاث شرائط في كون السعى مشكورا إرادة الآخرة والسعى فيما كلف والإيمان الثابت

٢٠

{كلا} كل واحد من الفريقين والتنوين عوض عن المضاف إليه وهو منصوب بقوله

{نمد هؤلاء} بدل من كلا اى نمد هؤلاء

{وهؤلاء} أي من أراد العاجلة ومن أراد الآخرة

{من عطاء ربك} رزقه ومن تتعلق بنمد والعطاء اسم للمعطى أي نزيدهم من عطائنا ونجعل الآنف منه مددا للسالف لا نقطعه فنرزق المطيع والعاصى جميعا على وجه التفضل

{وما كان عطاء ربك محظورا} ممنوعا عن عباده وان عصوا

٢١

{انظر} بعين الاعتبار

{كيف فضلنا بعضهم على بعض} في المال والجاه والسعة والكمال

{وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا} روى أن قوما من الأشراف فمن دونهم اجتمعوا بباب عمر رضي اللّه عنه فخرج الإذن لبلال وصهيب فشق على أبي سفيان فقال سهيل بن عمرو إنما أتينا من قبلنا أنهم دعوا ودعينا يعنى إلىالاسلام فأسرعوا وأبطأنا وهذا باب عمر فكيف التفاوت في الآخرة ولئن حسدتموهم على باب عمر لما أعد اللّه لهم في الجنة أكثر

٢٢

{لا تجعل مع اللّه إلها آخر} الخطاب للنبي صلى اللّه عليه وسلم والمراد به أمته

{فتقعد مذموما مخذولا} فتصير جامعا على نفسك الذم والخذلان

وقيل مشتوما بالإهانة محروما عن الإعانة إذ الخذلان ضد النصر والعون دليله قوله تعالى إن ينصركم اللّه فلا غالب لكم وان يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده [آل عمران:١٦٠] حيث ذكر الخذلان بمقابلة النصر

٢٣

{وقضى ربك} وأمر أمرا مقطوعا به

{ألا تعبدوا إلا إياه} أن مفسرة ولا تعبدوا نهى أو بأن لا تعبدوا

{وبالوالدين إحسانا} وأحسنوا بالوالدين إحسانا أو بأن تحسنوا بالوالدين إحسانا

{إما يبلغن عندك الكبر} اما هي ان الشرطية زيدت عليها ما تأكيدا لها ولذا دخلت النون المؤكدة في الفعل ولو أفردت إن لم يصح دهولها لا تقول أن تكرمن زيدا يكرمك ولكن اما تكرمنه

{أحدهما} فاعل يبلغن وهو في قراءة حمزة وعلى يبلغان بدل من ألف الضمير الراجع إلى الوالدين

{أو كلاهما} عطف على أحدهما فاعلا وبدلا

{فلا تقل لهما أف} مدنى وحفص أف مكى وشامى أف غيرهم وهو صوت يدل على تضجر فالكسر على اصل التقاء الساكنين والفتح للتخفيف والتنوين لإرادة التنكير أي أتضجر تضجرا وتركه لقصد التعريف أي أتضجر التضخير المعلوم

{ولا تنهرهما} ولا تزجرهما عما يتعاطيانه مما لا يعجبك والنهى والنهر اخوان

{وقل لهما} بدل التأفيف والنهر

{قولا كريما} جميلا لينا كما يقتضيه حسن الأدب أو هو أن يقول يا أبتاه يا اماه ولا يدعوهما بأسمائهما فإنه من الجفاء ولا بأس به في غير وجهه كما قالت عائشة رضي اللّه عنها نحلنى أبو بكر كذا وفائدة عندك أنهما إذا صارا كلا على ولدهما ولا كافل لهما غيره فهما عنده في بيته وكنفه وذلك أشق عليه فهو مأمور بأن يستعمل معهما لين الخلق حتى لا يقول لهما إذا أضجره ما يستقذر منهما ألف فضلا عما يزيد عليه ولقد بالغ سبحانه في التوصية بهما حيث افتتحها بأن شفع الإحسان إليهما بتوحيده ثم ضيق الأمر في مراعاتهما حتى لم يرخص في أدنى كلمة تنفلت من المتضجر مع موجبات الضجر ومع أحوال لا يكاد يصبر الإنسان معها

٢٤

{واخفض لهما جناح الذل} اي اخفض لهما جناحك كما قال واخفض جناحك للمؤمنين فأضافه إلى الذل كما أضيف حاتم إلى الجود والمعنى واخفض لهما جناحك الذليل

{من الرحمة} من فرط رحمتك لهما وعطفك عليهما لكبرهما وافتقارهما اليوم إلى من كان أفقر خلق اللّه اليهما بالأمس وقال الزجاج وألن جانبك متذللا لهما من مبالغتك في الرحمة لهما

{وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا} ولا تكتف برحمتك عليهما التي لا بقاء لها وادع اللّه بأن يرحمهما رحمته الباقية واجعل ذلك جزاء لرحمتهما عليك في صغرك وتربيتهما لك والمراد بالخطاب غيره عليه السلام والدعاء مختص بالأبوين المسلمين

وقيل إذا كانا كافرين له ان يسترحم لهما بشرط الإيمان وأن يدعوا اللّه لهما بالهداية

وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم: رضا اللّه في رضا الوالدين وسخطه في سخطهما

وروى: يفعل البار ما شاء أن يفعل يفعل فلن يدخل النار ويفعل العاق ما شاء أن يفعل فلن يدخل الجنة

وعنه عليه السلام: إياكم وعقوق الوالدين فإن الجنة يوجد ريحها من مسيرة ألف عام ولا يجد ريحها عاق ولا قاطع رحم ولا شيخ زان ولا جار إزاره خيلاء ان الكبرياء للّه رب العالمين

٢٥

{ربكم أعلم بما في نفوسكم} بما في ضمائركم من قصد البر إلى الوالدين ومن النشاط والكرامة في خدمتهما

{إن تكونوا صالحين} قاصدين الصلاح والبر ثم فرطت منكم في حال الغضب وعند حرج الصدر هنة تؤدي إلى أذاهما ثم أبتم إلى اللّه واستغفرتم منها

{فإنه كان للأوابين غفورا} الأواب الذي إذا أذنب بادر إلى التوبة فجاز أن يكون هذا عاما لكل من فرطت منه جناية ثم تاب منها ويندرج تحته الجانى على أبويه التائب من جنايته لوروده على أثره

٢٦

{وآت ذا القربى} منك

{حقه} أي النفقة إذا كانوا محارم فقراء

{والمسكين وابن السبيل} أي وآت هؤلاء حقهم من الزكاة

{ولا تبذر تبذيرا} ولا تسرف إسرافا قيل التبذير تفريق المال في غير الحل والمحل فعن مجاهد لو أنفق مدا في باطل كان تبذيرا وقد أنفق بعضهم نفقة في خير فأكثر فقال له صاحبه لا خير في السرف فقال لا سرف في الخير

٢٧

{إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين} أمثالهم في الشرارة وهي غاية المذمة لأنه لا شر من الشيطان أو هم إخوانهم وأصدقاؤهم لأنهم يطيعونهم فيما يأمرونهم به من الإسراف

{وكان الشيطان لربه كفورا} فما ينبغى أن يطاع فإنه لا يدعو إلا إلى مثل فعله

٢٨

{وإما تعرضن عنهم} وان أغرضت عن ذي القربى والمسكين وابن السبيل حياء من الرد

{ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا} أي وان أعرضت عنهم لفقد رزق من ربك ترجو ان يفتح لك فسمى الرزق رحمة فردهم ردا جميلا فوضع الابتغاء موضع الفقد لأن فاقد الرزق مبتغ له فكان الفقد سبب الابتغاء والابتغاء مسببا عنه فوضع المسبب موضع السبب يقال يسر الأمر وعسر مثل سعد الرجل ونحس فهو مفعول وقيل معناه فقل لهم رزقنا اللّه واياكم من فضله على أنه دعاء لهم ييسر عليهم فقرهم كان معناه قولا ذا ميسور وهو اليسر أي دعاء فيه يسر وابتغاء مفعول له أو مصدر في موضع الحال وترجوها حال

٢٩

{ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط} كل نصب على المصدر لاضافته إليه وهذا تمثيل لمنع الشحيح وإعطاء المسرف أمر بالاقتصاد الذي هو بين الاسراف والتقتير

{فتقعد ملوما} فتصير ملوما عند اللّه لأن المسرف غير مرضى عنده وعند الناس يقول الفقير أعطى فلانا وحرمنى ويقول الغنى ما يحسن تدبير أمر المعيشة وعند نفسك إذا احتجت فندمت على ما فعلت

{محسورا} منقطعا بك لا شيء عندك من حسره السفر إذا أثر فيه أثرا فيه أثرا بليغا أو عاريا من حسر رأسه وقد خاطرت مسلمة ضرتها اليهودية في أنه يعنى محمدا عليه السلام أجود من موسى عليه السلام فبعثت ابنتها تسأله قميصه الذي عليه فدفعه وقعد عريانا فأقيمت الصلاة فلم يخرج للصلاة فنزلت ثم صلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بأن ذلك ليس لهوان منك عليه ولا لبخل به عليك ولكن لأن بسط الأرزاق وقدرها مفوض إلى اللّه تعالى فقال

٣٠

{إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء} فليس البسط إليك

{ويقدر} أي هو يضيق فلا لوم عليك

{إنه كان بعباده خبيرا} بمصالحهم فيمضيها

{بصيرا} بحوائجهم فيقضيها

٣١

{ولا تقتلوا أولادكم} قتلهم أولادهم وأدهم بناتهم

{خشية إملاق} فقر

{نحن نرزقهم وإياكم} نهاهم عن ذلك وضمن أرزاقهم

{إن قتلهم كان خطأ كبيرا} اثما عظيما يقال خطىء خطأ كأثم اثما وخطأ وهو ضد الصواب اسم من أخطأ وقيل هو والخطأ كالحذر والحذر خطاء بالمد والكسر مكى

٣٢

{ولا تقربوا الزنى} القصر فيه أكثر والمدلغة وقد قرىء به وهو نهى عن دواعى الزنا كالمس والقبلة ونحوهما ولو أريد النهى عن نفس الزنا لقال ولا تزنوا

{إنه كان فاحشة} معصية مجاوزة حد الشرع والعقل

{وساء سبيلا} وبئس طريقا طريقه

٣٣

{ولا تقتلوا النفس التي حرم اللّه إلا بالحق} أي بارتكاب ما يبيح الدم

{ومن قتل مظلوما} غير مرتكب ما يبيح الدم

{فقد جعلنا لوليه سلطانا} تسلطا على القاتل في الاقتصاص منه

{فلا يسرف في القتل} الضمير للولى أي فلا يقتل غير القاتل ولا اثنين والقاتل واحد كعادة أهل الجاهلية أو الاسراف المثلة والضمير للقاتل الأول فلا تسرف حمزة وعلى على خطاب الولى أو قاتل المظلوم

{إنه كان منصورا} الضمير للولى أي حسبه ان اللّه قد نصره بأن أوجب له القصاص فلا يستزد على ذلك أو للمظلوم اي اللّه ناصره حيث أوجب القصاص بقتله وينصره في الآخرة بالثواب أو للذي يقتله الولى بغير حق ويسرف في قتله فإنه كان منصورا بإيجاب القصاص على المسرف وظاهر الآية يدل على أن القصاص يجرى بين الحر والعبد وبين المسلم والذمى لأن أنفس أهل الذمة والعبيد داخلة في الآية لكونها محرمة

٣٤

{ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن} بالخصلة والطريقة التي هي أحسن وهي حفظه وتثميره

{حتى يبلغ أشده} أي ثمانى عشرة سنة

{وأوفوا بالعهد} بأوامر اللّه تعالى ونواهيه

{إن العهد كان مسؤولا} مطلوبا يطلب من المعاهد أن لا يضيعه ويفى به أو أن صاحب العهد كان مسئولا

٣٥

{وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس} بكسر القاف حمزة وعلى وحفص وهو كل ميزان صغير أو كبير من موازين الدراهم وغيرها وقيل هو القرسطون أي القبان

{المستقيم} المعتدل

{ذلك خير} في الدنيا

{وأحسن تأويلا} عاقبة وهو تفعيل من آل إذا رجع وهو ما يؤل إليه

٣٦

{ولا تقف ما ليس لك به علم} ولا تتبع ما لم تعلم أي لا تقل رأيت وما رأيت وسمعت وما سمعت وعن ابن الحنفية لا نشهد بالزور وعن ابن عباس لا ترم أحدا بما لا تعلم ولا يصح التثبت به لمبطل الاجتهاد لأن ذلك نوع من العلم فإن علمتموهن مؤمنات وأقام الشارع غالب الظن مقام العلم وأمر بالعمل به كما في الشهادات ولنا في العمل بخير الواحد لما ذكرنا

{إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا} أولئك إشارة الى السمع والبصر والفؤاد لأن أولئك كما يكون إشارة إلى العقلاء يكون إشارة الى غيرهم كقول جرير

ذم المنازل بعد منزلة اللوى  والعيش بعد أولئك الأيام

وعنه في موضع الرفع بالفاعلية أي كل واحد منها كان مسئولا عنه فمسئول مسند إلى الجار والمجرور كالمغضوب في غير المغضوب عليهم يقال للانسان لم سمعت ما لم يحل لك سماعه ولم نظرت إلى ما لم يحل لك النظر إليه ولم عزمت على ما لم يحل لك العزم عليه كذا في الكشاف وفيه نظر لبعضهم لأن الجار والمجرور إنما يقومان مقام الفاعل إذا تأخرا عن الفعل فأما إذا تقدما فلا

٣٧

{ولا تمش في الأرض مرحا} هو حال أي ذا مرح

{إنك لن تخرق الأرض} لن تجعل فيها خرقا بدوسك لها وشدة وطئتك

{ولن تبلغ الجبال طولا} بتطاولك وهوتهكم بالمختال أو لن تحاذيها قوة وهو حال من الفاعل أو المفعول

٣٨

{كل ذلك كان سيئه} كوفى وشامى على إضافة سيىء إلى ضمير كل سيئة غيرهم

{عند ربك مكروها} ذكر مكروها لأن السيئة في حكم الأسماء بمنزلة الذنب والإثم زال عنه حكم الصفات فلا اعتبار بتأنيثه ألا تراك تقول الزنا سيئة كما تقول السرقة سيئة فإن قلت الخصال المذكورة بعضها سىء وبعضها حسن ولذلك قرأ من قرأ سيئه بالإضافة أي ما كان من المذكور سيئا كان عند اللّه مكروها فما وجه قراءة من قرأ سيئة قلت كل ذلك احاطة بما نهى عنه خاصة لا بجميع الخصال المعدودة

٣٩

{ذلك} اشارة الى ما تقدم من قوله لا تجعل مع اللّه الها آخر الى هذه الغاية

{مما أوحى إليك ربك من الحكمة} مما يحكم العقل بصحته وتصلح النفس باسوته

{ولا تجعل مع اللّه إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا} مطرودا من الرحمة عن ابن عباس رضي اللّه عنهما هذه الثمانى عشرة آية كانت في ألواح موسى عليه السلام أولها لا تجعل مع اللّه إلها آخر وأخرها مدحورا ولقد جعلت فاتحتها وخاتمتها والنهى عن الشرك لأن التوحيد رأس كل حكمة وملاكها ومن عدمه لم تنفعه حكمة وان بذفيها الحكماء وحك بيافوخه السماء وما أعنت عن الفلاسفة أسفار الحكم وهم عن دين اللّه أضل من النعم ثم خاطب الذين قالوا الملائكة بنات اللّه بقوله

٤٠

{أفأصفاكم ربكم بالبنين} الهمزة للانكار يعنى أفخصكم ربكم على وجه الخلوص والصفاء بأفضل الأولاد وهم البنون

{واتخذ من الملائكة إناثا} واتخذ أدونهم وهي البنات وهذا خلاف الحكمة وما عليه معقولكم فالعبيد لا يؤثرون بأجود الأشياء وأصفاها ويكون أردؤها وأدونها للسادات

{إنكم لتقولون قولا عظيما} حيث أضفتم إليه الأولاد وهي من خواص الأجسام ثم فضلتم عليه أنفسكم حيث تجعلون له ما تكرهون

٤١

{ولقد صرفنا في هذا القرآن} أي التنزيل والمراد ولقد صرفناه أي هذا المعنى في مواضع من التنزيل فترك الضمير لأنه معلوم

{ليذكروا} وبالتخفيف حمزة وعلى أي كررناه ليتعظوا

{وما يزيدهم إلا نفورا} عن الحق وكان الثورى إذا قرأها يقول زادنى لك خضوعا ما زاد أعداءك نفورا

٤٢

{قل لو كان معه} مع اللّه

{آلهة كما يقولون} وبالياء مكى وحفص

{إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا} يعنى لطلبوا إلى من له الملك والربوبية سبيلا بالمغالبة كما يفعل الملوك بعضهم مع بعض أو لتقربوا إليه كقوله أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة [الاسراء:٥٧] وإذا دالة على أن ما بعدها وهو لابتغوا جواب عن مقالة المشركين وجزاء للو

٤٣

{سبحانه وتعالى عما يقولون} وبالثاء حمزة وعلى

{علوا} أي تعاليا والمراد البراءة من ذلك والنزاهة

{كبيرا} وصف العلو بالكبر مبالغة في معنى البراءة والبعد مما وصفوه به

٤٤

{يسبح} وبالتاء عراقى غير أبي بكر

{له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده} أي يقول سبحان اللّه وبحمده عن السدى قال عليه السلام: ما اصطيد حوت في البحر ولا طائر يطير إلا بما يضيع من تسبيح اللّه تعالى

{ولكن لا تفقهون تسبيحهم} لاختلاف اللغات أو لتعسر الادراك أو سبب لتسبيح الناظر أليه والدال على الخير كفاعله والوجه الأول

{إنه كان حليما} عن جهل العباد

{غفورا} لذنوب المؤمنين

٤٥

{وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا} ذا ستر أو حجابا لا يرى فهو مستور

٤٦

{وجعلنا على قلوبهم أكنة} جمع كنان وهو الذي يستر الشيء

{أن يفقهوه} كراهة أن يفقهوه

{وفي آذانهم وقرا} ثقلا يمنع عن الاستماع

{وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده} يقال وحد يحد وحدا وحدة نحو وعد يعد وعدا وعدة فهو مصدر سد مسد الحال أصله يحد وحده بمعنى وحدا

{ولوا على أدبارهم} رجعوا على أعقابهم

{نفورا} مصدر بمعنى التولية أو جمع نافر كقاعد وقعود أي يحبون أن تذكر معه آلهتهم لأنهم مشركون فاذا سمعوا بالتوحيد نفروا

٤٧

{نحن أعلم بما يستمعون به} أي نحن اعلم بالحال أو الطريقة التي يستمعون القرآن به فالقرآن هو المستمع وهو محذوف وبه حال وبيان لما أن يستمعون القرآن هازئين لا جادين والواجب عليهم أن يستمعوه جادين

{إذ يستمعون إليك} نصب بأعلم أي أعلم وقت استماعهم بما به يستمعون

{وإذ هم نجوى} وبما يتناجون به إذ هم ذوو نجوى

{إذ يقول الظالمون} بدل من اذهم

{إن تتبعون إلا رجلا مسحورا} سحر فجن

٤٨

{انظر كيف ضربوا لك الأمثال} مثلوك بالشاعر والساحر والمجنون

{فضلوا فلا يستطيعون سبيلا} أي فضلوا في جميع ذلك ضلال من يطلب في التيه طريقا يسلكه فلا يقدر عليه فهو متحير في أمره لا يدرى ما يصنع

٤٩

{وقالوا} أي منكروا البعث

{أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا} أي مجددا وخلقا حال أي مخلوقين

٥٠

{قل كونوا حجارة أو حديدا}

٥١

{أو خلقا مما يكبر في صدوركم} أي السموات والأرض فانها تكبر عندكم عن قبول الحياة

{فسيقولون من يعيدنا قل} يعيدكم

{الذي فطركم أول مرة} والمعنى انكم تستبعدون ان يجدد اللّه خلقكم ويرده الى حال الحياة بعدما كنتم عظاما يابسة مع أن العظام بعض أجزاء الحي بل هي عمود خلقه الذي يبنى عليه سائره فليس ببدع أن يردها اللّه بقدرته الى الحالة الأولى ولكن لو كنتم أبعد شيء من الحياة هو ان تكونوا حجارة أو حديدا لكان قادرا على أن يردكم الى حال الحياة

{فسينغضون إليك رؤوسهم} فسيحركونها نحوك تعجبا واستهزاء

{ويقولون متى هو} أي البعث استعبادا له ونفيا

{قل عسى أن يكون قريبا} أي هو قريب وعسى للوجوب

٥٢

{يوم يدعوكم} إلى المحاسبة وهو يوم القيامة

{فتستجيبون بحمده} أي تجبيبون حامدين والياء للحال عن سعيد بن جبير ينفضون التراب عن رءوسهم ويقولون سبحانك اللّهم وبحمدك

{وتظنون إن لبثتم إلا قليلا} أي لبثا قليلا أو زمانا قليلا في الدنيا أو في القبر

٥٣

{وقل لعبادي} وقل للمؤمنين

{يقولوا} للمشركين الكلمة

{التي هي أحسن} وألين ولا يخاشنوهم وهي أن يقولوا يهديكم اللّه

{إن الشيطان ينزغ بينهم} يلقى بينهم الفساد وويغرى بعضهم على بعض ليوقع بينهم المشاقة والنزع ايقاع الشر وافساد ذات البين وقرأ طلحة ينزغ بالكسر وهم لغتان

{إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا} ظاهر العداوة أو فسر التي هي أحسن بقوله

٥٤

{ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم} بالهداية والتوفيق

{أو إن يشأ يعذبكم} بالخذلان أي يقولوا لهم هذه الكلمة ونحوها ولا يقولوا لهم انكم من اهل النار وانكم معذبون وما أشبه ذلك مما يغيظهم ويهيجهم على الشر وقوله ان الشيطان ينزغ بينهم [الاسراء:٥٣] اعتراض

{وما أرسلناك عليهم وكيلا} حافظا لأعمالهم وموكولا اليك أمرهم وانما أرسلناك بشيرا و نذيرا فدارهم ومر أصحابك بالمداراة

٥٥

{وربك أعلم بمن في السماوات والأرض} وبأحوالهم وبكل ما يستأهل كل واحد منهم

{ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض} فيه اشارة الى تفضيل رسول اللّه صلى اله عليه وسلم وقوله

{وآتينا داود زبورا} دلالة على وجه تفضيله وأنه خاتم الانبياء وان أمته خير الأمم لأن ذلك مكتوب في زبور داود قال اللّه تعالى ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادى الصالحون [الانبياء:١٠٥] وهم محمد وأمته ولم يعرف الزبور هنا وعرفه في قوله ولقد كتبنا في الزبور لأنه كالعباس وعباس والفضل وفضل

٥٦

{قل ادعوا الذين زعمتم} انها آلهتكم

{من دونه} من دون اللّه وهم الملائكة أو عيسى وعزير أو نفر من الجن عبدهم ناس من العرب ثم أسلم الجن ولم يشعروا

{فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا} أي ادعوهم فهم لا يستطيعون أن يكشفوا عنكم الضر من مرض أو فقر أو عذاب ولا ان يحولوه من واحد الى آخر

٥٧

{أولئك} مبتدأ

{الذين يدعون} صفة أي يدعونهم آلهة أو يعبدونهم والخير

{يبتغون إلى ربهم الوسيلة} يعنى أن آلهتهم أولئك يبتغون الوسيلة وهي القربة الى اللّه عز وجل

{أيهم} بدل من واو يبتغون وأي موصولة أي يبتغى من هو

{أقرب} منهم الوسيلة الى اللّه فكيف بغير الاقرب أو ضمن يبتغون الوسيلة معنى يحرصون فكأنه قيل يحرصون أيهم يكون أقرب الى اللّه وذلك بالطاعة وازدياد الخير

{ويرجون رحمته ويخافون عذابه} كغيرهم من عباد اللّه فكيف يزعمون انهم آلهة

{إن عذاب ربك كان محذورا} حقيقا بأن يحذره كل أحد من ملك مقرب ونبى مرسل فضلا عن غيرهم

٥٨

{وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا} قبل الهلاك للصالحة والعذاب للطالحة

{كان ذلك في الكتاب} في اللوح المحفوظ

{مسطورا} مكتوبا وعن مقاتل وجدت في كتب الضحاك في تفسيرها

أما مكة فيخربها الحبشة وتهلك المدنية بالجوع والبصرة بالغرق والكوفة بالترك والجبال بالصواعق والرواجف وأما خراسان فعذابها ضروب

وأما بلخ فتصيبهم هدة فيهلك أهلها

وأما بدخشان فيخربها أقوام

وأماترمذ فأهلها يموتون بالطاعون

وأما صغانيان الى واشجرد فيقتلون بقتل ذريع واما سمرقند فيغلب عليها بنو قنطوراء فيقتلون أهلها قتلا ذريعا وكذا فرغانة والشاش واسبيجاب وخوارزم

وأما بخارى فهي أرض الجبابرة فيموتون قحطا وجوعا

وأما مرو فيغلب عليها الرمل ويهلك بها العلماء والعباد

وأما هراة فيمطرون بالحيات فتأكلهم أكلا وأما نيسابور فيصيب أهلها رعد وبرق وظلمة فيهلك أكثرهم

وأما الرى فيغلب عليها الطبرية والديلم فيقتلونهم

وأما أرمينية وأذربيجان فيهلكها سنابك الخيول والجيوش والصواعق والرواجف

وأما همذان فالديلم يدخلها ويخربها

وأما حلوان فيمر بها ريح ساكنة وهم نيام فيصبح أهلها قردة وخنازير ثم يخرج رجل من جهينة فيدخل مصر فويل لاهلها ولأهل دمشق وويل لأهل افريقية وويل لأهل الرملة ولا يدخل بيت المقدس

وأما سجستان فيصيبهم ريح عاصف أياما ثم هدة تأتيهم ويموت فيها العلماء

وأما كرمان واصبهان وفارس فيأتيهم عدو وصاحوا صيحة تنخلع القلوب وتموت الابدان

٥٩

{وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون} استعير المنع لترك ارسال الآيات وأن الأولى مع صلتها في موضع النصب لأنها مفعول ثان لمنعا وأن الثانية مع صلتها في موضع الرفع لانها فاعل منعنا والتقدير وما منعنا إرسال الآيات إلا تكذيب الاولين والمراد الآيات التي اقترحتها قريش من قلب الصفا ذهبا ومن احياء الموتى وغير ذلك وسنة اللّه في الأمم أن من اقترح منهم آية فأجيب إليها ثم لم يؤمن أن يعاجل بعذاب الاستئصال والمعنى وما منعنا عن ارسال ما يقترحونه من الآيات الا أن كذب بها الذين هم امثالهم من المطبوع على قلوبهم كعاد و ثمود وأنها لو أرسلت لكذبوا بها تكذيب أولئك وعذبوا العذاب المستأصل وقد حكمنا أن نؤخر امر من بعثت اليهم الى يوم القيامة ثم ذكر من تلك الآيات التي اقترحها الأولون ثم كذبوا بها لما أرسلت فاهلكوا واحدة وهي ناقة صالح عليه السلام لأن آثار هلاكهم قريبة من حدودهم يبصرها صادرهم وواردهم فقال

{وآتينا ثمود الناقة} باقتراحهم

{مبصرة} آية بينة

{فظلموا بها} فكفروا بها

{وما نرسل بالآيات} أن أراد بها الآيات المقترحة فالمعنى لا نرسلها

{إلا تخويفا} من نزول العذاب العاجل كالطليعة والمقدمة له فإن لم يخافوا وقع عليهم وان أراد غيرها فالمعنى وما نرسل ما نرسل من الآيات كآيات القرآن وغيرها إلا تخويفا وانذار بعذاب الآخرة وهو مفعول له

٦٠

{وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس} واذكر إذ أوحيا اليك أن ربك أحاط بقريش علما وقدرة فكلهم في قبضته فلا تبال بهم وامض لأمرك وبلغ ما أرسلت به أو بشرناك بوقعة بدر وبالنصرة عليهم وذلك قوله سيهزم الجمع ويولون الدبر [القمر:٤٥] قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون الى جهنم وبئس المهاد [آل عمران:١٢] فجعله كأن قد كان ووجد فقال احاط بالناس على سنته في اخباره ولعل اللّه تعالى أراه مصارعهم في منامه فقد كان يقول حين ورد ماء بدر واللّه لكأنى أنظر الى مصارع القوم وهو يومىء إلى الأرض ويقول هذا مصرع فلان فتسامعت قريش بما اوحى إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من أمر بدر وما ارى في منامه مصارعهم فكانوا يضحكون ويسخرون ويستعجلون به استهزاء

{والشجرة الملعونة في القرآن} أي وما جعلنا الشجرة الملعونة في القرآن إلا فتنة للناس فانهم حين سمعوا بقوله ان شجرة الزقوم طعام الاثيم جعلوها سخرية وقالوا ان محمد يزعم أن الجحيم تحرق الحجارة ثم يقول تنبت فيها الشجرة وما قدروا اللّه حق قدره إذ قالوا ذلك فانه لا يمتنع ان يجعل اللّه الشجرة من جنس لا تأكله النار فوبر السمندل وهو دويبة ببلاد الترك يتخذ منه مناديل إذا اتسخت طرحت في النار فذهب الوسخ وبقى المنديل سالما لا تعمل فيه النار وترى النعامة تبتلع الجمر فلا يضرها وخلق في كل شجرة نارا فلا تحرقها فجاز أن يخلق في النار شجرة لا تحرقها والمعنى ان الآيات انما ترسل تخويفا للعباد وهؤلاء قد خوفوا بعذاب الدنيا وهو القتل يوم بدر وخوفوا بعذاب الآخرة وبشجرة الزقوم فما أثر فيهم ثم قال

{ونخوفهم} أي بمخاوف الدنيا والآخرة

{فما يزيدهم} التخويف

{إلا طغيانا كبيرا} فكيف يخاف قوم هذه حالهم بارسال ما يقترحون من الآيات وقيل الرؤيا هي الاسراء والفتنة ارتداد من استعظم ذلك وبه تعلق من يقول كان الاسراء في المنام ومن قال كان في اليقظة فسر الرؤيا بالرؤيا وانما سماها رؤيا على قول المكذبين حيث قالوا له لعلها رؤيا رأيتها استبعادا منهم كما سمى أشياء بأساميها عند الكفرة كقوله فراغ الى آلهتهم [الصّافّات:٩١] أين شركائى أو هي رؤيا انه سيدخل مكة والفتنة الصد بالحديبية فإن قلت ليس في القرآن ذكر لعن شجرة الزقوم قلت معناه والشجرة الملعون آكلها وهم الكفرة لأنه قال ثم انكم ايها الضالون المكذبون لآكلون من شجر من زقوم فمالؤون منها البطون فوصفت بلعن أهلها على المجاز ولأن العرب تقول لكل اطعام مكروه ضار ملعون ولأن اللعن هو الايعاذ من الرحمة وهي في أصل الجحيم في أبعد مكان من الرحمة

٦١

{وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا}

هو تمييز أو حال من الموصول والعامل فيه أأسجد على أأسجد له وهو طين أي أصله طين

٦٢

{قال أرأيتك هذا الذي} الكاف لا موضع لها لأنها ذكرت للخطاب تأكيدا هذا مفعول به والمعنى أخبرنى عن هذا الذي

{كرمت علي} أن فضلته لم كرمته على وأنا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين فحذف ذلك اختصارا لدلالة ما تقدم عليه ثم ابتدأ فقال

{لئن أخرتن} وبلاياء كوفى وشامى واللام موطئة للقسم المحذوف

{إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته} لاستأصلنهم باغوائهم

{إلا قليلا} وهم المخلصون قيل من كل ألف واحد وانما علم الملعون ذلك بالاعلام أو لأنه رأىأنه خلق شهوانى

٦٣

{قال اذهب} ليس من الذهاب الذي هو ضد المجىء وانما معناه امض لشأنك الذي اخترته خذلانا وتخلية ثم عقبه بذكر ما جره سوء اختياره فقال

{فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم} والتقدير فإن جهنم جزاؤهم وجزاؤك ثم غلب المخاطب على الغائب فقيل جزاؤكم وانتصب

{جزاء موفورا} أي موفورا باضمار تجازون

٦٤

{واستفزز} استزل أو استخف استفزه أي استخفه والفز الخفيف

{من استطعت منهم بصوتك} بالوسوسة أو بالغناء أو بالمزمار

{وأجلب عليهم} أجمع وصح بهم من الجلبة وهو الصياح

{بخيلك ورجلك} بكل راكب وماش من أهل العيث فالخيل الخيالة والرجل اسم جمع للراجل ونظيره الركب والصحب ورجلك حفص على أن فعلا بمعنى فاعل كتعب وتاعب ومعناه وجمعك الرجل وهذا لأن أقصى ما يستطاع في طلب الأمور الخيل والرجل وقيل يجوز أن يكون لابليس خيل ورجال

{وشاركهم في الأموال والأولاد} قال الزجاج كل معصية في مال وولد فابليس شريكهم فيها كالربا والمكاسب المحرمة والبحيرة والسائبة والانفاق في الفسوق والاسراف ومنع الزكاة والتوصل إلى الأولاد بالسبب الحرام والتسمية بعبد العزى وعبد شمس

{وعدهم} المواعيد الكاذبة من شفاعة الآلهة والكرامة على اللّه بالانساب الشريفة وإيثار العاجل على الآجل ونحو ذلك

{وما يعدهم الشيطان إلا غرورا} هو تزيين الخطأ بما يوهم أنه صواب

٦٥

{إن عبادي} الصالحين

{ليس لك عليهم سلطان} يد بتبديل الايمان ولكن بتسويل العصيان

{وكفى بربك وكيلا} لهم يتوكلون به في الاستعاذة منك أو حافظا لهم عنك والكل أمر تهديد فيعاقب به أو أهانة أي لا يخل ذلك بملكى

٦٦

{ربكم الذي يزجي} يجرى ويسير

{لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله} يعنى الربح في التجارة

{إنه كان بكم رحيما}

٦٧

{وإذا مسكم الضر في البحر} أي خوف الغرق

{ضل من تدعون إلا إياه} ذهب عن أوهامكم كل من تدعونه في حوادثكم إلا اياه وحده فانكم لا تذكرون سواه أو ضل من تدعون من الآلهة عن اغاثتكم ولكن اللّه وحده الذي ترجونه على الاستثناء المنقطع

{فلما نجاكم إلى البر أعرضتم} عن الاخلاص بعد الخلاص

{وكان الإنسان} اي الكافر

{كفورا} للنعم

٦٨

{أفأمنتم} الهمزة للانكار والفاء للعطف على محذوف تقديره أنجوتم فأمنتم فحملكم ذلك على الاعراض

{أن يخسف بكم جانب البر} انتصب جانب بيخسف مفعولا به كالارض في قوله فخسفنا به وبداره الأرض [القصص:٨١] وبكم حال والمعنى أن يخسف جانب البر أي يقلبه وأنتم عليه والحاصل أن الجوانب كلها في قدرته سواء وله في كل جانب برا كان أو بحرا سبب من أسباب الهلاك ليس جانب البحر وحده مختصا به بل ان كان الغرق في جانب البحر ففي جانب البر الخسف وهو تغييب تحت التراب والغرق تغييب تحت الماء فعلى العاقل أن يستوى خوفه من اللّه في جميع الجوانب وحيث كان

{أو يرسل عليكم حاصبا} هي الريح التي تحصب أي ترمى بالحصباء يعنى أو ان لم يصبكم بالهلاك من تحتكم بالخسف أصابكم به من فوقكم بريح يرسلها عليكم فيها الحصباء

{ثم لا تجدوا لكم وكيلا} يصرف ذلك عنكم

٦٩

{أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى فيرسل عليكم} أي أم أمنتم أن يقوى دواعيكم يوفر حوائجكم إلى أن ترجعوا فتركبوا البحر الذي نجاكم منه فأعرضتم فينتقم منكم بأن يرسل عليكم

{قاصفا من الريح} وهي الريح التي لها قصيف وهو الصوت الشديد أو هو الكاسر للفلك

{فيغرقكم بما كفرتم} بكفرانكم النعمة وهو اعراضكم حين نجاكم

{ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا} مطالبا من قوله فاتباع بالمعروف [البقرة:١٧٨] أي مطالبة والمعنى إنا نفعل ما نفعل بهم ثم لا يجدوا أحدا يطالبنا بما فعلنا انتصارا منا ودركا للثأر من جهتنا وهذا نحو قوله ولا يخاف عقباها [الشّمس:١٥] أن نخسف أو نرسل أن نعيدكم فنرسل فنغرقكم بالنون مكى وأبو عمرو

٧٠

{ولقد كرمنا بني آدم} بالعقل والنطق والخط والصورة الحسنة والقامة المعتدلة وتدبير أمر المعاش والمعاد والاستيلاء وتسخير الأشياء وتناول الطعام بالأيدي

وعن الرشيد أنه أحضر طعاما فدعا بالملاعق

وعنده أبو يوسف رحمه اللّه تعالى فقال له جاء في تفسير حدك ابن عباس رضي اللّه عنهما قوله تعالى ولقد كرمنا بنى آدم جعلنا لهم أصابع يأكلون بها فأحضرت الملاعق فردها وأكل بأصابعه

{وحملناهم في البر} على الدواب

{والبحر} على السفن

{ورزقناهم من الطيبات} باللذيذات أو بما كسبت ايديهم

{وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا} أي على الكل كقوله وأكثرهم كاذبون قال الحسن أي كلهم وقوله وما يتبع أكثرهم إلا ظنا [يونس:٣٦] ذكر في الكشاف أن المراد بالأكثر الجميع

وعنه عليه السلام: المؤمن أكرم على اللّه من الملائكة وهذا لأنهم مجبولون على الطاعة ففيهم عقل بلا شهوة وفي البهائم شهوة بلا عقل وفي الآدمى كلاهما فمن غلب عقله شهوته فهو أكرم من الملائكة ومن غلبت شهوته عقله فهو شر من البهائم ولأنه خلق الكل لهم وخلقهم لنفسه

٧١

{يوم ندعوا} منصوب باذكر

{كل أناس بإمامهم} الباء للحال والتقدير مختلطين بامهم اي بمن ائتموا به من نبى أو مقدم في الدين أو كتاب أو دين فيقال يا اتباع فلان يا أهل دين كذا أو كتاب كذا وقيل بكتاب أعمالهم فيقال يا أصحاب كتاب الخير ويا أصحاب كتاب الشر

{فمن أوتي} من هؤلاء المدعوين

{كتابه بيمينه فأولئك يقرؤون كتابهم} وإنما قيل أولئك لأن من في معنى الجمع

{ولا يظلمون فتيلا} ولا ينقصون من ثوابهم أدنى شيء ولم يذكر الكفار وإيتاء كتبهم بشمالهم اكتفاء بقوله

٧٢

{ومن كان في هذه} الدنيا

{أعمى فهو في الآخرة أعمى} كذلك

{وأضل سبيلا} من الأعمى أي أضل طريقا والأعمى مستعار ممن لا يدرك المبصرات لفساد حاسته لمن لا يهتدى الى طريق النجاة أما في الدنيا فلفقد النظر واما في الآخرة فلأنه لا ينفعه الاهتداء إليه وقد جوزوا أن يكون الثانى بمعنى التفضيل بدليل عطف وأضل ومن ثم قرأ أبو عمرو والأول ممالا والثانى مفخما لأن أفعل التفضيل تمامه بمن فكانت ألفه في حكم الواقعة في وسط الكلمة فلا يقبل الإمالة واما الأول فلم يتعلق به شيء فكانت ألفه واقعة في الطرف فقبلت الإمالة وأمالهما حمزة وعلي وفخمهما الباقون ولما قالت قريش اجعل آية رحمه آية عذاب وآية عذاب آية رحمة حتى نؤمن بك نزل

٧٣

{وإن كادوا ليفتنونك} إن مخففة من الثقيلة واللام فارقة بينها وبين النافية والمعنى ان الشأن قاربوا أن يفتنوك أي يخدعوك فاتنين

{عن الذي أوحينا إليك} من أوامرنا ونواهينا ووعيدنا

{لتفتري علينا غيره} لتتقول علينا ما لم نقل يعنى ما اقترحوه من تبديل الوعد وعيدا والوعيد وعدا

{وإذا لاتخذوك خليلا} أي ولو اتبعت مرادهم لاتخذوك خليلا ولكنت لهم وليا وخرجت من ولايتى

٧٤

{ولولا أن ثبتناك} ولولا تثبيتنا وعصمتنا

{لقد كدت تركن إليهم} لقاربت أن تميل إلى مكرهم

{شيئا قليلا} ركونا قليلا وهذا تهييج من اللّه له وفضل تثبيت

٧٥

{إذا} لو قاربت تركن إليهم أدنى ركنة

{لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات} لأذقناك عذاب الآخرة وعذاب القبر مضاعفين لعظيم ذنبك بشرف منزلتك ونبوتك كما قال يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة الآية وأصل الكلام لأذقناك عذاب الحياة وعذاب الممات لأن العذاب عذابان عذاب في الممات وهو عذاب القبر وعذاب في حياة الآخرة وهو عذاب النار والعذاب يوصف بالضعف كقوله فآتهم عذابا ضعفا من النار [الاعراف:٣٨]  أي مضاعفا فكان أصل الكلام لأذقناك عذابا ضعفا في الحياة وعذابا ضعفا في الممات ثم حذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه وهو الضعف ثم أضيفت الصفة إضافة الموصوف

فقيل ضعف الحياة وضعف الممات ويجوز ان يراد بضعف الحياة عذاب الحياة الدنيا وبضعف الممات ما يعقب الموت من عذاب القبر وعذاب النار وفي ذكر الكيدودة وتقليلها مع اتباعها الوعيد الشديد بالعذاب المضاعف في الدارين دليل على ان القبيح يعظم قبحه بمقدار عظم شأن فاعله ولما نزلت كان عليه السلام يقول: اللّهم لا تكلنى الى نفسى طرفة عين

{ثم لا تجد لك علينا نصيرا} معينا لك يمنع عذابنا عنك

٧٦

{وإن كادوا} أي أهل مكة

{ليستفزونك} ليزعجونك بعداوتهم ومكرهم

{من الأرض} من أرض مكة

{ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون} لا يبقون

{خلفك} بعدك أي بعد إخراجك خلافك كوفى غير أبي بكر وشامى بمعناه

{إلا قليلا} زمانا قليلا فإن اللّه مهلكهم وكان كما قال فقد أهلكوا ببدر بعد إخراجه بقليل أو معناه ولو اخرجوك لاستؤصلوا عن بكرة أبيهم ولم يخرجوه بل هاجر بأمر ربه وقيل من أرض العرب أو من أرض المدينة

٧٧

{سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا} يعنى أن كل قوم أخرجوا رسولهم من بين ظهرانيهم فسنة اللّه أن يهلكهم ونصبت نصب المصدر المؤكد اي سن اللّه ذلك سنة

{ولا تجد لسنتنا تحويلا} تبديلا

٧٨

{أقم الصلاة لدلوك الشمس} لزوالها وعلى هذه الآية جامعة للصلوات الخمس أو لغروبها وعلى هذا يخرج الظهر والعصر

{إلى غسق الليل} هو الظلمة وهو وقت صلاة العشاء

{وقرآن الفجر} صلاة الفجر سميت قرآنا وهو القراءة لكونها ركنا كما سميت ركوعا وسجودا وهو حجة على الاصم حيث زعم أن القراءة ليست بركن أو سميت قرآنا لطول قراءتها وهو عطف على الصلاة

{إن قرآن الفجر كان مشهودا} يشهده ملائكة الليل والنهار ينزل هؤلاء ويصعد هؤلاء فهو في آخر ديوان الليل وأول ديوان النهار أو يشهده الكثير من المصلين في العادة

٧٩

{ومن الليل} وعليك بعض الليل

{فتهجد} والتهجد ترك الهجود للصلاة ويقال في النوم أيضا تهجد

{به} بالقرآن

{نافلة لك} عبادة زائدة لك على الصلوات الخمس وضع نافلة موضع تهجدا لأن التهجد عبادة زائدة فكان التهجد والنافلة يجمعهما معنى واحد والمعنى أن التهجد زيد لك على الصلوات المفروضة غنيمة لك أو فريضة عليك خاصة دون غيرك لأنه تطوع لهم

{عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} نصب على الظرف أي عسى أن يبعثك يوم القيامة فيقيمك مقاما محمودا أو ضمن يبعثك معنى يقيمك وهو مقام الشفاعة عند الجمهور ويدل عليه الاخبار أو هو مقام يعطى فيه لواء الحمد

٨٠

{وقل رب أدخلني مدخل صدق} وهو مصدر أي أدخلني القبر إدخالا مرضيا على طهارة من الزلات

{وأخرجني مخرج صدق} أي أخرجنى منه عند البعث إخراجا مرضيا ملقى بالكرامة آمنا من الملامة دليله ذكره على أثر ذلك البعث وقيل نزلت حين أمر بالهجرة يريد إدخال المدينة والإخراج من مكة أو هو عام في كل ما يدخل فيه ويلابسه من أمر ومكان

{واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا} حجة تنصرنى على من خالفنى أو ملكا وعزا قويا ناصرا للاسلام على الكفر مظهرا له عليه

٨١

{وقل جاء الحق} الاسلام

{وزهق} وذهب وهلك

{الباطل} الشرك أو جاء القرآن وهلك الشيطان

{إن الباطل كان زهوقا} كان مضمحلا في كل أوان

٨٢

{وننزل} وبالتخفيف أبو عمرو

{من القرآن} من للتبيين

{ما هو شفاء} من امراض القلوب

{ورحمة} لكروب وتفريج وتطهير للعيوب وتكفير للذنوب

{للمؤمنين} وفي الحديث: من لم يستشف بالقرآن فلا شفاه اللّه

{ولا يزيد الظالمين} الكافرين

{إلا خسارا} ضلالا لتكذيبهم به وكفرهم

٨٣

{وإذا أنعمنا على الإنسان} بالصحة والسعة

{أعرض} عن ذكر اللّه أو أنعمنا بالقرآن أعرض

{ونأى بجانبه} تأكيد للاعراض لأن الاعراض عن الشيء أن يوليه عرض وجهه والنأي بالجانب أن يلوى عنه عطفه ويوليه ظهره أو أراد الاستكبار لأن ذلك من عادة المستكبرين نأي بالإمالة حمزة وبكسرها على

{وإذا مسه الشر} الفقر والمرض أو نازلة من النوازل

{كان يؤوسا} شديد اليأس من روح اللّه

٨٤

{قل كل} أي كل أحد

{يعمل على شاكلته} على مذهبه وطريقته التي تشاكل حاله في الهدى والضلال

{فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا} أسد مذهبا وطريقة

٨٥

{ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي} أي من أمر يعلمه ربى الجمهور على أنه الروح الذي في الحيوان سألوه عن حقيقته فأخبر أنه من مر اللّه أي مما استأثر بعلمه وعن أبي هريرة لقد مضى النبي صلى اللّه عليه وسلم وما يعلم الروح وقد عجزت الأوائل عن إدراك ما هيته بعد انفاق الأعمار الطويلة على الخوض فيه والحكمة في ذلك تعجيز العقل عن ادراك معرفة مخلوق مجاور له ليدل على أنه عن ادراك خالقه اعجز ولذا رد ما قيل في حده أنه جسم دقيق هوائي في كل جزء من الحيوان

وقيل هو خلق عظيم روحانى أعظم من الملك وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما هو جبريل عليه السلام نزل به الروح الأمين على قلبك وعن الحسن القرآن دليله وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا [الزّخرف:٥٢] ولأن به حياة القلوب ومن أمر ربى أي من وحيه وكلامه ليس من كلام البشر

وروى أن اليهود بعثت إلى قريش أن سلوه عن اصحاب الكهف وعن ذي القرنين وعن الروح فإن أجاب عن الكل أوسكت عن الكل فليس بنبى وإن أجاب عن بعض وسكت عن بعض فهو نبى فبين لهم القصتين وابهم أمر الروح وهو مبهم في التوارة فندموا على سؤالهم

وقيل كان السؤال عن خلق الروح يعنى أهو مخلوق أم لا وقوله من أمر ربى دليل خلق الروح فكان هذا جوابا

{وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} الخطاب عام فقد روى أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما قال لهم ذلك قالوا نحن مختصون بهذا الخطاب أم انت معنا فيه فقال بل نحن وأنتم لم نؤت من العلم إلا قليلا

وقيل هو خطاب لليهود خاصة لأنهم قالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم قد أوتينا التوارة وفيها الحكمة وقد تلوت ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا

فقيل لهم ان علم التوارة قليل في جنب علم اللّه فالقلة والكثرة من الأمور الإضافية فالحكمة التي أوتيها العبد خير كثير في نفسها إلا أنها إذا أضيفت الى علم اللّه تعالى فهى قليلة ثم نبه على نعمة الوحى وعزاء بالصبر على أذى الجدال في السؤال بقوله

٨٦

{ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك} لنذهبن جواب قسم محذوف مع نيابته عن جزاء الشرط واللام الداخلة على ان توطئة للقسم والمعنى إن شئنا ذهبنا بالقرآن ومحوناه من الصدور والمصاحف فلم نترك له أثرا

{ثم لا تجد لك به علينا وكيلا} أي ثم لا تجد لك بعد الذهاب به من يتوكل علينا بإسترداده وإعادته محفوظا مسطورا

٨٧

{إلا رحمة من ربك إن فضله كان عليك كبيرا} أي إلا أن يرحمك ربك فيرده عليك كأن رحمته تتوكل عليه بالرد أو يكون على الاستثناء المنقطع أي ولكن رحمة من ربك تركته غير مذهوب به وهذا امتنان من اللّه تعالى ببقاء القرآن محفوظا بعد المنة العظيمة في تنزيله وتحفيظه ونزل جوابا لقول النضر لو نشاء لقلنا مثل هذا

٨٨

{قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا} معينا ولا يأتون جواب قسم محذوف ولولا اللام الموطئة لجاز أن يكون جوابا للشرط كقوله

يقول لا غائب مالى ولا حرم

لأن الشرط وقع ماضيا أي لو تظاهروا على أن يأتوا بمثل هذا القرآن في بلاغته وحسن نظمه وتأليفه لعجزوا عن الاتيان بمثله

٨٩

{ولقد صرفنا} رددنا وكررنا

{للناس في هذا القرآن من كل مثل} من كل معنى هو كالمثل في غرابته وحسنه

{فأبى أكثر الناس إلا كفورا} جحودا وإنما جاز فأبى أكثر الناس إلا كفورا ولم يجز ضربت إلا زيدا لأن أبى متأول بالنفي كأنه قيل فلم يرضوا إلا كفورا ولما تبين اعجاز القرآن وانضمت إليه المعجزات الأخر ولزمتهم الحجة وغلبوا اقترحوا الآيات فعل المبهوت المحجوج المتحير

٩٠

{وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا} وبالتخفيف كوفى

{من الأرض} أي مكة

{ينبوعا} عينا غزيرة من شأنها أن تنبع بالماء لا تقطع يفعول من نبع الماء

٩١

{أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر} والتشديد هنا مجمع عليه

{الأنهار خلالها} وسطها

{تفجيرا}

٩٢

{أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا} بفتح السين مدنى وعاصم أي قطعا يقال اعطنى كسفة من هذا الثوب وبسكون السين غيرهما جمع كسفة كسدرة وسدر يعنون قوله إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء [سبأ:٩]

{أو تأتي باللّه والملائكة قبيلا} كفيلا بما تقول شاهدا بصحته والمعنى أو تأتى باللّه قبيلا وبالملائكة قبيلا كقوله كنت منه [ق:١٩] ووالدى بريا أو مقابلا كالعشير بمعنى المعاشر ونحوه لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا أو جماعة حالا من الملائكة

٩٣

{أو يكون لك بيت من زخرف} ذهب

{أو ترقى في السماء} تصعد إليها

{ولن نؤمن لرقيك} لأجل رقيك

{حتى تنزل علينا} وبالتخفيف أبو عمرو

{كتابا} أي من السماء فيه تصديقك

{نقرؤه} صفة كتاب

{قل} قال مكى وشامى أي قال الرسول

{سبحان ربي} تعجب من اقتراحاتهم عليه

{هل كنت إلا بشرا رسولا} أي أنا رسول كسائر الرسل بشر مثلهم وكان الرسل لا يأتون قومهم إلا بما يظهره اللّه عليهم من الآيات فليس أمر الآيات الى انما هو إلى اللّه فما بالكم تتخيرونها على

٩٤

{وما منع الناس} يعنى أهل مكة ومحل

{أن يؤمنوا} نصب بأنه مفعول ثان لمنع

{إذ جاءهم الهدى} النبي والقرآن

{إلا أن قالوا} فاعل منع والتقدير وما منعهم الإيمان بالقرآن وبنبوة محمد صلى اله عليه وسلم الا قولهم

{أبعث اللّه بشرا رسولا} أي الاشبهة تمكنت في صدورهم وهي انكارهم أن يرسل اللّه البشر والهمزة في أبعث اللّه للانكار وما أنكروه ففي قضية حكمته منكر ثم رد اللّه عليهم بقوله

٩٥

{قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون} على أقدامهم كما يمشى الانس ولا يطيرون بأجنحتهم الى السماء فيسمعوا من اهلها ويعلموا ما يجب عليهم

{مطمئنين} حال أي ساكنين في الأرض قارين

{لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا} يعلمهم الخير ويهديهم المراشد فاما الإنس فانما يرسل الملك إلى مختار منهم للنبوة فيقوم ذلك المختار بدعوتهم وارشادهم وبشرا وملكا حالان من رسولا

٩٦

{قل كفى باللّه شهيدا بيني وبينكم} على أنى بلغت ما أرسلت به اليكم وانكم كذبتم وعاندتم شهيدا تمييز أو حال

{إنه كان بعباده} المنذرين والمنذرين

{خبيرا} عالما بأحوالهم

{بصيرا} بأفعالهم فهو مجازيهم وهذه تسلية لرسول اللّه عليه السلام ووعيد للكفرة

٩٧

{ومن يهد اللّه فهو المهتد} وبالياء يعقوب وسهل وافقهما أبو عمرو ومدنى في الوصل أي من وفقه اللّه لقبول ما كان من الهدى فهو المهتدى عند اللّه

{ومن يضلل} أي ومن يخذله ولم يعصمه حتى قبل وساوس الشيطان

{فلن تجد لهم أولياء من دونه} أي أنصارا

{ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم} أي يسحبون عليها كقوله يوم يسحبون في النار على وجوههم [الرحمن:٤٨]

وقيل لرسول اللّه عليه السلام كيف يمشون على وجوههم قال: ان الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوهم

{عميا وبكما وصما} كما كانوا في الدنيا لا يستبصرون ولا ينطقون بالحق ويتصامون عن استماعه فهم في الآخرة كذلك لا يبصرون ما يقر عينهم ولا يسمعون ما يلذ مسامعهم ولا ينطقون بما يقبل منهم

{مأواهم جهنم كلما خبت} طفىء لهبها

{زدناهم سعيرا} توقدا

٩٨

{ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا} أي ذلك العذاب بسبب أنهم كذبوا بالاعادة بعد الافناء فجعل اللّه جزاءهم أن سلط النار على أجزائهم تأكلها ثم يعيدها لا يزالون على ذلك ليزيد في تحسرهم على تكذيبهم البعث

٩٩

{أو لم يروا} أو لم يعلموا

{أن اللّه الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم} من الإنس

{وجعل لهم أجلا لا ريب فيه} وهو الموت أو القيامة

{فأبى الظالمون إلا كفورا} جحودا مع وضوح الدليل

١٠٠

{قل لو أنتم تملكون} تقديره لو تملكون أنتم لأن لو تدخل على الأفعال دون الأسماء فلا بد من فعل بعدها فأضمر تلك على شريطة التفسير وأبدل من الضمير المتصل وهو الواو ضمير منفصل وهو أنتم لسقوط ما يتصل به من اللفظ فأنتم فاعل الفعل المضمر وتملكون تفسيره وهذا هو الوجه الذي يقتضيه علم الأعراب وأما ما يقتضيه علم البيان فهو ان أنتم تملكون فيه دلالة على الاختصاص وان الناس هم المختصون بالشح المتبالغ

{خزائن رحمة ربي} رزقه وسائر نعمه على خلقه

{إذا لأمسكتم خشية الإنفاق} أي لبخلتم خشية أن يفنيه الإنفاق

{وكان الإنسان قتورا} بخيلا

١٠١

{ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات} عن ابن عباس رضي اللّه عنهما هي العصا واليد والجراد والقمل والضفادع والدم والحجر والبحر والطور الذي نتقه على بنى اسرائيل وعن الحسن الطوفان والسنون ونقص الثمرات مكان الحجر والبحر والطور

{فاسأل بني إسرائيل} فقلنا له سل بنى اسرائيل أي سلهم من فرعون وقل له ارسل معى بنى اسرائيل وقوله

{إذ جاءهم} متعلق بقوله المحذوف أي فقلنا له سلهم حين جاءهم

{فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا} سحرت فخولط عقلك

١٠٢

{قال} أي موسى

{لقد علمت} يا فرعون

{ما أنزل هؤلاء} الآيات

{إلا رب السماوات والأرض} خالقهما

{بصائر} حال أي بينات مكشوفات لأنك معاند ونحوه وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا علمت بالضم على أي أنى لست بمسحور كما وصفتنى بل أنا عالم بصحة الأمر وان هذه الآيات منزلها رب السموات والأرض ثم قارع ظنه بظنه بقوله

{وإني لأظنك يا فرعون مثبورا} كانه قال ان ظننتنى مسحورا فأنا أظنك مثبورا وظنى أصح من ظنك لان له أمارة ظاهرة وهي انكارك ما عرفت صحته ومكابرتك لآيات اللّه بعد وضوحها وأما ظنك فكذب بحت لأن قولك مع علمك بصحة امرى أنى لا أظنك مسحورا قول كذب وقال الفراء مثبورا مصروفا عن الخير من قولهم ما ثبرك عن هذا أي ما منعك وصرفك

١٠٣

{فأراد} فرعون

{أن يستفزهم} يخرجهم أي موسى وقومه

{من الأرض} أي ارض مصر أو ينفيهم عن ظهر الأرض بالقتل والاستئصال

{فأغرقناه ومن معه جميعا} فحاق به مكره بأن استفزه اللّه باغراقه مع قبطه

١٠٤

{وقلنا من بعده} من بعده فرعون

{لبني إسرائيل اسكنوا الأرض} التي أراد فرعون أن يستفزكم منها

{فإذا جاء وعد الآخرة} اي القيامة

{جئنا بكم لفيفا} جميعا مختلطين إياكم وإياهم ثم نحكم بينكم ونميز بين سعدائكم وأشقيائكم واللفيف الجماعات من قبائل شتى

١٠٥

{وبالحق أنزلناه وبالحق نزل} وما انزلنا القرآن الا بالحكمة وما نزل الا ملتبسا بالحق والحكمة لاشتماله على الهداية الى كل خير أو ما أنزلناه من السماء إلا بالحق محفوظا بالرصد من الملائكة وما نزل على الرسول إلا محفوظا بهم من تخليط الشياطين قال الراوي اشتكى محمد بن السماك فاخذنا ماءه وذهبنا به إلى طبيب نصرانى فاستقبلنا رجل حسن الوجه طيب الرائحة نقى الثوب فقال لنا إلى أين فقلنا له إلى فلان الطبيب نريه ماء ابن السماك فقال سبحان اللّه تستعينون على ولى اللّه بعدو اللّه اضربوه على الأرض وارجعوا إلى ابن السماك وقولوا له ضع يدك على موضع الوجع وقل وبالحق أنزلناه وبالحق نزل ثم غاب عنا فلم نره فرجعنا إلى ابن السماك فاخبرناه بذلك فوضع يده على موضع الوجع وقال ما قال الرجل وعوفى في الوقت وقال كان ذلك الخضر عليه السلام

{وما أرسلناك إلا مبشرا} بالجنة

{ونذيرا} من النار

١٠٦

{وقرآنا} منصوب بفعل يفسره

{فرقناه} أي فصلناه أو فرقنا فيه الحق من الباطل

{لتقرأه على الناس على مكث} على تؤده وتثبت

{ونزلناه تنزيلا} على حساب الحوداث

١٠٧

{قل آمنوا به أو لا تؤمنوا} أي اختاروا لأنفسكم النعيم المقيم أو العذاب الأليم ثم علل بقوله

{إن الذين أوتوا العلم من قبله} أي التوارة من قبل القرآن

{إذا يتلى عليهم} القرآن

{يخرون للأذقان سجدا} حال

١٠٨

{ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا} لقوله آمنوا به أو لا تؤمنوا أي اعرض عنهم فانهم ان لم يؤمنوا به ولم يصدقوا بالقرآن فإن خيرا منهم وهم العلماء الذين قرءوا الكتب قد آمنوا به وصدقوه فاذا تلى عليهم خروا سجدا وسبحوا اللّه تعظيما لأمره ولانجازه ما وعد في الكتب المنزلة وبشر به من بعثه محمد صلى اللّه عليه وسلم وانزال القرآن عليه وهو المراد بالوعد المذكور ان بمعنى أنه هي تؤكد الفعل كما أن ان تؤكد الاسم وكما أكدت ان باللام في انهم لمحضرون تأكدت ان باللام في لمفعولا

١٠٩

{ويخرون للأذقان يبكون} ومعنى الخرور للذقن السقوط على الوجه وانما خص الذقن لأن أقرب الأشياء من وجهه إلى الأرض عند السجود الذقن يقال خر على وجهه وعلى ذقنه وخر لوجهه ولذقنه أما معنى على فظاهر وأما معنى اللام فكانه جعل ذقنه ووجهه للخرور واختصه به إذ اللام للاختصاص وكرر يخرون للاذقان لاختلاف الحالين وهما خرورهم في حال كونهم ساجدين وخرورهم في حال كونهم باكين

{ويزيدهم} القرآن

{خشوعا} لين قلب ورطوبة عين

١١٠

{قل ادعوا اللّه أو ادعوا الرحمن} لما سمعه أبو جهل يقول يا اللّه يا رحمن قال انه نهانا أن نعبد آلهين وهو يدعو إلها آخر فنزلت وقيل أن اهل الكتاب قالوا انك لتقل ذكر الرحمن وقد اكثر اللّه في التوارة هذا الاسم فنزلت والدعاء بمعنى التسمية لا بمعنى النداء وأو للتخيير أي سموا بهذا الاسم أو بهذا أو اذكروا اما هذا واما هذا والتنوين في

{أيا ما تدعوا} عوض من المضاف اليه وما زيدت للتوكيد وايا نصب بتدعوا وهو مجزوم بأي أي هذين الإسمين ذكرتم وسميتم

{فله الأسماء الحسنى} والضمير في فله يرجع الى ذات اللّه تعالى والفاء لأنه جواب الشرط أي أياما تدعوا فهو حسن فوضع موضعه قوله فله الأسماء الحسنى لأنه إذا حسنت أسماؤه كلها حسن هذان الاسمان لأنهما منها ومعنى كونها أحسن الاسماء أنها مستقلة بمعانى التمجيد والتقديس والتعظيم

{ولا تجهر بصلاتك} بقراءة صلايك على حذف المضلف لأنه لا يلبس اذ الجهر والمخافته تعتقبان على الصوت لا غير والصلاة أفعال وأذكار وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يرفع صوته بقراءته فاذا سمعها المشركون لغوا وسبوا فأمر بأن يخفض من صوته والمعنى ولا تجهر حتى تسمع المشركن

{ولا تخافت بها} حتى تسمع من خلفك

{وابتغ بين ذلك} بين الجهر والمخافتة

{سبيلا} وسطا أو معناه لا تجهر بصلاتك كلها ولا تخافت بها كلها وابتغ بين ذلك سبيلا بأن تجهر بصلاة الليل وتخافت بصلاو النهار أو بصلاتك بدعائك

١١١

{وقل الحمد للّه الذي لم يتخذ ولدا} كما زعمت اليهود والنصارى وبنو مليح

{ولم يكن له شريك في الملك} كما زعم المشركون

{ولم يكن له ولي من الذل} أي لم يذل فيحتاج إلى ناصر أو لم يوال أحدا من أجل مذلة به ليدفعها بموالاته

{وكبره تكبيرا} وعظمه وصفه بأنه أكبر منان يكون له ولد أو شريك وسمى النبي عليه السلام الآية آية العز وكان إذا أفصح الغلام من بنى عبد المطلب علمه هذه الآية

﴿ ٠