تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل

أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م)

_________________________________

سورة الكهف

سورة الكهف مكية وهي مائة وإحدى عشرة آية بصرى وعشر آيات كوفي بسم اللّه الرحمن الرحيم

_________________________________

{الحمد اللّه الذي أنزل على عبده} محمد صلى اللّه عليه وسلم

{الكتاب} القرآن لقن اللّه عباده وفقهم كيف يثنون عليه ويحمدونه على أجزل نعمائه عليهم وهي نعمة الإسلام وما أنزل على محمد صلى اللّه عليه وسلم من الكتاب الذي هو سبب نجاتهم

{ولم يجعل له عوجا} أي شيئا من العوج والعوج في المعاني كالعوج في الأعيان يقال في رأيه عوج وفي عصاه عوج والمراد نفي الاختلاف و التناقض عن معانيه و خروج شىء منه من الحكمه

٢

{قيما} مستقيما و انتصابه بمضمر و تقديره جعله قيما لأنه اذا نفى عنه العوج فقد أثبت له الاستقامه وفائدة الجمع بين نفى العوج واثبات الاستقامه وفى احدهما غنى عن الآخر التأكيد فرب مستقيم مشهود له بالاستقامة ولا يخلو من أدنى عوج عند التصفح أو قيما على سائر الكتب مصدقا لها شاهدا بصحتها

{لينذر} أنذر متعد إلى مفعولين كقوله

إنا أنذرناكم عذابا قريبا فاقتصر على أحدهما وأصله لينذر الذين كفروا

{بأسا} عذابا

{شديدا} وإنما اقتصر على أحد مفعولي أنذر لأن المنذر به هو المسوق إليه فاقتصر عليه

{من لدنه} صادرا من عنده

{ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم} أي بأن لهم

{أجرا حسنا} أي الجنة

{ويبشر} حمزه على

٣

{ماكثين} حال من هم في لهم

{فيه} في الآجر وهو الجنة  {أبدا}

٤

{وينذر الذين قالوا اتخذ اللّه ولدا} ذكر المنذرين دون المنذر به بعكس الأول استغناء بتقديم ذكره

٥

{ما لهم به من علم} أي بالولد أو باتخاذه يعني ان قولهم هذا لم يصدر عن علم ولكن عن جهل مفرط فان قلت اتخاذ اللّه ولدا في نفسه محال فكيف قيل مالهم به من علم قلت معناه مالهم به من علم لأنه ليس مما يعلم لاستحالته وانتفاء العلم بالشيء إما للجهل بالطريق الموصل إليه أو لأنه في نفسه محال

{ولا لآبائهم} المقلدين

{كبرت كلمة} نصب على التمييز وفيه معنى التعجب كانه قيل ما أكبره كلمة والضمير في كبرت يرجع إلى قولهم اتخذ اللّه ولدا وسميت كلمة كما يسمون القصيدة بها

{تخرج من أفواههم} صفة لكلمة تفيد استعظاما لاجترائهم على النطق بها واخراجها من أفواههم فان كثيرا مما يوسوسه الشيطان في قلوب الناس من المنكرات لايتما لكون أن يتفوهوا به بل يكظمون عليه فكيف بمثل هذا المنكر

{إن يقولون إلا كذبا} ما يقولون ذلك إلا كذبا هو صفة لمصدر محذوف أي قولا كذبا

٦

{فلعلك باخع نفسك} قاتل نفسك

{على آثارهم} أي آثار الكفار شبهه وإياهم حين تولوا عنه ولم يؤمنوا به وما تداخله من الأسف على توليهم برجل فارقه أحبته فهو يتساقط حسرات على آثارهم ويبخع نفسه وجدا من الأسف على توليهم برجل فارقه أحبته فهو يتساقط حسرات على آثارهم ويبخع نفسه وجدا عليهم وتلهفا على فراقهم

{إن لم يؤمنوا بهذا الحديث} بالقرآن

{أسفا} مفعول له أي لفرط الحزن والأسف المبالغة في الحزن والغضب

٧

{إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها} أي ما يصلح أن يكوو زينة لها ولأهلها من زخارف الدنيا وما يستحسن منها

{لنبلوهم أيهم أحسن عملا} وحسن العمل الزهد فيها وترك الاغترار بها ثم زهد في الميل اليها بقوله

٨

{وإنا لجاعلون ما عليها} من هذه الزينة

{صعيدا} أرضا ملساء

{جرزا} يابسا لا نبات فيها بعد أن كانت خضراء معشبة والمعنى نعيدها بعد عمارتها خرابا باماتة الحيوان وتجفيف النبات والأشجار وغير ذلك ولما ذكر من الآيات الكلية تزيين الأرض بما خلق فوقها من الأجناس التي لا حصر لها وازالة ذلك كله كأن لم يكن قال

٩

{أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم} يعني أن ذلك أعظم من قصة أصحاف الكهف وابقاء حياتهم مدة طويلة والكهف الغار الواسع في الجبل والرقيم اسم كلبهم أو قريتهم أو اسم كتاب كتب في شأنهم أو اسم الجبل الذي فيه الكهف

{كانوا من آياتنا عجبا} أي كانوا آية عجبا من آياتنا وصفا بالمصدر أو على ذات عجب

١٠

{إذ} أي اذكر إذ

{أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة} أي رحمة من خزائن رحمتك وهي المغفرة والرزق والامن من الاعداء

{وهيئ لنا من أمرنا} أي الذي نحن عليه من مفارقة الكفار

{رشدا} حتى نكون بسببه راشدين مهتدين أو اجعل أمرنا رشدا كله كقولك رأيت منك أسدا أو يسر لنا طريق رضاك

١١

{فضربنا على آذانهم في الكهف} أي ضربنا عليها حجابا من النوم يعني أنمناهم إنامة ثقيلة لا تنبههم فيها الأصوات فحدف المفعول الذي هو الحجاب

{سنين عددا} ذوات عدد فهو صفة لسنين قال الزجاج أي تعد عددا لكثرتها لأن القليل يعلم مقداره من غير عدد فاذا كثر عد فأما دارهم معدودة فهي على القلة لأنهم كانوا يعدون القليل ويزنون الكثير

١٢

{ثم بعثناهم} أيقظناهم من النوم

{لنعلم أي الحزبين} المتخلفين منهم في مدة لبثهم لأنهم لما انتبهوا اختلفوا في ذلك وذلك قوله قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم [الكهف:١٩] وكان الذين قالوا ربكم أعلم بما لبثتم هم الذين علموا أن لبثهم قد تطاول أو أي الحزبين المختلفين من غيرهم

{أحصى لما لبثوا أمدا} غاية وأحصى فعل ماض وأمدا ظرف لأحصى أو مفعول به والفعل الماضي خبر المبتدأ وهو أي والمبتدا مع خبره سد مسد مفعولي نعلم والمعنى أيهم ضبط أمدا لأوقات لبثهم وأحاط علما بأمد لبثهم ومن قال أحصى أفعل من الاحصاء وهو العد فقد زل لأن بناءه من غير الثلاثي المجرد ليس بقياس وإنما قال لنعلم مع أنه تعالى لم يزل عالما بذلك لأن المراد ما تعلق به العلم من ظهور الأمر لهم ليزدادوا إيمانا واعتبارا وليكون لطفا لمؤمني زمانهم وآية بينة لكفارة أو المراد لنعلم اختلافهما موجودا كما علنماه قبل وجوده

١٣

{نحن نقص عليك نبأهم بالحق} بالصدق

{إنهم فتية} جمع فتى والفتوة بذل الندى وكف الأذى وترك الشكوى واجتناب المحارم واستعمال المكارم وقيل الفتى من لا يدعي قبل الفعل ولا يزكي نفسه بعد الفعل

{آمنوا بربهم وزدناهم هدى} يقينا وكانوا من خواص دقيانوس قد قذف اللّه في قلوبهم الإيمان وخاف بعضهم بعضا وقالوا ليخل اثنان اثنان منا فيظهر كلاهما ما يضمر لصاحبه ففعلوا فحصل اتفاقهم على الايمان

١٤

{وربطنا على قلوبهم} وقويناها بالصبر على هجران الأوطان والفرار بالدين إلى بعض الغيران وجسرناهم على القيام بكلمة الحق والتظاهر بالاسلام

{إذ قاموا} بين يدي الجبار وهو دقيانوس من غير مبالاة به حيث عاتبهم على ترك عبادة الأصنام

{فقالوا ربنا رب السماوات والأرض} مفتخرين

{لن ندعوا من دونه إلها} ولئن سيماهم آلهة

{لقد قلنا إذا شططا} قولا ذا شطط وهو الافراط في الظلم والابعاد فيه من شط يشط ويشط إذا بعد

١٥

{هؤلاء} متبدأ

{قومنا} عطف بيان

{اتخذوا من دونه آلهة} خير وهو اخبار في معنى الإنكار

{لولا يأتون عليهم} هلا يأتون على عبادتهم فحذف المضاف

{بسلطان بين} بحجة ظاهرة وهو تبكيت لان الأتيان بالسلطان على عبادة الاوثان محال

{فمن أظلم ممن افترى على اللّه كذبا} بنسبة الشريك إليه

١٦

{وإذ اعتزلتموهم} خطاب من بعضهم لبعض حيث صممت عزيمتهم على الفرار بدينهم

{وما يعبدون} نصب عطف على الضمير أي وإذا اعتزلتموهم واعتزلتم معبوديهم

{إلا اللّه} استثناء متصل لأنهم كانوا يقرون بالخالق ويشركون معه غيره كأهل مكة أو منقطع أي وإذا اعتزلتم الكفار والأصنام التي يعبدونها من دون اللّه أو هو كلام معترض اخبار من اللّه تعالى عن الفتية أنهم لم يعبدوا غير اللّه

{فأووا إلى الكهف} صيروا إليه واجعلوا الكهف مأواكم

{ينشر لكم ربكم من رحمته} من رزقه

{ويهيئ لكم من أمركم مرفقا} مرفقا مدني وشامي وهو ما يرتفق به أي ينتفع وإنما قالوا ذلك ثقة بفضل اللّه وقوة في رجائهم لتوكلهم عليه ونصوع يقينهم أو أخبرهم به نبي في عصرهم

١٧

{وترى الشمس إذا طلعت تزاور} بتخفيف الزاي كوفي تزور شامي تزواور غيرهم وأصله تتزاور فخفف بادغام التاء في الزاي أو حذفها والكل من الزور وهو الميل ومنه زاره إذا مال اليه والزور الميل عن الصدق

{عن كهفهم} أي تميل عنه ولا يقع شعاعها عليهم

{ذات اليمين} جهة اليمين وحقيقتها الجهة المسماة باليمين

{وإذا غربت تقرضهم} تقطعهم أي تتركهم وتعدل عنهم

{ذات الشمال وهم في فجوة منه} في متسع من الكهف والمعنى أنهم في ظل نهارهم كله لا تصيبهم الشمس في طلوعها ولا غروبها مع أنهم في مكان واسع منفتح معرض لاصابة الشمس لولا أن اللّه يحجبها عنهم وقيل منفسح من غارهم ينالهم فيه روح الهواء وبرد النسيم ولا يحسون كرب الغار

{ذلك من آيات اللّه} أي ماصنعه اللّه بهم من أزورار الشمس وقرضها طالعة وغاربة آية من آيات اللّه يعني أن ما كان في ذلك السمت تصيبه الشمس ولا تصيبهم اختصاصا لهم بالكرامة وقيل باب الكهف شمالي مستقبل لبنات نعش فهم في مقنأه أبدا ومعنى ذلك من آيات اللّه أن شأنهم وحديثهم من آيات اللّه

{من يهد اللّه فهو المهتد} مثل ما مر في سبحان وهو ثناء عليهم بأنهم جاهدوا في اللّه وأسلموا له وجوههم فارشدهم إلى نيل تلك الكرامة السنية

{ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا} أي من أضله فلا هادي له

١٨

{وتحسبهم} بفتح السين شامي وحمزة وعاصم غير الأعش وهو خطاب لكل أحد

{أيقاظا} جمع يقظ

{وهم رقود} نيام قيل عيونهم مفتحة وهم نيام فيحسبهم الناظر لذلك أيقاظا

{ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال} قيل لهم تقلبتان في السنة وقيل تقلبة واحدة في يوم عاشوراء

{وكلبهم باسط ذراعيه} حكاية حال ماضية لأن اسم الفاعل لا يعمل اذا كان في معنى المضي

{بالوصيد} بالفناء أبو بالعتبة

{لو اطلعت عليهم} لو اشرفت عليهم فنظرت اليهم

{لوليت منهم} لأعرضت عنهم وهربت منهم

{فرارا} منصوب على المصدر لأن معنى وليت منهم فررت منهم

{ولملئت منهم} وبتشديد اللام حجازي للمبالغة

{رعبا} تمييز وبضم العين شامي وعلى وهو الخوف الذي يرعب الصدر أي يملأه وذلك لما ألبسهم اللّه من الهيبة أو لطول أظفارهم وشعورهم وعظم اجرامهم وعن معاوية أنه غزا الروم فمر بالكهف فقال أريد أن أدخل فقال ابن عباس رضي اللّه عنهما لقد قيل لمن هو خير منك لوليت منهم فرارا فدخلت جماعة بأمره فأحرقتهم ريح

١٩

{وكذلك بعثناهم} وكما أنمناهم تلك النومة كذلك أيقظناهم اظهارا للقدرة على الانامة والبعث جميعا

{ليتساءلوا بينهم} ليسأل بعضهم بعضا ويتعرفوا حالهم وما صنع اللّه بهم فيعتبروا ويستدلوا على عظم قدرة اللّه ويزدادوا يقينا ويشكروا ما أنعم اللّه به عليهم

{قال قائل منهم} رئيسهم

{كم لبثتم} كم مدة لبثكم

{قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم} جواب مبني على غالب الظن وفيه دليل على جواز الاجتهاد والقول بالظن الغالب

{قالوا ربكم أعلم بما لبثتم} بمدة لبثكم انكار عليهم من بعضهم كأنهم قد علموا بالأدلة أو بالهام أن المدة متطاولة وأن مقدارها لا يعلمه الا اللّه وروى أنهم دخلوا الكهف غدوة وكان انتباههم بعد الزوال فظنوا انهم في يومهم فلما نظروا إلى طوال أظفارهم وأشعارهم قالوا ذلك وقد استدل ابن عباس رضي اللّه عنه على أن الصحيح أن عددهم سبعة لأنه قد قال في الآية قال قائل منهم كم لبثتم وهذا واحد وقالوا في جوابه لبثنا يوما أو بعض يوم وهو جمع وأقله ثلاثة ثم قال ربكم أعلم بما لبثتم وهذا قول جمع آخرين فصاروا سبعة

{فابعثوا أحدكم} كأنهم قالوا ربكم أعلم بذلك لا طريق لكم إلى علمه فخذوا في شيء آخر مما يهمكم فابعثوا أحدكم أي تمليخا

{بورقكم} هي الفضة مضروبة كانت أو غير مضروبة وبسكون الراء أبو عمرو وحمزة وأبو بكر

{هذه إلى المدينة} هي طرسوس وحملهم الورق عند فرارهم دليل على أن حمل النفقة وما يصلح للمسافر هو رأى المتوكلين على اللّه دون المتكلين على الاتفاقات وعلى ما في أوعية القوم من النفقات وعن بعض العلماء أنه كان شديد الحنين إلى بيت اللّه ويقول ما لهذا السفر إلا شيئان شد المحميان والتوكل على الرحمن

{فلينظر أيها} أي أهلها فحذف كما في واسئل القرية واي مبتدأ وخبره

{أزكى} أحل وأطيب وأكثر وأرخص

{طعاما} تمييز

{فليأتكم برزق منه وليتلطف} وليتكلف اللطف فيما يباشره من أمر المبايعة حتى لا يغبن أو في أمر التخفي حتى لا يعرف

{ولا يشعرن بكم أحدا} ولا يفعلن ما يؤدي إلى الشعر بنا من غير قصد منه فسمى ذلك اشعارا منه بهم لأنه سبب فيه والضمير في

٢٠

{إنهم} راجع إلى الأهل المقدر في أيها

{إن يظهروا عليكم} يطلعوا عليكم

{يرجموكم} يقتلوكم اخبث القتلة

{أو يعيدوكم في ملتهم} بالاكراه والعود بمعنى الصيرورة كثير في كلامهم

{ولن تفلحوا إذا أبدا} إذا يدل على الشرط أي ولن تفلحوا ان دخلتم في دينهم أبدا

٢١

{وكذلك أعثرنا عليهم} وكما أنمناهم وبعثناهم لما في ذلك من الحكمة اطلعنا عليهم

{ليعلموا} أي الذين أطلعناهم على حالهم

{إن وعد اللّه} وهو البعث

{حق} كأن لأن حالهم في نومهم وانتباههم بعدها كحال من يموت ثم يبعث

{وأن الساعة لا ريب فيها} فانهم يستدلون بأمرهم على صحة البعث

{إذ يتنازعون} متعلق باعثرنا أي أعثرناهم عليهم حين يتنازع اهل ذلك الزمان

{بينهم أمرهم} أمر دينهم ويختلفون في حقيقة البعث فكان بعضهم يقول تبعت الأرواح دون الأجساد وبعضم يقول تبعث الأجساد مع الأرواح ليرتفع الخلاف وليتبين ان الاجساد تبعث حية حساسة فيها أرواحها كما كانت قبل الموت

{فقالوا} حين توفى اللّه اصحاب الكهف

{ابنوا عليهم بنيانا} أي على باب كهفهم لئلا يتطرق اليهم الناس ضنا بتربتهم ومحافظة عليها كما حفظت تربة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالحظيرة

{ربهم أعلم بهم} من كلام المتنازعين كانهم تذاكروا أمرهم وتناقلوا الكلام في أنسابهم وأحوالهم ومدة لبثهم فلما لم يهتدوا إلى حقيقة ذلك قالوا ربهم أعلم بهم أو من كلام اللّه عز وجل ردا لقول الخائضين في

{قال الذين غلبوا على أمرهم} من المسلمين وملكهم وكانوا أولى بهم وبالبناء عليهم

{لنتخذن} باب الكهف

{مسجدا} يصلي فيه المسلمون ويتبركون بمكانهم روى ان أهل الانجيل عظمت فيهم الخطايا وطغت ملوكهم حتى عبدوا الاصنام واكرهوا على عبادتها وممن شدد في ذلك دقيانوس فأراد فتية من اشراف قومه على الشرك وتوعدهم بالقتل فأبوا إلا الثبات على الايمان والتصلب فيه ثم هربوا إلى الكهف ومروا بكلب فتبعهم فطردوا فأنطقه اللّه تعالى فقال ما تريدون مني أني أحب أحباء اللّه فناموا وأنا أحرسكم وقيل مروا براع معه كلب فتبعهم على دينهم ودخلوا الكهف فضرب اللّه على آذانهم وقبل أن يبعثهم اللّه ملك مدينتهم رجل صالح مؤمن وقد اختلف اهل مملكته في البعث معترفين وجاحدين فدخل الملك بيته وأغلق بابه ولبس مسحا وجلس على رماد وسأل ربه أن يبين لهم الحق فألقى اللّه في نفس رجل من رعيانهم فهدم ما سد به فم الكهف ليتخذه حظيرة لغنمه ولما دخل المدينة من بعثوه لابتياع الطعام واخرج الورق وكان من ضرب دقيانوس اتهموه بأنه وجد كنزا فذهبوا به إلى الملك فقص عليه القصة فانطلق الملك وأهل المدينة معه وأبصروهم وحمدوا اللّه على الآية الدالة على البعث ثم قالت الفتية للملك نستودعك اللّه ونعيذك به من شر الجن والانس ثم رجعوا إلى مضاجعهم وتوفى اللّه أنفسهم فألقى الملك عليهم ثيابه وأمر فجعل لكل واحد تابوت من ذهب فرآهم في المنام كارهين للذهب فجعلها من الساج وبنى على باب الكهف مسجدا

٢٢

{سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم} الضمير في سيقولون لمن خاض في قصتهم في زمن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من المؤمنين واهل الكتاب سألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عنهم فأخر الجواب إلى أن يوحى إليه فيهم فنزلت إخبارا بما سيجري بينهم من اختلافهم في عددهم وان المصيب منهم من يقول سبعة وثامنهم كلبهم ويروى أن السيد والعاقب وأصحابهما من أهل نجران كانوا عند النبي صلى اللّه عليه وسلم فجري ذكر أصحاب الكهف فقال السيد وكان يعقوبيا كانوا ثلاثة رابعهم كلبهم وقال العاقب وكان نسطوريا كانوا خمسة سادسهم كلبهم وقال المسلمون كانوا سبعة وثامنهم كلبهم فحفق اللّه قول المسلمين وإنما عرفوا ذلك باخبار رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وبما ذكرنا من قبل وعن علي رضي اللّه عنه هم سبعة نفر أسماؤهم بمليخا ومكشلينا ومشليينا هؤلاء أصحاب يمين الملك وكان عن بساره مرنوش ودبرنوش وشاذنوش وكان يستشير هؤلاء الستة في أمره والسابع الراعي الذي وافقهم حين هربوا من ملكهم دقيانوس واسم مدينتهم افسوس واسم كلبهم قطمير وسين الاستقبال وان دخل في الاول دون الآخرين فهما داخلان في حكم السين كقولك قد أكرم وأنعم تريد معنى التوقع في الفعلين جميعا أو أريد بيفعل معنى الاستقبال الذي هو صالح له ثلاثة خبر متبدأ محذوف أي هم ثلاثة وكذلك خمسة وسبعة ورابعهم كلبهم جملة من مبتدأ وخبر واقعة صفة لثلاثة وكذلك سادسهم كلبهم وثامنهم كلبهم رجما بالغيب رميا بالخبر الخفي واتيانا به كقوله ويقذفون بالغيب [سبأ:٥٣] أي يأتون به أووضع الرجم موضع الظن مكانه قيل ظنا بالغيب لأنهم أكثروا أن يقولوا رجم بالظن مكان قولهم ظن حتى لم يبق عندهم فرق بين العبارتين والواو الداخلة على الجملة الثالثة هي الواو التي تدخل على الجملة الواقعة صفة للنكرة كما تدخل على الواقعة حالا عن المعرفة في قولك جاءني رجل ومعه آخر ومررت بزيد وفي يده سيف وفائدتها توكيد لصوق الصفة بالموصوف والدلالة على أن اتصافه بها أمر ثابت مستقر وهذه الواو التي آذنت بأن الذين قالوا سبعة وثامنهم كلبهم قالوه عن ثبات علم ولم يرجموا بالظن كما رجم غيرهم دليله أن اللّه تعالى أتبع القولين الأولين قوله رجما بالغيب واتبع القول الثالث قوله

{قل ربي أعلم بعدتهم} أي قل ربي أعلم بعدتهم وقد أخبركم بها بقوله سبعة وثامنهم كلبهم

{ما يعلمهم إلا قليل} قال ابن عباس رضي اللّه عنهما أنا من ذلك القليل وقيل إلا قليل من أهل الكتاب والضمير في سيقولون على هذا الأهل الكتاب خاصة أي سيقولون أهل الكتاب فيهم كذا وكذا ولا علم بذلك إلا في قليل منهم وأكثرهم على ظن وتخمين

{فلا تمار فيهم} فلا تجادل أهل الكتاب في شأن اصحاب الكهف

{إلا مراء ظاهرا} إلا جد الا ظاهرا غير متعمق فيه وهو أن تقص عليهم ما أوحى اللّه اليك فحسب ولا تزيد من غير تجهيل لهم أو بمشهد من الناس ليظهر صدقك

{ولا تستفت فيهم منهم أحدا} ولا تسأل أحدا منهم عن قصتهم سؤال متعنت له حتى يقول شيئا فترده عليه وتزيف ما عنده ولا سؤال مسترشد لأن اللّه تعالى قد ارشد بأن أوحى إليك قصتهم

٢٣

{ولا تقولن لشيء} لأجل سيء تعزم عليه

{إني فاعل ذلك} الشيء

{غدا} أي فيما يستقبل من الزمان ولم يرد الغد خاصة

٢٤

{إلا أن يشاء اللّه} ان تقوله بأن يأذن لك فيه أو ولا تقولنه إلا بأن يشاء اللّه أي الا بمشيئته وهو في موضع الحال أي الا ملتبسا بمشيئة اللّه قائلا إن شاء اللّه وقال الزجاج معناه ولا تقولن إني أفعل ذلك الا بمشيئة اللّه تعالى لان قول القائل انا أفعل ذلك إن شاء اللّه معناه لا أفعله إلا بمشيئة اللّه وهذا نهى نهي تأديب من اللّه لنبيه حين قالت اليهود لقريش سلوه عن الروح وعن اصحاب الكهف وذي القرنين فسألوه فقال ائتوني غدا اخبركم ولم يستثن فأبطأ عليه الوحي حتى شق عليه

{واذكر ربك} أي مشيئتة ربك وقل إن شاء اللّه

{إذا نسيت} إذا فرط منك نسيان لذلك والمعنى إذا نسيت كلمة الاستثناء ثم تنبهت عليها فتداركها بالذكر عن الحسن ما دام في مجلس الذكر وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما ولو بعد سنة وهذا محمول على تدارك التبرك بالاستثناء فاما الاستثناء المغير حكما فلا يصح الا متصلا وحكى أنه بلغ المنصور أن أبا حنيفة رحمه اللّه خالف ابن عباس رضي اللّه عنهما في الاستثناء المنفصل فاستحضره لينكر عليه فقال له أبو حنيفة هذا يرجع عليك إنك تأخذ البيعة بالإيمان افترضي أن يخرجوا من عندك فيستثنوا فيخرجوا عليك فاستحسن كلامه وامر الطاعن فيه باخراجه من عنده أو معناه واذكر ربك بالتسبيح والاستغفار إذا نسيت كلمة الاستثناء تشديدا في البعث على الاهتمام بها أو صلاة نسيتها إذا ذكرتها أو إذا نسيت شيئا فاذكره ليذكرك المنسي

{وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا} يعني إذا نسيت شيئا فاذكر ربك وذكر ربك عند نسيانه أن تقول عسى ربي أن يهديني لشيء آخر بدل هذا المنسي أقرب منه رشدا وأدني خيرا ومنفعة أن يهدين أن ترن أن يؤتين أن تعلمن مكي في الحالين ووافقه أبو عمرو ومدني في الوصل

٢٥

{ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين} يريد لبثهم فيه أحياء مضروبا على آذانهم هذه المدة وهو بيان لما أجمل في قوله فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا [الكهف:١١] وسنين عطف بيان لثلثمائة ثلثمائة سنين بالإضافة حمزة وعلى على وضع الجمع موضع الواحد في التمييز كقوله بالأخسرين أعمالا [الكهف:١٠٣]

{وازدادوا تسعا} أي تسع سنين لدلالة ما قبله عليه وتسعا مفعول به لأن زاد تقتضي مفعولين فازداد يقتضي مفعولا واحدا

٢٦

{قل اللّه أعلم بما لبثوا} أي هو أعلم من الذين اختلفوا فيهم بمدة لبثهم الحق ما أخبرك به أو هو حكاية لكلام أهل الكتاب وقل اللّه أعلم رد عليهم والجمهور على أن هذا والحق ما أخبرك به أو هو حكاية لكلام أهل الكتاب وقل اللّه أعلم رد عليهم هور على أن هذا اخبار من اللّه سبحانه وتعالى انهم لبثوا في كهفهم كذا مدة

{له غيب السماوات والأرض} ذكر اختصاصه بعلم ما غاب في السموات والأرض وخفي فيها من أحوال أهلها

{أبصر به وأسمع} أي وأسمع به والمعنى ما أبصره بكل موجود وما أسمعه لكل مسموع

{ما لهم} لأهل السموات والأرض

{من دونه من ولي} من متول لأمورهم

{ولا يشرك في حكمه} في قضائه

{أحدا} منهم ولا تشرك على النهي شامي كانوا يقولون له ائت بقرآن غير هذا أو بدله فقيل له

٢٧

{واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك} أي من القرآن ولا تسمع لما يهذون به من طلب التبديل فانه

{لا مبدل لكلماته} أي لا يقدر أحد على تبديلها أو تغييرها إنما يقدر على ذلك هو وحده

{ولن تجد من دونه ملتحدا} ملجأ تعدل إليه إن هممت بذلك ولما قال قوم من رؤساء الكفرة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نح هؤلاء الموالي وهم صهيب وعمار وخباب وسلمان وغيرهم من فقراء المسلمين حتى نجالسك نزل

٢٨

{واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم}واحبسها معهم وثبتها

{بالغداة والعشي} دائبين على الدعاء في كل وقت أو بالغداة لطلب التوفيق والتيسير والعشي لطلب عفو التقصير أو هما صلاة الفجر والعصر بالغدوة شامي

{يريدون وجهه} رضا اللّه

{ولا تعد عيناك عنهم} ولا تجاوز عداه إذا جاوزه وعدى بعن لنضمن عدا معنى نبا في قولك نبت عنه عينه وفائدة التضمين اعطاء مجموع معنيين وذلك أقوى من اعطاء معنى فذ

{تريد زينة الحياة الدنيا} في موضع الحال

{ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا} من جعلنا قلبه غافلا عن الذكر وهو دليل لنا على أنه تعالى خالق أفعال العباد

{واتبع هواه وكان أمره فرطا} مجاوزا عن الحق

٢٩

{وقل الحق من ربكم} اي الإسلام أو القرآن والحق خبر مبتدأ محذوف أي هو

{فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} أي جاء الحق وزاحت العلل فلم يبق إلا أختياركم لأنفسكم ما شئتم من الأخذ في طريق النجاة أو في طريق الهلاك وجئ بلفظ الأمر والتخيير لأنه لما مكن من اختيار أيهما شاء فكأنه مخير مأمور بأن يتخير ما شاء من النجدين ثم ذكر جزاء من اختيار الكفر فقال انا أعتدنا هيأنا للظالمين للكافرين فقيد بالسباق كما تركت حقيقة الأمر والتخيير بالسياق وهو قوله

{إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاطبهم سرادقها} شبه ما يحيط بهم من النار بالسرا دق وهي الحجرة التي تكون حول الفسطاط أو هو دخان يحيط بالكفار قبل دخولهم النار أو هو حائط من نار يطيف بهم

{وان يستغيثوا} من العطش

{يغاثوا بماء كالمهل} هو دردي الزيت أو ما

{بئس الشراب} ذلك

{وساءت} النار

{مرتفقا} متكأ من الرفق وهذه لمشاكلة قوله وحسنت مرتفقا [الكهف:٣١] وإلا فلا ارتفاق لأهل النار وبين جزاء من اختار الإيمان فقال

٣٠

{إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ...}

٣١

أولئك لهم جنات عدن} كلام مستأنف بيان للأجر المبهم ولك أن تجعل أنا لا نضيع وأولئك خبرين معا والمراد من أحسن منهم عملا كقولك السمن منوان بدرهم أو لأن من أحسن عملا والذين آمنوا أو عملوا الصالحات ينتظمهما معنى واحد فأقام من أحسن مقام الضمير

{تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور} من للابتداء وتنكير أساور وهي جمع أسورة التي هي جمع سوار لابهام امرها في الحسن

{من ذهب} من للتبيين

{ويلبسون ثيابا خضرا من سندس} مارق من الديباج

{وإستبرق} ما غلظ منه أي يجمعون بين النوعين

{متكئين فيها على الأرائك} خص الاتكاء لانه هيئة المتنعمين والملوك على أسرتهم

{نعم الثواب} الجنة {وحسنت} الجنة والأرائك

{مرتفقا} متكأ

٣٢

{واضرب لهم مثلا رجلين} مثل حال الكافرين والمؤمنين بحال رجلين وكانا أخوين في بني إسرائيل أحدهما كافر اسمه قطروس والآخر مسلم اسمه يهوذا

وقيل هما المذكوران في والصافات في قوله قال قائل منهم [الكهف:١٩] اني كان لي قرين ورثا من ابيهما ثمانية آلاف دينار فجعلاهما شطرين فاشترى الكافر أرضا بألف دينار فقال المؤمن اللّهم إن أخي اشترى أرضا بألف دينار وأنا أشتري منك أرضا في الجنة بألف فتصدق به ثم بني أخوه دارا بألف فتصدق به ثم تزوج أخوه امرأة بألف فقال اللّهم اني جعلت الفا صداقا للحور ثم اشترى أخوه خدما وستاعا بألف دينار فقال اللّهم إني اشتريت منك دار في الجنة بألف فتصدق به ثم تزوج أخوه امرأة بالف فقال اللّهم إني جعلت الفا صداقا للحور ثم اشترى أخوه خدما ومتاعا بألف دينار فقال اللّهم إني اشتريت منك الولدان المخلدين بألف فتصدق به ثم اصابته حاجة فجلس لاخيه على طريقة فمر به في حشمه فتعرض له فطرده وويخه على التصديق بماله

{جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب} بساتين من كروم وحففناهما بنخل وجعلنا النخل محيطا بالجنتين وهذا مما يؤثره الدهاقين في كرومهم أن يجعلوها مؤزرة بالأشجار المثمرة يقال حفوة إذا أطافوا به وحففته بهم أي جعلتهم حافين حوله وهو متعد إلى مفعول واحد فتزيده الباء مفعولا ثانيا

{وجعلنا بينهما زرعا} جعلناها أرضا جامعة للأقوات والفواكه ووصف العمارة بأنها متواصلة متشابكة لم يتوسطها ما يقطعها مع الشكل الحسن والترتيب الأنيق

٣٣

{كلتا الجنتين آتت} أعطت حمل على اللفظ لأن لفظ كلتا مفرد ولو قيل آتتا على المعنى لجاز

{أكلها} ثمرها

{ولم تظلم منه} ولم تنقص من أكلها

{شيئا وفجرنا خلالهما نهرا} نعتهما بوفاء الثمار وتمام الاكل من غير نقص ثم بما هو أصل الخير ومادته من أمر الشرب فجعله أفضل ما يسقي به وهو النهر الجاري فيها

٣٤

{وكان له} لصاحب الجنتين

{ثمر} أنواع من المال من ثمر ماله إذا كثره أي كانت له إلى الجنتين الموصوفتين الأموال الكثيرة من الذهب والفضة وغيرهما هاله ثمر وأحيط بثمره بفتح الميم والثاء عاصم وبضم الثاء وسكون الميم أبو عمرو وبضمهما غيرهما

{فقال لصاحبه وهو يحاوره} يراجعه الكلام من حار يحور إذا رجع يعني قطروس أخذ بيد المسلم يطوف به في الجنتين ويريه ما فيهما ويفاخره بما ملك من المال دونه

{أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا} أنصارا وحشما أو أولادا ذكورا لأنهم ينفرون معه دون الاناث

٣٥

{ودخل جنته} إحدى جنتيه أو سماهما جنة لا تحاد الحائط وجنتين للنهر الجاري بينهما

{وهو ظالم لنفسه} ضار لها بالكفر

{قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا} أي أن تهلك هذه الجنة شك في بيدودة جنته لطول أمله وتمادى غفلته واغتراره بالمهلة وترى أكثر الأغنياء من المسلمين تنطق ألسنة أحوالهم بذلك

٣٦

{وما أظن الساعة قائمة} كائنة

{ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا} إقسام منه على أنه إن رد إلى ربه على سبيل الفرض كما يزعم صاحبه ليجدن في الآخرة خيرا من جنته في الدنيا ادعاء لكرامته عليه ومكانته عنده منقلبا تمييز أي مرجعا وعاقبة

٣٧

{قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب} أي خلق أصلك لأن خلق أصله سبب في خلقه وكان خلقه خلقاله

{ثم من نطفة} أي خلقك من نطفة

{ثم سواك رجلا} عدلك وكملك انسانا ذكرا بالغا مبلغ الرجال جعله كافرا باللّه لشكه في البعث

٣٨

{لكنا} بالألف في الوصل شامي الباقون بغير ألف وبالألف في الوقف اتفاق واصله لكن أنا فحذفت الهمزة وألقيت حركتها على نون لكن فتلاقت النونان فأدغمت الأولى في الثانية بعد أن سكنت

{هو اللّه ربي} هو ضمير الشأن والشأن اللّه ربي والجملة خبر أنا والراجع منها إليه ياء الضمير وهو استدراك لقوله أكفرت [الكهف:٣٧] قال لاخيه أنت كافر باللّه لكني مؤمن وموحد كما تقول زيد غائب لكن عمرا حاضر وفيه حذف أي أقول هو اللّه بدليل عطف

{ولا أشرك بربي أحدا}

٣٩

ولولا} وهلا

{إذ دخلت جنتك قلت ما شاء اللّه} ما موصولة مرفوعة المحل على أنها خبر متبدأ محذوف تقديره الأمر ماشاء اللّه أو شرطية منصوبة الموضع والجزاء محذوف يعني أي شيء شاء اللّه كان والمعنى هلا قلت عند دخولها والنظر إلى ما رزقك اللّه منها الأمر ما شاء اللّه اعترافا بأنها وكل ما فيها إنما حصل بمشيئته اللّه وأن أمرها بيده إن شاء تركها عامرة وإن شاء خربها

{لا قوة إلا باللّه} إقرارا بأن ما قويت به على عمارتها وتدبير أمرها هو بمعونته وتأييده من قرأ

{إن ترن أنا أقل منك مالا} بنصب أقل فقد جعل أنا فصلا ومن رفع وهو الكسائي جعله مبتدأ وأقل خبره والجملة مفعولا ثانيا لترني وفي قوله

{وولدا} نصرة لمن فسر النفر بالأولاد في قوله وأعز نفرا [الكهف:٣٤]

٤٠

{فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك} في الدنيا أو في العقبى

{ويرسل عليها حسبانا} عذابا

{من السماء فتصبح صعيدا زلقا} أرضا بيضاء يزلق عليها لملاستها

٤١

{أو يصبح ماؤها غورا} غائرا أي ذاهبا في الأرض

{فلن تستطيع له طلبا} فلا يتأنى منك طلبه فضلا عن الوجود والمعنى ان ترن افقر منك فانا أتوقع من صنع اللّه ان يقلب ما بي وما بك من الفقر والغنى فيرزقني لإيماني جنة خيرا من جنتك ويسلبك لكفرك نعمته ويخرب بساتينك

٤٢

{وأحيط بثمره} هو عبارة عن أهلاكه واصله من أحاط به العدو لأنه إذا أحاط به فقد ملكه واستولى عليه ثم استعمل في كل أهلاك

{فأصبح} أي كافر

{يقلب كفيه} يضرب احداهما على الأخرى ندما وتحسرا وإنما صار تقليب الكفين كناية عن الندم والتحسر لأن النادم يقلب كفيه ظهر البطن كما كنى عن ذلك بعض الكف والسقوط في اليد ولانه في معنى الندم عدى تعديته بعلي كانه قيل فأصبح يندم

{على ما أنفق فيها} أي في عمارتها

{وهي خاوية على عروشها} يعني أن كرومها المعرشة سقطت عروشها عل الأرض وسقطت فوقها الكروم

{ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا} تذكر موعظة أخيه فعلم أنه أتى من جهة كفره وطغيانه فتمنى لو لم يكن مشركا حتى لا يهلك اللّه بستانه حين لم ينفعه التمني ويجوز أن يكون توبة من الشرك وندما على ما كان منه ودخولا في الإيمان

٤٣

{ولم تكن له فئة ينصرونه} يقدرون على نصرته

{من دون اللّه} أي هو وحده القادر على نصرته لا يقدر أحد غيره أن ينصره إلا أنه لم ينصره لحكمة

{وما كان منتصرا} وما كان ممتنعا بقوته عن انتقام اللّه

٤٤

{هنالك الولاية للّه الحق} يكن بالياء والولاية بكسر الواو حمزة وعلى فهي بالفتح النصرة والتولي وبالكسر السلطان والملك والمعنى هنالك أي في ذلك المقام وتلك الحال النصرة للّه وحده لا يملكها غيره ولا يستطيعها أحد سواه تقريرا لقوله

{ولم تكن له فئة ينصرونه من دون اللّه} أو هنالك السلطان والملك للّه لا يغلب أو في مثل تلك الحال الشديدة يتولى اللّه ويؤمن به كل مضطر يعني أن قوله يا ليتني لم أشرك بربي أحدا [الكهف:٤٢] كلمة ألجيء اليها فقالها جزعا مما دهاه من شؤم كفره ولولا ذلك لم يقلها أو

{هنالك الولاية للّه} ينصر فيها اولياء المؤمنين على الكفرة وينتقم لهم يعني أنه نصر فيما فعل بالكافر اخاه المؤمن وصدق قوله فعسى ربي ان يؤتيني خيرا من جنتك ويرسل عليها حسانا من السماء ويؤيده قوله

{هو خير ثوابا وخير عقبا} أي لأوليائه أو هنالك إشارة إلى الآخرة أي في تلك الدار الولاية للّه كقوله

{لمن الملك اليوم} الحق بالرفع أبو عمرو وعلى صفة للولاية أو خبر مبتدأ محذوف أي هي الحق أو هو الحق غيرهما بالجر صفة للّه عقبا سكون القاف عاصم وحمزة وبضمها غيرهما وفي الشواذ عقبي على وزن فعلى وكلها بمعنى العاقبة

٤٥

{واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء} أي هو كما أنزلناه

{فاختلط به نبات الأرض} فالتف بسببه وتكاثف حتى خالط بعضه بعضا أو أثر في النبات الماء فاختلط به حتى روى

{فأصبح هشيما} يابسا متكسرا الواحدة هشيمة

{تذروه الرياح} تنسفه وتطيره الريح حمزة وعلى

{وكان اللّه على كل شيء} من الانشاء والافناء

{مقتدرا} قادرا شبه حال الدنيا في نضرتها وبهجتها وما يتعقبها من الهلاك والافناء بحال النبات يكون اخضر ثم يهج فتطيره الريح كأن لم يكن

٤٦

{المال والبنون زينة الحياة الدنيا} لا زاد القبر وعدة العقبي

{والباقيات الصالحات} أعمال الخير التي تبقى ثمرتها للانسان أو الصلوات الخمس أو سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر

{خير عند ربك ثوابا} جزاء

{وخير أملا} لأنه وعد صادق وأكثر الآمال كاذبة يعني أن صاحبها يأمل في الدنيا ثواب اللّه ويصيبه في الآخرة

٤٧

{ويوم} واذكر يوم

{نسير الجبال} تسير الجبال مكي وشامي وأبو عمرو أي تسير في الجو أو يذهب بها بأن تجعل هباء منثورا منبثا

{وترى الأرض بارزة} ليس عليها ما يسترها مما كان عليها من الجبال والأشجار

{وحشرناهم} أي الموتى

{فلم نغادر منهم أحدا} أي فلم نترك غدارة أي تركة ومنه الغدر ترك الوفاء والغدير ما غادره السيل

٤٨

{وعرضوا على ربك صفا} مصطفين ظاهرين ترى جماعتهم كما ترى كل واحد لا يحجب أحد أحدا شبهت حالهم بحال الجند المعروضين على السلطان

{لقد جئتمونا} أي قلنا لهم جئتمونا وهذا المضمر يجوز أن يكون عامل النصب في يوم نسير

{كما خلقناكم أول مرة} أي لقد بعثناكم كما أنشأناكم أول مرة أو جئتمونا عراة لا شيء معكم كما خلقناكم أولا وإنما قال وحشرناهم ماضيا بعد نسير وترى للدلالة على حشرهم قبل التسيير وقبل البروز ليعاينوا تلك الأهوال كانه قيل وحشرناهم قبل ذلك

{بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا} وقتا لانجاز ما وعدتم على ألسنة الأنبياء من البعث والنشور أو مكان وعد للمحاسبة

٤٩

{ووضع الكتاب} أي صحف الأعمال

{فترى المجرمين مشفقين} خائفين

{مما فيه} من الذنوب

{ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة} أي لا يترك شيئا من المعاصي

{إلا أحصاها} حصرها وضبطها

{ووجدوا ما عملوا حاضرا} في الصحف عتيدا أو جزاء ما عملوا

{ولا يظلم ربك أحدا} فيكتب عليه مالم يعمل أو يزيد في عقابه أو يعذبه بغير حرم

٥٠

{وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم} سجود تحية أو سجود انقياد

{فسجدوا إلا إبليس كان من الجن} وهو متسأنف كان قائلا قال ماله لم يسجد فقيل كان من الجن

{ففسق عن أمر ربه} خرج عما أمره ربه به من السجود وهو دليل على أنه كان مأمور بالسجود مع الملائكة

{أفتتخذونه} هو

{وذريته} الهمزة للانكار والتعجب كانه قيل أعقيب ما وجد منه تتخذونه وذريته

{أولياء من دوني} وتستبدلونهم بي ومن ذريته لا قيس موسوس الصلاة والأعور صاحب الزنا وبتر صاحب الصائب ومطوس صاحب الاراجيف وداسم يدخل ويأكل مع من لم يسم اللّه تعالى

{وهم لكم عدو} أعداء

{بئس للظالمين بدلا} بئس البدل من اللّه إبليس لمن استبدله فأطاعه بدل طاعة اللّه

٥١

{ما أشهدتهم} أي إبليس وذريته

{خلق السماوات والأرض} يعني أنكم اتخذتموهم شركاء لي في العبادة وإنما يكونون شركاء فيها لو كانوا شركاء في الالهية فنفي مشاركتهم في الالهية بقوله ما اشهدتهم خلق السموات والارض لاعتضد بهم في خلقها أو أشاورهم فيه أي تفردت بخلق الأشياء فأفردوني في العبادة

{ولا خلق أنفسهم} أي ولا أشهدت بعضهم خلق بعض كقوله

{ولا تقتلوا أنفسكم}

{وما كنت متخذ المضلين} أي وما كنت متخذهم

{عضدا} أي أعوانا فوضع المضلين موضع ضمير ذمالهم بالإضلال فإذا لم يكونوا عضدا لي في الخلق فما لكم تتخذونهم شركاء لي في العبادة

٥٢

{ويوم يقول} اللّه للكفار وبالنون حمزة

{نادوا} ادعوا بصوت عال

{شركائي الذين زعمتم} انهم فيكم شركائي ليمنعوكم من عذابي واراد الجن وأضاف الشركاء إليه على زعمهم توبيخا لهم

{فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم موبقا} مهلكا من وبق يبق وبوقا إذا هلك أو مصدرا كالموعد أي وجعلنا بينهم واديا من اودية جهنم وهو مكان الهلاك والعذاب الشديد مشتركا يلهكون فيه جميعا أو للملائكة وعزيزا وعيسى والموبق البرزخ البعيد أي وجعلنا بينهم أمدا بعيدا لأنهم في قعر جهنم وهم في أعلى الجنان

٥٣

{ورأى المجرمون النار فظنوا} فأيقنوا

{أنهم مواقعوها} أي مخالطوها واقعون فيها

{ولم يجدوا عنها} عن النار

{مصرفا} معدلا

٥٤

{ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل} يحتاجون اليه

{وكان الإنسان أكثر شيء جدلا} تمييز أي أكثر الأشياء التي يتأنى منها الجدل إن فصلتها واحدا بعد واحد خصومة ومماراة بالباطل يعني أن جدل الإنسان أكثر من جدل كل شيء

٥٥

{وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى} أي سببه وهو الكتاب والرسول

{ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب} أن الأولى نصب والثانية رفع وقبلها مضاف محذوف تقديره وما منع الناس الإيمان والاستغفار انتظار ان تأتيهم سنة الأولين وهي الإهلاك أو انتظار أن يأتيهم العذاب أي عذاب الآخرة

{قبلا} كوفي أي أنواعا جمع قبيل الباقون قبلا أي عيانا

٥٦

{وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين} يوقف عليه ويستأنف بقوله

{ويجادل الذين كفروا بالباطل} هو قولهم للرسل ما أنتم إلا بشر مثلنا ولو شاء اللّه لأنزل ملائكة ونحو ذلك

{ليدحضوا به الحق} ليزيلوا ويبطلوا بالجدال النبوة

{واتخذوا آياتي} القرآن

{وما أنذروا} ما موصولة والراجع من الصلة محذوف أي وما أنذروه من العقاب أو مصدرية أي انذرهم

{هزوا} موضع استهزاء بسكون الزاي والهمزة حمزة بإبدال الهمزة واوا حفص وبضم الزاي والهمزة غيرهما

٥٧

{ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه} بالقرآن ولذلك رجع الضمير اليها مذكرا في قوله أن يفقهوه

{فأعرض عنها} فلم يتذكر حين ذكر ولم يتدبر

{ونسي ما قدمت يداه} عاقبة ما قدمت يداه من الكفر والمعاصي غير متفكر فيها ولا ناظر في أن المسيء والمحسن لا بد لهما من جزاء ثم علل إعراضهم ونسيانهم بأنهم مطبوع على قلوبهم بقوله

{إنا جعلنا على قلوبهم أكنة} أغطية جمع كنان وهو الغطاء

{أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا} ثقلا عن استماع الحق وجمع بعد الافراد حملا على لفظ من ومعناه

{وإن تدعهم} يا محمد

{إلى الهدى} إلى الإيمان

{فلن يهتدوا} فلا يكون منهم اهتداء البتة

{إذا} جزاء وجواب فدل على انتفاء اهتدائهم لدعوة الرسول بمعنى انهم جعلوا ما يجب أن يكون سبب وجود الاهتداء سببا في انتفائه وعلى انه جواب الرسول على تقدير قوله ما يجب أن يكون سبب وجود الاهتداء سببا في انتفائه وعلى أنه جواب للرسول على تقدير قوله ما لي لا ادعوهم حرضا على إسلامهم فقيل وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا

{أبدا} مدة التكليف كلها

٥٨

{وربك الغفور} البليغ المغفرة

{ذو الرحمة} الموصوف بالرحمة

{لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب} أي ومن رحمته ترك مؤاخذته أهل مكة عاجلا مع فرط عدواتهم لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

{بل لهم موعد} وهو يوم بدر

{لن يجدوا من دونه موئلا} منجي ولا ملجأ يقال وآل إذا نجاوو أل اليه إذا لجأ اليه

٥٩

{وتلك} مبتدأ

{القرى} صفة لأن أسماء الاشارة توصف باسماء الاجناس والخبر

{أهلكناهم} أو تلك القرى نصب باضمار أهلكنا على شريطة التفسير والمعنى وتلك اصحاب القرى والمراد قوم نوح وعاد وثمود

{لما ظلموا} مثل ظلم أهل مكة

{وجعلنا لمهلكهم موعدا} وضربنا لاهلاكهم وقتا معلوما لا يتأخرون عنه كما ضربنا لأهل مكة يوم بدر والمهلك الاهلاك ووقته بفتح الميم وكسر اللام حفص وبفتحها ابو بكر أي لوقت هلاكهم أو لهلاكهم والموعد وقت أو مصدر

٦٠

{وإذا} واذكر إذ

{قال موسى لفتاه} هو يوشع بن نون وانما قيل فتاه لأنه كان يخدمه ويتبعه ويأخذ منه العلم

{لا أبرح} لا أزال وقد حذف الخبر لدلالة الحال والكلام عليه أما الأولى فلأنها كانت حال سفر وأما الثاني فلأن قوله

{حتى أبلغ مجمع البحرين} غاية مضروبة تستدعي ما هي غاية فلا بد أن يكون المعنى لا أبرح أسير حتى أبلغ مجمع البحرين وهو المكان الذي وعد فيه موسى لقاء الخضر عليهما السلام وهو ملتقى بحر فارس والروم وسمى خضرا لأنه أينما يصل يخضر ما حوله

{أو أمضي حقبا} أو أسير زمانا طويلا قيل ثمانون سنة روى أنه لما ظهر موسى عليه السلام على مصر مع بني اسرائيل واستقروا بها بعد هلاك القبط سأل ربه أي عبادك أحب إليك قال الذي يذكرني ولا ينساني قال فأي عبادك أقضى قال الذي يقضي بالحق ولا يتبع الهوى قال فأي عبادك أعلم قال الذي يبتغي علم الناس إلى علمه عسى أن يصيب كلمة تدل على هدى أو ترده عن ردي فقال ان كان في عبادك من هو أعلم مني فدلني عليه قال أعلم منك الخضر قال أين طلبه قال على الساحل عند الصخرة قال يا رب كيف لي به قال تأخذ حوتا في مكتل فحيث فقدته فهو هناك فقال لفتاه اذا فقدت الحوت فاخبرني فذهبا يمشيان قرقد موسى فاضطرب الحوت ووقع في البحر فلما جاء وقت الغداء طلب موسى الحوت فأخبره فتاه بوقوعه في البحر فاتيا الصخرة فاذا رجل مسجي بثوبه فسلم عليه موسى فقال وأني يا رضنا السلام فعرفه نفسه فقال يا موسى أنا على علم علمنيه اللّه لا تعلمه انت وأنت على علم علمكه اللّه لا أعلمه أنا

٦١

{فلما بلغا مجمع بينهما} مجمع البحرين

{نسيا حوتهما} أي نسي أحدهما وهو يوشع لأنه كان صاحب الزاد دليله فأنى نسيت الحوت وهو كقولهم نسوا زادهم وإنما ينساه متعهدا الزاد قيل كان الحوت سمكة مملوحة فنزلا ليلة على شاطيء عين الحياة ونام موسى فلما اصاب السمكة روح الماء وبرده عاشت ووقعت في الماء

{فاتخذ سبيله في البحر} أي اتخذ طريقا له من البر إلى البحر

{سربا} نصب على المصدر أي سرب فيه سربا يعني دخل فيه واستتر به

٦٢

{فلما جاوزا} مجمع البحرين ثم نزلا وقد سارا ما شاء اللّه

{قال} موسى

{لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} تعبا ولم يتعب ولا جاع قبل ذلك

٦٣

{قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة} هي موضع الموعد

{فإني نسيت الحوت} ثم اعتذر فقال

{وما أنسانيه} وبضم الهاء حفص

{إلا الشيطان} بالقاء الخواطر في القلب

{أن أذكره} بدل من الهاء في أنسانية أي وما أنساني ذكره إلا الشيطان

{واتخذ سبيله في البحر عجبا} وهو أن أثره بقي إلى حيث سار

٦٤

{قال ذلك ما كنا نبغ} نطلب وبالياء مكي وافقه أبو عمرو وعلى ومدني في الوصل وبغير ياء فيهما اتباعا لخط المصحف وذلك إشارة إلى اتخاذه سبيلا أي ذلك الذي كنا نطلب لأن ذهاب الحوت كان علما على لقاء الخضر عليه السلام

{فارتدا على آثارهما} فرجعا في الطريق الذي جاءا فيه

{قصصا} يقصان قصصا أي يتبعان آثارهما اتباعا قال الزجاج القصص اتباع الاثر

٦٥

{فوجدا عبدا من عبادنا} أي الخضر راقدا تحت ثوب أو جالسا في البحر

{آتيناه رحمة من عندنا} هي الوحي والنبوة أو العلم أو طول الحياة

{وعلمناه من لدنا علما} يعني الاخبار بالغيوب وقيل العلم اللدني ما حصل للعبد بطريق الالهام

٦٦

{قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا} أي علما ذا رشد به في ديني رشدا أبو عمر وهما لغتان كالبخل والبخل وفيه دليل على أنه لا ينبغي لأحد أن يترك طلب العلم وان كان قد بلغ نهايته وان يتواضع لمن هو اعلم منه

٦٧

{قال إنك لن تستطيع معي} وبفتح الياء حفص وكذا ما بعده في السورة

{صبرا} أي عن الانكار والسؤال

٦٨

{وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا} تمييز نفي استطاعة الصبر معه على وجه التأكيد وعلل ذلك بأنه تولى أمورا هي في ظاهرها مناكير والرجل الصالح لا يتمالك أن يجزع إذا رأى ذلك فكيف إذا كان نبيا

٦٩

{قال ستجدني إن شاء اللّه صابرا} من الصابرين عن الانكار والاعتراض

{ولا أعصي لك أمرا} في محل النصب عطف على صابرا أي ستجدني صابرا وغير عاص وهو عطف على ستجدني ولا محل له

٧٠

{قال فإن اتبعتني فلا تسألني} بفتح اللام وتشديد النون مدني وشامي وبسكون اللام وتخفيف النون غيرهما والياء ثابتة فيهما اجماعا

{عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} أي فمن شرط اتباعك لي انك إذا رأيت مني شيئا وقد علمت انه صحيح إلا أنه خفي عليك وجه صحته فأنكرت في نفسك ألا تفاتحني بالسؤال ولا تراجعني فيه حتى أكون أنا الفاتح عليك وهذا من أدب المتعلم مع العالم والمتبوع مع التابع

٧١

{فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها} فانطلقا على ساحل البحر يطلبان السفينة فلما ركباها قال أهلها هما من اللصوص وقال صاحب السفينة ارى وجوه الأنبياء فحملوهما بغير نول فلما لججوا أخذ الخضر الفأس فخرق السفينة بأن قلع لوحين من ألواحها مما يلي الماء فجعل موسى بسد الخرق بثيابه ثم

{قال أخرقتها لتغرق أهلها} ليغرق حمزة وعلى من غرق

{لقد جئت شيئا إمرا} أتيت شيئا عظيما من أمر الأمر إذا عظم

٧٢

{قال} أي الخضر

{ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا} فلما رأى موسى أن الخرق لا يدخله الماء ولم يفر من السفينة

٧٣

{قال لا تؤاخذني بما نسيت} بالذي نسيته أو بشيء نسيته أو بنسياني أراد أنه نسي وصيته ولا مؤاخذة على الناس أو أراد بالنسيان الترك أي لا تؤاخذني بما تركت من وصيتك أول مرة

{ولا ترهقني من أمري عسرا} رهقه إذا غشيه وأرهقه اياه أي ولا تغشني عسرا من أمري وهو اتباعه إياه أي ولا تعسر على متابعتك ويسرها على بالاغضاء وترك المناقشة

٧٤

{فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله} قيل ضرب برأسه الحائط وقيل اضجعه ثم ذبحه بالسكين وإنما قال فقتله بالفاء وقال خرقها بغير فاء لأن خرقها جعل جزاء للشرط وجعل قتله من جملة الشرط معطوفا عليه والجزاء

{قال أقتلت نفسا} وإنما خولف بينهما لأن خرق السفينة لم يتعقب الركوب وقد تعقب القتل لقاء الغلام

{زكية} زاكية حجازي وأبو عمرو وهي الطاهرة من الذنوب أما لأنها طاهرة عنده لأنه لم يرها قد اذنبت أو لأنها صغيرة لم تبلغ الحنث

{بغير نفس} أي لم تقتل نفسا فيقتص منها وعن ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما ان نجدة الحروري كتب اليه كيف جاز قتله وقد نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن قتل الولدان فكتب اليه ان علمت من حال الولدان ما علمه عالم موسى فلك أن تقتل

{لقد جئت شيئا نكرا} وبضم الكاف حيث كان مدني وأبو بكر وهو المنكر وقيل النكر أقل من الأمر لأن قتل نفس واحدة أهون من إغراق أهل السفينة أو معناه جئت شيئا أنكر من الأول لأن الخرق يمكن تداركه بالسد ولا يمكن تدارك القتل

٧٥

{قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا} زاد ذلك هنا لان النكر فيه أكثر

٧٦

{قال إن سألتك عن شيء بعدها} بعد هذه الكرة أو المسألة

{فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا} أعذرت فيما بيني وبينك في الفراق ولدني بتخفيف النون مدني وأبو بكر

٧٧

{فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية} هي انطاكية أو الأبلة وهي أبعد أرض اللّه من السماء

{استطعما أهلها} استضافا

{فأبوا أن يضيفوهما} ضيفه أنزله وجعله ضيفه قال عليه السلام كانوا أهل قرية لئاما وقيل شر القرى التي تبخل بالقرى

{فوجدا فيها} في القرية

{جدارا} طوله مائة ذراع

{يريد أن ينقض} يكاد يسقط استعيرت الارادة للمداناة والمشارقة كما استعير الهم العزم لذلك

{فأقامه} بيده أو مسحه بيده فقام واستوى أو نقضه وبناه كانت الحال حال اضطرار وافتقار إلى المطعم وقد لزتهما الحاجة إلى آخر كسب المرء وهو المسألة فلم يجدا مواسيا فلما أقام الجدار لم يتمالك موسى لما رآى من الحرمان ومساس الحاجة أن

{قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا} أي لطلبت على عملك جعلا حتى تستدفع به الضرورة لتخذت بتخفيف التاء وكسر الخاء وادغام الذال بصرى وباظهارها مكي وبتشديد التاء وفتح الخاء واظهار الذال حفص وبتشديد التاء وفتح الخاء وادغام الذال في التاء غيرهم والتاء في تخذ أصل كما في تبع واتخذا افتعل منه كاتبع من تبع وليس من الأخذ في شيء

٧٨

{قال هذا فراق بيني وبينك} هذا اشارة إلى السؤال الثالت أي هذا الاعتراض سبب الفراق والاصل هذا فراق بيني وبينك وقد قرئ به فاضيف المصدر إلى الظرف كما يضاف الى المفعول به

{سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا}

٧٩

{أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} قيل كانت لعشرة أخوة خمسة منهم زمنى وخمسة يعملون في البحر

{فأردت أن أعيبها} أجعلها ذات عيب

{وكان وراءهم ملك} أمامهم أو خلفهم وكان طريقهم في رجوعهم عليه وما كان عندهم خبرة أعلم اللّه به الخضر وهو جلندي

{يأخذ كل سفينة غصبا} أي يأخذ كل سفينة صالحة لا عيب فيها غصبا وان كانت معيبة تركها وهو مصدر أو مفعول له فان قلت قوله فاردت ان أعيبها مسبب عن خوف الغضب عليها فكان حقه أن يتأخر عن السبب قلت المراد به التأخير وانما قدم للعناية

٨٠

{وأما الغلام} وكان اسمه الحسين

{فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا} فخفنا أن يغشى الوالدين المؤمنين طغيانا عليهما وكفرا لنعمتهما بعقوقه وسوء صنيعه ويلحق بهما شرا وبلاء أو يعد بهما بدائه ويضلهما بضلاله فيرتدا بسببه وهو من كلام الخضر وإنما خشي الخضر منه ذلك لانه تعالى اعلمه بحاله واطلعه على سر أمره وان كان من قول اللّه تعالى فمعنى فخشينا فعلمنا ان عاش ان يصير سببا لكفر والديه

٨١

{فأردنا أن يبدلهما ربهما} يبدلهما ربهما مدني وأبو عمرو

{خيرا منه زكاة} طهارة ونقاء من الذنوب

{وأقرب رحما} رحما وعطفا وزكاة وحرما تمييز روى أنه ولدت لهما جارية تزوجها نبي فولدت نبيا أو أبدلهما ابنا مؤمنا مثلهما رحما شامي وهما لغتان

٨٢

{وأما الجدار فكان لغلامين} اصرم وصريم

{يتيمين في المدينة} هي القرية المذكورة

{وكان تحته كنز لهما} أي لوح من ذهب مكتوب فيه عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن وعجبت لمن يؤمن بالرزق كيف يتعب وعجبت لمن يؤمن بالموت كيف يفرح وعجبت لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل وعجبت لمن يعرف الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن اليها لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه أو مال مدفون من ذهب وفضة أو صحف فيها علم والأول أظهر وعن قتادة احل الكنز لمن قبلنا وحرم علينا وحرمت الغنيمة عليهم وأحلت لنا

{وكان أبوهما} قيل جدهما السابع

{صالحا} ممن يصحبني وعن الحسين بن علي رضي اللّه عنهما انه قال لبعض الخوارج في كلام جرى بينهما بم حفظ اللّه الغلامين قال بصلاح أبيهما قال فأبى وجدى خير منه

{فأراد ربك أن يبلغا أشدهما} أي الحلم

{ويستخرجا كنزهما رحمة} مفعول له أو مصدر منصوب بارادة ربك لأنه في معنى رحمهما

{من ربك وما فعلته} وما فعلت ما رأيت

{عن أمري} عن اجتهادي وانما فعلته بأمر اللّه والهاء تعود على الكل أو إلى الجدار

{ذلك} أي الاجوبة الثلاثة

{تأويل ما لم تسطع عليه صبرا} حذف التاء تخفيفا وقد زال اقدام أقوام من الضلال في تفضيل الولي على النبي وهو كفر جلي حيث قالوا أمر موسى بالتعلم من الخضر وهو ولي والجواب ان الخضر نبي وان لم يكن كما زعم البعض فهذا ابتلاء في حق موسى عليه السلام على ان أهل الكتاب يقولون ان موسى هذا ليس موسى بن عمران انما هو موسى بن مانان ومن المحال ان يكون الولي وليا إلا بايمانه بالنبي ثم يكون النبي دون الولي ولا غضاضة في طلب موسى العلم لان الزيادة في العلم مطلوبة وانما ذكر اولا فاردت لانه فساد في الظاهر وهو فعله وثالثا فأراد ربك لأنه أنعام محض وغير مقدور البشر وثانيا فاردنا لأنه افساد من حيث الفعل انعام من حيث التبديل وقال الزجاج معنى فاردنا فاراد اللّه عز وجل ومثله في القرآن كثير

٨٣

{ويسألونك} أي اليهود على جهة الامتحان أو أبو جهل واشياعه

{عن ذي القرنين} هو الاسكندر الذي ملك الدنيا قيل ملكها مؤمنان ذو القرنين وسليمان وكافران نمرود وبختنصر وكان بعد نمرود وقيل كان عبدا صالحا ملكه اللّه الأرض وأعطاه العلم والحكمة وسخر له النور والظلمة فاذا سرى يهديه النور من أمامه وتحوطه الظلمة من ورائه وقيل نبيا وقيل ملكا من الملائكة وعن علي رضي اللّه عنه انه قال ليس بملك ولا نبي ولكن كان عبد صالحا فضرب عن قرنه الأمن في طاعة اللّه فمات ثم بعثه اللّه فضرب على قرنه الايسر فمات فبعثه اللّه فسمى ذا القرنين وفيكم مثله أراد نفسه قيل كان يدعوهم إلى التوحيد فيقتلونه فيحييه اللّه تعالى وقال عليه السلام: سمي ذا القرنين لانه طاف قرني الدنيا يعني جانبيها شرقها وغربها وقيل كان له قرنان أي ضفيرتان أو انقرض في وقته قرنان من الناس أو لأنه ملك الروم وفارس أو الترك والروم أو كان لتاجه قرنان أو على راسه ما يشبه القرنين أو كان كريم الطرفين أبا وأما وكان من الروم

{قل سأتلو عليكم منه} من ذي القرنين

{ذكرا}

٨٤

{إنا مكنا له في الأرض} جعلنا له فيها مكان واعتلاء

{وآتيناه من كل شيء} أراده من اغراضه ومقاصده في ملكه

{سببا} طريقا موصلا إليه

٨٥

{فأتبع سببا} والسبب ما يتوصل به إلى المقصود من علم أو قدرة فاراد بلوغ المغرب فاتبع سببا يوصله إليه حتى بلغ وكذلك اراد المشرق فاتبع سببا وأراد بلوغ السدين فاتبع سببا فاتبع سببا ثم اتبع كوفي وشامي الباقون بوصل الألف وتشديد التاء عن الاصمعي اتبع لحق واتبع اقتفى وان لم يلحق

٨٦

{حتى إذا بلغ مغرب الشمس} أي منتهى العمارة نحو المغرب وكذا المطلع قال صلى اللّه عليه وسلم بدء أمره أنه وجد في الكتب ان أحد أولاد سام يشرب من عين الحياة فيخلد فجعل يسير في طلبها والخضر وزيره وابن خالته فظفر فشرب ولم يظفر ذو القرنين

{وجدها تغرب في عين حمئة} ذات حمأة من حمئت البئر إذا صارت فيها الحمأة حامية شامي وكوفي غير حفص بمعنى حارة وعن أبي ذر كنت رديف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على جمل فرأى الشمس حين غابت فقال اتدري يا ابا ذر أين تغرب هذه قلت اللّه ورسوله أعلم قال فإنها تغرب في عين حمئة وكان ابن عباس رضي اللّه عنهما عند معاوية فقرأ معاوية حامية فقال ابن عباس حمئة فقال معاوية لعبد اللّه بن عمر كيف تقرؤها فقال كما يقرأ أمير المؤمنين ثم وجه إلى كعب الاحبار كيف تجد الشمس تغرب قال في ماء وطين كذلك نجد في التوارة فوافق قول ابن عباس رضي اللّه عنهما ولا تنافي فجازان تكون العين جامعة للوصفين جميعا

{ووجد عندها} عند تلك العين

{قوما} عراة من الثياب لباسهم جلود الصيد وطعامهم ما لفظ البحر وكانوا كفارا

{قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا} ان كان نبيا فقد أوحى اللّه اليه بهذا والا فقد أوحى الى نبي فامره النبي به أو كان الهاما خير بين ان يعذبهم بالقتل ان اصروا على أمرهم وبين ان يتخذ فيهم حسنا باكرامهم وتعليم الشرائع ان أمنوا أو التعذيب القتل واتخاذ الحسن الاسر لأنه بالنظر إلى القتل احسان

٨٧

{قال} ذو القرنين

{أما من ظلم فسوف نعذبه} بالقتل

{ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا} في القيامة يعني أما من دعوته إلى الإسلام فابي الا البقاء على الظلم العظيم وهو الشرك فذاك هو المعذب في الدارين

٨٨

{وأما من آمن وعمل صالحا} أي عمل ما يقتضيه الإيمان

{فله جزاء الحسنى} فله جزاء الفعلة الحسنى التي هي كلمة الشهادة جزاء الحسنى كوفي غير أبي بكر أي فله الفعلة الحسنى جزاء

{وسنقول له من أمرنا يسرا} أي ذا يسر أي لا نأمره بالصعب الشاق ولكن بالسهل المتيسر من الزكاة والخراج وغير ذلك

٨٩

{ثم أتبع سببا}

٩٠

حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم} وهم الزنج

{لم نجعل لهم من دونها} من دون الشمس

{سترا} أي أبنية عن كعب ارضهم لا تمسك الأبنية وبها أسراب فإذا طلعت الشمس دخلوها فإذا ارتفع النهار خرجوا إلى معايشهم أو الستر اللباس عن مجاهد من لا يلبس الثياب من السودان عند مطلع الشمس أكثر من جميع أهل الأرض

٩١

{كذلك} أي أمر ذي القرنين كذلك أي كما وصفناه تعظيما لأمره

{وقد أحطنا بما لديه} من الجنود والآلات وأسباب الملك

{خبرا} نصب على المصدر لأن في أحطنا معنى خبرنا أو بلغ مطلع الشمس مثل ذلك أي كما بلغ مغربها أو تطلع على قوم مثل ذلك القبيل الذي تغرب عليهم يعني أنهم كفرة مثلهم وحكمهم مثل حكمهم في تعذيبه لمن بقي منهم على الكفر واحسانه إلى من آمن منهم

٩٢

{ثم أتبع سببا}

٩٣

حتى إذا بلغ بين السدين} بين الجبلين وهما جبلان سد ذو القرنين ما بينهما السدين وسدا مكي وأبو عمرو وحفص السدين وسدا حمزة وعلي وبضمهما غيرهم قيل ما كان مسدودا خلقة فهو مضموم وما كان من عمل العباد فهو مفتوح وانتصب بين على انه مفعول به لبلغ كما أنجر بالاضافة في هذا فراق بيني وبينك وكما ارتفع في لقد تقطع بينكم لأنه من الظروف التي تستعمل اسماء وظروفا هذا المكان في منقطع أرض الترك مما يلي الشرق

{وجد من دونهما} من ورائهما

{قوما} هم الترك

{لا يكادون يفقهون قولا} أي لا يكادون يفهمونه إلا بجهد ومشقة من اشارة ونحوها يفقهون حمزة وعلى أي لا يفهمون السامع كلامهم ولا يبينونه لان لغتهم غريبة مجهولة

٩٤

{قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج} هما اسمانا أعجميان بدليل منع الصرف وهمزهما عاصم فقط وهما من ولد يافث أو يأجوج من الترك ومأجوج من الجيل والديلم

{مفسدون في الأرض} قيل كانوا يأكلون الناس وقيل كانوا يخرجون أيام الربيع فلا يتركون شيئا اخضر إلا أكلوه ولا يابسا إلا أحتملوه ولا يموت أحدهم حتى ينظر إلى ألف ذكر من صلبه كلهم قد حمل السلاح وقيل هم على صنفين طوال مفرطوا الطول وقصار مفرطوا القصر

{فهل نجعل لك خرجا} خراجا حمزة وعلى أي جعلا نخرجه من أموالنا ونظيرهما النول والنوال

{على أن تجعل بيننا وبينهم سدا}

٩٥

{قال ما مكني} بالادغام وبفكه مكي

{فيه ربي خير} أي ما جعلني فيه مكينا من كثرة المال واليسار خير مما تبذلون لي من الخراج فلا حاجة لي إليه

{فأعينوني بقوة} بفعلة وصناع يحسنون البناء والعمل وبالآلات

{أجعل بينكم وبينهم ردما} جدار أو حاجزا حصينا موثقا والردم اكبر من السد

٩٦

{آتوني زبر الحديد} قطع الحديد والزبرة القطعة الكبيرة قيل حفر الاساس حتى بلغ الماء وجعل الأساس من الصخر والنحاس المذاب والبنيان من زبر الحديد بينها الحطب والفحم حتى سد ما بين الجبلين إلى اعلاهما ثم وضع المنافيخ حتى إذا صارت كالنار رصب النحاس المذاب على الحديد المحمى فاختلط والتصق بعضه ببعض وصار جبلا صلدا وقيل بعد ما بين السدين مائة فرسخ

{حتى إذا ساوى بين الصدفين} بفتحتين جانبي الجبلين لانهما يتصادقان أي يتقابلان الصدفين مكي وبصري وشامي الصدفين أبو بكر

{قال انفخوا} أي قال ذو القرنين للعملة انفخوا في الحديد

{حتى إذا جعله} أي المنفوخ فيه وهو الحديد

{نارا} كالنار

{قال آتوني} اعطوني

{أفرغ} اصب

{عليه قطرا} نحاسا مذابا لأنه يقطر وهو منصوب بافرغ وتقديره آتوني قطرا افرغ عليه قطرا فحذف الأول لدلالة الثاني عليه قال ائتوني بوصل الألف حمزة وإذا ابتدأ كسر الألف أي جيئوني

٩٧

{فما استطاعوا} بحذف التاء للخفة لأن التاء قريبة المخرج من الطاء

{أن يظهروه} أن يعلوا السد

{وما استطاعوا له نقبا} أي لا حيلة لهم فيه من صعود لارتفاعه ولا نقب لصلابته

٩٨

{قال هذا رحمة من ربي} أي هذا السد نعمة من اللّه ورحمة على عباده أو هذا الاقدار والتمكين من تسويته

{فإذا جاء وعد ربي} فإذا دنى مجئ يوم القيامة وشارف أن يأتي

{جعله} أي السد

{دكا} أي مدكوكا مبسوطا مسوى بالأرض وكل ما انبسط بعد ارتفاع فقد اندك دكاء كوفي أي أرضا مستوية

{وكان وعد ربي حقا} آخر قول ذي القرنين

٩٩

{وتركنا} وجعلنا

{بعضهم} بعض الخلق

{يومئذ يموج} يختلط

{في بعض} أي يضطربون ويختلطون انسهم وجنهم حيارى ويجوز أن يكون الضمير ليأجوج ومأجوج وانهم يموجون حين يخرجون مما وراء السد مزدحمين في البلاد وروى انهم يأتون البحر فيشربون ماءه ويأكلون دوابه ثم يأكلون الشجر ومن ظفروا به من الناس ولا يقدرون أن يأتوا مكة والمدينة وبيت المقدس ثم يبعث اللّه نغفا في اقفائهم فيدخل في آذانهم فيموتون

{ونفخ في الصور} لقيام الساعة

{فجمعناهم} أي جمع الخلائق للثواب والعقاب

{جمعا} تأكيد

١٠٠

{وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا} وأظهرناها لهم فرأوها وشاهدوها

١٠١

{الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري} عن آياتي التي ينظر إليها أو عن القرآن فأذكره بالتعظيم أو عن القرآن وتأمل معانيه

{وكانوا لا يستطيعون سمعا} أي كانوا صما عنه إلا انه ابلغ إذ الاصم قد يستطيع السمع إذا صيح به وهؤلاء كأنهم اصميت اسماعهم فلا استطاعة بهم للسمع

١٠٢

{أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء} أي افظن الكفار اتخاذهم عبادي يعني الملائكة وعيسى عليهم السلام أولياء نافعهم بئس ما ظنوا وقيل ان بصلتها سد مسد مفعولي أفحسب وعبادي أولياء مفعولا أن يتخذوا وهذا أوجه يعني أنهم لا يكونون لهم أولياء

{إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا} هو ما يقام للتنزيل وهو الضيف ونحوه فبشرهم بعذاب اليم

١٠٣

{قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا} اعمالا تمييز وإنما جمع والقياس ان يكون مفردا لتنوع الاهواء وهم اهل الكتاب أو الرهبان

١٠٤

{الذين ضل سعيهم} ضاع وبطل وهو في محل الرفع أي هم الذين

{في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا}

١٠٥

{أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا} فلا يكون لهم عندنا وزن ومقدار

١٠٦

{ذلك جزاؤهم جهنم} هي عطف بيان لجزاؤهم

{بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا} أي جزاؤهم جهنم بكفرهم واستهزائهم بآيات اللّه ورسله

١٠٧

{إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا}

١٠٨

{خالدين فيها} حال

{لا يبغون عنها حولا} تحولا إلى غيرها رضا بما أعطوا يقال حال من مكانه حولا أي لا مزيد عليها حتى تنازعهم أنفسهم إلى أجمع لإغراضهم وأمانيهم أو هذه غاية الوصف لأن الإنسان في الدنيا في أي نعيم كان فهو طامح مائل الطرف إلى أرفع منه أو المراد نفي التحول وتأكيد الخلود

١٠٩

{قل لو كان البحر} أي ماء البحر

{مدادا لكلمات ربي} قال أبو عبيدة المداد ما يكتب به أي لو كتبت كلمات علم اللّه وحكمته وكان البحر مدادا لها والمراد بالبحر الجنس

{لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله} بمثل البحر

{مددا} لنفذ أيضا والكلمات غير نافذة مددا تمييز نحو لي مثله رجلا والمدد مثل المداد وهو ما يمد به ينفذ حمزة وعلى وقيل قال حيي بن أخطب في كتابكم ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ثم تقرءون وما أوتيتم من العلم إلا قليلا فنزلت يعني أن ذلك خير كثير ولكنه قطرة من بحر كلمات اللّه

١١٠

{قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه} فمن كان يأمل حسن لقاء ربه وأن يلقاه لقاء رضا وقبول أو فمن كان يخاف سوء لقاء ربه والمراد باللقاء القدوم عليه وقيل رؤيته كما هو حقيقة اللفظ والرجاء على هذا مجرى على حقيقته

{فليعمل عملا صالحا} خالصا لا يريد به إلا وجه ربه ولا يخلط به غيره وعن يحيى بن معاذ هو مالا يستحي منه

{ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} هو نهي عن الشرك أو عن الرياء قال صلى اللّه عليه وسلم: اتقوا الشرك الاصغر قالوا وما الشرك الأصغر قال: الرياء.

قال صلى اللّه عليه وسلم عليه وسلم:

من قرأ سورة الكهف فهو معصوم ثمانية أيام من كل فتنة تكون فان يخرج الدجال في تلك الثمانية عصمه اللّه من فتنة الدجال ومن قرأ قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي إلى آخرها عند مضجعه كان له نورا يتلألأ من مضجعه إلى مكة حشو ذلك النور ملائكة يصلون عليه حتى يقوم عن مضجعه وإن كان مضعجه بمكة فتلاها كان له نورا يتلألأ من مضجعه إلى البيت المعمور حشو ذلك النور ملائكة يصلون عليه ويستغفرون له حتى يستيقظ

﴿ ٠