تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م) _________________________________سورة مريم سورة مريم عليها السلام مكية وهي ثمان أو تسع وتسعون آية مدني وشامي بسم اللّه الرحمن الرحيم _________________________________ {كهيعص} قال السدي هو اسم اللّه الأعظم وقيل هو اسم للسورة وقرأ على ويحيى بكسر الهاء والياء ونافع بين الفتح والكسر وإلى الفتح أقرب وأبو عمرو بكسر الهاء وفتح الياء وحمزة بعكسه وغيرهم بفتحهما ٢{ذكر رحمة ربك} خبر مبتدأ أي هذا ذكر {عبده} مفعول الرحمة {زكريا} بالقصر حمزة وعلي وحفص وهو بدل من عبده ٣{إذ} ظرف للرحمة {نادى ربه نداء خفيا} دعاه دعاء سرا كما هو المأمور به وهو أبعد عن الرياء وأقرب إلى الصفاء أو أخفاه لئلا يلام على طلب الولد في أوان الكبر لأنه كان ابن خمس وسبعين أو ثمانين سنة ٤{قال رب} هذا تفسير الدعاء وأصله يا ربي فحذف حرف النداء والمضاف اليه اختصار {إني وهن العظم مني} ضعف وخص العظم لأنه عمود البدن وبه قوامه فاذا وهن تداعى وتساقطت قوته ولأنه أشد ما فيه واصلبه فاذا وهن كان ما وراءه أوهن ووحده لأن الواحد منه الجسد قد أصابه الوهن {واشتعل الرأس شيبا} تمييز أي فشافى رأسي الشيب واشتعلت النار إذا تفرقت في التهابها وصارت شعلا شبه الشيب بشواظ النار في بياضه وانتشاره في الشعر وأخذه منه كل ما أخذ باشتعال النار ولا ترى كلاما افصح من هذا ألا ترى أن أصل الكلام يا رب قد شخت إذ الشيخوخة تشتمل على ضعف البدن وشيب الرأس المتعرض لها وأقوى منه ضعف بدني وشاب رأسي ففيه مزيد والتقرير للتفصيل وأقوى منه وهنت عظام بدني ففه عدول عن التصريح إلى الكناية فهي أبلغ منه وأقوى منه أنا وهنت عظام بدني وأقوى منه إني وهنت بدني وأقوى منه إني وهنت العظام من بدني ففيه سلوك طريقي الإجمال والتفصيل وأقوى منه أني وهنت العظام مني ففيه ترك توسيط البدن وأقوى منه إني وهن العظم مني لشمول الوهن العظام فردا فردا باعتبار ترك جمع العظم إلى الافراد لصحة حصول وهن المجموع بالبعض دون كل فرد فرد ولهذا تركت الحقيقة في شاب رأسي إلى أبلغ وهي الاستعارة فحصل اشتعل شيب رأسي وأبلغ منه اشتعل رأسي شيبا لاسناد الاشتعال إلى مكان الشعر ومنبته وهو الراس لإفادة شمول الاشتعال الرأس إذ وزان اشتعل شيب رأسي واشتعل رأسي شيبا وزان اشتعل النار في بيتي واشتعل بيتي نارا والفرق نير ولأن فيه الاجمال والتفصيل كما عرف في طريق التمييز وابلغ منه واشتعل الرأس مني شيبا لما مر وأبلغ منه واشتعل الرأس شيبا ففيه اكتفاء بعلم المخاطب أنه رأس زكريا بقرينة العطف على وهن العظم {ولم أكن بدعائك} مصدر ومضاف إلى المفعول أي بدعائي اياك {رب شقيا} أي كنت مستجاب الدعوة قبل اليوم سعيدا به غير شقي فيه يقال سعد فلان بحاجته إذا ظفر بها ومشقي إذا خاب ولم ينلها وعن بعضهم أن محتاجا سأله وقال أنا الذي احسنت إلى وقت كذا فقال مرحبا بمن توسل بنا إلينا وقت حاجته وقضى حاجته ٥{وإني خفت الموالي} هم عصبته اخوته وبنو عمه وكانوا شرار بني اسرائيل فخافهم أن يغيروا الدين وأن لا يحسنوا الخلافة على أمته فطلب عقبا صالحا من صلبه يقتدى به في احياء الدين {من ورائي} بعد موتي وبالقصر وفتح الياء كهداي مكي وهذا الظرف لا يتعلق بخفت لأن وجود خوفه بعد موته لا يتصور ولكن بمحذوف أو بمعنى الولاية في الموالي أي خفت فعل الموالي وهو تبديلهم وسوء خلافتهم من ورائي أو خفت الذين يلون الأمر من ورائي {وكانت امرأتي عاقرا} عقيما لا تلد {فهب لي من لدنك} اختراعا منك بلا سبب لأن امرأتي لا تصلح للولادة {وليا} ابنا يلي أمرك بعدي ٦{يرثني ويرث} برفعهما صفة لوليا أي هب لي ولدا وارثا مني العلم ومن آل يعقوب النبوة ومعنى وراثة النبوة أنه يصلح لأن يوحى اليه ولم يرد أن نفس النبوة تورث وبجزمهما أبو عمرو وعلى على أنه جواب للدعاء يقال ورثته وورثت منه {من آل يعقوب} يعقوب بن اسحق {واجعله رب رضيا} مرضيا ترضاه أو راضيا عنك وبحكمك فأجاب اللّه تعالى دعائه وقال ٧{يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى} تولى اللّه تسميته تشريفا له نبشرك بالتخفيف حمزة {لم نجعل له من قبل سميا} لم يسم أحد بيحيى قبله وهذا دليل على أن الاسم الغريب جدير بالاثرة وقيل مثلا وشبيها ولم يكن له مثل في أنه لم يعص ولم يهم بمعصية قط وانه ولد بين شيخ وعجوز وأنه كان حصورا فلما بشرته الملائكة به ٨{قال رب أنى} كيف {يكون لي غلام} وليس هذا باستبعاد بل هو استكشاف أنه بأي طريق يكون أيوهب له وهو وامرأته بتلك الحال أم يحولان شابين {وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا} أي بلغت عتيا وهو اليبس والجساوة في المفاصل والعظام كالعود اليابس من أجل الكبر والطعن في السن العالية عتيا وصليا وجثيا وبكيا بكسر الاوائل حمزة وعلى وحفص الا في بكيا ٩{قال كذلك} الكاف رفع أي الأمر كذلك تصديق له ثم ابتدأ {قال ربك} أو نصب بقال وذلك إشارة إلى مبهم يفسره {هو علي هين} أي خلق يحيى من كبيرين سهل {وقد خلقتك من قبل} أوجدتك من قبل يحيى خلقناك حمزة وعلى {ولم تك شيئا} لأن المعدوم ليس بشيء ١٠{قال رب اجعل لي آية} علامة أعرف بها حبل امرأتي {قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا} حال من ضمير تكلم أي حال كونك سوى الاعضاء واللسان يعني علامتك أن تمنع الكلام فلا تطيقه وأنت سليم الجوراح ما بك خرس ولا بكم ودل ذكر الليالي هنا والايام في آل عمران على أن المنع من الكلام استمر به ثلاثة أيام ولياليهن إذ ذكر الآيام يتناول ما بازائها من الليالي وكذا ذكر الليالي يتناول ما بازائها من الايام عرفا ١١{فخرج على قومه من المحراب} من موضع صلاته وكانوا ينتظرونه ولم يقدر أن يتكلم {فأوحى إليهم} أشار باصبعه {أن سبحوا} صلوا وان هي المفسرة {بكرة وعشيا} صلاة الفجر والعصر ١٢{يا يحيى} أي وهبنا له يحيى وقلنا له بعد ولادته وأوان الخطاب يا يحيى {خذ الكتاب} التوراة {بقوة} حال أي بجد واستظهار بالتوفيق والتأييد {وآتيناه الحكم} الحكمة وهو فهم التوراة والفقه في الدين {صبيا} حال قيل دعاه الصبيان إلى اللعب وهو صبي فقال ما للعب خلقنا ١٣{وحنانا} شفقة ورحمة لابويه وغيرهما عطفا عى الحكم {من لدنا} من عندنا {وزكاة} طهارة وصلاحا فلم يعمد بذنب {وكان تقيا} مسلما مطيعا ١٤{وبرا بوالديه} وبارا بهما لا يعصيهما {ولم يكن جبارا} متكبرا {عصيا} عاصيا لربه ١٥{وسلام عليه} آمان من اللّه له {يوم ولد} من أن يناله الشيطان {ويوم يموت} من فتاني القبر {ويوم يبعث حيا} من الفزع الأكبر قال ابن عيينة إنها أوحش المواطن ١٦{واذكر} يا محمد {في الكتاب} القرآن {مريم} أي اقرأ عليم في القرآن قصة مريم ليقفوا عليها ويعلموا ما جرى عليها {إذ} بدل من مريم بدل اشتمال إذ الأحيان مشتملة على ما فيها وفيه ان المقصود بذكر مريم ذكر وقتها هذا لوقوع هذه القصة العجيبة فيه {انتبذت من أهلها} أي اعتزلت {مكانا} ظرف {شرقيا} أي تخلت للعبادة في مكان مما يلي شرقي بيت المقدس أومن دارها معتزلة عن الناس وقيل قعدت في مشرقه للاغتسال من الحيض ١٧{فاتخذت من دونهم حجابا} جعلت بينها وبين أهلها حجابا يسترها لتغتسل وراءه {فأرسلنا إليها روحنا} جبريل عليه السلام والإضافة للتشريف وإنما سمي روحا لأن الدين يحيا به وبوحيه {فتمثل لها بشرا} أي فتمثل لها جبريل في صورة آدمي شاب أمرد وضئ الوجه جعد الشعر {سويا} مستوى الخلق وإنما مثل لها في صورة الإنسان لتستأنس بكلامه ولا تنفر عنه ولو بدالها في صورة الملائكة لنفرت ولم تقدر على استماع كلامه ١٨{قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} أي إن كان يرجى منك ان تتقي اللّه فاني عائذة به منك ١٩{قال} جبريل عليه السلام {إنما أنا رسول ربك} أمنها مما خافت وأخبر أنه ليس بآدمي بل هو رسول من استعاذت به {لأهب لك} بإذن اللّه تعالى أو لأكون سببا في هبة الغلام بالنفخ في الدرع ليهب لك أي اللّه أبو عمرو ونافع {غلاما زكيا} طاهرا من الذنوب أو ناميا على الخير والبركة ٢٠{قالت إني} كيف {يكون لي غلام} ابن {ولم يمسسني بشر} زوج بالنكاح {ولم أك بغيا} فاجرة تبغي الرجال أي تطلب الشهوة من أي رجل كان ولا يكون الولد عادة إلا من أحد هذين والبغي فعول عند المبرد بغوي فقلبت الواو ياء وأدغمت وكسرت الغين اتباعا ولذا لم تلحق تاء التأنيث كما لم تلحق في امرأة صبور وشكور وعند غيره هي فعيل ولم تلحقها الهاء لأنها بمعنى مفعولة وان كانت بمعنى فاعلة فهو قد يشبه به مثل ان رحمة اللّه قريب ٢١{قال} جبريل {كذلك} أي الأمر كما قلت لم يمسك رجل نكاحا أو سفاحا {قال ربك هو علي هين} أي اعطاء الولد بلا أب علي سهل {ولنجعله آية للناس} تعليل معللة محذوف أي ولنجعله آية للناس فعلنا ذلك أو هو معطوف على تعليل مضمر اي لنبين به قدرتنا ولنجعله آية للناس أي عبرة وبرهانا على قدرتنا {ورحمة منا} لمن آمن به {وكان} خلق عيسى {أمرا مقضيا} مقدرا مسطورا في اللوح فلما اطمأنت إلى قوله منها فنفخ في جيب درعها فوصلت النفخه إلى بطنها ٢٢{فحملته} اى الموهوب وكان سنها ثلاث عشرة سنه أو عشر أو عشرين {فانتبذت به} اعتزلت وهو فى بطنها والجار والمجرور فى موضع الحال عن ابن عباس رضى اللّه عنهما كانت مدة الحمل ساعه واحده كما حملته نبذته وقيل ستة أشهر وقيل سبعه وقيل ثمانيه ولم يعش مولود وضع لثمانيه إلا عيسى وقيل حملته فى ساعة ووضعته في ساعة {مكانا قصيا} بعيدا عن أهلها وراء الجبل وذلك لأنها لما أحست بالحمل هربت من قومها مخافة اللائمه ٢٣{فأجاءها} جاء بها وقيل الجأها وهو منقول من جاء إلا أن استعماله قد تغير بعد النقل الى معنى الالجاء ألاتراك لا تقول جئت المكان وأجاء فيه زيد {المخاض} وجع الولادة {إلى جذع النخلة} اصلها وكانت يابسة وكان الوقت شتاء وتعريفها مشعر بأنها كانت نخله معروفه وجاز أن يكون التعريف للجنس أي جذع هذه الشجرة كأنه تعالى أرشدها إلى النخلة ليطعمها منها الرطب لأنه خرسة النفساء أي طعامها ثم {قالت} جزعا مما أصابها {يا ليتني مت قبل هذا} اليوم مدني وكوفي غير أبي بكر وغيرهم بالضم يقال مات يموت ومات يمات {وكنت نسيا منسيا} شيئا متروكا لا يعرف ولا يذكر بفتح النون حمزة وحفص بالكسر غيرهما ومعناهما واحد وهو الشيء الذي حقه ان يطرح وينسى لحقارته ٢٤{فناداها من تحتها} أي الذي تحتها فمن فاعل وهو جبريل عليه السلام لأنه كان بمكان منخفض عنها أو عيسى عليه السلام لأنه خاطبها مت تحت ذيلها من تحتها مدني وكوفي سوى أبي بكر والفاعل مضمر وهو عيسى عليه السلام أو جبريل والهاء في تحتها للنخلة ولشدة ما لقيت سليت بقوله {ألا تحزني} لا تهتمي بالوحدة وعدم الطعام والشراب ومقالة الناس وان بمعنى أي {قد جعل ربك تحتك} قربك أو تحت أمرك إن أمرته أن يجري جرى وأن أمرته أن يقف وقف {سريا} نهرا صغيرا عند الجمهور وسئل النبي صلى اللّه عليه وسلم عن السرى فقال هو الجدول وعن الحسن سيدا كريما يعني عيسى عليه السلام وروى أن خالد بن صفوان قال له ان العرب تسمى الجدول سريا فقال الحسن صدقت ورجع إلى قوله وقال ابن عباس رضي اللّه عنهما ضرب عيسى أو جبريل عليهما السلام بعقبه الأرض فظهرت عين ماء عذب فجرى النهر اليابس فاخضرت النخلة وأثمرت وأينعت ثمرتها فقيل لها ٢٥{وهزي} حركي {إليك} إلى نفسك {بجذع النخلة} قال أبو علي الباء زائدة أي هزي جذع النخلة {تساقط عليك} بادغام التاء الأولى في الثانية مكي ومدني وشامي وأبو عمرو وعلي وأبو بكر والأصل تتساقط باظهار التاءين وتساقط بفتح التاء والقاف وطرح التاء الثانية وتخفيف السين حمزة ويساقط بفتح الياء والقاف وتشديد السين يعقوب وسهل وحماد ونصير وتساقط حفص من المفاعلة وتسقط ويسقط وتسقط ويسقط التاء للنخلة والياء للجذع فهذه تسع قراآت {رطبا} تمييز أو مفعول به على حسب القراءة {جنيا} طريا وقالوا التمر للنفساء عادة من ذلك الوقت وقيل ما للنفساء خير من الرطب ولا للمريض من العسل ٢٦{فكلي} من الجني {واشربي} من السري {وقري عينا} بالولد الرضي وعينا تمييز أي طيبي نفسا بعيسى وارفضي عنك ما احزنك {فأما} أصله إن ما فضمت ان الشرطية إلى ما وأدغمت فيها {ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما} أي فإن رأيت آدميا يسألك عن حالك فقولي إني نذرت للرحمن صمتا وامساكا عن الكلام وكانوا يصومون عن الكلام كما يصومون عن الاكل والشرب وقيل صياما حقيقة وكان صيامهم فيه الصمت فكان الزامه الزامه وقد نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن صوم الصمت فصار ذلك منسوخا فينا وانما أمرت أن تنذر السكوت لأن عيسى عليه السلام يكفيها الكلام بما يبرئ به ساحتها ولئلا تجادل السفهاء وفيه دليل على أن السكوت عن السفيه واجب وما قدع سفيه بمثل الاعراض ولا أطلق عنانه بمثل العراض وإنما أخبرتهم بأنها نذرت الصوم بالإشارة وقد تسمى الإشارة كلاما وقولا ألا ترى إلى قول الشاعر في وصف القبور وتكلمت عن أوجه تبلى وقيل كان وجوب الصمت بعد هذا الكلام أو سوغ لها هذا القدر بالنطق {فلن أكلم اليوم إنسيا} آدميا ٢٧{فأتت به} بعيسى {قومها} بعد ما طهرت من نفاسها {تحمله} حال منها أي أقبلت نحوهم حاملة إياه فلما رأوه معها {قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا} بديعا عجيبا والفرى القطع كأنه يقطع العادة ٢٨{يا أخت هرون} وكان أخاها من أبيها ومن أفضل بني اسرائيل أو هو أخو موسى عليه السلام وكانت من أعقابه وبينهما ألف سنة وهذا كما يقال يا أخا همدان أي يا واحدا منهم أو رجل صال أو صالح في زمانها شبهوها به في الصلاح أو شتموها به {ما كان أبوك} عمران {امرأ سوء} زانيا {وما كانت أمك} حنة {بغيا} زانية ٢٩{فأشارت إليه} إلى عيسى أن يجيبهم وذلك أن عيسى عليه السلام قال لها لا تحزني واحيلي بالجواب علي وقيل امرها جبريل بذلك ولما اشارت إليه غضبوا وتعجبوا و {قالوا كيف نكلم من كان} حدث ووجد {في المهد} المعهود {صبيا} حال ٣٠{قال إني عبد اللّه} ولما أسكتت بأمر اللّه لسانها الناطق أنطق اللّه اللسان الساكت حتى اعترف بالعبودية وهو ابن اربعين ليلة أو ابن يوم روي انه أشار بسبابته وقال بصوت رفيع إني عبد اللّه وفيه رد لقول النصارى {آتاني الكتاب} الانجيل {وجعلني نبيا} روى عن الحسن أنه كان في المهد نبيا وكلامه معجزته وقيل معناه أن ذلك سبق في قضائه أو جعل الآتي لا محالة كأنه وجد ٣١{وجعلني مباركا أين ما كنت} نفاعا حيث كنت أو معلما للخير {وأوصاني} وأمرني {بالصلاة والزكاة} إن ملكت مالا وقيل صدقة الفطر أو تطهير البدن ويحتمل وأوصاني بأن آمركم بالصلاة والزكاة {ما دمت حيا} نصب على الظرف أي مدة حياتي ٣٢{وبرا بوالدتي} عطفا على مباركا أي بارا بها أكرمها وأعظمها {ولم يجعلني جبارا} متكبرا {شقيا} عاقا ٣٣{والسلام علي يوم ولدت} يوم ظرف والعامل فيه الخبر وهو على {ويوم أموت ويوم أبعث حيا} أي ذلك السلام الموجه إلى يحيى في المواطن الثلاثة موجه إلى إن كان حرف التعريف للعهد وان كان للجنس فالمعنى وجنس السلام على وفيه تعريض باللعنه على أعداء مريم وابنها لأنه إذا قال وجنس السلام على فقد عرض بأن ضده عليكم إذ المقام مقام مناكرة وعناد فكان مئنة لمثل هذا التعريض ٣٤{ذلك} مبتدأ {عيسى} خبره {ابن مريم} نعته أو خبر ثان أي ذلك الذي قال أني كذا وكذا عيسى بن مريم لا كما قالت النصارى إنه إله أو ابن اللّه {قول الحق} كلمة اللّه فالقول الكلمة والحق اللّه وقيل له كلمة اللّه لأنه ولد بقوله كن بلا واسطة أب وارتفاعه على أنه خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف أو بدل من عيسى ونصبه شامي وعاصم على المدح أو على المصدر أي أقول قول الحق هو ابن مريم وليس باله كما يدعونه {الذي فيه يمترون} يشكون من المرية الشك أو يختلفون من المراء فقالت اليهود ساحر كذاب وقالت النصارى ابن اللّه وثالث ثلاثة ٣٥{ما كان للّه} ما ينبغي له {أن يتخذ من ولد} جيء بمن لتأكيد النفي {سبحانه} نزه ذاته عن اتخاذ الولد {إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون} بالنصب شامي أي كما قال لعيسى كن فكان من غير أب ومن كان متصفا بهذا كان منزها ان يشبه الحيوان الوالد ٣٦{وإن اللّه ربي وربكم فاعبدوه} بالكسر شامي وكوفي على الابتداء وهو من كلام عيسى يعني كما أنا عبده فأنتم عبيده على وعليكم أن نعبده ومن فتح عطف على بالصلاة أي وأوصاني بالصلاة وبالزكاة وبأن اللّه ربي وربكم أو علقه بما بعده أي ولأن اللّه ربي وربكم فاعبدوه {هذا} الذي ذكرت {صراط مستقيم} فاعبدوه ولا تشركوا به شيئا ٣٧{فاختلف الأحزاب} الحزب الفرقة المنفردة برأيها عن غيرها وهم ثلاث فرق نسطورية ويعقوبية وملكانية {من بينهم} من بين أصحابه أو من بين قومه أو من بين الناس وذلك أن النصارى اختلفوا في عيسى حين رفع ثم اتفقوا على ان يرجعوا إلى قول ثلاثة كانوا عندهم أعلم أهل زمانهم وهو يعقوب ونسطور وملكان فقال يعقوب هو اللّه هبط إلى الأرض ثم صعد إلى السماء وقال نسطور كان ابن اللّه اظهره ما شاء ثم رفعه إليه وقال الثالث كذبوا كان عبدا مخلوقا نبيا فتبع كل واحد منهم قوم {فويل للذين كفروا} من الاحزاب إذ الواحد منهم على الحق {من مشهد يوم عظيم} هو يوم القيامة أو من شهودهم هول الحساب والجزاء في يوم القيامة أو من شهادة ذلك اليوم عليهم وأن تشهد عليهم الملائكة والأنبياء جوارحهم بالكفر أو من مكان الشهادة أو وقتها أو المراد يوم اجتماعهم للتشاور فيه وجعله عظيما لفظاعة ما شهدوا به في عيسى ٣٨{أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا} الجمهور على أن لفظه أمر ومعناه التعجب واللّه تعالى لا يوصف بالتعجب ولكن المراد أن إسماعهم وإبصارهم جدير بأن يتعجب منهما بعد ما كانوا صما وعميا في الدنيا قال قتادة إن عموا وصموا عن الحق في الدنيا فما أسمعهم وما أبصرهم بالهدي يوم لا ينفعهم وبهم مرفوع المحل على الفاعلية كاكرم بزيد فمعناه كرم زيد جدا {لكن الظالمون اليوم} أقيم الظاهر مقام المضمر أي لكنهم اليوم في الدنيا بظلمهم أنفسهم حيث تركوا الاستماع والنظر حين يجدي عليهم ووضعوا العبادة في غير موضعها {في ضلال} عن الحق {مبين} ظاهر وهو اعتقادهم عيسى إلها معبودا مع ظهور آثار الحدث فيه شعار بأن لا ظلم اشد من ظلمهم ٣٩{وأنذرهم} خوفهم {يوم الحسرة} يوم القيامة لأنه يقع فيه الندم على ما فات وفي الحديث: إذا رأوا منازلهم في الجنة أن لو آمنوا {إذ} بدل من يوم الحسرة أو ظرف للحسرة وهو مصدر {قضي الأمر} فرغ من الحساب وتصادر الفريقان إلى الجنة والنار {وهم في غفلة} هنا عن الإهتمام لذلك المقام {وهم لا يؤمنون} لا يصدقون به وهم وهم حالان أي وانذرهم على هذا الحال غافلين غير مؤمنين ٤٠{إنا نحن نرث الأرض ومن عليها} أي نتفرد بالملك والبقاء عند تعميم الهلك والفناء وذكر من لتغليب العقلاء {وإلينا يرجعون} بضم الياء وفتح الجيم وفتح الياء يعقوب أي يردون فيجازون جزاء وفاقا ٤١{واذكر} لقومك {في الكتاب} القرآن {إبراهيم} قصته مع أبيه {إنه كان صديقا نبيا} بغير همزه وهمزه نافع قيل الصادق المستقيم فى الأفعال والصديق المستقيم فى الآحوال فالصديق من ابنية المبالغة ونظيره الضحيك والمراد فرط صدقه وكثرة ما صدق به من غيوب اللّه وآياته وكتبه ورسله اى كان مصدقا لجميع الانبياء وكتبهم وكان نبيا فى نفسه وهذه الجملة وقعت اعتراضا بين إبراهيم وبين ما هو بدل منه وهو ٤٢{إذ قال} وجاز ان يتعلق إذ بكان أو بصديقا نبيا اى كان جامعا لخصائص الصديقين والانبياء حين خاطب أباه بتلك المخاطبات والمراد بذكر الرسول اياه وقصته فى الكتاب ان يتلو ذلك على الناس ويبلغه اياهم كقوله واتل عليهم نبأ إبراهيم وإلا فاللّه عزوعلا هو ذاكره ومورده فى تنزيله {لأبيه يا أبت} بكسر التاء وفتحها ابن عامر والتاء عوض من ياء الإضافه ولا يقال يا ابتي لئلا يجمع بين العوض والمعوض منه {لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر} المفعول فيهما منسي غير منوى ويجوز أن يقدر اى لا يسمع شيئا ولا يبصر شيئا {ولا يغني عنك شيئا} يحتمل ان يكون شيئا فى موضع المصدر اى شيئا من الاعناء وان يكون مفعولا به من قولك اغن عنى وجهك اى بعد ٤٣{يا أبت إني قد جاءني من العلم} الوحى أو معرفة الرب {ما لم يأتك} ما في ما لا يسمع وما لم يأتك يجوز أن تكون موصوله أو موصوفة {فاتبعني أهدك} ارشدك {صراطا سويا} مستقيما ٤٤{يا أبت لا تعبد الشيطان} لاتطعه فيما سول من عبادة الصنم {إن الشيطان كان للرحمن عصيا} عاصيا ٤٥{يا أبت إني أخاف} قيل أعلم {أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا} قرينا فى النار تليه ويليك فانظر فى نصيحته كيف راعى المجامله والرفق والخلق الحسن كما أمر نفى الحديث: أوحى إلى إبراهيم انك خليلى حسن خلقك ولو مع الكفار تدخل مداخل الابرار فطلب منه أولا العله فى خطئه طلب منبه على تماديه موقظ لافراطه وتناهيه لأن من يعبد أشرف الخلق منزلة وهم الانبياء كان محكوما عليه بالعى المبين فكيف بمن يعبد حجرا أو شجرا لا يسمع ذكر عابده ولا يرى هيأت عبادته ولا يدفع عنه بلاء ولا يقضى له حاجة ثم ثنى بدعوته إلى الحق مترفقا به متلطفا فلم يسم أباه بالجهل المفرط ولا نفسه بالعلم الفائق ولكنه قال ان معى شيئا من العلم ليس معك وذلك علم الدلاله على الطريق السوى فهب أنى وإياك فى مسير وعندى معرفة بالهداية دونك فاتبعنى انجك من ان تضل وتتيه ثم ثلث بنهيه عما كان عليه بأن الشيطان الذى عصى الرحمن الذي جميع النعم منه أوقعك فى عبادة الصنم وزينها لك فأنت عابده فى الحقيقه ثم ربع بتخويفه سوء العاقبة وما يجره ما هو فيه من التبعه والوبال مع مراعاة الآدب حيث لم يصرح بأن العقاب لاحق به وأن العذاب لاصق به بل قال أخاف أن يمسك عذاب بالتنكير المشعر بالتقليل كأنه قال انى أخاف أن يصيبك نفيان من عذاب الرحمن وجعل ولابه الشيطان ودخوله فى جملة اشياعه وأوليائه أكبر من العذاب كما ان رضوان اللّه أكبر من الثواب فى نفسه وصدر كل نصيحة بقوله ياأبت توسلا إليه واستعطافا واشعارا بوجوب احترام الآب وان كان كافرا ثم ٤٦{قال} أزرتوبيخا {أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم} أي اترغب عن عبادتها فناداه باسمه ولم يقابل يا أبت بيا ابنى وقدم الخبر على المبتدء لانه كان اهم عنده {لئن لم تنته} عن شتم الأصنام {لأرجمنك} لأقتلنك بالرجام أولأضربنك بها حتى تتباعد أو لآشتمنك {واهجرني} عطف على محذوف يدل عليه لارجمنك تقديره فاحذرنى واهجرنى {مليا} ظرف أي زمانا طويلا من الملاوة ٤٧{قال سلام عليك} سلام توديع ومتاركة أو تقريب وملاطفة ولذا وعد بالاستغفار بقوله {سأستغفر لك ربي} سأسأل اللّه أن يجعلك من أهل المغفرة بأن يهديك للاسلام {إنه كان بي حفيا} ملطفا بعموم النعم أو رحيما أو مكرما والحفاوة الرأفة والرحمة والكرامة ٤٨{وأعتزلكم} أراد بالاعتزال المهاجرة من أرض بابل إلى الشام {وما تدعون من دون اللّه} أي ما تعبدون من أصنامكم {وادعوا} واعبد {ربي} ثم قال تواضعا وهضما للنفس ومعرضا بشقاوتهم بدعاء آلهتهم {عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا} أي كما شقيتم أنتم بعبادة الأصنام ٤٩{فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون اللّه} ولما اعتزل الكفار ومعبودهم {وهبنا له إسحاق} ولدا {ويعقوب} نافلة ليستأنس بهما {وكلا} كل واحد منهما {جعلنا نبيا} أي لما ترك الكفار الفجار لوجهه عوضه أولادا مؤمنين أنبياء ٥٠{ووهبنا لهم من رحمتنا} هي المال والولد {وجعلنا لهم لسان صدق} ثناء حسنا وهو الصلاة على ابراهيم وآل ابراهيم في الصلوات وعبر باللسان عما يوجد باللسان كما عبر باليد عما يطلق باليد وهي العطية {عليا} رفيعا مشهورا ٥١{واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا} كوفي غير المفضل أي أخلصه اللّه واصطفاه ومخلصا بالكسر غيرهم أي أخلص هو العبادة للّه تعالى فهو مخلص بماله من السعادة باصل الفطرة ومخلص فيما عليه من العبادة بصدق الهمة {وكان رسولا نبيا} الرسول الذي معه كتاب الأنبياء والنبي الذي ينبيء عن اللّه عز وجل وأن لم يكن معه كتاب كيوشع ٥٢{وناديناه} دعوناه وكلمناه ليلة الجمعة {من جانب الطور} هو جبل بين مصر ومدين {الأيمن} من اليمين أي من ناحية اليمين والجمهور على ان المراد أيمن موسى عليه السلام لان الجبل لا يمين له والمعنى انه حين أقبل من مدين يريد مصر نودي من الشجرة وكانت في جانب الجبل على يمين موسى عليه السلام {وقربناه} تقريب منزلة ومكانة لا منزل ومكان {نجيا} حال أي مناجيا كنديم بمعنى منادم ٥٣{ووهبنا له من رحمتنا} من أجل رحمتنا وترؤفنا عليه {أخاه} مفعول {هارون} بدل منه {نبيا} حال أي وهبنا له نبوة أخيه والا فهرون كان أكبر سنا منه ٥٤{واذكر في الكتاب إسماعيل} هو ابن ابراهيم في الاصح {إنه كان صادق الوعد} وافيه وعد رجلا أن يقيم مكانه حتى يعود اليه فانتظر سنة في مكانه حتى عادو ناهيك انه وعد من نسفه الصبر على الذبح فوفى وقيل لم يعدر به موعدا الا أنجزه وانما خصه بصدق الوعد وان كان موجودا في غيره من الانبياء تشريفا له ولأنه المشهور من خصاله {وكان رسولا} إلى جرهم {نبيا} مخبرا منذرا ٥٥{وكان يأمر أهله} أمته لأن النبي أبو أمته وأهل بيته وفيه دليل على أنه لم يداهن غيره {بالصلاة والزكاة} يحتمل انه انما خصت هاتان العبادتان لانهما أما العبادات البدنية والمالية {وكان عند ربه مرضيا} قريء مرضوا على الأصل ٥٦{واذكر في الكتاب إدريس} هو اخنوخ اول مرسل بعد آدم عليه السلام وأول من خط بالقلم وخاط اللباس ونظر في علم النجوم والحساب واتخذ الموازين والمكاييل والاسلحة فقاتل بني قابيل وقولهم سمي به لكثرة دراسته كتب اللّه لا يصح لأنه لو كان إفعيلا من الدرس لم يكن فيه إلا سبب واحد وهو العلمية وكان منصرفا فامتناعه من الصرف دليل العجمة {إنه كان صديقا نبيا} أنزل اللّه عليه ثلاثين صحيفة ٥٧{ورفعناه مكانا عليا} هو شرف النبوة والزلفى عند اللّه وقيل معناه رفعته الملائكة إلى السماء الرابعة وقد رآه النبي صلى اللّه عليه وسلم ليلة المعراج فيها وعن الحسن إلى الجنة لا شيء أعلى من الجنة وذلك انه حبب لكثرة عبادته إلى الملائكة فقال لملك الموت أذقني الموت بهن على ففعل ذلك بأذن اللّه فحيي وقال أدخلني النار أزدد رهبة ففعل ثم قال أدخلني الجنة أزدد رغبة ثم قال له اخرج فقال قد ذقت الموت ووردت النار فما أنا بخارج من الجنة فقال اللّه عز وجل باذني فعل وباذني دخل فدعه ٥٨{أولئك} اشارة الى المذكورين في السورة من زكرياء إلى إدريس {الذين أنعم اللّه عليهم من النبيين} من للبيان لأن جميع الأنبياء منعم عليهم {من ذرية آدم} من للتبعيض وكان إدريس من ذرية آدم لقربه منه لأنه جد أبي نوح {وممن حملنا مع نوح} إبراهيم من ذرية من حمل مع نوح لأنه ولد سام بن نوح {ومن ذرية إبراهيم} واسمعيل واسحق ويعقوب {وإسرائيل} أي ومن ذرية اسرائيل أي يعقوب وهم موسى وهرون وزكريا ويحيى وعيسى لأن مريم من ذريته {وممن} يحتمل العطف على من الأولى والثانية {هدينا} لمحاسن الإسلام {واجتبينا} من الأنام أو لشرح الشريعة وكشف الحقيقة {إذا تتلى عليهم آيات الرحمن} أي إذا تليت عليهم كتب اللّه المنزلة وهو كلام مستأنف ان جعلت الذين خبرا لأولئك وإن جعلته صفة له كان خبرا يتلى بالياء قتيبه لوجود الفاصل مع أن قتيبه لوجود الفاصل مع أن التأنيث غير حقيقي {خروا سجدا} سقطوا على وجوههم ساجدين رغبة {وبكيا} باكين رهبة جمع باك كسجود وقعود في جمع ساجد وقاعد في الحديث اتلوا القرآن وابكوا وان لم تبكوا فتباكوا وعن صالح المري قرأت القرآن على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في المنام فقال لي يا صالح هذه القراءة فأين البكاء ويقول في سجود التلاوة سبحان ربي الأعلى ثلاثا ٥٩{فخلف من بعدهم} فجاء من بعد هؤلاء المفضلين {خلف} أولاد سوء وبفتح اللام العقب الخير عن ابن عباس هم اليهود {أضاعوا الصلاة} تركوا الصلاة المفروضة {واتبعوا الشهوات} ملاذ النفوس وعن علي رضي اللّه عنه من بني الشديد وركب المنظور ولبس المشهور وعن قتادة رضي اللّه عنه هو في هذه الأمة {فسوف يلقون غيا} جزاء غي وكل شر عند العرب غي وكل خير رشاد وعن ابن عباس وابن مسعود هو واد في جهنم أعد للمصرين على الزن وشارب الخمر وآكل الربا والعاق وشاهد الزور ٦٠{إلا من تاب} رجع عن كفره {وآمن} بشرطه {وعمل صالحا} بعد إيمانه {فأولئك يدخلون الجنة} بضم الياء وفتح الخاء مكي وبصري وأبو بكر {ولا يظلمون شيئا} أي لا ينقصون شيئا من جزاء أعمالهم ولا يمنعونه بل يضاعف لهم أو لا يظلمون شيئا من الظلم ٦١{جنات} بدل من الجنة لأن الجنة تشتمل على جنات عدن لأنها جنس أو نصب عل المدح {عدن} معرفة لأنه علم لمعنى العدن وهو الاقامة أو علم لأرض الجنة لكونها مكان اقامة {التي وعد الرحمن عباده} أي عباده التائبين المؤمنين الذين يعلمون الصالحات كما سبق ذكرهم ولأنه أضافهم اليه وهو للاختصاص وهؤلاء أهل الاختصاص {بالغيب} أي وعدها وهي غائبة عنهم غير حاضرة أو هم غائبون عنها لا يشاهدونها {أنه} ضمير الشأن أو ضمير الرحمن {كان وعده} أي موعوده وهو الجنة {مأتيا} أي هم يأتونها ٦٢{لا يسمعون فيها} في الجنة {لغوا} فحشا أو كذبا أو مالا طائل تحته من الكلام وهو المطروح منه وفيه تنبيه على وجوب تجنب اللغو واتقائه حيث نزه اللّه عنه داره التي لا تكليف فيها {إلا سلاما} أي لكن يسمعون سلام من الملائكة أو من بعضهم على بعض أو لا يسمعون فيها إلا قولا يسلمون فيه من العيب والنقيصة فهو استثناء منقطع عند الجمهور وقيل معنى السلام هو الدعاء بالسلامة ولما كان أهل دار السلام أغنياء عن الدعاء بالسلامة كان ظاهره من باب اللغو وفضول الحديث لولا ما فيه من فائدة الاكرام {ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا} أي يؤتون بارزاقهم على مقدار طرفي النهار من الدنيا إذ لا ليل ولا نهار ثم لانهم في النور أبدا وإنما يعرفون مقدار النهار برفع الحجب ومقدار الليل بارخائها والرزق بالبكرة والعشي أفضل العيش عند العرب فوصف اللّه جنته بذلك وقيل أراد دوام الرزق كما تقول أنا عند فلان بكرة وعشيا تريد الدوام ٦٣{تلك الجنة التي نورث من عبادنا} أي نجعلها ميراث أعمالهم يعني ثمرتها وعاقبتها وقيل يرثون المساكن التي كانت لأهل النار لو آمنوا لأن الكفر موت حكما {من كان تقيا} عن الشرك عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أن النبي عليه السلام قال يا جبريل ما منعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا فنزل ٦٤{وما نتنزل إلا بأمر ربك} والتنزل على معنيين معنى النزول على مهل ومعنى النزول على الاطلاق والأول أليق هنا يعني ان نزولنا في الاحايين وقتا غب وقت ليس إلا بأمر اللّه {له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا} أي له ما قدامنا وما خلفنا من الأماكن وما نحن فيها فلا نتمالك أن ننتقل من مكان إلى مكان إلا بأمر اللّه ومشيئته وهو الحافظ العالم بكل حركة وسكون وما يحدث من الأحوال لا تجوز عليه الغفلة والنسيان فأنى لنا أن نتقلب في ملكوته إلا إذا أذن لنا فيه ٦٥{رب السماوات والأرض وما بينهما} بدل من ربك أو خبر مبتدأ محذوف أي هو رب السموات والأرض ثم قال لرسوله لما عرفت أنه متصف بهذه الصفات {فاعبده} فاثبت على عبادته {واصطبر لعبادته} أي اصبر على مكافأة الحسود لعبادة المعبود واصر على المشاق لاجل عبادة الخلاق أي لتتمكن من الاتيان بها {هل تعلم له سميا} شبيها ومثلا أو هل يسمى أحد باسم اللّه غيره لأن مخصوص بالمعبود بالحق أي صح أن لا معبود يوجه إليه العبادة إلا هو وحده لم يكن بد من عبادته والاصطبار على مشاقها فتهافت أبي بن خلف عظما وقال أنبعث بعد ما صرا كذا فنزل ٦٦{ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا} والعامل في إذا ما دل عليه الكلام وهو ابعث أي إذا ما مت أبعث وانتصابه باخرج ممتنع لأن ما بد لام الابتداء لا يعمل فيها قبلها فلا تقول اليوم لزيد قائم ولام الابتداء الداخلة على المضارع تعطى معنى الحال وتؤكد مضمون الجملة فلما جامعت حرف الاستقبال خلصت للتوكيد واضمحل معنى الحال وما في إذا ما للتوكيد أيضا فكانه قال أحقا إنا سنخرج من القبور أحياء حين يتمكن فينا الموت والهلاك على وجه الاستنكار والاستبعاد وتقديم الظرف وإيلاؤه حرف الإنكار من قبل أن ما بعد الموت هو وقت كون الحياة منكرة ومنه جاء إنكارهم ٦٧{أو لا يذكر الإنسان} خفيف شامي ونافع وعاصم من الذكر والسائر بتشديد الذال والكاف وأصله يتذكر كقراءة أبي فادغمت التاء في الذال أي أولا يتدبر والواو عطفت لا يذكر على يقول ووسطت همزة الانكار بين المعطوف عليه وحرف العطف يعني أيقول ذلك ولا يتذكر حال النشأة الأولى حتى لا ينكر النشأة الأخرى فان تلك أدل على قدرة الخالق حيث أخرج الجواهر والأعراض من العدم إلى الوجود وأما الثانية فليس فيها إلا تأليف الأجزاء الموجودة وردها إلى ما كانت عليه مجموعة بعد التفريق {أنا خلقناه من قبل} من قبل الحالة التي هو فيها وهي حالة بقائه {ولم يك شيئا} هو دليل على ما بينا وعلى ان المعدوم ليس بشيء خلافا للمعتزلة ٦٨{فوربك لنحشرنهم} أي الكفار المنكرين للبعث {والشياطين} الواو للعطف وبمعنى مع أوقع أي يحشرون مع قرنائهم من الشياطين الذين أغووهم يقرن كل كافر مع شيطان في سلسلة وفي إقسام اللّه باسمه مضافا إلى رسوله تفخيم لشأن رسوله {ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا} حال جمع حاث أي بارك على الركب ووزنه فعول لأن أصله جثوو كسجود وساجد أي يعتلون من المحشر إلى شاطئ جهنم عتلا على حالهم التي كانوا عليها في الموقف جثاة على ركبهم غير مشاة على اقدامهم ٦٩{ثم لننزعن من كل شيعة} طائفة شاعت أي تبعت غاويا من الغواة {أيهم أشد على الرحمن عتيا} جراة أو فجورا أي لنخرجن من كل طائفة من طوائف الغي أعتاهم فاعتاهم فإذا اجتمعوا طرحناهم في النار على الترتيب نقدم أولاهم بالعذاب فأولاهم وقيل المراد بأشدهم عتيا الرؤساء لتضاعف جرمهم لكونهم ضلالا ومضلين قال سيبويه أيهم مبني على الضم لسقوط صدر الجملة التي هي صلته وهو هو من هو أشد حتى لو جئ به لاعرب بالنصب وقيل أيهم هو أشد وهذا لأن الصلة توضح الموصول وتبينه كما أن المضاف اليه يوضح المضاف ويخصصه فكما أن حذف المضاف إليه في من قبل يوجب بناء المضاف وجب أن يكون حذف الصلة أو شيء منها موجبا للبناء وموضعها نصب بننزع وقال الخليل هي معربة وهي مبتدأ وأشد خبره وهو رفع على الحكاية تقديره لننزعن الذين يقال فيهم أيهم أشد على الرحمن عتيا ويجوز أن يكون النزع واقعا على من كل شيعة كقوله ووهبنا لهم من رحمتنا أي لننزعن بعض كل شيعة فكأن قائلا قال من هم فقيل أيهم أشد عتيا وعلى يتعلق بافعل أي عتوهم أشد على الرحمن ٧٠{ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها} أحق بالنار {صليا} تمييز أي دخولا والباء تتعلق بأولى ٧١{وإن منكم} أحد {إلا واردها} داخلها والمراد النار والورود الدخول عند على وابن عباس رضي اللّه عنهم وعليه جمهور أهل السنة لقوله تعالى {فاوردهم النار} ولقوله تعالى {لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها} ولقوله {ثم ننجي الذين اتقوا} إذ النجاة إنما تكون بعد الدخول ولقوله عليه السلام الورود الدخول لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها فتكون على المؤمنين بردا وسلاما كما كانت على ابراهيم وتقول النار للمؤمنين جزيا مؤمن فان نورك أطفأ لهبي وقيل الورود بمعنى الدخول لكنه يختص بالكفار لقراءة ابن عباس وان منهم تحمل القراءة المشهورة على الالتفات وعن عبد اللّه الورود الحضور لقوله تعالى ولما ورد ماء مدين وقوله أولئك عنها مبعدون وأجيب عنه بأن المراد عن عذابها وعن الحسن وقتادة الورود المرور على الصراط لان الصراط ممدود عليها فيسلم أهل الجنة ويتقاذف أهل النار وعن مجاهد ورود المؤمن النار هو مس الحمى جسده في الدنيا لقوله عليه السلام: الحمى حظ كل مؤمن من النار وقال رجل من الصحابة لآخر أيقنت بالورود قال نعم قال وأيقنت بالصدر قال لا قال ففيم الضحك وفيم التثاقل {كان على ربك حتما مقضيا} أي كان ورودهم واجبا كائنا محتوما والحتم مصدر حتم الأمر إذا أوجبه فسمى به الموجب كقولهم ضرب الأمير ٧٢{ثم ننجي} وعلى بالتخفيف {الذين اتقوا} عن الشرك وهم المؤمنون {ونذر الظالمين فيها جثيا} فيه دليل على دخول الكل لأنه قال ونذر ولم يقل وندخل والمذهب ان صاحب الكبيرة قد يعاقب بقدر ذنبه ثم ينجو لا محالة وقالت المرجئة الخبيثة لا يعاقب لأن المعصية لا تضر مع الإسلام عندهم وقالت المعتزلة يخلد ٧٣{وإذا تتلى عليهم آياتنا} أي القرآن {بينات} ظاهرات الاعجاز أو حججا وبراهين حال مؤكدة كقوله وهو الحق مصدقا إذ آيات اللّه لا تكون إلا واضحة وحججا {قال الذين كفروا} أي مشركو قريش وقد رجلوا شعورهم وتكلفوا في زيهم {للذين آمنوا} للفقراء ورءوسهم شعثة وثيابهم خشنة {أي الفريقين} نحن أم أنتم {خير مقاما} بالفتح وهو موضع القيام والمراد المكان والمسكن وبالضم مكي وهو موضع الإقامة والمنزل {وأحسن نديا} مجلسا يجتمع القوم فيه للمشاورة ومعنى الآية ان اللّه تعالى يقول إذا أنزلنا آية فيها دلائل وبراهين أعرضوا عن التدبر فيها إلى الافتخار بالثروة والمال وحسن المنزل والحال فقال تعالى ٧٤{وكم أهلكنا قبلهم من قرن} كم مفعول أهلكنا ومن تبيين لابهامها أي كثيرا من القرون أهلكنا وكل أهل عصر قرن لمن بعدهم {من قرن} في محل النصب صفة لكم ألا ترى أنك لو تركتهم كان أحسن نصبا على الوصفية {أثاثا} هو متاع البيت أو ماجد من الفرش {ورئيا} منظرا وهيئة فعل بمعنى مفعول من رأيت وريا بغير همز مشددا نافع وابن عامر على قلب الهمزة ياء لسكونها وانكسار ما قبلها ثم الادغام أو من الري الذي هو النعمة ٧٥{قل من كان في الضلالة} الكفر {فليمدد له الرحمن مدا} جواب من لأنها شرطية وهذا الأمر بمعنى الخبر أي من كفر مد له الرحمن يعني أمهله وأملي له في العمر ليزداد طغيانا وضلالا كقوله تعالى إنما نملي لهم ليزدادوا إثما وإنا اخرج على لفظ الامر إيذانا بوجوب ذلك وأنه مفعول لا محالة كالمأمور به الممتثل ليقطع معاذير الضلال {حتى إذا رأوا ما يوعدون} هي متصلة بقوله خير مقاما وأحسن نديا وما بينهما اعتراض أي لا يزالون يقولون هذا القول إلى أن يشاهدوا الموعود رأى عين {إما العذاب} في الدنيا وهو تعذيب المسلمين إياهم بالقتل والاسر {وإما الساعة} أي القيامة وما ينالهم من الخزي والنكال فهما بدلان مما يوعدون {فسيعلمون من هو شر مكانا} منزلا {وأضعف جندا} اعوانا وانصارا أي فحينئذ يعلمون أن الأمر على عكس ما قدروه وانهم شر مكانا واضعف جندا لا خير مقاما واحسن نديا وان المؤمنين على خلاف صفتهم وجاز أن تتصل بما يليها والمعنى أن الذين في الضلالة ممدود لهم في ضلالتهم لا ينفكون عن ضلالتهم إلى أن يعاينوا نصره اللّه المؤمنين أو يشاهدوا الساعة وحتى هي التي يحكى بعدها الجمل الا ترى ان الجملة الشرطية واقعة بعدها وهي قوله إذا رأوا ما يوعدون... فسيعلمون ٧٦{ويزيد اللّه الذين اهتدوا هدى} معطوف على موضع فليمدد لوقوعه موضع الخبر تقديره من كان في الضلالة مد أو يمد له الرحمن ويريد أي يزيد في ضلال الضال بخدلانه ويزيد المهتدين أي المؤمنين هدي ثباتا على الاهتداء أو يقينا وبصيرة بتوفيقه {والباقيات الصالحات} أعمال الآخرة كلها أو الصلوات الخمس أو سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر {خير عند ربك ثوابا} مما يفتخر به الكفار {وخير مردا} أي مرجعا وعاقبة تهكم بالكفار لأنهم قالوا للمؤمنين أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا ٧٧{أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا} ثم وبضم الواو وسكون اللام في اربعة مواضع ههنا وفي الزخرف ونوح حمزة وعلي جمع ولد كأسد في أسد أو بمعنى الولد كالعرب في العرب ولما كانت رؤية الأشياء طريقا إلى العلم بها وصحة الخبر عنها استعملوا أرأيت في معنى أخبر والفاء أفادت التعقيب كأنه قال اخبر ايضا بقصة هذا الكافر واذكر حديثه عقيب حديث أولئك وقوله لأولين جواب قسم مضمر ٧٨{أطلع الغيب} من قولهم اطلع الجبل إذا ارتقى إلى أعلاه الهمزة للاستفهام وهمزة الوصل محذوفة أي انظر في اللوح المحفوظ فرأى منيته {أم اتخذ عند الرحمن عهدا} موثقا ان يؤتيه ذلك أو العهد كلمة الشهادة وعن الحس نزلت في الوليد بن المغيرة والمشهور أنها في العاص بن وائل فقد روى ان خباب بن الارت صاغ للعاص بن وائل حليا فاقتضاه الاجر فقال انكم تزعمون انكم تبعثون وان في الجنة ذهبا وفضة فانا اقضيك ثم فإني أوتي مالا وولدا حينئذ ٧٩{كلا} ردع وتنبيه على الخطأ أي هو مخطئ فيما تصوره لنفسه فليرتدع عنه {سنكتب ما يقول} أي قوله والمراد سنظهر له ونعلمه أنا كتبنا قوله لأنه كما قال كتب من غير تأخير قال اللّه تعالى {ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد} وهو كقوله إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة أي علم وتبين بالانتساب أني لست بابن لئيمة {ونمد له من العذاب} نزيده من العذاب كما يزيد في الافتراء والاجتراء من المدد يقال مده وأمده بمعنى {مدا} أكد بالمصدر لفرط غضبه تعالى ٨٠{ونرثه ما يقول} أي نزوى عنه ما زعم أنه يناله في الآخرة والمعنى مسمى ما يقول وهو المال والولد {ويأتينا فردا} حال أي بلا مال ولا ولد كقوله ولقد جئتمونا فرادى [الانعام:٩٤] فما يجدي عليه تمنيه وتأليه ٨١{واتخذوا من دون اللّه آلهة} أي اتخذ هؤلاء المشركون أصناما يعبدونها {ليكونوا لهم عزا} أي ليعتزوا بآلهتهم ويكونوا له شفعاء وانصارا ينقذونهم من العذاب ٨٢{كلا} ردع لهم عما ظنوا {سيكفرون بعبادتهم} الضمير للآلهة أي سيجحدون عبادتهم وينكرونها ويقولون واللّه ما عبدتمونا وأنتم كاذبون أو للمشركين أي ينكرون أن يكونوا قد عبدوها كقوله واللّه ربنا ما كنا مشركين {ويكونون} أي المعبودون {عليهم} على المشركين {ضدا} خصما لأن اللّه تعالى ينطقهم فتقول يا رب عذب هؤلاء الذين عبدونا من دونك والضد يقع على الواحد والجمع وهو في مقابلة لهم عزا والمراد ضد العز وهو الذل والهوان أي يكونون عليهم ضدا لما قصدوه اي يكونون عليهم ذلا لالهم عزا وإن رجع الضمير في سيكفرون ويكونون إلى المشركين فالمعنى ويكونون عليهم أي أعداؤهم ضد أي كفرة بهم بعد أن كانوا يعبدونها ثم عجب نبيه عليه السلام بقوله ٨٣{ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين} أي خليناهم وإياهم من ارسلت البعير أطلقته أو سلطناهم عليهم بالاغواء {تؤزهم أزا} تغريهم على المعاصي اغراء وااز والهز اخوان ومعناهما التهيج وشدة الازعاج ٨٤{فلا تعجل عليهم} بالعذاب {إنما نعد لهم عدا} أي أعمالهم للجزاء وأنفاسهم للفناء وقرأها ابن السماك عند المأمون فقال إذا كانت الأنفاس بالعدد ولم يكن لها مدد فما اسرع ما تنفد ٨٥{يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا} ركبانا على نوق رحالها ذهب وعلى نجائب سروجها ياقوت ٨٦{ونسوق المجرمين} الكافرين سوق الانعام لانهم كانوا أضل من الأنعام {إلى جهنم وردا} عطاشا لأن من يرد الماء لا يرده إلا لعطش وحقيقة الورود المسير إلى الماء فيسمى به الواردون فالورد جمع وارد كركب وراكب ونصب يوم بمضمر أي يوم نحشر ونسوق نفعل بالفريقين مالا يوصف أو اذكر يوم نحشر ذكر المتقون بانهم يجمعون إلى ربهم الذي غمرهم برحمته كما يفد الوفود على الملوك تبجيلا لهم والكافرون بانهم مساقون إلى النار كانهم نعم عطش مساق إلى الماء استخفافا بهم ٨٧{لا يملكون الشفاعة} حال والواو إن جعل ضميرا فهو للعباد ودل عليه ذكر المتقين والمجرمين لأنهم على هذه القسمة ويجوز أن يكون علامة للجمع كالتي في أكلوني البراغيث والفاعل من اتخذ لأنه في معنى الجمع ومحل من اتخذ رفع على البدل من واو يملكون أو على الفاعلية أو نصب على تقدير حذف المضاف أي الأشفاعة من اتخذ والمراد لا يملكون ان يشفع لهم {إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا} بان آمن في الحديث من قال لاإله إلا اللّه كان له عند اللّه عهد وعن ابن مسعود رضي اللّه عنه ان النبي صلى اللّه عليه وسلم قال لأصحابه ذات يوم أيعجز احدكم أن يتخذ كل صباح ومساء عند اللّه عهد قالوا وكيف ذلك قال يقول كل صباح ومساء اللّهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة اني أعهد اليك بأني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمدا عبدك ورسولك وأنك ان تكلني إلى نفسي تقربني من الشر وتباعدني من الخير وإني لا أثق إلا برحمتك فاجعل لي عهدا توفينيه يوم القيامة انك لا تخلف الميعاد فاذا قال ذلك طبع عليه بطابع ووضع تحت العرش فاذا كان يوم القيامة نادى مناد أين الذين كان لهم عند اللّه عهد فيدخلون الجنة أو يكون من عهد الأمير إلى فلان بكذا إذا أمره به أي لا يشفع إلا المأمور بالشفاعة المأذون له فيها ٨٨{وقالوا اتخذ الرحمن ولدا} أي النصارى واليهود ومن زعم ان الملائكة بنات اللّه ٨٩{لقد جئتم شيئا إدا} خاطبهم بهذا الكلام بعد الغيبة وهو التفات أو أمر نبيه عليه السلام بأن يقول لهم ذلك والإد العجب أو العظيم المنكر والإدة الشدة وأدني الأمر اثقلتي وعظم على أدا ٩٠{تكاد السماوات} تقرب وبالياء نافع وعلى {يتفطرن} وبالنون بصرى وشامي وحمزة وخلف وأبو بكر الانفطار من فطره إذا شقه والتقطر من فطره إذا شققه {منه} من عظم هذا القول {وتنشق الأرض} تنخسف وتنصل اجزاؤها {وتخر الجبال} تسقط {هدا} كسرا أو قطعا أو هدما والهدة صوت الصاعقة من السماء وهو مصدر أي تهد هدا من سماع قولهم أو مفعول له حال أي مهدودة ٩١{أن دعوا} لان سموا ومحله جر بدل من الهاء في منه أو نصب مفعول له علل الخرور بالهد والهد بدعاء الولد للرحمن أو رفع فاعل هدا أي هدها دعاؤهم {للرحمن ولدا} ٩٢{وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا} انبغى مطاوع بغى إذا طلب أي ما يتأتى له اتخاذ الولد وما يتطلب لو طلب مثلا لأنه محال غير داخل تحت الصحة وهذا لأن اتخاذ الولد لحاجة ومجانسة وهو منزه عنهما وفي اختصاص الرحمن وتكريره مرات بيان أنه الرحمن وحده لا يستحق هذا الاسم غيره لأن أصول النعم وفروعها منه فلينكشف عن بصرك غطاؤه فانت وجميع ما عندك عطاؤه فمن أضاف اليه ولدا فقد جعله كبعض خلقه واخرجه بذلك عن استحقاق اسم الرحمن ٩٣{إن كل من} نكرة موصوفة صفتها {في السماوات والأرض} وخبر كل {إلا آتي الرحمن} ووحد آتي وآتيه حملا على لفظ كل وهو اسم فاعل من أى وهو مستقبل أي يأتيه {عبدا} حال أي خاضعا ذليلا منقادا والمعنى ما كل من في السموات والارض من الملائكة والناس الا هو يأتي اللّه يوم القيامة مقرا بالعبودية والعبودية والبنوة تتنافيان حتى لوم ملك الأب ابنه يعتق عليه ونسبه الجميع اليه نسبة العبد إلى المولى فكيف يكون البعض ولدا والبعض عبدا وقرأ ابن مسعود آت الرحمن على اصله قبل الإضافة ٩٤{لقد أحصاهم وعدهم عدا} أي حصرهم بعلمه وأحاط بهم ٩٥{وكلهم آتيه يوم القيامة فردا} أي كل واحد منهم يأتيه يوم القيامة منفردا بلا مال ولا ولد أو بلا معين ولا ناصر ٩٦{إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا} مودة في قلوب العباد قال الربيع يحبهم ويحببهم إلى الناس وفي الحديث يعطي المؤمن مقة في قلوب الابرار ومهابة في قلوب الفجار وعن قتادة وهرم ما أقبل العبد إلى اللّه إلا أقبل اللّه بقلوب العباد اليه وعن كعب ما يستقر لعبد ثناء في الأرض حتى يستقر له في السماء ٩٧{فإنما يسرناه} سهلنا القرآن {بلسانك} لغتك حال {لتبشر به المتقين} المؤمنين {وتنذر به قوما لدا} شدادا في الخصومة بالباطل أي الذين يأخذون في كل لديد أي شق من المراء والجدال جمع ألد يريد به أهل مكة ٩٨{وكم أهلكنا قبلهم من قرن} تخويف لهم وانذار {هل تحس منهم من أحد} أي هل تجد أو ترى أو تعلم والاحساس الادراك بالحاسة {أو تسمع لهم ركزا} صوتا خفيا ومنه الركاز أي لما أتاهم عذابنا لم يبق شخص يرى ولا صوت يسمع يعني هلكوا كلهم فكذا هؤلاء أن اعرضوا عن تدبر ما أنزل عليك فعاقبتهم الهلاك فليهن عليك أمرهم واللّه أعلم |
﴿ ٠ ﴾