تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م) _________________________________سورة طه سورة طه صلى اللّه عليه وسلم مكية وهي مائة وخمس وثلاثون آية كوفي بسم اللّه الرحمن الرحيم _________________________________ {طه} فخم الطاء لاستعلائها وأمال الهاء أبو عمرو وأمالهما حمزة وعلي وخلف وأبو بكر وفخمهما على الاصل غيرهم وما روى عن مجاهد والحسن والضحاك وعطاء وغيرهم أن معناه يا رجل فان صح فظاهر والا فالحق ما هو المذكور في سورة البقرة ٢{ما أنزلنا عليك القرآن} ان جعلت طه تعديدا لاسماء الحروف فهو ابتداء كلام وان جعلتها اسما للسورة احتملت أن تكون خبرا عنها وهي في موضع المبتدأ والقرآن ظاهرا وقع موقع المضمر لانها قرآن وأن يكون جوابا لها وهي قسم {لتشقى} لتتعب لفرط تأسفك عليهم وعلى كفرهم وتحسرك على ان يؤمنوا أو بقيام الليل وأنه روى أنه عليه السلام صلى بالليل حت تورمت قدماه فقال له جبريل ابق على نفسك فان لها عليك حقا أي ما انزلناه لتنهك نفسك بالعبادة وما بعثت إلا بالحنيفية السمحة ٣{إلا تذكرة} استثناء منقطع أي لكن انزلناه تذكرة أو حال {لمن يخشى} لمن يخاف اللّه أو لمن يؤل أمره إلى الخشية ٤{تنزيلا} بدل من تذكرة إذا جعل حالا ويجوزان ينتصب بنزل مضمرا أو على المدح أو يخشى مفعولا به أي أنزله اللّه تذكرة لمن يخشى تنزيل اللّه {ممن خلق الأرض والسماوات} من يتعلق بتنزيلا صلة له {العلي} جمع العلياء تأنيث الاعلى ووصف السموات بالعلى دليل ظاهر على عظم قدرة خالقها ٥{الرحمن} رفع على المدح أي هو الرحمن {على العرش} خبر مبتدأ محذوف {استوى} استولى عن الزجاج ونبه بذكر العرش وهو أعظم المخلوقات على غيره وقيل لما كان الاستواء على العرش وهو سرير الملك مما يردف الملك جعلوه كناية عن الملك فقالوا استوى فلان على العرش أي ملك وان لم يقعد على السرير البتة وهذا كقولك يد فلان مبسوطة أي جواد وان لم يكن له يد رأسا والمذهب قول علي رضي اللّه عنه الاستواء غير مجهول والتكييف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة لأنه تعالى كان ولا مكان فهو على ما كان قبل خلق المكان لم يتغير عما كان ٦{له ما في السماوات وما في الأرض} خبر ومبتدأ ومعطوف {وما بينهما} أي ذلك كله ملكه {وما تحت الثرى} ما تحت سبع الاراضين أو هو الصخرة التي تحت الأرض السابعة ٧{وإن تجهر بالقول} ترفع صوتك {فإنه يعلم السر} ما أسررته إلى غيرك {وأخفى} منه وهو ما أخطرته ببالك أو ما أسررته في نفسك وما ستسره فيها ٨{اللّه لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى} أي هو واحد بذاته وان افترقت عبارات صفاته رد لقولهم أنك تدعو آلهة حين سمعوا اسماءه تعالى والحسنى تأنيث الاحسان ٩{وهل} أي وقد {أتاك حديث موسى} خبره قفاه بقصة موسى عليه السلام ليتأسى به في تحمل اعباء النبوة بالصبر على المكاره ولينال الدرجة العليا كما نالها موسى ١٠{إذ رأى} ظرف لمضمر أي حين رأى {نارا} كان كيت وكيت أو مفعول به لا ذكر روى أن موسى عليه السلام استأذن شعيبا في الخروج إلى أمه وخرج بأهله فولد له ابن في الطريق في ليلة مظلمة مثلجة وقد ضل الطريق وتفرقت ماشيته ولا ماء عنده وقدح فصلد زنده فرأى عند ذلك نارا في زعمه وكان نورا {فقال لأهله امكثوا} اقيموا في مكانكم {إني آنست} ابصرت {نارا} والايناس رؤية شيء يؤنس به {لعلي آتيكم منها} بني الأمر على الرجاء لئلا يعد ما ليس يستيقن الوباء به {بقبس} نار مقتبس في رأس عود أو فتبلة {أو أجد على النار هدى} ذوي هدى أو قوما يهدونني الطريق ومعنى الاستعلاء في على النار أن أهل النار يستعلون المكان القريب منها ١١{فلما أتاها} أي النار وجد نارا بيضاء تتوقد في شجرة خضراء من اسفلها إلى أعلاها وكانت شجرة العناب أو العوسج ولم يجد عندها أحد أو روى انه كلما طلبها بعدت عنه فاذا تركها قربت فبم منه {نودي} موسى {يا موسى} ١٢{إني} بكسر الهمزة أي نودي فقيل يا موسى إني أولان النداء ضرب من القول فعومل معاملته واماطة الشبهة روى انها لما نودي يا موسى قال من المتكلم فقال اللّه عز وجل {أنا ربك} فعرف انه كلام اللّه عز وجل بأنه سمعه من جميع جهاته الست وسمعه بجميع أعضائه {فاخلع نعليك} انزعهما لتصيب قدميك بركة الوادي المقدس أو لانها كانت من جلد حمار ميت غير مدبوغ أو لان الحفوة تواضع للّه ومن ثم طاف السلف بالكعبة حافين والقرآن يدل على أن ذلك احترام للبقعة وتعظيم لها فجعلهما والقاهما من وراء الوداي {إنك بالواد المقدس} المطهر أو المبارك {طوى} حيث كان منون شامي وكوفي لانه اسم علم للوادي وهو بدل منه وغيرهم بغير تنوين بتأويل البقعة وقرأ ابو زيد بكسر الطاء بلا تنوين ١٣{وأنا اخترتك} اصطفيتك للنبوة وإنا اخترناك حمزة {فاستمع لما يوحى} اليك للذي يوحى أو للوحي واللام يتعلق باستمع أبو باخترتك ١٤{إنني أنا اللّه لا إله إلا أنا فاعبدني} وحدني واطعني {وأقم الصلاة لذكري} لتذكرني فيها لاشتمال الصلاة على الأدكار أو لأني ذكرتها في الكتب وأمرت بها أو لأن أذكرك بالمدح والثناء أو لذكري خاصة لا تشوبه بذكر غيري أو لتكون لي ذاكرا غير ناس أو لأوقات ذكري وهي مواقيت الصلاة لقوله إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا وقد حمل على ذكر الصلاة بعد نسيانها وذا يصح بتقدير حذف المضاف أي لذكر صلاتي وهذا دليل على أنه لا فريضة بعد التوحيد أعظم منها ١٥{إن الساعة آتية} لا محالة {أكاد} اريد عن الاخفش وقيل صلة {أخفيها} قيل هو من الأضداد أي أظهرها أو استرها عن العباد فلا أقول هي آتية لارادتي اخفاءها ولولا ما في الاخبار باتيانها مع تعمية وقتها من الحكمة وهو أنهم إذا لم يعلموا متى تقوم كانوا على وجل منها في كل وقت لما اخبرت به {لتجزى} متعلق بآتية {كل نفس بما تسعى} بسعيها من خير أو شر ١٦{فلا يصدنك عنها} فلا يصرفنك عن العمل للساعة أو عن أقامة الصلاة أو عن الإيمان بالقيامة فالخطاب لموسى والمراد به امته {من لا يؤمن بها} لا يصدق بها {واتبع هواه} في مخالفة امره {فتردى} فتهلك ١٧{وما تلك بيمينك يا موسى} ما مبتدأ وتلك خبره هي بمعنى هذه وبيمينك حال عمل فيها معنى الإشارة أي قارة أو مأخوذة بيمينك أو تلك موصول صلته بيمينك والسؤال للتنبيه لتقع المعجزة بها بعد التثبت أو للتوطين لئلا يهول انقلابها حية أو للايناس ورفع الهيبة للمكالمة ١٨{قال هي عصاي أتوكأ عليها} اعتمد عليها إذا أعييت أو وقفت على رأس القطيع وعند الطفرة {وأهش بها على غنمي} أخبط ورق الشجر على غنمي لتأكل {ولي فيها} حفص {مآرب} جمع مأربة بالحركات الثلاثة وهي بالحاجة {أخرى} والقياس اخر وإنما قال أخرى ردا إلى الجماعة أو لنسق الآي وكذا الكبرى ولما ذكر بعضها شكرا أجمل الباقي حياء من التطويل أو ليسأل عنها الملك العلام فيزيد في الاكرام والمآرب الآخر أنها كانت تماشيه وتحدثه وتحارب العدو والسباع وتصير رشاء فتطول بطول البئر وتصير شعبتاها دلوا وتكونان شمعتين بالليل وتحمل زاده ويركزها فتثمر ثمرة يشتهيها ويركزها فينبع الماء فاذا رفعها نضب وكانت تقية الهوام والزيادة على الجواب لتعداد النعم شكرا أو لأنها جواب سؤال آخر لأنه لما قال هي عصاي قيل له ما تصنع بها فاخذ يعدد منافعها ١٩{قال ألقها يا موسى} اطرح عصاك لتفزع مما تتكئ عليه فلا تسكن الا بنا وترى فيها كنة ما فيها من المآرب فتعتمد علينا في المطالب ٢٠{فألقاها} فطرحها {فإذا هي حية تسعى} تمشي سريعا قيل انقلبت ثعبانا يبتلع الصخر والشجر فلما رآها تبتلع كل شيء خاف وإنما وصف بالحية هنا وبالثعبان وهو العظيم من الحيات وبالجان وهو الدقيق في غيرها لأن الحية اسم جنس يقع على الذكر والأنثى والصغير والكبير وجاز أن تنقلب حية صفراء دقيقة ثم يتزايد جرمها حتى تصير ثعبانا فاريد بالجان أول حالها وبالثعبان مآلها أو لأنها كانت في عظم الثعبان وسرعة الجان وقيل كان بين لحييها أربعون ذراعا ولما ٢١{قال} له ربه {خذها ولا تخف} بلغ من ذهاب خوفه أن أدخل يده في فمها وأخذ بلحييها {سنعيدها} سنردها {سيرتها الأولى} تأنيث الأول والسيرة الحالة التي يكون عليها الانسان غريزية كانت أو مكتسبة وهي في الأصل فعلة من السير كالركبة من الركوب ثم استعملت بمعنى الحالة والطريقة وانتصبت على الظرف أي سنعيدها في طريقتها الأولى أي في حال ما كانت عصا والمعنى نردها عصا كما كانت وأرى ذلك موسى عند المخاطبة لئلا يفزع منها إذا انقلبت حية عند فرعون ثم نبه على آية أخرى فقال ٢٢{واضمم يدك إلى جناحك} إلى جنبك تحت العضد وجناحا الإنسان جنباه والأصل المستعار منه جناحا الطائر سميا جناحين لأنه يجنحهما أي يميلهما عند الطيران والمعنى أدخلها تحت عضدك {تخرج بيضاء} لها شعاع كشعاع الشمس يغشي البصر {من غير سوء} برص {آية أخرى} لنبوتك بيضاء وآية حالان معا ومن غير سوء صلة بيضاء كقولك ابيضت من غير سوء وجازان ينتصب آية بفعل محذوف يتعلق به الأمر ٢٣{لنريك من آياتنا الكبرى} أي خذ هذه الآية أيضا بعد قلب العصا لنريك بهاتين الآيتين بعض آياتنا الكبرى العظمى أو نريك بهما الكبرى من آياتنا أو المعنى فعلنا ذلك لنريك من آياتنا الكبرى ٢٤{اذهب إلى فرعون إنه طغى} جاوز حد العبودية إلى دعوى الربوبية ولما أمره بالذهاب إلى فرعون الطاغي وعرف أنه كلف أمرا عظيما يحتاج إلى صدر فسيح ٢٥{قال رب اشرح لي صدري} وسعه ليحتمل الوحي والمشاق وردئ الأخلاق من فرعون وجنده ٢٦{ويسر لي أمري} وسهل ما أمرتني به من تبليغ الرسالة إلى فرعون واشرح لي صدري أكد من اشرح صدري لانه تكرير للمعنى الواحد من طريقي الاجمالي والتفصيل لأنه بقول اشرح لي ويسر لي علم أن ثمة مشروحا وميسرا ثم رفع الابهام بذكر الصدر والأمر ٢٧{واحلل} افتح {عقدة من لساني} وكان في لسانه رتة للجمرة التي وضعها على لسانه في صباه وذلك أن موسى أخذ لحية فرعون ولطمه لطمة شديدة في صغره فأراد قتله فقالت آسية أيها الملك انه صغير لا يعقل فجعلت في طشت نارا وفي طشت بواقيت ووضعتهما لدى موسى فقصد البواقيت فامال الملك يده إلى النار فرفع جمرة فوضعها على لسانه فاحترق لسانه فصار لكنه منها وروى أن يداه احترقت واجتهد فرعون في علاجها فلم يبرأ ولما دعاه قال إلى أي رب تدعوني قال إلى الذي أبرا يدي وقد عجزت عنها وعن لساني صفة لقعدة كأنه قيل عقدة من عقد لساني وهذا يشعر بأنه لم تزل العقدة بكمالها وأكثرهم على ذهاب جميعها ٢٨{يفقهوا قولي} عند تبليغ الرسالة ٢٩{واجعل لي وزيرا} ظهيرا اعتمد عليه من الوزر الثقل لأنه يتحمل عن الملك أوزاره ومؤنته الوزر والملجأ لأن الملك يعتصم برأيه ويلتجئ إليه في أموره أو معينا من المؤازرة وهي المعاونة فوزيرا مفعول أول لا جعل والثاني {من أهلي} أو لي وزيرا مفعولاه وقوله ٣٠{هارون} عطف بيان لوزيرا وقوله {أخي} بل أو عطف بيان أخر ووزيرا وهرون مفعولاه وقدم ثانيهما على أولهما عناية بأمر الوزارة ٣١{اشدد به أزري} أقو به ظهري وقيل الأزر القوة ٣٢{وأشركه في أمري} اجعله شريكي في النبوة والرسالة واشدد واشركه على حكاية النفس شامي على الجواب والباقون على الدعاء والسؤال ٣٣{كي نسبحك} نصلي لك وننرهك تسبيحا {كثيرا} ٣٤{ونذكرك كثيرا} في الصلوات وخارجها ٣٥{إنك كنت بنا بصيرا} عالما بأحوالنا فأجابه اللّه تعالى حيث ٣٦{قال قد أوتيت سؤلك يا موسى} اعطيت مسئولك فالسؤال الطلبة فعل بمعنى مفعول كخبر بمعنى مخبوز سولك بلا همز أبو عمر ٣٧{ولقد مننا} انعمنا {عليك مرة} كرة {أخرى} قبل هذه ثم فسرها فقال ٣٨{إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى} إلهاما أو مناما حين ولدت وكان فرعون يقتل أمثالك وإذا ظرف لمننا ثم فسر ما يوحى بقوله ٣٩{أن اقذفيه} القيه {في التابوت} وان مفسرة لان الوحي بمعنى القول {فاقذفيه في اليم} النيل {فليلقه اليم بالساحل} الجانب وسمي ساحلا لأن الماء يسحله أي يقشره والصيغة امر ليناسب ما تقدم ومعناه الاخبار أي يلقيه اليم بالساحل {يأخذه عدو لي وعدو له} يعني فرعون والضمائر كلها راجعة على موسى ورجوع بعضها إليه وبعضها إلى التابوت يفضي إلى تنابز النظم والمقذوف في البحر والملقى إلى الساحل وإن كان هو التابوت لكن موسى في جوف التابوت روى أنها جعلت في التابوت قطنا محلوجا فوضعته فيه وقبرته ثم القته في اليم وكان يشرع منه إلى بستان فرعون نهر كبير فبينما هو جالس على رأس بركة مع أسية إذا بالتابوت فأمر به فاخرج ففتح فإذا بصبي أصبح الناس وجها فأحبه فرعون حبا شديدا فذلك قوله {وألقيت عليك محبة مني} يتعلق مني بالقيت يعني اني احببتك ومن أحبه اللّه أحبته القلوب فما رآه أحد إلا احبه قال قتادة كان في عيني موسى ملاحة ما رآه أحد إلا أحد به {ولتصنع} معطوف على محذوف تقديره والقيت عليك محبة لتحب ولتصنع {على عيني} أي لتربى بمرأى مني وأصله من صنع الفرس أي احسن القيام عليه يعني أنا مراعيك ومراقبك كما يراعي الرجل الشيء بعينه إذا اعتنى به ولتصنع بسكون اللام والجزم يزيد على أنه أمر منه ٤٠{إذ تمشي} بدل من إذ أوحينا لأن مشي أخته كان منه عليه {أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله} روى أن أخته مريم جاءت متعرفة خبره فصادفهم يطلبون له مرضعة يقبل ثديها وكان لا يقبل ثدي امرأة فقالت هل أدلكم على من يضمه إلى نفسه فيربيه وأرادت بذلك المرضعة الأم وتذكير الفعل للفظ من فقالوا نعم فجاءت بالأم فقبل ثديها وذلك قوله {فرجعناك} فرددناك {إلى أمك} كما وعدناها بقولنا انا راده اليك {كي تقر عينها} بلقائك {ولا تحزن} علي فراقك {وقتلت نفسا} قبطيا كافرا {فنجيناك من الغم} من القود قيل الغم القتل بلغة قريش وقيل أغتم بسبب القتل خوفا من عقاب اللّه تعالى ومن اقتصاص فرعون فغفر اللّه له باستغفاره قال رب أني ظلمت نفسي فاغفر لي ونجاه من فرعون بأن ذهب به من مصر إلى مدين {وفتناك فتونا} ابتليناك ابتلاء بايقاعك في المحن وتخليصك منها والفتون مصدر كالعقود أو جمع فتنة أي فتناك ضروبا من الفتن والفتنة المحنة وكل ما يبتلى اللّه به عباده فتنة ونبلوكم بالشر والخير فتنة {فلبثت سنين في أهل مدين} هي بلدة شعيب عليه السلام على ثمان مراحل من مصر قال وهب لبث عند شعيب ثمانيا وعشرين سنة عشر منها مهر لصفوراء وأقام عنده ثمان عشرة سنة بعدها حتى ولد له أولاد {ثم جئت على قدر يا موسى} أي موعد ومقدار الرسالة وهو أربعون سنة ٤١{واصطنعتك لنفسي} اخترتك واصطفيتك لوحيي ورسالتي للتتصرف على إرادتي ومحبتي قال الزجاج اخترتك لأمري وجعلتك القائم بحجتي والمخاطب بيني وبين خلقي كأني أقمت عليهم الحجة وخاطبتهم ٤٢{اذهب أنت وأخوك بآياتي} بمعجزاتي {ولا تنيا} تفترا من الوني وهو الفتور والتقصير {في ذكري} أي اتخذا ذكري جناحا تطيران به أو أريد بالذكر تبليغ الرسالة فالذكر يقع على سائر العبادات وتبليغ الرسالة من اعظمها ٤٣{اذهبا إلى فرعون} كرر لأن الأول مطلق والثاني مقيد {إنه طغى} جاوز الحد بادعائه الربوبية ٤٤{فقولا له قولا لينا} الطفا له في القول لما له من حق تربية موسى أو كياه وهو من ذوي الكي الثلاث ابو العباس وأبو الوليد وأبو مرة أو عداه شبابا لا يهرم بعده وملكا لا ينزع عنه إلا بالموت أو هو قوله هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى فظاهره الاستفهام والمشورة {لعله يتذكر} أي يتعظ ويتأمل فيذعن للحق {أو يخشى} أي يخاف أن يكون الأمر كما تصفان فيجره انكاره على الهلكة وإنما قال لعله يتذكر مع علمه أنه لا يتذكر لان الترجي لهما أي اذهبا على رجائكما وطمعكما وباشرا الامر مباشرة من يطمع أن يثمر عمله وجدوى ارسالهما اليه مع العلم بأنه لن يؤمن الزام الحجة وقطع المعذرة وقيل معناه لعله يتذكر متذكر أو يخشى خاش وقد كان ذلك من كثير من الناس وقيل لعل من اللّه تعالى واجب وقد تذكر ولكن حين لم ينفعه التذكر وقيل تذكر فرعون وخشي وأراد اتباع موسى فمنعه هامان وكان لا يقطع امرا دونه وتليت عند يحيى بن معاذ فبكى وقال هذا رفقك بمن يقول أنا إله فكيف بمن قال أنت الإله وهذا رفقك بمن قال أنا ربكم الأعلى فكيف بمن قال سبحان ربي الأعلى ٤٥{قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا} يعجل علينا بالعقوبة ومنه ألفارط يقال فرط عليه أي عجل {أو أن يطغى} يجاوز الحد في الإساءة الينا ٤٦{قال لا تخافا إنني معكما} أي حافظكما وناصركما {أسمع} أقوالكما {وأرى} أفعالكما قال ابن عباس رضي اللّه عنهما اسمع دعاءكما فاجيبه وأرى ما يراد بكما فامتنع لست بغافل عنكما فلا تهتما ٤٧{فأتياه} أي فرعون {فقولا إنا رسولا ربك} إليك {فأرسل معنا بني إسرائيل} أي اطلقهم على الاستبعاد والاسترقاق {ولا تعذبهم} بتكليف المشاق {قد جئناك بآية من ربك} بحجة على صدق ما ادعيناه وهذه الجملة جارية من الجملة الاولى وهي أنا رسولا ربك مجرى البيان والتفسير والتفصيل لأن دعوى الرسالة لا تثبت إلا ببينتا وهي المجئ بالآي فقال فرعون وما هي فاخرج يده لها شعاع كشعاع الشمس {والسلام على من اتبع الهدى} أي سلم من العذاب من أسلم وليس بتحية وقيل وسلام الملائكة الذين هم خزنة الجنة على المهتدين ٤٨{إنا قد أوحي إلينا أن العذاب} في الدنيا والعقبي {على من كذب} بالرسل {وتولى} أعرض عن الايمان وهي ارجي أي القرآن لأنه جعل جنس السلام للمؤمن وجنس العذاب على الكذب وليس وراء الجنس شيء فانياه وأديا الرسالة وقالا له ما أمرا به ٤٩{قال فمن ربكما يا موسى} خاطبهما ثم بادي احدهما لأن موسى هو الأصل في النبوة وهرون نابعه ٥٠{قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه} حلقه أول مفعولي أعطي أي أعطى حليقته كل شيء يحتاجون إليه ويرتفقون به أو ثانيهما أي أعطي كل شيء صورته وشكله الذي يطابق المنفعة المنوطة به كما اعطي العين الهيئة التي تطابق الابصار والاذن الشكل الذي يوافق الاستماع وكذا الأنف والرجل واليد كل واحد منها مطابق للمنفعة المنوطة بها وقرأ نصير خلقه صفة للمضاف أو للمضاف إليه أي أعطي كل شيء مخلوق عطاء {ثم هدى} عرف فكيف يرتمق بما أعطى للمعيشة في الدنيا والسعادة في العقبى ٥١{قال فما بال القرون الأولى} فما حال الأمم الخالية والرمم البالية سأله عن حال من تقدم من القرون وعن شقاء من شقي منهم وسعادة من سعد ٥٢{قال} موسى مجيبا {علمها عند ربي} مبتدأ وخبر {في الكتاب} أي اللوح خبر ثان أي هذا سؤال عن الغيب وقد استاثر اللّه به لا يعلمه إلا هو وما أنا إلا عبد مثلك لا أعلم منه إلا ما أخبرني به علام الغيوب وعلم أحوال الفروق مكتوب عند اللّه في اللوح المحفوظ {لا يضل ربي} أي لا يخطئ شيئا يقال صللت الشيء إذا أخطأته في مكانه فلم تهد له أي لا يخطئ في سعادة الناس وشقاوتهم {ولا ينسى} ثوابهم وعقابهم وقيل لا ينسى ما علم فيذكره الكتاب ولكن ليعلم الملائكة أن معمول الخلق يوافق معلومه ٥٣{الذي} مرفوع صفة لربي أو خبر مبتدأ محذوف أو منصوب على المدح {جعل لكم الأرض مهدا} كوفي وغيرهم مهادا وهما لغتان لما يبسط ويفرش {وسلك} أي جعل {لكم فيها سبلا} طرفا {وأنزل من السماء ماء} أي مطرا {فأخرجنا به} بالماء نقل الكلام من الغيبة إلى لفظ المتكلم المطاع للإفتنان وقيل ثم كلام موسى ثم اخبر اللّه تعالى عن نفسه بقوله فاخرجنا به وقيل هذا كلام موسى أي فاخرجنا نحن بالحراثة والغرس {أزواجا} أصنافا {من نبات} هو مصدر سمى به النبات فاستوى فيه الواحد والجمع {شتى} صفة للأزواج أو للنبات جمع شتيت كمريض ومرضى أي أنها مختلفة النفع واللون والرائحة والشكل بعضها للناس وبعضها للبهائم ومن نعمة اللّه تعالى أن أرزاقنا تحصل بعمل الانعام وقد جعل اللّه علفها مما يفضل عن حاجتنا مما لا يقدر على أكله قائلين ٥٤{كلوا وارعوا أنعامكم} حال من الضمير في فأخرجنا والمعنى آخرجنا اصناف النبات آذنين في الانتفاع بها مبيحين أن تأكلوا بعضها وتعلموا بعضها {إن في ذلك} في الذي ذكرت {لآيات} لدلالات {لأولي النهى} لذوي العقول واحدها نهية تنهى عن المحظور أو ينتهى اليها في الامور ٥٥{منها} من الأرض خلقناكم أي أباكم آدم عليه السلام وقيل يعجن كل نطفة بشيء من تراب مدفنه فيخلق من التراب والنطفة معا أو لأن النطفة من الاغذية وهي من الأرض {وفيها نعيدكم} إذا متم فدفنتم {ومنها نخرجكم} عند البعث {تارة أخرى} مرة اخرى والمراد باخراجهم أنه يؤلف اجزاءهم المتفرقة المختلطة بالتراب ويردهم كما كانوا أحياء ويخرجهم إلى المحشر عدد اللّه عليهم ما علق بالأرض من مرافقهم حيث جعلها لهم فراشا ومهادا يتقلبون عليها وسوى لهم فيها مسالك يترددون فيها كيف شاءوا وانبت فيها أصناف النبات التي منها أفواتهم وعلوفات بهائمهم وهي أصلهم الذي منه تفرعوا وأمهم التي منها ولدوا وهي كفاتهم إذا ماتوا ٥٦{ولقد أريناه} أي فرعون {آياتنا كلها} وهي تسع آيات العصا واليد وفلق البحر والحجر والجراد والقمل والضفادع والدم ونتق الجبل {فكذب} الآيات {وأبى} قبول الحق ٥٧{قال} فرعون {أجئتنا لتخرجنا من أرضنا} مصر {بسحرك يا موسى} فيه دليل على أنه خاف منه خوفا شديدا وقوله بسحرك تعلل والافاي ساحر يقدر أن يخرج ملكا من أرضه ٥٨{فلنأتينك بسحر مثله} فلنعارضك بسحر مثل سحرك {فاجعل بيننا وبينك موعدا} هو مصدر بمعنى الوعد ويقدر مضاف أي مكان موعد الضمير في {لا نخلفه} للموعد قرأ يزيد بالجزم على جواب الأمر وغيره بالرفع على الوصف للموعد {نحن ولا أنت مكانا} هو بدل من المكان المحذوف ويجوز أن لا يقدر مضاف ويكون المعنى اجعل بيننا وبينك وعدا لا نخلفه وانتصب مكانا بالمصدر أو بفعل يدل عليه المصدر {سوى} بالكسر حجازي وأبو عمرو وعلى وغيرهم الضم وهو نعت لمكانا أي منصفا بيننا وبينك وهو من الاستواء لأن المسافة من الوسط إلى الطرفين مستوية ٥٩{قال موعدكم يوم الزينة} مبتدأ وخبر وهو يوم عيد كان لهم أو يوم النيروز أو يوم عاشوراء وإنما استقام الجواب بالزمان وان كان السؤال عن المكان على تأويل الأول لأن اجتماعهم يوم الزينة يكون في مكان لا محالة فبذكر الزمان علم المكان وعلى الثاني تقديره وعدكم وعد يوم الزينة {وأن يحشر الناس} أي تجمع في موضع رفع أو جر عطفا على يوم أو الزينة {ضحى} أي وقت الضحوة لنكون أبعد عن الريبة وأبين لكشف الحق وليشيع في جميع اهل الوبر والمدر ٦٠{فتولى فرعون} أدبر عن موسى معرضا {فجمع كيده} مكره وسحرته وكانوا اثنين وسبعين أو اربعمائة أو سبعين ألفا {ثم أتى} للموعد ٦١{قال لهم موسى} أي للسحرة {ويلكم لا تفتروا على اللّه كذبا} لا تدعوا آياته ومعجزاته سحرا {فيسحتكم} كوفي غير أبي بكر يهلككم وبفتح الياء والحاء غيرهم والسحت والاسحاق بمعنى الإعدام وانتصب على جواب النهى {بعذاب} عظيم {وقد خاب من افترى} من كذب على اللّه ٦٢{فتنازعوا} اختلفوا أي السحرة فقال بعضهم هو ساحر مثلنا وقال بعضهم ليس هذا بكلام السحرة أي لا يفتروا على اللّه كذبا بالآية {أمرهم بينهم وأسروا النجوى} أي تشاوروا في السر وقالوا ان كان ساحرا فسنغلبه وان كان من السماء فله أمر والنجوى يكون مصدرا واسم ثم لفقوا هذا الكلام يعني ٦٣{قالوا إن هذان لساحران} يعني موسى وهرون قرأ أبو عمر ان هذين لساحران وهو ظاهر ولكنه مخالف للامام وابن كثير وحفص والخليل وهو أعرف بالنحو واللغة ان هذان لساحران بتخفيف أن مثل قولك ان زيد لمنطلق واللام هي الفارقة بين أن النافية والمخففة والثقيلة وقيل هي بمعنى ما واللام بمعنى إلا أي ما هذان الا ساحران دليله قراءة أبي أن هذان إلا ساحران وغيرهم إن هذان لساحران قيل هي لغة بلحارث بن كعب وخثعم ومراد وكنانة فالتثنية في لغتهم بالألف أبدا فلم يقلبوها ياء في الجر والنصب كعصا وسعدي قال ان اباها وأبا أباها قد بلغ في المجد غايتاها وقال الزجاج أن بمعنى نعم قال الشاعر ويقلن شيب قد علا ك وقد كبرت فقلت أنه أي نعم والهاء للوقف وهذان مبتدأ وساحران خبر مبتدأ محذوف واللام داخلة على المبتدأ المحذوف تقديره هذان لهما ساحران فيكون دخولها في موضعها الموضع لها وهو الابتداء وقد يدخل اللام في الخبر كما يدل في المبتدأ قال خالي لانت ومن جرير خاله قال فعرضته على المبرد فرضيه وقد زيفه أبو علي {يريدان أن يخرجاكم من أرضكم} مصر {بسحرهما ويذهبا بطريقتكم} بدينكم وشريعتكم {المثلى} الفضلى وتأنيث الامثل وهو الأفضل ٦٤{فأجمعوا} فاحكموا أي جعلوه مجمعا عليه حتى لا تختلفوا فاجمعوا أبو عمرو ويعضده فجمع كيده {كيدكم} هو ما يكاد به {ثم ائتوا صفا} مصطفين حال أمر وابان يأتوا صفالانه أهيب في صدور الرائين {وقد أفلح اليوم من استعلى} وقد فاز من غلب وهو اعتراض ٦٥{قالوا} أي السحرة {يا موسى إما أن تلقي} عصاك أولا {وإما أن نكون أول من ألقى} مامعنا وموضع ان مع ما بعده فيهما نصب بفعل مضمر أو رفع بانه خبر مبتدأ محذوف معناه اختر أحد الأمرين أو الأمر القاؤك أو القاؤنا وهذا التخيير منهم استعمال ادب حسن معه وكأنه تعالى ألهمهم ذلك وقد وصلت اليهم بركته وعلم موسى اختيار القائهم اولا حتى ٦٦{قال بل ألقوا} أنتم أولا ليبرزوا ما معهم من مكايد السحر ويظهر اللّه سلطانه ويقذف بالحق على الباطل فيدمغه ويسلط المعجزة على السحرة فتمحقه فيصير آية نيرة للناظرين وعبرة بينة للمعتبرين فالقوا {فإذا حبالهم وعصيهم} يقال في إذا هذه إذا المفاجأة والتحقيق انها إذا الكائنة بمعنى الوقت الطالبة ناصبا لها وجملة تضاف اليها وخصت في بعض المواضع بأن يكون ناصبها فعلا مخصوصا وهو فعل المفاجأة والجملة ابتدائية لا غير والتقدير ففاجأ موسى وقت تخيل سعى حبالهم وعصيهم والمعنى على مفاجأته حبالهم وعصيهم مخيلة إليه السعى {يخيل} وبالتاء ابن ذكوان {إليه} إلى موسى {من سحرهم أنها تسعى} رفع بدل اشمال من الضمر في يخيل أي يخيل الملقي روى أنهم لطخوها بالزئبق فلما ضربت عليها الشمس اضطربت واهتزت فخيلت ذلك ٦٧{فأوجس في نفسه خيفة موسى} اضمر في نفسه خوفا ظنا منه أيها تقصده للجبلة البشرية أو خاف ان يخالج الناس شك فلا يتبعوه ٦٨{قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى} الغالب القاهر وفي ذكر أن وأنت وحرف التعريف ولفظ العلو وهو الغلبة الظاهرة مبالغة بينه ٦٩{وألق ما في يمينك تلقف} بسكون اللام وافاء وتخفيف القاف حفص ابن ذكوان الباقون تلقف {ما صنعوا} زورا وافتعلوا أي اطرح عصاك تبتلع عصيهم وحبالهم ولم يقل عصاك تعظيما لها أي لا تحتفل بما صنعوا فإن ما في يمينك أعظم منها أو تحقيرا أي لا تبال بكثرة حبالهم وعصيهم وألق العويد الفرد الذي في يمينك فإنه بقدرتنا يتلقفها على وحدته وكثرتها {إنما صنعوا كيد ساحر} كوفي غير عاصم سحر بمعنى ذي سحر أو ذوي سحر أو هم لتوغلهم في السحر كأنهم السحر وكيد بالرفع على القراءتين وما موصولة أو مصدرية وإنما وجد ساحر ولم يجمع لان القصد في هذا الكلام إلى معنى الجنسية لا إلى معنى العدد فلوا جمع لخيل ان المقصود هو العدد ألا ترى إلى قوله {ولا يفلح الساحر} أي هذا الجنس {حيث أتى} أينما كان فالقى موسى عصاه فتلقفت ما صنعوا فلعظم ما رأوا من الآية وقعوا إلى السجود فذلك قوله ٧٠{فألقي السحرة سجدا} قال الاخفش من سرعة ما سجدوا كانهم ألقوا فما أعجب أمرهم قد ألقوا حبالهم وعصبهم للكفر والجحود ثم ألقوا رؤسهم بعد ساعة للشكر والسجود فما أعظم الفر بين الالقاءين روى أنهم رأوا الجنة ومنازلهم فيها في السجود فرفعوا رؤسهم ثم {قالوا آمنا برب هارون وموسى} وإنما قدم هرون هنا وأخر في الشعراء محافظة للفاصلة ولأن الواو لا توجب ترتيبا ٧١{قال آمنتم} بغير مد حفص وبهمزة ممدودة بصري وشامي وحجازي وبهمزتين غيرهم {له قبل أن آذن لكم} أي لموسى يقال آمن له وآمن به {إنه لكبيركم الذي علمكم السحر} لعظيمكم أو لمعلمكم تقول أهل مكة للمعلم أمرني كبيري {فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف} القطع من خلاف ان تقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى لان كل واحد من العضوين يخالف الآخر بان هذا يد وذاك رجل وهذا يمين وذاك شمال من لابتداء الغاية لان المقطع مبتدأ وناشئ من مخالفة العضو ومحل الجار والمجرور والنصب على الحال يعني لأقطعنها مختلفات لانها إذا خالف بعضها بعضا فقد اتصفت بالاختلاف شبه تمكن المصلوب في الجذع بتمكن المظروف في الظرف فلهذا قال {ولأصلبنكم في جذوع النخل} وخص النخل لطول جذوعها {ولتعلمن أينا أشد عذابا} انا على ايمانكم بي أو رب موسى على ترك الايمان به وقيل يريد بنفسه لعنه اللّه وموسى صلوات اللّه وسلامه عليه بدليل قوله آمنتم له واللام مع الإيمان في كتاب اللّه لغير اللّه كقوله يؤمن باللّه ويؤمن للمؤمنين {وأبقى} ادوم ٧٢{قالوا لن نؤثرك} لن نختارك {على ما جاءنا من البينات} القاطعة الدالة على صدق موسى {والذي فطرنا} عطف على ما جاءنا أي لن نختارك على الذي جاءنا ولا على الذي خلقنا أو قسم وجوابه لن يؤثر مقدم على القسم {فاقض ما أنت قاض} فاصنع ما أنت صانع من القتل والطلب قال وعليهما مسرودتان قضاهما أي صنعهما أو أحكم ما أنت حاكم {إنما تقضي هذه الحياة الدنيا} أي في هذه الحياة الدنيا فانتصب على الظروف أي إنما تحكم فينا مدة حياتنا ٧٣{إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه} ما موصولة منصوبة بالعطف على خطايانا {من السحر} حال من ما روى أنهم قالوا لفرعون أرنا موسى نائما ففعل فوجدوه وتحرسه عصاه فقالوا ما هذا بسحر الساحر إذا نام بطل سحره فكرهوا معارضته خوف الفضيحة فأكرههم فرعون على الاتيان بالسحر إذا نام بطل سحره فكرهوا معارضته خوف الفضيحة فأكرههم فرعون على الاتيان بالسحر وضر فرغون جهله به ونفعهم علمهم بالسحر فكيف بعلم الشرع {واللّه خير} ثوابا لمن أطاعه {وأبقى} عقاب المن عصاه وهو رد لقول فرعون ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى ٧٤{أنه} هو ضمير الشأن {من يأت ربه مجرما} كافرا {فأن له} للمجرم {جهنم لا يموت فيها} فيستربح بالموت {ولا يحيى} حياة ينتفع بها ٧٥{ومن يأته مؤمنا} مات على الايمان {قد عمل الصالحات} بعد الايمان {فأولئك لهم الدرجات العلى} جمع العلياء ٧٦{جنات عدن} بدل من الدرجات {تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها} دائمين {وذلك جزاء من تزكى} تطهر من الشرك بقوله لا إله إلا اللّه قيل هذه الآيات الثلاث حكاية قولهم قيل خبر من اللّه تعالى لا على وجه الحكاية وهو أظهر ٧٧{ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي} لما أراد اللّه تعالى اهلاك فرعون وقومه أمر موسى أن يخرج بهم من مصر ليلا ويأخذ بهم طريق البحر {فاضرب لهم طريقا في البحر} اجعل لهم من قولهم ضرب له في ماله سهما {يبسا} أي يابسا وهو مصدر وصف به يقال يبس يبسا ويبا {لا تخاف} حال من الضمير في فاضرب أي اضرب لهم طريقا غير خائف لا تخف حمزة على الجواب {دركا} هو اسم من الأدراك أي لا يدركك فرعون وجنوده ولا يحلقونك {ولا تخشى} الغرق وعلى قراءة حمزة ولا تخشى استئاف أي وأنت لا تخشى أو يكون الالف للاطلاق كا في وتظنون باللّه الظنونا فخرج بهم موسى من أول الليل وكانوا سبعين الفا وقد استعاروا حليهم فركب فرعون في ستمائة ألف من القبط فقص أثرهم فذلك قوله ٧٨{فأتبعهم فرعون بجنوده} وهو حال أي خرج خلفهم ومعه جنوده {فغشيهم من اليم} أصابهم من البحر {ما غشيهم} هو من جوامع الكلم التي تستقل مع قلتها بالمعاني الكثيرة أي غشيهم مالا يعلم كنهه إلا اللّه عز وجل ٧٩{وأضل فرعون قومه} عن سبيل الرشاد {وما هدى} وما أرشدهم إلى الحق والسداد وهذا رد لقوله وما اهديكم إلا سبيل الرشاد ثم ذكر منته على بني إسرائيل بعدما أنجاهم من البحر وأهلك فرعون وقومه بقوله ٨٠{يا بني إسرائيل} أي أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي وقلنا يا بني إسرائيل {قد أنجيناكم من عدوكم} أي فرعون {وواعدناكم} بايتاء الكتاب {جانب الطور الأيمن} وذلك أن اللّه عز وجل وعد موسى أن يأتي هذا لمكان ويختار سبعين رجلا يحضرون معه لنزول التوراة وإنما نسب اليهم المواعدة لأنها كانت لنبيهم ونقبائهم واليهم رجعت منافعها التي قام بها شرعهم ودينهم والأيمن نصب لأنه صفة جانب وقرئ بالجر على الجوار {ونزلنا عليكم المن والسلوى} في التيه وقلنا لكم ٨١{كلوا من طيبات} حلالات {ما رزقناكم} أنجيتكم وواعدتك ورزقتكم كوفي غير عاصم {ولا تطغوا فيه} ولا تتعدوا حدود اللّه فيه بأن تكفروا النعم وتنفقوها في المعاصي أولا يظلم بعضكم بعضا {فيحل عليكم غضبي} عقوبتي {ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى} هلك أو سقط سقوطا لا نهوض قرأ على فيحل ويحلل والباون بكسرهما فالمسكور في معنى الوجوب من حل الدين بحل إذ وجب اداؤ وجب أداؤه والمضموم في معنى النزول ٨٢{وإني لغفار لمن تاب} عن الشرك {وآمن} وحد اللّه تعالى وصدقه فيما أنزل {وعمل صالحا} أدى الفرائض {ثم اهتدى} ثم استقام وثبت على الهدى وهو التوبة والايمان والعمل الصالح ٨٣{وما أعجلك} أي وأي شيء بك {عن قومك يا موسى} أي عن السبعين الذين اختارهم وذلك أن مضى معهم إلى الطور على الموعد كلام ربه وأمرهم ان يتبعوه قال تعالى واما أعجلك أي أي شيء أوب عجلتك استفهام انكار وما مبتدأ وأعجلك الخبر ٨٤{قال هم أولاء على أثري} أي هم خلفي يلحقون بي وليس بيني وبين وبينهم الا مسافة يسيرة ثم كر موجب العجلة فقال {وعجلت إليك رب} أي إلى الموعد الذي وعدت {لترضى} لتزداد عني رضا وهذا دليل على جواز الاجتهاد ٨٥{قال فإنا قد فتنا قومك} ألقيناهم في فتنة {من بعدك} من بعد خروجك من بينهم والمراد بالقوم الذين خلفهم مع هرون {وأضلهم السامري} بدعائه إياهم إلى عبادة العجل وإجاتهم له وهومنسوب إلى قبيلة من بني اسرائيل يقال لها السامرة وقيل كان علجا من كرمان فاتخذ عجلا واسمه موسى بن ظفر وكان منافقا ٨٦{فرجع موسى} من مناجاة ربه {إلى قومه غضبان أسفا} شديد الغضب أو حزينا {قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا} وعدهم اللّه أن يعطيهم التوراة التي فيها هدى ونور وكانت ألف سورة كل سورة ألف آية يحمل أسفارها سبعون جملا ولا وعد أحسن من ذلك {أفطال عليكم العهد} أي مدة مفارقتي إياكم والعهد والزمان يقال طال عهدي بك أي طال زماني بسبب مفارقتك {أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم} أي أردتم أن تفعلوا فعلا يجب به عليكم الغضب من ربكم {فأخلفتم موعدي} وعدوه أن يقيموا على أمره وما تركهم عليه من الآيات فاخلفوا موعده باتخاذ العجل ٨٧{قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا} فتح الميم مدني وعاصم وبضمها حمزة وعلى وبكسرها غيرهم أي ما أخلفنا موعدك بأن ملكنا امرنا أي لو ملكنا أمرنا وخلينا وأرينا لما أخلفنا موعدك ولكن غلبنا من جهة السامري وكيده {ولكنا حملنا} بالضم والتشديد حجازي وشامي وحفص وبفتح الحاء والميم مع التخفيف غيرهم {أوزارا من زينة القوم} اثقالا من حلي القبط أو أرادوا بالاوزار أنها آثام وتبعات لأنهم قد استعارها ليلة الخروج من مصر بعلة أن لنا غدا عيدا فقال السامري إنما حبس موسى لشؤم حرمتها لأنهم كانوا معهم في حكم المستأمنين في دار الحرب وليس للمستأمن أن يأخذ مال الحربي على أن الغنائم لم تكن تحل حينئذ فأحرقوها فخبأ في حفرة النار قالب عجل فانصاغت عجلا مجوفا فخار بدخول الريح في مجار منها أشباه العروق وقيل نفخ فيه ترابا من موضع قوائم فرس جبريل عليه السلام يوم الغرق وهو فرس حياة فحي فخار ومالت طباعهم إلى الذهب فعبدوه {فقذفناها} في نار السامري التي اوقدها في الحفرة وأمرنا أن نطرح فيها الحلي {فكذلك ألقى السامري} ما معه من الحلي في النار أو ما معه من التراب الذي أخذه من أثر حافر فرس جبريل عليه السلام ٨٨{فأخرج لهم} السامري من الحفرة {عجلا} خلقه اللّه تعالى من الحلي التي سبكتها النار ابتلاء {جسدا} مجسدا {له خوار} صوت وكان يخور كما تخور العجاجيل {فقالوا} أي السامري واتباعه {هذا إلهكم وإله موسى} فأجاب عامتهم الا اثنى عشر ألفا {فنسي} موسى ربه هنا وذهب يطلبه عند الطور أو هو ابتداء كلام من اللّه تعالى أي نسي السامري ربه وترك ما كان عليه من الايمان الظاهر أو نسي السامري الاستدلال على أن العجل لا يكون إلها بدليل قوله ٨٩{أفلا يرون ألا يرجع} أي أنه لا يرجع فان مخففة من الثقيلة {إليهم قولا} أي لا يجيبهم {ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا} أي هو عاجز عن الخطاب والضر والنفع فكيف تتخذونه إلها وقيل أنه ما خار إلا مرة ٩٠{ولقد قال لهم} لمن عبدوا العجل {هارون من قبل} من قبل رجوع موسى إليهم {يا قوم إنما فتنتم به} ابتليتم بالعجل فلا تعبدوه {وإن ربكم الرحمن} لا العجل {فاتبعوني} كونوا على ديني الذي هو الحق {وأطيعوا أمري} في ترك عبادة العجل ٩١{قالوا لن نبرح عليه عاكفين} أي لن نزال مقيمين على العجل وعبادته {حتى يرجع إلينا موسى} فننظره هل يعبده كما عبدناه وهل صدق السامري أم لا فلما رجع موسى ٩٢{قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا} بعبادة العجل ٩٣{ألا تتبعن} بالياء في الوصل والوقف مكي وافقه أبو عمرو ونافع في الوصل وغيرهم بلا ياء أي ما دعاك إلى أن لا تتبعني لوجود التعلق بين الصارف عن فعل الشيء وبين الداعي إلى تركه وقيل لا مزيدة المعنى أي شيء منعك ان تتبعني حين لم يقبلوا قولك وتلحق بي وبين الداعي إلى تركه وقيل لا مزيدة والمعنى أي شيء منعك أن تتبعني حين لم يقبلوا قولك وتحلق بي وتخبرني وما منعك أن تتبعني في الغضب للّه وهلا قاتلت من كفر بمن آمن ومالك لم تباشر الأمر كما كنت أبشاره أنا لو كنت شاهدا {أفعصيت أمري} أي الذي أمرتك به من القيام بمصالحهم ثم أخذ بشعر رأسه بيمينه ولحيته بشماله غضبا وانكارا عليه لأن الغيرة في اللّه ملكته ٩٤{قال يا ابن أم} ويخفض الميم شامي وكوفي غير حفص وكان لأبيه وامه عند الجمهور ولكنه ذكر الام استعطافا وترفيقا {لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي} ثم ذكر عذره فقال {إني خشيت أن تقول} أن قاتلت بعضهم ببعض {فرقت بين بني إسرائيل} أو خفت أن تقول ان فارقتهم واتبعتك ولحق بي فريق وتبع السامري فريق فرقت بين بني اسرائيل {ولم ترقب} ولم تحفظ {قولي} اخلفني في قومي واصلح وفيه دليل على جواز الاجتهاد ثم اقبل موسى على السامري منكرا عليه حيث حيث ٩٥{قال فما خطبك} ما أمرك الذي تخاطب عليه {يا سامري} ٩٦{قال بصرت بما لم يبصروا به} وبالتاء حمزة وعلى قال الزجاج بصر علم وابصر نظر أي علمت ما لم يعلمه بنو اسرائيل قال موسى وماذك قال رأيت جبريل على فرس الحياة فالقى في نفسي أن أقبض من أثره فما ألقيته على شيء الا صار له روح ولحم ودم {فقبضت قبضة} القبضة المرة من القبض واطلاقها على المقبوض من تسمية المفعول بالمصدر كضرب الامير وقرئ فقبضت قبضة فالضاد بجميع الكف والصاد بأطراف الاصابع {من أثر الرسول} أي من أثر فرس الرسول وقرئ بها {فنبذتها} فطرحتها في جوف العجل {وكذلك سولت} زينت {لي نفسي} أن افعله ففعلته اتباعا لهواي وهو اعتراف بالخطأ واعتذار ٩٧{قال} له موسى {فاذهب} من بيننا طريدا {فإن لك في الحياة} ما عشت {أن تقول} لمن أراد مخالطتك جاهلا بحالك {لا مساس} أي لا يمسني أحد ولا امسه فمنع مخالطة الانس منعا كليا وحرمع عليهم ملاقاته ومكالمته ومبايعته وإذا اتفق ان يماس أحدا حم الماس والممسوس وكان يهيم في البرية يصبح لا مساس ويقال ان ذلك موجود في اولاده إلى الآن وقيل اراد موسى عليه السلام أن يقتله فمنعه اللّه تعالى مه لسخائه {وإن لك موعدا لن تخلفه} أي لن يخلفك اللّه موعده الذي وعدك على الشرك والفساد في الأرض ينجزه لك في الآخرة بعدما عاقبك بذاك في الدنيا لن تخلفه مكي وأبو عمر وهذا من اخلفت الموعد اذا وجدته خلفا {وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه} واصله ظللت فحذف اللام الاولى تخفيفا {عاكفا} مقيما {لنحرقنه} بالنار {ثم لننسفنه} لنذرينه {في اليم نسفا} فحرقه وذراه في البحر فشرب بعضهم من مائه حباله فظهرت على شفاهم صفرة الذهب ٩٨{إنما إلهكم اللّه الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما} تمييز أي وسع علمه كل شيء ومحل الكاف في ٩٩{كذلك} نصب أي مثل ما اقتصصنا عليك قصة موسى وفرعون {نقص عليك من أنباء ما قد سبق} من اخبار الامم الماضية تكثيرا لبيناتك وزيادة في معجزاتك {وقد آتيناك} أي اعطيناك {من لدنا} من عندنا {ذكرا} قرآنا فهو ذكر عظيم وقرآن كريم فيه النجاة لمن اقبل عليه وهو مشتمل على الاقاصيص والاخبار الحقيقة بالتفكر والاعتبار ١٠٠{من أعرض عنه} عن هذا الذكر وهو القرآن ولم يؤمن به {فإنه يحمل يوم القيامة وزرا} عقوبة ثقيلة سماها وزرا تشبيها في ثقلها على المعاقب وصعوبة احتمالها بالحمل الثقيل الذي ينقض ظهره ويلقى عليه بهره أو لانها جزاء الوزر وهو الاثم ١٠١{خالدين} حال من الضمير في يحمل وانما جمع على المعنى ووحد في فانه حملا على لفظ من {فيه} في الوزر أي في جزاء الوزر وهو العذاب {وساء لهم يوم القيامة حملا} ساء في حكم بئس وفيه ضمير مبهم يفسره حملا وهو تمييز اللام في لهم للبيان كما في هيتك لك والمخصوص بالذم محذوف لدلالة الوزر السابق عليه تقديره ساء الحمل حملا وزرهم ١٠٢{يوم ينفخ} بدل من يوم القيامة تنفخ أبو عمرو {في الصور} القرن أو هو جمع صورة أي ننفخ الارواح فيها دليله قراءة قتادة الصور بفتح الواو جمع صورة {ونحشر المجرمين يومئذ زرقا} حال أي عميا كما قال ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وهذا لأن حدقة من يذهب نور بصره تزرق ١٠٣{يتخافتون} يتسارون {بينهم} أي يقول لبعضم سرا لهول ذلك اليوم {إن لبثتم} ما لبثتم في الدنيا {إلا عشرا} أي عشر ليال يستقصرون مدة لبثهم في القبور أو في الدنيا لما يعاينون من الشدائد التي تذكرهم ايام النعمة والسرور فيتأسفون عليها ويصفونها بالقصر لان ايام السرور قصار أو لانها ذهبت عنهم والذاهب وان طالت مدته قصير بالانتهاء ولا استطالتهم الآخرة لانها ابدا يستقصر اليها عمر الدنيا ويقال لبث اهلها فيها بالقياس الى لبثهم في الآخرة وقد رجح اللّه قول من يكون اشد تقالا منه بقوله ١٠٤{نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة} اعد لهم قولا {إن لبثتم إلا يوما} وهو كقوله قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين ١٠٥{ويسألونك عن الجبال} سألوا النبي صلى اللّه عليه وسلم ما يصنع بالجبال يوم القيامة وقيل لم يسأل وتقديره ان سألوك {فقل} ولذا قرن بالفاء بخلاف سائر السؤالات مثل قوله ويسئلونك عن المحيض قل هو اذى وقوله ويسئلونك عن اليتامي قل اصلاح لهم خير * يسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما اثم كبير * يسئلونك عن الساعة ايان مرساها قل أنما علمها عند ربي * ويسئلونك عن الروح قل الروح... * ويسئلونك عن ذي القرنين قل سأتلو لانها سؤالات تقدمت فورد جوابها ولم يكن فيها معنى الشرط فلم يذكر الفاء {ينسفها ربي نسفا} أي يجعلها كالرمل ثم يرسل عليها الرياح فيفرقها كما يذري الطعام وقال الخليل يقلعها ١٠٦{فيذرها} فيذر مقارها أو يجعل الضمير للارض للعلم بها كقوله ما ترك على ظهرها {قاعا صفصفا} مستوية ملساء ١٠٧{لا ترى فيها عوجا} انخفاضا {ولا أمتا} ارتفاعا والعوج بالكسر وإن كان في المعاني كما أن المفتوح في الأعيان والأرض عين ولكن لما استوت الأرض استواء لا يمكن أن يوجد فيها اعوجاج بوجه ما وان دقت الحيلة ولطفت جرب مجرى المعاني ١٠٨{يومئذ} أضاف اليوم إلى وقت نسف الجبال أي يوم اذ نسفت وجاز أن يكون بدلا بعد من يوم القيامة {يتبعون الداعي} إلى المحشر أي صوت الداعي وهو اسرافيل حي ينادي على صخرة بيت المقدس أيتها العظام البالية والجلود المتمزقة واللحوم المتفرقة هلمي إلى عرض الرحمن فيقبلون من كل أوب على صوبه لا يعدلون عنه {لا عوج له} أي لا يعوج له مدعو بل يستوون اليه من غير انحراف متبعين لصوته {وخشعت} وسكنت {الأصوات للرحمن} هيبة واجلالا {فلا تسمع إلا همسا} صوتا خفيفا لتحريك الشفاه وقيل هو من همس الابل وهو صوت اخفافها اذا مشت أي لا تسمع الا خفق الأقدام ونقلها إلى المحشر ١٠٩{يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن} محل من رفع على البدل من الشفاعة بتقدير حذف المضاف أي لا تنفع الشفاعة الا شفاعة من أذن له الرحمن أي أذن للشافع في الشفاعة {ورضي له قولا} أي رضي اللّه تعالى عنه قولا لاجله بأن يكون المشفوع له مسلما أو نصب على المدح لانه مفعول تنفع ١١٠{يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم} أي يعلم تقدمهم من الاحوال وما يستقبلونه {ولا يحيطون به علما} أي بما أحاط به علم اللّه فيرجع الضمير إلى أو يرجع الضمير إلى اللّه لأنه تعالى ليس بمحاط ١١١{وعنت} خضعت وذلت ومنه قيل للاسير عان {الوجوه} أي اصحابها {للحي} الذي لا يموت وكل حياة يتعقبها الموت فهي كأن لم تكن {القيوم} الدائم القائم عل كل نفس بما كسبت أو القائم بتدبير الخلق {وقد خاب} يئس من رحمة اللّه {من حمل ظلما} من حمل إلى موقف القيامة شركا لان الظلم وضع الشيء في غير موضعه ولا ظلم أشد من جعل المخلوق شريك من خلقه ١١٢{ومن يعمل من الصالحات} الصالحات الطاعات {وهو مؤمن} مصدق بما جاء به محمد عليه السلام وفيه دليل أنه يستحق اسم الايمان بدون الاعمال الصالحة وأن الايمان شرط قبولها {فلا يخاف} أي فهو لا يخاف فلا يخف عن النهي مكي {ظلما} أن يزاد في سيآته {ولا هضما} ولا ينقص من حسناته واصل الهضم النقص والكسر ١١٣{وكذلك} عطف على كذلك نقص أي ومثل ذلك الا يزال {أنزلناه قرآنا عربيا} بلسان العرب {وصرفنا} كررنا {فيه من الوعيد لعلهم يتقون} يجتنبون الشرك {أو يحدث لهم} الوعيد أو القرآن {ذكرا} عظة أو شرفا بإيمانهم به وقيل أو بمعنى الواو ١١٤{فتعالى اللّه} ارتع عن فنون الظنون وأوهام الأفهام وتنزه عن مضاهاة الأنام ومشابهة الاجسام {الملك} الذي يحتاج إليه الملوك {الحق} المحق في الالوهية ولما ذكر القرآن وانزاله قال استطرادا وإذا لقنك جبريل ما يوحى إليك من القرآن فتأن عليك ريثما يسمعك ويفهمك {ولا تعجل بالقرآن} بقراءته {من قبل أن يقضى إليك وحيه} من قبل أن يفرغ جبريل من الابلاغ {وقل رب زدني علما} بالقرآن ومعانيه وقيل ما أمر اللّه رسوله بطلب الزيادة في شيء إلا في العلم ١١٥{ولقد عهدنا إلى آدم} أي أوحينا اليه أن لا يأكل من الشجرة يقال في أوامر الملوك ووصاياهم تقدم الملك إلى فلان وأوصى إليه وعزم عليه وعهد اليه فعطف قصة آدم على وصرفنا فيه من الوعيد والمعنى واقسم قسما لقد أمرنا اباهم آدم ووصيناه أن لا يقرب الشجرة {من قبل} من قبل وجودهم فخالف إلى ما نهى عنه كما أنهم يخالفون يعني أن أساس أمر بني آدم على ذلك وعرقهم راسخ فيه {فنسي} العهد أي النهي والانبياء عليهم السلام يؤاخذون بالنسيان والوجود ١١٦{وإذ قلنا} منصوب باذكر {للملائكة اسجدوا لآدم} قيل هو السجود اللغوي الذي هو الخضوع والتذلل أو كان آدم كالقبلة لضرب تعظيم له فيه {فسجدوا إلا إبليس} عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أن ابليس كان ملكا من جنس المستثنى منهم وقال الحسن الملائكة لباب الخليفة من الارواح ولا يتناسلون وابليس من نار السموم وإنما صح استثناؤه منهم لآنه كان يصحبهم ويعبد اللّه معهم {أبى} جملة مستأنفه كأنه جواب لمن قال لم لم يسجدوا والوجه أن لا يقدر له مفعول وهو السجود المدلول عليه بقوله فسجد وأن يكون معناه اظهر الاباء وتوقف ١١٧{فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك} حين لم يسجد ولم يرفضك {فلا يخرجنكما من الجنة} فلا يكون سببا لاحراجكما {فتشقى} فتتعب فى طلب الموت ولم يعل فتشقيا سراعاه لرؤس الاى أو ادخلت تبعا أو لان الرجل هو الكافل لنفقة المرأه وروى أنه اهبط الى أدم ثور احمر وكان يحرث عليه ويمسح العرق من جبينه ١١٨{إن لك ألا تجوع فيها} فى الجنه {ولا تعرى} عن الملابس لانها معده ابدا فيها ١١٩{وإنك} بالكسر نافع وأبو بكر عطفا على ان الآولى وغيرهما بالفتح عطفا على أن لا تجوع ومحله نصب بأن وجاز للفصل كما تقول أن فى علمى أنك جالس {لا تظمأ فيها} لا تعطش لوجود الاشربه فيها {ولا تضحى} لا يصيبك حر الشمس إذ ليس فيها شمس فاهلها فى ظل ممدود ١٢٠{فوسوس إليه الشيطان} أى انهى إليه الوسوسة كاسر إليه {قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد} اضاف الشجرة الى الخلد وهو الخلود لان من أكل منها خلد بزعمه ولا يموت {وملك لا يبلى} لا يفنى ١٢١{فأكلا} أي أدم وحواء {منها فبدت لهما سوآتهما} عورتهما {وطفقا} قفق يفعل كذا مثل جعل يفعل وهو ككاد فى وقوع الخبر فعلا مضارعا إلا أنه للشروع فى أول الآمر وكاد للدنومه {يخصفان عليهما من ورق الجنة} أي يلزمان الورق بسوأتهما للتستر وهو الورق التين {وعصى آدم ربه فغوى} ضل عن الرأى وعن ابن عيسى خاب والحاصل ان العصيان وقوع الفعل على خلاف الآمر والنهى وقد يكون عمدا فيكون دينا وقد لا يكون عمدا فيكون ذله ولم وصف فعله بالعصيان خرج فعله من أن يكون رشدا فكان غيالان لعى خلاف الرشد وفى التصريح بقوله وعصر أدم ربه فغوى والعدول عن قوله و"ذل أدم" مزجرة بليغه وموعظه كافه للمكلفين كانه قيل لهم انظروا أو اعتبروا كيف نعيت على النبى المعصوم حبيب اللّه زلته بهذه الغلطه فلانها ونوا بما يفرط منكم من الصغائر فضلا عن الكبائر ١٢٢{ثم اجتباه ربه} قربه إليه واصطفاه وفرى وبه واصل الكلمة الجمع بفال جى إلى كذا فاجتبيته {فتاب عليه} قبل توبيه {وهدى} وهداهإلى الاعتذار والاستغفار ١٢٣{قال اهبطا منها جميعا} يعنى أدم وحواء {بعضكم} يا ذرية أدم {لبعض} عدو بالتحاسد فى الدنيا والاختلاف فى الدين {فإما يأتينكم مني هدى} كتاب وشريعا {فمن اتبع هداي فلا يضل} فى الدنيا {ولا يشقى} في العقبى قال ابن عباس رضى اللّه عنهما ضمن اللّه لمن اتبع القرأن الا يضل فى الدنيا ولا يشقى فى الآخرى يعنى ان الشقاء فى الآخرى هو عقاب من ضل فى الدنيا عن طريق الدين فمن اتبع كتاب اللّه وامتثل أوامره وانتهى عن نواهية نجا من الضلال ومن عقابه ١٢٤{ومن أعرض عن ذكري} عن القرأن {فإن له معيشة ضنكا} ضيقا وهو مصدر يستوى فى الوصف به المذكر والمونث عن ابن جبير يسلبه القناعه حتى لا يشبع فمع الدين التسليم والقناعه والتوكل فتكون حياته طيبة ومع الاعراض الحرص والشح فعيشة ضنك وحاله مظلمة كما قال بعض المتصوفة لا يعرض أحدكم عن ذكر ربه إلا أظلم عليه وقته وتشوش عليه رزقه {ونحشره يوم القيامة أعمى} من الحجة عن ابن عباس أعمى البصر وهو كقوله ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وهو الوجه ١٢٥{قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا} في الدنيا ١٢٦{قال كذلك} أي مثل ذلك فعلت أنت ثم فسر فقال {أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى} أي أتتك آياتنا واضحة فلم تنظر إليها بعين المعتبر وتركتها وعميت عنها فكذلك اليو نتركك على عمالك ولا يزيل غطاءه عن عينيك ١٢٧{وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى} لما توعد المعرض عن ذكره بعقوبتين المعيشة الضنك في الدنيا وحشره أعمى في العقبى ختم آيات الوعيد بقوله ولعذاب الآخرة أشد وأبقى أي للحشر على العمى الذي لا يزول أبدا أشد من ضيق العيش المقضي ١٢٨{أفلم يهد لهم} أي اللّه بدليل قراءة زيد عن يعقوب بالنون {كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون} حال من الضمير المجرور لهم {في مساكنهم} يريدان قريشا يمشون في مساكن عاد وثمود وقوم لوط ويعانون آثار هلاكهم {إن في ذلك لآيات لأولي النهى} لذوي العقول إذا تفكر واعلموا أن استئصالهم لكفرهم فلا يفعلون مثل ما فعلوا ١٢٩{ولولا كلمة سبقت من ربك} أي الحكم بتأخير العذاب عن أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم {لكان لزاما} لازما للزرام مصدر لزم فوصف به {وأجل مسمى} القيامة وهو معطوف على كلمة والمعنى ولولا حكم سبق بتأخير العذاب عنهم وأجل مسمى وهو القيامة لكان العذاب لازما لهم في الدنيا كما لزم القرون الماضية الكافرة ١٣٠{فاصبر على ما يقولون} فيك {وسبح} وصل {بحمد ربك} في موضع الحال وانت حامد لربك على أن وفقك للتسبيح وأعانك عليه {قبل طلوع الشمس} يعني صلاة الفجر {وقبل غروبها} يعني الظهر والعصر لانهما واقعتان في النصف الأخير من النهار بين زوال الشمس وغروبها {ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار} أي وتعهد آناء أي ساعاته وأطراف النهار مختصا لها بصلاتك وقد تناول التبسيح في آناء الليل صلاة العتمة وفي اطراف النهار صلاة المغرب وصلاة الفجر على التكرار إرادة الاختصاص كما اختصت في قوله والصلاة الوسطى عند البعض وإنام جمع أطراف النهار وهما طرفان لا من الالباس وهو عطف على قبل {لعلك ترضى} لعل المخاطب أي اذكر اللّه في هذه الأوقات رجاء أن تنال عند اللّه ما به ترضي نفسك ويسر قلبك وترضى علي وأبو بكر أي يرضيك ربك ١٣١{ولا تمدن عينيك} أي نظر عينيك ومد النظر تطويله وأن لا يكاد يرده استحسانا للمنظور إليه واعجابا به وفيه أن النظر غير الممدود معفو عنه وذلك أن يبادر الشيء بالنظر ثم بغض الطرف ولقد شدد المتقون في وجوب غض البصر عنابنية الظلمة وعدد الفسقة في ملابسهم ومراكبهم حتى قال الحسن لا تنظروا إلى دقدقة هما ليج الفسقة ولكن انظروا كيف يلوح ذل العصية من تلك الرقاب وهذا لا يهما إنما اتخذوا هذه الاشياء لعيون النظارة فالناظر إليها محصل لعرهم ومغر لهم على اتخاذها {إلى ما متعنا به أزواجا منهم} أصنافا من الكفرة ويجوزان ينصب حالا من هاء الضمير والفعل واقع على منهم كأنه قال إلى الذي متعنا به وهو اصناف بعضهم وناسا منهم {زهرة الحياة الدنيا} زينتها وبهجتها وانتصب على الذم وعلى ابداله محل به أو على ابداله من ازواجا على تقدير ذوي زهرة {لنفتنهم فيه} لنبلوهم حتى يستوجبوا العذاب لوجود الكفران منهم أو لتعذبهم في الآخرة بسببه {ورزق ربك} ثوابه وهو الجنة أو الحلال الكافي {خير وأبقى} فما رزقوا ١٣٢{وأمر أهلك} امتك أو أهل بيتك {بالصلاة واصطبر} أنت داوم {عليها لا نسألك رزقا} أي لا نسألك ان ترزق نفسك ولا اهلك {نحن نرزقك} واياهم فلا تهتم لأمر الرزق وفرغ باك الامر والآخرة لأن من كان في عمل اللّه كان اللّه في عمله وعن عروة بن الزبير أنه كان إذا رأى ما عند السلاطين فرأ ولا تمدن عينيك الآية ثم ينادي الصلاة الصلاة رحمكم اللّه وكان بكر بن عبد اللّه المزني إذا أصاب أهله خصاصة قال قوموا فصلوا بهذا أمر اللّه ورسوله وعن مالك بن دينار مثله في بعض المسانيد انه عليه السلام كان اذا اصاب اهله ضرا أمرهم بالصلاة وتلا هذه الآية {والعاقبة للتقوى} أي وحسن العاقبة لأهل التقوى بحذف المضافين ١٣٣{وقالوا} أي الكافرون {لولا يأتينا بآية من ربه} هلا يأتينا محمد بآية من ربه تدل على صحة نبوته {أو لم يأتهم} أو لم تأتهم مدني وحفص وبصري {بينة ما في الصحف الأولى} أي الكتب المتقدمة يعني أنهم اقترحوا على عادتهم في التعنت آية على النبوة فقيل لهم أو لم أنكم آية هي أم الآيات وأعظمها في باب الاعجاز يعني القرآن من قبل أن القرآن برهان ما في سائر الكتب المنزلة ودليل صحته لانه معجزة وتلك ليست بمعجزات فهي مفتقرة إلى شهادته على صحة ما فيها ١٣٤{ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله} من قبل الرسول والقرآن {لقالوا ربنا لولا} هلا {أرسلت إلينا رسولا فنتبع} بالنصب علي جواب الاستفهام بالفاء {آياتك من قبل أن نذل} بنزول العذاب {ونخزى} في العقبى ١٣٥{قل كل} أي كل واحد منا ومنكم {متربص} منتظر للعقابة ولما يؤل اليه أمرنا وامركم {فتربصوا} أنتم {فستعلمون} إذا جاءت القيامة {من أصحاب} مبتدا وخبر ومحلهما نصب {الصراط السوي} المستقيم {ومن اهتدى} الى النعيم المقيم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لا يقرأ أهل الجنة إلى سورة طه ويس اللّه أعلم بالصواب |
﴿ ٠ ﴾