تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل

أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م)

_________________________________

سورة الانبياء

سورة الانبياء وهي مائة واثنتا عشرة آية كوفي واحدى عشرة آية مدني وبصري  بسم اللّه الرحمن الرحيم

_________________________________

{اقترب} دنا

{للناس} اللام صلة لاقترب عن ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما أن المراد بالناس المشركون لان ما يتلوه من صفات المشركين

{حسابهم} وقت محاسبة اللّه إياهم ومجازاته على أعمالهم يعني يوم القيامة وانما وصفه بالاقتراب لقلة ما بقي بالاضافة إلى ما مضى ولأن كل آت قريب

{وهم في غفلة} عن حسابهم وعما يفعل بهم ثم

{معرضون} عن التأهب لذلك اليوم فالاقتراب عام والغفلة والاعراض يتفاوتان بتفاوت المكلفين فرب غافل عن حسابه لاستغراقه في دنياه واعراضه عن مولاه مورب غافل عن حسابه لاستهلاكه في مولاه واعراضه عن دنياه فهو لا يفيق الا برؤية المولى والأول انما يفيق في عسكر الموتى فالواجب عليك ان تحاسب نفسك قبل أن تحاسب وتتنبه للعرض قبل ان تنبه وتعرض عن الغافلين وتشتغل بذكري خالق الخلق أجمعين لنفوز بلقاء رب العالمين

٢

{ما يأتيهم من ذكر} شيء من القرآن

{من ربهم محدث} في التنزيل اتيانه مبتدأة تلاوته قريب عهده باستماعهم والمراد به الحروف المنظومة ولا خلاف في حدوثها

{إلا استمعوه} من النبي صلى اللّه عليه وسلم أو غيره ممن يتلوه

{وهم يلعبون} يستهزؤون به

٣

{لاهية} حال من ضمير يعلبون أو وهم يلعبون ولاهية حالان من الضمير في اسمتعوه ومن قرأ لاهية بالرفع يكون خبر ابعد خبر لقوله وهم وارتفعت

{قلوبهم} بلا هية وهي من لها عنه اذا ذهل وغفل والمعنى قلوبهم غافلة عما يراد بها ومنها قال أبو بكر الوراق القلب اللاهي المشغول بزينة الدنيا وزهرتها الغافل عن الآخرة وأهوالها

{وأسروا} وبالغوا في اخفاء

{النجوى} وهي اسم من التناجي ثم أبدل

{الذين ظلموا} من واو وأسروا ايذانا بانهم الموسومون بالظلم فيما أسروبا به أو جاء على لغة من قال أكلوني البراغيث أو هو مجرور المحل لكونه صفة أو بدلا من الناس أو هو منصوب المحل على الذم أو هو مبتدأ خبرا أسروا النجوى فقدم عليه أي والذين ظلموا اسروا النجوى

{هل هذا إلا بشر مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون} هذا الكلام كله في محل نصب بدل من النجوى أي وأسروا هذا الحديث ويجوز أن يتعلق بقالوا مضمرا والمعنى أنهم اعتقدوا ان الرسول لا يكون الا ملكا وان كل من ادعى الرسالة من البشر وجاء بالمعجزة فهو ساحر ومعجزته سحر فلذلك قالوا على سبيل الانكار افتحضرون السحر وانتم تشاهدون تعاينون انه سحر

٤

{قال ربي} حمزة وعلي وحفص أي قال محمد وغيرهم قل ربي أي قل يا محمد للذين أسروا النجوى

{يعلم القول في السماء والأرض} أي يعلم قول كل قائل هو في السماء والارض سرا كان أو جهرا

{وهو السميع} لاقوالهم

{العليم} بما في ضمائرهم

٥

{بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر} اضربوا عن قولهم هو سحر إلى أنه تخاليط أحلام رآها في نومه فتوهمها وحيا من اللّه اليه ثم إلى أنه كلام مفترى من عنده ثم إلى أنه قول شاعر وهكذا الباطل لجلج والمبطل رجاع غير ثابت على قوله واحد ثم قالوا ان كان صادق في دعواه وليس الامر كما يظن

{فليأتنا بآية} بمعجزة

{كما أرسل الأولون} كما ارسل من قبله باليد البيضاء والعصا وابراء الاكمه واحياء الموتى وصحة التشبيه في قوله كما ارسل الاولون من حيث انه في معنى كما أتى الاولون بالآيات لأن ارسال الرسل متضمن للاتيان بالآيات الا ترى أنه لا فرق بين قولك ارسل محمد وبين قولك ان محمد بالمعجزة فرد اللّه عليهم قولهم بقوله

٦

{ما آمنت قبلهم من قرية} من أهل قرية

{أهلكناها} صفة لقرية عند مجئ الآيات المقترحة لأنهم طلبوها نعتا

{أفهم يؤمنون} أي أولئك لم يؤمنوا بالآيات لما أتتهم أيؤمن هؤال المقترحون مع انهم اعتى منهم والمعنى أن اهل القرى اقترحوا على انبيائهم الآيات وعاهدوا أنهم يؤمنون عندها فلما جاءتهم نكثوا وخالفوا فاهلكم اللّه فلوا اعطيناه هؤلاء ما يقترحون لنكثوا ايضا

٧

{وما أرسلنا قبلك إلا رجالا} هذا جواب قولهم هل هذا الا بشر مثلكم

{نوحي إليهم} نوحي حفص

{فاسألوا أهل الذكر} العلماء بالكتابين فإنهم يعرفون أن الرسل الموحى إليهم كانوا بشرا ولم يكونوا ملائكة وكان أهل مكة يعتمدون على قولهم

{إن كنتم لا تعلمون} ذلك ثم بين كمن تقدمه من الأنبياء بقوله

٨

{وما جعلناهم جسدا} وحد الجسد لإرادة الجنس

{لا يأكلون الطعام} صفة لجسد يعني وما جعلنا الأنبياء قبله ذوي جسد غير طامعين

{وما كانوا خالدين} كأنهم قالوا هلا كان ملكا لا يطعم ويخلد إما معتقدين أن الملائكة لا يموتون أو مسمين بقاءهم الممتد وحياتهم المتطاولة خلودا

٩

{ثم صدقناهم الوعد} بأبحاثهم والأصل في الوعد مثل واختار موسى قومه اي من قومه

{فأنجيناهم} مما حل بقومهم

{ومن نشاء} هم المؤمنون

{وأهلكنا المسرفين} المجاوزين الحد بالكفر ودل الاحبار بإهلاك المسرفين على ان من يشاء غيرهم

١٠

{لقد أنزلنا إليكم} يا معشر قريش

{كتابا فيه ذكركم} صفة لكتابا

{أفلا تعقلون} ما فضلتكم به على غيركم فتؤمنوا

١١

{وكم} نصب بقوله

{قصمنا} أي أهلكنا

{من قرية} أي أهلها بدليل قوله

{كانت ظالمة} كافره وهي واردة عن غضب شديد وسخط عظيم لأن القصم افظع الكسر وهو الكسر الذي يبين تلاؤم الاجزاء بخلاف المفصم فإنه كسر بلا ابانة

{وأنشأنا} خلقنا

{بعدها قوما آخرين} فسكنوا مساكنهم

١٢

{فلما أحسوا} أي المهلكون

{بأسنا} عذابنا أي علموا علم حسن ومشاهدة

{إذا هم منها} من القرية وإذا للمفاجأة وهم مبتدأ والخبر

{يركضون} يهربون مسرعين والركض ضرب الدابة بالرجل فيجوز أن يركبوا دوابهم يركضونها هاربين من قريتهم لما ادركتهم مقدمة العذاب  أو شبهوا في سرعة عدوهم على أرجلهم بالراكبين الراضين لدوابهم فقيل لهم

١٣

{لا تركضوا} والقائل بعض الملائكة

{وارجعوا إلى ما أترفتم فيه} نعمتم فيه من الدنيا ولين العيش قال الخليل المترف الموسع عليه عيشه القليل فيه همه

{ومساكنكم لعلكم تسألون} أي يقال لهم استهزاء بهم ارجعوا إلى نعيمكم ومساكنكم لعلكم تسألون غدا عما جرى عليك ونزل بأموالكم فتجيبوا السائل عن علم ومشاهدة أو اجلسوا كما كنتم في مجالسكم حتى يسألكم عبيدكم ومن ينفذ فيه امركم ونهيكم ويقولوا لكم بم تأمرون وكيف نأتى ونذر كعادة المنعمين المخدمين أو يسألكم الناس في انديتكم المعاون في نوازل الخطوب أو يسألكم الوافدون عليكم والطماع ويستمطرون سحاب أكفكم وقال بعضهم لبعض لا تركضوا أو ارجعوا إلى منازلكم وأموالكم لعلكم تسألون مالا وخراجا فلا تقتلون فنودي من السماء يالثارات الانبياء واخذتهم السيوف فثم

١٤

{قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين} اعترافهم بذلك حين لا ينفعهم الاعتراف

١٥

{فما زالت تلك} هي اشارة إلى يا ويلنا

{دعواهم} دعاءهم وتلك مرفوع على أنه اسم زالت ودعواهم الخير ويجوز العكس

{حتى جعلناهم حصيدا} مثل الحصيد أي الزرع المحصود ولم يجمع كما لم يجمع المقدر

{خامدين} ميتين خمود النار وحصيدا خامدين مفعول ثان لجعل أي جعلناهم جامعين لمماثلة الحصد والخمود كقولك جعلته حلوا حامضا أي جعلته جامعا للطعمين

١٦

{وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين} اللعب فعل يروق أوله ولا ثبات له ولاعبين حال من فاءل خلقنا والمعنى وما سوينا هذا السقف المرفوع وهذا المهاد الموضوع وما بينهما من أصناف الخلق للّهو واللعب وإنما سويناها ليستدل بها على قدرة مدبراه ولنجازي المحسن والمسيء على ما تقتضيه حكمتنا ثم نزه ذاته عن سمات الحدوث بقوله

١٧

{لو أردنا أن نتخذ لهوا} أي ولدا أو امرأة كأنه رد على من قال عيسى ابنه ومريم صاحبته

{لاتخذناه من لدنا} من الولدان أو الحور

{إن كنا فاعلين} أي ان كنا ممن يفعل ذلك ولسنا ممن يفعله لاستحالته في حقنا وقيل هو نفي كقوله وان أدري أي ما كنا فاعلين

١٨

{بل نقذف} بل اضراب عن اتخاذ اللّهو وتنزيه منه لذاته كأنه قال سبحاننا أن نتخذ اللّهو بل من سنتنا ان نقذف أي نرمي ونسلط

{بالحق} بالقرآن

{على الباطل} الشيطان أو بالإسلام على ا لشرك أو بالجد على اللعب

{فيدمغه} فيكسره ويدحض الحق الباطل وهذه استعارة لطيفة لأن أصل استعمال القذف والدمغ في الاجسام ثم استيعر القذف لايراد الحق على الباطل والدمغ لاذهاب الباطل فالمستعار منه حتى والمستعار له عقلي فكأنه قيل بل نورد الحق الشبيه بالجسم القوي على الباطل الشبيه بالجسم الضعيف فيبطله ابطال الجسم القوي الضعيف

{فإذا هو} أي الباطل

{زاهق} هالك ذاهب

{ولكم الويل مما تصفون} اللّه به من الولد ونحوه

١٩

{وله من في السماوات والأرض} خلقا وملكا فأبى يكون شيء منه ولدا له وبينهما تناف ويوقف على الأرض لأن

{ومن عنده} منزلة ومكانة لا منزلا ولا مكانا يعني الملائكة مبتدأ خبره

{لا يستكبرون} لا يتعظمون

{عن عبادته ولا يستحسرون} ولا يعيون

٢٠

{يسبحون الليل والنهار لا يفترون} حال من فاعل يسبحون أي تسبيحهم متصل دائم في جميع أوقاتهم لا تتخللّه فتر بفراغ أو بشغل آخر فتسبيحهم جار مجرى التنفس منا ثم أضرب عن المشركين منكرا عليهم وموبخا فجاء بأم التي بمعنى بل والهمزة فقال

٢١

{أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون} يحيون الموتى ومن الأرض صفة الآلهة لان آلهتهم كانتك متخذة من جواهر الأرض كالذهب والفضة والحجر وتعبد في الأرض فنسبت اليها كقولك فلان من المدينة أي مدني أو متعلق باتخذوا ويكون فيه بيان غاية الاتخاذ وفي قوله هم ينشرون زيادة توبيخ وان لم يدعوا أن أصنامهم تحي الموتى وكيف يدعون ومن أعظم المنكرات أن ينشر الموتى بعض الموات انه يلزم من دعوى الألوهية لها دعوى الانشار لان العاجز عنه لا يصح ان يكون إلها أذ لا يستحق هذا الاسم إلا القادر على كل مقدور والانشار من جملة المقدورات وقرأ الحسن ينشرون بفتح الياء وهما لغتان ابشر اللّه الموتى ونشرها أي أحياها

٢٢

{لو كان فيهما آلهة إلا اللّه} أي غير اله وصفت آلهة بالا كما وصتفت بغير لو قيل آلهة غير اللّه ولا يجوز رفعه على البدل لان لو بمنزلة ان في أن الكلام معه موجب والبدل لا يسوغ إلا في الكلام غير الموجب كقوله تعالى ولا يلتفت مِنْكُمْ أحد الا امرأتك ولا يجوز نصبه استثناء لأن الجمع اذا كان منكرا لا يجوز أن يستثنى منه عند المحققين لأنه لا عموم له بحيث يدخل فيه المستثنى لولا الاستثناء والمعنى لو كان يدبر امر السموات والأرض آلهة شتى غير الواحد الذي هو فاطرهما

{لفسدتا} لخربتا لوجود التمانع وقد قررناه في أصول الكلام ثم نزه ذاته فقال

{فسبحان اللّه رب العرش عما يصفون} من الولد والشريك

٢٣

{لا يسأل عما يفعل} لانه المالك على الحقيقة ولو اعترض على السلطان بعض عبيده مع وجود التجانس وجوز الخطأ عليه وعدم الملك الحقيقي لاستقبح ذلك وعد سفها فمن هو مالك الملوك ورب الأرباب وفعله صواب كله أولى بأن لا يعترض عليه

{وهم يسألون} لأنهم مملوكون خطاءون فميا أخلقهم بأن يقال لهم لم فعلتم في كل شيء فعلوه وقيل هم يسألون يرجع إلى المسيح والملائكة أي هم مسئولون فكيف يكونون آلهة والألوهية تنافي الجنسية والمسئولية

٢٤

{أم اتخذوا من دونه آلهة} الاعادة لزيادة الافادة فالأول للانكار من حيث العقل والاثني من حيث النقل أي وصفتم اللّه تعالى بأن يكون له شريك فقيل لمحمد

{قل هاتوا برهانكم} حجتكم على ذلك وذا عقلي وهو يأباه كما مر أو نقلى وهو الوحي وهو أيضا يأباه فانكم لا تجدون كتابا من الكتب السماوية إلا وفيه توحيده وتنزيهه عن الانذار

{هذا} أي القرآن

{ذكر من معي} يعني أمته

{وذكر من قبلي} يعني أمم الانبياء من قبلي وهو وراد في توحيد اللّه ونفي الشركاء عنه معي حفص فلمالم يمتنعوا عن كفرهم أضرب عنهم فقال

{بل أكثرهم لا يعلمون الحق} أي القرآن وهو نصب بيعلمون وقرئ الحق أي هو الحق

{فهم} أجل ذلك

{معرضون} عن النظر فيما يجب عليهم

٢٥

{وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه} الا نوحي كوفي غير أبي بكر وحماد

{أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} وحدوني فهذه الآية مقررة لما سبقها من آي التوحيد

٢٦

{وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه} نزلت في خزاعة حيث قالوا الملائكة بنات اللّه فنزه ذاته عن ذلك ثم أخبر عنهم بأنهم عباد بقوله

{بل عباد مكرمون} أي بل هم عباد مكرمون مشرفون مقربون وليسوا بأولاد إذ ا لعبودية تنافي الولادة

٢٧

{لا يسبقونه بالقول} أي بقولهم فأنيبت اللام مناب الاضافة والمعنى أنهم يتبعون قوله فلا يسبق قولهم قوله ولا يتقدمون قوله بقولهم

{وهم بأمره يعملون} أي كما ان قولهم تابع لقوله فعملهم أيضا مبني على أمره لا يعملون عملا لم يؤمروا به

٢٨

{يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم} أي ما قدموا وأخروا من أعمالهم

{ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} أي من رضي اللّه تعالى عنه اللّه عنه وقال لا إله إلا اللّه

{وهم من خشيته مشفقون} خائفون

٢٩

{ومن يقل منهم} من الملائكة

{إني إله من دونه} من دون اللّه اني مدني وأبو عمرو

{فذلك} مبتدأ أي فذلك القائل خيره

{نجزيه جهنم} وهو جواب الشرط

{كذلك نجزي الظالمين} الكافرين الذين وضعوا الالهية في غير موضعها وهذا على سبيل الفرض والتمثيل لتحقق عصمتهم وقال ابن عباس رضي اللّه عنهما وقتادة والضحاك قد تحقق الوعيد في إبليس فان ادعى الالهية لنفسه ودعا على طاعة نفسه وعبادته

٣٠

{أولم ير الذين كفروا} ألم ير مكي

{أن السماوات والأرض كانتا} أي جماعة السموات وجماعة الأرض فلذا لم يقل كن

{رتقا} بمعنى المفعول أي كانتا مرتوقتين وهو مصدر فلذا صلح أن يقع موقع مرتوقتين

{ففتقناهما} فشققناهما والفتق الفصل بين الشيئين والرتق ضد الفتق فإن قيل متى رأوهما رتقا حتى جاء تقريرهم بذلك قلنا أنه وارد في القرآن الذي هو معجزة فقام مقام المرئي المشاهد ولأن الرؤية بمعنى العلم وتلاصق الأرض والسماء وتباينهما جائزان في العقل فالاختصاص بالتباين دون التلاصق لا بد له من مخصص وهو ا لقديم وقيل كانت السموات مرتتقة طبقة واحدة ففتقها اللّه تعالى وجعلها سبع سموات وكذلك الارض كانت مرتتقة طبقة واحد ففتقها وجعلها سبع أرضين وقيل كانت السماء رتقا لا تمطر والأرض رتبا لا تنبت ففتق السماء بالمطر والأرض بالنبات

{وجعلنا من الماء كل شيء حي} أي خلقنا من الماء كل حيوان كقوله واللّه خلق كل دابة من ماء أو كأنما خلقناه من الماء لفرط احتياجه إليه وحبه له وقلة صبر عنه كقوله خُلق ٱلإنْسَانُ من عجل

{أفلا يؤمنون} يصدقون بما يشاهدون

٣١

{وجعلنا في الأرض رواسي} جبالا ثوابت من رسا إذا ثبت

{أن تميد بهم} لئلا تضطرب بهم فحذف لا واللام وإنما جاز حذف لا لعدم الالتباس كما تزاد لذلك في لئلا يعلم أهل الكتاب

{وجعلنا فيها فجاجا} أي طرقا واسعة جمع فج وهو الطريق الواسع ونصب على الحال من

{سبلا} متقدمة فإن قلت أي فرق بين قوله تعالى لتسلكوا منها سبلا فجاجا وبين هذه قلت الاول للاعلام بأنه جعل فيها طرقا واسعة والثاني لبيان أنه حين خلقها خلقها على تلك الصفة فهو بيان لما أبهم ثم

{لعلهم يهتدون} ليهتدوا بها إلى البلاد المقصدوة

٣٢

{وجعلنا السماء سقفا محفوظا} في موضعه عن السقوط كما قال ويمسك السماء أن تقع على الأرض بإذنه أو محفوظا بالهشب عن الشياطين كام قال وحفظناها من كل شيطان رجيم

{وهم} أي الكفار

{عن آياتها} عن الادلة التي فها كالشمس والقمر والنجوم

{معرضون} غير متفكرين فيها فيؤمنون

٣٣

{وهو الذي خلق الليل} لتسكنوا فيه

{والنهار} لتتصرفوا فيه

{والشمس} لتكون سراج النهار

{والقمر} ليكون سراج الليل

{كل} التنوين فيه عوض عن المضاف إليه أي كلهم والضمير للشمس والقمر المراد بهما جنس الطوالع وجمع جمع العقلاء للوصف بفعلهم وهو السباحة

{في فلك} عن ابن عباس رضي اللّه عنهما الفلك السماء والجمور على أن الفلك موج مكفوف تحت السماء تجري فيه الشمس والقمر والنجوم وكل مبتدأ خبره

{يسبحون} يسيرون أي يدورون والجملة في محل النصب على الحال من الشمس والقمر

٣٤

{وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد} البقاء الدائم

{أفإن مت} بكسر الميم مدني وكوفي غير أبي بكر

{فهم الخالدون} والفاء الأول لعطف جملة على جملة والثاني لجزاء الشرط كانوا يقدرون أنه سيموت فنفى اللّه عنه الشماته بهذا أي قضى اللّه أن لا يخلد في الدنيا بشرا فإن مت أنت أيبقى هؤلاء

٣٥

{كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم} ونختبركم سمي ابتلاء وان كان عالما بما سيكون من أعمال العاملين قبل وجودهم لأنه في صورة الاختبار

{بالشر} بالفقر والضر

{والخير} الغنى والنفع

{فتنة} مصدر مؤكد لنبلوكم من غير لفظه

{وإلينا ترجعون} فنجازيكم على حسب ما يوجد منكم من الصبر والشكر وعن ابن ذكوان ترجعون

٣٦

{وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك} ما يتخذونك

{إلا هزوا} مفعول ثان ليتخذونك نزلت في أبي جهل مربه النبي صلى اللّه عليه وسلم فضحك وقال هذا نبي بني عبد مناف

{أهذا الذي يذكر} يعيب

{آلهتكم} والذكر يكون بخير وبخلافه فان كان الذاكر صديقا فهو ثناء وان كان عدوا فذم

{وهم بذكر الرحمن} أي بذكر اللّه وما يجب أن يذكر به من الوحدانية

{هم كافرون} لا يصدقون به أصلافهم أحق أن يتخذوا هزوا منك فانك محق وهم مبطلون وقيل بذكر الرحمن أي بما أنزل عليك من القرآن هم كافرون جاحدون والجملة في موضع الحال أي يتخذونك هزوا وهم على حال هي أصل الهزء والسخرية وهي الكفر باللّه تعالى وكررهم للتأكيد أو لأن الصلة حالت بينه وبين الخبرا فأعيد المبتدأ

٣٧

{خلق الإنسان من عجل} فسر بالجنس وقيل نزلت حين كان النضر بن الحرث يستعجل بالعذاب والعجل العجلة مصدران وهو تقديم الشيء على وقته والظاهر أن المراد الجنس وانه ركب فيه العجلة فكانه خلق من العجل ولأنه يكثر منه والعرب تقول لمن يكثر منه الكرم خلق من الكرم فقدم أولا ذم الانسان على افراط العجلة وانه مطبوع عليها ثم منعه وزجره كانه قال ليس منه أن يستعجل فانه مجبول على ذلك هو طبعه وسجيته فقد ركب فيه وقيل العجل الطين بلغة حمير قال شاعرهم والنخل ينبت بين الماء والعجل وانما منع عن الاستعجال وهو مطبوع عليه كما أمره بقمع الشهوة وقد ركبها فيه لأنه أعطاه القوة التي يستطيع بها قمع الشهوة وترك العجلة ومن عجل حال أي عجلا

{سأريكم آياتي} نقماتي

{فلا تستعجلون} بالاتيان بها وهو بالياء عند يعقوب وافقه سهل وعياش في الوصل

٣٨

{ويقولون متى هذا الوعد} إتيان العذاب أو القيامة

{إن كنتم صادقين} قيل هو أحد وجهي استعجالهم

٣٩

{لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون} جواب لو محذوف وحين مفعول به ليعلم أي لو يعلمون الوقت الذي يستعجلونه بقولهم متى هذا الوعد وهو وقت تحيطبهم فيه النار من وراء وقدام فلا يقدرون على دفعها ومنعها من أنفسهم ولا يجدون ناصرا ينصرهم لما كانوا بتلك الصفة من الكفر والاستهزاء والاستعجال ولكن جهلهم به هو ا لذي هونه عندهم

٤٠

{بل تأتيهم} الساعة

{بغتة} فجأة

{فتبهتهم} فتحيرهم أي لا يكفونها بل تفجأهم فتغليهم

{فلا يستطيعون ردها} فلا يقدرون على دفعها

{ولا هم ينظرون} يمهلون

٤١

{ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق} فحاق ونزل

{بالذين سخروا منهم} جزاء

{ما كانوا به يستهزؤون} سلي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن استهزائهم به بان له في الأنبياء أسوة وان ما يفعلونه به يحيق بهم كما حاق بالمستهزئين بالأنبياء ما فعلوا

٤٢

{قل من يكلؤكم} يحفظكم

{بالليل والنهار من الرحمن} أي من عذابه أن أتاكم ليلا أو نهارا

{بل هم عن ذكر ربهم معرضون} أي بل هم معرضون عن ذكره ولا يخطرونه ببالهم فضلا أن يخافوا بأسه حتى اذا رزقوا الكلاءة منه عرفوا من الكلي وصلحوا للسؤال عنه والمعنى انه أمر رسوله بسؤالهم عن الكالئ ثم بين انهم لا يصلحون لذلك لاعراضهم عن ذكر من يكلؤهم ثم اضرب عن ذلك بقوله

٤٣

{أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا} لما في أم من معنى بل فقال ألهم آلهة تمنعهم من العذاب تتجاوز منعنا وحفظنا ثم استأنف بقوله

{لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا هم منا يصحبون} فبين ما ليس بقادر على نصر نفسه ومنعها ولا بمصحوب من اللّه بالنصر والتأييد كيف يمنع غيره وينصره ثم قال

٤٤

{بل متعنا هؤلاء وآباءهم حتى طال عليهم العمر} أي ما هم فيه من الحفظ والكلاءة إنما هو هو منا لا من مانع يمنعهم من اهلا كنا وما كلأناهم وآباءهم الماضين الا تمتيعا لهم بالحياة الدنيا وامهالا كما متعنا غيرهم من الكفار وأمهلناهم حتى طال عليهم الامد فقست قلوبهم وظنوا انهم دائمون على ذلك وهو أمل كاذب

{أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها} أي ننقص أرض الكفر ونحذف أطرافها بتسليط المسلمين عليها واظهارهم على أهلاه وردها دار اسلام وذكر نأتي يشير بأن اللّه يجر به على أيدي المسلمين وأن عساكرهم كانت تغزوة ارض المشركين وتأتيها غالبة عليها ناقصة من اطرافها

{أفهم الغالبون} أفكفار مكة يغلبون بعد أن نقصنا من اطراف ارضهم أي ليس كذلك بل يغلبهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه بنصرنا

٤٥

{قل إنما أنذركم بالوحي} اخوفكم من العذاب بالقرآن

{ولا يسمع الصم الدعاء} بفتح الياء والميم ورفع الصم ولا تسمع الصم شامي على خطاب النبي صلى اللّه عليه وسلم

{إذا ما ينذرون} يخوفون واللام في الصم للعهد وهو إشارة إلى هؤلاء المنذرين والاصل ولا يسمعون اذا ما ينرون فوضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على تصامهم وسدهم اسماعهم اذا ما انذروا

٤٦

{ولئن مستهم نفحة} دفعة يسيرة

{من عذاب ربك} صفة لنفحة

{ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين} أي ولئن مسهم من هذا الذي ينذرون به أدنى شيء لذلوا ودعوا بالويل على انفسه موأقروا أنهم ظلموا أنفسهم حيث تصاموا واعرضوا وقد بولغ حيث ذكر المس النفحة لأن النفح يدل على قلة يقال نفحة بعطية رضخة بها مع ان بناءها للمرة وفي المس والنفحة ثلاث مبالغات لأن النفح في معنى القلة يقال نفحة بعطية رضخة بها مع ان بناءها للمرة وفي المس والنفحة ثلاث مبالغات لأن المنفح في معنى القلة والنزراة يقال نفحته الدابة وهو رمح لين ونفحة بعطية رضخه وابناء للمر ة

٤٧

{ونضع الموازين} جمع ميزان وهو ما يوزن به الشيء فتعرف كميته عن الحسن هو ميزان له كفتان ولسان وانما جمع الموازين بالقسط وهو العدل مبالغة كأنها في نفسها قسط أو على حذف المضاف أي ذوات القسط

{ليوم القيامة} لاهل يوم القيامة أي لأجلهم

{فلا تظلم نفس شيئا} من الظلم

{وإن كان مثقال حبة} وان كان الشيء مثقال حبة مثقال بالرفع مدني وكذا في لقمان على كان التامة

{من خردل} صفة لحية

{أتينا بها} احضرناها وأنث ضمير المثقال لاضافته إلى الحبة كقولهم ذهبت بعض اصابعه

{وكفى بنا حاسبين} عالمين حافظين عن ابن عباس رضي اللّه عنهما لأن من حفظ شيئا حسبه وعلمه

٤٨

{ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا} قيل هذه الثلاثة هي التوراة فهي فرقان بين الحق والباطل وضياء يستضاء به ويتوصل به الى السبيل النجاة وذكر أي شرف أو وعظ وتنبيه أو ذكر ما يحتاج الناس اليه في مصالح دينهم ودخلت الواو على الصفات كما في قوله وسَيِّدًا وحصورا ونبيا وتقول مررت بزيد الكريم والعالم والصالح ولم اانتفع بذلك المتقون خصهم بقوله

{للمتقين} ومحل

٤٩

{الذين} جر على الوصفية أو نصب على المدح أو رفع عليه

{يخشون ربهم} يخافون

{بالغيب} حال أي يخافونه في الخلاء

{وهم من الساعة} القيامة وأهو الها

{مشفقون} خائفون

٥٠

{وهذا} القرآن

{ذكر مبارك} كثير الخير غزير النفع

{أنزلناه} على محمد

{أفأنتم له منكرون} استفهام توبيخ أي جادون أنه منزل من عند اللّه

٥١

{ولقد آتينا إبراهيم رشده} هداه

{من قبل} من قبل موسى وهرون أو من قبل محمد عليه السلام

{وكنا به} ابراهيم أو برشده

{عالمين} أي علمنا أنه اهل لما آتيناه

٥٢

{إذ} اما ان تتعلق بآتينا أو برشده

{قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل} أي الاصنام المصورة على صورة السباع والطيور والانسن وفيه تجاهل لهم ليحقوا آلهتهم مع علمه بتعظيمهم لها

{التي أنتم لها عاكفون} أي لأجل عبادتها مقيمون فلما عجزوا عن الاتيان بالدليل على ذلك

٥٣

{قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين} فقلدنا هم

٥٤

{قال} ابراهيم

{لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين} أراد أن المقلدين والمقلدين منخرطون في سلك ضلال ظاهر لا يخفى على عامل وأكد بأنتم ليصح العطف لأن العط فعلى ضميره وفي حكم بعض الفعل ممتنع

٥٥

{قالوا أجئتنا بالحق} بالجد

{أم أنت من اللاعبين} أي أجاد أنت فيما تقول أم لا عب استعظاما منهم انكاره عليهم واستبعادا لأن يكون ما هم عليه ضلالا فثم أضرب عنهم مخبرا بانه جاد فيما قال غير لاعب مثتبا لربوبية الملك العلام وحدوث الاصنام بقوله

٥٦

{قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن} أي التماثيل فأنى يعبد المخلوق ويترك الخالق

{وأنا على ذلكم} المذكور من التوحيد شاهد

{من الشاهدين}

٥٧

{وتاللّه} أصله واللّه في التاء معنى التعجب من تسهيل الكيد على يده مع صعوبته وتعذره لقوة سلطة نمرود

{لأكيدن أصنامكم} لأكسرنها

{بعد أن تولوا مدبرين} بعد ذهابكم عنها إلى عيدكم قال ذلك سرا من قومه فسمعه رجل واحد فعرض بقوله اني سقيم أي سأسقم ليتخلف فرجع إلى بيت الأصنام

٥٨

{فجعلهم جذاذا} قطعا من الجذو هو القطع جمع جذاذة كزجاجة وزرجاج جذاذا بالكسر على جمع جذيذ أي مجذوذ كخفيف وخاف

{إلا كبيرا لهم} للاصنام أو للكفار أي فكسرها كلها بفأس في يده إلا كبيرا فعلق الفأس في عنقه

{لعلهم إليه} إلى الكبير

{يرجعون} فيسألونه عن كاسرها فيتبين لهم عجزه أو إلى إبراهيم ليحتج عليهم أو إلى اللّه لما رأوا عجز ألهتهم

٥٩

{قالوا} أي الكفار حين رجعا من عيدهم ورأوا ذلك

{من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين} أي أن من فعل هذا الكسر لشديد الظلم لجراءته على الآلهة الحقيقية عندهم بالتوقير والتعظيم

٦٠

{قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم} الجملتان صفتان لفتى الا ان الاول وهو يذكرهم أي يعيبهم لا بد منه للسمع لأنك لا تقول سمعت زيدا وتسكت حتى تذكر شيئا مما سيمع بخلاف الاثاني وارتفاع ابراهيم بأنه فاعل يقال فالمراد الاسم لا المسمى أي الذي يقال له هذا الاسم

٦١

{قالوا} أي نمرود واشراف قومه

{فأتوا به} احضروا ابراهيم

{على أعين الناس} في محل الحال بمعنى معاينا مشاهدا أي بمرأى منهم ومنظر

{لعلهم يشهدون} عليه بما سمع منه أو بما فعله كانهم كرهوا عقابه بلا بينة أو يحضرون عقوبتنا فلا احضروه

٦٢

{قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم}

٦٣

{قال} ابراهيم

{بل فعله} عن الكسائي انه يقف عليه أي فعله من فعله وفيه حذف الفاعل وانه لا يجوز وجاز ان يكون الفاعل مسندا إلى الفتى المذكور في قوله سمعنا فتى يذكرهم والي ابراهيم في قوله يا ابراهيم ثم قال {كبيرهم هذا} وهو مبتدأ وخبر والأكثر أنه لا وقف والفاعل كبيرم وهذا وصف أو بدل ونسب الفعل إلى كبيرهم وقصده تقريره لنفسه واثباته لها على أسلونب تعريضي تبكيتا لهم وإلزاما للحجة  عليهم لأنهم إذا نظروا والنظر الصحيح علموا عجز كبيرهم وأنه لا يصلح الها وهذا كما لو قال لك صاحبك وقد كتبت كتابا بخط شيق أنيق أأنت كتبت هذا وصاحبك أمى فقلت له بل كتبته أنت كان قصدك بهذا الجواب تقريره لك مع الاستهزاء به لا نفيه عنك واثباته للامي لان اثباته للعاجز منكما والامر كائن بينكما استهزاء به واثبات للقادر ويمكن أن يقال غاظته تلك الاصنام حين ابصرها مصطفة وكان غيظ كبيرها أشد لما رأى من زيادة تعظيمهم له فاستند الفعل كما يسند الى مباشرة يسند إلى الحامل عليه ويجوز أن يكن حكاية لما يقود إلى تجويزه مذهبم كانه قال لهم ما تنكرون أن يفعله كبيرهم فان من حق من بعيد ويدعى إلها أن يقدر على هذا ويحكى أنه قال غضب ان تعبد هذه الصغار مه وهو أكبر منها فكسرهن أو هو متعلق بشرط لا يكون وهو نطق الاصنام فيكون نفيا للمخبر عنه أي بل فعله كبيرهم ان كانوا ينطقون وقوله فاسئلوهم اعتراض وقيل عرض بالكبير لنفسه انما اضاف نفسه اليهم لاشتراكهم في الحضور

{فاسألوهم} عن حالهم

{إن كانوا ينطقون} وانتم تعلمون عجزهم عنه

٦٤

{فرجعوا إلى أنفسهم} فرجعوا إلى عقولهم وتفكروا بقلوبهم لما أخذ بمخالفتهم

{فقالوا إنكم أنتم الظالمون} على الحقيقة بعبادة ما ينطق لا من ظلمتموه حين قلتم من فعل هذا بآلهتنا انه لمن الظالمين فان من لا يدفع عن رأسه الفاس كيف يدفع عن عابديه البأس

٦٥

{ثم نكسوا على رؤوسهم} قال أهل التفسير اجرى اللّه تعالى الحق على لسانهم في القول الأول ثم ادركتهم الشقاوة أي ردوا إلى الكفر بعد ان أقروا على انفسهم بالظلم يقال نكسته قلبته فجعلت أسفله أعلاه أي استقاموا حين رجعوا إلى أنفسهم وجاءوا بالفكرة الصالحة ثم انقلبوا عن تلك الحالة فأخذا في المجادلة بالباطل والمكابرة وقالوا

{لقد علمت ما هؤلاء ينطقون} فكيف تأمرنا بسؤالها والجملة سدت مسد مفعولي علمت والمعنى لقد علمت عجزعم عن النطق فكيف نسألهم

٦٦

{قال} محتجا عليهم

{أفتعبدون من دون اللّه ما لا ينفعكم شيئا} هو في موضع المصدر أي نفعا

{ولا يضركم} أن لم تعبدوه

٦٧

{أف لكم ولما تعبدون من دون اللّه} أف صوت إذا صوت به علم أن صاحبه متضجر ضجر مما رأى من ثباتهم على عبادتها بعد انقطاع عذرهم وبعد وضوح الحق فتأفف بهم واللام لبيان المتافف به أي لكم ولآلهتكم هذا التأفف أف مدني وحفص أف مكي وشامي أف غيرهم

{أفلا تعقلون} ان من هذا وصفه لا يجوز أن يكون الها فلما لزمتهم الحجة وعجزوا عن الجواب

٦٨

{قالوا حرقوه} بالنار لأنها اهول ما يعاقب به وافظع

{وانصروا آلهتكم} بالانتقام منه

{إن كنتم فاعلين} أي أن كنتم ناصرين آلهتكم نصرا مؤزرا فاختاروا له اهول المعاقبات وهو الاحراق بالنار والا فرطتم في نصرتها والذي أشار باحراقه نمرود أو رجل من أكراد فارس وقيل أنهم حين هموا باحراقه حبسوه ثم بنوا بيتا بكوثى وجمعوا شهرا اصناف الخشب ثم اشتعلوا نارا عظيمة كادت الطير تحترق في الجو من وهجها ثم وضعوه في المنجنيق مقيدا مغلولا فرموا به فيها وهو يقول حسبي اللّه ونعم الوكيل وقال للّه جبريل هل لك حاجة فقال أما اليك فلا قال فسل ربك قال حسبي من سؤالي علمه بحالي وما احرقت النار الا وثاقه وعن ابن عباس انما نجا بقوله حسبي اللّه ونعم الوكل

٦٩

{قلنا يا نار كوني بردا وسلاما} أي ذات برد وسلام فبولغ في ذلك كان ذاتها بردا ولام

{على إبراهيم} أراد بردى فيسلم منك ابراهيم وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما لو لم يقل ذلك لأهلكته ببردها والمعنى أن اللّه تعالى نزع عنها طبعها الذي طبعها عليها من الحر والاحراق وأبقاها على الاضاءة والاشراق كما كانت هو على كل شيء قدير

٧٠

{وأرادوا به كيدا} احراقا

{فجعلناهم الأخسرين} فارسل على نمرود وقومه البعوض فاكلت لحومهم وشربت دماءهم ودخلت بعوضة في دماغ نمرود فاهلكته

٧١

{ونجيناه} أي ابراهيم

{ولوطا} ابن اخيه هارن من العراق

{إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين} أي أرض الشام بركتها أن أكثر الانبياء منها فانتشرت في العالمين آثارهم الدينية وهي أرض خصب يطيب فيها عيش الغني والفقير وقيل ما من ماء عذب في الأرض الا وينبع أصله من صخرة بيت المقدس روى انه نزل بفلسطين ولوطا بالمؤتفكه بينهما مسيرة يوم وليلة وقال عليه السلام: اناه ستكون هجرة بعد هجرة فخيار الناس لي منهاجر ابراهيم

٧٢

{ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة} قيل هو مصدر كالعافية من غير لفظ الفعل السابق أي وهبنا له هبة وقيل هي ولد الولد وقد سأل ولدا فاعطيه واعطى يعقوب نافلة أي زيادة وفضلا من غير سؤال وهي حال من يعقوب

{وكلا} أي ابراهيم واسحق ويعقوب وهو المفعول الأول لقوله

{جعلنا} والثاني

{صالحين} في الدين والنبوة

٧٣

{وجعلناهم أئمة} يقتدى بهم في الدين

{يهدون} الناس

{بأمرنا} بوحينا

{وأوحينا إليهم فعل الخيرات} وهي جميع الاعمال الصالحة وأصله ان تفعل الخيرات ثم فعلا الخيرات ثم فعل الخيرات وكذا قوله

{وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة} والأصل واقامة الصلاة الا ان المضاف اليه جعل بدلا من الهاء

{وكانوا لنا عابدين} لا للأصنام فانتم يا معشر العرب أولاد ابراهيم فاتبعوه في ذلك

٧٤

{ولوطا} انتصب بفعل يفسره

{آتيناه حكما} حكمة وهي ما يجب فعله من العمل أو فصلا بين الخصوم أو نبوة

{وعلما} فقها

{ونجيناه من القرية} من أهلها وهي سدوم

{التي كانت تعمل الخبائث} اللواطة والضراطة وحذف المارة بالحصى وغيرها

{إنهم كانوا قوم سوء فاسقين} خارجين عن طاعة اللّه

٧٥

{وأدخلناه في رحمتنا} في أهل رحمتنا أو في الجنة

{إنه من الصالحين} أي جزاء له على صلاحه كام أهلكنا قومه عقابا على فسادهم

٧٦

{ونوحا} أي واذكر نوحا

{إذ نادى} أي دعا على قومه بالهلاك

{من قبل} من قبل هؤلاء المذكورين

{فاستجبنا له} أي دعاءه

{فنجيناه وأهله} أي المؤمنين من ولده وقومه

{من الكرب العظيم} من الطوفان وتكذيب أهل الطغيان

٧٧

{ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا} منعناه منهم أي من أذاهم

{إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين} صغيرهم وكبيرهم ذكرهم وانثاهم

٧٨

{وداود وسليمان} أي واذكرهما {إذ} بدل منهما

{يحكمان في الحرث} في الرزع أو الكرم

{إذ} ظرف ليحكمان  {نفشت} دخلت

{فيه غنم القوم} ليلا فأكلته وأفسدته والنفش انتشار الغنم ليلا بلا راع

{وكنا لحكمهم} أرادهما والمتحاكمين اليهما

{شاهدين} أي كان ذلك بلعمنا ومرأى منا

٧٩

{ففهمناها} أي الحكوم أو الفتوى

{سليمان} وفيه دليل على أن الصواب كان مع سليمان صلوات اللّه عليه وقصته أن الغنم رعت الحرث وافسدته بلا راع ليلا فتحا كما إلى داود فحكم بالغنم لأهل الحرث وقد استوت قيمتاهما أي قيمة الغنم كانت على قدر النقصان من الحرث فقال سليمان هو ابن احدى عشرة سنة غير هذا ارفق بالفريقين فعزم عليه ليحكمن فقال أي ان تدفع الغنم إلى اهل الحرث ينتفعون بألبانها وأولادها وأصوافها والحرث إلى رب الغنم حتى يصلح الحرث ويعود كهيئة يوم افسد ثم يترادان فقال القضاء ما قضيت وأمضى الحكم بذلك وكان ذلك باجتهاد منهما وهذا كان مع البهيمة سائق أو قائد وعند الشافعي رحمه اللّه يجب الضمان بالليل وقال الجصاص إنما ضمنوا لانهم أرسلوها أو نسخ الضمان بقلوه عليه السلام العجماء جبار وقال مجاهد كان هذا صلحا وما فعله داود كان حكما والصلح خير

{وكلا} من داود وسليمان {آتيناه حكما} نبوة

{وعلما} معرفة بموجب الحكم {وسخرنا} وذللنا

{مع داود الجبال يسبحن} وهو حال بمعنى مسبحات أو استئناف كان قائلا قال كيف سخرهن فقال يسبحن

{والطير} معطوف على الجبال أو مفعول معه وقدمت الجبال على الطير لأن تسخيرها وتسبيحها أعجب واغرب وادخل في الاعجاز لأنها جماد روى أنه ان يمر بالجبال مسبحا وهي تجاوبه وقيل كانت تسير معه حيث سار

{وكنا فاعلين} بالأنبياء مثل ذلك وإن كان عجبا عندكم

٨٠

{وعلمناه صنعة لبوس لكم} أي عمل اللبوس والدروع واللبوس اللباس والمراد الدرع

{لتحصنكم} شامي وحفص أي الصنعة وبالنون أبو بكر وحماد أي اللّه عز وجل وبالياء غيرهم أي اللبوس أو اللّه عز وجل

{من بأسكم} من حرب عدوكم

{فهل أنتم شاكرون} استفهام بمعنى الأمر أي فاشكروا اللّه على ذلك

٨١

{ولسليمان الريح} أي وسخرنا له الريح

{عاصفة} حال أي شديدة الهبوب ووصفت في موضع آخر بالرخاء لأنها تجري باحتياره فكانت في وقت رخاء وفي وقت عاصة لهبوبها على حكم إرادته

{تجري بأمره} بامر سليمان

{إلى الأرض التي باركنا فيها} بكثرة الأنهار والأشجار والثمار والمراد الشام وكان منزله بها وتحمله الريح من نواحي الأرض اليها

{وكنا بكل شيء عالمين} وقد أحاط علمنا بكل شيء فتجري الأشياء كلهاعلى ما يقتضيه علمنا

٨٢

{ومن الشياطين} أي وسخرنا منهم

{من يغوصون له} في البحار بامره لاستخراج الدر وما يكون فيها

{ويعملون عملا دون ذلك} أي دون الغوص وهو بناء المحاريب والتماثيل والقصور والقدور والجفان

{وكنا لهم حافظين} أي يزبغوا عن أمره أو يبدلوا أو يوجد منهم عناد فيما هم مسخرون فيه

٨٣

{وأيوب} أي واذكر أيوب

{إذ نادى ربه أني} أي دعا بأني

{مسني الضر} الضر بالفتح الضرر في كل شيء وبالضم الضرر في النفس من مرض أو هزال

{وأنت أرحم الراحمين} الطف في السؤال حيث ذكر نفسه بما يوجب الرحمةن وذكر ربه بغاية الرحمة ولم يصرح بالمطلوب فكانه قال أنت أهل ان ترحم وأيوب أهل أن يرحم فارحمه واكشف عنه الضيم الذي مسه عن أنس رضي اللّه عنه أخبر عن ضعفه حين لم يقدر على النهوض إلى الصلاة ولم يشتك وكيف يشكون من قيل له انا وجدناه صابرا نعم العبد وقيل إنما شكا إليه تلذذا بالنجوة لا نمه تضررا بالشكوى والشكاية إليه غاية القرب كما أن الشكاية منه غاية البعد

٨٤

{فاستجبنا له} أجبنا دعاءه

{فكشفنا ما به من ضر} فكشفنا ضره نعاما عليه

{وآتيناه أهله ومثلهم معهم} روى أن أيوب عليه السلام كان روميا من ولد اسحق بن ابراهيم عليه السلام وله سبعة بنين وسبع بنات وثلاثة آلاف بعير وسبعة آلاف شاة وخمسمائة فدان يتبعها خمسمائة عبد لكل عبد امرأه وولد ونخيل فابتلاه اللّه تعالى بذهاب ولده وماله وبمرض في بدنه ثماني عشرة سنة أو ثلاث عشرة سنة أو ثلاث سنين قالت له امرأته يوما لو دعوت اللّه عز وجل فقال كما كانت مدة الرخاء فقالت ثمانين سنة فقال أنا أستحي من اللّه أن ادعوه وما بلغت مدة بلائي مدة رخائي فلما كشف اللّه عنه احيا ولده بأعيانهم ورزقه مثلهم معهم

{رحمة من عندنا} هو مفعول له

{وذكرى للعابدين} يعني رحمة لأيوب وتذكرة لغيره من العبادين ليصبروا كصبره فيثابوا به

٨٥

{وإسماعيل} بن ابراهيم {وإدريس} بن شيث بن آدم

{وذا الكفل} أي اذكرهم وهو إلياس أو زكريا أو يوشع بن نون وسمي به لأنه ذو الحظ من اللّه والكفل الحظ

{كل من الصابرين} أي هؤلاء المذكورون كلهم موصوفون بالصبر

٨٦

{وأدخلناهم في رحمتنا} نبوتنا أو النعمة في الآخرة

{إنهم من الصالحين} أي ممن لا يشوب صالاحهم كدر الفساد

٨٧

{وذا النون} أي اذكر صاحب الحوت والنون الحوت فأضيف اليه

{إذ ذهب مغاضبا} حال أي مراغما لقومه ومعن مغاضبته لقومه أن أغضبهم بمفارقته لخوفهم حلول العقاب عليهم عندها روى أنه برم بقومه لطول ما ذكرهم فلم يتعظوا وأقاموا على كفرهم فراغمهم وظن أن ذلك يسوغ حيث لم يفعله الا غضبا للّه وبغضا للكفر وأهله وكان عليه ان يصابروا وينتظر الاذن من اللّه تعالى في المهاجرة عنهم فابتلى ببطن الحوت

{فظن أن لن نقدر} نضيق

{عليه} وعنى ابن ابن عباس رضي اللّه عنهما أنه دخل يوما على معاوية فقال لقد ضربتنس أمواج القرآن البارحة فغرقت فيها فلم أجد لنفسي خلاصا الا بك قال وما هي يا معاوية فقرأ الآية فقال أو يظن نبي اللّه أن لا يقدر عليه قال هذا من القدر لا من القدرة

{فنادى في الظلمات} أي في الظلمة الشديدة المتكائفة في بطن الحوت كقوله ذهب اللّه بنورهم وتركهم في ظلمات أو ظلمة الليل والبحر بطن الحوت

{إن} أي بأنه {لا إله إلا أنت} أو بمعنى أي

{سبحانك إني كنت من الظالمين} لنفسي في خروجي من قومي قبل ان تأذن لي في الحديث: ما من مكروب يدعو بهذا الدعاء الا استجيب له وعن الحسن ما نجاه ا للّه الا باقراره على نفسه بالظلم

٨٨

{فاستجبنا له ونجيناه من الغم} غم الزلة والوحشة والوحدة

{وكذلك ننجي المؤمنين} اذا دعونا واستغاثوا بنا نجى شامي وأبو بكر بادغام النون في الجيم عند البعض لأن النون لا تدغم في الجيم وقيل تقديره النجاء للمؤمنين فسكن الياء تخفيفا واسند الفعل إلى المصدر ونصب المؤمنين بالنجاء لكن فيه إقامة المصدر مقام الفاعل مع وجود المفعول وهذا لا يحوز وفيه تسكين الياء وبابه الضرورات وقيل أصله ننجي من التنجية فحذفت النون الثانية لاجتماع النونين كما حذفت احدى التاءين في تنزل الملائكة

٨٩

{وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا} سأل ربه أن يرزقه ولدا يرثه ولا يدعه وحيدا بلا وارث ثم رد أمره إلى اللّه مستسلما فقال

{وأنت خير الوارثين} أي فان لم ترزقني من يرثني فلا أبالي فانك خير وارث أي باق

٩٠

{فاستجبنا له ووهبنا له يحيى} ولدا

{وأصلحنا له زوجه} جعلناها صالحة للولادة بعد العقار أي بعد عقرها أو حسنة وكانت سيئة الخلق

{إنهم} أي الأنبياء المذكورين

{كانوا يسارعون في الخيرات} أي أنهم انما استحقوا الاجابة إلى طلباتهم لمبادرتهم أبواب الخير ومسارعتهم في تحصيلها

{ويدعوننا رغبا ورهبا} أي طمعا وخوفا كقوله يحذر الآخرة ويرجو لنا رحمة ربه وهما مصدران في موضع الحال أو المفعول له أي للرغبة فينا والرهبة منا

{وكانوا لنا خاشعين} متواضعين خائفين

٩١

{والتي} أي واذكر التي

{أحصنت فرجها} حفظته من الحلال والحرام

{فنفخنا فيها من روحنا} أجرينا فيها روح المسيح أو أمرنا جبريل فنفخ في جيب درعها فاحدثنا بذلك النفخ عيسى في بطنها واضافة الروح اليه تعالى لتشريف عيسى عليه السلام

{وجعلناها وابنها آية} مفعول ثان

{للعالمين} وانما لم يقل آيتين كما قال وجعلنا الليل والنهار آيتين لأن حالهما بمجموعها آية واحدة وهي ولادتها اياه من غير فحل أو التقدير وجعلناها آية وابنها كذلك فآية مفعول المعطوفي عليه ويدل عليه قراءة من قرأ آيتين

٩٢

{إن هذه أمتكم أمة واحدة} الأمة الملة وهذه اشارة إلى ملة الاسلام وهي ملة جميع الأنبياء وأمة واحدة حال أي متوحدة غير متفرقة والعامل ما دل عليه اسم الاشارة أي أن ملة الاسلام هي ملتكم التي يجب أن تكونوا عليها لا تنحرفون عنها يشار اليها ملة واحدة غير مختلفة

{وأنا ربكم فاعبدون} أي ربيتكم اختيارا فاعبدوني شكرا وافتخارا والخطاب للناس كافة

٩٣

{وتقطعوا أمرهم بينهم} أصل الكلام وتقطعتم الا ان الكلام صرف إلى الغيبة على طريقة الالتفات والمعنى وجعلوا أمر دينهم فيما بينهم قطعا وصاروا فرقا وأحزابا ثم توعدهم بأن هؤلاء الفرق المختلفة

{كل إلينا راجعون} فنجازيهم على أعمالهم

٩٤

{فمن يعمل من الصالحات} شيئا

{وهو مؤمن} بما يجب الايمان به

{فلا كفران لسعيه} أي فإن سعيه مشكور مقبول والكفران مثل في حرمان الثواب كما أن الشكر مثل في إعطائه وقد نفي نفي الجنس ليكون ابلغ

{وإنا له} للسعي أي الحفظة بأمرنا

{كاتبون} في صحيفة عمله فنثيبه به

٩٥

{وحرام} وحرم كوفي غير حفص وخلف وهما لغتان كحل وحلال وزنا وضده ومعنى المراد بالحرام الممتنع وجوده

{على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون} والمعنى ممتنع على أو حكمنا باهلاكهم ذلك وهو المذكور في الآية المتقدمة من العمل الصالح والسعي المذكور غير المكفور أنهم لا يرجعون من الكفر إلى الاسلام

٩٦

{حتى} هي التي يحكى بعدها الكلام والكلام المحكي الجملة من الشرط والجزاء أعني

{إذا} وما في حيزها

{فتحت يأجوج ومأجوج} أي فتح سدهما فحذف المضاف كما حذف المضاف إلى قرية فتحت شامي وهما قبيلتان من جنس الإنس يقال الناس عشرة أجزاء تسعة منها يأجوج ومأجوج

{وهم} راجع إلى الناس المسوقين إلى المحشر وقيل هم يأجوج ومأجوج يخرجون حين يفتح السد

{من كل حدب} نشز من الأرض أي إرتفاع

{ينسلون} يسرعون

٩٧

{واقترب الوعد الحق} أي القيامة وجواب اذا

{فإذا هي} وهي إذا المفاجأة وهي تقع في المجازاة سادة مسد الفاء كقوله إذا هم يقنطون فإذا جاءت الفاء معها تعاونتا على وصل الجزاء بالشرط فيتأكد ولو قيل فهي شاخصة أو إذا هي شاخصة كان سديدا وهي ضمير مبهم يوضحه الابصار ويفسره

{شاخصة أبصار الذين كفروا} أي مرتفعة الأجفان لا تكاد تطرف من هول ما هم فيه

{يا ويلنا} متعلق بمحذوف تقديره يقولون يا ويلنا ويقولون حال من الذين كفروا

{قد كنا في غفلة من هذا} اليوم

{بل كنا ظالمين} بوضعنا العبادة في غير موضعها

٩٨

{إنكم وما تعبدون من دون اللّه} يعني الاصنام وإبليس وأعوانه لأنهم بطاعتهم لهم واتباعهم خطواتهم في حكم عبدتهم

{حصب} حطب وقرئ حطب

{جهنم أنتم لها واردون} فيها داخلون

٩٩

{لو كان هؤلاء آلهة} كما زعمتم

{ما وردوها} ما دخلوا النار

{وكل} أي العابد والمعبود

{فيها} في النار

{خالدون}

١٠٠

{لهم} للكفار

{فيها زفير} أنين وبكاء وعويل

{وهم فيها لا يسمعون} شيئا لأنهم صاروا صما وفي السماع نوع انس فلم يعطوه

١٠١

{إن الذين سبقت لهم منا الحسنى} الخصلة المفضلة في الحسن تأنيث الأحسن وهي السعادة أو البشرى بالثواب أو التوفيق للطاعة نزلت جوابا بالقول ابن الزبعري عند تلاوته عليه السلام على صناديد قريش إنكم وما تعبدون من دون اللّه إلى قوله خالدون أليس اليهود عبدوا عزيرا والنصارى المسيح وبنو مليح الملائكة على أن قوله وما تعبدون لايتنا ولهم لأن مالمن لا يعقل إلا أنهم أهل عناد فزيد في البيان

{أولئك} يعني عزيرا والمسيح والملائكة

{عنها} عن جهنم

{مبعدون} لأنهم لم يرضوا بعبادتهم وقيل المراد بقوله إن الذين سبقت لهم منا الحسنى جميع المؤمنين لما روى ان عليا رضي اللّه عنه قرأ هذه الآية ثم قال أنا منهم وأبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف وقال الجنيد رحمه اللّه سبقت لهم منا العناية في البداية فظهرت لهم الولاية في النهاية

١٠٢

{لا يسمعون حسيسها} صوتها الذي يحس وحركة تلهبها وهذه مبالغة في الإبعاد عنها أي لا يقربونها حتى لا يسمعوا صوتها وصوت من فيها

{وهم في ما اشتهت أنفسهم} من النعيم

{خالدون} مقيمون والشهوة طلب النفس اللذة

١٠٣

{لا يحزنهم الفزع الأكبر} النفخة الأخيرة

{وتتلقاهم الملائكة} أي تستقبلهم الملائكة مهنئين على أبواب الجنة يقولون

{هذا يومكم الذي كنتم توعدون} أي هذا وقت ثوابكم الذي وعدكم ربكم في الدنيا العامل في

١٠٤

{يوم نطوي السماء} لا يحزنهم أو تتلقاهم تطوى السماء يزيد وطيها تكوير نجومها ومحو رسومها أو هو ضد النشر نجمعها ونطويها

{كطي السجل} أي الصحيفة

{للكتب} حمزة وعلي وحفص أي للمكتوبات أي لما يكتب فيه من المعاني الكثيرة وغيرهم الكتاب أي كما يطوي الطومار للكتابة أي لما يكتب فيه لأن الكتاب أصله المصدر كالبناء ثم يوقع على المكتوب وقيل السجل ملك يطوي كتب بن آدمي إذا رفعت إليه وقيل كاتب لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والكتاب على هذا اسم الصحيفة المكتوب فيها والطي مضاف إلى الفاعل وعلى الأول إلى المفعول

{كما بدأنا أول خلق نعيده} انتصب الكاف بفعل مضمر يفسره نعيده ما موصولة أي نعيده مثل الذي بدأناه نعيده وأول خلق ظرف لبدأنا أي أول ما خلق أو حال من ضمير الموصول الساقط من اللفظ الثابت في المعنى وأول الخق إيجاده أي فكما أوجده أو لا يعيده ثانيا تشبيها للاعادة بالابداء في تناول القدرة لهما على السواء والتنكير في خلق مثله في قولك هو أول رجل جاءني تريد أول الرجال ولكنك وحدته ونكرته إرادة تفصيلهم رجلا رجلا فكذلك معنى أول خلق أول الخق بمعنى أول الخلائق لأن الخق مصدر لا يجمع

{وعدا} ت مصدر مؤكد لأن قوله نعيده عدة للاعادة

{علينا} أي عدا كائنا لا محالة

{إنا كنا فاعلين} ذلك أي محققين هذا الوعد فاستعدوا له وقدموا صالح الأعمال للخلاص من هذه الأهوال

١٠٥

{ولقد كتبنا في الزبور} كتاب داود عليه السلام

{من بعد الذكر} التوراة

{إن الأرض} أي الشام

{يرثها عبادي} ساكنة الياء حمزة غيره بفتح الياء

{الصالحون} أي أمة محمد عليه السلام أو الزبور بمعنى المزبور أي المكتوب يعني ما أنزال على الأنبياء من الكتب والذكر أم الكتاب يعني اللوح لأن الكل أخذوا منه ليله قراءة حمزة وخلف بضم الزاي على جمع الزبر بمعنى المزبور والأرض أرض الجنة

١٠٦

{إن في هذا} أي القرآن أو في المذكور في هذه السورة من الأخبار والوعد الوعيد والمواعظ

{لبلاغا} لكفاية واصله ما يبلغ به البغية

{لقوم عابدين} موحدين وهم أمة محمد عليه السلام

١٠٧

{وما أرسلناك إلا رحمة} قال عليه السلام إنما أنا رحمة مهداة

{للعالمين} لأنه جاء بما يسعدهم ان اتبعوه ومن لم يتبع فانما أتى من عند نفسه حيث ضيع نصيبه منها وقيل هو رحمة للمؤمنين في الدارين والكافرين في الدنيا بتأخير عذاب الاستئصال والمسخ والخسف ورحمة مفعول له أو حال أي ذا رحمة

١٠٨

{قل إنما} إنما لقصر الحكم على شيء أو لقصر الشيء على حكم نحو إنما زيد قائم وإنما يقوم زيد وفاعل

{يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد} والتقدير يوحى إلى وحدانية إلهي ويجوز أن يكون المعنى أن الذي يوحى إلى فتكون ما موصولة

{فهل أنتم مسلمون} استفهام بمعنى الأمر أي اسلموا

١٠٩

{فإن تولوا} عن الاسلام

{فقل آذنتكم} اعلمتكم ما امرت

{على سواء} حال أي مستوين في الاعلام به ولم اخصص بعضكم وفيه دليل بطلان مذهب الباطنية

{وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون} أي لا ادري متى يكون يوم القيامة لان اللّه تعالى لم يطلعني عليه ولكني اعلم بانه كائن لا محالة ولا ادري متى يحل بكم العذاب ان لم تؤمنوا

١١٠

{إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون} أي انه عالم بكل شىء يعلم ما تجاهرونني به من الطعن في الاسلام وما تكتمونه في صدوركم من الاحقاد للمسلمين وهو مجازيكم عليه

١١١

{وإن أدري لعله فتنة لكم} وما ادري لعل تأخير العذاب عنكم في الدنيا امتحان لكم لينظر كيف تعملون

{ومتاع إلى حين} وتمتيع لكم الى الموت ليكون ذلك حجة عليكم

١١٢

{قال رب احكم بالحق} اقض بيننا وبين اهل مكة بالعدل أو بما يحق عليهم من العذاب ولا تحابهم وشدد عليهم كما قال واشدد وطأتك على مضر قال رب حفص على حكاية قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رب احكم يزيد ربي احكم زيد عن يعقوب

{وربنا الرحمن} العاطف على خلقه

{المستعان} المطلوب منه المعونة

{على ما تصفون} وعن ابن ذكوان بالياء كانوا يصفون الحال على خلاف ما جرت عليه وكانوا يطمعون ان تكون الشوكة لهم والغلبة فكذب اللّه ظنونهم وخيب امالهم ونصر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والمؤمنين وخذلهم أي الكفار وهو المستعان على ما يصفون

﴿ ٠