تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل

أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م)

_________________________________

سورة الحج

سورة الحج مكية وهي ثمان وسبعون اية بسم اللّه الرحمن الرحيم

_________________________________

{يا أيها الناس اتقوا ربكم} امر بني آدم بالتقوى ثم علل وجوبها عليهم بذكر الساعة ووصفها بأهول صفة بقوله

{إن زلزلة الساعة شيء عظيم} لينظروا إلى تلك الصفة ببصائرهم ويتصورها بعقولهم حتى يبقوا على أنفسهم ويرحموها من شدائد ذلك اليوم بامتثال ما أمرهم به ربهم من التردي بلباس التقوى الذي يؤمنهم من تلك الأفزاع والزلزلة شدة التحريك والإزعاج وإضافة الزلزلة إلى الساعة إضافة المصدر إلى فاعله كانها هي التي تزلزل الأرض على المجاز الحكمي أو إلى الظرف لأنها تكون فيها كقوله بل مكر الليل والنهار ووقتها يكون يوم القيامة أو عند طلوع الشمس من مغربها ولا حجة فيها للمعتزلة في تسمية المعدوم شيئا فإن هذا اسم لها حال وجودها وانتصب

٢

{يوم ترونها} أي الزلزلة أو الساعة بقوله

{تذهل} تغفل والذهول الغفلة

{كل مرضعة عما أرضعت} عن أو عن الذي أرضعته وهو الطفل وقيل مرضعة ليدل على أن ذلك الهول حدث وقد ألقمت الرضيع ثديها نزعته عن فيه لما يحلقها من الدهشة اذ المرضعة هي التي في حال الارضاع ملقمة ثديها الصبي والمرضع التي شأنها أن ترضع وان لم تباشر الارضاع في حال وصفها به

{وتضع كل ذات حمل} أي حبلى

{حملها} ولدها قبل تمامه عن الحس تذهل المرضعة عن ولدها لغير فطام وتضع الحامل ما في بطنها لغير تمام

{وترى الناس} أيه الناظر

{سكارى} على التشبيه لما شاهدوا بساط العزة وسلطنة الجبروت وسرادق الكبرياء حتى قال كل نبي نفسي نفسي

{وما هم بسكارى} على التحقيق

{ولكن عذاب اللّه شديد} فخوف عذاب اللّه هو الذي أذهب عقولهم وطير تمييزهم وردهم في نحو حال من يذهب السكر بعقله وتمييزه وعن الحسن وترى الناس سكارى من الخوف وما هم بسكارى من الشراب سكرى فيهما بالامالة حمة وعلى وهو كعطش في عطشان روى أنه نزلت الآيتان ليلا في غزوة بني المصطلق فقرأهما النبي عليه السلام فلم ير أكثر باكيا من تلك الليلة

٣

{ومن الناس من يجادل في اللّه} في دين اللّه في دين اللّه

{بغير علم} حال نزلت في النضر بن الحرث وكان جدلا يقول الملائكة بنات اللّه والقرآن أساطير الأولين واللّه غير قادر على إحياء من بلى أو هي عامة في كل من يخاصم في الدين بالهوى

{ويتبع} في ذلك

{كل شيطان مريد} عات مستمر في الشر ولا وقف في مريد لأن ما بعده صفته

٤

{كتب عليه} قضى على الشيطان

{يضله} عن سواء السبيل

{ويهديه إلى عذاب السعير} النار قال الزجاج الفاء في فإنه للعطف وإن من مكرر للتأكيد ورد عليه أبو علي وقال ان من ان كان للشرط فالفاء دخل لجزاء الشرط وإن كان بمعنى الذي فالفاء دخل على خبر المبتدأ والتقدير فالأمر أنه يضله قال والعطف التأكيد يكون بعد تمام الأول والمعنى كتب على الشيطان إضلال من تولاه وهدايته إلى النار ثم ألزم الحجة على منكري البعث فقال

٥

{يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث} يعني أن ارتبتم في البعث فمزيل ريبكم أن تنظروا في بدء خلقكم وقد كنتم في الابتداء قرابا وماء وليس سبب انكاركم البعث إلا هذا وهو صيرورة الخلق ترابا وماء

{فإنا خلقناكم} أي أباكم

{من تراب ثم} خلقتم

{من نطفة ثم من علقة} أي قطعة دم جامدة

{ثم من مضغة} أي لحمة صغسيرة قدر ما يمضغ

{مخلقة وغير مخلقة} المخلقة المسواة الملساء من النقصان والعيب كان اللّه عز وجل يخلق المضغ متفاوته منها ما هو كامل الخلقة أملس من العيوب ومنها ما هو على عكس ذلك فيتبع ذلك التفاوت تفاوت الناس في خلقهم وصورهم وطولهم وقصرهم وتمامهم ونقصانهم وإنما نقلنا كم من حال إلى حال ومن خلقه إلى خلقه

{لنبين لكم} بهذا التدريج كمال قدرتنا وحكمتنا وإن من قدر على خلق البشر من تراب أولا ثم نطفة ثانيا ولا مناسبة بين التراب والماء وقد ر أن يجعل النطفة علقة والعلقة مضغة والمضغة عظاما قدر على إعادة ما بدأه

{ونقر} بالرفع عند غير المفضل مستأنف بعد وقف أي نحن نثبت

{في الأرحام ما نشاء} ثبوته

{إلى أجل مسمى} أي وقت الولادة ومالم نشأ ثبوته أي أسقطته الأرحام

{ثم نخرجكم} من الرحم

{طفلا} حال واريد به الجنس فلذا لم يجمع أو اريد به ثم نخرج كل واحد منكم طفلا

{ثم لتبلغوا} ثم نربيكم لتبلغوا

{أشدكم} كمال عقلكم وقوتكم وهو من الفاظ الجموع التي لا يستعمل لها واحد

{ومنكم من يتوفى} عند بلوغ الأشد أو قبله أبو بعده

{ومنكم من يرد إلى أرذل العمر} أخسه يعني الهرم والخرف

{لكيلا يعلم من بعد علم شيئا} أي لكيلا يعلم شيئا من بعد ما كان يعلمه أو لكيلا يستفيد علما وينسى ما كان عالما به ثم ذكر دليلا آخر على البعث فقال

{وترى الأرض هامدة} ميتة يابسة

{فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت} تحركت بالنبات

{وربت} وانتفخت وربأت حيث كان يزيد ارتفعت

{وأنبتت من كل زوج} صنف

{بهيج} حسن سار للناظرين إليه

٦

{ذلك} مبتدأ خبره

{بأن اللّه هو الحق} أي ذلك الذي ذكرنا من خلق بني آدم وإحياء الأرض مع ما في تضاعيف ذلك من أصناف الحكم حاصل بهذا وهو أن اللّه هو الحق أي الثابت الوجود

{وأنه يحيي الموتى} كما أحيا الأرض

{وأنه على كل شيء قدير} قادر

٧

{وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن اللّه يبعث من في القبور} أي أنه حكيم لا يخلف الميعاد وقد وعد الساعة والبعث فلا بد أن يفي بما وعد

٨

{ومن الناس من يجادل في اللّه} في صفاته فيصفه ما هو له نزلت في أبي جهل

{بغير علم} ضروري

{ولا هدى} أي استدلال لأنه يهدي إلى المعرفة

{ولا كتاب منير} أي وحي والعلم للانسان من أحد هذه الوجوه الثلاثة

٩

{ثاني عطفه} حال أي لا وياعنقه عن طاعة اللّه اكبرا وخيلاء وعن الحسن ثاني عطفه بفتح العين أي مانع تعطفه إلى غيره

{ليضل} تعليل للمجادلة ليضل مكي وأبو عمرو

{عن سبيل اللّه} دينه

{له في الدنيا خزي} أي القتل يوم بدر

{ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق} أي جمع له عذاب الدارين

١٠

{ذلك بما قدمت يداك} أي السبب في عذاب الدارين هو ما قدمت نفسه من الكفر والتكذيب وكنى عنها باليد لأن اليد آلة الكسب

{وأن اللّه ليس بظلام للعبيد} فلا يأخذ أحدا بغير ذنب ولا بذنب غيره وهو عطف على بما أي وبأن اللّه وذكر الظلام بلفظ المبالغة لاقترانه بلفظ الجمع وهو العبيد ولأن قليل الظلم منه مع علمه بقبحه واستغنائه كالكثير منها

١١

{ومن الناس من يعبد اللّه على حرف} على طرف من الدين لا في وسطه وقلبه وهذا مثل لكونهم على قلق واضطراب في دينهم لا على سكون وطمأنينة وهو حال أي مضطربا

{فإن أصابه خير} صحة في جسمه وسعة في معيشته

{اطمأن} سكن واستقر

{به} بالخير الذي أصابه أو بالدين فعبد اللّه

{وإن أصابته فتنة} شر وبلاء في جسده وضيق في معيشته

{انقلب على وجهه} جهته أي ارتد ورجع إلى الكفر كالذي يكون على طرف من العسكر فان أحس بظفر وغنيمة قر واطمأن وإلا فر وطار على وجهه قالوا نزلت في أعاريب قدموا المدينة مهاجرين وكان أحدهم إذا صح بدنه ونتجت فرسه مهرا سويا وولدت امرأته غلاما سويا وكثر ماله وماشيته قال ما أصبت منذ دخلت في ديني هذا الا خيرا واطمأن وإن كان الأمر بخلافه قال ما أصبت إلا شرا وانقلب عن دينه

{خسر الدنيا والآخرة} حال وقد مقدرة دليله قراءة روح وزيد خاسر الدنيا والآخرة والخسران في الدنيا بالقتل فيها وفي الآخرة بالخلود في النار

{ذلك} أي خسران الدارين

{هو الخسران المبين} الظاهر الذي لا يخفى على أحد

١٢

{يدعو من دون اللّه} يعني الصنم فإنه بعد الردة يفعل كذلك

{ما لا يضره} ان لم يعبده

{وما لا ينفعه} ان عبده

{ذلك هو الضلال البعيد} من الصواب

١٣

{يدعو لمن ضره أقرب من نفعه} والاشكال أنه تعالى نفي الضر والنفع عن الاصنام قبل هذه الآية واثبتهما لها هنا والجواب أن المعنى إذا فهم ذهب هذا الوهم وذلك ان اللّه تعالى سفه الكافر بأنه يعبد جماد لا يملك ضرا ولا نفعا وهو يعتقد فيه أنه ينفعه ثم قال يوم القيامة يقول هذا الكافر بدعاء وصراخ حين يرى استضراره بالأصنام ولا يرى لها أثر الشفاعة لمن ضره أقرب من نفعه

{لبئس المولى} أي الناصر الصاحب

{ولبئس العشير} المصاحب أو كرر يدعو كأنه قال يدعو يدعو من دون اللّه مالا يضره ومالا ينفعه ثم قال لمن ضره بكونه معبودا أقرب من نفعه بكونه شفيعا

١٤

{إن اللّه يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار إن اللّه يفعل ما يريد} هذا وعد لمن عبد اللّه بكل حال لا لمن عبد اللّه على حرف

١٥

{من كان يظن أن لن ينصره اللّه في الدنيا والآخرة} المعنى أن اللّه ناصر رسوله في الدنيا والآخرة فمن ظن من أعاديه غير ذلك

{فليمدد بسبب} بحبل

{إلى السماء} إلى سماء بيته

{ثم ليقطع} ثم ليختنق به وسمي الاختناق قطعا لأن المختنق يقطع نفسه بحبس مجاريه وبكسر اللام بصرى وشامي

{فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ} أي الذي يغيظه أو ما مصدرية أي غيظه والمعنى فليصور في نفسه أنه ان فعل ذلك هل يذهب نصر اللّه الذي يغيظه سمي فعله كيدا على سبيل الاستهزاء لأنه لم يكد به محسوده إنما كاديه نفسه والمراد ليس في يده إلا ما ليس بمذهب لما يغيظ

١٦

{وكذلك أنزلناه} ومثل ذلك الا نزال أنزل القرآن كله

{آيات بينات} واضحات

{وأن اللّه يهدي من يريد} أي ولأن اللّه يهدي به الذين يعلم أنهم يؤمنون أو يثبت الذين آمنوا ويزيدهم هدى انزله كذلك مبينا

١٧

{إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا} قبل الاديان خمسة أربعة للشيطان وواحد للرحمن الصابئون نوع من النصارى فلا تكون ستة

{إن اللّه يفصل بينهم يوم القيامة} في الأحوال والأماكن فلا يجازيهم جزاء واحدا ولا يجمعمه في موطن واحد وخبر ان الذين آمنوا إن اللّه يفصل بينهم كما تقول أن زيدا إن أباه قائم

{إن اللّه على كل شيء شهيد} عالم به حافظ له فلينظر كل امرئ معتقده وقوله وفعله هو أبلغ وعيد

١٨

{ألم تر} ألم تعلم يا محمد علما يقوم مقام العيان

{أن اللّه يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب} قيل ان الكل يسجد له ولكنا لا نقف عليه كما لا نقف على تسبيحها قال اللّه تعالى وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم وقيل سمي مطاوعة غير المكلف له فيما يحدث من أفعاله وتسخيره له سجودا له تشبيها لمطاوعته بسجود المكلف الذي كل خضوع دونه

{وكثير من الناس} أي ويسجد له كثير من الناس سجود طاعة وعبادة أو هو مرفوع على الابتداء ومن الناس صفة له والخبر محذوف وهن مثاب ويدل عليه قوله

{وكثير حق عليه العذاب} أي وكثير منهم حق عليه العذاب بكفره وابائه السجود

{ومن يهن اللّه} بالشقاوة

{فما له من مكرم} بالسعادة

{إن اللّه يفعل ما يشاء} من الاكرام والاهانة وغير ذلك وظاهر هذه الآية والتي قبلها ينقض على المعتزلة قولهم لانهم يقولون شاء اشياء ولم يفعل وهو يقول ما يشاء

١٩

{هذان خصمان} أي فريقان مختصمان فالخصم صفة وصف بها الفريق وقوله

{اختصموا} للمعنى وهذان للفظ والمراد المؤمنون والكافرون وقال ابن عباس رضي اللّه عنهما رجع إلى أهل الأديان المذكورة فالمؤمنون وسائر الخمسة خصم

{في ربهم} في دينه وصفاته ثم بين جزاء كل خصم بقوله

{فالذين كفروا} وهو فصل الخصومة المعنى بقوله أن اللّه يفصل بينهم يوم القيامة

{قطعت لهم ثياب من نار} كأن اللّه يقدر لهم نيرانا على مقادير جثتهم تشتمل عليه كما نقطع الثياب الملبوسة واختير لفظ الماضي لأنه كائن لا محالة فهو كالثابت المتحقق

{يصب من فوق رؤوسهم الحميم} بكسر الهاء والميم بصرى وبضمهما حمزة وعلى منه نقطة على جبال الدنيا لاذابتها

٢٠

{يصهر} يذاب

{به} بالحميم

{ما في بطونهم والجلود} أي يذيب أمعاءهم واحشاءهم كما يذيب جلودهم فيؤثر في الظاهر والباطن

٢١

{ولهم مقامع} سياط مختصة بهم

{من حديد} يضربون بها

٢٢

{كلما أرادوا أن يخرجوا منها} من النار

{من غم} بدل الاشتمال من منها بإعادة الجار أو الأولى لابتداء الغابة والثانية بمعنى من أجل يعني كلما ارادوا الخروج من النار من أجل غم يلحقهم فخرجوا

{أعيدوا فيها} بالمقامع ومعنى الخروج عند الحسن ان النار تضربهم بلهبها فتلقيهم إلى أعلاها فضربوا بالمقامع فهووا فيهما سبعين خريفا والمراد اعادتهم إلى معظم النار لا أنه ينفصلون عنها بالكلية ثم يعودون إليها

{وذوقوا} أي وقيل لهم ذوقوا

{عذاب الحريق} هو الغلبظ من النار المنتشر العظيم الاهلاك ثم ذكر جزاء الخصم الآخر فقال

٢٣

{إن اللّه يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور} جمع اسورة جمع سوار

{من ذهب ولؤلؤا} بالنصب مدني وعاصم وعلى ويؤتون لؤلؤا وبالجر غيرهم عطفا على من ذهب وبترك الهمزة الأولى في كل القرآن أبو بكر وحماد

{ولباسهم فيها حرير} ابريسم

٢٤

{وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد} أي ارشد هؤلاء في الدنيا إلى كلمة التوحيد وإلى صراط الحميد أي الإسلام أو هداهم اللّه في الآخرة الهمهم أن يقولوا الحمد للّه الذي صدقنا وعده وهداهم إلى طريق الجنة والحميد اللّه المحمود بكل لسان

٢٥

{إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل اللّه} أي يمنعون عن الدخول في الإسلام ويصدون حال من فاعل كفروا أي وهم يصدون أي الصدود منهم دائم متسمر كما يقال فلان يحسن إلى الفقراء فإنه يراد به استمرار وجود الاحسان منه في الحال والاستقبال

{والمسجد الحرام} أي ويصدون عن المسجد الحرام والدخول فيه

{الذي جعلناه للناس} مطلقا من غير فرق بين حاضر وباد فإن أريد بالمسجد الحرام مكة ففيه دليل على أنه لا تباع دور مكة وأن أريد به البيت فالمعنى أنه قلة لجميع الناس سواء بالنصب حفص مفعول ثان لجلناه أي جعلناه مستويا

{العاكف فيه والباد} وغير المقيم بالياء مكي وافقه أبو عمرو في الوصل وغيره بالرفع على أنه خير والمبتدأ مؤخر أي العاكف فيه والباد سواء والجملة مفعول ثان وللناس حال

{ومن يرد فيه} في المسجد الحرام

{بإلحاد بظلم} حالان مترادفان ومفعول يرد متروك ليتناول كل متناول كأنه قال ومن يرد فيه مرادا ما عادلا عن القصد ظالما فالالحاد العدول عن القصد

{نذقه من عذاب أليم}

٢٦

وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا} عذاب أليم فى الآخرة وخبران محذوف لدلالة جواب الشرط عليه تقديره ان الذين كفروا ويصدون عن المسجد الحرام نذيقهم من عذاب أليم وكل من ارتكب فيه ذنبا فهو كذلك

{وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت} واذكر يا محمد حين جعلنا لابراهيم مكان البيت مباءة أى مرجعا يرجع اليه للعمارة والعبادة وقد رفع البيت إلى السماء أيام الطوفان وكان من ياقوتة حمراء فاعلم اللّه إبراهيم مكانه بريح أرسلها فكنست مكان البيت فبناه على أسه القديم

{إن} هى المفسرة للقول المقدر أى قائلين له

{لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي} من الاصنام والاقذار وبفتح الياء مدنى وحفص

{للطائفين} لمن يطوف به

{والقائمين} والمقيمين بمكة

{والركع السجود} المصلين جمع راكع وساجد

٢٧

{وأذن في الناس بالحج} ناد فيهم والحج هو القصد البليغ إلى مقصد منيع وروى أنه صعد أبا قبيس فقال يا أيها الناس حجوا بيت ربكم فأجاب من قدر له أن يحج من الاصلاب والارحام بلبيك اللّهم لبيك وعن الحسن أنه خطاب لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أمر أن يفعل ذلك فى حجة الوداع والأول أظهر وجواب الأمر

{يأتوك رجالا} مشاة وجمع راجل كقائم وقيام

{وعلى كل ضامر} حال معطوفة على رجال كأنه قال رجالا وركبانا والضامر البعير المهزول وقدم الرجال على الركبان اظهارا لفضيلة المشاة كما ورد فى الحديث

{يأتين} صفة لكل ضامر لأنه فى معنى الجمع وقرأ عبداللّه يأتون صفة للرجال والركبان

{من كل فج} طريق

{عميق} بعيد قال محمد بن ياسين قال لى شيخ فى الطواف من أين أنت فقلت من خراسان قال كم بينكم وبين البيت قلت مسيرة شهرين أو ثلاثة قال فأنتم جيران البيت فقلت أنت من أين جئت قال من مسيرة خمس سنوات وخرجت وأنا شاب فأكتهلت قلت واللّه هذه الطاعة الجميلة والمحبة الصادقة فقال

زر من هويت وان شطت بك الدار  وحال من دونه حجب وأستار

لا يمنعنك بعد عن زيارته  ان المحب لمن يهواه زوار

٢٨

وللام فى {ليشهدوا} ليحضروا معلق بأذن أو بيأتوك

{منافع لهم} نكرها لأنه أراد منافع مختصة بهذه العبادة دينية ودنيوية لا توجد فى غيرها من العبادة وهذا لأن العبادة شرعت للابتلاء بالنفس كالصلاة والصوم أو بالمال كالزكاة وقد اشتمل الحج عليهما مع ما فيه من تحمل الاثقال وركوب الأهوال وخلع الأسباب وقطيعة الأصحاب وهجر البلاد والأوطان وفرقة الأولاد والخلان والتنبيه على ما يستمر عليه إذا انتقل من دار الفناء إلى دار البقاء فالحج

{ويذكروا اسم اللّه في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام} إذا دخل البادية لا يتكل فيها الا على عتاده ولا يأكل الا من زاده فكذا المرء إذا خرج من شاطئ الحياة وركب بحر الوفاة لاينفع وحدته الا ما سعى فى معاشه لمعاده ولا يؤنس وحشته الا ما كان يأنس به من أوراده وغسل من يحرم وتأهبه ولبسه غير المخيط وتطيبه مرآة لما سيأتى عليه من وضعه على سريره لغسله وتجهيزه مطيبا بالحنوط ملففا فى كفن غير مخيط ثم المحرم يكون أشعث حيران فكذا يوم الحشر يخرج من القبر لهفان ووقوف الحجيج بعرفات آملين رغبا ورهبا سائلين خوفا وطمعا وهم من بين مقبول ومخذول كموقف العرصات لا تكلم نفس إلا باذنه فمنهم شقى وسعيد والافاضة إلى المزدلفة بالمساء هو السوق لفصل القضاء ومنى هو موقف المنى للمذنبين إلى شفاعة الشافعين وحلق الرأس والتنظيف كالخروج من السيئات بالرحمة والتخفيف والبيت الحرم الذى من دخله كان آمنا من الايذاء والقتال انموذج لدار السلام التى هى من نزلها بقى سالما من الفناء والزوال غير ان الجنة حفت بمكارة النفس العادية كما أن الكعبة حفت بمتالف البادية فمرحبا بمن جاوز مهالك البوادى شوقا إلى اللقاء يوم التنادى

{ويذكروا اسم اللّه} عند الذبح

{في أيام معلومات} هى عشر ذى الحجة عند ابى حنيفة رحمه اللّه وآخرها يوم النحر وهو قول ابن عباس رضى اللّه عنهما وأكثر المفسرين رحمهم اللّه وعند صاحبيه هى أيام النحر وهو قول ابن عمر رضى اللّه عنهما

{على ما رزقهم من بهيمة الأنعام} أى على ذبحه وهو يؤيد قولهما والبهيمة فى كل ذات أربع فى البر والبحر فبيتت بالأنعام وهى الابل والبقر والضأن والمعز

{فكلوا منها} من لحومها والأمر للاباحة ويجوز الأكل من هدى التطوع والمتعة والقران لأنه دم نسك فاشبه الاضحية ولا يجوز الأكل من بقية الهدايا

{وأطعموا البائس} الذى أصابه بؤس أى شدة

{الفقير} الذى أضعفه الاعسار

٢٩

{ثم ليقضوا تفثهم} ثم ليزيلوا عنهم أدرانهم كذا قاله نفطويه قيل قضاء التفث قص الشارب والأظافر ونتف الابط والاستحداد والتفث الوسخ والمراد قضاء ازالة التفث وقال ابن عمر وابن عباس رضى اللّه عنهما قضاء التفث مناسك الحج كلها

{وليوفوا نذورهم} مواجب حجهم والعرب تقول لكل من خرج عما وجب عليه وفى بنذره وان لم ينذر أو ما ينذرونه من أعمال البر فى حجهم وليوفوا بسكون اللام والتشديد ابو بكر

{وليطوفوا} طواف الزيارة الذى هو ركن الحج ويقع به تمام التحلل اللامات الثلاث ساكنة عند غير ابن عياش وأبى عمرو

{بالبيت العتيق} القديم لأنه أول بيت يوضع للناس بناه آدم ثم جدده ابراهيم أو الكريم ومنه عتاق الخيل لكرائمها وعتاق الرقيق لخروجه من ذل العبودية إلى كرم الحرية أو لأنه أعتق من الغرق لأنه رفع زمن الطوفان أو من أيدى الجبابرة كم من جبار سار اليه ليهدمه فمنعه اللّه أو من أيدى الملاك فلم يملك قط وهو مطاف أهل الغبراء كما أن العرش مطاف أهل السماء فان الطالب إذا هاجته

٣٠

{ذلك ومن يعظم حرمات اللّه فهو خير له عند ربه وأحلت لكم الأنعام} معية الطرب وجذبته جواذب الطلب جعل يقطع مناكب الأرض مراحل ويتخذ مسالك المهالك منازل فاذا عاين البيت لم يزده التسلى به الا اشتياقا ولم يفده التشفى باستلام الحجر الا احتراقا فيرده الاسف لهفان ويردده اللّهف حوله فى الدوران وطواف الزيارة آخره فرائض الحج الثلاث وأولها الاحرام وهو عقد الالتزام يشبه الاعتصام بعروة الاسلام حتى لا يرتفض بارتكاب ما هو محظور فيه ويبقى عقده مع ما يفسده وينافيه كما أن عقد الإسلام لا ينحل بازدحام الآثار وترتفع ألف حوبة بتوبة وثانيا الوقوف بعرفات بسمة الابتهال وصدق الاعتزال عن دفع الاتكال على مراتب الأعمال وشواهد الأحوال

{ذلك} خبر مبتدأ محذوف أى الأمر ذلك أو تقديره ليفعلوا ذلك

{ومن يعظم حرمات اللّه} الحرمة ما لا يحل هنكه وجميع ما كلفه اللّه عز وجل بهذه الصفة من مناسك الحج وغيرهما فيحتمل أن يكون عاما فى جميع تكاليفه ويحتمل أن يكون خاصا بما يتعلق بالحج وقيل حرمات اللّه البيت الحرام والمشعر الحرام والشهر الحرام والبلد الحرام والمسجد الحرام

{فهو} أى التعظيم

{خير له عند ربه} ومعنى التعظيم العلم بأنها واجبة المراعاة والحفظ والقيام بمراعاتها

{وأحلت لكم الأنعام} أى كلها

{إلا ما يتلى عليكم} آية تحريمه وذلك قوله حرمت عليكم الميتة الآية والمعنى أن اللّه تعالى أحل لكم الأنعام كلها الا ما بين فى كتابه فحافظوا على حدوده ولا تحرموا شيئا مما أحل كتحريم البعض البحيرة ونحوها ولا تحلوا مما حرم كاحلات لهم أكل الموقوذة والميتة وغيرهما ولما حث على تعظيم حرماته أتبعه الامر باجتناب الاوثان وقول الزور بقوله

{فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور} لأن ذلك من أعظم الحرمات واسبقها خطوا ومن الاوثان بيان للرجس مبهم يتناول غير شئ كانه قيل فاجتنبوا الرجس الذى هو الاوثان وسمى الأوثان رجسا على طريقة التشبيه يعنى أنكم تنفرون بطباعكم عن الرجس فعليكم أن تنفروا عنها وجمع بين الشرك وقول الزور أى الكذب والبهتان أو شهادة الزور وهو من الزور وهو الانحراف لأن الشرك من باب الزور إذ المشرك زاعم ان الوثن يحق له العبادة

٣١

{حنفاء للّه} مسلمين

{غير مشركين به} حال كحنفاء

{ومن يشرك باللّه فكأنما خر} سقط

{من السماء} إلى الأرض

{فتخطفه الطير} أى تسلبه بسرعة فتخطفه أى تتخطفه مدنى

{أو تهوي به الريح} أى تسقطه والهوى السقوط

{في مكان سحيق} بعيد يجوز أن يكون هذا تشبيها مركبا ويجوز أن يكون مفرقا فان كان تشبيها مركبا فكانه قال من أشرك باللّه فقد أهلك نفسه أهلا كاليس بعده بأن صور حاله بصورة حال من خر من السماء فاختطفته الطير فتفرق قطعا فى حواصلها أو عصفت به الريح حتى هوت به فى بعض المهالك البعيدة وان كان مفرقا فقد شبه الإيمان فى علوه بالسماء والذى أشرك باللّه بالساقط من السماء والاهواء المردية بالطير المختلفة والشيطان الذى هو يوقعه فى الضلال بالريح التى تهوى بما عصفت به فى بعض المهاوى المتلفة

٣٢

{ذلك} أى الأمر ذلك

{ومن يعظم شعائر اللّه} تعظيم الشعائر وهى الهدايا لانها من معالم الحج ان يختارها عظام الاجرام حسانا سمانا غالية الأثمان

{فإنها من تقوى القلوب} أى فان تعظيمها من أفعال ذوى تقوى القلوب فحذفت هذه المضافات وإنما ذكرت القلوب لانها مراكز التقوى

٣٣

{لكم فيها منافع} من الركوب عند الحاجة وشرب البانها عند الضرورة

{إلى أجل مسمى} إلى أن تنحر

{ثم محلها} أى وقت وجوب نحرها منتهيه

{إلى البيت العتيق} والمراد نحرها فى الحرم الذى هو فى حكم البيت إذا لحرم حريم البيت ومثله فى الاتساع قولك بلغت البلد العتيق يأباه

٣٤

{ولكل أمة} جماعة مؤمنة قبلكم

{جعلنا منسكا} حيث كان بكسر السين بمعنى الموضع على وحمزة أى موضع قربان وغيرهما بالفتح على المصدر أى إراقة الدماء وذبح القرابين

{ليذكروا اسم اللّه} دون غيره

{ما رزقهم من بهيمة الأنعام} أى عند نحرها وذبحها

{فإلهكم إله واحد} أى اذكروا على الذبح اسم اللّه وحده فإن الهكم إله واحد وفيه دليل على أن ذكر اسم اللّه شرط الذبح يعنى أن اللّه تعالى شرع لكل أمة أن ينسكوا له أى يذبحوا له على وجه التقرب وجعل القلة فى ذلك أن يذكر اسمه تقدمت أسماؤه على النسائك وقوله

{فله أسلموا} أى أخلصوا له الذكر خاصة واجعلوه له سالما أى خالصا لا تشوبوه باشراك

{وبشر المخبتين} المطمئنين بذكر اللّه أوالمتواضعين الخاشعين من الخبث وهو المطمئن من الأرض وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما الذى لا يظلمون وإذا ظلموا لم ينتصروا وقيل تفسيره ما بعده أى

٣٥

{الذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم} خافت منه هيبة

{والصابرين على ما أصابهم} من المحن والمصائب

{والمقيمي الصلاة} فى أوقاتها

{ومما رزقناهم ينفقون} يتصدقون

٣٦

{والبدن} جمع بدنة سميت لعظم بدنها وفى الشريعة يتناول الابل والبقر وقرئ برفعها وهو كقوله والقمر قدرناه

{جعلناها لكم من شعائر اللّه} أى من أعلام الشريعة التى شرعها اللّه وإضافتها إلى اسمه تعظيم لها ومن شعائر اللّه ثانى مفعولى جعلنا

{لكم فيها خير} النفع فى الدنيا والأجر فى العقبى

{فاذكروا اسم اللّه عليها} عند نحرها

{صواف} حال من الهاء أى قائمات قد صففن ايديهن وأرجلهن

{فإذا وجبت جنوبها} وجوب الجنوب وقوعها على الأرض من وجب الحائط وجبة إذا سقط أى إذا سقطت جنوبها على الأرض بعد نحرها وسكنت حركتها

{فكلوا منها} ان شئتم

{وأطعموا القانع} السائل من قنعت إليه إذا خضعت له وسألته قنوعا

{والمعتر} الذى يريك نفسه ويتعرض ولا يسأل وقيل القانع الراضى بما عنده وبما يعطى من غير سؤال من قنعت قنعا وقناعة والمعتر المتعرض للسؤال

{كذلك سخرناها لكم} أى كما أمرناكم بنحرها لكم أو هو كقوله ذلك ومن يعظم ثم استأنف فقال سخرناها لكم أى ذللناها لكم مع قوتها وعظم أجرامها لتتمكنوا من نحرها

{لعلكم تشكرون} لكى تشكروا انعام اللّه عليكم

٣٧

{لن ينال اللّه لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم} أى لن يتقبل اللّه اللحوم والدماء ولكن يتقبل التقوى أو لن يصيب رضا اللّه اللحوم المتصدق بها ولا الدماء المراقة بالنحر والمراد أصحاب اللحوم والدماء والمعنى لن يرضى المضحكون والمقربون ربهم إلا بمراعاة النية والاخلاص ورعاية شروط التقوى وقيل كان أهل الجاهلية إذا نحروا الابل نضحوا الدماء حول البيت ولطخوه بالدم فلما حج المسلمون أرادوا مثل ذلك فنزلت

{كذلك سخرها لكم} أى البدن

{لتكبروا اللّه} لتسموا اللّه عند الذبح أو لتعظموا اللّه

{على ما هداكم} على ما أرشدكم إلى

{وبشر المحسنين} الممثلين أوامره بالثواب

٣٨

{إن اللّه يدافع} مكى وبصرى وغيرهما يدافع أى يبالغ فى الدفع عنهم

{عن الذين آمنوا} أى يدفع غائلة المشرين عن المؤمنين ونحوه انا لننصر رسلنا والذين آمنوا ثم علل ذلك بقوله

{إن اللّه لا يحب كل خوان} فى أمانة اللّه

{كفورا} لنعمة اللّه أى لأنه لايحب أضدادهم وهم الخونة الذين يخونون اللّه والرسول ويخونون أماناتهم ويكفرون بنعم اللّه ويغمطونها

٣٩

{آذن} مدنى وبصرى وعاصم

{للذين يقاتلون} بفتح التاء مدنى وشامى وحفص والمعنى أذن لهم فى القتال فحذف المأذون فيه لدلالة يقاتلون عليه

{بأنهم ظلموا} بسبب كونهم مظلومين وهم أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان مشركوا مكة يؤذونهم أذى شديدا وكانوا يأتون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من بين مضروب إليه فيقول لهم اصبروا فإنى لم أومر بالقتال حتى هاجر فأنزلت هذه الآية أذن فيها بالقتال بعد ما نهى عنه فى نيف وسبعين آية

{وإن اللّه على نصرهم} على نصر المؤمنين

{لقدير} قادر وهو بشارة المؤمنين بالنصرة وهو مثل قوله ان اللّه يدافع عن الذين أمنوا

٤٠

{الذين} فى محل جر بدل من الذين أو نصب بأعنى أو رفع باضمارهم

{أخرجوا من ديارهم} بمكة

{بغير حق إلا أن يقولوا ربنا اللّه} أى بغير موجب سوى التوحيد الذى ينبغى أن يكون موجب التمكن لا موجب الاخراج ومثله هل تنقمون منا إلا أن آمنا باللّه ومحل أن يقولوا جر بدلا من حق والمنعى ما أخرجوا من ديارهم إلا بسبب قولهم

{ولولا دفع اللّه} دفاع مدنى ويعقوب

{الناس بعضهم ببعض لهدمت} وبالتخفيف حجازى

{صوامع وبيع وصلوات ومساجد} أى لولا اظهاره وتسليطه المسلمين على الكافرين بالمجاهدة لا ستولى المشركون على أهل الملل المختلفة فى أزمنتهم وعلى متعبداتهم فهدموها ولم يتركوا للنصارى بيعا ولا للمسلمين مساجد أو لغلب المشركون فى أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم على المسلمين وعلى أهل الكتاب الذين فى ذمتهم وهدموا متعبدات الفريقين وقدم غير المساجد عليها لتقدمها وجودا أو لقربها من التهديم

{يذكر فيها اسم اللّه كثيرا} فى المساجد أو فى جميع ما تقدم

{ولينصرن اللّه من ينصره} أى ينصر دينه وأولياءه

{إن اللّه لقوي} على نصرأوليائه

{عزيز} على انتقام أعدائه

٤١

{الذين} محله نصب بدل من من ينصره أو جر تابع للذين أخرجوا

{إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر} هو اخبار من اللّه عما ستكون عليه سيرة المهاجرين ان مكنهم فى الأرض وبسط لهم فى الدنيا وكيف يقومون بأمر الدين وفيه دليل صحة أمر الخلفاء الراشدين لأن اللّه عز وجل أعطاهم التمكين ونفاذ الأمر مع السيرة العادلة وعن الحسن هم أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم

{وللّه عاقبة الأمور} أى مرجعها إلى حكمه وتقديره وفيه تأكيد لما وعده من اظهار أوليائه وإعلاء كلمتهم

٤٢

{وإن يكذبوك} هذه تسلية لمحمد صلى اللّه عليه وسلم من تكذيب أهل مكة إياه أى لست باوحدى فى التكذيب

{فقد كذبت قبلهم} قبل قومك

{قوم نوح} نوحا

{وعاد} هودا

{وثمود} صالحا

٤٣

{وقوم إبراهيم} إبراهيم

{وقوم لوط} لوطا

٤٤

{وأصحاب مدين} شعيبا

{وكذب موسى} كذبه فرعون والقبط ولم يقل وقوم موسى لأن موسى ما كذبه قومه بنو اسرائيل وإنما كذبه غير قومه أو كأنه قيل بعد ما ذكر تكذيب كل قوم رسولهم وكذب موسى أيضا مع وضوح آياته وظهور معجزاته فما ظنك بغيره

{فأمليت للكافرين} أمهلتهم وأخرت عقوبتهم

{ثم أخذتهم} عاقبتهم على كفرهم

{فكيف كان نكير} انكاري وتعبيري حيث ابدلتهم بالنعم نقما وبالحياة هلاكا وبالعمارة خرابا نكيرى بالياء فى الوصل والوقف يعقوب

٤٥

{فكأين من قرية أهلكناها} أهلكتها بصرى

{وهي ظالمة} حال أى وأهلها مشركون

{فهي خاوية} ساقطة من خوى النجم إذا سقط

{على عروشها} يتعلق بخاوية والمعنى أنها ساقطة على سقوفها أى خرت سقوفها على الأرض ثم تهدمت حيطانها فسقطت فوق السقوف ولا محل لفهى خاوية من الاعراب لأنها معطوفة على أهلكناها وهذا الفعل ليس له محل وهذا إذا جعلنا كأين منصوب المحل على تقدير كثيرا من القرى أهلكناها

{وبئر معطلة} أى متروكة لفقد دلوها ورشائها وفقد تفقدها أو هى عامرة فيها الماء ومعها آلات الاستقاء إلا أنها عطلت أى تركت لا يستقى منها لهلاك أهلها

{وقصر مشيد} مجصص من الشيد الجص أو مرفوع البنيان من شاد البناء رفعه والمعنى كم قرية أهلكناها وكم بئر عطلناها عن سقاتها وقصر مشيد أخليناه عن ساكنيه أى أهلكنا البادية والحاضرة جميعا فخلت القصور عن اربابها والآبار عن واردها والاظهران البئر والقصر على العموم

٤٦

{أفلم يسيروا في الأرض} هذا حث على السفر ليروا مصارع من أهلكم اللّه بكفرهم ويشاهدوا آثارهم فيعتبروا

{فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها} أى يعقلون ما يجب أن يعقل من التوحيد ونحوه ويسمعون ما يجب سماعه من الوحى

{فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} الضمير فى فإنها ضمير القصة أو ضمير مبهم يفسره الابصار أى فما عميت أبصارهم عن الأبصار بل قلوبهم عن الاعتبار ولكل إنسان أربع أعين عينان فى رأسه وعينان فى قلبه فإذا ابصر ما فى القلب وعمى ما فى الرأس لم يضره وان أبصر ما فى الرأس وعمى ما فى القلب لم ينفعه وذكر الصدور لبيان ان محل العلم القلب ولئلا يقال أن القلب يعنى به غير هذا العضو كما يقال القلب لب كل شئ

٤٧

{ويستعجلونك بالعذاب} الآجل استهزاء

{ولن يخلف اللّه وعده} كأنه قال ولم يستعجلونك به كأنهم يجوزون الفوت وإنما يجوز ذلك على ميعاد من يجوز عليه الخلف ولن يخلف اللّه وعده وما وعده ليصيبنهم ولو بعد حين

{وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون} يعدون مكى وكوفى غير عاصم أى كيف يستعجلون بعذاب من يوم واحد من أيام عذابه فى طول ألف سنة من سنيكم لأن أيام الشدائد طوال

٤٨

{وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة} أى وكم من أهل قرية كانوا مثلكم ظالمين قد أنظرتهم حينا

{ثم أخذتها} بالعذاب

{وإلي المصير} أى المرجع إلى فلا يفوتنى شئ وإنما كانت الأولى أى فكأين معطوفة بالفاء وهذه أى وكأين بالواو ولأن الأولى وقعت بدلاعن فكيف كان نكيرو أما هذه فحكمها حكم ما تقدمها من الجملتين المعطوفتين بالواو وهما ولن يخلف اللّه وعده وان يوما عند ربك

٤٩

{قل يا أيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين} وإنما لم يقل بشير ونذير لذكر الفريقين بعده لأن الحديث مسوق إلى المشركين ويا أيها الناس نداءلهم وهم الذين قيل فيهم أفلم يسيروا ووصفوا بالاستعجال وإنما أفحم المؤمنون وثوابهم ليغاظوا أو تقديره نذير مبين وبشير فبشر أولا فقال

٥٠

{فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة} لذنوبهم

{ورزق كريم} اى حسن ثم أنذار فقال

٥١

{والذين سعوا} سعى فى أمر فلان إذا أفسده بسعيه

{في آياتنا} أى القرآن

{معاجزين} حال معجزين حيث كان مكى وأبو عمر ووعاجزه سابقه كأن كل واحد منهما فى طلب اعجاز الآخر عن اللحاق به فإذا سبقه قيل أعجزه وعجزة والمعنى سعوا فى معناها بالفساد من الطعن فيها حيث سموها سحرا وشعرا وأساطير مسابقين فى زعمهم وتقديرهم طامعين أن كيدهم للاسلام يتم لهم

{أولئك أصحاب الجحيم} أى النار الموقدة

٥٢

{وما أرسلنا من قبلك} من لابتداء الغاية

{من رسول} من زائدة لتأكيد النفى

{ولا نبي} هذا دليل بين على ثبوت التغاير بين الرسول والنبى بخلاف ما يقول البعض انهما واحد وسئل النبى صلى اللّه عليه وسلم عن الانبياء فقال مائة الف وأربعة وعشرون ألفا فقيل فكم الرسل منهم فقال ثلثمائة وثلاثة عشر والفرق بينهما أن الرسول من جمع إلى المعجزة الكتاب المنزل عليه والنبى من لم ينزل عليه كتاب وإنما أمر ان يدعو إلى شريعة من قبله وقيل الرسول واضع شرع والنبى حافظ شرع غيره

{إلا إذا تمنى} قرأ قال

تمنى كتاب اللّه أول ليلة   تمنى داود الزبور على رسل

{ألقى الشيطان في أمنيته} تلاوته قالوا انه عليه السلام كان نادى قومه يقرأ والنجم فلما بلغ قوله ومناة الثالثة الأخرى جرى على لسانه تلك الغرانيق العلى وأن شفاعتهن لترتجى ولم يفطن له حتى ادركته العصمة فتنبه عليه وقيل نبهه جبريل عليه السلام فاخبرهم أن ذلك كان من الشيطان وهذا القول غير مرضى لأنه لا يخلو إما أن يتكلم النبى عليه السلام بها عمدا وأه لا يجوز لأنه كفر ولأنه بعث طاعنا للاصنام لا مادحالها أو اجرى الشيطان ذلك على لسان النبى عليه الصلاة والسلام جبرا بحيث لا يقدر على الامتناع منه وهو ممتنع لأن الشيطان لا يقدر على ذلك على لسانه سهوا وغلفة وهو مردود أيضا لأنه لا يجوز مثل هذه الغفلة عليه فى حال تبليغ الوحى ولو جاز ذلك لبطل الاعتماد على قوله ولأنه تعالى قال فى صفة المنزل عليه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وقال انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون فلما بطلت هذه الكلمات متصلا بقراءة النبى صلى اللّه عليه وسلم فوقع عند بعضهم أنه عليه السلام هو الذى تكلم بها فيكون هذا القاء فى قراءة النبى صلى اللّه عليه وسلم وكان الشيطان يتكلم فى زمن النبى عليه السلام ويسمع كلامه فقد روى أنه نادى يوم أحد ألا ان محمدا قد قتل وقال يوم بدر لا غالب لكم اليوم من الناس وأنى جارلكم

{فينسخ اللّه ما يلقي الشيطان} أى يذهب به ويبطله ويخبر أنه من الشيطان

{ثم يحكم اللّه آياته} أى يثبتها ويحفظها من لحوق الزيادة من الشيطان

{واللّه عليم} بما أوحى إلى نبيه وبقصد الشيطان

{حكيم} لا يدعه حتى يكشفه ويزيله ثم ذكر أن ذلك ليفتن اللّه تعالى به قوما بقوله

٥٣

{ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة} محنة وابتلاء

{للذين في قلوبهم مرض} شك ونفاق

{والقاسية قلوبهم} هم المشركون المكذبون فيزدادوا به شكا وظلمة

{وإن الظالمين} أى المنافقين والمشركين وأصله وأنهم فوضع الظاهر موضع الضمير قضاء عليهم بالظلم

{لفي شقاق} خلاف

{بعيد} عن الحق

٥٤

{وليعلم الذين أوتوا العلم} باللّه وبدينه وبالآيات

{أنه} اى القرآن

{الحق من ربك فيؤمنوا به} بالقرآن

{فتخبت} فتطمئن

{له قلوبهم وإن اللّه لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم} فيتأولون ما يتشابه فى الدين بالتأويلات الصحيحة ويطلبون لما أشكل منه المحمل الذى تقتضيه الأصول المحكمة حتى لا تلحقهم حيرة ولا تعتريهم شبهة

٥٥

{ولا يزال الذين كفروا في مرية} شك

{منه} من القرآن أو من الصراط المستقيم

{حتى تأتيهم الساعة بغتة} فجأة

{أو يأتيهم عذاب يوم عقيم} يعنى يوم بدر فهو عقيم عن أن يكون للكافرين فيه فرج أو راحة كالريح العقيم لا تأتى بخير أو شديد لا رحمة فيه أو لا مثل له فى عظم أمره لقتال الملائكة فيه وعن الضحاك أنه يوم القيامة وأن المراد بالساعة مقدماته

٥٦

{الملك يومئذ} أى يوم القيامة والتنوين عوض عن الجملة أى يوم يؤمنون أو يوم تزول مريتهم

{للّه} فلا منازع له فيه

{يحكم بينهم} أى يقضى ثم بين حكمه فيهم بقوله

{فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم}

٥٧

{والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين} ثم خص قوما من الفريق الأول بفضيلة فقال

٥٨

{والذين هاجروا في سبيل اللّه} خرجوا من أوطانهم مجاهدين

{ثم قتلوا} شامي

{أو ماتوا} حتف أنفهم

{ليرزقنهم اللّه رزقا حسنا} قيل: الرزق الحسن الذي لا ينقطع أبداً

{وإن اللّه لهو خير الرازقين} لأنه المخترع للخلق بلا مثال المتكفل للرزق بلا ملال

٥٩

{ليدخلنهم مدخلا} بفتح الميم مدنى والمراد الجنة

{يرضونه} لأن فيها ما تشتهى الأنفس وتلذ الأعين

{وإن اللّه لعليم} باحوال من قضى نحبه مجاهدا وآمال من مات وهو ينتظر معاهدا

{حليم} بامهال من قاتلهم معاندا روى أن طوائف من أصحاب النبى صلى اللّه عليه وسلم قالوا يا نبى اللّه هؤلاء لاذين قتلوا قد علمنا ما أعطاهم اللّه من الخير ونحن نجاهد معك كما جاهدوا فما لنا ان متنا معك فانزل اللّه هاتين الآيتين

٦٠

{ذلك} أى الأمر ذلك وما بعده مستأنف

{ومن عاقب بمثل ما عوقب به} سمى الابتداء بالجزاء عقوبة لملابسته له من حيث أنه سبب وذلك مسبب عنه

{ثم بغي عليه لينصرنه اللّه} أى من جازى بمثل ما فعل به من الظلم ثم ظلم بعد ذلك فحق على اللّه أن ينصره

{إن اللّه لعفو} يمحو آثار الذنوب

{غفور} يستر أنواع العيوب وتقريب الوصفين بسياق الآية أن المعاقب مبعوث من عند اللّه على العفو وترك العقوبة بقوله فمن عفا وأصلح فاجره على اللّه وان تعفوا أقرب للتقوى فحيث لم يؤثر ذلك وانتصر فهو تارك للافضل وهو ضامن لنصره فى الكرة الثانية إذا ترك العفو وانتقم من الباغى وعرض مع ذلك بما كان أولى به من العفو يذكر هاتين الصفتين أو دل بذكر العفو والمغفرة على أنه قادر على العقوبة إذ لا يوصف بالعفو إلا القادر على ضده كما قيل العفو عند القدرة

٦١

{ذلك بأن اللّه يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وأن اللّه سميع بصير} أى ذلك النصر للمظلوم بسبب أنه قادر على ما يشاء ومن آيات قدرته أنه يولج الليل فى النهار ويولج النهار فى الليل أى يزيد من هذا فى ذلك ومن ذلك فى هذا أو بسبب أنه خالق الليل والنهار ومصرفهما فلا يخفى عليه ما يجرى فيهما على أيدى عباده من الخير والشر والبغى والانصاف وأنه سميع لما يقولون ولا يشغله سمع عن سمع وإن اختلفت في النهار الأصوات بفنون اللغات بصير مما يفعلون ولا يستتر عنه شيء بشيء في الليالي وإن توالت وان توالت الظلمان

٦٢

{ذلك بأن اللّه هو الحق وأن ما يدعون} عرقى غير أبى بكر

{من دونه هو الباطل وأن اللّه هو العلي الكبير} أى ذلك الوصف بخلقه الليل والنهار وإحاطته بما يجرى فيهما وإدراكه قولهم وفعلهم بسبب أن اللّه الحق الثابت إلهيته وأن كل ما يدعى إلها دونه باطل الدعوة وأنه لا شئ أعلى منه شانا وأكبر سلطانا

٦٣

{ألم تر أن اللّه أنزل من السماء ماء} مطرا

{فتصبح الأرض مخضرة} بالنبات بعد ما كانت مسودة يابسة وإنما صرف إلى لفظ المضارع ولم يقل فاصبحت ليفيد بقاء أثر المطر زمانا بعد زمان كما تقول أنعم على فلان فاروح وأغدو شاكرا له ولو نصب لبطل الغرض وهذا لأن معناه إثبات الاخضرار فينقلب بالنصب جوابا للاستفهام لأنه لو نصب لبطل الغرض وهذا لأن معناه إثبات الاخضرار فينقلب بالنصب إلى نفى الاخضرار كما تقول لصاحبك ألم تر أنى أنعمت عليك فتشكر ان نصبته نفيت شكره وشكوت من تفريطه فيه وان رفعته أثبت شكره

{إن اللّه لطيف} وأصل عمله أو فضله إلى كل شئ

{خبير} بمصالح الخلق ومنافعهم أو اللطيف المختص بدقيق التدبير الخبير المحيط بكر قليل وكثير

٦٤

{له ما في السماوات وما في الأرض} ملكا وملكا

{وإن اللّه لهو الغني} المستغنى بكمال

{الحميد}

٦٥

{ألم تر أن اللّه سخر لكم ما في الأرض} قدرته بعد فناء ما فى السموات وما فى الأ رض

{الحميد} المحمود بنعمته قبل ثناء من فىالسموات ومن فى الأرض

{ألم تر أن اللّه سخر لكم ما في الأرض} من البهائم مذللة للركوب فى البر

{والفلك تجري في البحر بأمره} أى ومن المراكب جارية فى البحر ونصب الفلك عطفا على ما وتجرى حالها أى وسخر لكم الفلك فى حال جريها

{ويمسك السماء أن تقع على الأرض} أى يحفظها من أن تقع

{إلا بإذنه} بأمره أو بمشيئته

{إن اللّه بالناس لرؤوف} بتسخير ما فى الأرض

{رحيم} بامساك السماء لئلا تقع على الأرض عدد آلاءه مقرونة بأسمائه ليشكروه على آلائه ويذكروه باسمائه وعن ابى حنيفة رحمه اللّه أن اسم اللّه الاعظم فى الآيات الثمانية يستجاب لقارئها ألبتة

٦٦

{وهو الذي أحياكم} فى أرحام أمهاتكم

{ثم يميتكم} عند انقضاء آجالكم

{ثم يحييكم} لايصال جزائكم

{إن الإنسان لكفور} لجحود لما أفاض عليه من ضروب النعم ودفع عنه من صنوف النقم أو لا يعرف نعمة الإنشاء المبدئ للوجود ولا الافناء المقرب إلى الموعود ولا الاحياء الموصل إلى المقصود

٦٧

{لكل أمة} أهل دين

{جعلنا منسكا} من بيانه وهو رد لقول من يقول ان الذبح ليس بشريعة اللّه إذ هو شريعة كل أمة

{هم ناسكوه} عاملون به

{فلا ينازعنك} فلا يجادلنك والمعنى فلا تلتفت إلى قولهم ولا تمكنهم من أن ينازعوك

{في الأمر} أمر الذبائح أو الدين نزلت حين قال المشركون للمسلمين ما لكم تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتله اللّه يعنى الميتة

{وادع} الناس

{إلى ربك} إلى عبادة ربك

{إنك لعلى هدى مستقيم} طريق قويم ولم يذكرا لوا وفى لكل أمة بخلاف ما تقدم لان تلك وقعت مع أباعد عن معناها فلم تجد معطفا

٦٨

{وإن جادلوك} مراء وتعنتا كما يفعله السفهاء بعد اجتهادك أن لا يكون بينكم وبينهم تنازع وجدال

{فقل اللّه أعلم بما تعملون} أى فلا تجادلهم وادفعهم بهذا القول والمعنى أن اللّه أعلم بأعمالكم وما تستحقون عليها من الجزاء فهو مجازيكم به وهذا وعيد وانذار ولكن برفق ولين وتأديب يجاب به كل متعنت

٦٩

{اللّه يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون} هذا خطاب من اللّه للمؤمنين والكافرين أى يفصل بينكم بالثواب والعقاب ومسلاة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مما كان يلقى منهم

٧٠

{ألم تعلم أن اللّه يعلم ما في السماء والأرض} أى كيف يخفى عليه ما تعملون ومعلوم عند العلماء باللّه أنه يعلم كل ما يحدث فى السموات والأرض

{إن ذلك} الموجود فيهما

{في كتاب} فى اللوح المحفوظ

{إن ذلك على اللّه يسير} أى علمه بجميع ذلك عليه يسير ثم أشار إلى جهالة الكفار لعبادتهم غير المستحق لها بقوله

٧١

{ويعبدون من دون اللّه ما لم ينزل به} ينزل مكى وبصرى

{سلطانا} حجة وبرهانا

{وما ليس لهم به علم} أى لم يتمسكوا فى عبادتهم لها ببرهان سماوى من جهة الوحى ولا حملهم عليها دليل عقلى

{وما للظالمين من أنصار} وما الذين ارتكبوا مثل هذا الظلم من أحد ينصرهم ويصوب مذهبهم

٧٢

{وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات} يعنى القرآن

{تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر} الانكار بالعبوس والكراهة والمنكر مصدر

{يكادون يسطون} يبطشون والسطو الوثب والبطش

{بالذين يتلون عليهم آياتنا} هم النبى صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه

{قل أفأنبئكم بشر من ذلكم} من غيظكم على التالين وسطوكم عليهم أو مما أصابكم من الكراهة والضجر بسبب ما تلى عليكم

{النار} خبر مبتدأ محذوف كأن قائلا قال ما هو فقيل النار أى هو النار

{وعدها اللّه الذين كفروا} استئناف كلام

{وبئس المصير} النار ولما كانت دعواهم بأن اللّه تعالى شريكا جارية فى الغرابة والشهرة مجرى الامثال المسيرى قال اللّه تعالى

٧٣

{يا أيها الناس ضرب} بين

{مثل فاستمعوا له} لضرب هذا المثل

{إن الذين تدعون} يدعون سهل ويعقوب

{من دون اللّه} آلهة باطلة

{لن يخلقوا ذبابا} لن لتأكيد نفى المستقبل وتأكيده هنا للدلالة على أن خلق الذباب منهم مستحيل كأنه قال محال أن يخلقوا وتخصيص الذباب لمهانته وذعفه واستقداره وسمى ذبابا لأنه كلما ذب لاستقذاره آب لاستكباره

{ولو اجتمعوا له} لخلق الذباب ومحله النصب على الحال كانه قيل مستحيل منهم أن يخلقوا الذباب مشروطا عليهم اجتماعهم جميعا لخلقه وتعاونهم عليه وهذا من أبلغ ما أنزل فى تجهيل قريش حيث وصفوا بالإلهية التى تقتضى الاقتدار على المقدورات كلها والاحاطة بالمعلومات عن آخرها صورا وتماثيل يستحيل منها ان تقدر على أقل ما خلقه اللّه تعالى واذله ولو اجتمعوا لذلك

{وإن يسلبهم الذباب شيئا} ثانى مفعولى يسلبهم

{لا يستنقذوه منه} أى هذا الخلق الاقل الأذل لو أختطف منهم شيئا فاجتمعوا على أن يستخلصوه منه لم يقدروا عن ابن عباس رضى اللّه عنهما انهم كانوا يطلونها بالزعفران ورءوسها بالعسل فإذا سلبه الذباب عجز الاصنام عن أخذه

{ضعف الطالب} أى الصنم بطلب ما سلب منه

{والمطلوب} الذباب بما سلب وهذا كالتسوية بينهم وبين الذباب فى الضعف ولو حققت وجدت الطالب أضعف وأضعف فإن الذباب حيوان وهو جماد وهو غالب وذاك مغلوب

٧٤

{ما قدروا اللّه حق} ما عرفوه حق معرفته حيث جعلوا هذا الصنم الضعيف شريكا له

{إن اللّه لقوي عزيز} أى إن اللّه قادر وغالب فكيف يتخذ العاجز المغلوب شبيها به أو لقوى بنصر أوليائه عزيز ينتقم من أعدائه

٧٥

{اللّه يصطفي} يختار

{من الملائكة رسلا} كجبريل وميكائيل واسرافيل وغيرهم

{ومن الناس} رسلا كابراهيم وموسى وعيسى ومحمد وغيرهم عليهم السلام هذا رد لما أنكروه من أن يكون الرسول من البشر وبيان أن رسل اللّه على ضربين ملك وبشر وقيل نزلت حين قالوا أنزل عليه الذكر من بيننا

{إن اللّه سميع} لقولهم

{بصير} بمن يختاره لرسالته أو سميع لاقوال الرسل فيما تقبله العقول بصير باحوال الأمم فى الرد والقبول

٧٦

{يعلم ما بين أيديهم} ما مضى

{وما خلفهم} ما لم يأت أو ما عملوه وما سيعملوه أو أمر الدنيا وأمر الآخرة

{وإلى اللّه ترجع الأمور} أى إليه ترجع الأمور كلها والذى هو بهذه الصفات لا يسأل عما يفعل وليس لاحد أن يعترض عليه فى حكمه وتدابيره واختياره رسله ترجع شامى وحمزة وعلى

٧٧

{يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا} فى صلاتكم وكان أول ما أسلموا يصلون بلا ركوع وسجود فامروا ان تكون صلاتهم بركوع وسجود وفيه دليل على أن الأعمال ليست من الايمان وان هذه السجدة للصلاة لا للتلاوة

{واعبدوا ربكم} واقصدوا بركوعكم وسجودكم وجه اللّه لا الصنم

{وافعلوا الخير} قيل لما كان للذكر مزية على غيره من الطاعات دعا المؤمنين أولا إلى الصلاة التى هى ذكر خالص لقوله تعالى وأقم الصلاة لذكرى ثم إلى العبادة بغير الصلاة كالصوم والحج وغيرهما ثم عم الحث على سائر الخيرات وقيل أريد به صلة الارحام ومكارم الاخلاق

{لعلكم تفلحون} أى كى تفوزوا وافعلوا هذا كله وأنتم راجون للفلاح غير مستيقنين ولا تتكلوا على أعمالكم

٧٨

{وجاهدوا} أمر الغزو أو مجاهدة النفس والهوى وهو الجهاد الأكبر أو هو كلمة حق عند أمير جائر

{في اللّه} أى فى ذات اللّه ومن أجله

{حق جهاده} وهو أن لا يخاف فى اللّه لومة لائم يقال هو حق عالم وجد عالم أى حقا وجدا ومنه حق جهاده وكان القياس حق الجهاد فيه أو حق جهادكم فيه لكن الإضافة تكون بادنى ملابسة واختصاص فلما كان الجهاد مختصا باللّه من حيث أنه مفعول لوجهه ومن أجله صحت اضافته إليه ويجوز أن يتسع فى الظرف كقوله

ويوم شهدنا سليما وعامرا هو

{اجتباكم} اختاركم لدينه ونصرته

{وما جعل عليكم في الدين من حرج} ضيق بل رخص لكم فى جميع ما كلفكم من الطهارة والصلاة والصوم والحج بالتيمم بالايماء وبالقصد والافطار لعذر السفر والمرض وعدم الزاد والراحلة

{ملة أبيكم إبراهيم} أى اتبعوا ملة أبيكم أو نصب على الاختصاص أى أعنى بالدين ملة أبيكم وسماه أبا وإن لم يكن أبا للأمة كلها لأنه أبو رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فكان أبا لأمته لأن أمة الرسول فى حكم أولاده قال عليه السلام إنما أنا لكم مثل الوالد

{هو سماكم المسلمين} أى اللّه بدليل قراءة أبى اللّه سماكم

{من قبل} فى الكتب المتقدمة

{وفي هذا} أى فى القرآن أى فضلكم على سائر الأمم وسماكم بهذا الاسم الأكرم

{ليكون الرسول شهيدا عليكم} أنه قد بلغكم رسالة ربكم

{وتكونوا شهداء على الناس} بتبليغ الرسل رسالات اللّه إليهم وإنما خصكم بهذه الكرامة والاثرة

{فأقيموا الصلاة} بواجباتها

{وآتوا الزكاة} بشرائطها

{واعتصموا باللّه} وثقوا باللّه وتوكلوا عليه لا بالصلاة والزكاة

{هو مولاكم} أى مالككم وناصركم ومتولى أموركم

{فنعم المولى} حيث لم يمنعكم رزقكم بعصيانكم

{ونعم النصير} أى الناصر هو اعانكم على طاعتكم وقد أفلح من هو مولاه وناصره واللّه الموفق للصواب

﴿ ٠