تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م) _________________________________سورة النور سورة النور مدينة وهى ستون واربع آيات بسم اللّه الرحمن الرحيم _________________________________ {سورة} خبر مبتدا محذوف أى هذه سورة {أنزلناها} صفة لها وقرأ طلحة سورة على زيد اضربته أوعلى اتل سورة والسورة الجامعة لجمل آيات بفاتحة لها وخاتمة واشتقاقها من سور المدينة {وفرضناها} أى احكامها التى فيها وأصل الفرض القطع أى جعلناها مقطوعا بها وبالتشديد مكى وأبو عمرو للمبالغة فى الإيجاب وتوكيده أو لأن فيها فرائض شتئ أو لكثرة المفروض عليهم من السلف ومن بعدهم {وأنزلنا فيها آيات بينات} أى دلائل واضحات {لعلكم تذكرون} لكى تتعظوا وبتخفيف الذال حمزة وعلى وخلف وحفص ثم فصل أحكامها فقال ٢{الزانية والزاني} رفعها على الإبتداء والخبر محذوف أى فيما فرض عليكم الزانية والزانى أى {فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين اللّه} جلدهما أو الخبر فاجلدوا ودخلت الفاءلكون الألف واللام بمعنى الذى وتضمينه معنى الشرط وتقديره التى زنت والذى زنى فاجلدوهما كما تقول من زنى فاجلدوه وكقوله والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهما وقرأ عيسى بن عمر بالنصب على إضمار فعل يفسره الظاهر وهو أحسن من سورة أنزلناها لأجل الأمر {فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} الجلد ضرب الجلد وفيه إشارة إلى أنه يبالغ ليصح الألم إلى اللحم والخطاب للأئمة لأن إقامة الحد من الدين وهى على الكل إلا أنهم لا يمكنهم الإجتماع فينوب الإمام منابهم وهذا حكم حر ليس بمحصن إذ حكم المحصن الرجم وشرائط احصان الرجم الحرية والعقل والبلوغ والإسلام والتزوج بنكاح صحيح والدخول وهذا دليل على أن التغريب غير مشروع لأن الفاء إنما يدخل على الجزاء وهو إسم الكافى والتغريب المروى منسوخ بالآية كما نسخ الحبس والأذى فى قوله فأمسكوهن فى البيوت وقوله فآذوهما بهذه الآية {ولا تأخذكم بهما رأفة} أى رحمة والفتح لغة وهى قراءة مكى وقيل الرأفة فى دفع المكروه والرحمة فى إيصال المحبوب والمعنى أن الواجب على المؤمنين أن يتصلبوا فى دين اللّه ولا يأخذهم اللين فى استيفاء حدوده فيعطلوا الحدود أو يخلفوا الضرب {في دين اللّه} أى فى طاعة اللّه أو حكمه {إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر} من باب التهيج وإلهاب الغضب للّه ولدينه وجواب الشرط مضمر أى فاجلدوا ولا تعطلوا الحد {وليشهد عذابهما} وليحضر موضع حدهما وتسمية عذابا دليل على أنه عقوبة {طائفة} فرقة يمكن أن تكون حلقة ليعتبروا وينزجر هو وأقلها ثلاثة أو أربعة وهى صفة غالبة كانها الجماعة الحافة حول شئ وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما أربعة إلى أربعين رجلا {من المؤمنين} من المصدقين باللّه ٣{الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك} أى الخبيث الذى من شأنه الزنا لا يرغب فى نكاح الصوالح من النساء وإنما يرغب فى خبيثة من شكله أو فى مشركة والخبيثة المسافحة كذلك لا يرغب فى نكاحها الصلحاء من الرجال وإنما يرغب فيها من هو من شكلها من الفسقة أوالمشركين فالآية تزهيد فى نكاح البغايا إذ الزنا عديل الشرك فى القبح والإيمان قرين العفاف والتحصن وهو نظير قوله الخبيثات للخبيثين وقيل كان نكاح الزانية محرما فى أول الإسلام ثم نسخ بقوله وانكحوا الأيامى منكم وقيل المراد بالنكاح الوطء لأن غير الزانى يستقذر الزانية ولا يشتهيها وهو صحيح لكنه يؤدى إلى قولك الزانى لا يزنى إلا بزانية والزانية لا يزنى بها إلا زان وسئل صلى اللّه عليه وسلم عمن زنى بامرأة ثم تزوجها فقال أوله سفاح وآخره نكاح ومعنى الجملة صفة الزانى بكونه غير راغب فى العفائف {وحرم ذلك على المؤمنين} ولكن فى الفواجر ومعنى الثانية صفة الزانية بكونها غير مرغوب فيها للاعفاء ولكن للزناة وهما معنيان مختلفان وقدمت الزانية على الزانى أولا ثم قدم عليها ثانيا لأن تلك الآية سبقت لعقوبتها على ما جنيا والمرأة هى المادة التى منها نشأت تلك الجناية لأنها لو لم تطمع الرجل ولم تومض له تمكنه لم يطمع ولم يتمكن فلما كانت أصلا فى ذلك بدئ بذكرها وأما الثانية فمسوقة لذكر النكاح والرجل أصل فيه لأنه الخاطب ومنه بدء الطلب وقرئ لا ينكح بالجزم على معنى أن عادتهما جارية على ذلك وعلى المؤمن أن لا يدخل نفسه تحت هذه العادة ويتصون عنها {وحرم ذلك على المؤمنين} أى الزنا أو نكاح البغايا لقصد التكسب بالزنا أو لما فيه من التشبه بالفساق وحضور مواقع التهمة والتسبب لسوء المقالة فيه والغيبة ومجالسة الخاطئين كم فيها من التعرض لاقتراف الآثام فكيف بمزاوجة الزوانى والقحاب ٤{والذين يرمون المحصنات} وبكسر الصاد على أى يقذفون بالزنا الحرائر والعفائف المسلمات المكلفات والقذف يكون بالزنا وبغيره والمراد هنا قذفهن بالزنا بأن يقول يا زانية لذكر المحصنات عقيب الزوانى ولاشتراط أربعة شهداء بقوله {ثم لم يأتوا بأربعة شهداء} أى ثم لم يأتوا بأربعة شهود يشهدون على الزنا لأن القذف بغير الزنا بأن يقول يا فاسق يا آكل الربا يكفى فيه شاهدان وعليه التعزير وشروط احصان القذف الحرية والعقل والبلوغ والاسلام والعفة عن الزنا والمحصن كالمحصنة فى وجوب حد القذف {فاجلدوهم ثمانين جلدة} إن كان القاذف حرا ونصب ثمانين نصب المصادركما نصب مائة جلدة وجلدة نصب على التمييز {ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا} نكر شهادة فى موضع النفى فتعم كل شهادة ورد الشهادة من الحد عندنا ويتعلق باستيفاء الحد أو بعضه على ما عرف وعند الشافعى رحمه اللّه تعالى يتعلق رد شهادته بنفس القذف فعندنا جزاء الشرط الذى هو الرمى الجلد ورد الشهادة على التأبيد وهو مدة حياتهم {وأولئك هم الفاسقون} كلام مستأنف غير داخل فى حيز جزاء الشرط كأنه حكاية حال الرامين عنداللّه تعالى بعد انقضاء الجملة الشرطية وقوله ٥{إلا الذين تابوا من بعد ذلك} أى القذف {وأصلحوا} أحوالهم استثناء من الفاسقون ويدل عليه { فَإِنَّ ٱللّه غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي يغفر ذنوبهم ويرحمهم. وحق الاستثناء أن يكون منصوباً عندنا لأنه عن موجب، وعند من جعل الاستثناء متعلقاً بالجملة الثانية أن يكون مجروراً بدلاً من «هم» في « لهم » ولما ذكر حكم قذف الأجنبيات بين حكم قذف الزوجات فقال {والذين يرمون أزواجهم} أى يقذفون زوجاتهم بالزنا {ولم يكن لهم شهداء} أى لم يكن لهم على تصديق قولهم من يشهد لهم به {إلا أنفسهم} يرتفع على البدل من شهداء {فشهادة أحدهم أربع} بالرفع كوفى غير أبى بكر على أنه خبر المبتدأ فشهادة أحدهم وعلى هذا خبره محذوف تقديره فواجب شهادة احدهم أربع {شهادات باللّه إنه لمن الصادقين} فيما رماها به من الزنا ٧{والخامسة} لاخلاف فى رفع الخامسة هنا فى المشهور والتقدير والشهادة الخامسة {أن لعنة اللّه عليه} فهى مبتدأ وخبر {إن كان من الكاذبين} فيما رماها به من الزنا ٨{ويدرأ عنها العذاب} ويدفع عنها الحبس وفاعل يدرأ {أن تشهد أربع شهادات باللّه إنه} ان الزوج {لمن الكاذبين} فيما رمانة به من الزنا ٩{والخامسة أن غضب اللّه عليها إن كان} أى الزوج {من الصادقين} فيما رمانى به من الزنا ونصب حفص الخامسة عطفا على أربع شهادات وغيره بالابتداء وأن غضب اللّه خبره وخفف نافع أن لعنة اللّه وأن غضب اللّه بكسر الضاد وهما فى حكم المثقلة وأن غضب اللّه سهل ويعقوب وحفص وجعل الغضب فى جانبها لأن النساء يستعملن اللعن كثيرا كما ورد به الحديث فربما يجترئن على الاقدام لكثرة جرى اللعن علىألسنتهن وسقوط وقوعه عن قلوبهن فذكر الغضب فى جانبهن ليكون رادعا لهن والأصل أن اللعان عندنا شهادات مؤكدات بالايمان مقرونة باللعن قائمة مقام حد القذف فى حقه ومقام حد الزنا فى حقها لأن اللّه تعالى سماه شهادة فإذا قذف الزوج زوجته بالزنا وهما من أهل الشهادة صح اللعان بينهما وإذا التعنا كما بين فى النهر لا تقع الفرقة حتى يفرق القاضى بينهما وعند زفر رحمه اللّه تعالى تقع بتلاعنهما والفرقة تطليقة بائنة وعند أبى يوسف وزفر الشافعى تحريم مؤبد ونزلت آية اللعان فى هلال بن أمية أو عويمر حيث قال وجدت على بطن امرأتى خملة شريك بن سحماء فكذبته فلاعن النبى صلى اللّه عليه وسلم بينهما ١٠{ولولا فضل اللّه} تفضله {عليكم ورحمته} نعمته {وأن اللّه تواب حكيم} جواب لولا محذوف أى لفضحكم أو لعاجلكم بالعقوبة ١١{إن الذين جاؤوا بالإفك} هو أبلغ ما يكون من الكذب والافتراء وأصله الافك وهو القلب لأنه قول مأفوك عن وجهه والمراد ما أفك به على عائشة رضى اللّه عنها قالت عائشة فقدت عقدا فى غزوة بنى المصطلق فتخلفت ولم يعرف خلو الهودج لخفتى فلما ارتحلوا أناخ لى صفوان بن المعطل بعيره وساقه حتى أتاهم بعد ما نزلوا فهلك فى من هلك فاعللت شهرا وكان عليه الصلاة والسلام يسأل كيف أنت ولا أرى منه لطفا كنت أراه حتى عثرت خالة أبى أم مسطح فقالت تعس مسطح فانكرت عليها فاخبرتنى بالافك فلما سمعت ازددت مرضا وبت عند أبوى لا يرقأ لى دمع وما أكتحل بنوم وهما يظنان أن الدمع فالق كبدى حتى قال عليه الصلاة والسلام ابشرى يا حميراء فقد أنزل اللّه براءتك فقلت بحمد اللّه لا بحمدك {عصبة} جماعة من العشرة إلى الأربعين واعصو صبوا اجتمعوا وهم عبداللّه بن أبى رأس النفاق وزيد بن رفاعة وحسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش ومن ساعدهم {منكم} من جماعة المسلمين وهم ظنوا أن الافك وقع من الكفار دون من كان من المؤمنين {لا تحسبوه} أى الافك {شرا لكم} عند اللّه {بل هو خير لكم} لأن اللّه أثابكم عليه وأنزل فى البراءة منه ثمانى عشرة آية والخطاب لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأبى بكر وعائشة وصفوان ومن ساءه ذلك من المؤمنين {لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم} أى على كل امرئ من العصبة جزاء أئمة على مقدار خوضه فيه وكان بعضهم ضحك وبعضهمم تكلم فيه وبعضهم سكت {والذي تولى كبره} أى عظمه عبداللّه بن أبى {منهم} أى من العصبة {له عذاب عظيم} أى جهنم يحكى أن صفوان مر بهودجا عليه وهو فى ملأ من قومه فقال من هذه فقالوا عائشة فقال واللّه ما نجت منه ولا نجا منها ثم وبخ الخائضين فقال ١٢{لولا} هلا {إذ سمعتموه} أى الافك {ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم} بالذين منهم فالمؤمنون كنفس واحدة وهو كقوله ولا تلمزوا أنفسكم {خيرا} عفافا وصلاحا وذلك نحو ما يروى أن عمر رضى اللّه عنه قال لرسول اللّه عليه الصلاة والسلام أنا قاطع بكذب المنافقين لأن اللّه عصمك من وقوع الذباب على جلدك لأنه يقع النجاسات فيتلطخ بها فلما عصمك اللّه من ذلك القدر من الذر فكيف لا يعصمك عن صحبه من تكون متلطخة بمثل هذه الفاحشة وقال عثمان أن اللّه ما أوقع ظلم على الأرض لئلا يضع إنسان قدمه على ذلك الظل فلما لم يمكن أحدا من وضع القدم على ظلك كيف يمكن أحدا من تلويث عرض زوجتك وكذا قال على رضى اللّه عنه أن جبريل أخبرك أن على نعليك قذرا وأمرك باخراج النعل عن رجلك بسبب ما التصق به من القذر فكيف لا يأمرك باخراجها بتقدير أن تكون متلطخة بشئ من الفواحش وروى أن أبا أيوب الأنصارى قال لا مرأته ألا ترين ما يقال فقالت لو كنت بدل صفوان أكنت تظن بحرم رسول اللّه سوأ فقال لا قالت لو كنت أنا بدل عائشة ماخنت رسول اللّه فعائشة خير منى وصفوان خير منك وإنما عدل عن الخطاب إلى الغيبة وعو الضمير إلى الظاهر {وقالوا هذا إفك مبين} ١٣{لولا جاؤوا عليه بأربعة} ولم يقل ظننتم بأنفسكم خيرا وقلتم ليبالغ فى التوبيخ بطريق الالتفات وليدل التصريح بلفظ الإيمان على أن الاشراك فيه يقتضى أن لا يصدق مؤمن على أخيه ولا مؤمنة على أختها قول عائب ولا طاعن وهذا من الأدب الحسن الذى قل القائم به الحافظ له وليتك تجد من يسمع فيسكت ولا يشيع ما سمعه باخوانه {وقالوا هذا إفك مبين} كذب ظاهر لا يليق بهما {لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء} هلا جاؤا على القذف لو كانوا صادقين بأربعة شهداء {فإذ لم يأتوا بالشهداء} الأربعة {فأولئك عند اللّه} أى فى حكمه وشريعته {هم الكاذبون} أى القاذقون لأن اللّه تعالى جعل التفصلة بين الرمى الصادق والكاذب ثبوت شهادة الشهود الاربعة وانتفاؤها والذين رموا عائشة رضى اللّه عنها لم يكن لهم بينة على قولهم فكانوا كاذبين ١٤{ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم} لولا هذه لامتناع الشئ لوجود غيره بخلاف ما تقدم أى ولولا أنى قضيت أن اتفضل عليكم فى الدنيا بضروب النعم التى من جملتها الامهال للتوبة وأن اترحم عليكم فى الآخرة فى العفو والمغفرة لعاجلتكم بالعقاب على ما خضتم فيه من حديث الافك يقال تلقى القول وتلقنه وتلقفه ١٥{ إِذْ } ظرف لـ «مسكم» أو لـ « أفضتم » { تَلَقَّوْنَهُ } يأخذه بعضكم من بعض. يقال تلقى القول وتلقنه وتلقفه {بألسنتكم} أى أن بعضكم كان يقول لبعض هل بلغك حديث عائشة حتى شاع فيما بينهم وانتشر فلم يبق بيت ولا ناد الاطار فيه {وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم} إنما قيد بالافواه مع أنا القول لا يكون إلا بالفم لأن الشئ المعلوم يكون علمه فى القلب ثم يترجم عنه اللسان وهذا الافك ليس إلا قولا يدور فى أفواهكم من غير ترجمة عن علم به فى القلب كقوله يقولون بأفواههم ماليس فى قلوبهم {وتحسبونه} أى خوضكم فى عائشة رضى اللّه عنها {هينا} صغيرة {وهو عند اللّه عظيم} كبيرة جزع بعضهم عند الموت فقيل له فى ذلك فقال أخاف ذنبا لم يكن منى على بال وهو عند اللّه عظيم ١٦{ولولا} وهلا {إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا} فصل بين لولا وقلتم الظرف لأن للظروف شأنا وهو تنزلها من الأشياء منزلة انفسها لوقوعها فيها وأنها لا تنفك عنها فلذا يتسع فيها ما لا يتسع فى غيرها وفائدة تقديم الظرف أنه كان الواجب عليهم أن يتفادوا أول ما سمعوا بالافك عن التكلم به فلما كان ذكر الوقت أهم قدم والمعنى هلا قلتم إذ سمعتم الافك ما يصح لنا أن نتكلم بهذا {سبحانك} للتعجب من عظم الأمر ومعنى التعجب فى كلمة التسبيح أن الأصل ان يسبح اللّه عند رؤبة العجيب من صنائعه ثم كثر حتى استعمل فى كل متعجب منه أو لتنزيه اللّه من أن تكون حرمة نبيه فاجرة وإنما جاز أن تكون امرأة النبى كافرة كامرأة نوح ولوط ولم يجز أن تكون فاجرة لأن النبى مبعوث إلى الكفار ليدعوهم فيجب أن لا يكون معه ما ينفرهم عنه والكفر غير منفر عندهم وأما الكشخنة فمن أعظم المنفرات {هذا بهتان} زوريبهت من يسمع {عظيم} وذكر فيما تقدم هذا افك مبين ويجوز أن يكونوا أمروا بهما مبالغة فى التبرى ١٧{يعظكم اللّه أن تعودوا} فى أن تعودوا {لمثله} لمثل هذا الحديث من القذف أو استماع حديثه {أبدا} مادمتم احياء مكلفين {إن كنتم مؤمنين} فيه تهييج لهم ليتعظوا وتذكير بما يوجب ترك العود وهو الإيمان الصاد عن كل قبيح ١٨{ويبين اللّه لكم الآيات} الدلالات الواضحات وأحكام الشرائع والأداب الجميلة {واللّه عليم} بكم وبأعمالكم {حكيم} يجزى على وفق أعمالكم أو علم صدق نزاهتها وحكم ببراءتها ١٩{إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا} أى ما قبح جدا والمعنى يشيعون الفاحشة عن قصد الإشاعة ومحبة لها {لهم عذاب أليم في الدنيا} بالحد ولقد ضرب النبى صلى اللّه عليه وسلم ابن أبى وحسافا ومسطحا الحد {والآخرة} بالنار وعدها إن لم يتوبوا {واللّه يعلم} بواطن الأمور وسرائر الصدور {وأنتم لا تعلمون} أى أنه قد علم محبة من أحب الإشاعة وهو معاقبه عليها ٢٠{ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته} لعجل لكم العذاب وكرر المنة بترك المعاجلة بالعقاب مع حذف الجواب مبالغة فى المنة عليهم والتوبيخ لهم {وأن اللّه رؤوف} حيث أظهر براءة المقذوف وأثاب {رحيم} بغفرانه جناية القاذف إذا تاب ٢١{يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان} أى آثاره ووساوسه بالاصغاء إلى الافك والقول فيه {ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه} فإن الشيطان {يأمر بالفحشاء} ما أفرط قبحه {والمنكر} ما تنكره النفوس فتنفر عنه ولا ترتضيه {ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا} ولولا أن اللّه {ولكن اللّه يزكي من يشاء واللّه سميع عليم} تفضل عليكم بالتوبة الممحصة لما طهر منكم أحد آخر الدهر من أثم الافك {ولكن اللّه يزكي من يشاء} يطهر التائبين بقبول توبتهم إذا محضوها {واللّه سميع} لقولهم {عليم} بضمائرهم وإخلاصهم ٢٢{ولا يأتل} ولا يحلف من ائتلى إذا حلف افتعال من الالية أولا يقصر من الالو {أولوا الفضل منكم} فى الدين {والسعة} فى الدنيا {أن يؤتوا} إن كان من الألية {أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل اللّه} أى لا يحلفوا على أن لا يحسنوا إلى المستحقين للاحسان أولا يقتصروا فى أن يحسنوا إليهم وإن كانت بينهم وبينهم شحناء لجناية اقترفوها {وليعفوا وليصفحوا} العفو الستر والصفح الاعراض أى ولنجاوزوا عن الجفاء وليعرضوا عن العقوبة {ألا تحبون أن يغفر اللّه لكم} فليفعلوا بهم ما يرجون أن يفعل بهم ربهم مع كثرة خطاياهم {واللّه غفور رحيم} فتأدبوا بأدب اللّه واغفروا وارحموا نزلت فى شأن أبى بكر الصديق رضى اللّه عنه حين حلف أن لا ينفق على مسطح ابن خالته لخوضه فى عائشة رضى اللّه عنها وكان مسكينا بدريا مهاجرا ولما قرأها النبى صلى اللّه عليه وسلم على أبى بكر قال بلى أحب أن يغفر اللّه لى ورد إلى مسطح نفقته ٢٣{إن الذين يرمون المحصنات} العفائف {الغافلات} السليمات الصدور النقيات القلوب اللاتى ليس فيهن دهاء ولا مكر لانهن لم يجربن الأمور {المؤمنات} بما يجب الايمان به عن ابن عباس رضى اللّه عنهما هن أزواجه عليه الصلاة والسلام وقيل هن جميع المؤمنات إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وقيل أريدت عائشة رضى اللّه عنها وحدها وإنما جمع لأن من قذف واحدة من نساء النبى عليه الصلاة والسلام فكأنه قذفهن {لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم} جعل القذفة ملعونين فى الدارين وتوعدهم بالعذاب العظيم فى الآخرة إن لم يتوبوا والعامل فى ٢٤{يوم تشهد عليهم} يعذبون وبالياء جمزة وعلى {ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون} أى بما افكوا أو بهتوا والعامل فى ٢٥{يومئذ يوفيهم اللّه دينهم الحق} بالنصب صفة للدين وهو الجزاء ومعنى الحق الثابت الذى هم أهله وقرأ مجاهد بالرفع صفة كقراءة أبى وفيهم اللّه الحق دينهم وعلى قراءة النصب يجوز أن يكون الحق وصفا للّه بأن ينتصب على المدح {ويعلمون} عند {أن اللّه هو الحق المبين} لارتفاع الشكوك وحصول العلم الضرورى ولم يغلط اللّه تعالى فى القرآن فى شئ من المعاصى تغليظه فى افك عائشة رضى اللّه عنها فأوجز فى ذلك وأشبع وفصل وأجمل وأكد وكرر وما ذلك إلا لأمر وعن ابن عباس رضى اللّه عنه من أذنب ذنبا ثم تاب منه قبلت توبته إلا من خاض أمر عائشة وهذا منه تعظيم ومبالغة فى أمر الافك ولقديرا اللّه تعالى أربعة برأ يوسف عليه السلام بشاهد من أهلها وموسى عليه السلام من قول اليهود فيه بالحجر الذى ذهب بثوبه ومريم رضى اللّه عنها بانطاق ولدها وعائشة رضى اللّه عنها بهذه الآى العظام فى كتابه المعجز المتلو على وجه الدهر بهذه المبالغات فانظركم بينها وبين تبرئة اولئك وما ذلك إلا لا ظهار علو منزلة رسوله والتنبيه على إنافة محله صلى اللّه عليه وسلم وعلى آله ٢٦{الخبيثات} من القول تقال {للخبيثين} من الرجال والسناء {والخبيثون} منهم يتعرضون {للخبيثات} من القول وكذلك {والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرؤون مما يقولون} إشارة إلى الطيبين وأنهم مبرءون مما يقول الخبيثون من خبيثات الكلم وهو كلام جار مجرى المثل لعائشة رضى اللّه عنها وما رميت به من قول لا يطابق حالها فى النزاهة والطيب ويجوز أن يكون إشارة إلى هل البيت وأنهم مبرءون مما يقول أهل الافك وأن يراد بالخبيثات والطيبات النساء الخبائث يتزوجن الخباث والخباث تتزوج الخبائث وكذا أهل الطيب {لهم مغفرة} مستأنف أو خبر بعد خبر {ورزق كريم} فى الجنة ودخل ابن عباس رضى اللّه عنهما على عائشة رضى اللّه عنها فى مرضها وهى خائفة من القدوم على اللّه تعالى فقال لا تخافى لانك لا تقدمين إلا على مغفرة ورزق كريم وتلا الآية فغشى عليها فرحا بما تلا وقالت عائشة رضى اللّه عنها لقد أعطيت تسعا ما أعطيتهن امرأة نزل جبريل بصورتى فى راحته حين امر عليه السلام ورأسه فى حجرى وقبر فى بيتى وينزل عليه الوحى وأنا فى لحافه وأنا ابنة خليفته وصديقه ونزل عذرى من السماء وخلقت طيبة عند طيب ووعدت مغفرة ورزقا كريما وقال حسان متعذرا فى حقها
حصان رزان ما تزن بريبة وتصبح غرثى من لحوم الغوافل حليلة خير الناس دينا ومنصبا نبى الهدى والمكرمات الفواضل عقيلة حى من لؤى بن غالب كرام المساعى مجدها غير زائل مهذبة قد طيب اللّه خيمها وطهرها من كل شين وباطل ٢٧{يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا} {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم} أى بيوتا لستم تملكونها ولا تسكنونها {حتى تستأنسوا} أى تستأذنوا عن ابن عباس رضى اللّه عنهما وقد قرأبه والاستئناس فى الأصل الاستعلام واستكشاف استفعال من أنس الشئ إذا أبصره ظاهرا مكشوفا أى حتى تستعلموا ايطلق لكم الدخول أم لا وذلك بتسبيحة أو بتكبيرة أو بتحميدة أو بتنحنح {وتسلموا على أهلها} والتسليم أن يقول السلام عليكم أأدخل ثلاث مرات فإن أذن له والا رجع وقيل إن تلاقيا يقدم التسليم والا فالاستئذان {ذلكم} أى استئذان والتسليم {خير لكم} من تحية الجاهلية والدمور وهو الدخول بغير إذن فكان الرجل من أهل الجاهلية إذا دخل بيت غيره يقول حييتم صباحا وحييتم مساء ثم يدخل فربما أصاب الرجل مع امرأته فى لحاف واحد {لعلكم تذكرون} أى قيل لكم هذا لكى تذكروا وتتعظوا وتعملوا ما أمرتم به فى باب الاستئذان ٢٨{فإن لم تجدوا فيها} فى البيوت {أحدا} من الآذنين {فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم} حتى تجدوا من يأذن لكم أو فإن لم تجدوا فيها أحدا من أهلها ولكك فيها حاجة فلا تدخلوها إلا بإذن أهلها لأن التصرف فى ملك الغير لا بد من أن يكون برضاه {وإن قيل لكم ارجعوا} أى إذا كان فيه قوم فقالوا ارجعوا {فارجعوا} ولا تلحوا فى إطلاق الإذن ولا تلجوا فى تسهيل الحجاب ولا تقفوا على الأبواب لأن هذا مما يجلب الكراهة فإذا نهى عن ذلك لأدائه إلى الكراهة وجب الانتهاء عن كل ما يؤدى إليها من قرع الباب بعنف والتصييح بصاحب الدار وغير ذلك وعن أبى عبيد ما قرعت بابا على عالم قط {هو أزكى لكم} أى الرجوع أطيب وأطهر لما فيه من سلامة الصدور والبعد عن الريبة أو أنفع وأنمى خيرا {واللّه بما تعملون عليم} وعيد للمخاطبين بأنه عالم بما يأتون وما يذرون مما خوطبوا به فموف جزاءه عليه ٢٩{ليس عليكم جناح أن تدخلوا} فى أن تدخلوا {بيوتا غير مسكونة} استثنى من البيوت التى يجب الاستئذان على داخلها ما ليس بمسكون منها كالخانات والربط وحوانيت النجار {فيها متاع لكم} أى منفعة كالاستكنان من الجر والبرد إيواء الرحال والسلع والشراء والبيع وقيل الخربات يتبرز فيها والمتاع التبرز {واللّه يعلم ما تبدون وما تكتمون} وعيد للذين يدخلون الخربات والدور الخالية من أهل الريبة ٣٠{قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} من للتبعيض والمراد {ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن اللّه خبير بما يصنعون} غض البصر عما يحرم والاقتصار به على ما يحل {ويحفظوا فروجهم} عن الزنا ولم يدخل من هنا لأن الزنا لارخصة فيه بوجه ويجوز النظر إلى وجه الأجنبية وكفها وقدميها فى رواية وإلى رأس المحارم والصدر والساقين والعضدين {ذلك} أى غض البصر وحفظ الفرج {أزكى لهم} أى أطهر من دنس الإثم {إن اللّه خبير بما يصنعون} فيه ترغيب وترهيب يعنى أنه خبير بأحوالهم وأفعالهم وكيف يجيلون أبصارهم يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور فعليهم إذا عرفوا ذلك أن يكونوا منه على تقوى وحذر فى كل حركة وسكون ٣١{وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن} أمر بغض الابصار فال يحل للمرأة أن تنظر من الأجنبى إلى ما تحت سرته إلى ركبتيه وإن اشتهت غضت بصرها رأسا ولا تنظر إلى المرأة إلا إلى مثل ذلك وغض بصرها من الأجانب أصلا أولى بها وإنما قدم غض الابصار على حفظ الفروج لأن النظر بريد الزنا ورائد الفجور فبذر الهوى طموح العين {ولا يبدين زينتهن} الزينة ما تزينت به المرأة من حلى أو كحل أو خضاب والمعنى ولا يظهرن مواضع الزينة إذ إظهار عين الزينة وهى الحلى ونحو مباح فالمراد بها مواضعها أو إظهارها وهى فى مواضعها لاظهار مواضعها لإظهار أعيانها ومواضعها الرأس والأذن والعنق والصدور والعضدان والذراع والساق فهى للاكليل والقرط القلادة والوشاح والدملج والسوار والخلخال {إلا ما ظهر منها} إلا ماجرت العادة والجبلة على ظهوره وهو الوجه والكفان والقدمان ففى سترها حرج بين فإن المرأة لا تجديدا من مزاولة الأشياء بيديها ومن إلى كشف وجهها خصوصا فى الشهادة والمحاكمة والنكاح وتضطر إلى المشى فى الطرقات وظهور قدميها وخاصة الفقيرات منهن {وليضربن} وليضعن من قولك ضربت بيدى على الحائط إذا وضعتها عليه {بخمرهن} جمع خمار {على جيوبهن} بضم الجيم مدنى وبصرى وعاصم كانت جيوبهن واسعة تبدو منها صدورهن وما حواليها وكن يسدلن الخمر من ورائهن فتبقى مكشوفة فأمرن بأن يسدلنها من قدامهن حتى تغطينها {إلا لبعولتهن} لأزواجهن جمع بعل {أو آبائهن} ويدخل فيهم الأجداد {أو آباء بعولتهن} فقد صاروا محارم {أو أبنائهن} ويدخل فيهم النوافل {أو أبناء بعولتهن} فقد صاروا محارم أيضا {أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن} ويدخل فيهم النوافل {أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال} وسائر المحارم كالاعمام والاخوال وغيرهم دلالة {أو نسائهن} أى الحرائر لأن مطلق هذا اللفظ يتناول الحرائر {أو ما ملكت أيمانهن} أي امائهن ولا يحل لعبدها أن ينظر إلى هذه المواضع منها خصيا كان أو عنينا أو فحلا وقال سعيد بن المسيب لا تغرنكم سورة النور فإنها فى الاماء دون الذكور وعن عائشة رضى اللّه عنها أنها أباحت النظر إليها لعبدها {أو التابعين غير} بالنصب شامى ويزيد وأبو بكر على الاستثناء أو الحال وغيرهم بالجر على البدل أو على الوصفية {أولي الإربة} الحاجة إلى النساء قيل هم الذين يتبعونكم ليصيبوا من فضل طعامكم ولا حاجة لهم إلى النساء لانهم بله لا يعرفون شيئا من أمرهن أو شيوخ صلحاء أو العنين أو الخصى أو المخنث وفى الأثر أنه الجبوب والأول الوجه {من الرجال} حال {أو الطفل الذين} هو جنس فصلح أن يراد به الجمع {لم يظهروا على عورات النساء} أى لم يطلعوا لعدم الشهوة من ظهر على الشئ إذا اطلع عليه أو لم يبلغوا أو ان القدرة على الوطء من ظهر على فلان إذا قوى عليه {ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن} كانت المرأة تضرب الأرض برجليها إذا مشت لتسمع قعقعة خلخالها فيعلم أنها ذات خلخال فنهين عن ذلك اذ سماع صوت الزينة كاظهارها ومنه سمى صوت الحلى وسواما {وتوبوا إلى اللّه جميعا أيها المؤمنون} أيه شامى اتباعا للضمة قبلها بعد حذف الالف لالتقاء الساكنين وغيره على فتح الهاء ولأن بعدها ألفافى التقدير {لعلكم تفلحون} العبد لا يخلو عن سهو وتقصير فى أوامره ونواهيه وان اجتهد فلذا وصى المؤمنين جميعا بالتوبة وبتأميل الفلاح إذا تابوا وقيل أحوج الناس إلى التوبة من توهم أنه ليس له حاجة بالتوبة وظاهر الآية يدل على أن العصيان لا ينافى الإيمان ٣٢{وأنكحوا الأيامى منكم} الايامى جمع أيم وهو من لا زوج له رجلا كان أو امرأة بكرا كان أو ثيبا وأصله أيائم فقلبت {والصالحين} أى الخيرين أو المؤمنين والمعنى زوجوا من تأيم منكم من الاحرار والحرائر ومن كان فيه صلاح {من عبادكم وإمائكم} أى من غلمانكم وجواريكم ولامر للندب إذ النكاح مندوب إليه {إن يكونوا فقراء} من المال {يغنيهم اللّه من فضله} بالكفاية والقناعة أو باجتماع الرزقين وفى الحديث التمسوا الرظق بالنكاح وعن عمر رضى اللّه عنه روى مثله {واللّه واسع} غنى ذو سعة لا يرزؤه اغناء الخلائق {عليم} يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وقيل فى الآية دليل على أن تزويج النساء والايامى إلى الاولياء كما أن تزويج العبيد والاماء إلى الموالى قلنا الرجل لا يلى على الرجل الايم إلا باذنه فكذا لا يلى على المرأة إلا باذنها لأن الايم ينتظمهما ٣٣{وليستعفف الذين} ولجتهدوا فى العفة كأن المستعف طالب من نفسه العفاف {لا يجدون نكاحا} استطاعة تزوج من المهر والنفقه {حتى يغنيهم اللّه من فضله} حتى يقدرهم على المهر والنفقة قال عليه الصلاة والسلام يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فانه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء فانظر كيف رتب هذه الأوامر فامر أولا بما يعصم من الفتنة ويبعد عن مواقعة المعصية وهو غض البصر ثم بالنكاح المحصن للدين المغنى عن الاحرام ثم بعزة النفس الامارة بالسوء عن الطموح إلى الشهوة عند العجز عن النكاح إلى أن تقدر عليه {والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم} أى المماليك الذين يطلبون الكتابة فالذين مرفوع بالابتداء أو منصوب بفعل يفسره {فكاتبوهم} وهو للندب ودخلت الفاء لتضمنه معنى الشرط والكتاب والمكاتبة كالعتاب والمعاتبة وهو ان يقول لمملوكه كاتبتك على ألف درهم فان أداها عتق ومعناه كتبت لك على نفسى ان تعتق منى إذا وفيت بالمال وكتبت لى على نفسك أن تفى بذلك أو كتبت عليك الوفاء بالمال وكتبت على العتق ويجوز حالا ومؤجلا ومنجما وغير منجم لاطلاق الأمر {إن علمتم فيهم خيرا} قدرة على الكسب أو أمانة وديانه والندبية معلقة بهذا الشرط {وآتوهم من مال اللّه الذي آتاكم} أمر للمسلمين على وجه الوجوب باعانة المكاتبين واعطائهم سهمهم من الزكاة لقوله تعالى وفى الرقاب وعند الشافعى رحمه اللّه معناه حطوا من بدل الكتابة ربعا وهذا عندنا على وجه الندب والأول الوجه لأن الايتاء هو التمليك فلا يقع على الحط سأل صبيح مولاه حويطبا أن يكاتبه فأبى فنزلت واعلم ان العبيد أربعة قن مقتنى للخدمة ومأذون فى التجارة وكاتب وآبق فمثال الأول ولى العزلة الذى حصل العزلة بايثار الخلوة وترك العشرة والثانى ولى العشيرة فهو نجى الحضرة يخالط الناس للخبرة وينظر اليهم بالعبرة ويأمرهم بالعبرة فهو خليفة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يحكم بحكم اللّه ويأخذ للّه ويعطى فى اللّه ويفهم عن اللّه ويتكلم مع اللّه فالدنيا سوق تجارته والعقل رأس بضاعته والعدل فى الغضب والرضا ميزانه والقصد فى الفقر والغنى عنوانه والعلم مفزعة ومنحاه والقرآن كتاب الإذن من مولاه هو كائن فى الناس بظواهره بائن منهم بسرائره فقد هجرهم فيما له عليم فى اللّه باطنا ثم وصلهم فيما لهم عليه للّه ظاهرا وما هو منهمو بالعيش فيهم ولكن معدن الذهب الرغام يأكل ما يأكلون ويشرب ما يشربون وما يدريهم انه ضيف اللّه يرى السموات والأرض قائمات بامره وكأنه قيل فيه فان تفق الانام وأنت منهم فان المسك بعض دم الغزال فحال ولى العزلة أصفى وأحلى وحال ولى العشرة أو فى وأعلى ونزل الأول من الثانى فى حضرة الرحمن منزلة النديم من الوزير عند السلطان أما النبى عليه الصلاة والسلام فهو كريم الطرفين ومعدن الشذرين ومجمع الحالين ومنبع الزلالين فباطن أحواله مهتدى ولى العزلة وظاهر اعماله مقتدى ولى العشرة والثالث المجاهد المحاسب العامل المطالب بالضرائب كنجوم المكاتب عليه فى اليوم والليلة خمس وفى المائتين درهما خمسة وفى السنة شهر وفى العمر زورة فكأنه اشترى نفسه من ربه بهذه النجوم المرتبة فيسعى فى فكاك رقبته خوفا من البقاء فى ربقة العبودية وطمعا فى فتح باب الحريه ليسرح فى رياض الجنة فيتمتع بمبياه ويفعل ما يشاؤه ويهواه والرابع الاباق فما أكثرهم فمنهم القاضى الجائر والعالم غير العامل والعامل المرائى والواعظ الذى لا يفعل ما يقول ويكون أكثر أقواله الفضول وعلى كل ما لا ينفعه يصول فضلا عن السارق والزانى والغاصب فعنهم أخبر النبى عليه الصلاة والسلام ان اللّه لينصر هذا الدين بقوم لاخلاق لهم فى الآخرة {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء} كان لابن أبى ست جوار معاذة ومسكية وأميمة وعمرة وأروى وقتيلة يكرههن على البغاء وضرب عليهم الضرائب فشكت ثنتان منهن إلى رسول اللّه عليه الصلاة والسلام فنزلت ويكنى بالفتى والفتاة عن العبد والأمة والبغاء الزنا للنساء خاصة وهو مصدر لبغت {إن أردن تحصنا} تعففا عن الزنا وإنما قيده بهذا الشرط لأن الاكراه لا يكون الامع إرادة التحصن فآمر المطيعة للبغاء لا يسمى مكرها ولا أمره اكراها ولانها نزلت على سبب فوقع النهى على تلك الصفة وفيه توبيخ للموالى أى إذا رغبن فى التحصن فأنتم أحق بذلك {لتبتغوا عرض الحياة الدنيا} أى لتبتغوا باكراههن على الزنا أجورهن وأولادهن {ومن يكرههن فإن اللّه من بعد إكراههن غفور رحيم} أى لهن وفى مصحف ابن مسعود كذلك وكان الحسن يقول لهن واللّه لهن واللّه ولعل الاكراه كان دون ما اعتبرته الشريعة وهو الذى يخاف منه التلف فكانت آثمة أولهم إذا تابوا ٣٤{ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات} بفتح الياء حجازى وبصرى وأبو بكر وحماد والمراد الآيات التى بينت فى هذه السورة وأوضحت فى معانى الاحكام والحدود وجاز أن يكون الأصل مبينا فيها فاتسع فى الظرف أى أجرى مجرى المفعول به كقوله ويوم شهدناه وبكسرها غيرهم أى بينت هى الأحكام والحدود جعل الفعل لها مجازا أو من بين يمعنى تبين ومنه المثل قد بين الصبح لذى عينين {ومثلا من الذين خلوا من قبلكم} ومثلا من أمثال من قبلكم أى قصة عجيبة من قصصهم كقصة يوسف ومريم يعنى قصة عائشة رضى اللّه عنها {وموعظة} ما وعظ به من الآيات والمثل من نحو قوله تعالى ولا تأخذكم بهما رأفة فى دين اللّه لولا إذ سمعتموه ولولا إذ سمعتموه يعظكم اللّه أن تعودوا لمثله أبدا {للمتقين} أى هم المنتفعون بها وان كانت موعظة للكل نظير قوله ٣٥{اللّه نور السماوات والأرض} مع قوله مثل نوره ويهدى اللّه لنوره قولك زيد كرم وجود ثم تقول ينعش الناس يكرمه وجوده والمعنى ذو نور السموات ونور السموات والأرض الحق شبهه بالنور فى ظهوره وبيانه كقوله اللّه ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور أى من الباطل إلى الحق وأضاف النور اليهما للدلالة على سعة اشراقه وفشوا إضاءته حتى تصئ له السموات والأرض وجاز أن المراد أهل السموات والأرض وانهم يستضيئون به {مثل نوره} أى صفة نوره العجيبة الشأن فى الاضاءة {كمشكاة} كصفة مشكاة وهى الكوفى فى الجدار غير النافذة {فيها مصباح} أى سراج ضخم ثاقب {المصباح في زجاجة} فى قنديل من زجاج شامى بكسر الزاى {الزجاجة كأنها كوكب دري} مضئ بضم الدال وتشديد الياء منسوب إلى الدرلفرط ضيائه وصفائه وبالكسر والهمزة عمرو وعلى كأنه يدرأ الظلام بضوئه وبالضم والهمزة أبو بكر وحمزة شبه فى زهرته بأحد الكواكب الدرارى كالمشترى والزهرة ونحوهما {يوقد} بالتخفيف حمزة وعلى وأبو بكر الزجاجة ويوقد بالتخفيف شامى ونافع وحفص ويوقد بالتشديد مكى وبصرى أى هذا المصباح {من شجرة} أى ابتداء ثقوبه من زيت شجرة الزيتون يعنى رويت زبالته بزيتها {مباركة} كثيرة المنافع أو لأنها نبتت فى الأرض التى بورك فيها للعالمين وقيل بارك فيها سبعون نبيا منهم إبراهيم عليه السلام {زيتونة} بدل من شجرة نعتها {لا شرقية ولا غربية} أى منبتها الشام يعنى ليست من المشرق ولا من المغرب بل فى الوسط منهما وهو الشام النور ( ٣٧ - ٣٥ ) وأجود الزيتون زيتون الشام وقيل ليست مما تطلع عليه الشمس فى وقت شروقها أو غروبها فقط بل تصيبها بالغداة والعشى جميعا فهى شرقية وغربية {يكاد زيتها} دهنها {يضيء ولو لم تمسسه نار} وصف الزيت بالصفاء والوميض وأنه لتلألؤه يكاد يضئ من غير نار {نور على نور} أى هذا النور الذى شبه به الحق نور متضاعف قد تناصر فيه المشكاة والزجاجة والمصباح والزيت حتى لم تبق بقية مما يقوى النور وهذا لأن المصباح إذا كان فى مكان متضايق كالمشكاة كان أجمع لنوره بخلاف المكان الواسع فان الضوء ينتشر فيه والقنديل أعون شئ على زيادة الانارة وكذلك الزيت وصفاؤه وضرب المثل يكون بدنئ محسوس معهود لا بعلى غير معاين ولا مشهود فأيوتمام لما قال فى المأمون إقدام عمرو فى سماحة حاتم فى حلم أحنف فى ذكاء اياس قيل له إن الخليفة فرق من مثلته بهم فقال مرتجلا لا تنكروا ضربى من دونه مثلا شرودا فى الندى والباس فاللّه قد ضرب الأقل لنوره مثلا من المشكاة والنبراس {يهدي اللّه لنوره} أى لهذا النور الثاقب {من يشاء} من عباده أى يوفق لاصابة الحق من يشاء من عباده بالهام من اللّه أو ينظره فى الدليل {ويضرب اللّه الأمثال للناس} تقريبا إلى افهامهم ليعتبروا فيؤمنوا {واللّه بكل شيء عليم} فيبين كل شئ بما يمكن أن يعلم به وقال ابن عباس رضى اللّه عنه مثل نوره أى نور اللّه الذى هدى به المؤمن وقرأ ابن مسعود رحمه اللّه مثل نوره فى قلب المؤمن كمشكاة وقرأ أبى مثل نور المؤمن ٣٦{في بيوت} يتعلق بمشكاة أى كمشكاة فى بعض بيوت اللّه وهى المساجد كأنه قيل مثل نوره كما يرى فى المسجد له رجال فى بيوت وفيها تكرير فيه توكيد نحو زيد فى الدار جالس فيها أو بمحذوف أى سبحوا فى بيوت {أذن اللّه} أى أمر {أن ترفع} تبنى كقوله بناها رفع سمكها فسواها وإذ يرفع إبراهيم القواعد أو تعظم من الرفعة وعن الحسن ما أمر اللّه أن نرفع بالبناء ولكن بالتعظيم {ويذكر فيها اسمه} يتلى فيها كتابه أو هو عام فى كل ذكر {يسبح له فيها بالغدو والآصال} أى يصلى له فيها بالغداة صلاة الفجر وبالآصال صلاة الظهر والعصر والعشاءين وإنما وحد الغدو لأن صلاته صلاته صلاة واحدة وفى الآصال صلوات والآصال جمع أصل جمع أصيل وهو العشى ٣٧{رجال} فاعل يسبح يسبح شامى وأبو بكر ويسند إلى أحد الظروف الثلاثة أعنى له فيها بالغدو ورجال مرفوع بمادل عليه يسبح أى يسبح له {لا تلهيهم} النور ( ٣٩ - ٣٧ ) لا تشغلهم {تجارة} فى السفر {ولا بيع} فى الحضر وقيل التجارة الشراء اطلاقا لاسم الجنس على النوع أو خص البيع بعد ماعم لأنه أو غل فى الالهاء من الشراء لأن الربح فى البيعة الرابحة متيقن وفى الشراء مظنون {عن ذكر اللّه} باللسان والقلب {وأقام الصلاة} أى عن إقامة الصلاة التاء فى إقامة عوض من العين الساقطة للأعلال الأصل أقوام فلما قلبت الواو ألفا اجتمع ألفان فحذفت أحدهما لالتقاء الساكنين فأدخلت التاء عوضا عن المحذوف فلما أضيفت أقيمت الإضافة مقام التاء فاسقطت {وإيتاء الزكاة} أى وعن إيتاء الزكاة والمعنى لا تجارة لهم حتى تلهيهم كأولياء العزلة أو يبيعون ويشترون ويذكرون اللّه مع ذلك وإذا حضرت الصلاة قاموا إليها غير متثاقلين كأولياء العشرة {يخافون يوما} أي يوم القيامة ويخافون حال من الضمير في تلهيهم أو صفة أخرى لرجال {تتقلب فيه القلوب} ببلوغها إلى الجناجر {والأبصار} بالشخوص والزرقة أو تتقلب القلوب إلى الإيمان بعد الكفران والأبصار إلى العيان بعد إنكاره للطغيان كقوله فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد ٣٨{ليجزيهم اللّه أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله} أى يسبحون ويخافون ليجزيهم اللّه أحسن جزاء أعمالهم أى ليجزيهم ثوابهم مضاعفا ويزيدهم على الثواب الموعود على العمل تفضلا {واللّه يرزق من يشاء بغير حساب} أى يثيب من يشاء ثوابا لا يدخل فى حساب الخلق هذه صفات المهتدين بنور اللّه فاما الذين ضلوا عنه فالمذكورون فى قوله ٣٩{والذين كفروا أعمالهم كسراب} هو مايرى فى الفلاة من ضوء الشمس وقت الظهر يسرب على وجه الأرض كأنه ماء يجرى {بقيعة} بقاع أو جمع قاع وهوالمنبسط المستوى من الأرض كجيرة فى جار {يحسبه الظمآن} يظنه العطشان {ماء حتى إذا جاءه} أى جاء إلى ماتوهم أنه ماء {لم يجده شيئا} كما ظنه {ووجد اللّه} أى جزاء اللّه كقوله يجد اللّه غفورا رحيما أى يجد مغفرته ورحمته {عنده} عند الكافر {فوفاه حسابه} أى أعطاه جزاء عمله وافيا كاملا وحد بعد الجمع حملا على كل واحد من الكفار {واللّه سريع الحساب} لأنه لا يحتاج إلى عد وعقد ولا يشغله حساب عن حساب أو قريب حسابه لأن ما هو آت قريب شبه ما يعمله من لا يعتقد الإيمان ولا يتبع الحق من الأعمال الصالحة التى يحسبها تنفعه عنداللّه وتنجيه من عذابه ثم يخيب فى العاقبة أمله ويلقى خلاف ما قدر بسراب يراه الكافر بالساهرة النور ( ٤٣ - ٤٠ ) وقد غلبه عطش يوم القيامة فيحسبه ماء فيأتيه فلا يجد ما رجاه ويجد زبانية اللّه عنده يأخذونه فيعتلونه إلى جهنم فيسقونه الحميم والغساق وهم الذين قال اللّه فيهم عاملة ناصبة وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا قيل نزلت فى عتبة بن ربيعة بن أمية كان يترهب ملتمسا للدين فى الجاهلية فلما جاء الإسلام كفر ٤٠{أو كظلمات في بحر} أو هنا كأوفى أو كصيب {لجي} عميق كثير الماء منسوب إلى اللج وهو معظم ماء البحر {يغشاه} يغشى البحر أو من فيه أى يعلوه ويغطيه {موج} هوما ارتفع من الماء {من فوقه موج} أى من فوق الموج وظلمة السحاب على الموج {إذا أخرج يده} أى الواقع فيه {لم يكد يراها} مبالغة فى لم يرها أى لم يقرب أن يراها فضلا عن أن يراها شبه أعمالهم أولا فى فوات نفعها وحضور ضررها بسراب لم يجده من خدعه من بعيد شيئا ولم يكفه خيبة وكمدا ان يجد شيئا كغيره من السراب حتى وجد عنده الزبانية تعتليه إلى النار وشبهها ثانيا فى ظلمتها وسوادها لكونها باطلة وفى خلوها عن نور الحق بظلمات متراكمة من لج البخر والأمواج والسحاب {ومن لم يجعل اللّه له نورا فما له من نور} من لم يهده اللّه لم يهتد عن الزجاج فى الحديث خلق اللّه الخلق ظلمة ثم رش عليهم من نوره فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضل ٤١{ألم تر} ألم تعلم يا محمد علما يقوم مقام العيان فى الإيقان {أن اللّه يسبح له من في السماوات والأرض والطير} عطف على من {صافات} حال من الطير أى يصففن أجنحتهن فى الهواء {كل قد علم صلاته وتسبيحه} الضمير فى علم لكل أو اللّه وكذا فى صلاته وتسبيحه والصلاة الدعاء ولم يبعد أن يلهم اللّه الطير دعاءه وتسبيحه كما ألهمها سائر العلوم الدقيقة التى لا يكاد العقلاء يهتدون إليها {واللّه عليم بما يفعلون} لا يعزب عن علمه شئ ٤٢{وللّه ملك السماوات والأرض} لأنه خالقها ومن ملك شيئا فبتمليكه اياه {وإلى اللّه المصير} مرجع الكل ٤٣{ألم تر أن اللّه يزجي} يسوق إلى حيث يريد {سحابا} جمع سحابة دليله {ثم يؤلف بينه} وتذكيره للفظ أى يضم بعضه إلى بعض {ثم يجعله ركاما} مترا كما بعضه فوق بعض {فترى الودق} المطر {يخرج من خلاله} من فتوقه ومخارجه جمع خلل كجبال {وينزل} وينزل مكى ومدنى وبصرى {من السماء} لابتداء الغايةلأن الابتداء الانزال من السماء {من جبال} من للتبعيض لأن ما ينزله اللّه بعض تلك الجبال التى {فيها} فى السماء {من برد} للبيان أو الأوليان للابتداء والآخرة للتبعيض ومعناه أنه ينزل البرد من السماء من جبال فيها وعلى الأول مفعول ينزل من جبال أى بعض جبال فيها ومعنى من جبال فيها من برد أن يخلق اللّه فى السماء جبال برد كما خلق فى الأرض جبال حجر أو يريد الكثرة بذكر الجبال كما يقال فلان يملك جبالا من ذهب{فيصيب به} بالبرد {من يشاء} أى يصيب الإنسان وزرعه {ويصرفه عن من يشاء} فلا يصيبه أو يعذب من يشاء ويصرفه عمن يشاء فال يعذبه {يكاد سنا برقه} ضوئه {يذهب بالأبصار} يخطفها يذهب يزيد على زيادة الباء ٤٤{يقلب اللّه الليل والنهار} يصرفها فى الاختلاف طولا وقصرا والتعاقب {إن في ذلك} فى إزجاء السحاب إلىوإنزال الودق والبرد وتقليب الليل والنهار {لعبرة لأولي الأبصار} لذوى العقول وهذا من تعديد الدلائل على ربوبيته حيث ذكر تسبيح من فى السموات والارض وما يطير بينهما ودعاء هم له وتسخير السحاب إلى آخر ما ذكر فهى براهين لائحة على وجوده دلائل واضحة على صفاته لم نظر وتدبير ثم بين دليلا آخر فقال تعالى ٤٥{واللّه خلق كل} خالق كل حمزة وعلى {دابة} كل حيوان يدب على وجه الارض {من ماء} أى من نوع من الماء مختص بتلك الدابة أومن ماء مخصوص وهو النطفة ثم خالف بين المخلوقات منالنطفة فمنها هوام ومنها بهائم ومنها أناسى وهو كقوله يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض فى الأكل وهذا دليل على أن لها خالقا ومدبرا والالم نختلف لاتفاق الأصل وإنماعرف الماء فى قوله وجعلنا من الماء كل شئ حى لأن المقصود ثم ان أجناس الحيوان مخلوقة من جنس الماء وأنه هو الأصل وان تخللت بينه وبينها وسائط قالوا ان أول ما خلق اللّه الماء فخلق من النار والريح والطين فخلق من النارالجن ومن الريح الملائكة ومن الطين آدم ودواب الأرض ولما كانت الدابة تشمل المميز وغير المميز غلب المميز فأعطى ماراءه حكمه كأن الدواب كلهم مميزون فمن ثم قيل {فمنهم من يمشي على بطنه} كالحية والحوت وسمى الزحف على البطن مشيا استعارة كما يقال فى الأمر المستمر قد مشى هذا الأمر أو على طرائق المشاكلة لذكر الزاحف مع الماشين {ومنهم من يمشي على رجلين} كالإنسان {ومنهم من يمشي على أربع} كالبهائم وقدم ما هوأعرق فى القدرة وهو الماشى بغير آلة مشى من أرجل أو غيرها ثم الماشى على رجلين ثم الماشى على أربع {يخلق اللّه ما يشاء} كيف يشاء {إن اللّه على كل شيء قدير} لا يتعذر عليه شئ ٤٦{لقد أنزلنا آيات مبينات واللّه يهدي من يشاء} بلطفه ومشيئته {إلى صراط مستقيم} إلى دين الإسلام الذى يوصل إلى جنته والآيات لإلزام حجته لما ذكر إنزال الآيات ذكر بعدها افتراق الناس إلى ثلاث فرق فرقة صدقت ظاهرا وكذبت باطنا وهم المنافقون وفرقة صدقت ظاهرا وباطنا وهم المخلصون وفرقة كذبت ظاهرا وباطنا وهم الكافرون على هذا الترتيب وبدأ بالمنافقين فقال ٤٧{ويقولون آمنا باللّه وبالرسول} بألسنتهم {وأطعنا} اللّه والرسول {ثم يتولى} يعرض على الإنقياد لحكم اللّه ورسوله {فريق منهم من بعد ذلك} أى من بعد قولهم آمنا باللّه وبالرسول وأطعنا {وما أولئك بالمؤمنين} أى المخلصين وهو إشارة إلى القائلين آمنا وأطعنا لا إلى الفرق المتولى وحده وفيه اعلام من اللّه بان جميعهم منتف عنهم الإيمان لاعتقادهم ما يعتقد هؤلاء والاعتراض وإن كان من بعضهم فالرضا بالاعراض من كلهم ٤٨{وإذا دعوا إلى اللّه ورسوله} أى إلى رسول اللّه كقولك أعجبنى زيد وكرمه تريد زيد وكرمه تريد كرم زيد {ليحكم} الرسول {بينهم إذا فريق منهم معرضون} أى فاجأ من فريق منهم الاعراض نزلت فى بشر المنافق إلى كعب بن الأشرف ويقول ان محمدا يحيف علينا ٤٩{وإن يكن لهم الحق} أى إذا كان الحق لهم على غيرهم {يأتوا إليه} إلى الرسول {مذعنين} حال أى مسرعين فى الطاعة طلبا لحقهم لارضا بحكم رسولهم قال الزجاج الإذعان الإسراع مع الطاعة والمعنى أنهم لمعرفتهم أنه ليس معك إلا الحق المر والعدل البحث يمتنعون عن المحاكمة إليك إذا ركبهم الحق لئلا تنتزعه من احداقهن بقضائك عليهم لخصومهم وإن ثبت له حق على خصم أسرعوا إليك ولم يرضوا إلا بحكومتك لتأخذ لهم ما وجب لهم فى ذمة الخصم ٥٠{أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن} {يحيف اللّه عليهم ورسوله} قسم الأمر فى صدورهم عن حكومته إذا كان الحق عليهم بأن يكونوا مرضى القلوب منافقين أو مرتابين فى أمر نبوته أو خائفين الحيف فى قضائه ثم أبطل خوفهم حيفه بقوله {بل أولئك هم الظالمون} أى يخافون أو يحيف عليهم لمعرفتهم بحاله وإنما هم ظالمون يريدون أن يظلموا من له الحق عليهم وذلك شئ لا يستطيعونه فى مجلس رسول اللّه عليه الصلاة والسلام قمن ثم يأبون المحاكمة إليه ٥١إنما كان قول المؤمنين وعن الحسن قول بالرفع والنصب أفرى لأن أولى الاسمين بكونه إسما لكان أوعليهما فى التعريف وأن يقولوا أوغل بخلاف قول المؤمنين {إذا دعوا إلى اللّه ورسوله ليحكم} النبى عليه الصلاة والسلام ليحكم أى ليفعل الحكم {بينهم} بحكم اللّه الذى أنزل عليه {أن يقولوا سمعنا} قوله {وأطعنا} أمره {وأولئك هم المفلحون} الفائزون ٥٢{ومن يطع اللّه} فى فرائضه {ورسوله} فى سننه {ويخش اللّه} على ما مضى من ذنوبه {ويتقه} فيما يستقبل {فأولئك هم الفائزون} وعن بعض الملوك أنه سأل عن آية كافية فتليت له هذه الآية وهى جامعة لأسباب الفوز ويتقه بسكون الهاء أبو عمرو وأبو بكر بنيةالوقف وبسكون القاف وبكسر الهاء مختلسة حفص وبكسر القاف والهاء غيرهم ٥٣{وأقسموا باللّه جهد أيمانهم} أى حلف المنافقون باللّه جهد اليمين لأنهم بذلوا فيها مجهودهم وجهد يمينه مستعار من جهد نفسه إذا بلغ أقصى وسعها وذلك إذا بالغ فى اليمين وبلغ غاية شدتها ووكادتها وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما من قال باللّه فقد جهد يمينه وأصل أقسم جهد اليمين اقسم بجهد اليمين جهدا فجذف الفعل وقدم المصدر فوضع موضعه مضافا إلى المفعول كقوله فضرب الرقاب وحكم هذا المنصوب حكم الحال كأنه قال جاهدين ايمانهم {لئن أمرتهم ليخرجن} أى لئن أمرنا محمد بالخروج إلى الغزو لغزونا أو بالخروج من ديارنا لخرجنا {قل لا تقسموا} لا تحلفوا كاذبين لأنه معصية {طاعة معروفة} أمثل وأولى بكم من هذه الأيمان الكاذبة مبتدأ محذوف الخبر أو خبر مبتدأ محذوف أىالذى يطلب منكم طاعة معروفة معلومة لا يشك فيها ولا يرتاب كطاعة الخلص من المؤمنين لا أيمان تقسمون بها بأفواهكم وقلوبكم على خلافها {إن اللّه خبير بما تعملون} يعلم ما فى ضمائركم ولا يخفى عليه شئ من سرائركم وانه اضحكم لا محالة ومجازيكم على نفاقكم ٥٤{قل أطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول} صرف الكلام عن الغيبة إلى الخطاب على طريق الإلتفات هو أبلغ فى تبكيتهم {فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم} يريد فإن تتولوا فما ضررتموه وإنما ضررتم أنفسكم فإن الرسول ليس عليه إلا ما حمله اللّه تعالى وكلفه من أداء الرسالة فإذا أدى فقد خرج عن عهدة تكليفه وأما أنتم فعليكم ما كلفتم من التلقى بالقبول والاذعان فإن لم تفعلوا وتوليتم فقد عرضتم نفوسكم لسخط اللّه وعذابه {وإن تطيعوه تهتدوا} أى وإن اطعتموه فيما يأمركم وينهاكم فقد احرزتم نصيبكم من الهدى فالضرر فى توليكم والنفع عائدان إليكم {وما على الرسول إلا البلاغ المبين} وما على الرسول إلا أن يبلغ ماله نفع فى قلوبكم ولا عليه ضرر فى توليكم والبلاغ بمعنى التبليغ كالأداء بمعنى التأدية والمبين الظاهر لكونه مقرونا بالآيات والمعجزات ثم ذكر المخلصين فقال ٥٥{وعد اللّه الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات} الخطاب للنبى عليه الصلاة والسلام ولمن معه منكم للبيان وقيل المراد به المهاجرون ومن للتبعيض {ليستخلفنهم في الأرض} أى أرض الكفار وقيل أرض الكفار وقيل أرض المدينة والصحيح أنه عام لقوله عليه الصلاة والسلام ليدخلن هذا الدين على ما دخل عليه الليل {كما استخلف} استخلف أبوبكر {الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم} وليبدلنهم بالتخفيف مكى وأبو ب {من بعد خوفهم أمنا} وعدهم اللّه أن ينصر الإسلام على الكفر ويورثهم الأرض ويجعلهم فيها خلفاء كما فعل ببنى إسرائيل حين أورثهم مصر والشام بعد إهلاك الجبابرة وأن يميز الدين المرتضى وهو دين الإسلام وتمكينه تثبيته وتعضيده وأن يؤمن سربهم ويزيل عنهم الخوف الذى كانوا عليه وذلك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه مكثوا بمكة عشر ينين خائفين ولما ولما هاجروا كانوا بالمدينة يصبحون فى السلاح ويمسون فيه حتى قال رجل ما يأتى علينا يوم نأمن فيه ونضع السلاح فنزلت فقال عليه الصلاة والسلام لا تغبرون إلا يسيرا حتى يجلس الرجل منكم فى الملا العظيم محتبيا ليس معه حديدة فأنجز اللّه وعده وأظهرهم على جزيرة العرب وافتتحوا أبعد بلاد المشرق والمغرب ومزقوا ملك الأكاسرة وملكوا خزائنهم واستولوا على الدنيا والقسم المتلقى باللام والنون فى ليستخلفنهم محذوف تقديره وعدهم اللّه وأقسم ليستخلفنهم أو نزل وعد اللّه فى تحققه منزلة القسم فتلقى بما يتلقى به القسم كأنه أقسم اللّه ليستخلفنهم {يعبدونني} ان جعلته استئنافا فلا محل له كأنه قيل ما لهم يستخلفون ويؤمنون فقال يعبدوننى موحدين ويجوز أن يكون حالا بدلا من الحال الأولى وإن جعلته حالا عن وعدهم اللّه ذلك فى حال عبادتهم فمحله النصب {لا يشركون بي شيئا} حال من فاعل يعبدون أى يعبدوننى موحدين ويجوز أن يكون حالا بدلا من الحال الأولى {ومن كفر بعد ذلك} أى بعد الوعد والمراد كفران النعمة كقوله تعالى فكفرت بأنعم اللّه {فأولئك هم الفاسقون} هم الكاملون فى فسقهم حيث كفروا تلك النعمة الجسيمة وجسروا على غمطها قالوا أول من كفر هذه النعمة قتلة عثمان رضى اللّه عنه فاقتتلوا بعدما كانوا إخوانا وزال عنهم الخوف والآية أوضح دليل على صحة خلافة الخلفاء الراشدين رضى اللّه عنهم أجمعين لأن المستخلفين الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم هم ٥٦{وأقيموا الصلاة} معطوف على أطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول ولا يضر الفصل وإن طال {وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول} فيما يدعوكم إليه وكررت طاعة الرسول تأكيدا لوجوبها {لعلكم ترحمون} أى لكى ترحموا فإنها من مستجلبات الرحمة ثم ذكر الكافرين فقال ٥٧{لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض} أى فائنين اللّه بأن لا يقدر عليهم فيها فالتاء خطاب للنبى عليه الصلاة والسلام وهو الفاعل والمفعولان الذين كفروا ومعجزين بالياء شامى وحمزة والفاعل النبى صلى اللّه عليه وسلم لتقدم ذكره والمفعولان الذين كفروا ومعجزين {ومأواهم النار} معطوف على لا تحسبن الذين كفروا معجزين كأنه قيل الذين كفروا لا بفوتون اللّه ومأواهم النار {ولبئس المصير} أى المرجع النار ٥٨{يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم} أمربأن يستأذن العبيد والاماء {والذين لم يبلغوا الحلم منكم} أى الأطفال الذين لم يحتملوا من الأحرار وقرئ بسكون اللام تخفي {ثلاث مرات} فى اليوم والليلة وهى {من قبل صلاة الفجر} لأنه وقت القيام من المضاجع وطرح ما ينام فيه من الثياب ولبس ثياب اليقظة {وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة} وهى نصف النهار فى القيظ لأنها وقت وضع الثياب للقيلولة {ومن بعد صلاة العشاء} لأنه وقت التجرد من ثياب اليقضة والالتحاف بثياب النوم {ثلاث عورات لكم} أى هى أوقات ثلاث عورات فحذف المبتدأ والمضاف وبالنصب كوفى غير حفص بدلا من ثلاث مرات أى أوقات ثلاث عورات وسمى كل واحد من هذه الأحوال عورة لأن الإنسان يختل تستره فيها والعورة الخلل ومنها الأعور المختل العين دخل غلام من الأنصار يقال له مدلج وددت أن اللّه نهى عن الدخول فى هذه الساعات إلا بالإذن فانطلق إلى النبى صلى اللّه عليه وسلم وقد نزلت عليه الآية ثم عذرهم فى ترك الاستئذان وراء هذه المرات بقوله {ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن} أى لا اثم عليكم وعلى المذكورين فى الدخول بغير استئذان بعدهن ثم بين العلة فى ترك الاستئذان فى هذه الأوقات بقوله {طوافون عليكم} أى هم طوافون بحوائج البيت {بعضكم} مبتدأ خبره {على بعض} وتقديره بعضكم طائف على بعض فحذف طائف لدلالة طوافون عليه ويجوز أن تكون الجملة بدلا من التى قبلها وأن تكون مبينة مؤكدة يعنى أن بكم وبهم حاجة إلى المخالطة والمداخلة يطوفون عليكم للخدمة وتطوفون عليهم للاستخدام فلو جزم الأمر بالاستئذان فى كل وقت لأفضى إلى الحرج وهو مدفوع فى الشرع بالنص {كذلك يبين اللّه لكم الآيات} أى كما بين حكم الاستئذان يبين لكم غيره من الآيات التى احتجتم إلى بيانها {واللّه عليم} بمصالح عباده {حكيم} فى بيان مراده ٥٩{وإذا بلغ الأطفال منكم} أى الأحرار دون المماليك {الحلم} أىالاحتلام أى إذا بلغوا وأرادوا الدخول عليكم {فليستأذنوا} فى جميع الأوقات {كما استأذن الذين من قبلهم} أى الذين بلغوا الحلم من قبلهم وهم الرجال أو الذين ذكروا من قبلهم فى قوله يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا الآية والمعنى أن الأطفال مأذون لهم فى الدخول بغير إذن إلا فى العورات الثلاث فإذا اعتاد الأطفال ذلك ثم بلغوا بالاحتلام أو بالسن وجب أن يفطموا عن تلك العادة وتحملوا على أن يستأذنوا فى جميع الأوقات كالرجال الكبار الذين لم يعتادوا الدخول عليكم إلا بإذن والناس عن هذا غافلون وعن ابن عباس رضى اللّه عنه ثلاث آيات جحدهن الناس الإذن كله وقوله إن أكرمكم عند اللّه أتقاكم وإذا حضر القسمة وعن سعيد بن جبير يقولون هى منسوخة واللّه ما هى بمنسوخة وقوله {كذلك يبين اللّه لكم آياته واللّه عليم} فيما تبين من الأحكام {حكيم} بمصالح الأنام ٦٠{والقواعد} جمع قاعد لأنها من الصفات المختصة بالنساء كالطالق والحائض أى اللاتى قعدن عن الحيض والولد لكبرهن {من النساء} حال {اللاتي لا يرجون نكاحا} يطعمن فيه وهى فى محل الرفع صفة للمبتدا وهى القواعد والخبر {فليس عليهن جناح} اثم ودخلت الفاء لما فى المبتدأ من معنى الشرط بسبب الالف واللام {أن يضعن} فى أن يضعن {ثيابهن} أى الظاهرة كالملحفة والجلباب الذى فوق الخمار {غير} حال {متبرجات بزينة} أى غير مظهرات زينة يريد الزينة الخفية كالشعر والنحر والساق ونحو ذلك أى لا يقصدن بوضعها التبرج ولكن التخفيف وحقيقة التبرج تكلف اظهار ما يجب اخفاؤه {وأن يستعففن} أى يطلبن العفة عن وضع الثياب فيستترن وهو مبتدا خبره {خير لهن واللّه سميع} لما يعلن {عليم} بما يقصدن ٦١{ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج} قال سعيد ابن المسيب كان المسلمون إذا خرجوا إلى الغزوة مع النبى صلى اللّه عليه وسلم وضعوا مفاتيح بيوتهم عند الأعمى والمريض والأعرج وعند اقاربهم ويأتونهم أن يأكلوا من بيوتهم وكانوا بتحرجون من ذلك ويقولون نخشى أن لا تكون أنفسهم بذلك طيبة فنزلت الآية رخصة لهم {ولا على أنفسكم} أ ىحرج {أن تأكلوا من بيوتكم} أى بيوت أولادكم لأن ولد الرجل بعضه وحكمه حكم نفسه ولذا لم يذكر الأولاد فى الآية وقد قال عليه الصلاة والسلام أنت ومالك لأبيك أو بيوت أزواجكم لأن الزوجين صارا كنفس واحدة فصار بيت المرأة كبيت الزوج {أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم} لأن الاذن من هؤلاء ثابت دلالة {أو ما ملكتم مفاتحه} جمع مفتح وهو ما يفتح به الغلق قال ابن عباس رضى اللّه عنه هو وكيل الرجل وقيمه فى ضيعته وما شيته له أن ياكل من ثمر ضيعته ويشرب من لبن من ماشيته أريد بملك المفاتيح كونها فى يده وحفظه وقيل أريد به بيت عبده لأن العبدو ما فى يده لمولاه {أو صديقكم} يعنى أو بيوت أصدقائكم والصديق يكون واحد أو جمعا وهو من يصدقك مودته وكان الرجل من السلف يدخل دار صديقه وهو غائب فيسأل جاريته كيسه فيأخذ ما شاء فاذا حضر مولاها فاخبرته اعتقها سرور بذلك فاما الآن فقد غلب الشح على الناس فلا يأكل الا باذن {ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا} مجتمعين {أو أشتاتا} متفرقين جمع شت نزلت فى بنى ليث بن عمرو وكانوا يتحرجون أن يأكل الرجل وحده فربما قعد منتظر انهاره إلى الليل فان لم يجد من يؤاكله أكل ضرورة أو فى قوم من الأنصار إذا نزل بهم ضيف لا يأكلون الا مع ضيفهم أو تحرجوا عن الاجتماع على الطعام لاختلاف اناس فى الأكل وزيادة بعضهم على بعض {فإذا دخلتم بيوتا} من هذه البيوت لتأكلوا {فسلموا على أنفسكم} اى فابدءوا بالسلام على أهلها الذين هم منكم دينا وقرابة أو بيوتا فارغة أو مسجد فقولوا السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين {تحية} نصب بسلموا لانها فى معنى تسليما نحو قعدت جلوسا {من عند اللّه} أى ثابتة بأمره مشروعة من لدنه أو لان التسليم والتحية طلب سلامة وحياة للمسلم عليه والمحيا من عند اللّه {مباركة طيبة} وصفها بالبركة والطيب لانها دعوة مؤمن لمؤمن يرجى بها من اللّه زيادة الخير وطيب الرزق {كذلك يبين اللّه لكم الآيات لعلكم تعقلون} لكى تعقلوا أو تفهموا ٦٢{إنما المؤمنون الذين آمنوا باللّه ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع} أى الذى يجمع له الناس نحو الجهاد والتدبير فى الحرب وكل اجتماع فى اللّه حتى الجمعة والعيدين {لم يذهبوا حتى يستأذنوه} أى ويأذن لهم ولما أراد اللّه عز وجل أن يريهم عظم الجناية فى ذهاب الذاهب عن مجلس رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بغير اذنه إذا كانوا معه على أمر جامع جعل ترك ذهابهم حتى يستأذنوه ثالث الإيمان باللّه والإيمان برسوله وجعلهما كالتشبيب له والبساط لذكره وذلك مع تصدير الجملة بأنما وايقاع المؤمنين مبتدأ مخبرا عنه بموصول أحاطت صلته بذكر الإيمانين ثم عقبه بما يزيده توكيدا وتشديدا حيث أعاده على أسلوب آخر وهو قوله {إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون باللّه ورسوله} وضمنه شيئا آخر وهو أنه جعل الاستئذان كالصداق لصحة الإيمانين وعرض بحال المنافقين وتسالهم لو اذا {فإذا استأذنوك} فى الانصراف {لبعض شأنهم} امرهم {فأذن لمن شئت منهم} فيه رفع شأنه عليه الصلاة والسلام {واستغفر لهم اللّه إن اللّه غفور رحيم} وذكر الاستغفار للمستأذنين دليل على أن الافضل أن لا يستأذن قالوا وينبغى أن يكون الناس كذلك مع أئمتهم مقدميهم فى الدين والعلم يظاهرونهم ولا يفرقون عنهم إلا باذن قيل نزلت يوم الخندق كان المنافقون يرجعون إلى منازلهم من غير استئذان ٦٣{لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا} اى إذا احتاج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى اجتماعكم عنده لأمر فدعاكم فلا تقربوا منه إلا باذنه ولا تقيسوا دعاءه اياكم على دعاء بعضكم بعضا ورجوعكم عن المجمع بغير اذن الداعى أو لا تجعلوا تسميته ونداءه بينكم كما يسمى بعضكم بعضا ويناديه باسمه الذى سماه به أبواه فلا تقولوا يا محمد ولكن يا نبى اللّه يا رسول اللّه مع التوفير والتعظيم والصوت المخفوض {قد يعلم اللّه الذين يتسللون} يخرجون قليلا قليلا {منكم لواذا} حال أى ملاوذين اللواذ والملاوذة هو أن يلوذ هذا بذاك وذاك بهذا أى ينسلون عن الجماعة فى الخفية على سبيل الملاوذة واستتار بعضهم ببعض {فليحذر الذين يخالفون عن أمره} أى الذين يصدون عن أمره دون المؤمنين وهم المنافقون يقال له خالفه إلى الامر إذا ذهب إليه دونه ومنه وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنها كم عنه وخالفه عن الامر إذا صد عنه دونه والضمير فى أمر اللّه سبحانه أو للرسول عليه الصلاة والسلام والمعنى عن طاعته ودينه ومفعول يحذر {أن تصيبهم فتنة} محنة فى الدنيا أو قتل أو زلازل وأهوال أو تسليط سلطان جائر أو قسوة القلب عن معرفة الرب أو إسباغ النعم استدراجا {أو يصيبهم عذاب أليم} فى الآخرة والآية تدل على أن الأمر للايجاب ٦٤{ألا إن للّه ما في السماوات والأرض} ألا تنبيه على أن لا يخالفوا أمر من له ما فى السموات والأرض {قد يعلم ما أنتم عليه} أدخل قد ليؤكد علمه بما هم عليه من المخالفة عن الدين ويرجع توكيد العلم إلى توكيد الوعيد والمعنى أن جميع ما فى السموات والارض مختص به خلقا وملكا وعلما فكيف تخفى عليه أحوال المنافقين وإن كانوا يجتهدون فى سترها {ويوم يرجعون إليه} وبفتح الباء وكسر الجيم يعقوب أى ويعلم يوم يردون إلى جزائه وهو يوم القيامة والخطاب والغيبة فى قوله قد يعلم ما أنتم عليه ويوم يرجعون إليه يجوز أن يكونا جميعا للمنافقين على طريق الالتفات ويجوز ان يكون ما أنتم عليه عاما ويرجعون إليه يجوز أن يكونا جميعا للمنافقين {فينبئهم} يوم القيامة {بما عملوا} بما أبطنوا من سوء أعمالهم ويجازيهم حق جزائهم {واللّه بكل شيء عليم} فلا يخفى عليه خافية وروى أن ابن عباس رضى اللّه عنه قرأ سورة النور على المنبر فى الموسم وفسرها على وجه لو سمعت الروم به لا سلمت واللّه أعلم |
﴿ ٠ ﴾