تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل

أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م)

_________________________________

سورة الفرقان

بسم اللّه الرحمن الرحيم

_________________________________

{تبارك} تفاعل من البركة وهى كثرة الخبر وزيادته ومعنى تبارك اللّه تزايد خبره وتكاثر أو تزايد عن كل شيء وتعالى عنه في صفاته وأفعاله وهي كلمة كلمة تعظيم لم تستعمل إلا للّه وحده والمستعمل منه الماضى فحسب

{الذي نزل الفرقان} هو مصدر فرق بين الشيئين إذا فصل بينهما وسمى به القرآن لفصله بين الحق والباطل والحلال والحرام أو لانه لم ينزل جملة ولكن مفرقا مفصولا بين بعضه وبعض فى الانزال ألا ترى إلى قوله وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا

{على عبده} محمد عليه الصلاة والسلام

{ليكون} العبد أو الفرقان

{للعالمين} للجن والانس وعموم الرسالة من خصائصه عليه الصلاة والسلام

{نذيرا} منذرا أى مخوفا أو انذارا كالنكير بمعنى الانكار ومنه قوله تعالى فكيف كان عذابى ونذر

٢

{الذي} رفع علىانه خبر مبتدأ محذوف أو على الابدال من الذى نزل وجوز الفصل بين البدل والمبدل منه بقوله ليكون لان المبدل صلته نزل وليكون تعليل له فكأنه المبدل منه لم يتم الا به أو نصب على المدح

{له ملك السماوات والأرض} على الخلوص

{ولم يتخذ ولدا} كما زعم اليهود والنصارى فى عزير والمسيح عليهما السلام

{ولم يكن له شريك في الملك} كما زعمت الثنوية

{وخلق كل شيء} أى أحدث كل شئ وحده لا كما يقوله المجوس والثنوية من النور والظلمة ويزدان واهر من ولا شبهة فيه لمن يقول ان اللّه شئ ويقول بخلق القرآن لأن الفاعل بجميع صفاته لا يكون مفعولا له على أن لفظ شئ اختص بما يصح ان يخلق بقرينة وخلق وهذا أوضح دليل لنا على المعتزلة فى خلق افعال العباد

{فقدره تقديرا} فهيأه لما يصلح له بلا خلل فيه كما أنه الانسان على هذا الشكل الذى تراه فقدره للتكاليف والمصالح المنوطة به فى الدين والدنيا أوقدره للبقاء إلى أمد معلوم

٣

{واتخذوا} الضمير للكافرين لا ندراجهم تحت العالمين أو لدلالة نذيرا عليهم لانهم المنذرون

{من دونه آلهة} أى الاصنام

{لا يخلقون شيئا وهم يخلقون} أى انهم آثروا على عبادة من هو منفرد بالألوهية والملك والخلق والتقدير عبادة عجزة لا يقدرون على خلق شئ وهم يخلقون

{ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا} ولا يستطيعون لأنفسهم دفع ضرر عنها ولا جلب نفع إليها

{ولا يملكون موتا} إماتة {ولا حياة} أى إحياء

{ولا نشورا} إحياء بعد الموت وجعلها كالعقلاء لزعم عابديها

٤

{وقال الذين كفروا إن هذا} ما هذا القرآن

{إلا إفك} كذب {افتراه} اختلقه واخترعه محمد من عند نفسه

{وأعانه عليه قوم آخرون} أى اليهود وعداس ويسار وأبو فكيهة الرومى قاله النضر بن الحرث

{فقد جاؤوا ظلما وزورا} هذا اخبار من اللّه رد للكفرة فيرجع الضمير إلى الكفار وجاء يستعمل فى معنى فعل فيعدى تعديتها أو حذف الجار وأوصل الفعل أى بظلم وزور وظلمهم أن جعلوا العربى يتلقن من العجمى الرومى كلاما عربيا أعجز بفصاحته جميع فصحاء العرب والزور أن بهتوه بنسبة ما هو برئ منه إليه

٥

{وقالوا أساطير الأولين} أو هو أحاديث المتقدمين وما سطروه كرستم وغيره جمع أسطار وأسطورة كأحدوثة

{اكتتبها} كتبها لنفسه

{فهي تملى عليه} أى تلقى عليه من كتابه

{بكرة} أول النهار

{وأصيلا} آخره فيحفظ ما يملى عليه ثم يتلوه علينا

٦

{قل} يا محمد

{أنزله} أى القرآن

{الذي يعلم السر في السماوات والأرض} أى يعلم كل سر خفى فى السموات والأرض يعنى أن القرآن لما اشتمل على علم الغيوب التى يستحيل عادة أن يعلمها محمد عليه الصلاة والسلام من غير تعليم دل ذلك على أنه من عند علام الغيوب

{إنه كان غفورا رحيما} فيمهلهم ولا يعاجلهم بالعقوبة وإن استوجبوها بمكابرتهم

٧

{وقالوا ما لهذا الرسول} وقعت اللام فى المصحف مفصولة عن الهاء وخط المصحف سنة لا تغير وتسميتهم إياه بالرسول سخرية منهم كانهم قالوا اى شئ لهذا الزاعم أنه رسول

{يأكل الطعام ويمشي في الأسواق} حال والعامل فيها هذا

{لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا

٨

أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها} أى إن صح أنه رسول اللّه فما باله يأكل الطعام كما نأكل ويتردد فى الأسواق لطلب المعاش كما نتردد يعنون أنه كان يجب أن يكون ملكا مستغنيا عن الأكل والتعيش ثم نزلوا عن ذلك الاقتراح إلى أن يكون إنسانا معه ملك حتى بتساندا فى الإنذار والتخويف ثم نزلوا إلى أن يكون مرفودا بكنز يلقى إليه من السماء يستظهر به ولا يحتاج إلى تحصيل المعاش ثم نزلوا إلى أن يكون رجلاله بستان يأكل هو منه كالمياسير أو نأكل نحن كقراءة على وحمزة وحسن عطف المضارع وهو يلقى وتكون على أنزل وهو ماض لدخول المضارع وهو فيكون بينهما وانتصب فيكون على القراءة المشهورة لأنه جواب لولا بمعنى هلا وحكمه حكم الاستفهام وأراد بالظالمين فى قوله

{وقال الظالمون} إياهم بأعيانهم غير أنه وضع الظاهر موضع المضمر تسجيلا عليهم بالظلم فيما قالوا وهم كفار قريش

{إن تتبعون إلا رجلا مسحورا} سحر فجن أو ذا سحر وهو الرئة عنوا أنه بشر لا ملك

٩

{انظر كيف ضربوا} بينوا

{لك الأمثال} الأشباه أى قالوا فيك تلك الأقوال واخترعوا لك الصفات والأحوال من المفترى والمملى عليه والمسحور

{فضلوا} عن الحق

{فلا يستطيعون سبيلا} فلا يجدون طريقا إليه

١٠

{تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا} أى تكاثر خير الذى إن شاء وهب لك فى الدنيا خيرا مما قالوا وهو أن يعجل لك مثل ما وعدك فى الآخرة من الجنات والقصور وجنات بدل من خيرا ويجعل بالرفع مكى وشامى وأبو بكر لأن الشرط إذا وقع ماضيا زفى جزائه الجزم والرفع

١١

{بل كذبوا بالساعة} عطف على ما حكى عنهم يقول بل أتوا باعجب من ذلك كله وهو تكذيبهم بالساعة أو متصل بما يليه كأنه قال بل كذبوا بالساعة فكيف يلتفتون إلى هذا الجواب وكيف يصدقون بتعجيل مثل ما وعدك فى الآخرة وهم لا يؤمنون بها

{وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا} وهيأنا للمكذبين بها نارا شديدة فى الاستعار

١٢

{إذا رأتهم} أى النار أى قابلتهم

{من مكان بعيد} أى إذا كانت منهم يمر أى الناظرين فى البعد

{سمعوا لها تغيظا وزفيرا} أى سمعوا صوت غليانها وشبه ذلك بصوت المتغيظ والزافر أو إذا رأتهم زبانيتها تغيظوا وزفروا غضبا على الكفار

١٣

{وإذا ألقوا منها} من النار

{مكانا ضيقا} مكى فإن الكرب مع الضيق كما أن الروح مع السعة ولذا وصفت الجنة بأن عرضها السموات والأرض وعن ابن عباس رضى اللّه عنه أنه يضيق عليهم كما يضيق الزج فى الرمح

{مقرنين} أى وهم مع ذلك الضيق مسلسلون مقرنون فى السلاسل قرنت أيديهم إلى أعناقهم فى الأغلال أو يقرن مع كل كافر شيطانه فى سلسلة وفى أرجلهم الأصفاد

{دعوا هنالك} حينئذ

{ثبورا} هلاكا أى قالوا أو اثبوراه أى تعال يا ثبور فهذا حينك فيقال لهم

١٤

{لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا} أى انكم وقعتم فيما ليس ثبوركم فيه واحدا إنما هو ثبور كثير

١٥

{قل أذلك خير} أى المذكور من صفة النار خير

{أم جنة الخلد التي وعد المتقون} أى وعدها فالراجع إلى الموصول محذوف وإنما قال أذلك خير فى النار توبيخا للكفار

{كانت لهم جزاء} ثوابا

{ومصيرا} مرجعا وإنما قيل كانت لأن ما وعد اللّه كأنه كان لتحققه أو كان ذلك مكتوبا فى اللوح قبل أن خلقهم

١٦

{لهم فيها ما يشاؤون} أى ما يشاءونه

{خالدين} حال من الضمير فى يشاءون والضمير فى

{كان} لما يشاءون

{على ربك وعدا} أى موعودا

{مسؤولا} مطلوبا أو حقيقا أن يسأل أو قد سأله المؤمنون والملائكة فى دعواتهم ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة ربنا وأدخلهم جنات عدن التى وعدتهم

١٧

{ويوم نحشرهم} للبعث عند الجمهور وبالياء مكة ويزيد ويعقوب وحفص

{وما يعبدون من دون اللّه} يريد المعبودين من الملائكة والمسبح وعزيز وعن الكلبى يعنى الأصنام ينطقها اللّه وقيل عام وما يتناول العقلاء وغيرهم لأنه أريد به الوصف كأنه قيل ومعبوديهم

{فيقول} وبالنون شامى

{أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل} والقياس ضلوا عن السبيل إلا أنهم تركوا الجار كما تركوه فى هذا الطريق والأصل إلى الطريق أو للطريق وضل مطاوع أضله والمعنى أأنتم أو قعتموهم فى الضلال عن طريق الحق بادخال الشبه أم هم ضلوا عنه بأنفسهم وانما لم يقل أأضللتم عبادى هؤلاء أم ضلوا السبيل وزد أنتم وهم لأن السؤال ليس عن الفعل ووجوده لأنه لولا وجوده لما توجه هذا العتاب وإنما هو عن متوليه فلا بد من ذكره وإيلائه حرف الاستفهام ليعلم أنه المسئول عنه وفائدة سؤالهم مع علمه تعالى بالمسئول عنه أن يجيبوا بما أجابوا به حتى يبكت عبدتهم بتكذيبهم إياهم فنزيد حسرتهم

١٨

{قالوا سبحانك} تعجب منهم مما قيل لهم وقصدوا به تنزيهه عن الأنداد وأن يكون له نبى أو ملك أو غيرهما ندا ثم قالوا

{ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء} أى ما كان يصح لنا ولا يستقيم أن نتولى أحدا دونك فكيف يصح لنا ان نحمل غيرنا على ان يتولونا دونك نتخذ يزيد واتخذ يتعدى إلى مفعول واحد نحو اتخذ وليا و إلى مفعولين نحو اتخذنا فلانا وليا قال اللّه تعالى أم اتخذوا آلهة من الأرض وقال واتخذ اللّه ابراهيم خليلا فالقراءة الاولى من المتعدى لواحد وهو من أولياء والأصل أن نتخذ أولياء وزيدت من لتأكيد معنى النفى والقراءة الثانية من المتعدى إلى المفعولين فالمفعول الأول ما بنى له الفعل والثانى من أولياء ومن للتبعيض أى لا نتخذ بعض أولياء لأن من لا تزاد فى المفعول الثانى بل فى الأول تقول ما اتخذت من أحد وليا ولا تقول ما اتخذت احدا من ولى

{ولكن متعتهم وآباءهم} بالأموال والأولاد وطول العمر والسلامة من العذاب

{حتى نسوا الذكر} أى ذكر اللّه والإيمان به والقرآن والشرائع

{وكانوا} عند اللّه

{قوما بورا} أى هلكى جمع بائر كعائذ وعوذ ثم يقال للكفار بطريق الخطاب عدولا عن الغيبة

١٩

{فقد كذبوكم} وهذه المفاجأة بالاحتجاج والإلزام حسنة رائعة وخاصة إذا انضم إليها الالتفات وحذف القول ونظيرها يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل إلى قوله فقد جاءكم بشير ونذير قول القائل

قالوا خراسان اقصى ما يراد بنا ثم  القفول قد جئنا خراسانا

{بما تقولون} بقولكم فيهم انهم آلهة والباء على هذا كقوله بل كذبوا بالحق والجار والمجرور يدل من الضمير كانه قيل فقد كذبوا بما تقولون وعن قنبل بالياء ومعناه فقد كذبوكم بقولهم سبحانك ما كان ينبغى لنا أن نتخذ من دونك من أولياء والباء على هذا كقولك كتبت بالقلم

{فما تستطيعون صرفا ولا نصرا} أى قما يستطيع آلهتكم أن يصرفوا عنكم العذاب أو ينصروكم وبالتاء حفص أى فما تستطيعون أنتم يا كفار صرف العذاب عنكم ولا نصر أنفسكم ثم خاطب المكلفين على العموم بقوله

{ومن يظلم منكم} أى يشرك لأن الظلم وضع الشئ فى غير موضعه ومن جعل المخلوق شريك خالقه فقد ظلم يؤيده قوله تعالى ان الشرك لظلم عظيم

{نذقه عذابا كبيرا} فسر بالخلود فى النار وهو يليق بالمشرك دون الفاسق الأعلى قول المعتزلة والخوارج

٢٠

{وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق} كسرت إن لاجل اللام فى الخبر والجملة بعد إلا صفة لموصوف محذوف والمعنى وما أرسلنا قبلك أحدا من المرسلين الا آكلين وماشين وإنما حذف اكتفاء بالجار والمجرور أى من المرسلين ونحوه وما منا إلا له مقام معلوم أى وما منا أحد قيل هو احتجاج على من قال ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق وتسلية للنبى عليه الصلاة والسلام

{وجعلنا بعضكم لبعض فتنة} أى محنة وابتلاء وهذا تصبير لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عما عيروه به من الفقر ومشيه فى الأسواق يعنى أنه جعل الاغنياء فتنة للفقراء فيغنى من يشاء ويفقر من يشاء

{أتصبرون} على هذه الفتنة فتؤجروا أم لا تصبرون فيزداد غمكم وحكى ان بعض الصالحين تبرم بضنك عيشه فخرج ضجرا افرأى خصيا فى مواكب ومراكب فخطر بباله شئ فإذا بمن يقرأ هذه الآية فقال بلى فصبرا ربنا أو جعلتك فتنة لهم لانك لو كنت غينا صاحب كنوز وجنان لكانت طاعتهم لك للدنيا أو ممزوجة بالدنيا فانما بعثناك فقيرا لتكون طاعى من يطيعك خالصة لنا

{وكان ربك بصيرا} عالما بالصواب فيما يبتلى به أو بمن يصبر ويجزع

٢١

{وقال الذين لا يرجون} لا يأملون

{لقاءنا} بالخبر لأنهم كفرة لا يؤمنون بالبعث أو لا يخافون عقابنا اما لان الراجى قلق فيما يرجوه كالخائف أو لان الرجاء فى لغة تهامة الخوف

{لولا} هلا

{أنزل علينا الملائكة} رسلا دون البشر أو شهودا على نبوته ودعوى رسالته

{أو نرى ربنا} جهرة فيخبرنا برسالته واتباعه

{لقد استكبروا في أنفسهم} أى أضمروا الاستكبار عن الحق وهو الكفر والعناد فى قلوبهم

{وعتوا} وتجاوزوا الحد فى الظلم

{عتوا كبيرا} وصف العتو بالكبر فبالغ فى افراطه أى أنهم لم يجسروا على هذا القول العظيم الا انهم بلغوا غاية الاستكبار وأقصى العتو واللام فى لقد جواب قسم محذوف

٢٢

{يوم يرون الملائكة} أى يوم الموت أو يوم البعث ويوم منصوب بمادل عليه

{لا بشرى} أى يوم يرون الملائكة يمنعون البشرى وقوله

{يومئذ} مؤكد ليوم يرون أو باضمار اذكر أى اذكر يوم يرن الملائكة ثم أخبر فقال لا بشرى بالجنة يومئذ ولا ينتصب بيرون لان المضاف إليه لا يعمل فى المضاف ولا ببشرى لانها مصدر والمصدر لا يعمل فيما قبله ولان المنفى بلا لا يعمل فيما قبل لا

{للمجرمين} ظاهر فى موضع ضمير أو عام يتناولهم بعمومه وهم الذين اجترموا الذنوب والمراد الكافرون لأن مطلق الاسماء يتناول أكمل المسميات

{ويقولون} أى الملائكة

{حجرا محجورا} حراما محرما عليكم البشرى أى جعل اللّه ذلك حراما عليكم انما البشرى للمؤمنين والحجر مصدروالكسر والفتح لغتان وقرئ بهما وهو من حجره إذا منعه وهو من المصادر المنصوبة بأفعال متروك إظهارها ومحجور التأكيد معنى الحجر كما قالوا موت مائت

٢٣

{وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا} هو صفة ولا قدوم هنا ولكن مثلت حال هؤلاء وأعمالهم التى عملوها فى كفرهم من صلة رحم واغاثة ملهوف وقرى ضيف ونحو ذلك بحال من خالف سلطانه وعصاه فقدم إلى أشيائه وقصد إلى ما تحت يديه فافسدها ومزقها كل ممزق ولم يترك لها أثر أو الهباء ما يخرج من الكوة مغ ضوء الشمس شبيها بالغار والمنثور المفرق وهو استعارة عن جعله بحيث لا يقبل الاجتماع ولا يقع به الانتفاع ثم بين فضل أهل الجنة على اهل النار فقال

٢٤

{أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا} تمييز المستقر المكان الذى يكونون فيه فى أكثر أوقاتهم يتجالسون ويتحادثون

{وأحسن مقيلا} مكانا يأوون اليه للاسترواح إلى أزواجهم ولا نوم فى الجنة ولكنه سمى مكان استراحتهم إلى الحور مقيلا على طريق التشبيه وروى أنه يفرغ من الحساب فى نصف ذلك اليوم فيقيل أهل الجنة فى الجنة وأهل النار فى النار وفى لفظ الا حسن تهكم بهم

٢٥

{ويوم} واذكر يوم

{تشقق السماء} والأصل تتشقق فحذف التاء كوفى وأبو عمرو وغيرهم أدغمها فى الشين

{بالغمام} لما كان انشقاق السماء بسبب طلوع الغمام منها جعل الغمام كانه الذى تشقق به السماء كما تقول شققت السنام بالشفرة فانشق بها

{ونزل الملائكة تنزيلا} ونزل الملائكة مكى وتنزيلا على هذا مصدر من غير لفظ العقل والمعنى أن السماء تنفتح بغمام أبيض يخرج منها وفى الغمام الملائكة ينزلون فى أيديهم صحائف أعمالهم العباد

٢٦

{الملك} مبتدأ

{يومئذ} ظرفه

{الحق} نعته ومعناه الثابت لان كل ملك يزول يومئذ فلا يبقى الا ملكه

{للرحمن} خبره

{وكان} ذلك اليوم

{يوما على الكافرين عسيرا} شديدا يقال عسر عليه فهو عسير وعسر ويفهم منه يسره على المؤمنين ففى الحديث يهون يوم القيامة على المؤمنين حتى يكون عليهم أخف من صلاة مكتوبة صلوها فى الدنيا

٢٧

{ويوم يعض الظالم على يديه} عض اليدين كناية عن الغيظ والحسرة لانه من روادفها فتذكر الرادفة ويدل بها على المردوف فيرتفع الكلام به فى طبقة الفصاحة ويجد السامع عنده فى نفسه من الروعة مالا يجده عند لفظ المكنى عنه واللام فى الظالم للعهد وأريد به عقبة لما تبين أو للجنس فيتناول عقبة وغيره من الكفار

{يقول يا ليتني اتخذت} فى الدنيا

{مع الرسول} محمد عليه الصلاة والسلام

{سبيلا} طريقا إلى النجاى والجنة وهو الايمان

٢٨

{يا ويلتى} وقرئ يا ويلتى بالياء وهو الأصل لان الرجل ينادى ويلته وهى هلكته يقول لها تعالى فهذا أوانك وإنما قلبت الياء ألفا كما فى صحارى ومدارى

{ليتني لم أتخذ فلانا خليلا} فلان كناية عن الاعلام فان اريد بالظالم عقبة لما روى أنه اتخذ ضيافة فدعا رسول اللّه عليه الصلاة والسلام فابى أن يأكل من طعامه حتى ينطق بالشهادتين ففعل فقال له أبى بن خلف وهو خليله وجهى من وجهك حرام الا أن ترجع فارتد فالمعنى يا ليتنى لم أتخذ أبيا خليلا فكنى عن اسمه وإن أريد به الجنس فكل من اتخذ من المضلين خليلا كان لخليله اسم علم لا محالة فجعل كناية عنه وقيل وهو كناية عن الشيطان

٢٩

{لقد أضلني عن الذكر} أى عن ذكر اللّه أو القرآن أو الايمان

{بعد إذ جاءني} من اللّه

{وكان الشيطان} أى خليله سماه شيطانا لأنه أضله كما يضله الشيطان أو إبليس لأنه الذى حمله على مخالفة المضل ومخالفة الرسول

{للإنسان} المطيع له

{خذولا} هو مبالغة من الخذلان إى محمد من عادة الشيطان ترك من يواليه وهذا حكاية كلام اللّه أو كلام الظالم

٣٠

{وقال الرسول} أى عليه الصلاة والسلام فى الدنيا

{يا رب إن قومي} قريشا

{اتخذوا هذا القرآن مهجورا} متروكا أى تركوه ولم يؤمنوا به من الهجران وهو مفعول ثان لا تخذوا وفى هذا تعظيم للشكاية وتخويف لقومه لأن الأنبياء إذا شكوا إليه قومهم حل بهم العذاب ولم ينظروا ثم أقبل عليه مسليا ووعده النصرة عليهم فقال

٣١

{وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا} أى كذلك كان كل نبى قبلك مبتلى مبتلى بعداوة قومه وكفاك بى هاديا إلى طريق قهرهم والانتصار منهم وناصرا لك عليهم والعدو يجوز أن يكون واحدا وجميعا والباء زائدة اى وكفى ربك هاديا وهو تمييز

٣٢

{وقال الذين كفروا} أى قريش أو اليهود

{لولا نزل عليه القرآن جملة} حال من القرآن أى مجتمعا

{واحدة} يعنى هلا أنزل عليه دفعة واحدة فى وقت واحد كما أنزلت الكتب الثلاثة وماله أنزل على التفاريق وهو فضول من القول ومماراة بما لا طائل تحته لأن أمر الاعجاز الاحتجاج به لا يختلف بنزوله جملة واحدة أو متفرقا ونزل هنا بمعنى أنزل وإلا لكان متدافعا بدليل جملة واحدة وهذا اعتراض فاسد لأنهم تحدوا بالاتيان بسورة واحدة من أصغر السور فابرزوا صفحة عجزهم حتى لا ذوا بالمناصبة وفرعوا إلى المحاربة وبذلوا المهج ومالوا إلى الحجج

{كذلك} جواب لهم أى كذلك أنزل مفرقا فى عشرين سنة أو فى ثلاث وعشرين وذلك فى كذلك اشارة إلى مدلول قوله لولا نزل عليه القرآن جملة لأن معناه لم أنزل عليك القرآن مفرقا فاعلم ان ذلك

{لنثبت به} بتفريقه

{فؤادك} حتى تعيه ونحفظه لأن المتلقن إنما يقوى قلبه على حفظ العلم شيئا بعد شئ وجزا ولو ألقى عليه جملة واحدة لعجز عن حفظه أو لنثبت به فؤادك عن الضجر بتواتر الوصول وتتابع الرسول لأن قلب المحب يسكن بتواصل كتب المحبوب

{ورتلناه ترتيلا} معطوف على الفعل الذى تعلق به كذلك كأنه قال كذلك فرقناه ورتلناه أى اقرأه بترسل وتثبت أو بيناه تبيينا والترتيل التبيين فى ترسل وتثبت

٣٣

{ولا يأتونك بمثل} بسؤال عجيب من سؤالاتهم الباطلة كأنه مثل فى البطلان

{إلا جئناك بالحق} إلا أتيناك بالجواب الحق الذى لا محيد عنه

{وأحسن تفسيرا} وبما هو أحسن معنى ومؤدى من مثلهم أى من سؤالهم وإنما حذف من مثلهم لأن فى الكلام دليلا عليه كما لو قلت رأيت زيدا وعمرا وإن كان عمرو أحسن وجها فيه دليل على انك تريد من زيد ولما كان التفسير هو التكشيف عما يدل عليه الكلام وضع موضع معناه فقالوا تفسير هذا الكلام كيت وكيت كما قيل معناه كذا وكذا أو لا يأتونك بحال وصفة عجيبة يقولون هلا أنزل عليك القرآن جملة إلا أعطيناك من الأحوال ما يحق لك فى حكمتنا أن تعطاه وما هو أحسن تكشيفا لما بعثت عليه ودلالة على صحته يعنى أن تنزيله مفرقا وتحديهم بأن يأتوا ببعض تلك التفاريق كلما نزل شئ منها أدخل فى الاعجاز من أن ينزل كله جملة

٣٤

{الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر} الذين مبتدأ ثان وشر خبر أولئك وأولئك مع شر خبر الذين أو التقدير هم الذين أو أعنى الذين وأولئك مستأنف

{مكانا} أى مكانة ومنزلة أو مسكنا ومنزلا

{وأضل سبيلا} أى وأخطأ طريقا وهو من الاسناد المجازى والمعنى أن حاملكم على هذه السؤالات أنكم تضلون سبيله وتحتقرون مكانه ومنزلته ولو نظرتم بعين الانصاف وأنتم من المسحوبين على وجوههم إلى جهنم لعلمتم ان مكانكم شر من مكانه ومنزلة سبيلكم أضل من سبيله وفى طريقته قوله قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثورة عند اللّه من لعنه اللّه وغضب عليه الآية وعن النبى صلى اللّه عليه وسلم يحشر الناس يوم القيامة على ثلاثة أصناف صنف على الدواب وصنف على أرجلهم وصنف على وجوههم قيل يا رسول اللّه كيف يمشون على وجوههم فقال عليه الصلاة والسلام الذى أمشاكم على أقدامكم يمشيهم على وجوههم

٣٥

{ولقد آتينا موسى الكتاب} التوراه كما آتيناك القرآن

{وجعلنا معه أخاه هارون} بدل أو عطف بيان

{وزيرا} هو فى اللغة من يرجع إليه من الوزر وهو الملجأ والوزارة لا تنافى النبوة فقد كان يبعث فى الزمن الواحد أنبياء ويؤمرون بأن يؤازر بعضهم بعضا

٣٦

{فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا} إلى فرعون وقومه وتقديره فذهبا اليهم وانذرا فكذبوهما

{فدمرناهم تدميرا} التدمير الاهلاك بأمر عجيب أراد اختصار القصة فذكر اولها وآخرها لأنهما المقصود من القصة أعنى الزام الحجة ببعثة الرسل واستحقاق التدمير بتكذيبهم

٣٧

{وقوم نوح} أى ودمرنا قوم نوح

{لما كذبوا الرسل} يعنى نوحا وادريس وشيئا أو كان تكذيبهم لواحد منهم تكذيبا للجميع

{أغرقناهم} بالطوفان

{وجعلناهم} وجعلنا اغراقهم أو قصتهم

{للناس آية} عبرة يعتبرون بها

{وأعتدنا} وهيأنا

{للظالمين} لقوم نوح وأصله واعتدنا لهم الا أنه أراد تظليمهم فاظهر أو هو عام لكل من ظلم ظلم شرك ويتناولهم بعمومه

{عذابا أليما} أى النار

٣٨

{وعادا} دمرنا عادا

{وثمود} حمزة وحفص على تأويل القبيلة وغيرهما وثمودا على تأويل الحى أو لأنه اسم الأب الأكبر

{وأصحاب الرس} هم قوم شعيب كانوا يعبدون الأصنام فكذبوا شعيبا فبيناهم حول الرس وهى البئر غير مطوية انهارت بهم فخسف بهم وبديارهم وقيل الرس قرية قتلوا نبيهم فهلكوا أو هم أصحاب الأخدود والرس الأخدود

{وقرونا} وأهلكنا أمما

{بين ذلك} المذكور

{كثيرا} لا يعلمها إلا اللّه أرسل اليهم فكذبوهم فاهلكوا

٣٩

{وكلا ضربنا له الأمثال} بينا له القصص العجيبة من قصص الأولين

{وكلا تبرنا تتبيرا} أى أهلكنا أهلاكا وكلا الأول منصوب بما دل عليه ضربنا له الأمثال وهو أنذرنا أو حذرنا والثانى بتبرنا لأنه فارغ له

٤٠

{ولقد أتوا} يعنى أهل مكة

{على القرية} سدوم وهى أعظم قرى قوم لوط وكانت خمسا أهلك اللّه أربعا مع أهلها وبقيت واحدة

{التي أمطرت مطر السوء} أى أمطر اللّه عليها الحجارة يعنى ان قريشا مروا كثيرة فى متاجرهم إلى الشأم على تلك القرية التى أهلكت بالحجارة من السماء ومطر السوء مفعول ثان والأصل أمطرت القرية مطرا أو مصدر محذوف الزوائد أى امطار السوء

{أفلم يكونوا يرونها} أما شاهدوا ذلك بأبصارهم عند سفرهم الشام فيتفكروا فيؤمنوا

{بل كانوا لا يرجون نشورا} بل كانوا قوما كفرة بالبعث لا يخافون بعثا فلا يؤمنون أولا يأملون نشورا كما يأمله المؤمنون لطعمهم فى الوصول إلى ثواب أعمالهم

٤١

{وإذا رأوك إن يتخذونك} ان نافية

{إلا هزوا} اتخذه هزؤا فى معنى استهزأ به والأصل اتخذه موضع هزؤا ومهزوءا به

{أهذا الذي} محكى بعد القول المضمر وهذا استصغار واستهزاء أى قائلين أهذا الذى

{بعث اللّه رسولا} والمحذوف حال والعائد إلى الذى محذوف أى بعثه

٤٢

{إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها} ان مخففة من الثقيلة واللام فارغة وهو دليل على فرط مجاهدة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فى دعوتهم وعرض المعجزات عليهم حتى شارفوا بزعمهم أن يتركوا دينهم إلى دين الاسلام لولا فرط لجاجهم ولستمساكهم بعبادة آلهتهم

{وسوف يعلمون حين يرون العذاب} هو وعيد ودلالة على انهم لا يفوتونه وان طالت مدة الامهال

{من أضل سبيلا} هو كالجواب عن قولهم ان كاد ليضلنا لأنه نسبة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى الضلال اذ لا يضل غيره الا من هو ضال فى نفسه

٤٣

{أرأيت من اتخذ إلهه هواه} أى من أطاع هواه فيما يأتى ويذر فهو عابد هواه وجاعله الهه فيقول اللّه تعالى لرسوله هذا الذى لا يرى معبودا الا هواه كيف تستطيع ان تدعوه إلى الهدى يروى أن الواحد من أهل الجاهلية كان يعبد الحجر فاذا مر بحجر أحسن منه ترك الأول وعبد الثانى وعن الحسن هو فى كل متع هواه

{أفأنت تكون عليه وكيلا} أى حفيظا تحفظه من متابعة هواه وعبادة ما يهواه أفأنت تكون عليه موكلا فتصرفه عن الهوى إلى الهدى عرفه ان اليه التبليغ فقط

٤٤

{أم تحسب} كأن هذه المذمة أشد من التى تقدمتها حتى حقت بالاضراب عنها اليها وهى كونهم مسلوبى الاسماع والعقول لانهم لا يلقون إلى استماع الحق أذنا ولا إلى تدبره عقلا ومشبهين بالانعام التى هى مثل فى الغفلة والضلالة فقد ركبهم الشيطان بالاستدلال لتركهم الاستدلال ثم هم ارجح ضلالة منها لأن الانعام تسبح ربها وتسجد له وتطيع من يعلفها وتعرف من يحسن اليها ممن يسئ اليها وتطلب ما ينفعها وتجتنب ما يضرها وتهتدى لمراعيها ومشاربها وهؤلاء لا ينقادون لربهم ولا يعرفون احسانه اليهم من اساءة الشيطان الذى هو عدوهم ولا يطلبون الثواب الذى هو أعظم المنافع ولا يتقون العقاب الذى هو أشد المضار والمهالك ولا يهتدون للحق الذى هو المشرع الهنى والعذب الروى وقالوا للملائكة روح وعقل والبهائم نفس وهوى والآدمى مجمع الكل ابتلاء فان غلبته النفس والهوى فضلته الانعام وان غلبته الروح والعقل فضل الملائكة الكرام وإنما ذكر الاكثر لأن فيهم من لم يصده عن الإسلام إلا حب الرياسة وكفى به داء عضالا ولأن فيهم من آمن

٤٥

{ألم تر إلى ربك} ألم تنظر إلى صنع ربك وقدرته

{كيف مد الظل} أى بسطه فعم الأرض وذلك من حين طلوع الفجر إلى وقت طلوع الشمس فى قول الجمهور لأنه ظل ممدود لا شمس معه ولا ظلمة وهو كما قال فى ظل الجنة وظل ممدود لا شمس معه ولا ظلمة

{ولو شاء لجعله ساكنا} أى دائما لا يزول ولا نذهبه الشمس

{ثم جعلنا الشمس عليه} على الظل

{دليلا} لأنه بالشمس يعرف الظل ولولا الشمس لما عرف الظل فالأشياء تعرف باضدادها

٤٦

{ثم قبضناه} أن أخذنا ذلك الظل الممدود

{إلينا} إلى حيث أردنا

{قبضا يسيرا} سهلا غير عسير أو قليلا قليلا أى جزأ فجزأ بالشمس التى تأتى عليه وجاء بثم لتفاضل ما بين الحوادث فى الوقت

٤٧

{وهو الذي جعل لكم الليل لباسا} جعل الظلام الساتر كاللباس

{والنوم سباتا} راحة لأبدانكم وقطعا لأعمالكم والسبت القطع والنائم مسبوت لأنه انقطع عمله وحركته وقيل السبات الموت المسبوت الميت لأنه مقطوع الحياة وهو كقوله تعالى وهو الذى يتوفاكم بالليل ويعضده ذكر النشور فى مقابلته

{وجعل النهار نشورا} إذا لنشور انبعاث من النوم كنشور الميت أى ينشر فيه الخلق للمعاش وهذه الآية مع دلالتها على قدرة الخالق فيها اظهار لنعمته والحياة عبرة لمن اعتبر وقال لقمان لابنه كما تنام فتوعظ كذلك تموت فتنشر

٤٨

{وهو الذي أرسل الرياح} الريح مكى والمراد الجنس

{بشرا} تخفيف بشر جمع بشور

{بين يدي رحمته} أى قدام المطر لأنه ريح ثم سحاب ثم مطر وهذه استعارة ملحية

{وأنزلنا من السماء ماء} مطر

{طهورا} بليغا فى طهارته والطهور صفة كقولك ماء طهور أى طاهر واسم كقولك لما يتطهر به طهور كالوضوء والوقود لما يتوضأ به وتوقد به النار ومصدر بمعنى التطهر كقولك تطهرت طهورا حسنا ومنه قوله عليه الصلاة والسلام إلا بطهور أى بطهارة وما حكى عن ثعلب هو ما كان طاهرا فى نفسه مطهرا لغيره وهو مذهب الشافعى رحمه اللّه تعالى ان كان هذا زيادة بيان الطهارة فحسن ويعضده قوله تعالى وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به [سورة الأنفال:١١] و إلا فليس فعول من التفعيل فى شئ وقياسه على ما هو مشتق من الافعال المعتدية كقطوع ومنوع غير سديد لأن بناء الفعول للمبالغة فان كان الفعل متعديا فالفعول متعدوان كان لازما فلازم

٤٩

{لنحيي به} بالمطر

{بلدة ميتا} ذكر ميتا على إرادة البلد أو المكان

{ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا} أى نسقى الماء البهائم والناس ومما خلقنا حال من انعاما وأناسى أى انعاما وأناسى مما خلقنا وسقى وأسقى لغتان وقرأ المفضل والبرجمى ونسقيه والاناسى جمع انسى على القياس ككرسى وكراسى وإنسان وأصله اناسين كسرحان وسراحين فابدلت النون ياء وأدغمت وقدم احياء الأرض على سقى الأنعام والاناسى لأن حياتها سبب لحياتهما وتخصيص الانعام من الحيوان الشارب لأن عامة منافع الاناسى متعلقة بها فكأن الانعام عليهم بسقى الانعام كالأنعام بسقيهم وتنكير البلدة لأنه يريد بعض بلاد هؤلاء المتبعدين على مظان الماء ولما كان سقى الاناسى من جملة ما انزل له الماء وصفه بالطهورية شرط الاحياء

٥٠

{ولقد صرفناه بينهم ليذكروا} ليذكروا حمزة وعلى يريد ولقد صرفنا هذا القول بين الناس فى القرآن وفى سائر الكتب المنزلة على الرسل وهو ذكر إنشاء السحاب وانزال القطر ليتفكروا ويعتبروا ويعرفوا حق النعمة فيه فيشكروا

{فأبى أكثر الناس إلا كفورا} فابى أكثرهم إلا كفران النعمة وجحودها وقلة الا كتراث لها أو صرفنا المطر بينهم فى البلدان المختلفة والاوقات المتغايرة وعلى الصفات المتفاوتة من وابل وطل وجود ورذاذ وديمة فابوا إلا الكفور وأن يقولوا مطر نابنوء كذا ولا يذكروا صنع اللّه تعالى ورحمته وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما ما من عام أقل مطرا من عام ولكن اللّه يصرفه حيث يشاء وقرأ الآية وروى أن الملائكة يعرفون عدد المطر ومقداره فى كل عام لأنه لا يختلف ولكن يختلف فيه البلاد وينتزع من هنا جواب فى تنكير البلدة والانعام والاناسى ومن نسب الأمطار إلى الانواء وجحد أن تكون هى والانواء من خلق اللّه تعالى كفروان رأى أن اللّه تعالى خالقها وقد نصب الانواء أمارات ودلالات عليها لم يكفر

٥١

{ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا

٥٢

فلا تطع الكافرين} أى لو شئنا لخففنا عنك اعباء نذارة جميع القرى ولبعثنا فى كل قرية نبيا ينذؤها ولكن شئنا أن نجمع لك فضائل جميع المرسلين بالرسالة إلى كافة العالمين فقصرنا الأمر عليك وعظمناك به فتكون وحدك ككلهم ولذا خوطب بالجمع يا أيها الرسل فقابل ذلك بالشكر والصبر والتشدد ولا تطع الكافرين فيما يدعونك اليه من موافقتهم ومداهنتهم وكما آثرتك على جميع الأنبياء فآثر رضائى على جميع الأهواء وأريد بهذا تهييجه وتهييج المؤمنين وتحريكهم

{وجاهدهم به} أى باللّه يعنى بعونه وتوفيقه أو بالقرآن أى جادلهم به وقرعهم بالعجز عنه

{جهادا كبيرا} عظيما موقعه عند اللّه لما يحتمل فيه من المشاق ويجوز أن يرجع الضمير فى به إلى ما دل عليه ولو شئنا لبعثنا فى كل قرية نذيرا من كونه نذير كافة القرى لأنه لو بعث فى كل قرية نذير لوجب على كل نذير مجاهدة قريته فاجتمعت على رسول اللّه تلك المجاهدات فكبر جهاده من أجل ذلك وعظم فقال له وجاهدهم بسبب كونك نذير كافة القرى جهادا كبيرا جامعا لكل مجاهدة

٥٣

{وهو الذي مرج البحرين} خلاهما متجاورين متلاصقين تقول مرجت الدابة إذا خليتها ترعى وسمى الماءين الكثيرين الواسعين بحرين

{هذا} أى أحدهما

{عذب فرات} صفة لعذب أى شديد العذوبة حتى يقرب إلى الحلاوة

{وهذا ملح أجاج} صفة لملح أى شديد الملوحة

{وجعل بينهما برزخا} حائلا من قدرته يفصل بينهما ويمنعهما التمازج فهما فى الظاهر مختلفان وفى الحقيقة منفصلان

{وحجرا محجورا} وسترا ممنوعا عن الأعين كقوله حجابا مستورا

٥٤

{وهو الذي خلق من الماء} أى النطفة

{بشرا} إنسانا

{فجعله نسبا وصهرا} أراد تقسيم البشر قسمين ذوى نسب أى ذكورا ينسب إليهم فيقال فلان بن فلان وفلانة بنت فلان وذوات صهر أى إناثا يصاهر بهن كقوله تعالى فجعل منه الزوجين الذكر والانثى

{وكان ربك قديرا} حيث خلق من النطفة الواحدة بشرا نوعين ذكرا وأنثى وقيل فجعله نسبا أى قرابة وصهرا مصاهرة يعنى الوصلة بالنكاح من باب الانساب لأن التواصل يقع بها وبالمصاهرة لأن التوالد يكون بهما

٥٥

{ويعبدون من دون اللّه ما لا ينفعهم} إن عبدوه

{ولا يضرهم} ان تركوه

{وكان الكافر على ربه} على معصية ربه

{ظهيرا} معينا ومظاهرا وفعيل بمعنى مفاعل غير عزيز والظهير والمظاهر كالعوين والمعاون والمظاهرة المعاونة والمعنى أن الكافر بعبادة الصنم يتابع الشيطان ويعاونه على معصية الرحمن

٥٦

{وما أرسلناك إلا مبشرا} للمؤمنين

{ونذيرا} للكافرين

٥٧

{قل ما أسألكم عليه} على التبليغ

{من أجر} جعل

{إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا} والمراد الافعل من شاء واستثناؤه من الأجر قول ذى شفقه عليك قد سعى لك فى تحصيل مال ما أطلب منك ثوابا على ما سعيت إلا أن تحفظ هذا المال ولا تضيعه فليس حفظك المال لنفسك من جنس الثواب ولكن صوره بصورة الثواب كأنه يقول إن حفظت مالك اعتد حفظك بمنزلة الثواب لى ورضائى به كرضا المثاب بالثواب ولعمرى أنه عليه الصلاة والسلام مع أمته بهذا الصدد ومعنى اتخاذهم إلى اللّه سبيلا تقربهم إليه بالإيمان والطاعة أو بالصدقة والنفقة وقيل المراد ولكن من شاء أن يتخذ بالإنفاق إلى رضاء ربه سبيلا فليفعل وقيل تقديره لا أسألكم على ما أدعوكم إليه أجرا إلا اتخاذ المدعو سبيلا إلى ربه بطاعته فذلك أجزى لأن اللّه يأجرنى عليه

٥٨

{وتوكل على الحي الذي لا يموت} اتخذ من لا يموت وكيلا لا يكلك إلى من يموت ذليلا يعنى ثق به واسند أمرك إليه فى استكفاء شرورهم ولا تتكل على حى يموت وقرأها بعض الصالحين فقال لا يصح لذى عقل أن يثق بعدها بمخلوق والتوكل والاعتماد عليه فى كل أمر

{وسبح} عن أن يكل إلى غيره من توكل عليه

{بحمده} بتوفيقه الذى يوجب الحمد أو قل سبحان اللّه وبحمده أو نزهه عن كل العيوب بالثناء عليه

{وكفى به بذنوب عباده خبيرا} أى كفى اللّه خبيرا بذنوب عباده يعنى أنه خبير بأحوالهم كاف فى جزاء أعمالهم

٥٩

{الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام} أى فى مدة مقدار هذه المدة لأنه لم يكن حينئذ ليل ونهار روى عن مجاهد أولها يوم الأحد وآخرها يوم الجمعة وإنما خلقها فى ستة أيام وهو يقدر على أن يخلقها فى لحظة تعليما لخلقه الرفق والتثبت

{ثم استوى على العرش الرحمن} أى هو الرحمن فالرحمن خبر مبتدأ محذوف أو بدل من الضمير فى استوى أو الذى خلق مبتدأ والرحمن خبره

{فاسأل} بلا همزة مكى وعلى

{به} صلة سل كقوله سأل سائل بعذاب واقع كما تكون صلة فى قوله تعالى ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم فسأل به كقوله اهتم به واشتغل به وسأل عنه كقولك بحث عنه وفتش عنه أو صلة

{خبيرا} ويكون خبيرا مفعول سل أى فاسأل عنه رجلا عارفا يخبرك برحمته أو فاسأل رجلا خبيرا به وبرحمته أوالرحمن اسم من أسماء اللّه تعالى مذكور فى الكتب المتقدمة ولم يكونوا يعرفونه فقيل فاسأل بهذا الاسم من يخبرك من أهل الكتب حتى تعرف من ينكره ومن ثم كانوا يقولون ما نعرف الرحمن إلا الذى باليمامة يعنون مسيلمة وكان يقال له رحمان اليمامة

٦٠

{وإذا قيل لهم} أى إذا قال محمد عليه الصلاة والسلام للمشركين

{اسجدوا للرحمن} صلوا للّه واخضعوا له

{قالوا وما الرحمن} أى لا نعرف الرحمن فنسجد له فهذا سؤال عن المسمى به لأنهم ما كانوا يعرفونه بهذا الاسم والسؤال عن المجهول بما أو عن معناه لأنه لم يكن مستعملا فى كلامهم كما استعمل الرحيم والراحم والرحوم

{أنسجد لما تأمرنا} للذى تأمرنا بالسجود له أو لامرك بالسجود يا محمد من غير علم منا به يأمرنا على وحمزة كان بعضهم قال لبعض أنسجد لما يأمرنا محمد أو يأمرنا المسمى بالرحمن ولا نعرف ما هو فقد عاندوا لأن معناه عند أهل اللغة ذو الرحمة التى لا غاية بعدها فى الرحمة لأن فعلان من أبنية المبالغة تقول رجل عطشان إذا كان فى نهاية العطش

{وزادهم} قوله اسجدوا للرحمن

{نفورا} تباعدا عن الإيمان

٦١

{تبارك الذي جعل في السماء بروجا} هى منازل الكواكب السيارة لكل كوكب بيتان يقوى حاله فيهما وللشمس بيت وللقمر بيت فالحمل والعقرب بيتا المريخ والثور والميزان بيتا الزهرة والجوزاء والسنبلة بيتا عطارد والسرطان بيت القمر والأسد بيت الشمس والقوس والحوت بيتا المشترى والجدى والدلو بيتا زحل وهذه البروج مقسومة على الطبائع الأربع فيصيب كل واحد منها ثلاثة بروج فالحمل والأسد والقوس مثلثة نارية والثور والسنبلة والجدي مثلثة أرضية والجوازء والميزان والدلو مثلثة هوائية والسرطان والعقرب والحوت مثلثة مائية سميت المنازل بالبروج التي هى القصور العالية لأنها لهذه الكواكب كالمنازل لسكانها وانشقاق البروج من التبرج لظهوره وقال الحسن وقتادة ومجاهد البروج هى النجوم الكبار لظهورها

{وجعل فيها} فى السماء

{سراجا} يعنى الشمس لتوقدها سرجا حمزة وعلى أى نجوما

{وقمرا منيرا} مضيئا بالليل

٦٢

{وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة} فعلة من خلف كالركبة من ركب وهى الحالة التى يخلف عليها الليل والنهار كل واحد منهما الآخر والمعنى جعلهما ذوى خلفة يخلف أحدهما الآخر عند مضيه أو يخلفه فى قضاء ما فاته من الورد

{لمن أراد أن يذكر} يتدبر فى تسخيرهما واختلافهما فيعرف مدبرهما يذكر حمزة وخلف أى يذكر اللّه أو المنسى فيقضى

{أو أراد شكورا} أى يشكر نعمة ربه عليه فيهما

٦٣

{وعباد الرحمن} مبتدأ خبره

{الذين يمشون} أو أولئك يجزون والذين يمشون وما بعدهما صفة والإضافة إلى الرحمن للتخصيص والتفضيل وصف أولياءه بعدما وصف أعداءه

{على الأرض هونا} حال أو صفة للمشى أى هينين أو مشيا هينا والهون الرفق واللين أى يمشون بسكينة ووقار وتواضع دون مرح واختيال وتكبر فلا يضربون بأقدامهم ولا يخفقون بنعالهم أشرا وبطرا ولذا كره بعض العلماء الركوب فى الأسواق ولقوله ويمشون فى الأسواق

{وإذا خاطبهم الجاهلون} أى السفهاء بما يكرهون

{قالوا سلاما} سدادا من القول يسلمون فيه من الإيذاء والافك أو تسلما منكم نتارككم ولا تجاهلكم فاقيم السلام مقام التسلم وقيل نسختها آية القتال ولا حاجة إلى ذلك فالاغضاء عن السفهاء مستحسن شرعا ومروءة هذا وصف نهارهم ثم وصف ليلهم بقوله

٦٤

{والذين يبيتون لربهم سجدا} جمع ساجد

{وقياما} جمع قائم والبيتوتة خلاف الظلول وهى ان يدركك الليل نمت أو لم تنم وقالوا من قرأ شيئا من القرآن فى صلاة وإن قل فقد بات ساجدا وقائما وقيل هما الركعتان بعد المغرب والركعتان بعد العشاء والظاهر أنه وصف لهم باحياء الليل أو أكثره

٦٥

{والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما} هلاكا لازما ومنه الغريم لملازمته وصفهم باحياء الليل ساجدين قائمين ثم عقبه بذكر دعوتهم هذه إيذانا بأنهم مع إجتهادهم خائفون مبتهلون متضرعون إلى اللّه فى صرف العذاب عنهم

٦٦

{إنها ساءت مستقرا ومقاما} أى أن جهنم وساءت فى حكم بئست وفيها ضمير مبهم يفسره مستقرا والمخصوص بالذم محذوف معناه ساءت مستقرا ومقاما هى وهذا الضمير هو الذى ربط الجملة باسم إن وجعلها خبرا لها أو بمعنى أحزنت وفيها ضمير اسم ان ومستقرا حال أو تمييز ويصح أن يكون التعليلان متداخلين ومترادفين وأن يكونا من كلام اللّه تعالى وحكاية لقولهم

٦٧

{والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا} لم يجاوزوا الحد فى النفقة أو لم يأكلوا للتنعم ولم يلبسوا للتصلف وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما لم ينفقوا فى المعاصى فالإسراف مجاوزة القدر وسمع رجل رجلا يقول لا خير فى الإسراف فقال لا إسراف فى الخير وقال عليه الصلاة والسلام من منع حقا فقد قتر ومن أعطى فى غير حق فقد أسرف

{ولم يقتروا} بضم التاء كوفي وبضم الياء وكسر التاء مدنى وشامى وبفتح الياء وكسر التاء مكى وبصرى والفتر والإفتار والتقتير والتضييق الذى هو نقيض الإسراف

{وكان} إنفاقهم

{بين ذلك} أى الإصراف والإقتار

{قواما} أى عدلا بينهما فالقوام العدل بين الشيئين والمنصوبان أي بين ذلك قواما خبران وصفهم بالقصد الذي هو بين الغلو والتقصير وبمثله أمر عليه الصلاة والسلام ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك الآية وسأل عبدالملك بن مروان عمر عبدالعزيز عن نفقته حين زوجه ابنته فقال الحسنة بين السيئتين فعرف عبدالملك أنه أراد ما فى هذه الآية وقيل أولئك أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام كانوا لا يأكلون طعاما للتنعم واللذة ولا يلبسون ثيابهم للجمال والزينة ولكن لسد الجوعة وسترالعورة ودفع الحر والقر وقال عمر رضى اللّه عنه كفى سرفا أن لا يشتهى الرجل شيئا إلا أكله

٦٨

{والذين لا يدعون مع اللّه إلها آخر} أى لا يشركون

{ولا يقتلون النفس التي حرم اللّه} أى حرمها يعنى حرم قتلها

{إلا بالحق} بقود أو رجم أو ردة أو شرك أو سعى فى الأرض بالفساد وهو متعلق بالقتل المحذوف أو بلا يقتلون

{ولا يزنون} ونفى هذه الكبائر عن عبادة الصالحين تعريض لما كان عليه أعداؤهم من قريش وغيرهم كانه قيل والذين طهرهم اللّه مما أنتم عليه

{ومن يفعل ذلك} أى المذكور

{يلق أثاما} جزاء الاثم

٦٩

{يضاعف} بدل من يلق لأنهما فى معنى واحد إذ مضاعفة العذاب هى لقاء الاثام كقوله

متى تأتنا تلمم بنا فى ديارنا  تجد حطبا جزلا ونارا تأججا

فجزم تلمم لأنه بمعنى تأتنا إذ الاتيان هو الالمام يضعف مكى ويزيد ويعقوب يضعف شامى يضاعف أبو بكر على الاستئناف أو على الحال ومعنى يضاعف

{له العذاب يوم القيامة} أى يعذب على مرور الأيام فى الآخرة عذابا على عذاب وقيل إذا ارتكب المشرك معاصى مع الشرك عذب على الشرك وعلى المعاصى جميعا فتضاعف العقوبة لمضاعفة العذاب المعاقب عليه

{ويخلد} جزمه جازم يضاعف ورفعه رافعه لأنه معطوف عليه

{فيه} فى العذاب فيهى مكى وحفص بالاشباع وإنما خص حفص الاشباع بهذه الكلمة مبالغة فى الوعيد والعرب تمد للمبالغة مع أن الأصل فى هاء الكناية الاشباع

{مهانا} حال أى ذليلا

٧٠

{إلا من تاب} عن الشرك وهو استثناء من الجنس فى موضع النصب

{وآمن} بمحمد عليه الصلاة والسلام

{وعمل عملا صالحا} بعد توبته

{فأولئك يبدل اللّه سيئاتهم حسنات} أى يوفقهم للمحاسن بعد القبائح أو يمحوها بالتوبة ويثبت مكانها الحسنات الايمان والطاعة ولم يرد به أن السيئة بعينها حسنة ولكن المراد ما ذكرنا يبدل مخففا البرجمى

{وكان اللّه غفورا} يكفر السيآت

{رحيما} يبدلها بالحسنات

٧١

{ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى اللّه متابا} أى ومن تاب وحقق التوبة بالعمل الصالح فإنه يتوب بذلك إلى اللّه تعالى متابا مرضيا عنده مكفرا للخطايا محصلا للثواب

٧٢

{والذين لا يشهدون الزور} أى الكذب يعنى ينفرون عن محاضر الكذابين ومجالس الخطائين فلا يقربونها تنزها عن مخالطة الشر وأهله إذ مشاهدة الباطل شركة فيه وكذلك النظارة إلى ما لم تسوغه الشريعة هم شركاء فاعليه فى الآثام لأن حضورهم ونظرهم دليل الرضا وسبب وجود الزيادة فيه وفى مواعظ عيسى عليه السلام إياكم ومجالسة الخاطئين أو لا يشهدون شهادة الزور على حذف المضاف وعن قتادة المراد مجالس الباطل وعن ابن الحنفية لا يشهدون اللّهو والغناء

{وإذا مروا باللغو} بالفحش وكل ما ينبغى أن يلغى ويطرح والمعنى وإذا مروا بأهل اللغو والمشتغلين به

{مروا كراما} معرضين مكرمين أنفسهم عن التلوث به كقوله وإذا سمعوا اللغو أَعرضوا عنه وعن الباقر رضى اللّه عنه إذا ذكروا الفروج كنوا عنها

٧٣

{والذين إذا ذكروا بآيات ربهم} أى قرئ عليهم القرآن أووعظوا بالقرآن

{لم يخروا عليها صما وعميانا} هذا ليس بنفى الخرور بل هو إثبات له ونفى الصم والعمى ونحوه لا يلقانى زيد مسلما هو نفى للسلام لا للقاء يعنى أنهم إذا ذكروا بها خروا سجدا وبكيا سامعين بآذان واعية مبصرين بعيون راعية لما أمروا به ونهوا عنه لا كالمنافقين وأشباههم دليله قوله تعالى وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا

٧٤

{والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا} من البيان كانه قيل هب لنا قرة أعين ثم بينت القرة وفسرت بقوله من أزواجنا

{وذرياتنا} ومعناه أن يجعلهم اللّه لهم قرة أعين وهو من قولهم رأيت منك أسدا أى أنت أسد أو للابتداء على معنى هب لنا من جهنم ما تقربه عيوننا من طاعة وصلاح وذريتنا أبو عمرو وكوفى غير حفص لإرادة الجنس وغيرهم ذرياتنا

{قرة أعين} وإنما نكر لأجل تنكير القرة لأن المضاف لا سبيل إلى تنكيره إلا بتنكير المضاف إليه كأنه قال هب لنا منهم سرورا وفرحا وإنما قيل أعين على القلة دون عيون لأن المراد أعين المتقين وهى قليلة بالاضافة إلى عيون غيرهم قال اللّه تعالى وقليل من عبادى الشكور ويجوز أن يقال فى تنكير أعين أنها أعين خاصة وهى أعين المتقين والمعنى أنهم سألوا ربهم أن يرزقهم أزواجا وأعقابا عمالا للّه تعالى بسرون بمكانهم وتقربهم عيونهم وقيل ليس شئ أقر لعين المؤمن من أن يرى زوجته وأولاده مطيعين للّه تعالى وعن ابن عباس رضى اللّه تعالى عنهما هو الولد إذا رآه يكتب الفقه

{واجعلنا للمتقين إماما} أى أئمة يقتدون بنا فى الدين فاكتفى بالواحد لدلالته على الجنس ولعدم اللبس أو واجعل كل واحد منا اماما قيل فى الآية ما يدل على أن الرياسة فى الدين يجب أن تطلب ويرغب فيها

٧٥

{أولئك يجزون الغرفة} أى الغرفات وهى العلالى فى الجنة فوحد اقتصارا على الواحد الدال على الجنس دليله وهم فى الغرفات آمنون

{بما صبروا} أى بصبرهم على الطاعات وعن الشهوات وعلى أذى الكفار ومجاهدتهم وعلى الفقر وغير ذلك

{ويلقون فيها} ويلقون كوفى غير حفص

{تحية} دعاء بالتعمير

{وسلاما} ودعاء بالسلامة يعنى أن الملائكة يحيونهم ويسلمون عليهم أو يحيى بعضهم بعضا ويسلم عليه

٧٦

{خالدين فيها} حال

{حسنت} أى الغرفة

{مستقرا ومقاما} موضع قرار وإقامة وهى فى مقابلة ساءت مستقرا ومقاما

٧٧

{قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم} ما متضمنة لمعنى الاستفهام وهى فى محل النصب ومعناه ما يصنع بكم ربى لولا دعاؤه إياكم إلى الإسلام أو لولا عبادتكم له أى أنه خلقكم لعبادته كقوله وما خلقت الجن والإنس الا ليعبدون أى الإعتبار عند ربكم لعبادتكم أو ما يصنع بعذابكم لولا دعاؤكم معه آلهة وهو كقوله تعالى ما يفعل اللّه بعذابكم إن شكرتم

{فقد كذبتم} رسولى يا أهل مكة

{فسوف يكون} العذاب

{لزاما} أى ذا لزام أو ملازما وضع مصدر لازم موضع اسم الفاعل وقال الضحاك ما يعبأ ما يبالى بمغفرتكم لولا دعاؤكم معه الها آخر

﴿ ٠