تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل

أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م)

_________________________________

سورة الشعراء

سورة الشعراء مكية وهى مائتان وعشرون وسبع آيات بسم اللّه الرحمن الرحيم

_________________________________

{طسم} طس ويس وحم ممالة كوفى غير الأعشى والبرجمى وحفص ويظهر النون عند الميم يزيد وحمزة وغيرهما يدغمها

٢

{تلك آيات الكتاب المبين} الظاهر إعجازه وصحة أنه من عند اللّه والمراد به السورة أو القرآن والمعنى آيات هذا المؤلف من الحروف المبسوطة تلك آيات الكتاب المبين

٣

{لعلك باخع} قاتل ولعل للاشفاق

{نفسك} من الحزن يعنى أشفق على نفسك أن تقتلها حسرة وحزنا على ما فاتك من إسلام قومك

{ألا يكونوا مؤمنين} لئلا يؤمنوا أو لا متناع إيمانهم أو خيفة أن لا يؤمنوا

٤

{إن نشأ} إيمانهم

{ننزل عليهم من السماء آية} دلالة واضحة

{فظلت} أى فتظل لأن الجزاء يقع فيه لفظ الماضى فى معنى المستقبل تقول ان زرتنى أكرمتك أى أكرمك كذا قاله الزجاج

{أعناقهم} رؤساؤهم ومقدموهم أو جماعتهم يقال جاءنا عنق من الناس لفوج منهم

{لها خاضعين} منقادين وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما نزلت فينا وفى بنى أمية فتكون لنا عليهم الدولة فتذل لنا أعناقهم بعد صعوبة ويلحقهم هوان بعد عزة

٥

{وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين} أى وما يجدد لهم اللّه بوحيه موعظة وتذكيرا الا جددوا اعراضا عنه وكفروا به

٦

{فقد كذبوا} محمدا صلى اللّه عليه وسلم فيما أتاهم به

{فسيأتيهم} فيسعلمون

{أنباء} أخبار

{ما كانوا به يستهزؤون} وهذا وعيد لهم وإنذار بأنهم سيعلمون إذا مسهم عذاب اللّه يوم بدر أو يوم القيامة ما الشئ الذى كانوا يستهزءون به وهو القرآن وسيأتيهم أنباؤه وأحواله التى كانت خافية عليهم

٧

{أو لم يروا إلى الأرض كم أنبتنا} كم نصب بانبتنا

{فيها من كل زوج} صنف من النبات

{كريم} محمود كثير المنفعة يأكل منه الناس والأنعام كالرجل الكريم الذى نفعه عام وفائدة الجمع بين كلمتى الكثرة والاحاطة أن كلمة كل تدل على الإحاطة بأزواج النبات على سبيل التفصيل وكم تدل على أن هذا المحيط متكاثر مفرط الكثرة وبه نبه هلى كمال قدرته

٨

{إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين} أى أن فى انبات تلك الأصناف لآية على أن منبتها قادر على إحياء الموتى وقد علم اللّه أن أكثرهم مطبوع على قلوبهم غير مرجى إيمانهم

٩

{وإن ربك لهو العزيز} فى انتقامه من الكفرة

{الرحيم} لمن آمن منهم ووحد آية مع الإخبار بكثرتها لأن ذلك مشار به إلى مصدر أنبتنا والمراد أن في كل واحدى من تلك الأزواج لآية أي آية

١٠

{وإذ} مفعول به أى اذكر اذ

{نادى} دعا ربك موسى ان أئت ان بمعنى أى

{القوم الظالمين} أنفسهم بالكفر وبنى إسرائيل بالاستعباد وذبح الأولاد سجل عليهم بالظلم ثم عطف

١١

{قوم فرعون} عليهم عطف البيان كأن معنى القوم الظالمين وترجمته قوم فرعون وكأنهما عبارتان تعتقبان على مؤدى واحد

{ألا يتقون} أى ائتهم زاجرا فقد آن لهم أن يتقوا وهى كلمة حث وإغراء ويحتمل أنه حال من الضمير فى الظالمين أى يظلموا غير متقين اللّه وعقابه فأدخلت همزة الإنكار على الحال

١٢

{قال رب إني أخاف} الخوف غم يلحق الإنسان لأمر سيقع

{أن يكذبون

١٣

ويضيق صدري} بتكذيبهم اياي مستأنف أو عطف على اخاف

{ولا ينطلق لساني} بأن تغلبنى الحمية على ما أرى من المحال واسمع من الجدال وبنصبهما يعقوب عطفا على يكذبون فالخوف متعلق بهذه الثلاثة على هذا التقدير وبالتكذيب وحده بتقدير الرفع

{فأرسل إلى هارون} أي ارسل إليه جبريل واجعله نبيا يعيننى على الرسالة وكان هرون بمصر حين بعث موسى نبيا بالشام ولم يكن هذا الالتماس من موسى عليه السلام توقفا فى الامتثال بل التماس عون فى تبليغ الرسالة وتمهيد العذر فى التماس المعين على تنفيذ الأمر ليس بتوقف فى امتثال الأمر وكفى بطلب العون دليلا على التقبل لا على التعلل

١٤

{ولهم علي ذنب} أى تبعة ذنب بقتل القبطى فحذف المضاف أو سمى تبعة الذنب ذنبا كما سمى جزاء السيئة سيئة

{فأخاف أن يقتلون} أى يقتلونى به قصاصا وليس هذا تعللا أيضا بل استدفاع للبلية المتوقعة وفرق من أن يقتل قبل أداء الرسالة ولذا وعده بالكلاءة والدفع بكلمة الردع وجمع له الاستجابتين معا فى قوله

١٥

{قال كلا فاذهبا} لأنه استدفعه بلاءهم فوعده اللّه الدفع بردعه عن الخوف والتمس منه رسالة أخيه فاجابه بقوله اذهبا أى جعلته رسولا معك فاذهبا وعطف فاذهبا على الفعل الذي يدل عليه كلا كانه قيل ارتدع يا موسى عما تظن فاذهب أنت وهرون

{بآياتنا} مع آياتنا وهى اليد والعصا وغير ذلك

{إنا معكم} أى معكما بالعون والنصرة ومع من أرسلتما اليه بالعلم والقدرة

{مستمعون} خبر لان ومعكم لغو أو هما خبران أى سامعون والاستماع فى غير هذا الاصغاء للسماع يقال استمع فلان حديثه أى أصغى اليه ولا يجوز حمله ههنا على ذلك فحمل على السماع

١٦

{فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين} لم يثن الرسول كما ثنى فى قوله انا رسولا ربك لان الرسول يكون بمعنى المرسل وبمعنى الرسالة فجعل ثمة بمعنى المرسل فلم يكن بد من تثنيته وجعل هنا بمعنى الرسالة فيستوى فى الوصف به الواحد والتثنية والجمع ولانهما لاتحادهما واتفاقهما على شريعة واحدة كانهما رسول واحد أو أريد ان كل واحد منا

١٧

{أن أرسل} بمعنى أرسل لتضمن الرسول معنى الارسال وفيه معنى القول

{معنا بني إسرائيل} يريد خلهم يذهبوا معنا إلى فلسطين وكانت مسكنهما فاتيا بابه فلم يؤذن لهما سنة حتى قال البواب أن ههنا انسانا يزعم أنه رسول رب العالمين فقال ائذن له لعلنا نضحك منه فأديا إليه الرسالة فعرف فرعون موسى فعند ذلك

١٨

{قال ألم نربك فينا وليدا} وانما حذف فأتيا فرعون فقالا اختصارا والوليد الصبى لقرب عهده من الولادة أى ألم تكن صغيرا فربيناك

{ولبثت فينا من عمرك سنين} قيل ثلاثين سنة

١٩

{وفعلت فعلتك التي فعلت} يعنى قتل القبطى فعرض اذ كان ملكا

{وأنت من الكافرين} بنعمتى حيث قتلت خبازى أو كنت على ديننا الذى تسمية كفرا وهذا افتراء منه عليه لأنه معصوم من الكفر وكان يعايشهم بالتقية

٢٠

{قال فعلتها إذا} أى اذ ذاك

{وأنا من الضالين} الجاهلين بأنها تبلغ القتل والضال عن الشئ هو الذاهب عن معرفته أو الناسين من قوله أن تضل احداهما فتذاكر إحداهما الأخرى فدفع وصف الكفر عن نفسه ووضع الضالين موضع الكافرين واذا جواب وجزاء معا وهذا الكلام وقع جوابا لفرعون وجزاء له لأن قول فرعون وفعلت فعلتك معناه انك جازيت نعمتى بما فعلت فقال له موسى نعم فعلتها مجازيا لك تسليما لقوله لأن نعمته كانت جديرة بان تجازى بنحو ذلك الجزاء

٢١

{ففررت منكم} الى مدين

{لما خفتكم} أن تقتلونى وذلك حين قال له مؤمن من آل فرعون ان الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج الآية

{فوهب لي ربي حكما} نبوة وعلما فزال عنى الجهل والضلالة

{وجعلني من المرسلين} من جملة رسله

٢٢

{وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل} كر على امتنانه عليه بالتربية فابطله من أصله وأبي أن تمسى نعمة لأنها نقمة حيث بين أن حقيقة أنعامه عليه تعبيد بنى اسرائيل لأن تعبيدهم وقصدهم بذبح أبنائهم هو السبب فى حصوله عنده وتربيته ولو تركهم لرباه ابواه فكأن فرعون امتن على موسى بتعبيد قومه واخراجه من حجر أبويه إذا حققت وتعبيدهم تذليلهم واتخاذهم عبيدا ووحد الضمير فى تمنها وعبدت وجمع فى منكم وخفتكم لأن الخوف والفرار لم يكونا منه وحده ولكن منه ومن ملته المؤتمرين بقتله بدليل قوله ان الملأ يأتمرون بك ليقتلوك وأما الامتنان فمنه وحده وكذا التعبيد وتلك إشارة إلى خصلة شنعاء مبهمة لا يدرى ما هى إلا بتفسيرها ومحل ان عبدت الرفع عطف بيان لتلك أى تعبيدك بنى اسرائيل نعمة تمنها على

٢٣

{قال فرعون وما رب العالمين} أى انك تدعى أنك رسول رب العالمين فما صفته لأنك إذا أردت السؤال عن صفة زيد تقول ما زيد تعنى أطويل أم قصير أفقيه أم طبيب نص عليه صاحب الكشاف وغيره

٢٤

{قال} موسى مجيبا له على وفق سؤاله

{رب السماوات والأرض وما بينهما} أى وما بين الجنسين

{إن كنتم موقنين} أى ان كنتم تعرفون الأشياء بالدليل فكفى خلق  هذه الأشياء دليلا أو ان يرجى منكم الايقان الذى يؤدى اليه النظر الصحيح نفعكم هذا الجواب والالم ينفع والايقان العلم الذى يستفاد بالاستدلال ولذا لا يقال اللّه موقن

٢٥

{قال} أى فرعون

{لمن حوله} من أشراف قومه وهم خمسمائة رجل عليهم الاساور وكانت للملوك خاصة

{ألا تستمعون} معجبا قومه من جوابه لأنهم يزعمون قدمهما وينكرون حدوثهما وان لهما ربا فاحتاج موسى إلى أن يستدل بما شاهدوا حدوثه وفناءه فاستدل حيث

٢٦

{قال ربكم ورب آبائكم الأولين} أى هو خالقكم وخالق آبائكم فان لم تستدلوا بغيركم فبأنفسكم وانما قال رب آبائكم لأن فرعون كان يدعى الربوبية على أهل عصره دون من تقدمهم

٢٧

{قال} أى فرعون

{إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون} حيث يزعم ان فى الوجود إلها غيرى وكان فرعون ينكر إلهية غيره

٢٨

{قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون} فتستدلون بما أقول فتعرفون ربكم وهذا غاية الارشاد حيث عمم أولا بخلق السموات والأرض وما بينهما ثم خصص من العام البيان أنفسهم وآباءهم لأن أقرب المنظور فيه من العاقل نفسه ومن ولد منه وما شاهد من أحواله من وقت ميلاده إلى وقت وفاته ثم خصص المشرق والمغرب لأن طلوع الشمس من أحد الخافقين وغروبها فى الآخر على تقدير مستقيم فى فصول السنة وحساب مستومن أظهر ما استدل به ولظهوره انتقل إلى الاحتجاج به خليل الرحمن عن الاحتجاج بالاحياء والاماتة على نمرودين كنعان وقيل سأله فرعون عن الماهية جاهلا عن حقيقة سؤاله فلما أجاب موسى بحقيقة الجواب وقع عنده أن موسى حاد عن الجواب حيث سأله عن الماهية وهو يجيب عن ربوبيته وآثار صنعه فقال معجبا لهم من جواب موسى ألا تستمعون فعاد موسى إلى مثل قوله الأول فجننه فرعون زاعما أنه حائد عن الجواب فعاد ثالثا إلى مثل كلامه الأول مبينا أن الفرد الحقيقى إنما يعرف بالصفات وأن السؤال عن الماهية محال واليه الاشارة فى قوله تعالى ان كنتم تعقلون أى ان كان لكم عقل علمكم أنه لا تمكن معرفته إلا بهذا الطريق فلما تحير فرعون ولم يتهيأ له أن يدفع ظهور آثار صنعه

٢٩

{قال لئن اتخذت إلها غيري} أى غيرى إلها

{لأجعلنك من المسجونين} أى لأجعلنك واحدا ممن عرفت حالهم فى سجونى وكان من عادته أن يأخذ من يريد سجنه فيطرحه فى هوة ذاهبة فى الأرض بعيدة العمق فردا لا يبصر فيها ولا يسمع فكان ذلك أشد من القتل ولو قيل لاسجننك لم يؤد هذا المعنى وان كان أخصر

٣٠

{قال أولو جئتك} الواو للحال دخلت عليها همزة الاستفهام أى أتفعل بى ذلك ولو جئتك

{بشيء مبين} أى جائيا بالمعجزة

٣١

{قال فأت به} بالذى يبين صدقك

{إن كنت من الصادقين} ان لك بينة وجواب الشرط مقدر أى فأحضره

٣٢

{فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين} ظاهر الثعبانية لا شئ يشبه الثعبان كما تكون الأشياء المزورة بالشعوذة والسحر روى ان العصا ارتفعت فى السماء قدر ميل ثم الخطت مقبلة إلى فرعون وجعلت تقول يا موسى مرنى بما شئت ويقول فرعون أسألك بالذى أرسلك إلا أخذتها فأخذها فعادت عصا

٣٣

{ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين} فيه دليل على أن بياضها كان شئ يجتمع النظارة على النظر اليه لخروجه عن العادة وكان بياضها نوريا روى ان فرعون لما أبصر الآية الأولى قال فهل غيرها فأخرج يده فقال لفرعون ما هذه قال فرعون يدك فادخلها فى ابطه ثم نزعها ولها شعاع يكاد يغشى الأبصار ويسد الأفق

٣٤

{قال} أى فرعون

{للملإ حوله} هو منصوب نصبين نصب فى اللفظ والعامل فيه ما يقدر فى الظرف ونصب فى المحل وهو النصب على الحال من الملا أى كائنين حوله والعامل فيه قال

{إن هذا لساحر عليم} بالسحر ثم أغوى قومه على موسى بقوله

٣٥

{يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا} منصوب لأنه مفعول به من قولك أمرتك الخير

{تأمرون} تشيرون فى أمره من حبس أو قتل من المؤامرة وهى المشاورة أو من الأمر الذى هو ضد النهى لما تحير فرعون برؤية الآيتين وزل عنه ذكر دعوى الالهية وحط عن منكبيه كبرياء الربوبية وارتعدت فرائضه خوفا طفق يؤامر قومه الذين هم بزعمه عبيده وهو إلههم أو جعلهم آمرين ونفسه مأمورا

٣٦

{قالوا أرجه وأخاه} أخر أمرهما ولا تباغت قتلهما خوفا من الفتنة

{وابعث في المدائن حاشرين} شرطا يحشرون السحرة وعارضوا قول فرعون ان هذا لساحر عليم بقولهم

٣٧

{يأتوك بكل سحار عليم} فجاءوا بكلمة الإحاطة وصيغة المبالغة ليسكنوا بعض قلقة

٣٨

{فجمع السحرة لميقات يوم معلوم} أى يوم الزينة وميقاته وقت الضحى لأنه الوقت الذى وقته لهم موسى عليه السلام من يوم الزينة فى قوله تعالى موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى والميقات ما وقت به أحد أى حدد من زمان أو مكان ومنه مواقيت الإحرام

٣٩

{وقيل للناس هل أنتم مجتمعون} أى اجتمعوا وهو استبطاء لهم فى الاجتماع والمراد منه استعجالهم

٤٠

{لعلنا نتبع السحرة} فى دينهم

{إن كانوا هم الغالبين} أى غلبوا موسى فى دينه وليس غرضهم اتباع السحرة وإنما الغرض الكلى أن لا يتبعوا موسى فساقوا الكلام مساق الكناية لأنهم إذا اتبعوهم لم يكونوا متبعين لموسى

٤١

{فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين

٤٢

قال نعم} وبكسر العين على وهما لغتان

{وإنكم إذا لمن المقربين} أى قال فرعون نعم لكم أجر عندى وتكونون مع ذلك من المقربين عندى فى المرتبة والجاه فتكونون أول من يدخل على وآخر من يخرج ولما كان قولهم أئن لنا لأجرا فى معنى جزاء الشرط لدلالته عليه وكان قوله وانكم إذا لمن المقربين معطوفا عليه دخلت إذا قارة فى مكانها الذى تقتضيه من الجواب والجزاء

٤٣

{قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون} من السحر فسوف ترون عاقبته

٤٤

{فألقوا حبالهم} سبعين ألف حبل

{وعصيهم} سبعين ألف عصا وقيل كانت الحبال اثنين وسبعين ألفا وكذا العصى

{وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون} أقسموا بعزته وقوته وهو من أيمان الجاهلية

٤٥

{فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف} تبتلع

{ما يأفكون} ما يقلبونه عن وجهه وحقيقته بسحرهم ويزورونه ويخيلون فى حبالهم وعصيهم انها حيات تسعى

٤٦

{فألقي السحرة ساجدين} عبر عن الخرور بالالقاء بطريق المشاكلة لأنه ذكر مع الالقاآت ولأنهم لسرعة ما سجدوا صاروا كأنهم ألقوا

٤٧

{قالوا آمنا برب العالمين} عن عكرمة رضى اللّه عنه أصبحوا سحرة وأمسوا شهداء

٤٨

{رب موسى وهارون} عطف بيان لرب العالمين لأن فرعون كان يدعى الربوبية فأرادوا أن يعزلوه وقيل ان فرعون لما سمع منهم آمنا برب العالمين قال اياى عنيتم قالوا رب موسى وهرون

٤٩

{قال آمنتم له قبل أن آذن لكم} بذلك

{إنه لكبيركم الذي علمكم السحر} وقد تواطأتم على أمر ومكر

{فلسوف تعلمون} وبال ما فعلتم ثم صرح فقال

{لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف} من أجل خلاف ظهر منكم

{ولأصلبنكم أجمعين} كانه أراد به ترهيب العامة لئلا يتبعوهم فى الإيمان

٥٠

{قالوا لا ضير} لا ضرر وخبر لا محذوف أى فى ذلك أو علينا

{إنا إلى ربنا منقلبون

٥١

إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا} لأن كنا

{أول المؤمنين} من أهل المشهد أو من رعية فرعون أرادوا لا ضرر علينا في ذلك بل لنا أعظم النفع لما يحصل لنا في الصبر عليه لوجه اللّه من تكفير الخطايا أو لا ضير علينا فيما تتوعدنا به أنه لا بد لنا من الانقلاب إلى ربنا بسبب من أسباب الموت والقتل أهون أسبابه وأرجاها أو لا ضير علينا فى قتلك انك ان قتلتنا انقلبنا إلى ربنا انقلاب من يطمع فى مغفرته ويرجو رحمته لما رزقنا من السبق إلى الإيمان

٥٢

{وأوحينا إلى موسى أن أسر} وبوصل الهمزة حجازى

{بعبادي} بنى اسرائيل سماهم عباده لايمانهم بنبيه أى سربهم ليلا وهذا بعد سنين من إيمان السحرة

{إنكم متبعون} يتبعكم فرعون وقوله علل الأمر بالاسراء باتباع فرعون وجنوده آثارهم يعنى إنى بنيت تدبير أمركم وأمرهم على أن تتقدموا ويتبعوكم حتى يدخلوا مدخلكم من طريق البحر فأهلكهم وروى أنه مات فى تلك الليلة فى كل بيت من بيوتهم ولد فاشتغلوا بموتاهم حتى خرج موسى بقومه وروى ان اللّه تعالى اوحى إلى موسى أن اجمع بنى اسرائيل كل أربعة أبيات فى بيت ثم اذبح الجداء واضربوا بدمائها على أبوابكم فإنى سآمر الملائكة أن لا يدخلوا بيتا على بابه دم وسآمرهم بقتل أبكار القبط واخبزوا خبزا فطيرا فإنه أسرع لكم ثم أسر بعبادى حتى تنتهى إلى البحر فيأتيك أمرى

٥٣

{فأرسل فرعون في المدائن حاشرين} أى جامعين للناس بعنف فلما اجتمعوا قال

٥٤

{إن هؤلاء لشرذمة قليلون} والشرذمة الطائفة القليلة ذكرهم بالاسم الدال على القلة ثم جعلها قليلا بالوصف ثم جمع القليل فجمع كل حزب منهم قليلا واختار جمع السلامة الذى هو للقلة وأراد بالقلة الذلة لا قلة العدد أى انهم لقلتهم لا يبالى بهم ولا تتوقع غلبتهم وإنما استقل قوم موسى وكانوا ستمائة ألف وسبعين ألفا لكثرة من معه فعن الضحاك كانوا سبعة آلاف ألف

٥٥

{وإنهم لنا لغائظون} أى انهم يفعلون أفعالا تغيظنا وتضيق صدورنا وهى خروجهم من مصرنا وحملهم علينا وقتلهم أبكارنا

٥٦

{وإنا لجميع حاذرون} شامى وكوفى وغيرهم حذرون فالحذر المتيقظ والحاذر الذى يجدد حذره وقيل المؤدى فى السلاح وإنما يفعل ذلك حذرا واحتياطا لنفسه يعنى ونحن قوم من عادتنا التيقظ والحذر واستعمال الحزم فى الأمور فإذا خرج علينا خارج سارعنا إلى حسم فساده وهذه معاذير اعتذر بها إلى أهل المدائن لئلا يظن به العجز والفتور

٥٧

{فأخرجناهم من جنات} بساتين

{وعيون} وأنهار جارية

٥٨

{وكنوز} وأموال ظاهرة من الذهب والفضة وسماها كنوزا لأنهم لا ينفقون منها فى طاعة اللّه تعالى

{ومقام} ومنزل

{كريم} بهى بهيج وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما المنابر

٥٩

{كذلك} يحتمل النصب على أخرجناهم مثل ذلك الإخراج الذى وصفنا والرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أى الأمر كذلك

{وأورثناها بني إسرائيل} عن الحسن لما عبروا النهر رجعوا وأخذوا ديارهم وأموالهم

٦٠

{فأتبعوهم} فلحقوهم فأتبعوهم يزيد

{مشرقين} حال أى داخلين فى وقت شروق الشمس وهو طلوعها أدرك قوم فرعون موسى وقومه وقت طلوع الشمس

٦١

{فلما تراءى الجمعان} أى تقابلا بحيث يرى كل فريق صاحبه والمراد بنو إسرائيل والقبط

{قال أصحاب موسى إنا لمدركون} أى قرب أن يلحقنا عدونا وأمامنا البحر

٦٢

{قال} موسى عليه السلام ثقة بوعد اللّه إياه

{كلا} ارتدعوا عن سوء الظن باللّه فلن يدركوكم

{إن معي} معى حفص

{ربي سيهدين} أى سيهدينى طريق النجاة من إدراكهم وإضرارهم سيهدينى بالياء يعقوب

٦٣

{فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر} أي القلزم أو النيل

{فانفلق} أي فضرب فانفلق وانشتى فصار اثنى عشر فرقا على عدد الأسباط

{فكان كل فرق} أي جزء تفرق منه

{كالطود العظيم} كالجبل المنطاد في السماء

٦٤

{وأزلفنا ثم} حيث انفلق البحر

{الآخرين} قوم فرعون أي قربناهم من بنى إسرائيل أو من البحر

٦٥

{وأنجينا موسى ومن معه أجمعين} من الغرق

٦٦

{ثم أغرقنا الآخرين} فرعون وقومه وفيه إبطال القول بتأثير الكواكب فى الآجال وغيرها من الحوادث فإنهم اجتمعوا فى الهلاك مع اختلاف طوالعهم روى أن جبريل عليه السلام كان بين بنى إسرائيل وبين آل فرعون فكان يقول لبنى إسرائيل ليلحق آخركم بأولكم ويستقبل القبط فيقول رويدكم يلحق أخركم بأولكم فلما انتهى موسى إلى البحر قال يوشع لموسى اين أمرت فهذا البحر أمامك وغشيك آل فرعون قال موسى ههنا فخاض يوشع الماء وضرب موسى بعصاه البحر فدخلوا وروى أن موسى عليه الصلاة والسلام قال عند ذلك يا من كان قبل كل شئ والمكون لكل شئ والكائن بعد كل شئ

٦٧

{إن في ذلك} أى فيما فعلنا بموسى وفرعون

{لآية} لعبرة عجيبة لا توصف

{وما كان أكثرهم} أى المغرقين

{مؤمنين} قالوا لم يؤمن منهم إلا آسية وحزقيل مؤمن آل فرعون ومريم التى دلت موسى على قبر يوسف

٦٨

{وإن ربك لهو العزيز} بالانتقام من أعدائه

{الرحيم} بالإنعام على أوليائه

٦٩

{واتل عليهم} على مشركى قريش

{نبأ إبراهيم} خبره

٧٠

{إذ قال لأبيه وقومه} قوم إبراهيم أو قوم الأب

{ما تعبدون} أي أي شيء تعبدون وإبراهيم عليه السلام يعلم أنهم عبدة الأصنام ولكنه سألهم ليريهم أن ما يعبدونه ليس بمستحق للعبادة

٧١

{قالوا نعبد أصناما} وجواب ما تعبدون أصناما كيسئلونك ماذا ينفقون قل العفو ماذا قال ربكم قالوا الحق لأنه سؤال عن المعبود لا عن العبادة وإنما زادوا نعبد فى الجواب افتخارا ومباهاة بعبادتها ولذا عطفوا على نعبد

{فنظل لها عاكفين} فقيم على عبادتها طول النهار وإنما قالوا فنظل لأنهم كانوا يعبدونها بالنهار دون الليل أو معناه الدوام

٧٢

{قال} أى إبراهيم

{هل يسمعونكم} هل يسمعون دعاءكم على حذف المضاف لدلالة

{إذ تدعون} عليه

٧٣

{أو ينفعونكم} إن عبدتموها

{أو يضرون} إن تركتم عبادتها

٧٤

{قالوا بل} إضراب أى لا تسمع ولا تنفع ولا تضر ولا نعبدها لشئ من ذلك ولكن

{وجدنا آباءنا كذلك يفعلون} فقلدناهم

٧٥

{قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون

٧٦

أنتم وآباؤكم الأقدمون} الأولون

٧٧

{فإنهم} أى الأصنام

{عدو لي} والعدو والصديق يجيئان فى معنى الوحدة والجماعة يعنى لو عبدتهم لكانوا أعداء لى فى يوم القيامة كقوله سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا وقال الفراء هو من المقلوب أى فإنى عدوهم وفى قوله عدو لي دون لكم زيادة نصح ليكون ادعى لهم إلى القبول ولو قال فإنهم عدو لكم لم يكون بتلك المثابة

{إلا رب العالمين} استثناء منقطع لأنه لم يدخل تحت الأعداء كأنه قال لكن رب العالمين

٧٨

{الذي خلقني} بالتكوين فى القرار المكين

{فهو يهدين} لمناهج الدنيا ولمصالح الدين والاستقبال فى يهدينى مع سبق العناية لأنه يحتمل يهدينى للاهم الأفضل والأتم الأكمل أو الذى خلقنى لأسباب خدمته فهو يهدينى إلى آداب خلته

٧٩

{والذي هو يطعمني} أضاف الإطعام إلى ولى الإنعام لأن لركون إلى الأسباب عادة الأنعام

{ويسقين} قال ابن عطاء هو الذى يحيينى بطعامه ويروينى بشرابه

٨٠

{وإذا مرضت} وإنما لم يقل أمرضنى لأنه قصد الذكر بلسان الشكر فلم يضف اليه ما يقتضى الضر قال ابن عطاء وإذا مرضت برؤية الخلق

{فهو يشفين} بمشاهدة الحق قال الصادق إذا مرضت برؤية الأفعال فهو يشفين بكشف منة الإفضال

٨١

{والذي يميتني ثم يحيين} ولم يقل إذا مت لأنه الخروج من حبس البلاء ودار الفناء إلى روض البقاء لوعد اللقاء وأدخل ثم فى الإحياء لتراخيه عن الافناء وادخل الفاء في الهداية والشفاء لأنهما يعقبان الخلق والمرض لامعا معا

٨٢

{والذي أطمع} طمع العبيد فى الموالى بالافضال لا على الاستحقاق بالسؤال

{أن يغفر لي خطيئتي} قيل هو قوله انى سقيم بل فعله كبيرهم هذا ربى للبازغ هى أختى لسارة وما هى إلا معاريض جائزة وليست بخطايا يطلب لها الاستغفار واستغفار الأنبياء تواضع منهم لربهم وهضم لأنفسهم وتعليم للأمم فى طلب المغفرة

{يوم الدين} يوم الجزاء

٨٣

{رب هب لي حكما} حكمة أو حكما بين الناس بالحق أو نبوة لأن النبى عليه السلام ذو حكمة وذو حكم بين عباد اللّه

{وألحقني بالصالحين} أى الأنبياء ولقد أجابه حيث قال وأنه فى الآخرة لمن الصالحين

٨٤

{واجعل لي لسان صدق في الآخرين} أى ثناء حسنا وذكرا جميلا فى الأمم التى تجئ بعدى فأعطى ذلك فكل أهل دين يتولونه ويثنون عليه ووضع اللسان موضع القول لأن القول يكون به

٨٥

{واجعلني من} يتعلق بمحذوف أى وارثا من

{ورثة جنة النعيم} أى من الباقين فيها

٨٦

{واغفر لأبي} اجعله أهل المغفرة بإعطاء الإسلام وكان وعده الاسلام يوم فارقه

{إنه كان من الضالين} الكافرين

٨٧

{ولا تحزني يوم يُبْعَثُونَ} الضالون وأبى فيهم

٨٨

{يوم لا ينفع مال} هو بدل من يوم الأول

{ولا بنون} أحدا

٨٩

{إلا من أتى اللّه بقلب سليم} عن الكفر والنفاق فقلب الكافر والمنافق مريض لقوله تعالى فى قلوبهم مرض أى أن المال إذا صرف فى وجوه البر وبنوه صالحون فانه ينتفع به وبهم سليم القلب أو جعل المال والبنون فى معنى الغنى كأنه قيل يوم لا ينفع غنى الا غنى من أتى اللّه بقلب سليم لأن غنى الرجل فى دينه بسلامة قلبه كما أن غناه فى دنياه بماله وبينه وقد جعل من مفعولا لينفع أى لا ينفع مال ولا بنون إلا رجلا قلبه مع ماله حيث انفقه فى طاعة اللّه ومع بنيه حيث أرشدهم إلى الدين وعلمهم الشرائع ويجوز على هذا إلا من أتى اللّه بقلب سليم من فتنة المال والبنين وقد صوب الجليل استثناء الخليل اكراما له ثم جعله صفة له فى قوله وأن من شيعته لابراهيم إذ جاء ربه بقلب سليم وما أحسن ما رتب عليه السلامة من كلامه مع المشركين حيث سألهم أولا عما يعبدون سؤال مقرر لا مستفهم ثم أقبل على آلهتهم فابطل امرها بأنها لا تضر ولا تنفع ولا تسمع وعلى تقليدهم آباءهم الاقدمين فاخرجه من أن يكون شبهة فضلا عن أن يكون حجة ثم صور المسألة فى نفسه دونهم حتى تخلص منها إلى ذكر اللّه تعالى فعظم شأنه وعدد نعمته من حين إنشائه إلى وقت وفاته مع ما يرجى فى الآخرة من رحمته ثم اتبع ذلك أن دعا بدعوات المخلصين وابتهل اليه ابتهال الأدب ثم وصله بذكر يوم القيامة وثواب اللّه وعقابه وما يدفع اليه المشركون يومئذ من الندم والحسرة على ما كانوا فيه من الضلال وتمنى الكرة إلى الدنيا ليؤمنوا ويطيعوا

٩٠

{وأزلفت الجنة للمتقين} أي قربت عطف جملة على جملة أي تزلف من موقف السعداء فينظرون اليها

٩١

{وبرزت الجحيم} أي أظهرت حتى يكاد يأخذهم لهبها

{للغاوين} للكافرين

٩٢

{وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون

٩٣

من دون اللّه هل ينصرونكم أو ينتصرون} يوبخون على اشراكهم فيقال لهم أين آلهتكم هل ينفعونكم بنصرتهم لكم أو هل ينفعون أنفسهم بانتصارهم لأنهم وآلهتهم وقود النار

٩٤

{فكبكبوا} انكسوا وطرح بعضهم بعض

{فيها} فى الجحيم

{هم} أي الآلهة

{والغاوون} وعبدتهم الذين برزت لهم والكبكبة تكرير الكب جعل التكرير في اللفظ دليلا على التكرير في المعنى كانه إذا ألقى في جهنم ينكب مرة أثر مرة حتى يستقر فى قعرها نعوذ باللّه منها

٩٥

{وجنود إبليس أجمعون} شياطينه أو متبعوه من عصاة الإنس والجن

٩٦

{قالوا وهم فيها يختصمون} يجوز أن ينطق اللّه الأصنام حتى يصح التقاول والتخاصم ويجوز أن يجرى ذلك بين العصاة والشياطين

٩٧

{تاللّه إن كنا لفي ضلال مبين

٩٨

إذ نسويكم} نعدلكم أيها الاصنام

{برب العالمين} فى العبادة

٩٩

{وما أضلنا إلا المجرمون} أى رؤساؤهم الذين أضلوهم أو إبليس وجنوده ومن سن الشرك

١٠٠

{فما لنا من شافعين} كما للمؤمنين من الأنبياء والأولياء والملائكة

١٠١

{ولا صديق حميم} كما نرى لهم أصدقاء إذ لا يتصادق فى الآخرة إلا المؤمنون وأما أهل النار فبينهم التعادى الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين أو فما لنا من شافعين ولا صديق حميم من الذين كنا نعدهم شفعاء وأصدقاء لأنهم كانوا يعتقدون فى أصنامهم أنهم شفعاؤهم عند اللّه وكان لهم الاصدقاء من شياطين الإنس والحميم من الاحتمام وهو الاهتمام الذى يهمه ما يهمك أو من الحامة بمعنى الخاصة وهو الصديق الخاص وجمع الشافع ووحد الصديق لكثرة الشفعاء فى العادة وأما الصديق وهو الصادق فى ودادك الذى يهمه ما أهمك فقليل وسئل حكيم عن الصديق فقال اسم لا معنى له وجاز أن يراد بالصديق الجمع

١٠٢

{فلو أن لنا كرة} رجعة الى الدنيا

{فنكون من المؤمنين} وجواب لو محذوف وهو لفعلنا كيت وكيت أو لو فى مثل هذا بمعنى التمنى كانه قيل فليت لنا كرة لما بين معنى لو وليت من التلاقى

١٠٣

{إن في ذلك} فيما ذكر من الأنباء

{لآية} أى لعبرة لمن اعتبر

{وما كان أكثرهم مؤمنين} فيقال فريقا منهم آمنوا

١٠٤

{وإن ربك لهو العزيز} المنتقم ممن كذب إبراهيم بنار الجحيم

{الرحيم} المسلم كل ذى قلب سليم إلى جنة النعيم

١٠٥

{كذبت قوم نوح المرسلين} القوم يذكر ويؤنث قيل ولد نوح فى زمن آدم عليه السلام ونظير قوله المرسلين والمراد نوح عليه السلام قولك فلان يركب الدواب ويلبس البرود وماله إلا دابة أو برد أو كانوا ينكرون بعث الرسل أصلا فلذا جمع أو لأن من كذب واحدا منهم فقد كذب الكل لأن كل رسول يدعو الناس إلى الإيمان بجميع الرسل وكذا جميع ما فى هذه السورة

١٠٦

{إذ قال لهم أخوهم} نسبا لا دينا

{نوح ألا تتقون} خالق الأنام فتتركوا عبادة الأصنام

١٠٧

{إني لكم رسول أمين} كان مشهورا بالأمانة فيهم كمحمد عليه الصلاة والسلام فى قريش

١٠٨

{فاتقوا اللّه وأطيعون} فيما آمركم به وأدعوكم اليه من الحق

١٠٩

{وما أسألكم عليه} على هذا الأمر

{من أجر} جزاء

{إن أجري} بالفتح مدني وشامي وأبو عمرو وحفص

{إلا على رب العالمين} فلذلك أريده

١١٠

{فاتقوا اللّه وأطيعون} كرره ليقرره فى نفوسهم مع تعليق كل واحد منهما بعلة فعلة الأول كونه أمينا فبما بينهم وعلة الثانى حسم طمعة منهم كانه قال إذا عرفتم رسالتى وأمانتى فاتقوا اللّه ثم إذا عرفتم احترازى من الأجر فاتقوا اللّه

١١١

{قالوا أنؤمن لك واتبعك} الواو للحال وقد مضمرة بعدها دليلة قراءة يعقوب واتباعك جمع تابع كشاهد وأشهاد أو تبع كبطل وأبطال

{الأرذلون} السفلة والرذلة الخسة والدناءة وإنما استرذلوهم لا تضاع نسبهم وقلة نصيبهم من الدنيا وقيل كانوا من أهل الصناعات الدنيئة والصناعة لا تزرى بالديانة فالغنى غنى الدين والنسب نسب التقوى ولا يجوز أن يسمى المؤمن رذلا وان كان افقر الناس وأوضعهم نسبا وما زالت اتباع الانبياء كذلك

١١٢

{قال وما علمي} وأي شيء وأعلم

{بما كانوا يعملون} من الصناعات إنما أطلب منهم الايمان وقيل انهم طعنوا مع استرذالهم في ايمانهم وقالوا ان الذين آمنوا بك ليس في قلوبهم ما يظهرونه فقال ما على الا اعتبار الظواهر دون التفتيش عن السرائر

١١٣

{إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون} ان اللّه يحاسبهم على ما في قلوبهم

١١٤

{وما أنا بطارد المؤمنين} أي ليس من شأني أن اتبع شهواتكم بطرد المؤمنين طمعا في إيمانكم

١١٥

{إن أنا إلا نذير مبين} ما على إلا أن أنذركم إنذارا بينا بالبرهان الصحيح الذي يتميز به الحق من الباطل ثم أنتم أعلم بشأنكم

١١٦

{قالوا لئن لم تنته يا نوح} عما تقول

{لتكونن من المرجومين} من المقتولين بالحجارة

١١٧

{قال رب إن قومي كذبون} ليس هذا اخبارا بالتكذيب لعلمه أن عالم الغيب والشهادة أعلم ولكنه اراد انهم كذبوني في وحيك ورسالتك

١١٨

{فافتح بيني وبينهم فتحا} أي فاحكم بيني وبينهم حكما والفتاحة الحكوم والفتاح الحاكم لانه يفتح المستغلق كما سمي فيصلا لأنه يفصل بين الخصومات

{ونجني ومن معي} معي حفص

{من المؤمنين} من عذاب عملهم

١١٩

{فأنجيناه ومن معه في الفلك} الفلك السفينة وجمعه فلك فالواحد بوزن قفل والجمع بوزن اسد

{المشحون} المملوء ومنه شحنة البلد أي الذي يملؤه كفاية

١٢٠

{ثم أغرقنا بعد} أي بعد انجاء نوح ومن آمن

{الباقين} من قومه

١٢١

{إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين

١٢٢

وإن ربك لهو العزيز} المنتقم باهانه من جحد واصر

{الرحيم} المنعم باعانة من وحد واقر

١٢٣

{كذبت عاد المرسلين} هي قبيلة وفي الاصل اسم رجل هو ابوالقبيلة

١٢٤

{إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون

١٢٥

إني لكم رسول أمين

١٢٦

فاتقوا اللّه} في تكذيب الرسول الأمين

{وأطيعون

١٢٧

وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين

١٢٨

أتبنون بكل ريع}

مكان مرتفع

{آية} برج حمام أو بناء يكون لارتفاعه كالعلامة يسخرون بمن مر بهم

{تعبثون} تلعبون

١٢٩

{وتتخذون مصانع} مآخذ الماء أو قصور مشيدة أو حصونا

{لعلكم تخلدون} ترجون الخلود فى الدنيا

١٣٠

{وإذا بطشتم} أخذتم أخذ العقوبة

{بطشتم جبارين} قتلا بالسيف وضربا بالسوط والجبار الذى يقتل ويضرب على الغضب

١٣١

{فاتقوا اللّه} فى البطش

{وأطيعون} فيما أدعوكم إليه

١٣٢

{واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون} من النعم ثم عددها عليهم فقال

١٣٣

{أمدكم بأنعام وبنين} قرن البنين الأنعام لأنهم يعينونهم على حفظها والقيام عليها

١٣٤

{وجنات وعيون

١٣٥

إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم} ان عصيتمونى

١٣٦

{قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين} أى لا يقبل كلامك ودعوتك وعظت أم سكت ولم يقل أم لم تعظ لرءوس الآى

١٣٧

{إن هذا إلا خلق الأولين} ما هذا الذى نحن عليه من الحياة والموت واتخاذا لا بتناء إلا عادة الأولين أو ما نحن عليه دين الأولين إلا خلق الأولين مكى وبصرى ويزيد وعلى أى ما جئت به اختلاف الأولين وكذب المتنبئين قبلك كقولهم أساطير الأولين أو خلقنا كخلق الأولين نموت ونحيا كما حيوا

١٣٨

{وما نحن بمعذبين} فىالدنيا ولا بعث ولا حساب

١٣٩

{فكذبوه} أى هودا

{فأهلكناهم} بريح صرصر عاتية

{إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين

١٤٠

وإن ربك لهو العزيز الرحيم

١٤١

كذبت ثمود المرسلين

١٤٢

إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون

١٤٣

إني لكم رسول أمين

١٤٤

فاتقوا اللّه وأطيعون

١٤٥

وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين

١٤٦

{أتتركون} انكار لان يتركوا خالدين فى نعيمهم لا يزالون عنه

{في ما ها هنا} فى الذى استقر فى هذا المكان من النعيم

{آمنين} من العذاب والزوال والموت ثم فسره بقوله

١٤٧

{في جنات وعيون} وهذا أيضا إجمال ثم تفصيل

١٤٨

{وزروع ونخل} وعطف نخل على جنات مع أن الجنة تتناول النخل أول شىء تفضيلا للنخل على سائر الشجر

{طلعها} هو ما يخرج من النخل كنصل السيف

{هضيم} لين خضيج كانه قال ونخل قد أرطب ثمرة

١٤٩

{وتنحتون} تنقبون

{من الجبال بيوتا فارهين} شامى وكوفى حاذقين حال وغيرهم فرهين اشرين والفراهة الكيس والنشاط

١٥٠

{فاتقوا اللّه وأطيعون

١٥١

ولا تطيعوا أمر المسرفين} الكافرين أو التسعة الذين عقروا الناقة جعل الأمر مطاعا علىالمجاز الحكمى والمراد الآمر وهو كل جملة أخرجت الحكم المفاد بها عن موضوعه فى العقل لضرب من التأول كقولهم انبت الربيع البقل

١٥٢

{الذين يفسدون في الأرض} بالظلم والكفر

{ولا يصلحون} بالإيمان والعدل والمعنى ان فسادهم مصمت ليس معه شىء من الصلاح كما تكون حال بعض المفسدين مخلوطة ببعض الصلاح

١٥٣

{قالوا إنما أنت من المسحرين} المسحر الذى سحر كثيرا حتى غلب على عقله وقيل هو من السحر الرئة وأنه بشر

١٥٤

{ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية إن كنت من الصادقين} فى دعوى الرسالة

١٥٥

{قال هذه ناقة لها شرب} نصيب من الماء فلا تزاحموها فيه

{ولكم شرب يوم معلوم} لا تزاحمكم هى فيه روى انهم قالوا نريد ناقة عشراء تخرج من هذه الصخرة فتلد سقبا فجعل صالح يتفكر فقال له جبريل صل ركعتين واسأل ربك الناقة ففعل فخرجت الناقة ونتجت سقبا مثلها فى العظم وصدرها ستون ذراعا وإذا كان يوم شربها شربت ماءهم كله وإذا كان يوم شربهم لا تشرب فيه الماء وهذا دليل على جواز المهايأة لأن قوله لها شرب ولكم شرب يوم معلوم من المهايأة

١٥٦

{ولا تمسوها بسوء} بضرب أو عقر أو غير ذلك

{فيأخذكم عذاب يوم عظيم} عظم اليوم لحلول العذاب فيه ووصف اليوم به أبلغ من وصف العذاب لأن الوقت إذا عظم بسببه كان موقعه من العظم أشد

١٥٧

{فعقروها} عقرها قدار ولكنهم راضون به فاضيف اليهم روى أن عاقرها قال لا أعقرها حتى ترضوا أجمعين فكانوا يدخلون على المرأة فى خدرها فيقولون اترضين فتقول نعم وكذلك صبيانهم

{فأصبحوا نادمين} على عقرها خوفا من نزول العذاب بهم لاندم توبة أو ندموا حين لا ينفع الندم وذلك عند معاينة العذاب أو على ترك الولد

١٥٨

{فأخذهم العذاب} المقدم ذكره

{إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين

١٥٩

وإن ربك لهو العزيز الرحيم

١٦٠

كذبت قوم لوط المرسلين

١٦١

إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون

١٦٢

إني لكم رسول أمين

١٦٣

فاتقوا اللّه وأطيعون

١٦٤

وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين

١٦٥

أتأتون الذكران من العالمين} أراد بالعالمين الناس اتطئون الذكور من الناس مع كثرة الاناث أو أتطئون أنتم من بين عداكم من العالمين الذكر ان أى أنتم مختصون بهذه الفاحشة والعالمين على هذا كل ما ينكح من الحيوان

١٦٦

{وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم} من تبيين لما خلق أو تبعيض والمراد بما خلق العضو المباح منهن وكانوا يفعلون مثل ذلك بنسائهم وفيه دليل على تحريم ادبار الزوجات والمملوكات ومن أجازه فقد أخطأ خطأ عظيما

{بل أنتم قوم عادون} العادى المتعدى فى ظلمه المتجاوز فيه الحد أى بل أنتم قوم أحق بأن توصوا بالعدوان حيث ارتكبتم مثل هذه العظيمة

١٦٧

{قالوا لئن لم تنته يا لوط} عن انكارك علينا وتقبيح أمرنا

{لتكونن من المخرجين} من جملة من أخرجناه من بين أظهرنا وطردناه من بلدنا ولعلهم كانوا يخرجون من أخرجوه على أسوأ حال

١٦٨

{قال إني لعملكم من القالين} هو أبلغ من أن يقول قال فقولك فلان من العلماء أبلغ من قولك فلان عالم لأنك تشهد بأنه مساهم لهم فى العلم والقلى البغض يقلى الفؤاد والكبد وفيه دليل على عظم المعصية لأن قلاه من حيث الدين

١٦٩

{رب نجني وأهلي مما يعملون} من عقوبة عملهم

١٧٠

{فنجيناه وأهله أجمعين} يعنى بناته ومن آمن معه

١٧١

{إلا عجوزا} هى امرأة لوط وكانت راضية بذلك والرضى بالمعصية فى حكم العاصى واستثناء الكافرة من الأهل وهم مؤمنون للاشتراك فى هذا الاثم وان لم تشاركهم فى الإيمان

{في الغابرين} صفة لها أى فى الباقين فى العذاب فلم تنج منه والغابر فى اللغة الباقى كانه قيل الا عجوزا غابرة أى مقدارا غبورها إذ الغبور لم يكن صفتها وقت تنجيهم

١٧٢

{ثم دمرنا الآخرين} والمراد بتدميرهم الائتفاك بهم

١٧٣

{وأمطرنا عليهم مطرا} عن قتادة أمطر اللّه على شذاذ القوم حجارة من السماء فاهلكهم اللّه وقيل لم يرض بالائتفاك حتى أتبعه مطرا من حجارة

{فساء} فاعله

{مطر المنذرين} والمخصوص بالذم وهو مطرهم محذوف ولم يرد بالمنذرين قوما باعيانهم بل المراد جنس الكافرين

١٧٤

{إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين

١٧٥

وإن ربك لهو العزيز الرحيم

١٧٦

كذب أصحاب الأيكة} بالهمزة والجر هى غيضة تنبت ناعم الشجر عن الخليل ليكة حجازى وشامى وكذا فى ص علم لبلد قيل أصحاب الأيكة هم أهل مدين التجئوا إلى غيضة إذ ألح عليهم الوهج والأصح أنها غيرهم نزلوا غيضة بعينها بالبادية وأكثر شجرهم المقل بدليل أنه لم يقل هنا أخوهم شعيب لأنه لم يكن من نسبهم بل ك كان من نسب أهل مدين فغي الحديث أن شعيبا أخا مدين أرسل اليهم وإلى أصحاب الأيكة

{المرسلين

١٧٧

إذ قال لهم شعيب ألا تتقون

١٧٨

إني لكم رسول أمين

١٧٩

فاتقوا اللّه وأطيعون

١٨٠

وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين

١٨١

أوفوا الكيل} أتموه

{ولا تكونوا من المخسرين} ولا تنقصوا الناس حقوقهم فالكيل واف وهو مأمور به وطفيف وهو منهى عنه وزائد وهو مسكوت عنه فتركه دليل على أنه ان فعل فقد أحسن وان لم يفعل فلا شىء عليه

١٨٢

{وزنوا بالقسطاس المستقيم} وبكسر القاف كوفى غير أبى بكر وهو الميزان أو القبان فان كان من القسط وهو العدل وجعلت العين مكررة فوزنه فعلاس والا فهو رباعى

١٨٣

{ولا تبخسوا الناس} يقال بخسته حقه إذا نقصته إياه

{أشياءهم} دراهمهم ودنانيرهم بقطع أطرافها

{ولا تعثوا في الأرض مفسدين} ولا تبالغوا فيهم فى الافساد نحو قطع الطريق والغارة واهلاك الزروع وكانوا يفعلون ذلك فنهوا عنه يقال عنا فى الارض إذا أفسد وعن فى الأرض لغة فى عثا

١٨٤

{واتقوا الذي خلقكم والجبلة} الجبلة عطف على كم أى اتقوا الذى خلقكم وخلق الجبلة

{الأولين} الماضين

١٨٥

{قالوا إنما أنت من المسحرين

١٨٦

وما أنت إلا بشر مثلنا} إدخال الواو هنا ليفيد معنيين كلاهما مناف للرسالة عندهم التسحير والبشرية وتركها فى قصة ثمود ليفيد معنى واحدا وهو كونه مسحرا ثم قرر بكونه بشرا مثلهم

{وإن نظنك لمن الكاذبين} إن مخففة من الثقيلة واللام دخلت الفرق بينهما وبين النافية وإنما تفرقنا على فعل الظن وثانى مفعوليه لأن أصلهما أن يتفرقا على المبتدأ و الخبر كقولك ان زيد المنطلق فلما كان بابا كان وظننت من جنس باب المبتدأ و الخبر فعل ذلك فى البابين فقيل ان فإن زيد لمنطلقا وان ظننته لمنطلقنا

١٨٧

{فأسقط علينا كسفا} كسفا حفص وهما جمعا كسفة وهى القطعة وكسفه قطعه

{من السماء} أى السحاب أو الظلة

{إن كنت من الصادقين} أى ان كنت صادقا أنك نبى فادع اللّه أن يسقط علينا كسفا من السماء أى قطعا من السماء عقوبة

١٨٨

{قال ربي} بفتح الياء حجازى وأبو عمروا وبسكونها غيرهم

{أعلم بما تعملون} أى أن اللّه أعلم بأعمالكم وبما تستحقون عليها من العذاب فان أراد أن يعاقبكم بإسقاط كسف من السماء فعل وان أراد عقابا آخر فاليه الحكم والمشيئة

١٨٩

{فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة} هى سحابة أظلتهم بعد ما حبست عنهم الريح وعذبوا بالحر سبعة أيام فاجتمعوا تحتها مستجيرين بها مما نالهم من الحر فامطرت عليهم نارا فاحترقوا

{إنه كان عذاب يوم عظيم

١٩٠

إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين

١٩١

وإن ربك لهو العزيز الرحيم} وقد كرر فى هذه السورة فى أول كل قصة وآخرها ما كرر تقرير المعانيها فى الصدور ليكون أبلغ فى الوعظ والزجر ولأن كل قصة منها كتنزيل برأسه وفيها من الاعتبار مثل ما في غيرها فكانت جديرة بأن تفتتح بما افتتحت به صاحبتها وأن تحتم بما اختتمت به

١٩٢

{وإنه} أى القرآن

{لتنزيل رب العالمين} منزل منه

١٩٣

{نزل به} مخفف والفاعل

{الروح الأمين} أى جبريل لأنه أمين على الوحى الذى فيه الحياة حجازى وأبو عمرو وزيد وحفص وغيرهم بالتشديد ونصب الروح والفاعل هو اللّه تعالى أى جعل اللّه الروح نازلا به والباء على القراءتين للتعدية

١٩٤

{على قلبك} أى حفظك وفهمك إياه وأثبته فى قلبك إثبات مالا ينسى كقوله سنقرئك فلا تنسى

{لتكون من المنذرين

١٩٥

بلسان عربي} بلغة قريش وجرهم

{مبين} فصيح ومصحح عما صفحته العامة والباء إما أن يتعلق بالمنذرين أى لتكون من الذين أنذروا بهذا اللسان وهم هود وصالح وشعيب واسماعيل عليهم السلام أو بنزل أى نزله بلسان عربى لتنذر به لأنه لو نزله بلسان أعجمى لتجافوا عنه أصلا ولقالوا ما نصنع بما لا نفهمه فيتعذر الانذار به وفى هذا الوجه أن تنزيله بالعربية التى هى لسانك ولسان قومك تنزيل له على قلبك لأنك تفهمه وتفهمه قومك ولو كان أعجميا لكان نازلا على سمعك دون لبك لأنك تسمع أجراس حروف لا تفهم معانيها ولا تعيها وقد يكون الرجل عارفا بعدة لغات فإذا كلم بلغته التى نشأ عليها لم يكن قلبه ناظرا إلا إلى معانى الكلام وإن كلم بغيرها كان نظره أولا فى ألفاظها ثم فى معانيها وإن كان ماهرا بمعرفتها فهذا تقريرا أنه نزل على قلبه لنزوله بلسان عربى مبين

١٩٦

{وإنه} وإن القرآن

{لفي زبر الأولين} يعنى ذكره مثبت فى سائر الكتب السماوية وقيل إن معانيه فيها دليل أ القرآن قرآن إذا ترجم بغير العربية فيكون دليلا على جواز قراءة القرآن بالفارسية فىالصلاة

١٩٧

{أو لم يكن لهم آية} شامى جعلت آية اسم كان وخبره

{أن يعلمه} أي القرآن لوجود ذكره فى التوراة وقيل فى تكن ضمير القصة وآية خبر مقدم والمبتدأ أن يعلمه والجملة خبر كان وقيل كان تامة والفاعل آية وأن يعلمه هو الاسم وتقديره أو لم يكن لهم علم علماه بنى إسرائيل آية

{علماء بني إسرائيل} كعبد اللّه بن سلام وغيره قال اللّه تعالى وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به انه الحق من ربنا انا كنا من قبله مسلمين وخط فى المصحف علمؤا بواو قبل الألف

١٩٨

{ولو نزلناه على بعض الأعجمين} جمع أعجم وهو الذي لا يفصح وكذلك الأعجمي إلا أن فيه لزيادة يا ء النسبة زيادة تأكيد، ولما كان من يتكلم بلسان غير لسانهم لا يفقهون كلامه قالوا له أعجم وأعجمي شبهوه بمن لا يفصح ولا يبين، والعجمي الذي من جنس العجم أفصح أولم يفصح. وقرأ الحسن {الأعجميين} وقيل: الأعجمين تخفيف الأعجميين كما قالوا الأشعرون أي الأشعريون بحذف ياء النسبة ولولا هذا التقدير لم يجز أن يجمع جمع السلامة لأن مؤنثه عجماء

١٩٩

{فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ} والمعنى أنا أنزلنا القرآن على رجل عربي مبين ففهموه وعرفوا فصاحته وأنه معجزوا انضم إلى ذلك اتفاق علماء أهل الكتعاب قبله على أن البشارة بانزاله وصفته فى كتبهم وقد تضمنت معانيه وقصصه وصح بذلك أنها من عند اللّه وليست بأساطير كما زعموا فلم يؤمنوا به وسموه شعرا تارة وسحرا أخرى وقالوا هذا من افتراء محمد عليه الصلاة السلام ولو نزلناه على بعض الأعاجم الذى لا يحسن العربية فضلا ان يقدر على نظم مثله فقرأ عليهم هكذا معجزا لكفروا به كما كفروا ولتحملوا لجحودهم عذرا وسموه سحرا ثم قال

٢٠٠

{كذلك سلكناه}أى أدخلنا التكذيب أو الكفر وهو مدلول قوله ما كانوا به مؤمنين

{في قلوب المجرمين} الكافرين الذين علمنا منهم اختيار الكفر والاصرار عليه يعنى مثل هذا السلك سلكناه فى قلوبهم وقررناه فيها فكيفما فعل بهم وعلى أى وجه دبر أمرهم فلا سبيل إلى أن يتغيروا عما هم عليه من الكفر به والتكذيب له كما قال ولو نزلنا عليك كتابا فى قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا ان هذا الا سحر مبين وهو حجتنا على المغتزلة فى خلق أفعال العباد خيرها وشرها وموقع قوله

٢٠١

{لا يؤمنون به} بالقرآن من قوله سلكناه في قلوب المجرمين موقع الموضح والملخص لأنه مسوق لثبات كونه مكذبا مجحودا فى قلوبهم فاتبع ما يقرر هذا المعنى من أنهم لا يزالون على التكذيب به وجحوده حتى يعاينوا الوعيد ويجوز أن يكون حالا أى سلكناه فيها غير مؤمن به

{حتى يروا العذاب الأليم} المراد معاينة العذاب عند الموت ويكون ذلك ايمان يأس فلا ينفعهم

٢٠٢

{فيأتيهم بغتة} فجأة

{وهم لا يشعرون} باتيانه

٢٠٣

{فيقولوا} وفيأتيهم معطوفان على يروا

{هل نحن منظرون} يسألون النظرة والامهال طرفة عين فلا يجابون إليها

٢٠٤

{أفبعذابنا يستعجلون} توبيخ لهم وانكار عليهم قولهم فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ونحو ذلك قال يحيى بن معاذ أشد الناس غفلة من اغتر بحياته والتذ بمراداته وسكن إلى مألوفاته واللّه تعالى يقول

٢٠٥

{أفرأيت إن متعناهم سنين} قيل هي سنو مدة الدنيا

٢٠٦

{ثم جاءهم ما كانوا يوعدون} من العذاب

٢٠٧

{ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون} به فى تلك السنين والمعنى ان استعجالهم بالعذاب إنما كان لاعتقادهم أنه غير كائن ولا لاحق بهم وانهم ممتعون بأعمار طوال في سلامة وأمن فقال اللّه تعالى أفبعذابنا يستعجلون أشرا وبطرا واستهزاء واتكالا على الأمل الطويل ثم قال هب ان الأمر كما يعتقدون من تمتيعهم وتعميرهم فاذا لحقهم الوعيد بعد ذلك ما ينفعهم حينئذ ما مضى من طول أعمارهم وطيب معايشهم وعن ميمون بن مهران أنه لقى الحسن في الطواف وكان يتمنى لقاءه فقال عظنى فلم يزده على تلاوة هذه الآية فقال ميمون قد وعظت فابلغت وعن عمر بن عبد العزيز أنه كان يقرؤها عند جلوسه للحكم

٢٠٨

{وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون} رسل ينذرونهم ولم تدخل الواو على الجملة بعد الا كما فى وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم لأن الأصل عدم الواو إذ الجملة صفة لقرية وإذا زيدت فلتأكيد وصل الصفة بالموصوف

٢٠٩

{ذكرى} منصوبة بمعنى تذكرة لأن أنذر وأذكر متقاربان فكأنه قيل مذكرون تذكرة أو حال من الضمير فى منذرون أي ينذرونهم ذوى تذكرة أو مفعول له أي ينذرون لأجل التذكرة والموعظة أو المرفوعة على أنها خبر مبتدأ محذوف بمعنى هذه ذكرى والجملة اعتراضية أو صفة بمعنى منذرون ذوو ذكرى أو تكون ذكرى متعلقة بأهلكنا مفعولا له والمعنى وما أهلكنا من أهل قرية ظالمين إلا بعد ما ألزمناهم الحجة بارسال المنذرين إليهم ليكون اهلاكهم تذكرة وعبرة لغيرهم فلا يعصوا مثل عصيانهم

{وما كنا ظالمين} فنهلك قوما غير ظالمين ولما قال المشركون أن الشياطين تلقى القرآن على محمد أنزل

٢١٠

{وما تنزلت به} أى القرآن

{الشياطين

٢١١

وما ينبغي لهم وما يستطيعون} وما يتسهل لهم ولا يقدرون عليه

٢١٢

{إنهم عن السمع لمعزولون} لممنوعون بالشهب

٢١٣

{فلا تدع مع اللّه إلها آخر فتكون من المعذبين} مورد النهى لغيره على التعريض والتحريك له على زيادة الاخلاص

٢١٤

{وأنذر عشيرتك الأقربين} خصهم لنفى التهمة إذ الانسان يساهل قرابته أو ليعلموا أنه لا يغنى عنهم من اللّه شيئا وان النجاة في اتباعه دون قربه ولما نزلت صعد الصفا ونادى فالاقرب فالقرب وقال يا بنى عبد المطلب يا بنى هاشم يا بنى عبد مناف يا عباس عم النبى يا صفية عمة رسول اللّه إنى لا أملك لكم من اللّه شيئا

٢١٥

{واخفض جناحك} وألن جانبك وتواضع وأصله ان الطائر إذا أراد أن ينحط للوقوع كسر جناحه وخفضه وإذا أراد أن ينهض للطيران رفع جناحه فجعل خفض جناحه عند الانحطاط مثلا فى التواضع ولين الجانب

{لمن اتبعك من المؤمنين} من عشيرتك وغيرهم

٢١٦

{فإن عصوك} ولم يتبعوك فتبرأ منهم ومن أعمالهم من الشرك باللّه وغيره

فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ

٢١٧

{وتوكل على العزيز الرحيم} على الذى يقهر أعداءك بعزته وينصرك عليهم برحمته يكفك شر من يعصيك منهم ومن غيرهم والتوكل تفويض الرجل أمره إلى من يملك أمره ويقدر على نفعه وضره وقالوا المتوكل من إذا دهمه أمر لم يحاول دفعه عن نفسه بما هو معصية للّه وقال الجنيدر رضى اللّه عنه التوكل ان تقبل بالكلية على ربك وتعرض بالكلية عما دونه فان حاجتك إليه في الدارين فتوكل مدنى وشامى عطف على فقل أو فلا تدع

٢١٨

{الذي يراك حين تقوم} متهجدا

٢١٩

{وتقلبك} أى ويرى فقلبك

{في الساجدين} فى المصلين أتبع كونه رحيما على رسوله ما هو من أسباب الرحمة وهو ذكر ما كان يفعله فى جوف الليل من قيامه للتهجد وتقلبه فى تصفح أحوال المتهجدين من أصحابه ليطلع عليهم من حيث لا يشعرون وليعلم كيف يعبدون اللّه ويعملون لآخرتهم وقيل معناه يراك حين تقوم للصلاة بالناس جماعة وتقلبه فىالساجدين تصرفه فيما بينهم بقيامه وركوعه وسجوده وقعوده إذا أمهم وعن مقاتل أنه سأل أبا حنيفة هل تجد الصلاة بالجماعة فىالقرآن فقال لا يحضرنى فتلاله هذه الآية

٢٢٠

{إنه هو السميع} لما تقوله

{العليم} بما تنويه وتعمله هون عليه معاناة مشاق العبادات حيث أخبر برؤيته له إذ لا مشقة على من يعلم أنه يعمل بمرأى مولاه وهو كقوله

بعينى ما يتحمل المتحملون من أجلى

ونزل جوابا لقول المشركين ان الشياطين تلقى السمع على محمد صلى اللّه عليه وسلم

٢٢١

{هل أنبئكم} أي هل أخبركم ايها المشركون

{على من تنزل الشياطين} ثم نبأ فقال

٢٢٢

{تنزل على كل أفاك أثيم} مرتكب للآثام وهم الكهنة والمتنبئة كسطيح وطليحة ومسيلمة ومحمد صلى اللّه عليه وسلم يشتم الافاكين ويذمهم فكيف تنزل الشياطين عليه

٢٢٣

{يلقون السمع} هم الشياطين كانوا قبل أن يحجبوا بالرجم يستمعون إلى الملأ الأعلى فيحفظون بعض ما يتكلمون به مما اطلعوا عليه من الغيوب ثم يوحون به إلى أوليائهم ويلقون حال أي تنزل ملقين السمع أو صفة لكل افاك لأنه في معنى الجمع فيكون في محل الجزاء أو استئناف فلا يكون له محل كأنه قيل لم تنزل على الااكين فقيل يفعلون كيت وكيت

{وأكثرهم كاذبون} فيما يوحون به إليهم لأنهم يسمعونهم ما لم يسمعوا وقيل يلقون إلى أوليائهم السمع أي المسموع من الملائكة وقيل الأفاكون يلقون السمع إلى الشياطين ويتلقون وحيهم إليهم أو يلقون المسموع من الشياطين إلى الناس وأكثر الافاكين كاذبون يفترون على الشياطين ما لم يوحوا اليهم والافاك الذي يكثر الافك ولا يدل ذلك على أنهم لا ينطقون إلا بالافك فأراد إن هؤلاء الافاكين قل من يصدق منهم فيما يحكى عن الجنى وأكثرهم مفتر عليه وعن الحسن وكلهم وإنما فرق بين وإنه لتنزيل رب العالمين وما تنزلت به الشياطين هل أنبئكم على من تنزل الشياطين وهن أخوات لأنه إذا فرق بينهن بآيات ليست منهن ثم رجع إليهن مرة بعد مرة دل ذلك على شدة العناية بهن كما إذا حدثت حديثا وفي صدرك اهتمام بشيء فتعيد ذكره ولا تنفك عن الرجوع إليه ونزل فيمن كان يقول الشعر ويقول نحن نقول كما يقول محمد صلى اللّه عليه وسلم واتبعهم غواة من قومهم يستمعون أشعارهم

٢٢٤

{والشعراء} مبتدأ خبره

{يتبعهم الغاوون} أي لا يتبعهم على باطلهم وكذبهم وتمزيق الاعراض والقدح في الانسان ومدح من لا يستحق المدح ولا يستحسن ذلك منهم إلا الغاوون أي السفهاء أو الراوون أو الشياطين أو المشركون قال الزجاج إذا مدح أو هجا شاعر بما لا يكون وأحب ذلك قوم وتابعوه فهم الغاوون يتبعهم نافع

٢٢٥

{ألم تر أنهم في كل واد} من الكلام

{يهيمون} خبر أن أي في كل فن من الكذب يتحدثون أو في كل لغو وباطل يخوضون والهائم الذاهب على وجه لا مقصد له وهو تمثيل لذهابهم في كل شعب من القول واعتسافهم حتى يفضلوا أجبن الناس على عنترة وأبخلهم على حاتم عن الفرزدق أن سليمان بن عبد الملك سمع قوله

فبتن بجانبي مصرعات  وبت أفض أغلاق الختام

فقال وجب عليك الحد فقال قد درأ اللّه عني الحد بقوله

٢٢٦

{وأنهم يقولون ما لا يفعلون} حيث وصفهم بالكذب والخلف في الوعد ثم استثنى الشعراء المؤمنين الصالحين بقوله

٢٢٧

{إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} كعبد اللّه بن رواحة وحسان بن ثابت وكعب بن زهير وكعب بن مالك رضي اللّه عنهم

{وذكروا اللّه كثيرا} أي كان ذكر اللّه وتلاوة القرآن أغلب عليهم من الشعر وإذا قالوا شعرا قالوه في توحيد اللّه تعالى والثناء عليه والحكمة والموعظة والزهد والأدب ومدح رسول اللّه والصحابة وصلحاء الأمة ونحو ذلك مما ليس فيه ذنب وقال أبو يزيد الذكر الكثير ليس بالعدد والغفلة لكنه بالحضور

{وانتصروا} وهجوا من بعد ما ظلموا هجوا أي ردوا هجاء من هجا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والمسلمين وأحق الخلق بالهجاء من كذب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهجاه وعن كعب بن مالك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال له اهجهم فوالذي نفسي بيده لهو أشد عليهم من النبل وكان يقول لحسان وقل وروح القدس معك ختم السورة بما يقطع أكباد المتدبرين وهو قوله

{وسيعلم} وما فيه من الوعيد البليغ وقوله

{الذين ظلموا} واطلافه وقوله

{أي منقلب ينقلبون} وابهامه وقد تلاها أبو بكر لعمر رضي اللّه تعالى عنه حين عهد إليه وكان السلف يتواعظو بها قال ابن عطاء سيعلم المعرض عنا ما الذي فاته منا وأي منصوب ينقلبون على المصدر لا بيعلم لأن أسماء الاستفهام لا يعمل فيها ما قبلها أي يتقلبون أي الانقلاب

﴿ ٠