تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م) _________________________________سورة النمل سورة النمل سورة النمل مكية وهي ثلاث وتسعون آية بسم اللّه الرحمن الرحيم _________________________________ {طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين} أي آيات كتاب مبين وتلك إشارة إلى آيات السورة والكتاب المبين اللوح وآياته أنه قد خط فيه كل ما هو كائن فهو يبين للناظرين فيه آياته أو القرآن وآياته أنه يبين ما أودع فيه من العلوم والحكم وعلى هذا عطفه على القرآن كعطف إحدى الصفتين على الأخرى نحو هذا فعل السخي والجواد ونكر الكتاب ليكون أفخم له وقيل إنما نكر الكتاب هنا وعرفه في الحجر وعرف القرآن هنا ونكرة ثم لأن القرآن والكتاب اسمان علمان للمنزل على محمد صلى اللّه عليه وسلم ووصفان له لأنه يقرأ ويكتب فحيث جاء بلفظ التعريف فهو العلم وحيث جاء بلفظ التنكير فهوالوصف هدى وبشرى في محل النصب على الحال من آيات أي هداية وبشارة فالعامل فيها ما في تلك من معنى الإشارة أو الجر على أنه بدل من كتاب أو صفة له أو الرفع على هي هدى وبشرى أو علي البدل من آيات أو على أن يكون خبرا بعد خبر لتلك أي تلك آيات وهادية من الضلالة ومبشرة بالجنة وقيل ٢هدى لجميع الخلق وبشرى {للمؤمنين} خاصة ٣{الذين يقيمون الصلاة} يديمون على فرائضها وسننها {ويؤتون الزكاة} يؤدون زكاة أموالهم {وهم بالآخرة هم يوقنون} من جملة صلة الموصول ويحتمل أن تتم الصلة عنده وهو استئناف كأنه قيل وهؤلاء الذين يؤمنون ويعملون الصالحات من إقامة الصلاة وإتياء الزكاة هم الموقنون بالآخرة ويدل عليه أنه عقد جملة اسمية وكرر فيها المبتدأ الذي هو هم حتى صار معناه وما يوقن بالآخرة حتى الإيقان إلا هؤلاء الجامعون بين الأيمان والعمل الصالح لأن خوف العاقبة يحملهم على تحمل المشاق ٤{إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم} يخلق الشهوة حتى رأوا ذلك حسنا كما قال افمن زين له سوء عمله فرآه حسنا {فهم يعمهون} يترددون في ضلالتهم كما يكون حال الضال عن الطريق ٥{أولئك الذين لهم سوء العذاب} القتل والأسر يوم بدر بما كان منهم من سوء الأعمال {وهم في الآخرة هم الأخسرون} أشد الناس خسرانا لأنهم لو آمنوا لكانوا من الشهداء على جميع الأمم فخسروا ذلك مع خسران النجاة وثواب اللّه ٦{وإنك لتلقى القرآن} لتؤتاه وتلقنه {من لدن حكيم عليم} من عند أي حكيم وأي عليم وهذا معنى تنكيرهما وهذه الآية بساط وتمهيد لما يريد أن يسوق بعدها من الأقاصيص وما في ذلك من لطائف حكمته ودقائق علمه ٧{إذ} منصوب باذكر كأنه قال على أثر ذلك خذ من آثار حكمته وعلمه قصة موسى عليه السلام {قال موسى لأهله} لزوجته ومن معه عند مسير ممن مدين إلى مصر {امكثوا إني آنست} أبصرت {نارا سآتيكم منها بخبر} عن حال الطريق لأنه كان قد ضله {أو آتيكم بشهاب} بالتنوين كوفي أي شعلة مضيئة قبس نار مقبوسة بدل أو صفة وغيرهم بشهاب قبس على الإضافة لأنه يكون قبسا وغير قبس ولا تدافع بين قوله سآتيكم هنا ولعلى آتيكم في القصص مع أن أحدهما زج والآخر تيقن لأن الراجي إذا قوي رجاؤه يقول سأفعل كذا وسيكون كذا مع تجويزه الخيبة ومجيئه بسين التسويف عدة لأهله أنه يأتيهم به وأن أبطأ أو كانت المسافة بعيدة وبأو لأنه بني الرجاء على أنه إن لم يظفر بحاجته جميعا لم يعد واحدة منها أما هداية الطريق وأما اقتباس النار ولم يدر أنه ظافر على النار بحاجتيه الكليتين وهما عز الدنيا والآخرة واختلاف الألفاظ في هاتين الصورتين والقصة واحدة دليل عن جواز نقل الحديث بالمعنى وجواز النكاح بغير لفظ التزوج {لعلكم تصطلون} تستدفئون بالنار من البرد الذي أصابكم والطاء بدل من تاء افتعل لأجل الصاد ٨{فلما جاءها} أي النار التي أبصرها نودى موسى {أن بورك} مخففة من الثقيلة وتقديره نودى بأن بورك والضمير ضمير الشان وجاز ذلك من غير عوض وإن منعه الزمخشري لأن قوله بورك دعاء والدعاء يخالف غيره في أحكام كثيرة ومفسرة لأن في النداء معنى القول أي قيل له بورك أي قدس أو جعل فيه البركة والخير {من في النار ومن حولها} أي بورك من في مكان النار وهم الملائكة ومن حول مكانها أي موسى لحدوث أمر ديني فيها وهو تكليم اللّه موسى واستنباؤه له واظهار المعجزات عليه {وسبحان اللّه رب العالمين} هو من جملة ما نودي فقد نزه ذاته عما لا يليق به من التشبيه وغيره ٩{يا موسى إنه أنا اللّه العزيز الحكيم} الضمير في أنه للشأن والشأن أنا اللّه مبتدأ وخبر العزيز الحكيم صفتان للخبر أو يرجع إلى ما دل عليه ماقبله أي أن مكلمك أنا واللّه بيان لأنا والعزيز الحكيم صفتان للمبين وهو تمهيد لما أراد أن يظهر على يده من المعجزات ١٠{وألق عصاك} لتعلم معجزتك فتأنس بها وهو عطف على بورك لأن المعنى نودى أن بورك من في النار وأن ألق عصاك كلاهما تفسير لنودى والمعنى قيل له بورك من في النار وقيل له ألق عصاك ويدل عليه ما ذكر في سورة القصص وأن ألق عصاك بعد قوله أن يا موسى إني على تكرير حرف التفسير {فلما رآها تهتز} تتحرك حال من الهاء في رآها {كأنها جان} حية صغيرة حال من الضمير في تهتز {ولي} موسى {مدبرا} أدبر عنها وجعلها تلى ظهره خوفا من ثوب الحية عليه {ولم يعقب} ولم يلتفت أو لم يرجع يقال قد عقب فلان إذا رجع يقاتل بعد أن ولى فنودى {يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون} أي لا يخاف عندي المرسلون حال خطابي اياهم أو لا يخاف لدى المرسلون من غيري ١١{إلا من ظلم} أي لكن من ظلم من غيرهم لأن الأنبياء لا يظلمون أو لكن من ظلم منهم من زل من المرسلين فجاء غير ما أذنت له مما يجوز على الأنبياء كما فرط آدم ويونس وداود وسليمان عليهم السلام {ثم بدل حسنا} أي اتبع توبة {بعد سوء} زلة {فإني غفور رحيم} أقبل توبته وأغفر زلته وأرحمه كم فاحقق أمنيته وكأنه تعريض بما قال موسى حين قتل القبطي رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له ١٢{وأدخل يدك في جيبك} جيب قميصك وأخرجها {تخرج بيضاء} نيرة تغلب نور الشمس {من غير سوء} برص وبيضاء ومن غير سوء حالان {في تسع آيات} كلام مستأنف وفي يتعلق بمحذوف أي اذهب في تسع آيات أو وألق عصاك وادخل يدك في جملة تسع آيات {إلى فرعون وقومه} إلى يتعلق بمحذوف أي مرسلا إلى فرعون وقومه {إنهم كانوا قوما فاسقين} خارجين عن أمر اللّه كافرين ١٣{فلما جاءتهم آياتنا} أي معجزاتنا {مبصرة} حال أي ظاهرة بينة جعل الأبصار لها وهو في الحقيقة لمتأمليها لملابستهم إياها بالنظر والتفكر فيها أو جعلت كأنها تبصر فتهدي لأن الأعمى لا يقدر على الإهتداء فضلا أن يهدي غيره ومنه قولهم كلمة عمياء وعوراء لأن الكلمة الحسنة ترشد والسيئة تغوي {قالوا هذا سحر مبين} ظاهر لمن نأمله وقد قوبل بين المبصرة والمبين ١٤{وجحدوا بها} قيل الجحود لا يكون إلا من علم من الجاحد وهذا ليس بصحيح لأن الجحود هو الإنكار وقد يكون الإنكار للشيء للجهل به وقد يكون بعد المعرفة تعنتا كذا ذكر في الشرح التأويلات وذكر في الديوان يقال جحد حقه وبحقه بمعنى والواو في {واستيقنتها} للحال وقد بعدها مضمرة والأستيقان أبلغ من الإيقان {أنفسهم} أي جحدوا بألسنتهم واستيقنوها في قلوبهم وضمائرهم {ظلما} حال من الضمير في جحدوا وأي ظلم افحش من ظلم من استيقن أنها آيات من عند اللّه ثم سماها سحرا بينا {وعلوا} ترفعا عن الإيمان بما جاء به موسى {فانظر كيف كان عاقبة المفسدين} وهو الإغراق هنا والأحراق ثمة ١٥{ولقد آتينا} أعطينا {داود وسليمان علما} طائفة من العلم أو علما سنيا غزيرا والمراد علم الدين والحكم {وقالا الحمد للّه الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين} والآيات حجة لنا على المعتزلة في ترك الأصلح وهنا محذوف ليصح عطف الواو عليه ولولا تقدير المحذوف لكان الوجه الفاء كقولك أعطيته فشكر وتقديره آتيناهما علما فعملا به وعلماء وعرفا حق النعمة فيه وقالا الحمد للّه الذي فضلنا والكثير المفضل عليه من لم يؤت علما أو من لم يؤت مثل علمهما وفيه أنهما فضلا على كثير وفضل عليهما كثير وفي الآية دليل على شرف العلم وتقدم حملته وأهله وأن نعمة العلم من أجل النعم وأن من أوتيه فقد أوتى فضلا على كثير من عباده وما سماهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ورثة الأنبياء إلا لمداناتهم لهم في الشرف والمنزلة لأنهم القوام بما بعثوا من أجله وفيها أنه يلزمهم لهذه النعمة الفاضلة أن يحمدوا اللّه على ما أتوه وأن يعتقد العالم أنه إن فضل على كثير فقد فضل عليه مثلهم وما أحسن قوله عمر رضي اللّه عنه كل الناس أفقه من عمر رضي اللّه عنه ١٦{وورث سليمان داود} ورث من النبوة والملك دون سائر بنيه وكانوا تسعة عشر قالوا أوتى النبوة مثل أبيه فكأنه ورثه وإلا فالنبوة لا تورث {وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير} تشهيرا لنعمة اللّه تعالى واعترافا بمكانها ودعاء للناس إلى التصديق بذكر المعجزة التي هي علم منطق الطير والمنطق كل ما يصوت به من المفرد والمؤلف المفيد وغير المفيد وكان سليمان عليه السلام يفهم منهم كما يفهم بعضها من بعض روى أنه صاحت فاخته فأخبر أنها تقول ليت ذا الخلق لم يخلقوا وصاح طاوس فقال يقول كما تدين تدان وصاح هدهد فقال يقول استغفروا اللّه يا مذنبين وصاح خطاف فقال يقول قدموا خيرا تجدوه وصاحت رحمة فقال تقول سبحان ربي الأعلى ملء سمائه وأرضه وصاح قمري فأخبر انه يقول سبحان ربي الأعلى وقال الحدأة تقول كل شيء هالك إلا اللّه والقطاة تقول من سكت سلم والديك يقول في البعد من الناس أنس والضفدع يقول سبحان ربي القدوس {وأوتينا من كل شيء} المراد به كثرة ما أوتى كما تقول فلان يعلم كل شيء ومثله وأوتيت من كل شيء {إن هذا لهو الفضل المبين} قوله وارد على سبيل الشكر كقوله أنا سيد ولد آدم ولا فخر أي اقول هذا القول شكرا ولا أقوله فخر أو النون في علمنا وأوتينا نون الواحد المطاع وكان ملكا مطاعا فكلم أهل طاعته على الحال التي كان عليها وليس التكبر من لوازم ذلك ١٧{وحشر} وجمع {لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير} روى أن معسكره كان مائة فرسخ في مائة فرسخ وعشرون للجن وخمسة وعشرون للأنس وخمسة وعشرون للطير وخمسة وعشرون للوحش وكان له ألف بيت من قوارير على الخشب فيها ثلثمائة منكوحة وسبعمائة سرية قد نسجت له الجن بساطا من ذهب وإبريسم فرسخا في فرسخ وكان يوضع منبره في وسطه وهو من ذهب وفضة وحولهم الناس وحول الناس الجن والشياطين وتظله الطير باجنحتها حتى لا يقع كليه حر الشمس وترفع ريح الصبا فتسير به مسيرة شهر ويروى أنه كان يأمر الريح العاصف تحمله ويأمر الرخاء تسيره فأوحى اللّه تعالى إليه وهو يسير بين السماء والأرض أني قد زدت في ملكك أن لا يتكلم أحد بشيء ألا ألقته الريح في سمعك فيحكي أنه مر بحراث فقال لقد أوتى آل دواد ملكا عظيما فألقته الريح في أذنه فنزل ومشى إلى الحراث وقال أني جئت إليك لئلا تتمنى ما لا تقدر عليه قال لتسبيحه واحدة يقبلها اللّه تعالى خير مما أوتى آل داود {فهم يوزعون} يحبس أولهم على آخرهم أي يوقف سلاف العسكر حتى بلحقهم التوالي ليكونوا مجتمعين وذلك للكثره العظيمة والوزع المنع ومنه قول عثمان رضي اللّه عنه ما يوزع السلطان أكثر مما يزع القرآن ١٨{حتى إذا أتوا على وادي النمل} أي ساروا حتى إذا بلغوا وادي النمل وهو واد بالشام كثير النمل وعدى بعلى لأن اتيانهم كان من فوق فأنى بحرف الاستعلاء {قالت نملة} عرجاء تسمى طاخية أو منذرة وعن قتادة أنه دخل الكوفة فالتف عليه الناس فقال سلوا عما شئتم فسأله أبو حنيفة رضي اللّه عنه وهو شاب عن نملة سليمان اكانت ذكرا أم أنثى فافحم فقال أبو حنيفة رضي اللّه عنه كانت أنثى فقيل له بماذا عرفت فقال بقوله قالت نملة ولو كانت ذكرا لقال قال نملة وذلك أن النملة مثل الحمامة في وقوعها على الذكر والأنثى فيميز بينهما بعلامة نحو قولهم حمامة ذكر وحمامة أنثى وهو وهي {يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم} ولم يقل ادخلن لأنه لما جعلها قائلة والنمل مقولاتهم كما يكون في أولى العقل أجرى خطابهن مجرى خطابهم {لا يحطمنكم} لا يكسر نكم والحطم الكسر وهو نهى مستأنف وهو في الظاهر نهى لسليمان عن الحطم وفي الحقيقة نهى لهن عن البروز والوقوف على طريقة لا أرينك ههنا أي لا تحضر هذا الموضع وقيل هو جواب الأمر وهو ضعيف يدفعه نون التأكيد لأنه من ضرورات الشعر {سليمان وجنوده} قيل أراد يحطمنكم جنود سليمان فجاء بما هو ابلغ {وهم لا يشعرون} لا يعلمون بمكانكم أي لو شعروا لم يفعلوا قالت ذلك على وجه العذر واصفة سليمان وجنوده بالعدل فسمع سليمان قولها من ثلاثة أميال ١٩{فتبسم ضاحكا من قولها} متعجبا من حذرها واهتدائها لمصالحها ونصيحتها للنمل أو فرحا لظهور عدله وضاحكا حال مؤكدة لأن تبسم بمعنى ضحك وأكثر ضحك الأنبياء التبسم كذا قاله الزجاج {وقال رب أوزعني} ألهمني وحقيقة كفنى عن الأشياء إلا عن شكر نعمتك {أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي} من النبوة والملك والعلم {وعلى والدي} لأن الأنعام على الوالدين إنعام على الولد {وأن أعمل صالحا ترضاه} في بقية عمري وأدخلني برحمتك وادخلني الجنة برحمتك لا بصالح عملي إذلا يدخل يدخل الجنة أحد إلا برحمته كما جاء في الحديث {في عبادك الصالحين} أي في زمرة أنبيائك المرسلين أو مع عبادك الصالحين روى أن النملة أحست بصوت الجنود ولا تعلم أنهم في الهواء فأمر سليمان الريح فوقفت لئلا يذعرن حتى دخلن مساكنهن ثم دعا بالدعوة ٢٠{وتفقد الطير فقال ما لي} مكى وعلى وعاصم وغيرهم بسكون الياء والتفقد طلب ما غاب عنك {لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين} أم بمعنى بل والمعنى أنه تعرف الطير فلم يجد فيها الهدهد فقال مالى لا أراه على معنى أنه لا يراه وهو حاضر لساتر ستره أو غيرذلك ثم لاح له انه غائب فاضرب عن ذلك وأخذ يقول بل هو غائب وذكر أن سليمان عليه السلام لما حج خرج الى اليمن فوافى صنعاء وقت الزوال فنزل ليصلي فلم يجد الماء وكان الهدهد قناقنه وكان يرى الماء من تحت الأرض كما يرى الماء في الزجاجة فتستخرج الشياطين الماء فتفقده لذلك وذكر أنه وقعت نفحة من الشمس على رأس سليمان فنظر فإذا موضع الهدهد خال فدعا عريف الطير وهو النسر فساله عنه فلم يجد عنده علمه ثم قال لسيد الطير وهو العقاب على به فارتفع فنظر فإذا هو مقبل فقصده فناشده اللّه فتركه فلما قرب من سليمان ارخى ذنبه وجناحيه يجرهما على الأرض وقال يا نبي اللّه أذكر وقوفك بين يدي اللّه فارتعد سليمان وعفا عنه ٢١{لأعذبنه عذابا شديدا} بنتف ريشه والقائه في الشمس أو بالتفريق بينه وبين ألغه أو بإلزامه خدمة اقرانه أو بالحبس مع أضداده وعن بعضهم أضيق السجون معاشرة الأضداد أو بإيداعه القفص أو بطرحه بين يدي النمل لياكله وحل له تعذيب الهدهد لما رأى فيه من المصلحة كما حل ذبح البهائم والطيور للأكل وغيره من المنافع وإذا سخر له الطير لم يتم التسخير إلا بالتأديب والسياسة {أو لأذبحنه أو ليأتيني} بالنون الثقيلة ليشاكل قوله لأعذبنه وحذف نون العماد للتخفيف ليأتيني بنونين مكي الأولى للتأكيد والثانية للعماد {بسلطان مبين} بحجة له فيها عذر ظاهر على غيبته والأشكال أنه حلف على أحد ثلاثة أشياء اثنان منها فعله ولا مقال فيه والثالث فعل الهدهد وهو مشكل لأنها من أين درى أنه يأتي بسلطان حتى قال واللّه ليأتيني بسلطان وجوابه أن معنى كلامه ليكونن أحد الأمور يعني إن كان الإتيان بسلطان لم يكن تعذيب ولا ذبح وإن لم يكن كان أحدهما وليس في هذا ادعاء دراية ٢٢{فمكث} الهدهد بعد تفقد سليمان أياه وبضم الكاف غير عاصم وسهل ويعقوب وهما لغتان {غير بعيد} أي مكثا غير طويل أو غير زمان بعيد كقوله عن قريب ووصف مكثه بقصر المدة للدلالة على اسراعه خوفا من سليمان فلما رجع سأله عما لقي في غيبته {فقال أحطت} علمت شيئا من جميع جهاته {بما لم تحط به} ألهم اللّه الهدهد فكافح سليمان بهذا الكلام مع ما اوتى من فضل النبوة والعلوم الجمة ابتلاء له في علمه وفيه دليل بطلان قوله الرافضة أن الإمام لا يخفي عليه شيء ولا يكون في زمانه أحد أعلم منه {وجئتك من سبإ} غير منصرف أبو عمرو وجعله اسما للقبيلة أو المدينة وغيره بالتنوين جعله اسما للحي أو الأب الأكبر {بنبإ يقين} النبأ الخبر الذي له شأن وقوله من سبأ بنبأ من محاسن الكلام ويسمىالبديع وقد حسن وبدع لفظا ومعنى ههنا ألا ترى أنه لو وضع مكان بنبأ بخبر لكان المعنى صحيحا وهو كما جاء أصح لما في النبأ من الزيادة التي يطابقها وصف الحال ٢٣{إني وجدت امرأة} هي بلقيس بنت شراحيل وكان أبوها ملك أرض اليمن ولم يكن له ولد غيرها فغلبت على الملك وكانت هي وقومها مجوسا يعبدون الشمس والضمير في {تملكهم} راجع إلى سبأ على تأويل القوم أو أهل المدينة {وأوتيت} حال وقد مقدرة {من كل شيء} من أسباب الدنيا ما لا يليق مجالها {ولها عرش} سرير {عظيم} كبير قيل كان ثمانين ذراعا في ثمانين ذراعا وطوله في الهواء ثمانون ذراعا وكان من ذهب وفضة وكان مرصع بأنواع الجواهر وقوائمه من ياقوت أحمر وأخضر ودر وزمرد وعليه سبعة أبيات على كل بيت باب مغلق واستصغر حالها إلى حال سليمان فاستعظم عرشها لذلك وقد أخفى اللّه تعالى على سليمان ذلك لمصلحة رأها كما أخفى مكان يوسف على يعقوب عليهما السلام ٢٤{وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون اللّه وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل} أي سبيل التوحيد {فهم لا يهتدون} إلى الحق ولا يبعد من الهدهد التهدي إلى معرفة اللّه تعالى ووجوب السجود له وحرمة السجود للشمس إلهاما من اللّه له الهمه وغيره من الطيور وسائر الحيوان المعارف اللطيفة التي لايكاد العقلاء الرجاح العقول يهتدون لها ٢٥{ألا يسجدوا} بالتشديد أي فصدهم عن السبيل لئلا يسجدوا فحذف الجار مع أن وادغمت النون في اللام ويجوز أن تكون لا مزيدة ويكون المعنى فهم لا يهتدون إلى أن يسجدوا وبالتخفيف يزيد وعلى تقديره ألا يا هؤلاء اسجدوا فألا للتنبيه ويا حرف نداء ومناداه محدوف فمن شدد لم يقف إلا على العرش العظيم ومن خفف وقف على فهم لا يهتدون ثم ابتدأ ألا يسجدوا أو وقف على إلا ياتم أبتداء اسجدوا وسجدة التلاوة واجبة في القراءتين جميعا بخلاف ما يقوله الزجاج أنه لا يجب السجود مع التشديد لأن مواضع السجدة إما أمر بها أو مدح أو ذم لتاركها واحدى القراءتين أمر والأخرى ذم للتارك {للّه الذي يخرج الخبء} سمي المخبوء بالمصدر {في السماوات والأرض} قتادة خبء السماء المطر وخبء الأرض النبات {ويعلم ما تخفون وما تعلنون} وبالتاء فيهما على حفص ٢٦{اللّه لا إله إلا هو رب العرش العظيم} وصف الهدهد عرش اللّه العظيم تعظيم له بالنسبة إلى سائر ما خلق من السموات والأرض ووصفه عرش بلقيس تعظيم له بالأضافة إلى عروش ابناء جنسها من الملوك إلى ههنا كلام الهدهد فلما فرغ من كلامه ٢٧{قال} سليمان للّهدهد {سننظر} من النظر الذي هو التأمل {أصدقت} فيما أخبرت {أم كنت من الكاذبين} وهذا أبلغ من أم كذبت لأنه إذا كان معروفا بالإنخراط في سلك الكاذبين كان كاذبا لا محالة وإذا كان كاذبا اتهم بالكذب فيما أخبر به فلم يوثق به ثم كتب سليمان كتابا صورته من عبد اللّه سليمان بن داود إلى بلقيس ملكة سبأ بسم اللّه الرحمن الرحيم السلام على من اتبع الهدى أما بعد فلا نعلوا على واتوني مسلمين وطبعه بالمسك وختمه بخاتمه وقال للّهدهد ٢٨{اذهب بكتابي هذا فألقه} بسكون الهاء تخفيفا أبو عمرو وعاصم وحمزة ويختلسها كسر التدل الكسرة على الياء المحذوفة يزيد وقالون ويعقوب قالفهى باثبات الياء غيرهم {إليهم} إلى بلقيس وقومها لأنه ذكرهم معها في قوله وجدتها وقومها يسجدون للشمس وبني الخطاب في الكتاب على لفظ الجمع لذلك {ثم تول عنهم} تنح عنهم إلى مكان قريب بحيث تراهم ولا يرونك ليكون ما يقولونه بمسمع عنك {فانظر ماذا يرجعون} ما الذي يرونه من الجواب فاخذ الهدهد الكتاب بمنقاره ودخل عليها من كوة فطرح الكتاب على نحرها وهي راقدة وتوارى في الكوة فانتبهت فزعة أو أتاها الجنود حواليها فرفرف ساعة وألقى الكتاب في حجرها وكانت قارئة فلما رأت الخاتم ٢٩{قالت} لقومها خاضعة خائفة {يا أيها الملأ إني} وبفتح الياء مدني {ألقي إلي كتاب كريم} حسن مضمومه وما فيه مختوم قال عليه الصلاة والسلام كرم الكتاب ختمه وقبل من كتب أخيه كتابا ولم يختمه فقد استخف به أو مصدر ببسم اللّه الرحمن الرحيم أو لأنه من عند ملك كريم ٣٠{إنه من سليمان وإنه بسم اللّه الرحمن الرحيم} هو تبيين لما ألقى إليها كأنها لما قالت أني ألقى إلى كتاب كريم قيل لها ممن هو وما هو فقالت أنه من سليمان وانه كيت وكيت وأن في ٣١{ألا تعلوا} لا تترفعوا على ولا تتكبروا كما تفعل الملوك مفسرة كقوله وانطلق المللأ منهم أن امشوا يعني أي امشوا {وأتوني مسلمين} مؤمنين أو منقادين وكتب الأنبياء مبينة على الأيجاز والاختصار ٣٢{قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري} اشيروا علي في الأمر الذي نزل بي والفتوى والجواب في الحادثة اشتقت على طريق الاستعارة من الفتاء في السن والمراد هنا بالتقوى الإشارة عليها بما عندهم من الرأي وقصدها بالرجوع إلى استشارتهم تطبيب أنفسهم ليمالئوها ويقوموا معها {ما كنت قاطعة أمرا} فاصلة أو ممضية حكما {حتى تشهدون} بكسر النون والفتح لحن لأن النون إنما تفتح في موضع الرفع وهذا في موضع النصب وأصله تشهدونني وحذفت النون الأولى للنصب والياء لدلالة الكسرة عليها بالياء في الوصل والوقف يعقوب أي تحضروني أو تشيروني أو تشهدوا أنه صواب أي لا ابت الأمر إلا بمحضركم وقيل كان أهل مشورتها ثلثمائة وثلاثة عشر رجلا كل واحد على عشرة آلاف ٣٣{قالوا} مجيبين لها {نحن أولوا قوة وأولو بأس شديد} أرادوا بالقوة قوة الأجساد والآلات وبالبأس النجدة والبلاء في الحرب {والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين} أي موكول إليك ونحن مطيعون لك فمرينا بأمرك نطعك ولا نخالفك كأنهم أشاروا عليها بالقتال أو أرادوا نحن من أبناء الحرب لا من أبناء الرأي والمشورة وأنت ذات الرأي والتدبير فانظري مذا ترين نتبع رايك فلما أحست منهم الميل الى المحاربة مالت الى المصالحة ورتبت الجواب فزيفت أولا ما ذكروه وأرتهم الخطأ فيه حيث ٣٤{قالت إنّ الملوك إذا دخلوا قريةً} عنوة وقهراً {أفسدوها} خربوها {وجعلوا أعزّة أهلها أذلّةً} أذلوا أعزتها وأهانوا أشرافها وقتلوا وأسروا فذكرت لهم سوء عاقبة الحرب ثم قالت {وكذلك يفعلون} أرادت وهذه عادتهم المستمرة التي لا تتغير لأنها كانت في بيت الملك القديم فسمعت نحو ذلك ورأت. ثم ذكرت بعد ذلك حديث الهدية وما رأت من الرأي السديد. وقيل: هو تصديق من الله لقولها، واحتج الساعي في الأرض بالفساد بهذه الآية. ومن استباح حراماً فقد كفر، وإذا احتج له بالقرآن على وجه التحريف فقد جمع بين كفرين ٣٥{وإنّي مرسلةٌ إليهم بهديّةٍ} أي مرسلة رسلاً بهدية. {فناظرة} فمنتظرة {بم} أي بما لأن الألف تحذف مع حرف الجر في الاستفهام {يرجع المرسلون} بقبولها أم بردها لأنها عرفت عادة الملوك وحسن مواقع الهدايا عندهم فان كان ملكا فبلها وانصرف وان كان نبيا ردها ولم يرض منا إلا أن نتبعه على دينه فبعثت خمسمائة غلام عليهم ثياب الجواري وحليهن راكبي خيل مغشاة بالديباج محلاة اللجم والسروج بالذهب المرصع بالجواهر وخمسمائة جارية على رماك في زي الغلمان وألف لبنة من ذهب وفضة وتاجا مكللا بالدر والياقوت وحقافية درة عذراء وجزعة معوجة الثقب وبعثت رسلا وأمرت عليهم المنذر بن عمرو بدليل قوله تعالى بم يرجع المرسلون وكتبت كتابا في نسخة الهدايا وقالت فيه أن كنت نبيا فميز بين الوصفاء والوصائف وأخبر بما في الحق واثقب الدرة ثقبا واسلك في الخرزة خيطا ثم قالت للمنذر أن نظر إليك نظر غضبان فهو ملك فلا يهولنك منظره وإن رأيته بشاشا لطيفا فهو نبي فاقبل الهدهد وأخبر سليمان الخبر كله فأمر سليمان الجن فضربوا لبنات الذهب والفضة وفرشوها في ميدان بين يديه طوله سبعة فراسخ وجعلوا حول الميدان حائطا شرفه من الذهب والفضة وأمر بأحسن الدواب في البر والبحر فربطوها عن يمين الميدان ويساره على اللبنات وأمر بأولاد الجن وهم خلق كثير فأقيموا عن اليمين واليسار ثم قعد على سريره والكراسي من جانبيه واصطت الشياطين صفوفا فراسخ والأنس صفوفا فراسخ والوحش والسباع والطيور والهوام كذلك فلما دنا القوم ورأوا الدواب تروث على اللبن رموا بما معهم من الهدايا ولما وقفوا بين يديه نظر إليهم سليمان بوجه طلق فأعطوه كتاب الملكة فنظر فيه وقال أين الحق فأمر الأرضة فاخذت شعره ونفذت في الدرة وأخذت دودة بيضاء الخيط بفيها ونفذت فيها ودعا بالماء فكانت الجارية تأخذ الماء بيدها فتجعله في الأخرى ثم تضرب به وجهها والغلام كما يأخذه يضرب به وجهه ثم رد الهدية وقال للمنذر ارجع إليهم ٣٦{فلما جاء} رسولها المنذر بن عمرو {سليمان قال أتمدونن بمال} بنونين واثبات الياء في الوصل والوقف مكي وسهل وافقهما مدني وأبو عمرو في الوصل أتمدوني حمزة ويعقوب في الحالين وغيرهم بنونين بلا ياء فيهما والخطاب للرسل {فما آتاني اللّه} من النبوة والملك والنعمة وبفتح الياء مدني وأبو عمرو وحفص {خير مما آتاكم} من زخارف الدنيا {بل أنتم بهديتكم تفرحون} الهدية اسم المهدي كما ان العطية اسم المعطي فتضاف الى المهدي والمهدى له تقول هذه هدية فلان تريد هي التي أهداها أو اهديت إليه والمعنى ان ما عندي خير مما عندكم وذلك أن اللّه آتاني الدين الذي فيه الحظ الأوفر والغنى الأوسع وآتاني من الدنيا ما لا يستزاد عليه فكيف يرضى مثلي بأن يمد بمال بل أنتم قوم لا تعلمون إلا ظاهرا من الحياةالدنيا فلذلك تفرحون بما تزادون ويهدى إليكم لأن ذلك مبلغ همتكم وحالى خلاف حالكم وما أرضى منكم بشيء ولا افرح به إلا بالأيمان وترك المجوسيةوالفرق بين قولك أتمدونني بمال وأنا أغنى منكم وبين أن تقوله بالهاء إني إذا قلته بالواو وجعلت مخاطبي عالما بزيادتي في الغنى وهو مع ذلك يمدني بمال وإذا قلته بالفاء فقد جعلته ممن خفيت عليه حالي فأنا أخبره الساعة بما لا أحتاج معه إلى إمداده كأني أقول له أنكر عليك ما فعلت فإني غني عنه وعليه ورد فما آتاني اللّه ووجه الاضراب أنه لما أنكر عليهم الامداد وعلل إنكاره أضرب عن ذلك إلى بيان السبب الذي حملهم عليه وهو أنهم لا يعرفون سبب رضا لا فرح إلا أن يهدي إليهم حظ من الدنيا التي لا يعلمون غيرها ٣٧{ارجع إليهم} خطاب للرسول أو الهدهد محملا كتابا آخر إليهم ائت بلقيس وقومها {فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها} لا طاقة لهم بها وحقيقة القبل المقاومة والمقابلة أي لا يقدرون أن يقابلوهم {ولنخرجنهم منها} من سبأ {أذلة وهم صاغرون} الذل أن يذهب عنهم ما كانوا فيه من العز والملك والضغار أن يقعوا في أسر واستبعاد فلما رجع إليها رسولها بالهدايا وقص عليها القصة قالت هو نبي وما لنا به طاقة ثم جعلت عرشها في آخر سبعة أبيات وغلقت الأبواب ووكلت به حرسا يحفظونه وبعثت إلى سليمان قادمة إليك لأنظر ما الذي تدعو إليه وشخصت إليه في اثني عشر ألف قبل تحت كل قيل ألوف فلما بلغت على رأس فرسخ من سليمان ٣٨{قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين} أراد أن يريها بذلك بعض ما خصه اللّه تعالى به من اجراء العجائب على يده مع اطلاعها على عظم قدرة اللّه تعالى وعلى ما يشهد لنبوة سليمان أو أراد أن ياخذه قبل ان تسلم لعلمه أنها إذا أسلمت لم يحل له أن أخذ ما لها وهذا بعيد عند أهل التحقيق أو أراد أن يؤتي به فينكر ويغير ثم ينظر اتثبته أم تنكره اختبارا لعقلها ٣٩{قال عفريت من الجن} وهو الخبيث المارد وإسمه ذكوان {أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك} مجلس حكمك وقضائك {وإني عليه} على حمله {لقوي أمين} آتي به كما هو لا آخذ منه شيئا ولا أبدله فقال سليمان عليه السلام أريد أعجل من هذا ٤٠{قال الذي عنده علم من الكتاب} أي ملك بيده كتاب المقادير أرسله اللّه تعالى عند قول العفريت أو جبريل عليه السلام والكتاب على هذا اللوح المحفوظ أو الخضر أو آصف بن برخيا كاتب سليمان وهو الأصح وعليه الجمهور وكان عنده اسم اللّه الأعظم الذي إذا دعا به أجاب وهو يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام أو يا إلهنا وإله كل شيء إلها واحدا لا إله ألا أنت وقيل له علم بمجاري الغيوب ألهاما {أنا آتيك به} بالعرش وآتيك في الموضعين يجوز أن يكون فعلا أو اسم فاعل ومعنى قوله {قبل أن يرتد إليك طرفك} أنك ترسل طرفك إلى شيء فقبل أن ترده أبصرت العرش بين يديك ويروى أن آصف قال لسليمان عليه السلام مد عينيك حتى ينتهي طرفك فمد عينيه فنظر نحو اليمين فدعا آصف فغار العرش في مكانه ثم نبع عند مجلس سليمان بقدرة اللّه تعالى قبل أن يرتد طرفه {فلما رآه} أي العرش {مستقرا عنده} ثابتا لديه غير مضطرب {قال هذا} أي حصول مرادي وهو حضور العرش في مدة ارتداد الطرف {من فضل ربي} على واحسانه إلى بلا استحقاق منى بل هو فضل خال من العوض صاف عن الغرض {ليبلوني أأشكر} ليمتحنني أأشكر أنعامه {أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه} لأنه يحط به عنها عبء الواجب ويصونها عن سمة الكفران ويستجلب به المزيد وترتبط به النعمة فالشكر قيد للنعمة الموجودة وصيد للنعمة المفقودةوفي كلام بعضهم أن كفران النعمة بوار وقلما اقشعت نافرة فرجعت في نصابها فاستدع شاردها بالشكر واستدم راهنها بكرم الجوار واعلم ان سبوغ ستر اللّه تعالى متقلص عما قريب إذا أنت لم ترج للّه وقارا أي لم تشكر للّه نعمة {ومن كفر} بترك الشكر على النعمة {فإن ربي غني} عن الشكر {كريم} بالإنعام على من يكفر نعمته قال الواسطي ما كان منا الشكر فهو لنا وما كان منه من النعمة فهو الينا وله المنة والفضل علينا ٤١{قال نكروا لها عرشها} غيروا أي اجعلوا مقدمه مؤخره وأعلاه أسفله {ننظر} بالجزم على الجواب {أتهتدي} إلى معرفة عرشها أو الجواب الصواب إذا سئلت عنه {أم تكون من الذين لا يهتدون ٤٢فلما جاءت} بلقيس {قيل أهكذا عرشك} ها للتنبيه والكاف للتشبيه وذا اسم اعارة ولم يقل اهذا عرشك ولكن أمثل هذا عرشك لئلا يكون تلقينا {قالت كأنه هو} فأجابت أحسن جواب فلم تقل هو هو ولا ليس به وذلك من رجاحة عقلها حيث لم تقطع في المحتمل للأمرين أو لما شبهوا عليها بقولهم أهكذا عرشك شبهت عليهم بقولها كأنه هو مع أنها علمت أنه عرشها {وأوتينا العلم من قبلها} من كلام بلقيس أي أوتينا العلم بقدرة اللّه تعالى وبصحة نبوتك بالآيات المتقدمة من أمر الهدهد والرسل من قبل هذه المعجزة أي احضار العرش أو من قبل هذه الحالة {وكنا مسلمين} منقادين لك مطيعين لأمرك ومن كلام سليمان وملئه عطفوا على كلامها قولهم وأوتينا العلم باللّه وبقدرته وبصحة ما جاء من عنده قبل علمها وأوتينا العلم بإسلامها ومجيئها طائفة من قبل مجيئها وكنا مسلمين موحدين خاضعين ٤٣{وصدها ما كانت تعبد من دون اللّه} متصل بكلام سليمان أي وصدها عن العلم بما علمناه أو عن التقدم إلى الإسلام عبادة للشمس ونشؤها بين أظهر الكفرة ثم بين نشأها بين الكفر بقوله {إنها كانت من قوم كافرين} أو كلام مبتدا أي قال اللّه تعالى وصدها قبل ذلك عما دخلت فيه ضلالها عن سواء السبيل أو صدها اللّه أو سليمان عما كانت تعبد بتقدير حذف الجار وايصال الفعل ٤٤{قيل لها ادخلي الصرح} أي القصر أو صحن الدار {فلما رأته حسبته لجة} ماء عظيما {وكشفت عن ساقيها} ساقيها بالهمزة مكي روى أن سليمان أمر قبل قدومها فبني له على طريقها قصر من زجاج أبيض وأجرى من تحته الماء وألقى فيه السمك وغيره ووضع سريره في صدره فجلس عليه وعكف عليه الطير والجن والإنس وإنما فعل ذلك ليزيدها استعظاما لأمره وتحقيقا لنبوته وقيل ان الجن كرهوا ان يتزوجها فتفضي إليه بأسرارهم لأنهم كانت بنت جنية وقيل خافوا أن يولد له منها ولد يجمع فطنة الجن والإنس فيخرجون من ملك سليمان إلى ملك هو أشد فقالوا له إن في عقلها شيئا وهي شعراء الساقين ورجلها كحافر الحمار فاختبر عقلها بتنكير العرش واتخذ الصرح ليعرف ساقها ورجلها فكشفت عنهما فإذا هي أحسن الناس ساقا وقدما إلا أنها شعراء فصرف بصره {قال} لها {إنه صرح ممرد} مملس مستو ومنه الأمرد {من قوارير} من الزجاج وأراد سليمان تزوجها فكره شعرها فعملت لها الشياطين النورة فأزالته فنكحها سليمان وأحبها وأقرها على ملكها وكان يزورها في الشهر مرة فيقيم عندها ثلاثة أيام وولدت له {قالت رب إني ظلمت نفسي} بعبادة الشمس {وأسلمت مع سليمان للّه رب العالمين} قال المحققون لا يحتمل أن يحتال سليمان لينظر إلى ساقيها وهي أجنبية لا يصح القول بمثله ٤٥{ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم} في النسب {صالحا} بدل {أن اعبدوا اللّه} بكسر النون في الوصل عاصم وحمزة وبصرى وبضم النون غيرهم اقباعا للباء والمعنى بأن اعبدوا اللّه وحده {فإذا} للمفاجأة {هم} مبتدأ {فريقان} خبر {يختصمون} صفة وهي العامل في إذا والمعنى فإذا قوم صالح فريقان مؤمن به وكافر به يختصمون فيقول كل فريق الحق معي وهو مبين في قوله قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه قالوا إنما بما أرسل به مؤمنون * قال الذين استكبروا أنا بالذي آمنتم به كافرون وقال الفريق الكافر يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين ٤٦{قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة} بالعذاب الذي توعدون {قبل الحسنة} قبل التوبة {لولا} هلا {تستغفرون اللّه} تطلبون المغفرة من كفركم بالتوبة والإيمان قبل نزول العذاب بكم {لعلكم ترحمون} بالإجابة ٤٧{قالوا اطيرنا بك} تشاءمنا بك لأنهم قحطوا عند مبعثه لتكذيبهم فنسبوه إلى مجيئه والأصل تطيرنا وقريء به فادغمت التاء في الطاء وزيدت الألف لسكون الطاء {وبمن معك} من المؤمنين {قال طائركم عند اللّه} أي سببكم الذي يجيء منه خيركم وسركم عند اللّه وهو قدره وقسمته أو عملكم مكتوب عند اللّه فإنما نزل بكم ما نزل عقوبة لكم وفتنة ومنه وكل إنسان الزمناه طائره في عنقه وأصله أن المسافر إذا مر بطائر يزجره فان مرسانحا تيامن وإذا مر بارحا تشاءم فلما نسبوا الخير والشر إلى الطائر استعير لما كان سببهما من قدر اللّه وقسمته أو عمل العبد الذي هو السبب في الرحمة والنقمة {بل أنتم قوم تفتنون} تختبرون أو تعذبون بذنبكم ٤٨{وكان في المدينة} مدينة ثمود وهي الحجر {تسعة رهط} هو جمع لا واحد له ولذا جاز تمييز التسعة به فكانه قيل تسعة أنفس وهو من الثلاثة إلى العشر وعن أبي دؤاد رأسهم قدار بن سالف وهم الذين سعوا في عقر الناقة وكانوا أبناء أشرافهم {يفسدون في الأرض ولا يصلحون} يعني ان شأنهم الافساد البحت لا يخلط بشيء من الصلاح كما ترى بعض المفسدين قد يندر منه بعض الصلاح وعن الحسن يظلمون الناس ولا يمنعون الظالمين من الظلم وعن ابن عطاء يتبعون معايب الناس ولا يسترون عوراتهم ٤٩{قالوا تقاسموا باللّه} تحالفوا خبر في محل الحال باضمار قد أي قالوا متقاسمين أو أمر أي أمر بعضهم بعضا بالقسم {لنبيتنه} لنقتلنه بياتا أي ليلا {وأهله} ولده وتبعه {ثم لنقولن لوليه} لولى دمه لتبيتنه بالتاء وبضم التاء الثانية ثم لتقولن بالتاء وضم اللام حمزة وعلى {ما شهدنا} ما حضرنا {مهلك أهله} حفص مهلك أبو بكر وحماد والمفضل من هلك فالأولى موضع الهلاك والثاني المصدر ملك غيرهم من أهلك وهو الاهلاك أو مكان الاهلاك أي لم نتعرض لأهله فكيف تعرضنا له أو ما حضرنا موضع هلاكه فكيف توليناه {وإنا لصادقون} فيما ذكرنا ٥٠{ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون} مكرهم ما أخفوه من تدبير الفتك بصالح وأهله ومكر اللّه أهلاكهم من حيث لا يشعرون شبه بمكر الماكر على سبيل الاستعارة روى أنه كان لصالح مسجد في الحجر في شعب يصلي فيه فقالوا زعم صالح أنه يفرغ منا إلى ثلاث فنحن نفرغ منه ومن أهله قبل الثالث فخرجوا إلى الشعب وقالوا إذ جاء يصلي قتلناه ثم رجعنا إلى أهله فقتلناهم فبعث اللّه صخرة من الهضب حيالهم فبادروا فطبقت الصخرة عليهم فم الشعب فلم يدر قومهم أين هم ولم يدروا ما فعل بقومهم وعذب اللّه كلامنهم في مكانه ونجى صالحا عليه السلام ومن معه ٥١{فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم} بفتح الألف كفى وسهل وبكسرها غيرهم على الاستئناف ومن فتحه رفعه على أنه بدل من العاقبةأو خبر مبتدأ محذوف تقديره هي تدميرهم أو نصبه على معنى لانا أو على أنه خبر كان أي فكان عاقبة مكرهم الدمار {وقومهم أجمعين} بالصيحة ٥٢{فتلك بيوتهم خاوية} ساقطة منهدمة من خوى النجم إذا سقط أو خالية من الخواء وهي حال عمل فيها مادل عليه تلك {بما ظلموا} بظلمهم {إن في ذلك} فيما فعل بثمود {لآية لقوم يعلمون} قدرتنا فيتعظون ٥٣{وأنجينا الذين آمنوا} بصالح {وكانوا يتقون} ترك أو امره وكانوا أربعة آلاف نجوا مع صالح من العذاب ٥٤{ولوطا إذ قال} واذكر لوطا وإذ بدل من لوطا أي ذكروا وقت قول لوط {لقومه أتأتون الفاحشة} أي اتيان الذكور {وأنتم تبصرون} تعلمون أنها فاحشة لم تسبقوا إليها من بصر القلب أو يرى ذلك بعضهم من بعض لأنهم كانوا يركبونها في ناديهم معالنين بها لا يتستر بعضهم من بعض مجانة وأنهما كافي المعصية أو تبصرون آثار العصاة قبلكم وما نزل بهم ثم صرح فقال ٥٥{أئنكم} بهمزتين كوفى وشامى {لتأتون الرجال شهوة} للشهوة {من دون النساء} أي أن اللّه تعالى إنما خلق الأنثى للذكر ولم يخلق الذكر للذكر ولا الانثى للأنثى فهي مضادة للّه في حكمته {بل أنتم قوم تجهلون} تفعلون فعل الجاهلين بأنها فاحشة مع علمكم بذلك أو اريد بالجهل السفاهة والمجانة التي كانوا عليها وقد اجمتع الخطاب والغيبة في قوله بل انتم قوم تجهلون و بل أنتم قوم تفتنون فغلب الخطاب على الغيبة لأنه أقوى إذ الأصل أن يكون الكلام بين الحاضرين ٥٦{فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط} أي لوطا ومتبعيه فخبر كان جوابه واسمه أن قالوا {من قريتكم إنهم أناس يتطهرون} يتنزهون عن القاذورات ينكرون هذا العمل القذر ويغيظنا أنكارهم قيل هو استهزاء كقوله إِنك لأنت الْحَلِيمُ الرشيد ٥٧فانجيناه فخلصناه من العذاب الواقع بالقوم {وأهله إلا امرأته قدرناها} بالتشديد سوى حماد وأبي بكر أي قدرنا كونها {من الغابرين} من الباقين في العذاب ٥٨{وأمطرنا عليهم مطرا} حجارة مكتوبا عليها اسم صاحبها {فساء مطر المنذرين} الذين لم يقبلوالانذار ٥٩{قل الحمد للّه وسلام على عباده الذين اصطفى} أمر رسوله محمدا صلى اللّه عليه وسلم بتحميده ثم بالصلاة على المصطفين من عباده توطئه لما يتلوه من الدلالة على وحدانيته وقدرته على كل شيء وهو تعليم لكل متكلم في كل أمر ذي بال بأن يتبرك بهما ويستظهر بمكانهما أو هو خطاب للوط عليه السلام بأن يحمد اللّه على هلاك كفار قومه ويسلم على من اصطفاه اللّه ونجاه من هلكتهم وعصمه من ذنوبهم {آللّه خير أما يشركون} بالياء بصرى وعاصم ولا خير فيما أشركوه اصلا حتى يوازن بينه وبين من هو خالق كل شيء وإنما هو الزام لهم وتهكم بحالهم وذلك أنهم آثروا عبادة الأصنام على عبادة اللّه تعالى ولا يؤثر عاقل شيئا على شيء إلا لداع يدعوه إلى ايثارة من زيادة خبر ومنفعة فقيل لهم مع العلم بأنه لا خير فيما آثروه وأنهم لم يؤثروه لزيادة الخبر ولكن هوى وعبثا لينبهوا على الخطأ المفرط والجهل المورط وليعلموا أن الإيثار يجب أن يكون للخير الزائد وكان عليه الصلاةوالسلام إذا قرأها قال بل اللّه خير وأبقى وأجل وأكرم ثم عدد سبحانه الخيرات والمنافع التي هي آثار رحمته وفضله فقال ٦٠{أم من خلق السماوات والأرض} والفرق بين أم و أم في أمله يشركون وأمن خلق السموات ان تلك متصله إذا المعنى أيهما خير وهذه منقطعة بمعنى بل والهمزة ولما قال آللّه خير أم الآلهة قال بل أمن خلق السموات والأرض خير تقريرا لهم بأن من قدر على خلق العالم خير من جماد لا يقدر على شيء {وأنزل لكم من السماء ماء} مطرا {فأنبتنا} صرف الكلام عن الغيبة ألى التكلم تأكيدا لمعنى اختصاص الفعل بذاته وإيذانا بأن أنبات الحدائق المختلفة والأصناف والألوان والطعوم والأشكال مع حسنها بماء واحد لا يقدر عليه ألا هو وحده {به} بالماء {حدائق} بساتين والحديقة البستان وعليه حائط من الأحداق وهو الإحاطة {ذات} ولم يقل ذوات لأن المعنى جماعة حدائق كما تقول النساء ذهبت {بهجة} حسن لأن الناظر يبتهج به ثم رشح معنى الإختصاص بقوله {ما كان لكم أن تنبتوا شجرها} ومعنى الكينونة الإنبغاء أراد أن تأتي ذلك محال من غيره {أإله مع اللّه} أغيره يقرن به ويجعل شريكا له {بل هم قوم يعدلون} به غيره أو يعدلون ن الحق الذي هو التوحيد وبل هم بعد الخطاب أبلغ في تخطئة رأيهم ٦١{أم من جعل الأرض} وما بعده بدل من أمن خلق فكان حكمها حكمه {قرارا} دحاها وسواها للأستقرار عليها {وجعل خلالها} ظرف أي وسطها وهو المفعول الثاني والأول {أنهارا} وبين البحرين مثله {وجعل لها} للأرض {رواسي} جبالا تمنعها عن الحركة {وجعل بين البحرين} العذب والمالح {حاجزا} مانعا أن يختلطا {أإله مع اللّه بل أكثرهم لا يعلمون} التوحيد فلا يؤمنون ٦٢{أم من يجيب المضطر إذا دعاه} الأضطرار إفتعال من الضرورة وهي الحالة المحوجة إلى اللجا يقال اضطره إلى كذا والفاعل والمفعول مضطر والمضطر الذي أحوجه مرض أو فقرأ ونازلة من نوازل الدهر الى اللجأ والتضرع الى اللّه والمذنب أو المذنب إذا استغفر أو المظلوم إذا دعا أو من رفع يديه ولم ير لنفسه حسنة غير التوحيد وهو منه على خطر {ويكشف السوء} الضر أو الجور {ويجعلكم خلفاء الأرض} أي فيها وذلك توارثهم سكناها والتصرف فيها قرنا بعد قرن أو أراد بالخلافة الملك والتسلط {أإله مع اللّه قليلا ما تذكرون} وبالياء أبو عمر وبالتخفيف حمزة وعلي وحفص وما مزيدة أي تذكرون تذكرا قليلا ٦٣{أم من يهديكم} يرشدكم بالنجوم {في ظلمات البر والبحر} ليلا وبعلامات في الأرض نهارا {ومن يرسل الرياح} الريح مكى وحمزة وعلى {بشرا} من البشارة وقد مر في الأعراف {بين يدي رحمته} قدام المطر {أإله مع اللّه تعالى اللّه عما يشركون ٦٤أم من يبدأ الخلق} ينشأ الخلق {ثم يعيده} وإنما قيل لهم ثم يعيده وهم منكرون للإعادة لأنه ازيحت عليهم بالمكين من المعرفة والإقرار فلم يبقى لهم عذر في الانكار {ومن يرزقكم من السماء} أي المطر {والأرض} أي ومن الآرض والنبات {أإله مع اللّه قل هاتوا برهانكم} حجتكم على اشراككم {إن كنتم صادقين} في دعواكم أن مع اللّه ألها أخر ٦٥{قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا اللّه} من فاعل يعلم والغيب وهو ما لم يقم عليه دليل ولا اطلع عليه مخلوق مفعول واللّه بدل من من والمعنى لا يعلم أحد الغيب إلا اللّه نعم إن اللّه تعالى يتعالى عن أن يكون ممن في السموات والأرض ولكنه جاء على لغة بني تميم حيث يجرون الاستثناء المنقطع أي مجرى المتصل ويجزون النصب والبدل في المنقطع كما في المتصل ويقولون ما في الدار أحد إلا حمار وقالت عائشة رضي اللّه عنها من زعم أنه يعلم ما في غد فقد أعظم على اللّه والفرية واللّه تعالى يقول قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا اللّه وقيل نزلت في المشركين حين سألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن وقت الساعة {وما يشعرون} وما يعلمون {أيان} متى {يبعثون} ينشرون ٦٦{بَلِ ٱدّرَكَ} ادارك" مكي وبصرى ويزيد والمفضل أي انتهى وتكامل من أدركت الفاكهة تكاملت نضجا بل أدرك عن الأعشى افتعل بل ادرك غيرهم استحكم وأصله تدارك فأدغمت التاء في الدال وزيد ألف الوصل ليمكن التكلم بها {علمهم في الآخرة} أي في شأن الآخرة ومعناها والمعنى إن أسباب استحكام العلم وتكامله بأن القيامة كائنة قد حصلت لهم ومكنوا من معرفته وهم شاكون جاهلون وذلك قوله {بل هم في شك منها بل هم منها عمون} والأضرابات الثلاث تنزيل لأحوالهم وتكرير لجهلهم وصفهم أو لا بأنهم لا يشعرون وقت البعث ثم بأنهم لا يعلمون أن القيامة كائنة ثم يأنهم يخبطون في شك ومرية فلا يزيلونه والإزالة مستطاعة ثم بما هو أسوء حالا وهو العمى وقد جعل الآخرة مبتدأ عماهم ومنشأه فلذا عداه بمن دون عن لأن الكفر بالعاقبة والجزاء هو الذي منعهم من التدبر والتفكر ووجه ملاءمة مضمون هذه الآية وهو وصف المشركين بأنكارهم البعث مع استحكام أسباب العلم والتمكن من المعرفة بما قبله وهو اختصاصه تعالى بعلم الغيب وأن العباد لا علم لهم بشيء منه أنه لما ذكر أن العباد لا يعلمون الغيب وكان هذا بيانا لعجزهم ووصفا لقصور علمهم وصل به أن عندهم عجزا أبلغ منه وهو أنهم يقولون للكائن الذي لابد من كونه وهو وقت جزاء أعمالهم لا يكون مع أن عندهم أسباب معرفة كونه واستحكام العلم به وجاز أن يكون وصفهم باستحكام العلم وتكامله تهكما بهم كما تقول لأجهل الناس ما أعلمك على سبيل الهزؤ وذلك حيث شكوا وعملوا عن اثباته الذي الطريق إلى علمه مسلوك فضلا أن يعرفوا وقت كونه الذي لا طريق الى معرفته ويجوز أن يكون أدرك بمعنى انتهى وفنى من قولك أدركت النمرة لأن لك غايتها التي عندها تعدم وقد فسرها الحسن باضمحل علمهم في الآخرة وتدارك من تدارك بنو فلان إذا تتابعوا في الهلاك ٦٧{وقال الذين كفروا أئذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا لمخرجون} من قبورنا أحياء وتقرير حرف الاستفهام في أئذا وائنا في قراءة عاصم وحمزة وخلف انكار بعد انكار وجحود عقيب جحود ودليل على كفر مؤكد مبالغ فيه والعامل فيه إذا ما دل عليه المخرجون وهو نخرج لأن اسم الفاعل والمفعول بعد همزة الإستفهام أو أن أو لام الإبتداء لا يعمل فيما قبله فكيف إذا اجتمعن والضمير في إنا لهم ولآبائهم لأن كونهم ترابا قد تناولهم وآباءهم لكنه غلبت الحكاية على الغائب وآباؤنا عطف على الضمير في كنا لأن المفعول جرى مجرى التوكيد ٦٨{لقد وعدنا هذا} أي البعث {نحن وآباؤنا من قبل} من قبل محمد صلى اللّه عليه وسلم قدم هنا هذا على نحن وآباؤنا وفي المؤمنون نحن وآناؤنا على هذا البدل على أن المقصود بالذكر هو البعث هنا وثمت المبعوثون {إن هذا إلا أساطير الأولين} ما هذا إلا أحاديثهم وأكاذبيهم ٦٩{قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين} أي آخر أمر الكافرين في ذكر الإجرام لطف بالمسلمين في ترك الجرائم كقوله تعالى فدمدم عليهم ربهم بذنبهم وقوله مما خطيآتهم أغرقوا ٧٠{ولا تحزن عليهم} لأجل أنهم لم يتبعوك ولو يسلموا فيسلموا {ولا تكن في ضيق} في حرج صدر {مما يمكرون} من مكرهم وكيدهم لك فإن اللّه يعصمك من الناس يقال ضاق الشيء ضيقا بالفتح وهو قراءة غير ابن كثير وبالكسر وهو قراءته ٧١{ويقولون متى هذا الوعد} أي وعد العذاب {إن كنتم صادقين} أن العذاب نازل بالمكذب ٧٢{قل عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون} استعجلوا العذاب الموعود وقيل لهم عسى أن يكون ردفكم بعضه وهو عذاب يوم بدر فزيدت اللام للتأكيد كالباء في ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة أو ضمن معنى فعل يتعدى باللام نحو دنالكم وأزف لكم ومعناه تبعكم ولحقكم وعسى ولعل وسوف في وعد الملوك ووعيدهم يدل على صدق الأمر وجده فعلى ذلك جرى وعد اللّه ووعيده ٧٣{وإن ربك لذو فضل} أي أفضال {على الناس} بترك المعاجلة بالعذاب {ولكن أكثرهم لا يشكرون} أي أكثرهم لا يعرفون حق النعمة فيه ولا يشكرونه فيستعجلون العذاب بجهلهم ٧٤{وإن ربك ليعلم ما تكن} تخفي {صدورهم وما يعلنون} يظهرون من القول فليس تأخير العذاب عنهم لخفاء حالهم ولكن له وقت مقدر أو أنه يعلم ما يخفون وما يعلنون من عداوة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومكايدهم وهو معاقبهم على ذلك بما يستحقونه وقريء تكن يقال كننت الشيء وأكننته إذا سترته وأخفيته ٧٥{وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين} سمي الشيء الذي يغيب ويخفي غائبة وخافية والتاء فيمها كالتاء في العاقبة ونظائرهما الرمية والذبيحة والنطيحة في أنها أسماء غير صفات ويجوز أن يكونا صفتين وتاؤهما للمبالغة كالرواية كأنه قال وما من شيء شديد الغيبوبة إلا وقد علمه اللّه وأحاط به وأثبته في اللوح المحفوظ والمبين الظاهر البين لمن ينظر فيه من الملائكة ٧٦{إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل} أي يبين لهم {أكثر الذي هم فيه يختلفون} فإنهم إختلفوا في المسيح فتحزبوا فيه أحزابا ووقع بينهم التناكر في أشياء كثيرة حتى لعن بعضهم بعضا وقد نزل القرآن ببيان ما اختلفوا فيه لو أنصفوا وأخذوا به وأسلموا يريد اليهود والنصارى ٧٧{وإنه} وان القرآن {لهدى ورحمة للمؤمنين} لمن أنصف منهم وآمن أي من بني إسرائيل أو منهم ومن غيرهم ٧٨{إن ربك يقضي بينهم} بين من آمن بالقرآن ومن كفر به {بحكمه} بعدله لأنه لا يقضي إلا بالعدل فسمي المحكوم به حكما أو بحكمته ويدل عليه قراءة من قرأ بحكمه جمع حكمة {وهو العزيز} فلا يرد قضاؤه {العليم} بمن يقضي له وبمن يقضي عليه أو العزيز في انتقامه من المبطلين العليم بالفضل بينهم وبين المحقين ٧٩{فتوكل على اللّه} أمره بالتوكل على اللّه وقلة المبالاة بأعداء الدين {إنك على الحق المبين} وعلل التوكل بأنه على الحق الأبلج وهو الدين الواضح الذي لا يتعلق به شك وفيه بيان أن صاحب الحق حقيق بالوثوق باللّه وبنصرته ٨٠{إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين ٨١وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم} لما كانوا لا يعون ما يسمعون ولا به ينتفعون شبهوا بالموتى وهم أحياء صحاح الحواس وبالصم الذين ينعق بهم فلا يسمعون وبالعمى حيث يضلون الطريق ولا يقدر أحدا أن ينزع ذلك عنهم ويجعلهم هداة بصراء الى اللّه تعالى ثم أكد حال الصم بقوله إذا ولوا مدبرين لأنه إذا تباعد عن الداعي بأن تولى عنه مدبرا كان أبعد عن إدراك صوته ولا يسمع الصم مكي وكذا في الروم وما أنت تهدي العمي وكذا في الروم حمزة {إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا} أي ما يجدي أسماعك إلا على الذين علم اللّه أنهم يؤمنون بآياته أي يصدقون بها {فهم مسلمون} مخلصون من قوله بلى من أسلم وجهه للّه يعني جعله سالما للّه خالصا له ٨٢{وإذا وقع القول عليهم} سمي معنى القول مؤداه بالقول وهو ما وعدوا من قيام الساعة والعذاب وقوعه حصوله والمراد مشارفة الساعة وظهور أشراطها وحين لا تنفع التوبة {أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم} هي الجساسة في الحديث طولها ستون ذراعا لا يدركها طالب ولا يفوتها هارب ولها أربع قوائم وزغب وريش وجناحان وقيل لها رأس ثور وعين خنزير وأذن فيل وقرن إبل وعنق نعامة وصدر أسد ولون نمر وخاصرة هرة وذنب كبش وخف بعير وما بين المفصلين اثنا عشر ذراعا تخرج من الصفا فتكلمهم بالعربية فتقول {أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون} أي لا يوقنون بخروجي لأن خروجها من الآيات وتقول ألا لعنة اللّه على الظالمين أو تكلمهم ببطلان الأديان كلها سوى دين الإسلام أو بأن هذا مؤمن وأن هذا كافر وفتح أن كوفي وسهل على حذف الجار أي تكلمهم بأن وغيرهم كسروا لأن الكلام بمعنى القول أو بإضمار القول أي تقول الدابة ذلك ويكون المعنى بآيات ربنا أو حكاية لقول اللّه تعالى عند ذلك ثم ذكر قيام الساعة فقال ٨٣{ويوم نحشر من كل أمة فوجا} من للتبعيض أي واذكر يوم نجمع من كل أمة من الأمم زمرة {ممن يكذب} من للتبيين {بآياتنا} المنزلة على أنبيائنا {فهم يوزعون} يحبس أولهم في آخرهم حتى يجتمعوا ثم يساقون إلى موضع الحساب وهذه عبارة عن كثرة العدد وكذا الفوج عبارة عن الجماعة الكثيرة ٨٤{حتى إذا جاؤوا} حضروا موقف الحساب والسؤال {قال} لهم تعالى تهديدا {أكذبتم بآياتي} المنزلة على رسلي {ولم تحيطوا بها علما} الواو للحال كأنه قال أكذبتم بآياتي بادىء الرأي من غير فكر ولا نظر يؤدي الى إحاطة العلم بكنهها وأنها حقيقة بالتصديق أو بالتكذيب {أم ماذا كنتم تعملون} حيث لم تتفكروا فيها فإنكم لم تخلقوا عبثا ٨٥{ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون} أي يغشاهم العذاب الموعد بسبب ظلمهم وهو التكذيب بآيات اللّه فيشغلهم عن النطق والإعتذار كقوله هذا يوم لا ينطقون ٨٦{ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا} حال جعل الإبصار للنهار وهو لأهله والتقابل مراعى من حيث المعنى لأن معنى مبصرا ليبصروا فيه طرق التقلب في المكاسب {إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون} يصدقون فيعتبرون وفيه دليل على صحة البعث لأن معناه ألم يعلموا أنا جعلنا الليل والنهار قواما لمعاشهم في الدنيا ليعلموا أن ذلك لم يجعل عبثا بل محنة وإبتلاء ولابد عند ذلك من ثواب وعقاب فإذا لم يكونا في هذه الدار فلابد من دار أخرى للثواب والعقاب ٨٧{ويوم} واذكر يوم {ينفخ في الصور} وهو قرن أو جمع سورة والنافخ اسرافيل عليه السلام {ففزع من في السماوات ومن في الأرض} اختير فزع على يفزع للأشعار بتحقق الفزع وثبوته وأنه كائن لا محالة والمراد فزعهم عند النفخة الأولى حين يصعقون {إلا من شاء اللّه} إلا من ثبت اللّه قلبه من الملائكة قالوا لهم جبريل وميكائيل واسرافيل وملك الموت عليهم السلام وقيل الشهداء وقيل الحور وخزنة النار وحملة العرش وعن جابر رضي اللّه عنه منهم موسى عليه السلام لأنه صعق مرة ومثله ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء اللّه {وكل أتوه} حمزة وحفص وخلف آتوه غيرهم وأصله آتيوه {داخرين} حال أي صاغرين ومعنى الإتيان حضورهم الموقف ورجوعهم الى أمره تعالى وانقيادهم له ٨٨{وترى الجبال تحسبها} بفتح السين شامى وحمزة ويزيد وعاصم وبكسرها غيرهم حال من المخاطب {جامدة} واقفة ممسكة عن الحركة من جمد في مكانه إذا لم يبرح وهي تمر حال من الضمير المنصوب في تحسبها {مر السحاب} أي مثل مر السحاب زالمعنى إنك إذا رأيت الجبال وقت النفخة ظننتها ثابتة في مكان واحد لعظمها وهي تسير سيرا سريعا كالسحاب إذا ضربته الريح وهكذا الأجرام العظام المتكاثرة العدد إذا تحركت لا تكاد تبين حركتها كما قال النابغة في صفة جيش بأرعن مثل الطود يحسب أنهم وقوف لحاج والركاب تهملج {صنع اللّه} مصدر عمل فيه مادل عليه ممر لأن مرورها كمر السحاب من صنع اللّه فكأنه قيل {صنع اللّه} ذلك صنعا وذكر اسم اللّه لأنه لم يذكر قبل {الذي أتقن كل شيء} أي أحكم خلقه {إنه خبير بما تفعلون} مكي بصرى غير سهل وأبو بكر غير يحيى وغيرهم بالتاء أي أنه عالم بما يفعل العباد فيكافئهم على حسب ذلك ثم لخص ذلك بقوله ٨٩{من جاء بالحسنة} أي بقوله لا إله إلا اللّه عند الجمهور {فله خير منها} أي فله خير حاصل من جهتها وهو الجنة وعلى هذا لا يكون خير بمعنى أفضل ويكون منها في موضع رفع صفة الخبر أي بسببها {وهم من فزع} كوفي من فزع شديد مفرط الشدة هو خفو النار أو من فزع ما وإن قل وبغير تنوين غيرهم {يومئذ} كوفي ومدني وبكسر الميم غيرهم والمراد يوم القيامة {آمنون} أمن يعدي بالجار وبنفسه كقوله أَفأمنوا مكر اللّه ٩٠{ومن جاء بالسيئة} بالشرك {فكبت} ألقيت وجوههم النمل ( ٩٣ - ٩٠ ) {في النار} يقال كببت الرجل ألقيته على وجهه أي ألقوا على رؤوسهم في النار أو عبر عن الجملة بالوجه كما بعبر بالرأس والرقبة عنها أي القوا في النار ويقال لهم تبكيتا عند الكب {هل تجزون إلا ما كنتم تعملون} في الدنيا من الشرك والمعاصي ٩١{إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة} مكة {الذي حرمها} جعلها حرما آمنا يأمن فيها اللاجىء إليها ولا يختلي خلاها ولا يعضد شوكها ولا ينفر صيدها {وله كل شيء} مع هذه البلدة فهو مالك الدنيا والآخرة {وأمرت أن أكون من المسلمين} المنقادين له ٩٢{وأن أتلو القرآن} من التلاوة أو من التلو كقوله واتبع ما يوحى إليك من ربك أمر رسوله بأن يقول أمرت أن أخص اللّه وحده بالعبادة ولا أتخذ له شريكا كما فعلت قريش وأن أكون من الحنفاء الثابتين علة ملة الإسلام وأن أتلو القرآن لأعرف الحلال والحرام وما يقتضيه الإسلام وخص مكة من بين سائر البلاد بأضافة اسمه إليها لأنها أحب بلاده إليه وأعظمها عنده وأشار إليها بقوله هذه اشارة تعظيم لها وتقريب دالا على أنها موطن نبيه ومهبط وحيه ووصف ذاته بالتحريم الذي هو خاص وصفها وجعل دخول كل شيء تحت ربوبيته وملكوته كالتابع لدخولها تحتهما {فمن اهتدى} باتباعه اياي فيما أنا بصدده من توحيد اللّه ونفي الشركاء عنه والدخول في الملة الحنيفية واتباع ما أنزل على من الوحي {فإنما يهتدي لنفسه} فمنفعة اهتدائه راجعا إليه لا إلى {ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين} أي ومن ضل ولم يتبعني فلا على وما أنا إلا رسول منذر وما على الرسول إلا البلاغ المبين ٩٣{وقل الحمد للّه سيريكم آياته فتعرفونها} ثم أمره أن يحمد اللّه على ما خوله من نعمة النبوة التي لا توازيها نعمة وأن يهدد أعداءه بما سيريهم اللّه من آياته في الآخرة فسيستيقنون بها وقيل هو انشقاق القمر والدخان وما حل بهم من نقمات اللّه في الدنيا {وما ربك بغافل عما تعملون} بالتاء مدني وشامي وحفص ويعقوب خطاب لأهل مكة وبالياء غيرهم أي كل عمل يعملونه فإن اللّه عالم به غير غافل عنه فالغفة والسهو لا يجوزان عليه |
﴿ ٠ ﴾