تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل

أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م)

_________________________________

سورة القصص

سورة القصص مكية ثمانون وثمان آيات بسم اللّه الرحمن الرحيم

_________________________________

{طسم

٢

تلك آيات الكتاب المبين} يقال بأن الشيء وأبان بمعنى واحد ويقال ابنته فأبان لازم ومتعد أي مبين خيره وبركته أو مبين للحلال والحرام والوعد والوعيد والإخلاص والتوحيد

٣

{نتلوا عليك} نقرأ عليك أي يقرؤه جبريل بأمرنا ومفعول نتلوا

{من نبإ موسى وفرعون} أي نتلوا عليك بعض خبرهما

{بالحق} حال أي محقين

{لقوم يؤمنون} لمن سبق في علمنا انه مؤمن لأن التلاوة إنما تنفع هؤلاء دون غيرهم

٤

{إن فرعون} جملة مستأنفة كالتفسير للجمل كان قائلا قال وكيف كان نبؤهما فقال إن فرعون

{علا} طغى وجاوز الحد في الظلم واستكبر وافتخر بنفسه ونسى العبودية

{في الأرض} أي أرض مملكته يعنى مصر

{وجعل أهلها شيعا} فرقا يشيعونه على ما يريد ويطيعونه لا يملك أحد منهم أن يلوى عنقه أو فرقا مختلفة يكرم طائفة ويهين أخرى فأكرم القبطي وأهان الإسرائيلي

{يستضعف طائفة منهم} هم بنو إسرائيل

{يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم} أي يترك البنات أحياء للخدمة وسبب ذبح الأبناء أن كاهنا قال له يولد مولود في بني اسرائيل يذهب ملكك على يده وفيه دليل على حمق فرعون فإنه أن صدق الكاهن لم ينفعه القتل وإن كذب فما معنى القتل ويستضعف حال من الضمير في جعل أو صفة لشيعا أو كلام مستأنف ويذبح بدل من يستضعف

{إنه كان من المفسدين} أي أن القتل ظلما إنما هو فعل المفسدين إذ لا طائل تحته صدق الكاهن أو كذب

٥

{ونريد أن نمن} نتفضل وهو دليل لنا في مسألة الأصلح وهذه الجملة معطوفة على أن فرعون علا في الأرض لأنها نظيرة تلك في وقوعها تفسير لنبإ موسى وفرعون واقتصاصا له أو حال من يستضعف أي يستضعفهم فرعون ونحن نريد أن نمن عليهم وإرادة اله تعالى كائنة فجعلت كالمقارنة لاستضعافهم

{على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة} قادة يقتدى بهم في الخير

أو قادة إلى الخير أو ولاة وملوكا

{ونجعلهم الوارثين} أي يرثون فرعون وقومه ملكهم وكل ما كان لهم

٦

{ونمكن} مكن له إذا جعل له مكانا يقعد عليه أو يرقد ومعنى التمكين

{لهم في الأرض} أي أرض مصر والشام أن يجعلها بحيث لا تنبو بهم ويسلطهم وينفذ أمرهم

{ونري فرعون وهامان وجنودهما} بضم النون ونصب فرعون وما بعده وبالياء ورفع فرعون وما بعده على حمزة وأي يرون منهم ما حذروه من ذهاب ملكهم وهلاكهم على يد مولود منهم ويرى نصب عطف على المنصوب قبله كقراءة النون أو رفع على الإستئناف

{منهم} من بني اسرائيل ويتعلق بنرى دون يحذرون لأن الصلة لا تتقدم على الموصول

{ما كانوا يحذرون} الحذر التوقي من الضرر

٧

{وأوحينا إلى أم موسى} بالإلهام أو بالرؤيا أو بإخبار ملك كما كان لمريم وليس هذا وحي رسالة ولا تكون هي رسولا

{أن أرضعيه} أن بمعنى أي أو مصدرية

{فإذا خفت عليه} من القتل بأن يسمع الجيران صوته فينموا عليه

{فألقيه في اليم} البحر قيل هو نيل مصر

{ولا تخافي} من الغرق والضياع

{ولا تحزني} بفراقه

{إنا رادوه إليك} بوجه لطيف لتربيته

{وجاعلوه من المرسلين} وفي هذه الآية أمران ونهيان وخبران وبشارتان والفرق بين الخوف والحزن أن الخوف غم يلحق بالإنسان لمتوقع والحزن غم يلحقه لواقع وهو فراقه والاخطار به فنهيت عنهما وبشرت برده إليها وجعله من المرسلين وروى أنه ذبح في طلب موسى تسعون ألف وليد وروى أنها حين ضربها الطلق وكانت بعض القوابل الموكلات بحبالى بني اسرائيل مصافية لها فعالجتها فلما وقع إلى الأرض هالها نور بين عينيه ودخل حبه قلبها فقالت ما جئتك إلا لأقتل مولودك وأخبر فرعون ولكن وجدت لأبنك حبا ما وجدت مثله فاحفظيه فلما خرجت القابلة جاءت عيون فرعون فلفته في خرقة ووضعته في تنور مسجور ولم تعلم ما تصنع لما طاش من عقلها فطلبوا فلم يلقوا شيئا فخرجوا وهي لا تدري مكانه فسمعت بكاءه من التنور فانطلقت إليه وقد جعل اللّه النار بردا وسلاما فلما ألح فرعون في طلب الولد ان أوحي إليها بإلقائه في اليم فألقته في اليم بعد أن أرضعته ثلاثة اشهر

٨

{فالتقطه آل فرعون} أخذه قال الزجاج كان فرعون من أهل فارس من اصطخر

{ليكون لهم عدوا} أي ليصير الأمر إلى ذلك لا أنهم أخذوه لهذا كقولهم للموت ما تلده الوالدة وهي لم تلد لأن يموت ولدها ولكن المصير إلى ذلك كذا قاله الزجاج وعن هذا قال المفسرون ان هذه لام العاقبة والصيرورة وقال صاحب الكشاف هي لام كي التي معناها التعليل كقولك جئتك لتكرمني ولكن معنى التعليل فيها وارد على طريق المجاز لأن ذلك لما كان نتيجة التقاطهم له شبه بالداعي الذي بفعل الفاعل القتل لأجله وهو الإكرام الذي هو نتيجة المجيء

{وحزنا} وحزنا على حمزة وهما لغتان كالعدم والعدم

{إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين} خاطين بخفيف خاطئين أبو جعفر أي كانوا مذنبين فعاقبهم اللّه بان ربي عدوهم ومن هو سبب هلاكهم على أيديهم وكانوا خاطئين في كل شيء فليس خطؤهم في تربية عدوهم ببدع منهم

٩

{وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك} روى انهم حين التقطوا التابوت عالجوا فتحه فلم يقدروا عليه فعالجوا كسره فأعياهم فدنت آسية فرأت في جوف التابوت نورا فعالجته ففتحته فإذا بصبي نوره بين عينيه فأحبوه وكانت لفرعون بنت برصاء فنظرت إلى وجهه فبرأت فقالت الغواة من قومه هو الذي نحذر منه فأذن لنا في قتله فهم بذلك فقالت آسية قرة عين لي ولك فقال فرعون لك لا لي وفي الحديث لو قال كما قالت لهداه اللّه تعالى كما هداها وهذا على سبيل الفرض أي لو كان غير مطبوع على قلبه كآسية لقال مثل قولها وكان أسلم كما أسلمت وقرة خبر مبتدأ محذوف أي قرة ولي ولك صفتان لقرة

{لا تقتلوه} خاطبته خطاب الملوك أو خاطبت الغواة

{عسى أن ينفعنا} فإن فيه مخايل اليمن ودلائل النفع وذلك لما عاينت من النور وبرء البرصاء

{أو نتخذه ولدا} أو نتبناه فإنه اهل لأن يكون ولدا للمملوك

{وهم لا يشعرون} حال وذو حالها آل فرعون وتقدير الكلام فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا وقالت امرأة فرعون كذا وهم لا يشعرون أنهم على خطأ عظيم في التقاطه ورجاء النفع منه وتبنيه وقوله إِنَّ فرعون الآية جملة اعتراضية واقعة بين المعطوف والمعطوف عليه مؤكدة لمعنىخطئهم وما أحسن نظم هذا الكلام عند أصحاب المعاني والبيان

١٠

{وأصبح} وصار

{فؤاد أم موسى فارغا} صفرا من العقل لما دهمها من فرط الجزع لما سمعت بوقوعه في يد فرعون

{إن كادت لتبدي به} لتظهر به والضمير لموسى والمراد بأمره وقصته وأنه ولدها قيل لما رأت الأمواج تلعب بالتابوت كادت تصيح وتقول واابناه وقيل لما سمعت أن فرعون أخذ التابوت لم تشك أنه قتله فكادت تقول واإبناه شفقة عليه وأن مخففة من الثقيلة أي انها كادت

{لولا أن ربطنا على قلبها} لولا ربطنا على قلبها والربط على القلب تقويته بإلهام الصبر

{لتكون من المؤمنين} من المصدقين بوعدنا وهو إنا رادوه إليك وجواب لولا محذوف أي لابدته أو فارغا من الهم حين سمعت أن فرعون تبناه أن كادت لتبدي بأنه ولدها لأنها لم تملك نفسها فرحا وسرورا بما سمعت لولا أنا طامنا قلبها وسكنا قلقه الذي حدث به من شدة الفرح لتكون من المؤمنين الواثقين بوعد اللّه لا بتبني فرعون قال يوسف بن الحسين أمرت أن موسى بشيئين ونهيت عن شيئين وبشرت ببشارتين فلم ينفعها الكل حتى تولى اللّه حياطتها فربط على قلبها

١١

{وقالت لأخته} مريم

{قصيه} اتبعي أثره لتعلمي خبره

{فبصرت به} أي أبصرته

{عن جنب} عن بعد حال من الضمير في به أو من الضمير في بصرت

{وهم لا يشعرون} أنها أخته

١٢

{وحرمنا عليه المراضع} تحريم منع لا تحريم شرع أي منعناه أن يرضع ثديا غير ثدي أمه وكان لا يقبل ثدي مرضع حتى أهمهم ذلك والمراضع جمع مرضع وهي المرأة التي ترضع أو جمع مرضع وهم وموضع الرضاع وهو الثدي أو الرضاع

{من قبل} من قبل قصها أثره أو من قبل أن نرده على أمه

{فقالت} اخته وقد دخلت بين المراضع ورأته لا يقبل ثديا

{هل أدلكم} أرشدكم

{على أهل بيت يكفلونه} أي موسى

{لكم وهم له ناصحون} النصح إخلاص العمل من شائبة الفساد روى أنها لما قالت وهم له ناصحون قال هامان أنها لتعرفه وتعرف أهله فخذوها حتى تخبر بقصة هذا الغلام فقالت إنما أردت وهم للملك ناصحون فانطلقت إلى أمها بأمرهم فجاءت بها والصبي على يد فرعون يعللّه شفقة عليه وهو يبكي يطلب الرضاع فحين وجد ريحها استأنس والتقم ثديها فقال لها فرعون ومن أنت منه فقد أبى كل ثدي إلا ثديك فقالت إني إمرأة طيبة الريح طيبة اللبن لا أوتي بصبي إلا قبلني فدفعه إليها وأجرى عليها وذهبت به إلى بيتها وأنجز اللّه وعده في الرد فعندها ثبت واستقر في علمها أنه سيكون نبيا وذلك قوله

١٣

{فرددناه إلى أمه كي تقر عينها} بالمقام معه

{ولا تحزن} بفراقه

{ولتعلم أن وعد اللّه حق} أي وليثبت علمها مشاهدة كما علمت خبرا وقوله ولا تحزن معطوف على تقر وإنما حل لها ما تأخذه من الدينار كل يوم كما نال السدى لأنه مال حربي لا لأنه أجرة على إرضاع ولدها

{ولكن أكثرهم لا يعلمون} هو داخل تحت علمها أي لتعلم أن وعد اللّه حق ولكن أكثر الناس لا يعلمون أنه حق فيرتابون ويشبه التعريض بما فرط منها حين سمعت بخبر موسى فجزعت

١٤

{ولما بلغ أشده} بلغ موسى نهاية القوة وتمام العقل وهو جمع شدة كنعمة وأنعم عند سيبويه

{واستوى} واعتدل وتم استحكامه وهو أربعون سنة ويروى أنه لم يبعث نبي إلا على رأس أربعين سنة

{آتيناه حكما} نبوة

{وعلما} فقها أو علما بمصالح الدارين

{وكذلك نجزي المحسنين} أي كما فعلنا بموسى وأمه نفعل بالمؤمنين قال الزجاج جعل اللّه تعالى ايتاء العلم والحكمة مجازاة على الإحسان لأنهما يؤديان إلى الجنة التي هي جزاء المحسنين والعالم الحكيم من يعمل بعلمه لأنه تعالى قال ولبئس ما شروا به أنفسهم لوكانوا يعلمون فجعلهم جهالا إذ لم يعملوا بالعلم

١٥

{ودخل المدينة} أي مصر

{على حين غفلة من أهلها} حال من الفاعل أي مختفيا وهو ما بين العشاءين أو وقت الفائلة يعني انتصاف النهار وقيل لما شب وعقل أخذ يتكلم بالحق وينكر عليهم فأخافوه فلا يدخل المدينة إلا على تغفل

{فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته} ممن شايعه على دينه من بني أسرائيل قيل هو السامري وشيعة الرجل أتباعه وأنصاره

{وهذا من عدوه} من مخالفيه من القبط وهو فاتون وقيل فيهما هذا وهذا وإن كانا غائبين على جهة الحكاية أي إذا نظر إليهما الناظر قال هذا من شيعته وهذا من عدوه

{فاستغاثه} فاستنصره

{الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى} ضربه بجمع كفه أو بأطراف أصابعه

{فقضى عليه} فقتله

{قال هذا} إشارة إلى القتل الحاصل بغير قصد

{من عمل الشيطان} وإنما جعل قتل الكافر من عمل الشيطان وسماه ظلما لنفسه واستغفر منه لأنه كان مستأمنا فيهم ولا يحل قتل الكافر الحربي المستأمن أو لأنه قتله قبل أن يؤذن له في القتل وعن ابن جريح ليس لنبي أن يقتل ما لم يؤمر

{إنه عدو مضل مبين} ظاهر العداوة

١٦

{قال رب} يارب

{إني ظلمت نفسي} بفعل صار قتل

{فاغفر لي} زلتي

{فغفر له} زلته

{إنه هو الغفور} بإقالة الذلل

{الرحيم} بإزالة الخجل

١٧

{قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا} معينا

{للمجرمين} للكافرين وبما أنعمت على قسم جوابه محذوف تقديره أقسم بانعامك علي بالمغفرة لأتوبن فلن أكون ظهيرا للمجرمين وأراد بمظاهرة المجرمين صحية فرعون وانتظامه في جملته وتكثيره سواده حيث كان يركب بركوبه كالولد مع الوالد

١٨

{فأصبح في المدينة خائفا} على نفسه من قتله القبطي أن يؤخذ به

{يترقب} حال أي يتوقع نصرة ربه وفيه دليل على أنه لا بأس بالخوف من دون اللّه يخلاف ما يقوله بعض الناس أنه لا يسوغ الخوف من دون اللّه

{فإذا الذي} إذا للمفاجأة وما بعدها مبتدأ

{استنصره} أي موسى

{بالأمس يستصرخه} يستغيثه والمعنى أن الإسرائيلي الذي خلصه موسى استغاث به ثانيا من قبطي آخر

{قال له موسى} أي للإسرائيلي

{إنك لغوي مبين} أي ضال عن الرشد ظاهر الغي فقد قاتلت بالأمس رجلا فقتلته بسببك والرشد في التدبير ان لا يفعل فعلا يقضي إلى البلاء على نفسه وعلى من يريد نصرته

١٩

{فلما أن أراد} موسى

{أن يبطش بالذي} بالقبطي الذي

{هو عدو لهما} لموسى والإسرائيلي لأنه ليس على دينهما أو لأن القبط كانوا اعداء بني اسرائيل

{قال} الإسرائيلي لموسى عليه السلام وقد توهم أنه أراد أخذه لا أخذ القبطي إذ قال له إنك لغوي مبين

{يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا} يعني القبطي

{بالأمس إن تريد} ما تريد

{إلا أن تكون جبارا} أي قتالا بالغضب

{في الأرض} أرض مصر

{وما تريد أن تكون من المصلحين} في كظم الغيظ وكان قتل القبطي بالأمس قد شاع ولكن خفي قاتله فلما أفشى على موسى عليه السلام علم القبطي أن قاتله موسى فأخبر فرعون فهموا بقتله

٢٠

{وجاء رجل من أقصى المدينة} هو مؤمن آل فرعون وكان ابن عم فرعون

{يسعى} صفة لرجل أو حال من رجل لأنه وصف بقوله من أقصى المدينة

{قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك} أي يأمر بعضهم بعضا بقتلك أو يتشاورون بسببك والائتمارالتشارو يقال الرجلان يتآمران ويأتمران لأن كل واحد منهما يأمر صاحبه بشيء أو يشير عليه بأمر

{فأخرج} من المدينة

{إني لك من الناصحين} لك بيان وليس بصلة الناصحين لأن الصلة لا تتقدم على الموصول كأنه قال إني من الناصحين ثم أراد أن يبين فقال لك كما يقال سقيا لك ومرحبا لك

٢١

{فخرج} موسى

{منها} من المدينة

{خائفا يترقب} التعرض له في الطريق أو أن يلحقه من يقتله

{قال رب نجني من القوم الظالمين} أي قوم فرعون

٢٢

{ولما توجه تلقاء مدين} نحوها والتوجه الإقبال على الشيء ومدين قرية شعيب عليه السلام سميت بمدين بن ابراهيم ولم تكن في سلطان فرعون وبينها وبين مصر مسيرة ثمانية أيام قال ابن عباس رضي اللّه عنهما خرج ولم يكن له علم بالطريق إلا حسن الظن بربه

{قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل} أي وسطه ومعظم نهجه فجاء ملك فانطلق به إلى مدين

٢٣

{ولما ورد} وصل

{ماء مدين} ماءهم الذي يسقون منه وكان بئرا

{وجد عليه} على جانب البئر

{أمة} جماعة

{من الناس} من أناس مختلفين

{يسقون} مواشيهم

{ووجد من دونهم} في مكان أسفل من مكانهم

{امرأتين تذودان} تطردان غنمهما عن الماء لأن على الماء من هو أقوى منهما فلا تتمكنا من السقي أولئلا تختلط اغنامهما بأغنامهم والذود الطرد والدفع

{قال ما خطبكما} ما شأنكما وحقيقته ما مخطوبكما أي ما مطلوبكما من الذياد فسمي المخطوب جطبا

{قالتا لا نسقي} غنمنا

{حتى يصدر الرعاء} مواشيهم يصدر شامى ويزيد وأبو عمر وأي يرجع والرعاء جمع راع كقائم وقيام

{وأبونا شيخ} لا يمكنه سقي الأغنام

{كبير} في حاله أو في السن لا يقدر على رعي الغنم أبدتا إليه عذرهما في توليهما السقي بأنفسهما

٢٤

{فسقى لهما} فسقى غنمهما لأجلهما رغبة في المعروف وإغاثة للملهوف روى أنه نحى القوم عن رأس البئر وسألهم دلوا فأعطوه دلوهم وقالوا استق بها وكانت لا ينزعها إلا أربعون فاستقى بها وصبها في الحوض ودعا بالبركة وترك المفعول في يسقون وتذودان ولا نسقي وفسقي لأن الغرض هو الفعل لا المفعول ألا ترى أنه رحمهما لأنهما كانتا على الذياد وهم على السقي ولم يرحمهما لأن مذودهما غنم ومسقيهم ابل مثلا وكذا في لا نسقي فسقى بالمقصود هو السقي لا المسقى ووجه مطايقة جوابهما سؤاله انه سألهما عن سبب الذود فقالتا السبب في ذلك أنا إمرأتان مستورتان ضعيفتان لا نقدر على مزاحمة الرجال ونستحي من الإختلاط بهم فلا بد لنا من تأخير السقي إلى أن يفرغوا وإنما رضي شعيب عليه السلام لابنتيه بسقي الماشية لأن هذا الأمر في نفسه ليس بمحظور والدين لا يأباه وأما المروءة فعادات الناس في ذلك متباينة وأحوال العرب فيه خلاف أحوال العجم ومذهب أهل البدو فيه غير مذهب اهل الحضر خصوصا إذا كانت الحالة حالة ضرورة

{ثم تولى إلى الظل} أي ظل سمرة وفيه دليل جواز الاستراحة في الدنيا بخلاف ما يقوله بعض المتقشفة ولما طال البلاء عليه انس بالشكوى إذ لا نقص في الشكوى إلى المولى

{فقال رب إني لما} لأي شيء

{أنزلت إلي من خير} قليل أو كثير غث أو سمين

{فقير} محتاج وعدى فقير باللام لأنه ضمن معنى سائل وطالب قيل كان لم يذق طعاما سبعة أيام قد لصق بظهره بطنه ويحتمل ان يريد اني فقير من الدنيا لأجل ما أنزلت إلى من خير الدين وهو النجاة من الظالمين لأنه كان عند فرعون في ملك وثروة قال ذلك رضا بالبدل السني وفرحا به وشكرا له وقال ابن عطاء نظر من العبودية إلى الربوبية وتكلم بلسان الافتقار لما ورد على سره من الأنوار

٢٥

{فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا} على استحياء في موضع الحال أي مستحية وهذا دليل كمال ايمانها وشرف عنصرها لأنها كانت تدعوه إلى ضيافتها ولم تعلم أيجيبها أن لا فأتته مستحية قد استترت بكم درعها وما في ما سقيت مصدرية أي جزاء سقيك روى أنهما لما رجعتا إلى ابيهما قبل الناس واغنامهما حفل قال لهما ما أعجلكما قالتا وجدنا رجلا صالحا رحمنا فسقى لنا فقال لاحداهما اذهبي فادعيه لي فتبعها موسى عليه السلام فالزقت الريح ثوبها بجسدها فوصفته فقال لها امشي خلفي وانعتي لي الطريق

{فلما جاءه وقص عليه القصص} أي قصته وأحواله مع فرعون والقصص مصدر كالعلل سمي به المقصوص

{قال} له

{لا تخف نجوت من القوم الظالمين} إذ لا سلطان لفرعون بأرضنا وفيه دليل جواز العمل بخبر الواحد ولو عبدا أو أنثى والمشي مع الأجنبية مع ذلك الاحتياط والتورع وأما أخذ الأجر على البر والمعروف فقيل أنه لا بأس به عند الحاجة كما كان لموسى عليه السلام على أنه روى أنها لما قالت ليجزيك كره ذلك وإنما وإنما أجابها لئلا يخيب قصدها لأن للقاصد حرمة ولما وضع شعيب الطعام بين يديه امتنع فقال شعيب الست جائعا قال بلى ولكن أخاف أن يكون عوضا مما سقيت لهما وأنا أهل بيت لا نبيع ديننا بالدنيا ولا نأخذ على المعروف ثمنا فقال شعيب عليه السلام هذه عادتنا مع كل من ينزل بنا فأكل

٢٦

{قالت إحداهما يا أبت استأجره} اتخذه أجيرا لرعي الغنم روى أن أكبرهما كانت تسمى صفراء والصغرى صفيراء وصفراء هي التى ذهبت به وطلبت إلى أبيها أن يستأجره وهي التي تزوجها

{إن خير من استأجرت القوي الأمين} فقال وما علمك بقوته وأمانته فذكرت نزع الدلو وأمرها بالمشي خلفه وورد الفعل بلفظ الماضي للدلالة على أن أمانته وقوته أمران متحققان وقولها إن خير من استأجرت القوي الأمين كلام جامع لأنه إذا اجتمعت هاتان الخصلتان الكفاية والأمانة في القائم بأمرك فقد فرغ بالك وتم مرادك وقيل القوي في دينه الأمين في جوارحه وقد استغنت بهذا الكلام الجاري مجرى المثل عن أن تقول استأجره لقوته وأمانته وعن ابن مسعود رضي اللّه عنه افرس الناس ثلاث بنت شعيب وصاحب يوسف في قوله عسى أن ينفعنا وأبو بكر في عمر

٢٧

{قال إني أريد أن أنكحك} أزوجك

{إحدى ابنتي هاتين} قوله هاتين يدل على أنه كان له غيرهما وهذه مواعدة منه ولم يكن ذلك عقد نكاح إذ لو كان عقد لقال قد أنكحتك

{على أن تأجرني} تكون أجيرا لي من أجرته إذا كنت له أجيرا

{ثماني حجج} ظرف والحجة السنة وجمعها حجج والتزوج على رعي الغنم جائز بالاجماع لأنه من باب القيام بأمر الزوجية فلا مناقصة بخلاف التزوج على الخدمة

{فإن أتممت عشرا} أي عمل عشر حجج

{فمن عندك} فذلك تفضل منك ليس بواجب عليك أو فاتمامه من عندك ولا أحتمه عليك ولكنك إن فعلته فهو منك تفضل وتبرع

{وما أريد أن أشق عليك} بالزام أتم الأجلين وحقيقة قولهم شققت عليه وشق عليه الأمر أن الأمر إذا تعاظمك فكأنه شق عليك ظنك باثنين تقول تارة أطيقه وطورا لا أطيقه

{ستجدني إن شاء اللّه من الصالحين} في حسن المعاملة والوفاء بالعهد ويجوز أن يراد الصلاح على العموم ويدخل تحته حسن المعاملة والمراد باشتراطه مشيئة اللّه فيما وعد من الصلاح الاتكال على توفيقه فيه ومعونته لأنه إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل ذلك

٢٨

{قال} موسى

{ذلك} مبتدأ وهوإشارة إلى ما عاهده عليه شعيب والخبر

{بيني وبينك} يعني ذلك الذي قلته وعاهدتني فيه وشارطتني عليه قائم بيننا جميعا لا يخرج كلانا عنه لا أنا فيما شرطت على ولا أنت فيما شرطت على نفسك ثم قال

{أيما الأجلين قضيت} أي أي أجل قضيت من الأجلين يعنى العشرة أو الثمانية وأي نصب بقضيت وما زائدة ومؤكدة لا بهام أي وهي شرطية وجوابها

{فلا عدوان علي} أي لا يعتدي على في طلب الزيادة عليه قال المبرد قد علم أنه لا عدوان عليه في أيهما ولكن جمعهما ليجعل الأقل كالأتم في الوفاء وكما أن طلب الزيادة على الأتم عدوان فكذا طلب الزيادة على الأقل

{واللّه على ما نقول وكيل} هو من وكل إليه الأمر وعدى بعلى لأنه استعمل في موضع الشاهد والرقيب روى أن شعيبا كانت عنده عصى الأنبياء عليهم السلام فقال لموسى بالليل أدخل ذلك البيت فخذ عصا من تلك العصى فأخذ عصا هبط بها آدم من الجنة ولم يزل الأنبياء عليهم السلام يتوارثونها حتى وقعت إلى شعيب فمسها وكان مكفوفا فضن بها فقال خذ غيرها فما وقع في يده إلا هي سبع مرات فعلم ان له شأنا ولما أصبح قال له شعيبا إذا بلغت مفرق الطريق فلا تأخذ على يمينك فإن الكلأ وإن كان بها أكثر إلا أن فيها تنينا أخشاه عليك وعلى الغنم فأخذت الغنم ذات اليمين ولم يقدر على كفها فمشى على أثرها فإذا عشب وريف لم ير مثله فنام فإذا التنين قد أقبل فحاربته العصا حتى قتلته وعادت إلى جنب موسى دامية فلما أبصرها رامية والتنين مقتولا ارتاح لذلك ولما رجع إلى شعيب مس الغنم فوجدها ملأى البطون غزيرة اللبن فأخبره موسى ففرح وعلم أن لموسى والعصا شأنا وقال له أني وهبت لك من نتاج غنمي هذا العام كل ادرع ودرعاء فأوحى إليه في المنام أن أضرب بعصاك مسقى الغنم ففعل ثم سقى فوضعت كلهن أدرع ودرعاء فوفى له بشرطه

٢٩

{فلما قضى موسى الأجل} قال عليه السلام قضى اوفاهما وتزوج صغراهما وهذا بخلاف الرواية التي مرت

{وسار بأهله}بامرأته نحو مصر قال ابن عطاء لما أتم أجل المحنة ودنا أيام الزلفة وظهرت أنوار النبوة سار باهله ليشتركوا معه في لطائف صنع ربه

{آنس من جانب الطور نارا قال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر} عن الطريق لأنه قد ضل الطريق

{أو جذوة من النار لعلكم تصطلون

٣٠

فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن} بالنسبة إلى موسى

{في البقعة المباركة} بتكليم اللّه تعالى فيها

{من الشجرة} العناب أو العوسج

{أن يا موسى} أن مفسرة أو مخففة من الثقيلة

{إني أنا اللّه رب العالمين} قال جعفر أبصر نارا دلته على الأنوار لأنه رأى النور في هيئة النار فلما دنا منها شملته أنوار القدس وأحاطت به جلابيب الأنس فخوطب بألطف خطاب واستدعى منه أحسن جواب فصار بذلك مكلما شريفا أعطى ما سأل وأمن مما خاف والجذوة باللغات الثلاث وقرىء بهن فعاصم فتح الجيم وحمزة وخلف بضمها وغيرهم بكسرها العود الغليظ كانت في رأسه نارا ولم تكن من الأولى والثانية والإبتداه الغاية أي أتاه النداء من شاطىء الوادي من قبل الشجرة ومن الشجرة بدل من شاطىء الوادي بدل الاشتمال لأن الشجرة كانت نابتة على الشاطىء أي الجانب

٣١

{وأن ألق عصاك} ونودي أن ألق عصاك فألقاها فقلبها اللّه ثعبانا

{فلما رآها تهتز} تتحرك

{كأنها جان} حية في سعيها وهي ثعبان في جثتها

{ولى مدبرا ولم يعقب} يرجع فقيل له

{يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين} أي أمنت من أن ينالك مكروه من الحية

٣٢

{اسلك} أدخل

{يدك في جيبك} جيب قميصك

{تخرج بيضاء} لها شعاع كشعاع الشمس

{من غير سوء} برص

{واضمم إليك جناحك من الرهب} حجازي بفتحتين وبصرى الرهب حفص الرهب غيرهم ومعنى الكل الخوف والمعنى واضمم يدك إلى صدرك يذهب ما بك من فرق أي لأجل الحية عن ابن عباس رضي اللّه عنهما كل خائف إذا وضع يده على صدره زال خوفه وقيل معنى ضم الجناح إن اللّه تعالى لما قلب العصا حية فزع موسى وانقاها بيده كما يفعل الخائف من الشيء فقيل له اتقاءك بيدك فيه غضاضة عند الأعداء فإذا ألقيتها فكما تنقلب حية فادخل يدك تحت عضدك مكان اتقائك بها ثم أخرجها بيضاء ليحصل الأمران اجتناب ما هو غضاضة عليك وإظهار معجزة أخرى والمراد بالجناح اليد لأن يدي الإنسان بمنزلة جناحي الطائر وإذا ادخل يده اليمنى تحت عضده اليسرى فقد ضم جناحه إليه أو أريد بضم جناحه إليه تجلده وضبطه نفسه عند إنقلاب العصا حية حتى لا يضطرب ولا يرهب استعارة من فعل الطائر لأنه إذا خاف نشر جناحيه وأرخاهما وإلا فجناحاه مضمومان إليه مشمران ومعنى من الرهب من أجل الرهب أي إذا أصابك الرهب عند رؤية الحية فاضمم إليك جناحك جعل الرهب الذي كان يصيبه سببا أو علة فيما أمر به من ضم جناحه إليه ومعنى واضمم إليك جناحك واسلك يدك في جيبك على أحد التفسيرين واحد ولكن خولف بين العبارتين لإختلاف الغرضين إذ الغرض في أحدهما خروج اليد بيضاء وفي الثاني اخفاء الرهب ومعنى واضمم يدك إلى جناحك في طه أدخل يمناك في أحدهما يسراك

{فذانك} مخففا مشي ذاك ومشددا مكي وأبو عمرو مثنى ذلك فاحدى النونين عوض من اللام المحذوفة والمراد اليد والعصا

{برهانان} حجتان نيرتان بينتان وسميت الحجة برهانا لانارتها من قولهم للمرأة البيضاء برهرهة

{من ربك إلى فرعون وملئه} أي أرسلناك إلى فرعون وملائه بهاتين الآيتين

{إنهم كانوا قوما فاسقين} كافرين

٣٣

{قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون} به بغير ياه والياء يعقوب

٣٤

{وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي} حفص ردا حال أي عونا يقال ردأته أعنته وبلا همز مدني

{يصدقني} عاصم وحمزة صفة أي ردا مصدقا لي وغيرهما بالجزم جواب لأرسله ومعنى تصديقه موسى إعانته إياه بزيادة البيان في مظان الجدال أن احتاج إليه ليثبت دعواه لا أن يقول له صدقت الا ترى إلى قوله هو أفصح منى لسانا فارسله وفضل الفصاحة انما يحتاج إليه لتقرير البرهان لا لقوله صدقت فسبحان وبأقل فيه يستويان

{إني أخاف أن يكذبون} يكذبوني في الحالتين يعقوب

٣٥

{قال سنشد عضدك بأخيك} سنقويك به إذ اليد تشد بشدة العضد لأنه قوام اليد والجملة تقوي بشدة اليد على مزاولة الأمور

{ونجعل لكما سلطانا} غلبة وتسلطا وهيبة في قلوب الأعداء

{فلا يصلون إليكما بآياتنا} الباء تتعلق بيصلون أي لا يصلون إليكما بسبب آياتنا وتم الكلام أو فنجعل لكما سلطانا أي نسلطكما بآياتنا أو بمحذوف أي اذهبا بآياتنا أو هو بيان للغالبون لا صلة أو قسم جوابه لا يصلون مقدما عليه

{أنتما ومن اتبعكما الغالبون

٣٦

فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات} واضحات

{قالوا ما هذا إلا سحر مفترى} أي سحر تعمله

أنت ثم تفتريه على اللّه أو سحر موصوف بالافتراء كسائر أنواع السحر وليس بمعجزة من عند اللّه

{وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين} حال منصوبة عن هذا أي كائنا في زمانهم يعني ما حدثنا بكونه فيهم

٣٧

{وقال موسى ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده ومن تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون} أي ربي أعلم منكم بحال من أهله اللّه الفلاح الأعظم حيث جعله نبيا وبعثه بالهدى ووعده حسن العقبى يعني نفسه ولو كان كما تزعمون ساحرا مفتريا لما أهله لذلك لأنه غني حكيم لا يرسل الكاذبين ولا ينبىء الساحرين ولا يفلح عنده الظالمون وعاقبة الدار هي العاقبة المحمودة لقوله أولئك لهم عقبى الدار * جنات عدن والمراد بالدار الدنيا وعاقبتها ان يختم للعبد بالرحمة والرضوان وتلقي الملائكة بالبشرى والغفران قال موسى بغير واو مكي وهو حسن لأن الموضع موضع سؤال وبحث عما أجابهم به موسى عند تسميتهم مثل تلك الآيات العظام سحرا مفترى ووجه الأخرى أنهم قالوا ذلك وقال موسى هذا ليوازن الناظر بين القول والمقول ويتبصر فساد أحدهما وصحة الآخر ربي اعلم حجازى وأبو عمرو ومن يكون حمزة وعلي

٣٨

{وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري} قصد بنفي علمه باله غيره نفى وجوده أي مالكم من إله غيري أو هو على ظاهره وإن إلها غيره غير معلوم عنده

{فأوقد لي يا هامان على الطين} أي اطبخ لي الآجر واتخذه وأنما لم يقل مكان الطين هذا لأنه أول من عمل الآجر فهو يعلمه الصنعة بهذه العبارة ولأنه أفصح وأشبه بكلام الجبابرة إذ أمر هامان وهو وزيره بالايقاد على الطين منادي باسمه بيافي وسط الكلام دليل التعظم والتجبر

{فاجعل لي صرحا} قصرا عاليا

{لعلي أطلع} أي أصعد والاطلاع الصعود

{إلى إله موسى} حسب أنه تعالى في مكان كما كان هو في مكان

{وإني لأظنه} أي موسى

{من الكاذبين} في دعواه أن له إلها وأنه أرسله إلينا رسولا وقد تناقض المخذول فإنه قال ما علمت لكم من إله غيري ثم أظهر حاجته إلى هامان وأثبت لموسى إلها وأخبر أنه غير متيقن بكذبه وكأنه تحصن من عصا موسى عليه السلام فليس وقال لعلي أطلع إلى إله موسى روى أن هامان جمع خمسين ألف بناء وبنى صرحا لم يبلغه بناء أحد من الخلق فضرب الصرح جبريل عليه السلام بجناحه فقطعه ثلاث قطع وقعت على عسكر فرعون فقتلت ألف ألف رجل وقطعة في البحر وقطعة في المغرب ولم يبق أحد من عماله إلا هلك

٣٩

{واستكبر هو وجنوده} تعظم

{في الأرض} أرض مصر

{بغير الحق} أي بالباطل فالاستكبار باللّه تعالى وهو المتكبر على الحقيقة أي المتبالغ في كبرياء الشأن كما حكى رسولنا عن ربه الكبرياء ردائي والعظمة ازاري فمن نازعني واحدا منهما ألقيته في النار وكل مستكبر سواه فاستكباره بغير الحق

{وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون} يرجعون نافع وحمزة وعلي وخلف ويعقوب

٤٠

{فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم} من الكلام المفحم الذي دل به على عظمة شأنه شبههم استقلالا لعددهم وإن كانوا الجم الغفير بحصيات أخذنهن آخذ بكفه فطرحهن في البحر

{فانظر} يا محمد

{كيف كان عاقبة الظالمين} وحذر قومك فإنك منصور عليهم

٤١

{وجعلناهم أئمة} قادة

{يدعون إلى النار} أي عمل أهل النار قال ابن عطاء نزع عن أسرارهم التوفيق وأنوار التحقيق فهم في ظلمات نفوسهم لا يدلون على سبيل الرشاد وفيه دلالة خلق أفعال العباد

{ويوم القيامة لا ينصرون} من العذاب

٤٢

{وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة} ألزمناهم طردا وابعادا عن الرحمة وقيل هو ما يلحقهم من لعن الناس إياهم بعدهم

{ويوم القيامة هم من المقبوحين} المطرودين المبعدين أو المهلكين المشوهين بسواد الوجوه وزرقة العيون ويوم ظرف للمقبوحين

٤٣

{ولقد آتينا موسى الكتاب} والتوراة

{من بعد ما أهلكنا القرون الأولى} قوم نوح وهود وصالح ولوط عليهم السلام

{بصائر للناس} حال من الكتاب والبصيرة نور القلب الذي يبصر به الرشد والسعادة كما أبصر نور العين الذي يبصر به الأجساد يريد آتيناه التوراة أنوارا للقلوب لأنها كانت عميا لا تستبصر ولا تعرف حقا من باطل

{وهدى} وارشادا لأنهم كانوا يخبطون في ضلال

{ورحمة} أن اتبعها لأنهم إذا عملوا بها وصلوا إلى نيل الرحمة

{لعلهم يتذكرون} يتعظون

٤٤

{وما كنت} يا محمد

{بجانب} الجبل

{الغربي} وهو المكان الواقع في شق الغرب وهو الذي وقع فيه ميقات موسى

{إذ قضينا إلى موسى الأمر} أي كلمناه وقربناه نجيا

{وما كنت من الشاهدين} من جملة الشاهدين للوحي إليه حتى تقف من جهة المشاهدة على ما جرى من أمر موسى في ميقاته

القصص ( ٤٧ - ٤٥ )

٤٥

{ولكنا أنشأنا} بعد موسى

{قرونا فتطاول عليهم العمر} أي طالت أعمارهم وفترت النبوة وكادت الأخبار تخفي واندرست العلوم ووقع التحريف في كثير منها فأرسلناك مجددا لتلك الأخبار مبينا ما وقع فيه من تحريف وأعطيناك العلم بقصص الأنبياء وقصة موسى كأنه قال ما كنت شاهدا لموسى وما جرى عليه ولكنا أوحيناه إليك فذكر سبب الوجي الذي هو إطالة الفترة ودل به على المسبب اختصارا فإذا هذا الاستدراك شبيه الاستدراكين بعده

{وما كنت ثاويا} مقيما

{في أهل مدين} وهو شعيب والمؤمنين به

{تتلو عليهم آياتنا} تقرؤها عليهم تعلما منهم يريد الآيات التي فيها قصة شعيب وقومه وتتلوا في موضع نصب خبرثان أو حال من الضمير في ثاويا

{ولكنا كنا مرسلين} ولكنا أرسلناك وأخبرناك بها وعلمناكها

٤٦

{وما كنت بجانب الطور إذ نادينا} موسى أن خذ الكتاب بقوة

{ولكن} أعلمناك وأرسلناك

{رحمة} للرحمة

{من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك} في زمان الفترة بينك وبين عيسى وهو خمسمائة وخمسون سنة

{لعلهم يتذكرون

٤٧

ولولا أن تصيبهم مصيبة} عقوبة

{بما قدمت أيديهم} من الكفر والظلم ولما كانت أكثر الأعمال تزاول بالأيدي نسبت الأعمال إلى الأيدي وإن كانت من أعمال القلوب تغليبا للأكثر علىالأقل

{فيقولوا} عند العذاب

{ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين} لولا الأولى امتناعية وجوابها محذوف والثانية تحضيضية والفاء الأولى للعطف والثانية جواب لولا لكونها في حكم الأمر إذ الأمر باعث على الفعل والباعث والمحضض من واد واحد والفاء تدخل في جواب الأمر والمعنى لولا إنهم قائلون إذا عوقبوا بما قدموا من الشرك والمعاصي هلا ارسلت إلينا رسولا محتجين علينا بذلك لما أرسلنا إليهم يعني أن ارسال الرسول إليهم إنما هو ليلزموا الحجة ولا يلزموها كقوله لئلا يكون للناس على اللّه حجة بعد الرسل فإن قلت كيف استقام هذا المعنى وقد جعلت العقوبة هي السبب في الإرسال لا للقول لدخول لولا الامتناعيةعليها دونه قلت القول هوالمقصود بأن يكون سببا للأرسال ولكن العقوبة لما كانت سببا للقول وكان وجوده بوجودها جعلت العقوبة كأنها سبب الارسال فأدخلت عليها لولا وجيء بالقول معطوفا عليها بالفاء المعطية معنى السببية ويؤل معناه إلى قولك ولولا فولهم هذا إذا أصابتهم مصيبة لما أرسنا

٤٨

{فلما جاءهم الحق من عندنا} أي القرآن أو الرسول المصدق بالكتاب المعجز

{قالوا} أي كفار مكة

{لولا أوتي} هلا أعطي

{مثل ما أوتي موسى} من الكتاب المنزل جملة واحدة

{أو لم يكفروا} يعني أبناء جنسهم ومن مذهبهم مذهبهم وعنادهم عنادهم وهم الكفرة في زمن موسى عليه السلام

{بما أوتي موسى من قبل} من قبل القرآن

{قالوا} في موسى وهارون

{سحران تظاهرا} تعاونا سحران كوفي أي ذوا سحر أو جعلوهما سحرين مبالغة في وصفهما بالسحر

{وقالوا إنا بكل} بكل واحد منهما

{كافرون} وقيل أن أهل مكة كما كفروا بمحمد عليه السلام وبالقرآن فقد كفروا بموسى والتوراة وقالوا في موسى ومحمد ساحران تظاهرا أو في التوراة والقرآن سحران تظاهرا وذلك حين بعثوا الرهط إلى رؤساء اليهود بالمدينة يسألونهم عن محمد فأخبرهم انه في كتابهم فرجع الرهط إلى قريش فأخبرهم بقول اليهود فقالوا عند ذلك ساحران تظاهرا

٤٩

{قل فأتوا بكتاب من عند اللّه هو أهدى منهما} مما أنزل على موسى ومما أنزل على

{أتبعه} جواب فأتوا

{إن كنتم صادقين} في أنهما سحران

٥٠

{فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم} فإن لم يستجيبوا دعاءك إلى الإتيان بالكتاب الأهدى فاعلم أنهم قد ألزموا ولم يبق لهم حجة إلا اتباع الهوى

{ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من اللّه} أي لا أحد أضل ممن اتبع في الدين هواه وبغير هدى حال أي مخذولا لا يخلى بينه وبين هواه

{إن اللّه لا يهدي القوم الظالمين

٥١

ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون} التوصيل تكثير الوصل وتكريره يعنى أن القرآن آتاهم متتابعا متواصلا وعدا ووعيدا وقصصا وعبرا ومواعظ ليذكروا فيفلحوا

٥٢

{الذين آتيناهم الكتاب من قبله} من قبل القرآن وخبر الذين

{هم به} بالقرآن

{يؤمنون} نزلت في مؤمن أهل الكتاب

٥٣

{وإذا يتلى} القرآن

{عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله}من قبل نزول القرآن

{مسلمين} كائنين على دين الإسلام مؤمنين بمحمد عليه السلام وقوله أنه تعليل للإيمان به لأن كونه حقا من اللّه حقيق بأن يؤمن به وقوله أنا بيان لقوله آمنا لأنه يحتمل أن يكون إيمانا قريب العهد وبعيده فاخبروا بأن إيمانهم به متقادم

٥٤

{أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا} بصبرهم على الإيمان بالتوراة والإيمان بالقرآن أو بصبرهم على الإيمان بالقرآن قبل نزوله وبعد نزوله أو بصبرهم على أذى المشركين وأهل الكتاب

{ويدرؤون بالحسنة السيئة} يدفعون بالطاعة المعصية أو بالحلم الأذى

{ومما رزقناهم ينفقون} يزكون

٥٥

{وإذا سمعوا اللغو} الباطل أو الشتم من المشركين

{أعرضوا عنه وقالوا} للاعنين

{لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم} أمان منا لكم بأن نقابل لغوكم بمثله

{لا نبتغي الجاهلين} لا نريد مخالطتهم وصحبتهم

٥٦

{إنك لا تهدي من أحببت} لا تقدر أن تدخل في الإسلام كل من أحببت أن يدخل فيه من قومك وغيرهم

{ولكن اللّه يهدي من يشاء} يخلق فعل الاهتداء فيمن يشاء

{وهو أعلم بالمهتدين} بمن يختار الهداية ويقبلها ويتعظ بالدلائل والآيات قال الزجاج أجمع المفسرون لى أنها نزلت في أبي طالب وذلك أنه قال عند موته يا معشر بني هاشم صدقوا محمد تفلحوا فقال عليه السلام يا عم تأمرهم بالنصيحة لأنفسهم وتدعها لنفسك قال فما تريد يا بان أخي قال أريد منك أن تقول لا إله ألا اللّه أشهد لك بها عند اللّه قال يابن أخي أنا قد علمت أنك صادق ولكني أكره أن يقال جزع عند الموت وإن كانت الصيغة عامة والآية حجة على المعتزلة لأنهم يقولون الهدى هو البيان قد هدى الناس أجمع ولكنهم لم يهتدوا بسوء اختيارهم فدل أن رواء البيان ما يسمى هداية وهو خلق الاهتداء واعطاء التوفيق والقدرة

٥٧

{وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أو لم نمكن لهم حرما آمنا} قالت قريش نحن نعلم أنك على الحق ولكنا نخاف إن اتبعناك وخالفنا العرب بذلك أن يتخطفونا من أرضنا فألقمهم اللّه الحجر بأنه مكن لهم في الحرم الذي أمنه بحرمة البيت وأمن قطانه بحرمته والثمرات تجيء إليه من كل أوب وهم كفرة فأنى يستقيم أن يعرضهم للتخطف ويسلبهم الأمن إذا ضموا إلى حرمة البيت حرمة الإسلام وإسناد الأمن إلى أهل الحرم حقيقة وإلى الحرم مجاز

{يجبى إليه} وبالتاء مدني ويعقوب وسهل أي تجلب وتجمع

{ثمرات كل شيء} معنى الكلية الكثرة كقوله وأوتيت من كل شيء

{رزقا من لدنا} هو مصدر لأن معنى يجيء إليه يرزق أو مفعول له أو حال من الثمرات إن كان بمعنى مرزوق لتخصصها بالإضافة كما تنصب عن النكرة المتخصصة بالصفة

{ولكن أكثرهم لا يعلمون} متعلق بمن لدنا أي قليل منهم يقرون بأن ذلك رزق من عند اللّه وأكثرهم جهلة لا يعلمون ذلك ولو علموا أنه من عند اللّه لعلموا أن الخوف والأمن عنده ولما خافوا التخطف إذا آمنوا به

٥٨

{وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها} هذا تخويف لأهل مكة من سوء عاقبة قوم كانوا في مثل حالهم بأنعام اللّه عليهم فلم يشكروا النعمة وقابلوها بالبطر فأهلكوا وكم نصب أهلكنا ومعيشتها بحذف الجار وإيصال الفعل أي في معيشتها والبطر سوء احتمال الغنى وهو أن لا يحفظ حق اللّه فيه

{فتلك مساكنهم} منازلهم باقية الآثار يشاهدونها في الأسفار كبلاد ثمود وقوم شعيب وغيرهم

{لم تسكن} حال والعامل فيها الاشارة

{من بعدهم إلا قليلا} من السكنى أي لم يسكنها إلا المسافر ومار الطريق يوما أو ساعة

{وكنا نحن الوارثين} لتلك المساكن من ساكنيها أي لا يملك التصرف فيها غيرنا

٥٩

{وما كان ربك مهلك القرى} في كل وقت

{حتى يبعث في أمها} وبكسر الهمزة حمزة وعلى أي في القرية التي هي أمها أي أصلها ومعظمها

{رسولا} لالزام الحجة وقطع المعذرة أو وما كان في حكم اللّه وسابق قضائه أن يهلك القرى في الأرض حتى يبعث في أم القرى يعني مكة لأن الأرض دحيت من تحتها رسولا يعني محمدا عليه السلام

{يتلو عليهم آياتنا} أي القرآن

{وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون} أي وما أهلكناهم للإنتقام إلا وأهلها مستحقون العذاب بظلمهم وهو إصرارهم على كفرهم وعنادهم ومكابرتهم بعد الاعذار إليهم

٦٠

{وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها} وأي شيء أصبتموه من أسباب الدنيا فما هو إلا تمتع وزينة أياما قلائل وهي مدة الحياة الفانية

{وما عند اللّه} وهو ثوابه

{خير} في نفسه من ذلك

{وأبقى} لأنه دائم

{أفلا تعقلون} أن الباقي خير من الفاني وخير أبو عمرو وبين الياء والتاء والباقون بالتاء ى غير وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما أن اللّه تعالى خلق الدنيا وجعل أهلها ثلاثة أصناف المؤمن والنافق والكافر فالمؤمن يتزود والمنافق يتزين والكافر يتمتع ثم قرر هذه الآية بقوله

٦١

{أفمن وعدناه وعدا حسنا}

أي الجنة فلا شيء أحسن منها دائمة ولذا سميت الجنة بالحسنى

{فهو لاقيه} أي رائية ومدركه ومصيبه

{كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين} من الذين أحضروا النار ونحوه فكذبوه فإنهم لمحضرون نزلت في رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأبي جهل لعنه اللّه أو في علي وحمزة وأبي جهل أو في المؤمن والكافر ومعنى الفاء الأولى أنه لما ذكر التفاوت بين متاع الحياة الدنيا وما عند اللّه عقبه بقوله أفمن وعدناه أي أبعد هذا التفاوت الجلي يسوى بين أبناء الدنيا وأبناء الآخرة والفاء الثانية للتسبيب لأن الفاء الموعود مسبب عن الوعد وثم لتراخي حال الاحضار عن حال التمتع ثم هو على كما قيل عضد في عضد شبه المنفصل بالمتصل

٦٢

{ويوم يناديهم} ينادى اللّه الكفار نداء توبيخ وهو عطف على يوم القيامة أو منصوب باذكر

{فيقول أين شركائي} بناء على زعمهم

{الذين كنتم تزعمون} ومفعولا تزعمون محذوفان تقديره كنتم تزعمونهم شركائي ويجوز حذف المفعولين في باب ظننت ولا يجوز الاقتصار على أحدهما

٦٣

{قال الذين حق عليهم القول} أي الشياطين أو أئمة الكفر ومعنى حق عليهم القول وجب عليهم مقتضاه وثبت وهو قوله لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين

{ربنا هؤلاء} مبتدأ

{الذين أغوينا} أي دعوناهم إلى الشرك وسولنا لهم الغي صفة والراجع إلى الموصول محذوف والخبر

{أغويناهم} والكاف في

{كما غوينا} صفة مصدر محذوف تقديره أغويناهم فغروا غيا مثل ما غوينا يعنون أنالم نغوا لا باختيارنا فهؤلاء كذلك غووا باختيارهم لأن أغواءنا لهم لم يكن إلا وسوسة وتسويلا فلا فرق إذا بين غينا وغيهم وإن كان تسويلنا داعيا لهم إلى الكفر فقد كان في مقابلته دعاء اللّه لهم إلى الإيمان بما وضع فيهم من أدلة العقل وما بعث إليهم من الرسل وأنزل عليهم من الكتب وهو كقوله وقال الشيطان لما قضي الأمر أن اللّه وعدكم وعد الحق إلى قوله ولوموا أنفسكم

{تبرأنا إليك} منهم ومما اختاروه من الكفر

{ما كانوا إيانا يعبدون} بل يعبدون أهواءهم ويطيعون شهواتهم وإخلاء الجملتين من العاطف لكونهما مقررتين لمعنى الجملة الأولى

٦٤

{وقيل} للمشركين

{ادعوا شركاءكم} أي الأصنام لتخلصكم من العذاب

{فدعوهم فلم يستجيبوا لهم} فلم يجيبوهم

{ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون} وجواب لو محذوف أي لما رأوا العذاب

٦٥

{ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين} الذين أرسلوا إليكم حكى أولا ما يوبخهم به من اتخاذهم له شركاء ثم ما يقوله الشياطين هم الذين استغو وهم ثم ما يشبه الشماتة بهم لاستغاثتم آلهتهم وعجزهم عن نصرتهم ثم ما يبكتون به من الاحتجاج عليهم بإرسال الرسل وإزاحة العلل

٦٦

{فعميت عليهم الأنباء يومئذ} خفيت عليهم الحجج أو الأخبار وقيل خفي عليهم الجواب فلم يدروا بماذا يجيبون إذ لم يكن عندهم جواب

{فهم لا يتساءلون} لا يسأل بعضهم بعضا عن العذر والحجة رجاء أن يكون عنده عذر وحجة لأنهم يتساوون في العجز عن الجواب

٦٧

{فأما من تاب} من الشرك

{وآمن} بربه وبما جاء من عنده

{وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين} أي فعسى أن يفلح عند اللّه وعسى من الكرام تحقيق وفيه بشارة للمسلمين على الإسلام وترغيب الكافرين على الإيمان ونزل جوابا لقول الوليد بن المغيرة لولا أنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم يعني نفسه أو أبا مسعود

٦٨

{وربك يخلق ما يشاء} وفيه دلالة خلق الأفعال ويوقف على

{ويختار} أي وربك يخلق مايشاء وربك يختار ما يشاء

{ما كان لهم الخيرة} أي ليس له من يختاروا على اللّه شيئا ما وله الخيرة عليهم ولم يدخل العاطف فيما كان لهم الخيرة لأنه بيان لقوله ويختار اذ المعنى أن الخيرة للّه وهو أعلم بوجود الحكمة في أفعاله فليس لأحد من خلقه أن يختار عليه ومن وصل على معنى ويختار الذي لهم فيه الخيرة فقد أبعد بل ما لنفي إختيار الخلق تقديرا لاختيار الحق ومن قال ومعناه ويختار للعباد ما هو خير لهم وأصلح فهو مائل إلى الاعتزال والخيرة من التخير يستعمل بمعنى المصدر وهو التخير وبمعنى التخير كقولهم محمد خيرة اللّه من خلقه

{سبحان اللّه وتعالى عما يشركون} أي اللّه بريء من اشراكهم وهو منزه عن أن يكون لأحد عليه اختيار

٦٩

{وربك يعلم ما تكن} تضمر

{صدورهم} من عداوة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وحسده

{وما يعلنون} من مطاعنهم فيه وقولهم هلا اختيرا عليه غيره في النبوة

٧٠

{وهو اللّه} وهو المستأثر بالإلهية المختص بها

{لا إله إلا هو} تقدير لذلك كقولك القبلة الكعبة لا قبلة إلا هي

{له الحمد في الأولى} الدنيا والآخرة هو قولهم الحمد للّه الذي أذهب عنا الحزن الحمد للّه الذي صدقنا وعده وقيل الحمد للّه رب العالمين والتحميد ثمة على وجه اللذة لا الكلفة

{وله الحكم} القضاء بين عباده

{وإليه ترجعون} بالبعث والنشور وبفتح التاء وكسر الجيم يعقوب

٧١

{قل أرأيتم} أريتم محذوف الهمزة على

{إن جعل اللّه عليكم الليل سرمدا} هو مفعول ثان لجعل أي دائما من السرد وهو المتابعة ومنه قولهم في الأشهر الحرم ثلاثة سرد وواحد فرد والميم مزيدة ووزنه فعمل

{إلى يوم القيامة من إله غير اللّه يأتيكم بضياء أفلا تسمعون} والمعنى أخبروني من يقدر على هذا

٧٢

{قل أرأيتم إن جعل اللّه عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير اللّه يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون} ولم يقل بنهار تتصرفون فيه كما قال بليل تسكنون فيه بل ذكر الضياء وهو ضوء الشمس لأن المنافع التي تتعلق به متكاثرة ليس التصرف في المعاش وحده والظلام ليس بتلك المنزلة ومن ثم قرن بالضياء أفلا تسمعون لأن السمع يدرك ما لا يدركه البصر من ذكر منافعه ووصف فوائده وقرن بالليل افلا تبصرون لأن غيرك يبصر من منفعة الظلام ما تبصره من السكون ونحوه

٧٣

{ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله} أي لتسكنوا بالليل ولتبتغوا من فضل اللّه في النهار فيكون من باب اللف والنشر

{ولعلكم تشكرون} اللّه على نعمه وقال الزجاج يجوز أن يكون معناه لتسكنوا فيهما ولتبتغوا من فضل من اللّه فيهما ويكون المعنى جعل لكم الزمان ليلا ونهارا لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله فيه

٧٤

{ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون} كرر التوبيخ لإتخاذ الشركاء ليؤذن أن لا شيء أجلب لغضب اللّه من الإشراك به كما لاشيء أدخل في مرضاته من توحيده

٧٥

{ونزعنا} وأخرجنا

{من كل أمة شهيدا} يعني نبيهم لأن الأنبياء للأمم شهداء عليهم يشهدون بما كانوا عليه

{فقلنا} للأمم

{هاتوا برهانكم} فيما كنتم عليه من الشرك ومخالفة الرسل

{فعلموا} حينئذ

{أن الحق للّه} التوحيد

{وضل عنهم} وغاب عنهم غيبة الشيء الضائع

{ما كانوا يفترون} من ألوهية غير اللّه والشفاعة لهم

٧٦

{إن قارون} لا ينصرف للعجمة والتعريف ولو كان فاعولامن قرنت الشيء لانصرف

{كان من قوم موسى} كان اسرائيليا ابن عم لموسى فهو قارون بن يصهر بن قاهث بن لاوى بن يعقوب وموسى بن عمران بن قاهث وكان يسمى المنور لحسن صورته وكان أقرأ بني اسرائيل للتوراة ولكنه نافق كما نافق السامري

{فبغى عليهم} من البغي وهو الظلم قيل ملكه فرعون على بني اسرائيل فظلمهم أو من البغي الكبر تكبر عليهم بكثرة ماله وولده أو زاد عليهم في الثياب شبرا

{وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه} ما بمعنى الذي في موضع نصب بآيتنا وأن واسمها وخبرها صله الذي ولهذا كسرت إن والمفاتح جمع مفتح بالكسر وهو ما يفتح به أو مفتح بالفتح وهو الخزانة والأصوب أنها المقاليد

{لتنوء بالعصبة} لتثقل العصبة فالباء للتعدية يقال ناء به الحمل إذا أثقله حتى أماله والعصبة الجماعة الكثيرة وكانت تحمل مفاتيح خزائنه ستون بغلا لكل خزانة مفتاح ولا يزيد المفتاح على اصبع وكانت من جلود

{أولي القوة} الشدة

{إذ قال له قومه} أي المؤمنون وقيل القائل موسى عليه السلام ومحل إذ نصب بتنوء

{لا تفرح} لا تبطر بكثرة المال كقوله ولا تفرحوا بما آتاكم ولا يفرح بالدنيا إلا من رضي بها واطمأن وأما من قلبه إلى الآخرة ويعلم أنه يتركها عن قريب فلا يفرح بها

{إن اللّه لا يحب الفرحين} البطرين بالمال

٧٧

{وابتغ فيما آتاك اللّه} من الغنى والثروة

{الدار الآخرة} بأن تتصدق على الفقراء وتصل الرحم ونصرف إلى أبواب الخير

{ولا تنس نصيبك من الدنيا} وهو أن تأخذ ما يكفيك ويصلحك وقيل معناه وأطاب بدنياك آخرتك فإن ذلك حظ المؤمن منها

{وأحسن} إلى عباد اللّه

{كما أحسن اللّه إليك} أو أحسن بشكرك وطاعتك لخالق الأنام كما أحسن إليك بالإنعام

{ولا تبغ الفساد في الأرض} بالظلم والبغي

{إن اللّه لا يحب المفسدين

٧٨

قال إنما أوتيته} أي المال

{على علم عندي} أي على استحقاق لما في من العلم الذي فضلت به الناس وهو علم التوراة أو علم الكيمياء وكان يأخذ الرصاص والنحاس فيجعلهما ذهبا أو العلم بوجوه المكاسب من التجارة والزراعة وعندي صفة لعلم قال سهل ما نظر أحد إلى نفسه فأفلح والسعيد من صرف بصره عن أفعاله وأقواله وفتح له سبيل رؤية منة اللّه تعالى عليه في جميع الأفعال والأقوال والشقي من زين في عينه أفعاله وأقواله وأحواله ولا فتح له سبيل رؤية منة اللّه فافتخر بها وادعاها لنفسه فشؤمه يهلكه يوما كما خسف بقارون لما ادعى لنفسه فضلا

{أو لم يعلم} قارون

{أن اللّه قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة} هو إثبات لعلمه بأن اللّه قد أهلك من القرون قبله من هو أقوى منه وأغنى لأنه قد قرأه في التوراة كأنه قيل أو لم يعلم في جملة ما عنده من العلم هذا حتى لا يغتر بكثرة ماله وقوته أو نفى لعلمه بذلك لأنه لما قال أوتيته على علم عندي قيل عنده مثل ذلك العلم الذي ادعاه ورأى نفسه به مستوجبة لكل نعمة ولم يعلم هذا العلم النافع حتى قي به نفسه مصارع الهالكين

{وأكثر جمعا} للمال أو أكثر جماعة وعددا

{ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون} لعلمه تعالى بهم بل يدخلون النار بغير حساب أو يعترفون بها بغير سؤال أو يعرفون بسيماهم فلا يسألون أو لا يسألون لتعلم من جهتهم بل يسألون سؤال توبيخ أو لا يسأل عن ذنوب الماضين المجرمون من هذه الأمة

٧٩

{فخرج على قومه في زينته} في الحمرة والصفرة وقيل خرج يوم السبت على بغلة شهباء عليها الأرجوان وعليها سرج من ذهب ومعه أربعة آلاف على زيه وقيل عليهم وعلى خيولهم الديباج الأحمر وعن يمينه ثلثمائة غلام وعن يساره ثلثمائة جارية بيض عليهن الحلي والديباج وفي زينته حال من فاعل خرج أي متزينا

{قال الذين يريدون الحياة الدنيا} قيل كانوا مسلمين وغنما تمنوا على سبيل الرغبة في اليسار كعادة البشر وقيل كانوا كفارا

{يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون} قالوه غبطة والغابط هو الذي يتمنى مثل نعمة صاحبه من غير أن تزول عنه كهذه الآية والحاسد هو الذي يتمنى أن تكون نعمة صاحبه له دونه وهو كقوله تعالى ولا تتمنو ا ما فضل اللّه به بعضكم على بعض وقيل لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هل تضر الغبطة قال لا إلا كما يضر العضاه الخبط

{إنه لذو حظ عظيم} الحظ الجد وهو البخت والدولة

٨٠

{وقال الذين أوتوا العلم} بالثواب والعقاب وفناء الدنيا وبقاء العقبى لغابطي قارون

{ويلكم} أصل ويلك الدعاء بالهلاك ثم استعمل في الزجر والردع والبعث على ترك ما لا يرضى وفي التبيان في الحرب القرآن هو مفعول فعل محذوف أي ألزمكم اللّه ويلكم

{ثواب اللّه خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها} أي لا يلقن هذه الكلمة وهي ثواب اللّه خير

{إلا الصابرون} على الطاعات وعن الشهوات وزينة الدنيا وعلى ما قسم اللّه من القليل عن الكثير

٨١

{فخسفنا به وبداره الأرض} كان قارون يؤذي موسى عليه السلام كل وقت وهو يداريه للقرابة التي بينهما حتى نزلت الزكاة فصالحه عن كل ألف دينار على دينار وعن كل ألف درهم على درهم فحسبه فاستكثره فشحت به نفسه فجمع بني اسرائيل وقال إن موسى يريد أن يأخذ أومالكم فقالوا أنت كبيرنا فمر بما شئت قال نبرطل فلانة البغي حتى ترميه بنفسها فترفضه بنو اسرائيل فجعل لها الف دينار أو طستا من ذهب أو حكمها فلما كان يوم عيد قام موسى فقال يا بني اسرائيل من سرق قطعناه ومن افترى جلدناه ومن زنى وهو غير محصن جلدناه وإن أحصن رجمناه فقال قارون وإن كنت أنت قال وإن كنت أنا قال فإن بني اسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة فأحضرت فناشدها بالذي فلق البحر وأنزل التوراة أن تصدق فقالت جعل لي قارون جعلا على أن أقذفك بنفسي فخر موسى ساجدا يبكي وقال يا رب أن كنت رسولك فاغضب لي فأوحى اللع إليه أن مر الأرض بما شئت فإنها مطيعة لك فقال يا بني اسرائيل إن اللّه بعثني إلى قارون كما بعثني إلى فرعون فمن كان معه فليلزم مكانه ومن كان معي فليعتزل فاعتزلوا جميعا غير رجلين ثم قال يا أرض خذوهم فأخذتهم إلى الركب ثم قال خذوهم فأخذتهم إلى الأوساط ثم قال خذيهم فأخذتهم إلى الأعناق وقارون وأصحابه يتضرعون إلى موسى ويناشدونه باللّه والرحم وموسى لا يلتفت إليهم لشدة غضبه ثم قال خذيهم فانطبقت عليهم فقال اللّه تعالى استغاث بك مرار فلم ترحمه فوعزتي لو استرحمني مرة لرحمته فقال بعض بني اسرائيل إنما اهلكه ليرث ماله فدعا اللّه حتى خسف بداره وكنوزه

{فما كان له من فئة} جماعة

{ينصرونه من دون اللّه} يمنعونه من عذاب اللّه

{وما كان من المنتصرين} من المنتقمين من موسى أو من الممتنعين من عذاب اللّه يقال نصره من عدوه فانتصر أي منعه منه فامتنع

٨٢

{وأصبح} وصار

{الذين تمنوا مكانه} منزلته من الدنيا

{بالأمس} ظرف لتمنوا ولم يرد به اليوم الذي قبل يومك ولكن الوقت القريب استعارة

{يقولون ويكأن اللّه يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر} وي منفصلة عن كأن عند البصريين قال سيبويه وي كلمة تنبه على الخطأ وتندم يستعملها النادم بإظهار ندامته يعني ان القوم تنبهوا على خطئهم في تمنيهم وقولهم يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون وتندموا

{لولا أن من اللّه علينا} بصرف ما كنا نتمناه بالأمس

{لخسف بنا} وبفتحتين حفص ويعقوب وسهل وفيه ضمير اللّه تعالى

{ويكأنه لا يفلح الكافرون} أي تندموا ثم قالوا كأنه لا يفلح الكافرون

٨٣

{تلك الدار الآخرة} تلك تعظيم لها وتفخيم لشأنها يعني تلك التي سمعت بذكرها وبلغك وصفها وقوله

{نجعلها} خبر تلك والدار نعتها

{للذين لا يريدون علوا في الأرض} بغيا ابن جبير زظلما الضحاك أو كبرا

{ولا فسادا} عملا بالمعاصي أو قتل النفس أو دعاء إلى عبادة غير اللّه ولم يعلق الموعد بترك العلو والفساد ولكن بترك إرادتهما وميل القلوب إليهما كما قال ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فعلق الوعيد بالركون وعن علي رضي اللّه عنه أن الرجل ليعجبه أن يكون شراك نعله أجود من شراك نعله صاحبه فيدخل تحتها وعن الفضيل انه قراها ثم قال ذهبت الأماني ههنا وعن عمر بن عبد العزيز أنه كان يرددها حتى قبض وقال بعضهم حقيقته التنفير عن متابعة فرعون وقارون متشبثا بقوله إن فرعون علا في الآرض ولا تبغ الفساد في الأرض

{والعاقبة} المحمودة

{للمتقين

٨٤

من جاء بالحسنة فله خير منها}

مر في النمكل

{ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات} معناه فلا يجزون فوضع الذين عملوا السيئات موضع الضمير لأن في اسناد عمل السيئة إليهم مكررا فضل تهجين بحالهم وزيادة تبغيض للسيئة إلى قلوب السامعين

{إلا ما كانوا يعملون} إلا مثل ما كانوا يعملون ومن فضله العظيم أن لا يجزي السيئة إلا بمثلها ويجزي الحسنة بعشر أمثالها وبسبعمائة

٨٥

{إن الذي فرض عليك القرآن} أوجب عليك تلاوته وتبليغه والعمل بما فيه

{لرادك} بعد الموت

{إلى معاد} أي معاد وإلى معاد ليس لغيرك من البشر فلذا نكره أو المرادبه مكة والمراد رده إليها يوم الفتح لأنها كانت في ذلك اليوم ميعادا له شأن ومرجعا له واعتداد لغلبة رسول اللّه وقهره لأهلها ولظهور عز الإسلام وأهله وذل الشرك وحزبه والسورة مكية ولكن هذه الآية نزلت بالجحفة لا بمكة ولابالمدينة حين اشفتاق إلى مولده ومولد آبائه ولما وعد رسوله الرد إلى ميعاده قال

{قل} للمشركين

{ربي أعلم من جاء بالهدى} يعني نفسه وما له من الثواب في ميعاده

{ومن هو في ضلال مبين} يعني المشركين وما يستحقونه من العذاب في معادهم من في محل نصب بفعل مضمر أي يعلم

٨٦

{وما كنت ترجو أن يلقى} يوحي

{إليك الكتاب} القرآن

{إلا رحمة من ربك} هو محمول على المعنى أي وما ألقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك أو إلا بمعنى لكن للأستدراك أي ولكن لرحمة من ربك ألقى إليك الكتاب

{فلا تكونن ظهيرا للكافرين} معينا لهم على دينهم

٨٧

{ولا يصدنك عن آيات اللّه} هو على الجمع أي ألا يمنعنك هؤلاء عن العمل بآيات اللّه أي القرآن

{بعد إذ أنزلت إليك} الآيات أي بعد وقت انزاله واذ يضاف إليه أسماء الزمان كقولك حينئذ وتومئذ

{وادع إلى ربك} إلى توحيده وعبادته

{ولا تكونن من المشركين

٨٨

ولا تدع مع اللّه إلها آخر} قال ابن عباس رضي اللّه عنهما الخطاب في الظاهر للنبي صلى اللّه عليه وسلم والمراد أهل دينه ولأن العصمة لا تمنع النهى والوقف على آخر لازم لأنه لو وصل لصار

{لا إله إلا هو} صفة لآلها آخر وفيه من الفساد ما فيه

{كل شيء هالك إلا وجهه} أي إلا إياه فالوجه يعبر به عن الذات وقال مجاهد يعني علم العلماء إذا أريد به وجه اللّه

{له الحكم} القضاء في خلقه

{وإليه يرجعون} بفتح التاء وكسر الجيم يعقوب واللّه أعلم

﴿ ٠