تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل

أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م)

_________________________________

سورة الروم

مكية وهى ستون أو تسع وخمسون آية والاختلاف فى بضع سنين بسم اللّه الرحمن الرحيم

_________________________________

{الم

٢

غلبت الروم} أى غلبت فارس الروم

٣

{في أدنى الأرض} أى أقرب أرض العرب لأن الأرض المعهودة عند العرب أرضهم والمعنى غلبوا فى أدنى أرض العرب منهم وهى أطراف الشام أو أراد أرضهم على انابة اللام مناب المضاف اليه أى فى أدنى أرضهم إلى عدوهم

{وهم} أى الروم

{من بعد غلبهم} أى علبة فارس اياهم وقرىء بسكون اللام فالغلب والغلب مصدران وقد أضيف المصدر إلى المفعول

{سيغلبون} فارس ولا وقف عليه لتعليق

٤

{في بضع سنين} به وهو ما بين الثلاث إلى العشرة قيل احتربت فارس والروم بين أدرعات وبصرى فغلبت فارس الروم والملك بفارس يومئذ كسرى أبرويز فبلغ الخبرمكة فشق على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والمؤمنين لأن فارس مجوس لا كتاب لهم والروم أهل كتاب وفرح المشركون وسمتوا وقالوا أنتم والنصارى أهل كتاب ونحن وفارس أميون وقد ظهر اخواننا على اخوانكم ولنظهرن نحن عليكم فنزلت فقال لهم أبو بكر واللّه ليظهرن الروم على فارس بعد بضع سنين فقال له أبى ابن خلف كذبت فناحبه على عشر قلائص من كل واحد منهما وجعل الأجل ثلاث سنين فأخبر أبو بكر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال عليه السلام زد فى الخطر وابعد فى الأجل فجعلاها مائة قلوص إلى تسع سنين ومات أبى من جرح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وظهرت الروم على فارس يوم الحديبية أو يوم بدر فأخذ أبو بكر الخطر من ذرية أبى فقال عليه السلام تصدق به وهذه آية بينة على صحة نبوته وان القرآن من عند اللّه لأنها أنباء عن علم الغيب وكان ذلك قبل تحريم القمار عن قتادة ومن مذهب ابى حنيفة ومحمدان العقود الفاسدة كعقد الربا وغيره جائزة فى دار الحرب بين المسلمين والكفار وقد احتجا على صحة ذلك بهذه القصة

{للّه الأمر من قبل ومن بعد} أى من قبل كل شئ ومن بعد كل شيء أو حين غلبوا وحين يغلبون كأنه قيل من قبل كونهم غالبين وهو وقت كونهم مغلوبين ومن بعد كونهم مغلوبين وهو وقت كونهم غالبين يعنى أن كونهم مغلوبين أولا وغالبين آخرا ليس إلا بأمر اللّه وقضائه وتلك الايام نداولها بين الناس

{ويومئذ} ويوم تغلب الروم على فارس ويحل ما وعد اللّه من غلبتهم

{يفرح المؤمنون

٥

بنصر اللّه} وتغلبه من له كتاب على من لا كتاب له وغيط من شمت بهم من كفار مكة وقيل نصر اللّه هو اظهار صدق المؤمنين فيما أخبروا به المشركين من غلبة الروم والباء يتصل بيفرح فيوقف على اللّه لا على المؤمنين

{ينصر من يشاء وهو العزيز} الغالب على أعدائه

{الرحيم} العاطف على أوليائه

٦

{وعد اللّه} مصدر مؤكد لأن قوله وهم من بعد غلبهم سيغلبون وعد من اللّه للمؤمنين فقوله وعد اللّه بمنزلة وعد اللّه المؤمنين وعدا

{لا يخلف اللّه وعده} بنصر الروم على فارس

{ولكن أكثر الناس لا يعلمون} ذلك

٧

{يعلمون} بدل من لا يعلمون وفيه بيان أنه لا فرق بين عدم العلم الذى هو الجهل وبين وجود العلم الذى لا يتجاوز عن تحصيل الدنيا وقوله

{ظاهرا من الحياة الدنيا} يفيد للدنيا ظاهر أو باطنا فظاهرها ما يعرفه الجهال من التمتع بزخارفها وباطنها انها مجاز إلى الآخرة يتزود منها إليها بالطاعه وبالأعمال الصالحة وتنكير الظاهر يفيد انهم لا يعلمون إلا ظاهرا واحدا من جملة ظواهرها

{وهم عن الآخرة هم غافلون} هم الثانية مبتدأ وغافلون خبره والجملة خبرهم الأولى وفيه بيان أنهم معدن الغفلة عن الآخرة ومقرها

٨

{أو لم يتفكروا في أنفسهم} يحتمل أن يكون ظرفا كانه قيل أو لم يثبتوا التفكر فى أنفسهم أى فى قلوبهم الفارغة من الفكر والتفكر لا يكون إلا فى القلوب ولكنه زيادة تصوير لحال المتفكرين كقوله "اعتقده فى قلبك" وأن يكون صلة للتفكر نحو تفكر فى الأمر وأجال فيه فكره ومعناه على هذا أولم يتفكروا فى أنفسهم التى هى أقرب اليهم من غيرها من المخلوقات وهم أعلم بأحوالها منهم بأحوال ما عداها فيتدبروا ما أودعها اللّه ظاهرا وباطنا من غرائب الحكمة الدالة على التدبير دون الاهمال وأنه لا بد لها من الانتهاء إلى وقت تجازى فيه على الاحسان إحسانا وعلى الإساءة مثلها حتى يعلموا عند ذلك أن سائر الخلائق كذلك أمرها جار على الحكمةفى التدبير وأنه لا بد لها من الانتهاء إ لى ذلك الوقت

{ما خلق اللّه السماوات والأرض وما بينهما} متعلق بالقول المحذوف ومعناه أو لم يتفكروا فيقولوا هذا القول وقيل معناه فيعلموا لأن فى الكلام دليلا عليه

{إلا بالحق وأجل مسمى} أى ما خلقها باطلا وعبثا بغير حكمة بالغة ولا لتبقى خالدة إنما خلقها مقرونة بالحق مصحوبة بالحكمة وبتقدير أجل مسمى لا بدلها من أن تنتهى اليه وهو قيام الساعة ووقت الحساب والثواب والعقاب ألا ترى الى قوله أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم الينا لاَ ترجعون كيف سمى تركهم غير راجعين اليه عبثا

{وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم} بالبعث والجزاء

{لكافرون} لجاحدون وقال الزجاج أى لكافرون بلقاء ربهم

٩

{أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم} هو تقرير لسيرهم فى البلاد ونظرهم إلى آثار المدمرين من عاد وثمود وغيرهم من الأمم العاتية ثم وصف حالهم فقال

{كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض} وحرثوها

{وعمروها} اى المدمرون

{أكثر} صفة مصدر محذوف وما مصدريةفى

{مما عمروها} أى من عمارة اهل مكة

{وجاءتهم رسلهم بالبينات} وتقف عليها لحق الحذف أى فلم يؤمنوا فاهلكوا

{فما كان اللّه ليظلمهم} فما كان تدميره اياهم ظلما لهم

{ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} ولكنهم ظلموا أنفسهم حيث عملوا ما أوجب تدميرهم

١٠

{ثم كان عاقبة} بالنصب شامى وكوفى

{الذين أساؤوا السوأى} تأنيث الاسوأ وهو الأقبح كما أن الحسنى تأنيث الأحسن ومحلها رفع على أنها اسم كان عند من نصب عاقبة على الخبر ونصب عند من رفعها والمعنى انهم عوقبوا فى الدنيا بالدمار ثم كانت عاقبتهم السوأى إلا أنه وضع الظهر وهو الذين أساءوا موضع المضمر أى العقوبة التى هى أسوأ العقوبا ت فى الآخرة وهى النار التى أعدت للكافرين

{أن كذبوا} لأن كذبوا أوبان وهو يدل على أن معنى أساءوا كفروا

{بآيات اللّه وكانوا بها يستهزؤون} يعنى ثم كان عاقبة الكافرين النار لتكذيبهم بآيات اللّه واستهزائهم بها

١١

{اللّه يبدأ الخلق} ينشئهم

{ثم يعيده} يحييهم بعد الموت

{ثم إليه ترجعون} وبالياء أبو عمرو وسهل

١٢

{ويوم تقوم الساعة يبلس} يبأس ويتحير يقال ناظرته فابلس إذا لم ينبس ويئس من أن يحتج

{المجرمون} المشركون

١٣

{ولم يكن لهم من شركائهم} من الذين عبدوهم

{من دون اللّه} وكتب شفعؤا فى المصحف بواو قبل الالف كما كتب علمؤا بنى اسرائيل وكذلك كتبت السوأى بالالف قبل الياء اثباتا للّهمزة على صورة الحرف الذى منه حركتها

{وكانوا بشركائهم كافرين} أى يكفرون بآلهتهم ويجحدونها أو وكانوا فى الدينا كافرين بسببهم

١٤

{ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون} الضمير فى يتفرقون للمسلمين والكافرين لدلالة ما بعده عليه حيث قال

١٥

{فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة} أى بستان وهى الجنة والتنكير لأبهام أمرها وتفخيمه

{يحبرون} يسرون يقال حبره إذا سره سرورا تهلل له وجهه وظهر فيه اثره ثم اختلف فيه لاحتمال وجوه المسار فقيل يكرمون وقيل يحلون وقيل هو السماع فى الجنة

١٦

{وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة} أى البعث

{فأولئك في العذاب محضرون} مقيمون لا يغيبون عنه ولا يخفف عنهم كقوله وما هم بخارجين منها لما ذكر الوعد والوعيد أتبعه ذكر ما يوصل إلى الوعد وينجى من الوعيد فقال

١٧

{فسبحان اللّه} والمراد بالتسبيح ظاهره الذى هو تنزيه اللّه من السوء والنثاء عليه بالخير فى هذه الأوقات لما يتجدد فيها من نعمة اللّه الظاهرة أو الصلاة فقيل لابن عباس هل تجد الصلوات الخمس فى القرآن فقال نعم وتلا هذه الآية وهو نصب على المصدرو المعنى نزهوه عما لا يليق أو صلوا للّه

{حين تمسون} صلاة المغرب والعشاء

{وحين تصبحون} صلاة الفجر

١٨

{وله الحمد في السماوات والأرض} اعتراض ومعناه أن على المميزين كلهم من أهل السموات والأرض أن يحمدوه وفى السموات حال من الحمد

{وعشيا} صلاة العصر وهو معطوف على حين تمسون وقوله عشيا متصل بقوله الا كثران الصلوات الخمس فرضت بمكة

١٩

{يخرج الحي من الميت} الطائر من البيضة أو الإنسان من النطفة أو المؤمن من الكافر

{ويخرج الميت من الحي} أى البيضة من الطائر أو النطفة من الانسان أو الكافر من المؤمن والميت بالتخفيف فيهما مكى وشامى وأبو عمرو وأبو بكر وحماد بالتشديد غيرهم

{ويحيي الأرض} بالنبات {بعد موتها} يبسها

{وكذلك تخرجون} تخرجون حمزة وعلى وخلف أى ومثل ذلك الاخراج تخرجون من قبوركم والكاف فى محل النصب بتخرجون والمعنى أن الابداء والاعادة يتساويان فى قدرة من هو قادر على اخراج الميت من الحى وعكسة روى ابن عباس رضى اللّه عنهما أن النبى صلى اللّه عليه وسلم قال:

من قرأ فسبحان اللّه حين تمسون إلى الثلاث وآخر سورة والصفات دبر كل صلاة كتب له من الحسنات عدد نجوم السماء وقطر الامطار وورق الاشجار وتراب الأرض فإذا مات أجرى له بكل حرف عشر حسنات فى قبرة

قال عليه السلام: من قرأ حين يصبح فسبحان اللّه حين تمسون وحين تصبحون إلى قوله وكذلك تخرجون أدرك ماب فاته فى يومه ومن نقالها حين يمسى أدرك ما فاته فى ليلته

٢٠

{ومن آياته} ومن علامات ربوبيته وقدرته

{أن خلقكم} أى أباكم

{من تراب ثم إذا أنتم بشر} أى آدم وذريته

{تنتشرون} تنصرفون فيما فيه معاشكم وإذا للمفاجأة وتقديره ثم فاجأتم وقت كونكم بشرا منتشرين فى الأرض

٢١

{ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها} أى حواء خلقت من ضلع آدم عليه السلام والنساء بعدها خلقن من أصلاب الرجال أو من شكل أنفسكم وجنسها لامن جلس آخر وذلك لما بين الاثنين من جنس واحد من الألف والسكون وما بين الجنسين المخلفين من التنافر يقال سكن إليه إذا مال إليه

{وجعل بينكم مودة ورحمة} أى جعل بينكم التواد والتراحم بسبب الزواج وعن الحسن المودة كناية عن الجماع والرحمة عن الولد وقيل المودة للشابة والرحمة للعجوز وقيل المودة والرحمة من اللّه والفرك من الشيطان أى بغض المرأة زوجها وبغض الزوج المرأة

{إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} فيعلمون ان قوام الدنيا بوجودج التناسل

٢٢

{ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم} أى اللغات أو اجناس النطق واشكاله

{وألوانكم} كالسواد والبياض وغيرهما ولاختلاف ذلك وقع التعارف وإلا فلو تشا كلت واتفقت لوقع التجاهل والالتباس ولتعطلت المصالح وفى ذلك آيه بينة حيث ولدوا من أب واحد وهم على الكثرة التى لا يعلمها إلا اللّه متفاوتون

{إن في ذلك لآيات للعالمين} جمع عالم وبكسر اللام حفص جمع عالم ويشهد للكسر قوله تعالى وما يعقلها الا العالمون

٢٣

{ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله} هذا من باب اللف وترتيبه ومن آياته منامكم فى الومانين وابتغاؤكم فيهما والجمهور على الأول لتكرره فى القرآن وأسد المعانى ما دل عليه القرآن

{إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون} أى يسمعون سماع تدبر بآذان واعية

٢٤

{ومن آياته يريكم البرق} فى يريكم وجهان اضمار ان كما فى حرف ابن مسعود رضى اللّه عنه وانزال الفعل منزلة المصدر وبهما فسر المثل تسمع بالمعيدى خير من ان تراه أى ان تسمع أو سماعك

{خوفا} من الصاعقة أو من الاخلاف

{وطمعا} فى الغيث أو خوفا للمسافر وطمعا للحاضر وهما منصوبان على المفعول له على تقدير حذف المضاف إليه مقامه أى إرادة خوف وإرادة طمع أو على الحال أى خائفين وطامعين

{وينزل من السماء} وبالخفيف مكى وبصرى

{ماء} مطرا {فيحيي به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون} يتفكرون بعقولهم

٢٥

{ومن آياته أن تقوم} تثبت بلا عمد

{السماء والأرض بأمره} أى بإقامته وتدبيره وحكمته

{ثم إذا دعاكم} للبعث

{دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون} من قبوركم هذا كقوله يريكم فى ايقاع الجملة موقع المفرد على المعنى كأنه قال ومن آياته قيام السموات والأرض واستمسا كها بغير عمد ثم خروج الموتى من القبور إذا دعاهم دعوة واحدة يا أهل القبور أخرجوا والمراد سرعة وجود ذلك من غير توقف وإنما عطف هذا على قيام السموات والأرض بثم بيانا لعظم ما يكون من ذلك الأمر واقتداره على مثله وهو ان يقول يا أهل القبور قوموا فلا تبقى نسمة من الأولين والآخرين إلا قامت تنظر كما قال ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظنرون وإذا الأولى للشرط والثانية للمفاجأة وهى تنوب مناب الفساء فى جواب الشرط ومن الأرض متعلق بالفعل لا بالمصدر وقولك دعوته من مكان كذا يجوز ان يكون مكانك ويجوز أن يكون مكان صاحبك

٢٦

{وله من في السماوات والأرض كل له قانتون} منقادون لوجود أفعاله فيهم لا يمتنعون عليه أو مقرون بالعبودية

٢٧

{وهو الذي يبدأ الخلق} اى ينشئهم

{ثم يعيده} للبعث

{وهو} أى البعث

{أهون} أيسر

{عليه} عندكم لأن الاعادة عندكم أسهل من الانشاء فلم أنكرتم الاعادة وأخرت الصلة فى قوله وهو أهون عليه وقدمت فى قوله وَهُوَ عَليَّ هَيّنٌ لقصد الاختصاص هناك واما هنا فلا معنى للاختصاص وقال أبو عبيدة والزجاج وغيرهما الا هون بمعنى الهين فيوصف به اللّه عز وجل وكان ذلك على اللّه يسيرا كما قالوا اللّه أكبراى كبير والاعادة فى نفسها عظيمة ولكنها هونت بالقياس إلى الانشاء أو هو أهون على الخلق من الانشاء لأن قيامهم بصيحة واحدة أسهل من كونهم نطفا ثم علقا ثم مضغا إلى تكميل خلقهم

{وله المثل الأعلى في السماوات والأرض} أى الوصف الا على الذى ليس لغيره وقد عرف به ووصف فى السموات والأرض على ألسنة الخلائق وألسنة الدلائل وهو أنه القادر الذى لا يعجز عن شيء من انشاء واعادة وغيرهما من المقدورات ويدل عليه قوله

{وهو العزيز} أى القاهر لكل مقدور

{الحكيم} الذى يجرى كل فعل على قضايا حكمته وعلمه وعن ابن عباس رضى اللّه تعالى عنهما المثل الاعلى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وعن مجاهد هو قول لا إله إلا اللّه ومعناه وله الوصف الارفع الذى هو الوصف بالوحدانية ويعضده قوله

٢٨

{ضرب لكم مثلا من أنفسكم} فهذا مثل ضربة اللّه عز وجل لمن جعل له شريكا من خلقه من للابتداء كانه قال أخذ مثلا وانتزعه من أقرب شيء منكم وهى أنفسكم

{هل لكم} معاشر الاحرار

{مما ملكت أيمانكم} عبيدكم ومن التبعيض

{من شركاء} من مريدة لتأكيد الاستفهام الجارى مجرى النفى ومعناه هل ترضون لا نفسكم وعبيدكم أمثالكم بشر كبشر وعبيد كعبيدان بشارككم بعضهم

{في ما رزقناكم} من الأموال وغيرها

{فأنتم} معاشر الاحرار والعبيد

{فيه} فى ذلك الرزق

{سواء} من غير تفصلة بين حر وعبد يحكم مما ليككم فى أموالكم كحكمكم

{تخافونهم} حال من ضميرالفاعل فى سواء اى متساوون خائفا بعضكم بعضا مشاركته فى المال والمعنى تخافون معاشر السادة عبيدكم فيها فلا تمضون فيها حكما دون إذنهم خوفا من لائمة تلحقكم من جهتهم

{كخيفتكم أنفسكم} يعنى كما يخاف بعض الاحرار بعضا فيما هو مشترك بينهم فإذا لم يرضوا بذلك لأنفسكم فكيف ترضون لرب الارباب ومالك الاحرار ومالعبيد أن تجعلوا بعض عبيده له شركاء

{كذلك} موضع الكاف نصب أى مثل هذا التفصيل

{نفصل الآيات} نبينها لان التمثل مما يكشف المعانى ويوضحها

{لقوم يعقلون} بتدبرون فى ضرب الامثال فلما لم ينزجروا أضرب عنهم فقال

٢٩

{بل اتبع الذين ظلموا} أنفسهم بما أشركوا كما قال اللّه تعالى ان الشرك لظلم عظيم

{أهواءهم بغير علم} أى اتبعوا أهواءهم جاهلين

{فمن يهدي من أضل اللّه} أى أضله اللّه تعالى

{وما لهم من ناصرين} من العذاب

٣٠

{فأقم وجهك للدين} فقوم وجهك له وعد له غير ملتفت عنه يمينا ولا شمالا وهو تمثيل لاقباله على الدين واستقامته عليه واهتمامة بأسبابه فان من اهتم بالشيء عقد عليه طرفه وسدد إليه نظره وقوم له وجهه

{حنيفا} حال من المامور أو من الدين

{فطرة اللّه} أى الزموا فطرة اللّه والفطرة الخلقية ألا ترى إلى قوله لا تبديل لخلق اللّه فالمعنى أنه خلقهم قابلين للتوحيد والإسلام غير نائين عنه ولا منكرين له لكونه مجاوبا للعقل مساوقا للنظر الصحيح حتى لو تركوا لما اختاروا عليه دينا آخر ومن غوى منهم فباغواء شياطين الجن والإنس ومنه قوله عليه السلام كل عبادى خلقت حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم وأمروهم أن يشركوا بى غيرى وقوله عليه السلام كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه وينصرانه وقال الزجاج معناه أن اللّه تعالى فطر الخلق على الإيمان به على ما جاء فى الحديث ان اللّه عز وجل أخرج من صلب آدم كالدر وأشهدهم على أنفسهم بأنه خالقهم فقال وإذ أخذر بك إلى قوله قالوا بلى وكل مولود هو من تلك الذرية التى شهدت بأن اللّه تعالى خالقها فمعنى فطرة اللّه دين اللّه

{التي فطر الناس عليها} أى خلق

{لا تبديل لخلق اللّه} أى ما ينبغى أن تبدل تلك الفطرة أو تغير وقال الزجاج معناه لا تبديل لدين اللّه ويدل عليه ما بعده وهو قوله

{ذلك الدين القيم} أى المستقيم

{ولكن أكثر الناس لا يعلمون} حقيقةذلك

٣١

{منيبين إليه} راجعين إليه وهو حال من الضمير فى الزموا وقوله

واتقوه وأقيموا الصَّلَوةَ و لا تكونوا معطوف على هذا المضمر أو من قوله فاقم وجهك لان الامر له عليه السلام امر لامته فكانه قال فاقيموا وجوهكم منيبين إليه أو التقدير كونوا منيبين دليله قوله

{ولا تكونوا} واتقوه

{أقيموا الصلاة} أى أدوها فى أوقاتها

{ولا تكونوا من المشركين} ممن يشرك به غيره فى العبادة

٣٢

{من الذين} بدل من المشركين باعادة الجار

{فرقوا دينهم} جعلوه أديانا مختلفة لاختلاف أهوائهم فارقوا حمزة وعلى وهى قراءة على رضى اللّه عنه أى تركوا دين الإسلام

{وكانوا شيعا} فرقا كل واحدة تشابع امامها الذى أضلها

{كل حزب} منهم

{بما لديهم فرحون} فرح بمذهبه مسرور يحسب باطله حقا

٣٣

{وإذا مس الناس ضر} شدة من هزال أو مرض أو قحط أو غير ذلك

{دعوا ربهم منيبين إليه ثم إذا أذاقهم منه رحمة} أى خلاصا من الشدة

{إذا فريق منهم بربهم يشركون} فى العبادة

٣٤

{ليكفروا} هذه لأم كى وقيل لام الأمر الوعيد

{بما آتيناهم} من النعم

{فتمتعوا} بكفركم قليلا أمر وعيد

{فسوف تعلمون} وبال تمنعكم

٣٥

{أم أنزلنا عليهم سلطانا} حجة

{فهو يتكلم} وتكلما مجاز كما تقول كتابه ناطق بكذا وهذا مما نطق به القرآن ومعناه الشهادة كأنه قال فهو يشهد بشركهم وبصحته

{بما كانوا به يشركون} ما مصدرية أى بكونهم باللّه يشركون أو موصوله ويرجع الضمير إليها أى فهو يتكلم بالأمر الذى بسببه يشركون أو معنى الآية أم أنزلنا عليهم ذا سلطان أى ملكا معه برهان فذلك الملك يتكلم بالبرهان الذى بسببه يشركون

٣٦

{وإذا أذقنا الناس رحمة} أى نعمة من مطر أوسعة أوصحة

{فرحوا بها} بطروا بسببها

{وإن تصبهم سيئة} أى بلاء من جذب أو ضيق أو مرض

{بما قدمت أيديهم} بسبب شؤم معاصيهم

{إذا هم يقنطون} من الرحمة إذ المفاجأة جواب الشرط نابت عن الفاء لتآخيهما فى التعقيب

٣٧

{أو لم يروا أن اللّه يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون} أنكر عليهم بأنهم قد علموا بأنه القابض الباسط فما لهم يقنطون من رحمته ومالهم لا يرجعون إليه تائبين عن المعاصى التى عوقبوا بالشدة من أجلها حتى يعيد اليهم رحمته ولما ذكر أن السيئة أصابتهم بما قدمت أيديهم أتبعه ذكر ما يجب أن يفعل وما يجب أن يترك فقال

٣٨

{فآت ذا القربى} أعط قريبك

{حقه} من البر ولصلة

{والمسكين وابن السبيل} نصيبهما من الصدقة المسماة لهما وفيه دليل وجوب النفقة للمحارم كما هو مذهبنا

{ذلك} أى ايتاء حقوقهم

{خير للذين يريدون وجه اللّه} أى ذاته أى يقصدون بمعروفهم اياه خالصا

{وأولئك هم المفلحون

٣٩

وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس} يريد وما أعطيتم أكله الربا من ربا ليربوا فى أموالهم

{فلا يربو عند اللّه} فلا يزكوا عند اللّه ولا يبارك فيه وقيل هو من الربا الحلال أى وما تعطونه من الهدية لتأخذوا أكثر منها فلا يربوا عند اللّه لأنكم لم تريدوا بذلك وجه اللّه

{وما آتيتم من زكاة} صدقة

{تريدون وجه اللّه} تبتغون به وجهه خالصا لا تطلبون به مكافأة ولا رياء ولاسمعة

{فأولئك هم المضعفون} ذوو الأضعاف من الحسنات ونظير المضعف المقوى والموسر الذى القوه واليسار أتيتم من ربا بلا مد مكى أى وما غشيتموه من اعطاء ربا لتربوا مدنى أى لتزيدوا فى أموالهم وقوله فأولئك هم المضعفون التفات حسن لأنه يفيد التعميم كانه قيل من فعل هذا فسبيله سبيل المخاطبين والمعنى المضعفون به لأنه لا بدله من ضمير يرجع إلى ما الموصولة وقال الزجاج فى قوله فأولئك هم المضعفون أى فأهلها هم المضعفون أى هم الذين يضاعف لهم الثواب يعطون بالحسنة عشر امثالها ثم أشار إلى عجز آلهتهم فقال

٤٠

{اللّه الذي خلقكم} مبتدأ وخبر

{ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم} أى هو المختص بالخلق والرزق والاماتة والإحياء

{هل من شركائكم} أى أصنامكم التى زعمتم أنهم شركاء للّه

{من يفعل من ذلكم} أى من الخلق والرزق والاماتة والإحياء

{من شيء} أى شيئا من تلك الأفعال فلم يجيبوا عجزا فقال إستبعادا

{سبحانه وتعالى عما يشركون} ومن الأولى والثانية والثالثة كل واحدة منهن مستقلة بتأكيد لتعجيز شركائهم وتجهيل عبدتهم

٤١

{ظهر الفساد في البر والبحر} نحو القحط وقلة الأمطار والريع فى الزراعات والربح فى التجارات ووقوع الموتان فى الناس والدواب وكثرة الحرق والغرق ومحق البركات من كل شئ

{بما كسبت أيدي الناس} بسبب معاصيهم وشركهم كقوله وما أصابكم من مصيبة فيما كسبت أيديكم

{ليذيقهم بعض الذي عملوا} أى ليذيقهم وبال بعض أعمالهم فى الدنيا قبل أن يعاقبهم بجمعها فى الآخرة وبالنون عن قنبل

{لعلهم يرجعون} عما هم عليه من المعاصى ثم أكد تسبيب المعاصى لغضب اللّه ونكاله بقوله

٤٢

{قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين} حيث أمرهم بأن يسيروا فينظروا كيف أهلك اللّه الأمم وأذاقهم سوء العاقبة بمعاصيهم

٤٣

{فأقم وجهك للدين القيم} البليغ الاستقامة الذى لا يتأتى فيه عوج

{من قبل أن يأتي يوم لا مرد له} هو مصدر بمعنى الرد

{من اللّه} يتعلق بيأتى والمعنى من قبل أن يأتى من اللّه يوم لا يرده أحد كقوله تعالى فلا يستطعون ردها أو بمرد على معنى لا يرده هو بعد أن يجيء به ولا رد له من جهته

{يومئذ يصدعون} يتصدعون أى يتفرقون ثم أشار إلى غناه عنهم فقال

٤٤

{من كفر فعليه كفره} أى وبال كفره

{ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون} أى يسوون لأنفسهم ما يسويه لنفسه الذى يمهد لنفسه فراشة ويوطئه لئلا يصيبه فى مضجمه ما ينغص عليه مرقده من نتوء وغيره والمعنى أنه يمهد لهم الجنة بسبب أعمالهم فاضيف اليهم وتقديم الظرف فى الموضعين للدلالة على أن ضرر الكفر لا يعود إلا على الكافر ومنفعة الإيمان والعمل الصالح يرجع إلى المؤمن لا تجاوزه

٤٥

{ليجزي} متعلق ببمهدون تعليل له وتكرير

{الذين آمنوا وعملوا الصالحات} وترك الضمير إلى الصريح لتقدير أنه لا يفلخ عنده إلا المؤمن

{من فضله} أى عطائه وقوله

{إنه لا يحب الكافرين} تقرير بعد تقرير على الطرد والعكس

٤٦

{ومن آياته} أى ومن آيات قدرته

{أن يرسل الرياح} هى الجنوب والشمال والصبا وهى رياح الرحمة وأما الدبور فريح العذاب ومنه قوله عليه السلام: اللّهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا وقد عدد الفوائد فى إرسلها فقال

{مبشرات} أى أرسلها للبشارة بالغيث

{وليذيقكم من رحمته} ولاذاقة الرحمة وهى نزول المطر وحصول الخصب الذى يتبعه والروح الذى مع هبوب الريح وزكاء الأرض وغير ذلك وليذيقكم معطوف على مبشرات على المعنى كأنه قيل ليبشركم وليذيقكم

{ولتجري الفلك} فى البحر عند هبوبها

{بأمره} أى بتدبيره أو تكوينه كقوله إنما أمره إذا اراد شئيا الآية

{ولتبتغوا من فضله} يريد تجارة البحر

{ولعلكم تشكرون} ولتشكروا نعمة اللّه فيها

٤٧

{ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاؤوهم بالبينات} أى فآمن بهم قوم وكفر بهم قوم ويدل على هذا الأضمار قوله

{فانتقمنا من الذين أجرموا} أى كفروا بالاهلاك فى الدينا

{وكان حقا علينا نصر المؤمنين} أى وكان نصر المؤمنين حقا علينا بانجائهم مع الرسل وقد يوقف على حقا ومعناه وكان الانتقام منهم حقا ثم تبتدىء علينا نصر المؤمنين والأول أصح

٤٨

{اللّه الذي يرسل الرياح} الريح مكى

{فتثير سحابا فيبسطه} أى السحاب

{في السماء} أى فى سمت السماء وشقها كقوله وفرعها فى السماء

{كيف يشاء} من ناحية الشمال أو الجنوب أو الدبور أو الصبا

{ويجعله كسفا} قطعا جمع كسفة أى يجعله منبسطا يأخذ وجه السماء مرة ويجعله قطعا متفرقة غير منبسطة مرة كسفا يزيد وابن ذ كوان

{فترى الودق} المطر

{يخرج} فى التارتين جميعا

{من خلاله} وسطه

{فإذا أصاب به} بالودق

{من يشاء من عباده} يريد اصابة بلادهم وأراضهم

{إذا هم يستبشرون} يفرحون

٤٩

{وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم} المطر

{من قبله} كرر للتأكيد كقوله فكان عاقبتهما انهما فى النار خالدين فيها ومعنى التوكيد فيها الدلاله على ان عهدهم بالمطر قد تطاول فاستحكم يأسهم فكان لا ستبشار على قبرا اعتمامهم بذلك

{لمبلسين} آيسين

٥٠

{فانظر إلى آثار} شامى وكوفى غير أبى بكر وغيرهم أثر

{رحمة اللّه} اى المطر

{كيف يحيي الأرض} بالنبات وأنواع الثمار

{بعد موتها إن ذلك} أى اللّه

{لمحيي الموتى} يعنى أن ذلك القادر الذى يحى الأرض بعد موتها هو الذى يحى الناس بعد موتهم فهذا استدلال باحياء الموات على احياء الأموات

{وهو على كل شيء قدير} أى وهو على كل شيء من المقدورات قادر وهذا من جملة المقدورات بدليل الانشاء

٥١

{ولئن أرسلنا ريحا} أى الدبور

{فرأوه} أى أثر رحمة اللّه لأن رحمة اللّه هى الغيث وأثرها النبات ومن قرأ بالجمع رجع الضمير إلى معناه لأن معنىآثار الرحمة النبات واسم النبات يقع على القليل والكثير لأنه مصدر سمى به ما ينبت

{مصفرا} بعد اخضراره وقال مصفرا لأن تلك صفرة حادثة وقيل فرأوا السحاب مصفرا لأن السحاب الاصفر لا يمطر واللام فى لئن موطئة للقسم دخلت على حرف الشرط وسد مسد جوابى القسم والشرط

{لظلوا} ومعناه ليظلن

{من بعده يكفرون} أى من بعد اصفراره أو من بعد الاستبشار ذمتهم اللّه تعالى بأنه إذا حبس عنهم المطر قنطوا من رحمته وضربوا أذقانهم على صدورهم مبلسين فإذا أصابهم برحمته ورزقهم المطر استبشروا فإذا أرسل ريحا فضرب زروعهم بالصفار ضجوا وكفروا بنعمة اللّه فهم فى جمع هذه الأحوال على الصفة المذمومة وكان عليهم أن يتوكلوا على اللّه وفضله فقنطوا وان يشكروا نعمته ويحمدوه عليها ففرحوا وان يصبروا على بلائه فكفروا

٥٢

{فإنك لا تسمع الموتى} أى موتى القلوب أو هؤلاء فى حكم الموتى فلا تطمع أن يقبلوا منك

{ولا تسمع الصم الدعاء} ولا يسمع الصم مكى

{إذا ولوا مدبرين} فإن قلت الاصم لا يسمع مقبلا أو مدبرا فما فائدة هذا التخصيص قلت هو إذا كان مقبلا يفهم بالرمز والاشارة فإذا ولى لا يسمع ولا يفهم بالإشارة

٥٣

{وما أنت بهادي العمي} أى عمى القلوب وما أنت تهدى العمى حمزة

{عن ضلالتهم} أى لا يمكنك أن تهدى الاعمى إلى طريق قد ضل عنه باشارة منك له إليه

{إن تسمع} ما نسمع

{إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون} منقادون لأوامر اللّه تعالى

٥٤

{اللّه الذي خلقكم من ضعف} من النطف كقوله من ماء مهين

{ثم جعل من بعد ضعف قوة} يعنى حال الشباب وبلوغ الاشد

{ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة} يعنى حال الشيخوخة والهرم

{يخلق ما يشاء} من ضعف وقوة وشباب وشيبة

{وهو العليم} باحوالهم

{القدير} على تغييرهم وهذا الترديد فى الأحوال أبين دليل على الصانع العليم القدير فتح الضاد فى الكل عاصم وحمزة وضم غيرهما وهو اختيار حفص وهما لغتان والضم أقوى فى القراءة لما روى عن ابن عمر قال قرأتها على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من ضعف" فاقرأنى من ضعف

٥٥

{ويوم تقوم الساعة} أى القيامة سميت بذلك لانها تقوم فى آخر ساعة من ساعات الدينا أو لأنها تقع بغية كما تقوم فى ساعة لمن تستعجله وجرت علما لها كالنجم للثريا

{يقسم المجرمون} يحلف الكافرون ولا وقف عليه لأن

{ما لبثوا} فى القبور أو فى الدينا

{غير ساعة} جواب القسم استقلوا مدة لبثهم فى القبور أو فى الدنيا لهول يوم القيامة وطول مقامهم فى شدائدها أو ينسون أو يكذبون

{كذلك كانوا يؤفكون} أى مثل ذلك الصرف كانوا يصرفون عن الصدق إلى الكذب فى الدنيا ويقولون ما هى إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمنعوثين

٥٦

{وقال الذين أوتوا العلم والإيمان} هم الانبياء والملائكة والمؤمنون

{لقد لبثتم في كتاب اللّه} فى علم اللّه المثبت فى اللوح أو فى حكم اللّه وقضائه

{إلى يوم البعث} ردوا ما قالوه وحلفوا عليه وأطلعوهم على الحقيقة ثم وصلوا ذلك بتقريعهم على انكار البعث بقولهم

{فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم} فى الدنيا

{لا يعلمون} أنه حق لتفريطكم فى طلب الحق واتباعه والغاء لجواب شرط يدل عليه الكلام تقديره ان كنتم منكرين البعث فهذا يوم البعث الذى أنكرتموه

٥٧

{فيومئذ لا ينفع} بالياء كوفى

{الذين ظلموا} كفروا

{معذرتهم} عذرهم

{ولا هم يستعتبون} أى لا يقال لهم ارضوا ربكم بتوبة من قولك استعتبنى فلان فاعتبته أى استرضانى فارضيته

٥٨

{ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون} أى ولقد وصفنا لهم كل صفة كأنها مثل فى غرابتها وقصصنا عليهم كل قصة عجيبة الشأن كصفة المبعوثين يوم القيامة وقصتهم وما يقولون وما يقال لهم وما لا ينفع من اعتذارهم ولايسمع من استعتابهم ولكنهم لقسوة قلوبهم إذا جئتهم بآية من آيات القرآن قالوا جئتنا بزور وباطل

٥٩

{كذلك يطبع اللّه على قلوب الذين لا يعلمون} أى مثل ذلك الطبع وهو الختم يطبع اللّه على قلوب الجهلة الذين علم اللّه منهم اختيار الضلال حتى يسموا المحقين مبطلين وهم أعرق خلق اللّه فى تلك الصفة

٦٠

{فاصبر} على أذاهم أو عداوتهم

{إن وعد اللّه} بنصرتك على أعدائك وإظهار دين الإسلام على كل دين

{حق} لا بد من انجازه والوفاء به

{ولا يستخفنك الذين لا يوقنون} أى لا يحملنك هؤلاء الذين لا يوقنون بالآخرة على الخفة والعجلة فى الدعاء عليهم بالعذاب أو لا يحملنك على الخفة والقلق جزعا مما يقولون ويفعلون فإنهم ضلال شاكون لا يستبدع منهم ذلك ولا يستخفنك بسكون النون عن يعقوب واللّه الموفق للصواب

﴿ ٠