تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م) _________________________________سورة لقمان مكية وهى ثلاث أو أربع وثلاثون آية بسم اللّه الرحمن الرحيم _________________________________ {الم ٢تلك آيات الكتاب الحكيم} ذىالحكمة أو وصف بصفة اللّه عز وجل على الاسناد المجازي ٣{هدى ورحمة} حالان من الايات والعامل معنى الاشارة في تلك حمزة بالرفع على ان تلك مبتدأ وآيات الكتاب خبره وهدى خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف أو هو أي هدى ورحمة {للمحسنين} للذين يعملون الحسنات المذكورة في قوله ٤{الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون} ونظيره قول اوس الالمعي الذي يظن بك الظن كأن قد رأى وقد سمعا أو للذين يعملون جميع ما يحسن ثم خص منهم القائمين بهذه الثلاثة لفضلها ٥{أولئك على هدى} مبتدا وخبر {من ربهم} صفة لهدى {وأولئك هم المفلحون} عطف عليه ٦{ومن الناس من يشتري لهو الحديث} نزلت في النضر بن الحرث وكان يشترى اخبار الا كاسرة من فارس ويقول ان محمدا يقص طرفا من قصة عاد وثمود فانا احدثكم بأحاديث الا كاسرة فيميلون الى حديثه ويتركون استماع القرآن واللّهو كل باطل الهى عن الخيروعما يعني ولهو الحديث نحو السمر بالأساطير التي لا أصل لها والغناء وكان ابن مسعود وابن عباس رضي اللّه عنهما يحلفان أنه الغناء وقيل الغناء مفسدة للقلب منفذة للمال مسخطة للرب وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم: ما من رجل يرفع صوته بالغناء إلا بعث اللّه عليه شيطانين أحدهما على هذا المنكب والاخر على هذا المنكب فلا يزالان يضربانه بأرجلهما حتى يكون هو الذي يسكت والاشتراء من الشراء كما روى عن النضر أو من قوله اشتروا الكفر بالايمان أي استبدلوه منه واختاروه عليه أي يختارون حديث الباطل على حديث الحق واضافة اللّهو الى الحديث للتبيين بمعنى من لأن اللّهو يكون من الحديث ومن غيره فبين بالحديث والمراد بالحديث الحديث المنكر كما جاء في الحديث: الحديث في المسجد ياكل الحسنات كما تاكل البهيمة الحشيش أو للتبعيض كانه قيل ومن الناس من يشتري بعض الحديث الذي هو اللّهو منه {ليضل} اى ليصد الناس عن الدخول في الإسلام واستماع القرآن ليضل مكى وأبو عمرو أي ليثبت على ضلاله الذى كان عليه ويزيد فيه {عن سبيل اللّه} عن دين الاسلام والقرآن {بغير علم} أى جهلا منه بما عليه من الوزرية {ويتخذها} أى السبيل بالنصب كوفى غير أبى بكر عطفا على ليضل ومن رفع عطفه على يشترى {هزوا} بسكون الزاى والهمزة حمزة وبضم الزاى بلا همز حفص وغيرهم بضم الزاى والهمزة {أولئك لهم عذاب مهين} أى يهينهم ومن لا بهامه يقع على الواحد والجمع أى النضر وأمثاله ٧{وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا} أعرض عن تدبرها متكبرا رافعا نفسه عن الاصغاء إلى القرآن {كأن لم يسمعها} يشبه حاله فى ذلك حال من لم يسمعها وهو حال من مستكبرا والأصل كأنه والضمير ضمير الشأن {كأن في أذنيه وقرا} ثقلا وهو حال من لم يسمعها أذنية نافع {فبشره بعذاب أليم ٨إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم} ولا وقف عليه لأن ٩{خالدين فيها} حال من الضمير فى لهم {وعد اللّه حقا} مصدران مؤكدان الأول مؤكد لنفسه والثانى مؤكد لغيره إذلهم جنات النعيم فى معنى وعدهم اللّه جنات النعيم فأكد معنى الوعد وحقا يدل على معنى الثبات فأكد به معنى الوعد ومؤكدهما لهم جنات النعيم {وهو العزيز} الذى لا يغلبه شئ فيهين أعداءه بالعذاب المهين {الحكيم} بما يفعل فيثيب أولياءه بالنعيم المقيم ١٠{خلق السماوات بغير عمد} جمع عماد {ترونها} الضمير للسموات وهو استشهاد برؤيتهم لها غير معمودة على قوله بغير عمد كما تقول لصاحبك أنا بلا سيف ولا رمح ترانى ولا محل لها من الاعراب لأنها مستأنفة أو فى محل الجر صفة لعمد أى بغير عمد مرئية يعنى أنه عمدها بعمد لا ترى وهو امساكها بقدرته {وألقى في الأرض رواسي} جبالا ثوابت {أن تميد بكم} لئلا تضطرب بكم {وبث} ونشر {فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج} صنف {كريم} حسن ١١{هذا} اشارة إلى ما ذكر من مخلوقاته {خلق اللّه} أى مخلوقه {فأروني ماذا خلق الذين من دونه} يعنى آلهتهم بكتهم بأن هذه الأشياء العظيمة مما خلقه اللّه فأرونى ما خلقته آلهتكم حتى استوجبوا عندكم العبادة {بل الظالمون في ضلال مبين} أضرب عن تبكيتهم إلى التسجيل عليهم بالتورط فى ضلال ليس بعده ضلال ١٢{ولقد آتينا لقمان الحكمة} وهو لقمان بن باعوراء بن أخت أيوب أو ابن خالته وقيل كان من اولاد آزر وعاش ألف سنة وأدرك داود عليه السلام وأخذ منه العلم وكان يفتى قبل مبعث داود عليه السلام فلما بعث قطع الفتوى فقيل له فقال ألا أكتفى إذا كفيت وقيل كان خياطا وقيل نجارا وقيل راعيا وقيل كان قاضيا فى بنى إسرائيل وقال عكرمة والشعبى كان نبيا والجمهور على أنه كان حكيما ولم يكن نبيا وقيل خير بين النبوة والحكمة فاختار الحكمة وهى الاصابة فى القول والعمل وقيل تتلمذ لألف نبى وتتلمذ له ألف نبى وأن فى {أن اشكر للّه} مفسرة والمعنى أى اشكر للّه لأن إيتاء الحكمة فى معنى القول وقد نبه اللّه تعالى على أن الحكمة الأصلية والعلم الحقيقى هو العمل بهما وعبادة اللّه والشكر له حيث فسر إيتاء الحكمة بالحث على الشكر وقيل لا يكون الرجل حكيما حتى يكون حكيما فى قوله وفعل ومعاشرته وصحبه وقال السرى السقطى الشكر أن لا نعصى اللّه بنعمه وقال الجنيد أن لا ترى معه شريكا فى نعمة وقيل هو الاقرار بالعجز عن الشكر والحاصل أن شكرالقلب المعرفة وشكر اللسان الحمد وشكر الاركان الطاعة ورؤية العجز فى الشكل دليل قبول الكل {ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه} لأن منفعته تعود إليه فهو يريد المزيد {ومن كفر} النعمة {فإن اللّه غني} غير محتاج إلى الشكر {حميد} حقيق بأن يحمدو ان لم يحمده أحد ١٣{وإذ} أى واذكر إذ {قال لقمان لابنه} أنعم أو اشكر {وهو يعظه يا بني} الاسكان مكى يا بنى حفض بفتحه فى كل القرآن {لا تشرك باللّه إن الشرك لظلم عظيم} لأنه تسوية بين من لا نعمة الا وهى منه ومن لا نعمة له أصلا ١٤{ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن} أى حملته تهن وهنا على وهن أى تضعف ضعفا فوق ضعف أى يتزايد ضعفها ويتضاعف لأن الحمل كلما ازداد أو عظم ازدادت ثقلا وضعفا {وفصاله في عامين} أى فطامة عن الرضاع لتمام عامين {أن اشكر لي ولوالديك} هو تفسير لو صينا أى وصيناه بشكرنا وبشكر والديه وقوله حملته أمه وهنا على وهن وفصاله فى عامين اعتراض بين المفسر والمفسر لأنه لما وصى بالوالدين ذكر ما تكابده الام وتعانية من المشاق فى حمله وفصاله هذه المدة الطويلة تذكيرا بحقها العظيم مفردا وعن ابن عيينة من صلى الصلوات الخمس فقد شكر اللّه ومن دعا للوالدين فى أدبار الصلوات الخمس فقد شكرهما {إلي المصير} أى مصيرك إلى وحسابك على ١٥{وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم} أراد بنفى العلم به نفيه أى لا تشرك بى ماليس بشيء يريد الأصنام {فلا تطعهما} فى الشرك {وصاحبهما في الدنيا معروفا} صفة مصدر محذوف أى صحابا معروفا حسنا بخلق جميل وحلم واحتمال بر وصلة {واتبع سبيل من أناب إلي} أى سبيل المؤمنين فى دينك ولا تتبع سبيلهما فيه وإن كنت مأمورا بحسن مصاحبتهما فى الدنيا وقال ابن عطاء صاحب من ترى عليه أنوار خدمتى {ثم إلي مرجعكم} أ ىمرجعك ومرجعهما {فأنبئكم بما كنتم تعملون} فأجازيك على إيمانك وأجازيهما على كفرهما وقد اعترض بهابين الآيتين على سيبل الاستطراد تأكيدا لما فى وصية لقمان من النهى عن الشرك يعنى إنا وصيناه بوالديه وامرناه أن لا يطيعهما فى الشرك وإن جهدا كل الجهد لقبحه ١٦{يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل} بالرفع مدنى والضمير للقصة وأنث المثقال لإضافته إلى الحبة كما قال كما شرقت صدر القناة من الدم وكان تامة والباقون بالنصب والضمير للّهيئة من الإساءة والإحسان أى إن كانت مثلا فى الصغر كحبة خردل {فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض} أى فكانت مع صغرها فى أخفى موضع وأحرزه كجوف الصخرة أو حيث كانت فى العالم العلوى أو السفلى والأكثر على أنها التى تمليها الأرض وهى السجين بكتب فيها أعمال الفجار وليست من الأرض {يأت بها اللّه} يوم القيامة فيحاسب بها عاملها {إن اللّه لطيف} بتوصل علمه إلى كل خفى {خبير} عالم بكنهه أو لطيف باستخراجها خبير بمستقرها ١٧{يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك} فى ذات اللّه تعالى إذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر أو على ما أصابك من المحن فإنها تورث المنح {إن ذلك} الذى وصيتك به {من عزم الأمور} أى مما عومه اللّه من الأمور أى قطعه قطع إيجاب وإلزام أى أمر به أمرا حتما وهو من تسمية المفعول بالمصدر وأصله من معزومات الأمور أى مقطوعاتها ومفروضانها وهذا دليل على أن هذه الطاعات كانت مأمورا بها فى سائر الأمم ١٨{ولا تصعر خدك للناس} أى ولاتعرض عنهم تكبرا تصاعر أبو عمرو ونافع وحمزة وعلى وهو بمعنى تصعر والصعير داء يصيب البعير يلوى منه عنقه والمعنى أقبل على الناس بوجهك تواضعا ولا تولهم شق وجهك وصفحته كما يفعله المتكبرون {ولا تمش في الأرض مرحا} أى تمرح مرحا أو أوقع المصدر موقع الحال أ ىمرحا أو لا تمشى لأجل المرح والأشر {إن اللّه لا يحب كل مختال} متكبر {فخور} من يعدد مناقبه تطاولا ١٩{واقصد} القصد التوسط بين العلو والتقصير {في مشيك} أى اعل فيه حتى يكون مشيا بين مشيين لا تدب دبيب المتماوتين ولا تثب وثوب الشطار قال عليه السلام سرعة المشى تذهب بهاء المؤمن وأما قول عائشة فى عمر رضى اللّه تعالى عنه كان إذا مشى أسرع فانما أرادت السرعة المرتفعة عن دبيب المماوت وعن ابن مسعود رضى اللّه عنه كانوا ينهون عن خيب اليهود ودبيب النصارى ولكن مشيا بين ذلك وقبل معناه وانظر موضع قدميك متواضعا {واغضض من صوتك} وانقص منه اى اخفض صوتك {إن أنكر الأصوات} أى أوحشها {لصوت الحمير} لأن أوله زفير وآخره شهيق كصوت أهل النار وعن الثورى صباح كل شيء تسبيح إلا الحمار فإنه يصيح لرؤية الشيطان ولذلك سماه اللّه منكرا وفى تشبيه الرافعين أصواتهم بالحمير وتمثيل أصواتهم بالنهاق تنبيه على أن رفع الصوت فى غاية الكراهة يؤيده ما روى أنه عليه السلام كان يعجبه أن يكون الرجل خفيض الصوت ويكره أن يكون مجهور الصوت وإنما وحد صوت الحمير ولم يسمع لأنه لم يرد أن يذكر صوت كل واحد من آحاد هذا الجنس حتى يجمع بل المراد أن كل جنس من الحيوان له صوت وأنكر أصوات هذه الأجناس صوت هذا الجنس فوجب توحيده ٢٠{ألم تروا أن اللّه سخر لكم ما في السماوات} يعنى الشمس والقمر والنجوم والسحاب وغير ذلك {وما في الأرض} يعنى البحار والأنهار والمعادن والدواب وغير ذلك {وأسبغ} وأتم {عليكم نعمه} مدنى وأبو عمرو وسهل وحفص نعمته وغيرهم والنعمة كل نفع قصد به الإحسان {ظاهرة} بالمشاهدة {وباطنه} ما لا يعلم إلا بدليل ثم قيل الظاهرة البصر والسمع واللسان وسائر الجوارح الظاهرة والباطنة القلب والعقل والفهم وما أشبه ذلك ويروى فى دعاء موسى عليه السلام إلهى دلنى على أخفى نعمتك على عبادك فقال أخفى تعمتى عليهم النفس وقبل تخفيف الشرائع وتضعيف الذرائع والخلق والخلق ونيل العطايا وصرف البلايا وقبول الخلق ورضا الرب وقال ابن عباس الظاهرة ما سوى من خلقك والباطنة ما ستر من عيوبك {ومن الناس من يجادل في اللّه بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير} نزلت فى النضر بن الجرث وقد مر فى الحج ٢١{وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل اللّه قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير} معناه أيتبعونهم ولو كان الشيطان يدعوهم أى فى حال دعاء الشيطان اياهم الى العذاب ٢٢{ومن يسلم وجهه إلى اللّه} عدى هنا بالى وفى بلى من أسلم وجهه للّه باللام فمعناه مع اللام أنه جعل وجهه وهوذاته ونفسه سالما للّه أى خالصا له ومعناه مع إلى أنه سلم إليه نفسه كما يسلم المتاع إلى الرجل إذا دفع اليه والمراد التوكل عليه والتفويض اليه {وهو محسن} فيما يعمل {فقد استمسك} تمسك وتعلق {بالعروة} هى ما يعلق به الشيء {الوثقى} تأنيث الا وثق مثل حال المتوكل بحال من أراد أن يتدلى من شاهق فاحتاط لنفسه بأن استمسك بأوثق عروة من حبل متين مأمون انقطاعه {وإلى اللّه عاقبة الأمور} أى هى صائرة اليه فيجازى عليها ٢٣{ومن كفر} ولم يسلم وجهه للّه {فلا يحزنك كفره} من حزن يحزنك نافع من أحزن أى لا يهمنك كفر من كفر {إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا} فنعاقبهم على أعمالهم {إن اللّه عليم بذات الصدور} ان اللّه يعلم ما فى صدور عباده فيفعل بهم على حسبه ٢٤{نمتعهم} زمانا {قليلا} بدنياهم {ثم نضطرهم} نلجئهم {إلى عذاب غليظ} شديد شبه الزامهم التعذيب وارهاقهم إياه باضطرار المضطر الى الشيء والغلظ مستعار من الاجرام الغيظة والمراد الشدة والثقل على العذب ٢٥{ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن اللّه قل الحمد للّه} الزام لهم على اقرارهم بأن الذى خلق السموات والارض هو اللّه وحده وأنه يجب ان يكون له الحمد والشكر وأن لا يعبد معه غيره ثم قال {بل أكثرهم لا يعلمون} أن ذلك يلزمهم واذا نبهوا عليه لم يتنبهوا ٢٦{للّه ما في السماوات والأرض إن اللّه هو الغني} عن حمد الحامدين {الحميد} المستحق للحمد وان لم يحمدوه قال المشركون ان هذا أى الوحى كلام سينفد فأعلم اللّه أن كلامه لا ينفد بقوله ٢٧{ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات اللّه} والبحر بالنصب أبو عمرو ويعقوب عطفا على اسم أن وهو ما والرفع على محل أن ومعمولها أى ولو ثبت كون الاشجار أقلاما وثبت البحر ممدودا بسبعة ابحر أو على الابتداء والواو للحال على معنى ولو أن الاشجار أقلام فى حال كون البحر ممدودا وقرىء يمده وكان مقتضى الكلام أن يقال ولو ان الشجر أقلام والبحر مداد لكن أعنى عن ذكر المداد قوله يمده لأنه من قولك مد الدواة وامدها جعل البحر الاعظم بمنزلة الدواة وجعل الابحر السبعة مملوأة مدادا فهى نصب فيه مدادها أبدا صبالا ينقطع والمعنى ولو أن اشجار الارض أقلام والبحر ممدودا بسبعة أبحر وكتبت بتلك الاقلام وبذلك المداد كلمات اللّه لما نفدت كلماته ونفدت الاقلام والمداد كقوله قل لوكان البحر مدادا لكلمات ربى لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربى فان قلت رعمت أن قوله والبحر يمده حال فى أحد وجهى الرفع وليس فيه ضمير راجع إلى ذى الحال قلت هو كقولك جئت والجيش مصطف وما أشبه ذلك من الأحوال التى حكمها حكم الظروف وانما ذكر شجرة على التوحيد لأنه أريد تفصيل الشجر وتقصيها شجرة شجرة حتى لا يبقى من جنس الشجر ولا واحدة الا وقد بريت أقلاما وأوثر الكلمات وهى جمع قلة على الكلم وهى جمع كثيرة لأن معناه ان كلماته لا تفى بكتبتها البحار فكيف بكلمة {أن اللّه عزيز} لا يعجزه شيء {حكيم} لا يخرج من علمه وحكمته شيء فلا تنفد كلماته وحكمه ٢٨{ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة} الا كخلق نفس واحدة وبعث نفس واحدة فحذف للعلم به أى سواء فى قدرته القليل والكثير فلا يشغله شأن عن شأن {إن اللّه سميع} لقول المشركين انه لا بعث {بصير} بأعمالهم فيجازنهم ٢٩{ألم تر أن اللّه يولج الليل في النهار} يدخل ظلمة الليل فى ضوء النهار اذا أقبل الليل {ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر} لمنافع العباد {كل} أى كل واحد من الشمس والقمر {يجري} فى فلكه ويقطعه {إلى أجل مسمى} إلى يوم القيامة أو الى وقت معلوم الشمس إلى آخر السنة والقمر الى آخر الشهر {وأن اللّه بما تعملون خبير} وبالياء عياش دل أيضا بتعاقب الليل والنهار وزيادتهما ونقصانهما وجرى النيرين فى فلكيهما على تقدير وحساب وباحاطته بجميع أعمال الخلق على عظم قدرته وكمال حكمته ٣٠{ذلك بأن اللّه هو الحق وأن ما يدعون} بالياء عراقى فى غير أبى بكر {من دونه الباطل وأن اللّه هو العلي الكبير} أى ذلك الوصف الذى وصف به من عجائب قدرته وحكمته التى يعجز عنها الاحياء القادرون العالمون فكيف بالجماد الذى يدعونه من دون اللّه إنما هو بسبب أنه هو الحق الثابت الالهية وأن من دونه باطل الالهية وأنه هو العلى الشأن الكبير السلطان ٣١{ألم تر أن الفلك} وقرىء الفلك وكل فعل يجوز فيه فعل كما يجوز فى كل فعل فعل {تجري في البحر بنعمة اللّه} باحسانه ورحمته أو بالريح لأن الريح من نعم اللّه {ليريكم من آياته} عجائب قدرته فى البحر إذا ركبتموها {إن في ذلك لآيات لكل صبار} على بلائه {شكور} لنعمائه وهما صفتا المؤمن فالايمان نصفان نصفه شكر ونصفه صبر فكانه قال إن فى ذلك لآيات لكل مؤمن ٣٢{وإذا غشيهم} أى الكفار {موج كالظلل} الموج يرتفع فيعود مثل الظلل والظلة كل ما أظلك من جبل أو سحاب أو غيرهما {دعوا اللّه مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد} أى باق على الايمان والاخلاص الذى كان منه ولم يعد إلى الكفر أو مقتصد فى الاخلاص الذى كان عليه فى البحر يعنى أن ذلك الاخلاص الحادث عند الخوف لا يبقى لأحد قط والمقتصد قليل نادر {وما يجحد بآياتنا} أى بحقيقتها {إلا كل ختار} غدار والختر أقبح الغدر {كفور} لربه ٣٣{يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده} لا يقضى عنه شيئا والمعنى لا يجزى فيه فحذف {ولا مولود هو جاز عن والده شيئا} وارد على طريق من التوكيد لم يرد عليه ما هو معطوف عليه لأن الجملة الاسمية آكد من الجملة الفعلية وقد انضم إلى ذلك قوله هو وقوله مولود والسبب فى ذلك أن الخطاب للمؤمنين وعليهم قبض آباؤهم على الكفر فأريدهم اطماعهم أن ينفعوا آباءهم بالشفاعة فى الآخرة ومعنى التأكد فى لفظ المولود أن الواحد منهم لو شفع للاب الادنى الذى ولد منه لم تقبل شفاعته فضلا أن يشفع لأجداده إذ الولد يقع على الولد وولد الولد بخلاف المولود فإنه لمن ولد منك كذ انى الكشاف {إن وعد اللّه} بالبعث والحساب والجزاء {حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا} بزينتها فان نعمتها دانية ولدتها فانية {ولا يغرنكم باللّه الغرور} الشيطان أو الدنيا أو الأمل ٣٤{إن اللّه عنده علم الساعة} أى وقت قيامها {وينزل} بالتشديد شامى ومدنىوعاصم وهو عطف على ما يقتضيه الظرف من الفعل تقديره ان اللّه يثبت عنده علم الساعة وينزل {الغيث} فى ابانه من غير تقديم ولا تأخير {ويعلم ما في الأرحام} أذكر أم أنثى وتام ناقص {وما تدري نفس} برة أو فاخرة {ماذا تكسب غدا} من خير أو شر وربما كانت عازمة على خير فعملت شرا أو عازمة على شر فعملت خيرا {وما تدري نفس بأي أرض تموت} أى أين تموت وربما أقامت بأرض وضربت أو تادها وقالت لا أبرحها فترمى بها مرامى القدر حتى تموت فى مكان لم يخطر ببالها روى أن ملك الموت مر على سليمان فجعل ينظر إلى رجل من جلسائه فقال الرجل من هذا قال له ملك الموت قال كانه يريدنى وسأل سليمان عليه السلام أن يحمله على الريح ويلقيه ببلاد الهند ففعل ثم قال ملك الموت لسليمان كان دوام نظرى إليه تعجبا منه لأنى أمرت أن أقبض روحه بالهند وهو عندك وجعل العلم للّه والدراية للعبيد لما فى الدراية من معنى الختل والحيلة والمعنى أنها لا تعرف وان أعملت حيلها ما يختص بها ولا شيء أخص بالانسان من كسبه وعاقبته فإذا لم يكن له طريق إلى معرفتهما كان معرفة ما عداهما أبعد وأما المنجم الذى يخبر بوقت الغيث والموت فانه يقول بالقياس والنظر فى الطالع وما يدرك بالدليل لا يكون غيبا على أنه مجرد الظن والظن غير العلم وعن النبى صلى اللّه عليه وسلم مفاتح الغيب خمس وتلا هذه الآية وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما من ادعى علم هذه الخمسة فقد كذب ورأى المنصور فى منامه صورة ملك الموت وسأله عن مدة عمره فأشار بأصابعه الخمس فعبرها المعبرون بخمس سنوات وبخمسة أشهر وبخمسة أيام فقال أبو حنيفة رضى اللّه عنه هو اشارة إلى هذه الآية فإن هذه العلوم الخمسة لا يعلمها إلا اللّه {إن اللّه عليم} بالغيوب {خبير} بما كان ويكون وعن الزهرى رضى اللّه تعالى عنه أكثروا قر اءة سورة لقمان فإن فيها أعاجبب واللّه أعلم |
﴿ ٠ ﴾