تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل

أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م)

_________________________________

سورة الأحزاب

مدنية وهى ثلاث وسبعون آية بسم اللّه الرحمن الرحيم

قال ابى بن كعب رضى اللّه عنه لزركم تعدون سورة الأحزاب قال ثلاثا وسبعين قال فو الذى يحلف به أبى ان كانت لتعدل سورة البقرة أو أطول ولقد قرأنا منها آية الرجم الشيخ والشيخة إذا زينا فارجموهما البتة نكالا من اللّه واللّه عزيز حكيم أراد ابى أن ذلك من جملة ما نسخ من القرآن واما ما يحكى أن تلك الزيادة كانت فى صحيفة فى بيت عائشة رضىاللّه عنها فاكلتها الداجن فمن تأليفات الملاحدة والروافض

_________________________________

{يا أيها النبي} وبالهمز نافع أى يا أيها المخبر عنا المأمون على اسرارنا المبلغ

الأحزاب ( ٤ - ١ )

خطابنا إلى أحبابنا وإنما لم يقل يا محمد كما قال يا آدم يا موسى تشريفا له وتنويها بفضله وتصريحه باسمه فى قوله محمد رسول اللّه ونحوه لتعليم الناس بأنه رسول اللّه

{اتق اللّه} اثبت على تقوى اللّه ودم عليه وازدد منه فهو باب لايدرك مداه

{ولا تطع الكافرين والمنافقين} ولا تساعدهم على شئ واحترس منهم فإنهم اعداء اللّه والمؤمنين وروى أن أبا سفيان وعكرمة بن أبى جهل وأبا الاعور السلمى قدموا المدينة بعد قتال احد فنزلوا على عبد اللّه بن أبى واعطاهم النبى الامان على أن يكلموه فقالوا ارفض ذكر آلهتنا وقل أنها تنفع وتشفع ووازرهم المنافقون على ذلك فهم المسلمون بقتلهم فنزلت أى اتق اللّه فى نقض العهد ولا تطع الكافرين من اهل مكة والمنافقين من أهل المدينة فيما طلبوا

{إن اللّه كان عليما} بخبث أعمالهم

{حكيما} فى تأخير الأمر بقتالهم

٢

{واتبع ما يوحى إليك من ربك} فى الثبات على التقوى وترك طاعة الكافرين والمنافقين

{إن اللّه} الذى يوحى إليك

{كان بما تعملون خبيرا} أى لم يزل عالما بأعمالكم وقيل إنما جمع لأن المراد بقوله اتبع هو وأصحابه وبالياء أبو عمرو أى بما يعمل الكافرون والمنافقون من كيدهم لكم ومكرهم بكم

٣

{وتوكل على اللّه} اسند امرك إليه وكله إلى تدبيره

{وكفى باللّه وكيلا} حافظا موكولا إليه كل امر وقال الزجاج لفظه وان كان لفظ الخبر فالمعنى اكتف باللّه وكيلا

٤

{ما جعل اللّه لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم} أى ما جمع اللّه قلبين فى جوف ولا زوجية وامومة فى امرأة ولا بنوة ودعوة فى رجل والمعنى أنه تعالى كما لم يجعل لإنسان قلبين لأنه لا يخلو اما أن يفعل بالآخر فعلا من أفعال القلوب فاحدهما فضلة غير محتاج اليه واما أن يفعل بهذا غير ما يفعل بذاك فذلك يؤدى إلى اتصاف الجملة بكونه مريدا كارها عالما ظانا موقنا شاكا فى حالة واحدة لم يحكم أيضا ان تكون المرأة الواحدة اما لرجل زوجا له لأن الأم مخدومة والمرأة خادمة وبينهما مغافاة وأن يكون الرجل الواحد دعيا لرجل وابنا له لأن البنوة اصالة فى النسب والدعوة الصدق عارض بالتسمية لا غير ولا يجتمع فى الشيء الواحد أن يكون أصيلا غير أصيل وهذا مثل ضربه اللّه تعالى فى زيد بن حارثة وهو رجل من كلب صبى ضغير فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة فلما تزوجها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهبته له فطلبه أبوه وعمه فخير فاختار رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فاعتقه وتبناه وكانوا يقولون زيد بن محمد فلما تزوج النبى صلى اللّه عليه وسلم زينب وكانت تحت زيد قال المنافقون تزوج محمد امرأة ابنه وهو ينهى عنه فانزل اللّه هذه الآية وقيل كان المنافقون يقولون لمحمد قلبان قلب معكم وقلب مع أصحابه وقيل كان أبو معمر أحفظ العرب فقيل له ذو القلبين فاكذب اللّه قولهم وضربه مثلا فى الظهار والتبنى والتنكير فى رجل وادخال من الاستغراقيه على قلبين وذكر الجواب للتاكيد اللائى بياء بعد الهمزة حيث كان كوفى وشامى اللاء نافع ويعقوب وسهل وهى جمع التى تظاهرون عاصم من ظاهر إذا قال لامرأته أنت على كظهر أمى تظاهرون على وحمزة وخلف تظاهرون شامى من أظاهر بمعنى تظاهرغيرهم تظهرون من أظهر بمعنى ظهر وعدى بمن لتضمنه معنى البعد لأنه كان طلاقا فى الجاهلية ونظيره آلى من امرأته لما ضمن معنى التباعد عدى بمن والافآلى فى أصله الذى هو معنى حلف وأقسم ليس هذا بحكمه والدعى فعيل بمعنى مفعول وهو الذى يدعى ولدا وجمع على أفعلاء شاذا لأن بابه ما كان منه بمعنى فاعل كتقى وأتقياء وشقى وأشقياء ولا يكون ذلك فى نحو رمى وسمى للتشبيه اللفظى

{ذلكم قولكم بأفواهكم} أى إن قولكم للزوجة هى أم وللدعى هو ابن قول تقولونه بالسنتكم لا حقيقه له إذ الابن يكون بالولادة وكذا الأم

{واللّه يقول الحق} أى ما حق ظاهره وباطنه

{وهو يهدي السبيل} أى سبيل الحق ثم قال ما هو الحق وهدى إلى ما هو سبيل الحق وهو قوله

٥

{ادعوهم لآبائهم هو أقسط} أعدل

{عند اللّه} وبين أن دعاءهم لآبائهم هو أدخل الأمرين فى القسط والعدل وقيل كان الرجل فى الجاهلية إذا أعجبه ولد الرجل ضمه إلى نفسه وجعل له مثل نصيب الذكر من أولاده من ميراثه وكان ينسب اليه فيقال فلان ابن فلان ثم انظر إلى فصاحة هذا الكلام حيث وصل الجملة الطلبية فصل الخبرية عنها ووصل بيها ثم فصل الاسمية عنها ووصل بينها ثم فصل بالطلبية

{فإن لم تعلموا آباءهم} فإن لم تعلموا لهم آباء تنسبونهم اليهم

{فإخوانكم في الدين ومواليكم} أى فهم إخوانكم فى الدين وأولياؤكم فى الدين فقالوا هذا أخى وهذا مولاى ويا أخى ويامولاى يريد الاخوة فى الدين والولاية فيه

{وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به} أى لا اثم عليكم فيما فعلتموه من ذلك مخطئين جاهلين قبل ورود النهى

{ولكن ما تعمدت قلوبكم} ولكن الاثم عليكم فيما تعمدتموه بعد النهى أولا اثم عليكم إذا قلتم لولد غيركم يا بنى على سبيل الخطأ وسبق اللسان ولكن إذا قلتموه متعمدين وما فى موضع الجر عطف على ما الأولى ويجوز أن يراد العفو عن الخطأ دون العمد على سبيل العموم ثم تناول لعمومه خطأ التبنى وعمده وإذا وجد التبنى فان كان المتبنى مجهول النسب وأصغر سنامنه ثبت نسبه منه وعتق ان كان عبدا له وان كان أكبر سنامنه لم يثبت النسب وعتق عند ابى حنيفة رضى اللّه عنه وأما المعروف النسب فلا يثبت نسبه بالتبنى وعتق ان كان عبدا

{وكان اللّه غفورا رحيما} لا يؤاخذكم بالخطأ ويقبل التوبة من المتعمد

٦

{النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} أى أحق بهم فى كل شيء من أمور الدين والدنيا وحكمه أنفذ عليهم من حكمها فعليهم ان يبذلوها دونه ويجعلوها فداءه أو هو أولى بهم أى أرأف بهم وأعطف عليهم وأنفع لهم كقوله بالمؤمنين رءوف رحيم وفى قراءة ابن مسعود النبى أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم وقال مجاهد كل نبى أبو أمته ولذلك صار المؤمنون أخوة لأن النبى صلى اللّه عليه وسلم أبوهم فى الدين

{وأزواجه أمهاتهم} فى تحريم نكاحهن ووجوب تعطيمهن وهن فيما وراء ذلك كالارث ونحوه كالاجنبيات ولهذا لم يتعد التحريم إلى بناتهن

{وأولو الأرحام} وذووالقراباب

{بعضهم أولى ببعض} فى التوارث وكان المسلمون فى صدر الإسلام يتوارثون بالولاية فى الدين وبالهجرة لا بالفرابة ثم نسخ ذلك وجعل التوارث بحق القرابة

{في كتاب اللّه} فى حكمه وقضائة أو فى اللوح المحفوظ أو فيما فرض اللّه

{من المؤمنين والمهاجرين} يجوز أن يكون بيانا لأولى الارحام أى الاقرباء من هؤلاء بعضهم أولى بأن يرث بعضها من الاجانب وأن يكون لا بتداء الغاية أى أولوا الارحام بحق القرابة أولى بالميراث من المؤمنين أى الانصار بحق الولاية فى الدين من المهاجرين بحق الهجرة

{إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا} الاستثناء من خلاف الجنس أى لكن فعلكم إلىأوليائكم معروفا جائز وهو أن توصوا لمن أحببتم من هؤلاء بشيء فيكون ذلك بالوصية لا بالميراث وعدى تفعلوا بالى لأنه فى معنى تسدوا والمراد بالأولياء المؤمنون والمهاجرون للولاية فى الدين

{كان ذلك في الكتاب مسطورا} أى التوارث بالارحام كان مسطورا فى اللوح

٧

{وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم} واذكر حين أخذنا من النبيين ميثاقهم بتبليغ الرسالة والدعاء إلى الدين القيم

{ومنك} خصوصا وقدم رسول اللّه على نوح ومن بعده لأن هذا العطف لبيان فضيلة هؤلاء لأنهم أولو العزم وأصحاب الشرائع فلما كان محمد صلى اللّه عليه وسلم أفضل هؤلاء قدم عليهم ولولا ذلك لقدم من

{ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا} قدمه زمانه

{ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا} وثيقا وأعاد ذكر الميثاق لانضمام الوصف إليه وإنما فعلنا ذلك

٨

{ليسأل} اللّه

{الصادقين} اى الانبياء

{عن صدقهم} عما قالوه لقومهم أو ليسأل المصدقين للأنبياء عن تصديقهم لأن من قال الصادق صدقت كان صادقا فى قوله اوليسأل الانبياء ما الذى أجابتهم أممهم وهو كقوله يوم يجمع اللّه الرسل فيقول ماذا أجبتم

{وأعد للكافرين} بالرسل

{عذابا أليما} وهو عطف على أخذنا لأن المعنى ان اللّه اكد على الانبياء الدعوة إلى دينه لأجل إثابة المؤمنين وأعد للكافرين عذابا أليما أو على مادل عليه ليسأل الصادقين كانه قال فاثاب المؤمنين وأعد للكافرين

٩

{يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة اللّه عليكم} أى ما أنعم اللّه به عليكم يوم الاحزاب وهو يوم الخندق وكان بعد حرب أحد بسنة

{إذ جاءتكم جنود} أى الأحزاب وهم قريش وغطفان وقريظة والنصير

{فأرسلنا عليهم ريحا} أى الصبا قال عليه السلام نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور

{وجنودا لم تروها} وهم الملائكة وكانوا الفا بعث اللّه عليهم صبا باردة فى ليلة شاتية فاخصرتهم واسفت التراب فى وجوههم وأمر الملائكة فقلعت الاوتاد وقطعت الاطنان وأطفأت النيران وأكفأت القدور وماجت الخيل بعضها فى بعض وقذف فى قلوبهم الرعب وكبرت الملائكة فى جوانب عسكرهم فانهزموا من غير قتال وحين سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم باقبالهم ضرب الخندق على المدينة باشارة سلمان ثم خرج فى ثلاثة آلاف من المسلمين فضرب معسكره والخندق بينه وبين القوم وامر بالذرارى والنسوان فرفعوا فى الآطام واشتد الخوف وكان قريش قد اقبلت فى عشرة آلاف من الاحابيش وبنى كنانة وأهل تهامة وقائدهم أبو سفيان وخرج غطفان فى الف ومن تابعهم من أهل نجد وقائدهم عيبنة بن حصن وعامربن الطفيل فى هوازن وضامتهم اليهود من قريظة والنضير ومضى على الفريقين قريب من شهر لا حرب بينهم الا الترامى بالنبل والحجارة حتى انزل اللّه النصر

{وكان اللّه بما تعملون} أى بعملكم أيها المؤمنون من التحصن بالخندق والثبات على معاونة النبى صلى اللّه عليه وسلم

{بصيرا} وبالياء أبو عمرو أى بما يعمل الكفار من البغى والسعى فى اطفاء نور اللّه

١٠

{إذ جاؤوكم} بدل من اذ جاءتكم

{من فوقكم} أى من أعلى الوادى من قبل المشرق بنو غطفان

{ومن أسفل منكم} من اسفل الوادى من قبل المغرب قريش

{وإذ زاغت الأبصار} مالت عن سننها ومستوى نظرها حيرة أو عدلت عن كل شيء فلم تلتفت الا إلى عدوها لشدة الروع

{وبلغت القلوب الحناجر} الحنجرة رأس الغلصمة وهى منتهى الحلقوم والحلقوم مدخل الطعام والشراب قالوا إذا انتفخت الرئة من شدة الفزع أو الغضب ربت وارتفع القلب بارتفاعها إلى رأس الحنجرة وقيل هو مثل فى اضطراب القلوب وإن لم تبلغ الحناجر حقيقة روى أن المسلمين قالوا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هل من شيء تقوله فقد بلغت القلوب الحناجر قال نعم قولوا اللّهم استرعوراتنا وآمن روعاتنا

{وتظنون باللّه الظنونا} خطاب للذين آمنوا ومنهم الثبت القلوب والاقدام والضعاف القلوب الذين هم على حرف والمنافقون فظن الأولون باللّه أنه يبتليهم فخافوا الزال وضعف الاحتمال وأما الآخرون فظنوا باللّه ما حكى عنهم قرأ أبو عمرو وحمزة الظنون بغير ألف فى الوصل والوقف وهو القياس وبالألف فيهما مدنى وشامى وأبو بكر اجراء للوصل مجرى الوقف وبالألف فى الوقف مكى وعلى وحفص ومثله الرسولا والسبيلا زادوها فى الفاصلة كما زادوها فى القافية من قال أفلى اللوم عاذل والعقابا وهن كلهن فى الامام بالألف

١١

{هنالك ابتلي المؤمنون} امتحنوا بالصبر علىا لإيمان

{وزلزلوا زلزالا شديدا} وحركوا بالخوف تحريكا بليغا

١٢

{وإذ يقول المنافقون} عطف على الأول

{والذين في قلوبهم مرض} قيل هو وصف المنافقين بالواو كقوله

إلى الملك القوم وابن الهمام وليث الكتيبة فى المزدحم

وقيل هم قوم لا بصيرة لهم فى الدين كان المنافقون يستميلونهم بإدخارالشبه عليهم

{ما وعدنا اللّه ورسوله إلا غرورا} روى أن معتب بن قشير حين رأى الأحزاب قال يعدنا محمد فتح فارس والروم واحدنا لا يقدر أن يتبر زفرقا ما هذا إلا وعد غرور

١٣

{وإذ قالت طائفة منهم} من المنافقين وهم عبد اللّه بن أبى وأصحابة

{يا أهل يثرب} هم أهل المدينة

{لا مقام لكم} وبضم الميم حفص أى لافرار لكم ههنا ولا مكان تقومون فيه أو تقيمون

{فارجعوا} عن الإيمان إلى الكفر أو من عسكر رسول اللّه إلى المدينة

{ويستأذن فريق منهم النبي} أى بنو حارثة

{يقولون إن بيوتنا عورة} أى ذات عورة

{وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا} العورة الخلل والعورة ذات العورة وهى قراءة ابن عباس يقال عور المكان عورا إذا بدا منه خلل يخاف منه العدو والسارق ويجوز أن يكون عورة تخفيف عورة اعتذرو أن بيوتهم عرضة للعدو والسارق لأنها غير محصنة فاستأذنوه ليحصنوها ثم يرجعوا إليه فأكذبهم اللّه بأنهم لايخاقون ذلك وإنما يريدون الفرار من القتال

١٤

{ولو دخلت عليهم} المدينة أو بيوتهم من قولك دخلت على فلان داره

{من أقطارها} من جوانبها أى ولو دخلت هذه العساكر المتحزبة التى يفرون خوفا منها مدينتهم أو بيوتهم من نواحيها كلها وانثالت على أهاليهم وأولادهم ناهبين سابين

{ثم سئلوا} عند ذلك الفزع

{الفتنة} أى الردة والرجعة إلىالكفر ومقاتلة المسلمين

{لآتوها} لأعطوها لا توها بلا مد حجازى أى لجاءوها وفعلوها

{وما تلبثوا بها} بإجابتها

{إلا يسيرا} ريثما يكون السؤال والجواب من غير توقف أو مالبثوا بالمدينة بعد ارتدادهم إلا يسيرا فإن اللّه يهلكهم والمعنى أنهم يتعللون باعورار بيوتهم ليفروا عن نصرة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والمؤمنين وعن مصافة الأحزاب الذين ملؤوهم هولا ورعبا هؤلاء الأحزاب كما هم لو كبسوا عليهم أرضهم وديارهم وعرض عليهم الكفر وقيل لهم كونوا على المسلمين لسارعوا إليه وما تعللوا بشيء وما ذلك إلا لمعتهم الإسلام وحبهم الكفر

١٥

{ولقد كانوا عاهدوا اللّه من قبل} أى بنو حارثة من قبل الخندق أو من قبل نظرهم إلى الأحزاب

{لا يولون الأدبار} منهزمين

{وكان عهد اللّه مسؤولا} مطلوبا مقتضى حتى يوفى به

١٦

{قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلا} أى إن كان حضر اجلكم لم ينفعكم الفرار وإن لم بحضر وفررتم لم تمتعوا فى الدنيا إلا قليلا وهو مدة أعماركم وذلك قليل وعن بعض المروانية أنه مر بحائط مائل فأسرع فتليت له هذه الآية فقال ذلك القليل نطلب

١٧

{قل من ذا الذي يعصمكم من اللّه} أى مما أراد اللّه انزله بكم

{إن أراد بكم سوءا} فى أنفسكم من قتل أو غيره

{أو أراد بكم رحمة} أى إطالة عمر فى عافية وسلامة أو من يمنع اللّه من أن يرحمكم إن أراد بكم رحمة لما فى العصمة من معنى المنع

{ولا يجدون لهم من دون اللّه وليا ولا نصيرا} ناصرا

١٨

{قد يعلم اللّه المعوقين منكم} أى من يعوق عن نصرة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أى يمنع وهم المنافقون

{والقائلين لإخوانهم} فى الظاهر من المسلمين

{هلم إلينا} أى قربوا أنفسكم إلينا ودعوا محمدا وهى لغة أهل الحجاز فإنهم يسوون فيه بين الواحد والجماعة وأما تميم فيقولون هلم يا رجل وهلموا يا رجال وهو صوت سمى به فعل متعد نحو أحضر وقرب

{ولا يأتون البأس} أى الحرب

{إلا قليلا} الا اتيانا قليلا أى يحضرون ساعة رياء يقفون قليلا مقدار ما يرى شهودهم ثم بنصرفون

١٩

{أشحة} جمع شحيح وهو البخيل نصب على الحال من الضمير فى يأتون أى يأتون الحرب بخلاء

{عليكم} بالظفر والغنيمة

{فإذا جاء الخوف} من قبل العدو أو منه عليه السلام

{رأيتهم ينظرون إليك} فى تلك الجملة

{تدور أعينهم} يمينا وشمالا

{كالذي يغشى عليه من الموت} كما ينظر المغشى عليه من معالجة سكرات الموت حذرا وخوفا ولو اذا بك

{فإذا ذهب الخوف} زال ذلك الخوف وأمنوا وحيزت الغنائم

{سلقوكم بألسنة حداد} خاطبوكم مخاطبة شديدة وآذوكم بالكلام خطيب مسلق فصيح ورجل مسلاق مبالغ فى الكلام أى يقولون وفروا فسمتنا فانا قد شاهدناكم وقاتلنا معكم وبمكاننا غلبتم عدوكم

{أشحة على الخير} أى خاطبوكم أشحة على المال والغنيمة وأشحة حال من فاعل سلقوكم

{أولئك لم يؤمنوا} فى الحقيقة بل بالألسنة

{فأحبط اللّه أعمالهم} أبطل باضمارهم الكفر ما أظهروه من الأعمال

{وكان ذلك} احباط أعمالهم

{على اللّه يسيرا} هينا

٢٠

{يحسبون الأحزاب لم يذهبوا} أى لجبنهم يظنون أن الاحزاب لم ينهزموا ولم ينصرفوا مع أنهم قد انصرفوا

{وإن يأت الأحزاب} كرة ثانية

{يودوا لو أنهم بادون في الأعراب} البادون جمع المبادى أى يتمنى المنافقون لجنهم أنهم خارجون من المدينة إلى البادية حاصلون بين الاعراب ليأمنوا على أنفسهم ويعتزلوا مما فيه الخوف من القتال

{يسألون} كل قادم منهم من جانب المدينة

{عن أنبائكم} عن أخباركم وعما جرى عليكم

{ولو كانوا فيكم} ولم يرجعوا إلى المدينة وكان قتال

{ما قاتلوا إلا قليلا} رياء وسمعة

٢١

{لقد كان لكم في رسول اللّه أسوة حسنة} بالضم حيث كان عاصم أى قدوة وهو المؤتسى به أى المفتدى به كما تقول فى البينة عشرون منا حديدا أى هى فى نفسها هذا المبلغ من الحديد أو فيه خصلة من حقها أن يؤتسى بها حيث قاتل بنفسه

{لمن كان يرجو اللّه واليوم الآخر} يخاف اللّه ويخاف اليوم الآخر أو يأمل ثواب اللّه ونعيم اليوم الآخر قالوا لمن يدل من لكم وفيه ضعف لأنه لا يجوز البدل من ضمير المخاطب وقيل لمن يتعلق بحسنة أى أسوة حسنة كائنة لمن كان

{وذكر اللّه كثيرا} أى فى الخوف والرجاء والشدة والرخاء

٢٢

{ولما رأى المؤمنون الأحزاب} وعدهم اللّه أن يزلزلوا حتى يستغيثوه ويستنصروه بقوله أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم إلى قوله قريب فلما جاء الاحزاب واضطربوا ورعبوا الرعب الشديد

{قالوا هذا ما وعدنا اللّه ورسوله وصدق اللّه ورسوله} وعلموا أن الغلبة والنصرة قد وجبت لهم وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما أن النبى صلى اللّه عليه وسلم قال لأصحابه ان الاحزاب سائرون اليكم فى آخر تسع ليال أو عشر فلما رأوهم قد أقبلوا للميعاد قالوا ذلك وهذا إشارة إلى الخطب والبلاء

{وما زادهم} ما رأوا من اجتماع الاحزاب عليهم ومجيئهم

{إلا إيمانا} باللّه وبمواعيده

{وتسليما} لقضائه وقدره

٢٣

{من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه} أى فيما عاهدوه عليه فحذف الجار كما فى المثل صدقنى سن بكره أى صدقنى فى سن بكره بطرح الجار وإيصال الفعل نذر رجال من الصحابة أنهم إذا لقوا حربا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثبتوا وقاتلوا حتى يستشهدوا وهم عثمان بن عفان وطلحة وسعد بن زيد وحمزة ومصعب وغيرهم

{فمنهم من قضى نحبه} أى مات شهيدا كحمزة ومصعب وقضاء النحب صار عبارة عن الموت لأن كل حى من المحدثات لا بد له أن يموت فكانه نذر لازم فى رقبته فإذا مات فقد مضى نحبه أى نذره

{ومنهم من ينتظر} الموت أى على الشهادة كعثمان وطلحة

{وما بدلوا} العهد

{تبديلا} ولا غيروه لا المستشهد ولا من ينتظر الشهادة وفيه تعريض لمن بدلوا من أهل النفاق ومرضى القلوب كما مر فى قوله تعالى ولقد كانوا عاهدوا اللّه من قبل لا يولون الادبار

٢٤

{ليجزي اللّه الصادقين بصدقهم} بوفائهم بالعهد

{ويعذب المنافقين إن شاء} إذا لم يتوبوا

{أو يتوب عليهم} إن تابوا

{إن اللّه كان غفورا} بقبول التوبة

{رحيما} بعفو الحوبة جعل المنافقين كانهم قصدوا عاقبة السوء وأرادوها بتبديلهم كما قصد الصادقون عاقبة الصدق بوفائهم لأن كلا الفريقين مسوق إلى عاقبته من الثواب والعقاب فكانهما استويا فى طلبها والسعى فى تحصيلها

٢٥

{ورد اللّه الذين كفروا} الاحزاب

{بغيظهم} حال أى مغيظين كقوله تنبت بالدهن

{لم ينالوا خيرا} ظفر أى لم يظفروا بالمسلمين وسماه خيرا يزعمهم وهو حال أى غير ظافرين

{وكفى اللّه المؤمنين القتال} بالريح والملائكة

{وكان اللّه قويا عزيزا} قادرا غالبا

٢٦

{وأنزل الذين ظاهروهم} عاونوا الاحزاب

{من أهل الكتاب} من بنى قريظة

{من صياصيهم} من حصونهم الصيصية ما تحصن به روى ان جبريل عليه السلام اتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صبيحة الليلة التى انهوم فيها الاحزاب ورجع المسلمون إلى المدينة ووضعوا صلاحهم على فرسه الحيزوم والغبار على وجه الفرس وعلى السرج فقال ما هذا يا جبريل قال من متابعة قريش فقال يا رسول اللّه ان اللّه يأمرك بالمسير إلى بنى قريظة وانا عامد إليهم فإن اللّه داقهم دق البيض على الصفا وانهم لكم طمعة فاذن فى الناس ان من كان سامعا مطيعا فلا يصلى العصر إلا فى بنى قريظة فحاصروهم خمسا وعشرين ليلة فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تنزلون على حكمى فأبوا فقال على حكم سعد بن معاذ فرضوا به فقال سعد حكمت فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسى ذراريهم ونساؤهم فكبر النبى صلى اللّه عليه وسلم وقال لقد حكمت بحكم اللّه من فوق سبعة ارقعة ثم استنزلهم وخندق فى سوق المدينة خندقا وقدمهم فضرب اعناقهم وهم من ثمانمائة إلى تسعمائة وقيل كانوا ستمائة مقاتل وسبعمائة أسير

{وقذف في قلوبهم الرعب} الخوف وبضم العين شامى وعلى ونصب

{فريقا} بقوله

{تقتلون} وهم الرجال

{وتأسرون فريقا} وهم النساء والذرارى

٢٧

{وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم} أى المواشى والنقود والامتعه روى ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جعل عقارهم للمهاجرين دون الانصار وقال لهم انكم فى منازلكم

{وأرضا لم تطؤوها} بقصد القتال وهى مكة أو فارس والروم أو خيبرا وكل أرض إلى يوم القيامة

{وكان اللّه على كل شيء} قادرا

٢٨

{يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها} أى السعادة فى الدنيا وكثرة الأموال

{فتعالين} اصل تعال ان يقوله من فى المكان المرتفع لمن فى المكان المستوطى ثم كثر حتى استوى فى استعماله الامكنة ومعنى تعالين اقبلن بارادتكن واختياركن لأحد الأمرين ولم يرد تهوضهن إليه بأنفسهن كقوله قام يهددنى

{أمتعكن} اعطكن متعة الطلاق وتستحب المتعة لكل مطلقة الا المفوضة قبل الوط

{وأسرحكن} وأطلقكن

{سراحا جميلا} لا ضرار فيه أردن شيئا من الدنيا من ثياب وزيادة نفقة وتغايرن فغم ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فنزلت فبدأ بعائشة رضى اللّه عنها وكانت أحبهن إليه فخيرها وقرأ عليها القرآن فاختارت اللّه ورسولة والدار الآخرة فرؤى الفرح فى وجه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثم اختار جميعهن اختيارها وروى أنه قال لعائشة انى ذاكر لك أمر أو لا عليك أن تعجلى فيه حتى تستأمرى أبويك ثم قرأ عليها القرآن فقالت أفى هذا استأمر أبوى فانى أريد اللّه ورسوله والدار الآخرة وحكم التخير فى الطلاق أنه إذا قال لها اختارى فقالت اخترت نفسى أن تقع تطليقة بائنة وإذا اختارت زوجها لم يقع شئ وعن على رضى اللّه عنه إذا اختارت زوجها فواحدة رجعية وان اختارت نفسها فواحدة بائنة

٢٩

{وإن كنتن تردن اللّه ورسوله والدار الآخرة فإن اللّه أعد للمحسنات منكن} من البيان لا للتبعيض

{أجرا عظيما

٣٠

يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة} سيئة بليغة فى القبح

{مبينة} ظاهر فحثها من بين بمعنى تبين وبفتح الياء مكى وأبو بكرقيل هى عصيانهن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ونشوزهن وقيل الزنا واللّه عاصم رسوله من ذلك

{يضاعف لها العذاب} يضعف لها العذاب مكى وشامى يضعف أبو عمرو ويزيد ويعقوب

{ضعفين} ضعفى عذاب غيرهن من النساء لأن ما قبح من سائر النساء كان أقبح منهن فزيادة قبح المعصية تتبع زيادة الفضل وليس لأحد من النساء مثل فضل نساء النبى صلى اللّه عليه وسلم ولذا كان الذم المعاصى العالم أشد من العاصى الجاهل لأن المعصية من العالم اقبح ولذا فضل حد الاحرار على العبيد ولايرجم الكافر

{وكان ذلك} أى تضعيف العذاب عليهن

{على اللّه يسيرا} هينا

٣١

{ومن يقنت منكن للّه ورسوله} القنوت الطاعة

{وتعمل صالحا نؤتها} وبالياء فيهما حمزة وعلى

{أجرها مرتين} مثل ثواب غيرها

{وأعتدنا لها رزقا كريما} جليل القدر وهوالجنة

٣٢

{يا نساء النبي لستن كأحد من النساء} أى لستن كجماعة واحدة من جماعات النساء إذا تقصيت أمة النساء جماعة جماعة لم توجد منهن جماعة واحدة تساويكن فى الفضل وأحد فى الأصل وجد وهو الواحد ثم وضع فى النفى العام مسويا فيه المذكر والمؤنث والواحد وما وراء

{إن اتقيتن} أن أردتن التقوى أو ان كنتن متقيات

{فلا تخضعن بالقول} أى إذا كلمتن الرجال من وراء الحجاب فلا تجئن بقولكن خاضعا أى ليناخنثا مثل كلام المربيات

{فيطمع} بالنصب على جواب النهى

{الذي في قلبه مرض} ريبة وفجور

{وقلن قولا معروفا} حسنا مع كونه خشنا

{وقرن} مدنى وعاصم غير هبيرة وأصله اقررن فحذفت الراء تخفيفا وألقيت فتحتها على ما قبلها أو من فاريقا إذا اجتمع والباقون قرن من وقريقر وقادرا أو من قريقر حذفت الأولى من راءى اقررن اقرارا من التكرار نقلت كسرتها إلى القاف

٣٣

{ وَقَرْنَ في بيوتكن} بضم الباء بصرى ومدنى وحفص

{ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى} أى القديمة والتبرج التبختر فى المشى أو إظهار الزينة والتقدير ولاتبرجن تبرجا مثل تبرج النساء فى الجاهلية الأولى وهى الزمان الذى ولد فيه إبراهيم أو ما بين آدم ونوح عليهما السلام أو من داود وسليمان والجاهلية الأخرى ما بين عيسى ومحمد عليهما السلام أو الجاهلية الأولى جاهلية الكفر قبل الإسلام والجاهلية الأخرى جاهلية الفسوق والفجور فى الإسلام

{وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن اللّه ورسوله} خص الصلاة والزكاة بالأمر ثم عم بجميع الطاعات تفضيلالهما لأن من واظب عليهما جرتاه إلى ما وراءهما

{إنما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت} نصب على النداء أو على المدح وفيه دليل على أن نساءه من أهل بيته وقال عنكم لأنه أريد الرجال والنساء من آله بدلالة

{ويطهركم تطهيرا} من نجاسة الآثام ثم بين أنه إعانهاهن وأمرهن ووعظهن لئلا يقارف أهل بيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المآ ثم وليتصونوا عنها بالتقوى واستعار الذنوب الرجس والتقوى الطهر لأن عرض المقترف اللمقبحات يتلوث بها كما يتلوث بدنه بالارجاس وأما المحسنات فالغرض منها نقى كالثوب الطاهر وفيه تنفير لاولى الألباب عن المناهى وترغيب لهم فى الأوامر

٣٤

{واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات اللّه} القرآن

{والحكمة} أى السنة أو بيان معانى القرآن

{إن اللّه كان لطيفا} عالما بغوامض الأشياء

{خبيرا} عالما بحقائقها أى هو عالم بأفعالكن وأقوالكن فأحذرن مخالفة أمره ونهيه ومعصية رسوله ولما نزل فى نساء النبى صلى اللّه عليه وسلم ما نزل فينا شئ فنزلت

٣٥

{إن المسلمين والمسلمات} المسلم الداخل فى السلم بعد الحرب المنقاد الذى لا يعاند أو المفوض أمره إلى اللّه المتوكل عليه من أسلم وجهه إلى اللّه

{والمؤمنين} المصدقين باللّه ورسوله وبما يجب أن يصدق به

{والمؤمنات والقانتين} القائمين بالطاعة

{والقانتات والصادقين} فى النياب والاقوال والاعمال

{والصادقات والصابرين والصابرات} على الطاعات وعن السيآت

{والخاشعين} المتوضعين للّه بالقلوب والجوارح أو الخائفين

{والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات} فرضا ونفلا

{والصائمين والصائمات} فرضا ونفلا وقيل من تصدق فى كل أسبوع بدرهم فهو من المتصدقين ومن صام البيض من كل شهر فهو من الصائمين

{والحافظين فروجهم} عمالا يحل

{والحافظات والذاكرين اللّه كثيرا} بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير وقرأءة القرآن والاشتغال بالعلم من الذكر والمعنى والحافظات فروجهن

{والذاكرات} اللّه فحذف ادلالة ما تقدم عليه والفرق بين عطف الإناث علىالذكور وعطف الزوجين على الزوجين لأن الأول نظير قوله ثيبات وأبكارا فى أنهما جنسان مختلفان واشتركا فى حكم واحد فلم يكن بد من توسط العاطف بينهما وأما الثانى فمن عطف الصفة على الصفة بحرف الجمع ومعناه أن الجامعين والجامعات لهذه الطاعات

{أعد اللّه لهم مغفرة وأجرا عظيما} على طاعاتهم خطب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم زينب بنت جحش بنت عمته أميمة على مولاه زيد بن حارثة بأبت وأبى أخوها عبد اللّه فنزلت

٣٦

{وما كان لمؤمن ولا مؤمنة} أى وما صح لرجل مؤمن ولا امرأة مؤمنه

{إذا قضى اللّه ورسوله} أى رسول اللّه

{أمرا} من الأمور

{أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} أن يختاروا من أمرهم ما شاءوا بل من حقهم أن يجعلوا رأيهم تبعا لرأيه واختيارهم تلوا لاختياره فقال رضينا يا رسول اللّه فأنكحها إياه وساق عنه إليها مهرها وإنما جمع الضمير فى لهم وإن كان من حقه أن يوحد لأن المذكورين وقعا تحت النفى فعما كل مؤمن ومؤمنة فرجع الضمير إلى المعنى لا إلى اللفظ ويكون بالياء كوفى والخيرة ما يتخير ودل ذلك على أن الأمر للوجوب

{ومن يعص اللّه ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا} فان كان العصيان عصيان رد وامتناع عن القبول فهو ضلال كفر وإن كان عصيان فعل مع قبول الأمر واعتقاد الوجوب فهو ضلال خطأ وفسق

٣٧

{وإذ تقول للذي أنعم اللّه عليه} بالاسلام الذى هو أجل النعم

{وأنعمت عليه} بالاعتاق والتبنى فهو متقلب فى نعمة اللّه ونعمة رسولة وهو زيد بن حارثة

{أمسك عليك زوجك} زينب بنت جحش وذلك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أبصرها بعدما أنكح إياه فوقعت فى نفسه فقال سبحان اللّه مقلب القلوب وذلك أن نفسه كانت تجفو عنها قبل ذلك لا تريدها وسمعت زينب بالتسبيحة فذكرتها لزيد ففطن وألقى اللّه فى نفسه كراهة صحبتها والرغبة عنها لرسول اللّه فقال لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم انى أريد أن أفارق صاحبتى فقال مالك ارابك منها شئ قال لا واللّه ما رأيت منها الاخيرا ولكنها تتعظم على لشرفها وتؤذينى فقال له امسك عليك زوجك

{واتق اللّه} فلا تطلقها وهو نهى تنزيه إذ الأولى أن لا يطلق أو واتق اللّه فلا تذمها بالنسبة إلى الكبر وأدى الزوج

{وتخفي في نفسك ما اللّه مبديه} أى تخفى فى نفسك نكاحها ان طلقها زيد وهو الذى ابداه اللّه وقيل الذى اخفى فى نفسه تعلق قلبه بها ومودة مفارقة زيد اياها ولواو فى وتخفى فى نفسك

{وتخشى الناس} أى قولة الناس أنه نكح امرأة ابنه

{واللّه أحق أن تخشاه} واو الحال أى تقول لزيد امسك عليك زوجك مخفيا فى نفسك إرادة أن لا يمسكها وتخفى خاشيا قالة الناس وتخشى الناس حقيقا فى ذلك بأن تخشى اللّه وعن عائشة رضى اللّه عنها لو كتم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم شيئا مما أوحى إليه لكتم هذه الآية

{فلما قضى زيد منها وطرا} الوطر الحاجة فإذا بلغ البالغ حاجته من شئ له فيه همة قيل قضى منه وطره والمعنى فلما لم يبق لزيد فيها حاجه وتقاصرت عنها همته وطلقها وانقضت عدتها

{زوجناكها} روى أنها لما اعتدت قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لزيد ما اجد احدا أوثق فى نفسى منك اخطب على زينب قال زيد فانطلقت وقلت يا زينب ابشرى ان رسول اللّه صىل يخطبك ففرحت وتزوجها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ودخل بها وما أولم على امرأة من نسائه ما أولم عليها ذبح شاة واطعم الناس الخبز واللحم حتى امتد النهار

{لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا} قيل قضاء الوطر أدراك الحاجة وبلوغ المراد منه

{وكان أمر اللّه} الذى يريد أن يكونه

{مفعولا} مكونا لا محالة وهو مثل لما أراد كونه من تزويج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم زينب

٣٨

{ما كان على النبي من حرج فيما فرض اللّه له} أحل له وأمر له وهو نكاح زينب امرأة زيد أو قدر له من عدد النساء

{سنة اللّه} اسم موضوع موضع المصدر كقولهم ترابا وجند لا مؤكد لقوله ما كان على النبى من حرج كأنه قيل سن اللّه ذلك سنة فى الانبياء الماضين وهو أن لا يحرج عليهم فى الاقدام على ما أباح لهم ووسع عليهم فى باب النكاح وغيره وقد كانت تحتهم المهائر والسرارى وكانت لداود مائة امرأة وثلثمائة سرية ولسليمان ثلثمائة حرة وسبعمائة سرية

{في الذين خلوا من قبل} فى الانبياء الذين مصوا من قبل

{وكان أمر اللّه قدرا مقدورا} قضاء مقضيا وحكما مبتوتا ولا وقف عليه ان جعلت

٣٩

{الذين يبلغون رسالات اللّه} بدلا من الذين الأول وقف أن جعلته فى محل الرفع أو النصب على المدح أى هم الذين يبلغون أو اعنى الذين يبلغون

{ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا اللّه} وصف الانبياء بأنهم لا يخشون إلا اللّه تعريض بعد التصريح فى قوله وتخشى الناس واللّه احق أن تخشاه

{وكفى باللّه حسيبا} كافيا للمخاوف ومحاسبا على الصغيرة والكبيرة فكان جديرا بأن تخشى منه

٤٠

{ما كان محمد أبا أحد من رجالكم} أى لم يكن أبا رجل منكم حقيقة حتى يثبت بينه وبينه ما يثبت بين الأب وولده من حرمة الصهر والنكاح والمراد من رجالكم البالغين والحسن والحسين لم يكونا بالغين حينئذ والطاهر والطيب والقاسم وإبراهيم توفوا صبيانا

{ولكن} كان {رسول اللّه} وكل رسول أبو أمته فيما يرجع إلى وجوب التوقير والتعظيم له عليهم ووجوب الشفقة والنصيحة لهم عليه لافى سائر الأحكام الثابتة بين الآباء والأبناء وزيد واحد من رجالكم الذين ليسوا بأولاده حقيقة فكان حكمه كحكمكم والتبنى من باب الاختصاص والتقريب لاغير

{وخاتم النبيين} بفتح التاء عاصم بمعنى الطابع أى آخرهم يعنى لا ينبأ أحد بعده وعيسى ممن نبئ قبله وحين بنزل عاملا على شريعة محمد صلى اللّه عليه وسلم كأنه بعض امته وغيره بكسر التاء بمعنى الطابع وفاعل الختم وتقويه قراءة ابن مسعود ولكن نبيا ختم النبيين

{وكان اللّه بكل شيء عليما

٤١

يا أيها الذين آمنوا اذكروا اللّه ذكرا كثيرا} أثنوا عليه بضروب الثناء وأكثروا ذلك

٤٢

{وسبحوه بكرة} أول النهار

{وأصيلا} آخر النهار وخصا بالذكر لأن ملائكة الليل وملائكة النهار يجتمعون فيهما وعن قتادة قولوا سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله ألا اللّه واللّه أكبرولا حولا ولا قوة إلا باللّه العلى العظيم والفعلان أى اذكروا اللّه وسبحوه موجهان إلى البكرة والأصيل كقولك صم وصل يوم الجمعة والتسبيح من جملة الذكر وإنما اختص من بين أنواعه اختصاص جبريل وميكائيل من بين الملائكة ابانة لفضله على سائر الأذكار لأن معناه تنزيه ذاته عما لا يجوز علية من الصفات وجاز ان يراد بالذكر وإكثاره تكثير الطاعات والعبادات فانها من جملة الذكر ثم خص من ذلك التسبيح بكرة وهى صلاة الفجر وأصيلا وهى صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء أوصلاة الفجر والعشاءين

٤٣

{هو الذي يصلي عليكم وملائكته} لما كان من شأن المصلى أن ينعطف فى ركوعه وسجوده استعير لمن يتعطف على غيره حنوا عليه وترؤفا كعائد المريض فى انعطافه عليه والمرأة فى حنوها على ولدها ثم كثر حتى استعمل فى الرحمة والترؤف ومنه قولهم صلى اللّه عليه وسلم أى ترحم عليك وترأف والمراد بصلاة الملائكة قولهم اللّهم صل على المؤمنين جعلوا لكونهم مستجابى الدعوة كأنهم فاعلون الرحمة والرأفة والمعنى هو الذى يترحم عليكم ويترأف حين يدعوكم إلى الخير ويأمركم باكثار الذكروالتوفر على الصلاة والطاعة

{ليخرجكم من الظلمات إلى النور} من ظلمات المعصية إلى نور الطاعة

{وكان بالمؤمنين رحيما} هو دليل على أن المراد بالصلاة والرحمة وروى أنه لما نزل اللّه وملائكته يصلون على النبى قال أبو بكر ما خضك اللّه يا رسول اللّه بشرف إلا وقد أشركنا فيه فنزلت

٤٤

{تحيتهم} من إضافة المصدر إلى المفعول أى تحية اللّه لهم

{يوم يلقونه} يرونه

{سلام} يقول اللّه تبارك وتعالى السلام عليكم

{وأعد لهم أجرا كريما} يعنى الجنة

٤٥

{يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا} على من بعثت إليهم وعلى تكذيبهم وتصديقهم أى مقبولا قولك عند اللّه لهم وعليهم كما يقبل قول الشاهد العدل فى الحكم وهو حال مقدرة كما تقول مررت برجل معه صقر صائدا به أى مقدرا به الصيد غدا

{ومبشرا} للمؤمنين بالجنة

{ونذيرا} للكافرين بالنار

٤٦

{وداعيا إلى اللّه بإذنه} بأمره وبتيسيره والكل منصوب على الحال

{وسراجا منيرا} جلا به اللّه ظلمات الشرك واهتدى به الضالون كما يجلى ظلام الليل بالسراج المنير ويهتدى به والجمهور على أنه القرآن فيكون التقدير وذا سراج منير أو وتاليا سراجا منيرا ووصف بالإنارة لأن من السرج ما لا يضئ إذا قل سليطة ودقت فتيلته أو شاهدا بوحدانيتنا ومبشرا برحمتنا ونذيرا بنقمتنا وداعيا اللّه عبادتنا وسراجا وحجة ظاهرة لحضرتنا

٤٧

{وبشر المؤمنين بأن لهم من اللّه فضلا كبيرا} ثوابا عظيما

٤٨

{ولا تطع الكافرين والمنافقين} المراد به التهييج أو الدوام والثبات على ما كان عليه

{ودع أذاهم} هو بمعنى الإيذاء فيحمل أن يكون مضافا إلى الفاعل أى اجعل إيذاءهم أياك فى جانب ولا تبال بهم ولا تخف من ايذائهم أو إلى المفعول أى دع إيذاءك إياهم مكافأة لهم

{وتوكل على اللّه} فإنه يكفيكهم

{وكفى باللّه وكيلا} وكفى به مفوضا إليه وقيل إن اللّه تعالى وصفه بخمسة أو صاف وقابل كلامنهما بخطاب مناسب له قابل الشاهد بقوله وبشر المؤمنين لأنه يكون شاهدا على أمته وهم يكونون شهداء على سائر الأمم وهو الفضل الكبير والمبشر بالاعراض عن الكافرين والمنافقين لأنه إذا أعرض عنهم أقبل جميع إقباله على المؤمنين وهو مناسب البشارة والنذير يدع أذاهم لأنه إذا ترك أذاهم فى الحاضر والاذى لا بد له من عقاب عاجل أو آجل كانوا منذرين به فى المستقبل والداعى إلى اللّه بتيسيره بقوله وتوكل على اللّه فإن من توكل على اللّه يسر عليه كل عسير والسراج المنير بالاكتفاء به وكيلا لان من أناره اللّه برهانا على جميع خلقه كان جديرا بأن يكتفى به عن جميع خلقه

٤٩

{يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات} أى تزوجتم والنكاح هو الوطء فى الاصل وتسميه العقد نكاحا لملابسته له من حيث أنه طريق إليه كتسمية الخمر اثما لانها سببه وكقول الراجز أسنمة الآبال فى سحابة سمى الماء بأسنمة الآبال لانه سبب سمن الآبال وأرتفاع اسمنتها ولم يرد لفظ النكاح فى كتاب اللّه تعالى إلا فى معنى العقد لأنه فى معنى الوطء من باب التصريح به ومن آداب القرآن الكناية عنه بلفظ الملامسة والمماسة والقربان والتغشى والاتيان وفى تخصيص المؤمنات مع أن الكتابيات تساوى المؤمنات فى هذا الحكم أشارة إلى أن الاولى بالمؤمن ان ينكح مؤمنة

{ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} والخلوة الصحيحة كالمس

{فما لكم عليهن من عدة تعتدونها} فيه دليل على أن العدة تجب على النساء الرجال ومعنى تعتدونها تستوفون عددها تفتعلون من العد

{فمتعوهن} والمتعة تجب للتى طلقها قبل الدخول بها ولم يسم لها مهر دون غيرها

{وسرحوهن سراحا جميلا} أى لا تمسكوهن ضرارا وأخرجوهن من منازلكم إذلا عدة لكم عليهن

٥٠

{يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن} مهورهن إذ المهر أجر على البضع ولهذا قال الكرخى ان النكاح بلفظ الإجارة جائز وقلنا التأبيد من شرط النكاح والتأقيت من شرط الإجازة وبينهما منافاة وإيتاؤها اعطاؤها عاجلا أو فرضها وتسميتها فى العقد

{وما ملكت يمينك مما أفاء اللّه عليك} وهى صفية وجويرية فاعتقهما وتزوجهما

{وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك} ومع ليس القرآن بل لوجودها فحسب كقوله وأسلمت مع سليمان وعن أم هانئ بنت أبى طالب خطبنى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فاعتذرت فعذرنى فأنزل اللّه هذه الآية فلم أحل له لانى لم أهاجر معه

{وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي} وأحللنا لك ما وقع لها ان تهب لك نفسها ولا تطلب مهرا من النساء المؤمنات إن اتفق ذلك ولذا تكرها قال ابن عباس هو بيان حكم فى المستقبل ولم يكن عنده أحد منهن بالهبة وقيل الواهبة نفسها ميمونة بنت الحرث أو زينب بنت خزيمة أو أم شريك بنت جابر أو خولة بنت حكيم وقرأ الحسن أن بالفتح على التعليل بتقدير حذف اللام وقرأ ابن مسعود رضى اللّه عنه بغير ان

{إن أراد النبي أن يستنكحها} استنكاحها طلب نكاحها والرغبة فيه وقيل نكح واستنكح بمعنى والشرط الثانى تقييد للشرط الأول شرط فى الاحلال هبتها نفسها وفى الهبة إرادة استنكاح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كانه قال أحللناها لك ان وهبت لك نفسها وأنت تريد ان تستنكحها لان إرادته هى قبول الهبة وما به تتم وفيه دليل جواز النكاح بلفظ الهبة لأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأمته سواء فىالاحكام الا فيما خصه الدليل

{خالصة} بلا مهر حال من الضمير فى وهبت أو مصدر مؤكد أى خلص لك احلال ما أحللنا لك خالصة بمعنى خلوصا والفاعلة فى المصادر غير عزيز كالعافية والكاذبة

{لك من دون المؤمنين} بل يجب المهر لغيرك وان لم يسمه أو نفاه عدل عن الخطاب إلى الغيبة فى قوله ان اراد النبى ثم رجع إلى الخطاب ليؤذن ان الاختصاص تكرمة له لاجل النبوة وتكريره أى تكرير النبى تفخيم له

{قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم} أى ما أوجبنا من المهور على امتك فى زوجاتهم أو ما أوجبنا عليهم فى أزواجهم من الحقوق

{وما ملكت أيمانهم} بالشراء وغيره من وجوه الملك وقوله

{لكيلا يكون عليك حرج} ضيق متصل بخالصة لك من دون المؤمنين وقوله قد علمنا ما فرضنا عليهم فى أزواجهم وما ملكت أيمانهم جملة اعتراضية

{وكان اللّه غفورا رحيما} بالتوسعة على عبادة

٥١

{ترجي} بلا همز مدنى وحمزة وعلى وخلف وحفص وبهمز غيرهم تؤخر

{من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء} تضم بمعنى تترك مضاجعة من تشاء منهن وتضاجع من تشاء أو تطلق من تشاء وتمسك من تشاء أو لا تقسيم لأيتهن شئت وتقسم لمن شئت أو تترك تزوج من شئت من نساء أمتك وتتزوج من شئت وهذه قسمة جامعة لما هو الغرض لأنه إما أن يطلق وإما أن يمسك فاذا أمسك ضاجع أو ترك وقسم أو لم يقسم وإذا طلق وعزل فاما أن يخلى المعزولة لا يبتغيها أو يبتغيها وروى أنه أرجى منهن جويرية وسودة وصفية وميمونة وأم حبيبة وكان يقسم لهن ما شاء كما شاء وكانت ممن آوى اليه عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب أرجى خمسا وآوى أربعا وروى أنه كان يسوى مع ما أطلق له وخير فيه إلاسودة فانها وهبت ليلتها لعائشة وقالت لا تطلقنى حتى احشر فى زمرة نسائك

{ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك} أى ومن دعوت إلى فراشك وطلبت صحبتها ممن عزلت عن نفسك بالارجاء فلاضيق عليك فى ذلك اى ليس اذا عزلتها لم يجز لك ردها إلى نفسك ومن رفع بالابتداء وخبره فلا جناح

{ذلك} التفويض إلى مشيئتك

{أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن} أى أقرب إلى قرة عيونهن وقلة حزنهن ورضاهن جميعا لانهن إذا علمن أن هذا التفويض من عند اللّه اطمأنت نفوسهن وذهب التغاير وحصل الرضا وقرت العيون كلهن بالرفع تأكيد لنون يرضين وقرئ ويرضين كلهن بما آتيتهن على التقديم وقرئ شاذا كلهن بالنصب تأكيدا لهن فى آتيتهن

{واللّه يعلم ما في قلوبكم} فيه وعيد لمن لم يرض منهن بمادبر اللّه من ذلك وفوض الى مشيئة رسوله

{وكان اللّه عليما} بذات الصدور

{حليما} لا يعاجل بالعقوبة فهو حقيق بان يتقى ويحذر

٥٢

{لا يحل لك النساء} بالتاء أبو عمرو ويعقوب وغيرهما بالتذكير لان تأنيث الجمع غير واذا جاز بغير فصل فمع الفصل اجوز

{من بعد} من بعد التسع لأن التسع نصاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من الازواج كما أن الاربع تصاب أمته

{ولا أن تبدل بهن من أزواج} بالطلاق والمعنى ولا ان تستبدل بهؤلاء التسع أزواجا أخر بكلهن أو بعضهن كرامة لهن وجزاء على ما اخترن ورضين فقصر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عليهن وهن التسع التى مات عنهن عائشة حفصة أم حبيبة سودة أم سلمة صفية ميمونة زينب بنت جحش جويرية ومن فى من أزواج لتأكيد النفى وفائدته استغراق جنس الازواج باتحريم

{ولو أعجبك حسنهن} فى موضع الحال من الفاعل وهو الضمير من تبدل أى تتبدل لا من المفعول الذى هو من أزواج لتوغله فى التنكير وتقديره مفروضا اعجابك بهن وقيل هى اسماء بنت عميس امرأة جعفر بن أبى طالب فانها ممن اعجبه حسنهن وعن عائشة وأم سلمة ما مات رسول اللة صلى اللّه عليه وسلم حتى أحل له ان يتزوج من النساء ما شاء يعنى أن الآية نسخت ونسخها اما بالسنة أو بقوله انا أحللنا لك أزواجك وترتيب النزول ليس على ترتيب المصحف

{إلا ما ملكت يمينك} استثنى ممن حرم عليه الاماء ومحل ما رفع بدل من النساء

{وكان اللّه على كل شيء رقيبا} حافظا وهو تحذير عن مجاوزة حدوه

٥٣

{يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه} أن يؤذن لكم فى موضع الحال أى لا تدخلوا الا مأذونا لكم أو في معنى الظرف تقديره إلا وقت أن يؤذن لكم وغير ناظر حال من لا تدخلوا وقع الاستثناء على الحال والوقت معا كانه قيل لا تدخلوا بيوت النبى الا وقت الاذن ولا تدخلوها إلا غير ناظرين أى غير منتظرين وهؤلاء قوم كانوا يتحينون طعام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيدخلون ويقعدون منتظرين لإدراكه ومعناه لا تدخلوا يا أيها المتحينون الطعام إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين اناه واتى الطعام إدراكه يقال انى الطعام انى كقولك قلاه قلى وقيل اناه وقته أى غير ناظرين وقت الطعام وساعة أكله وروى أن النبى صلى اللّه عليه وسلم أولم على زينب بتمر وسويق وشاة وأمر أنسا أن يدعو بالناس فترادفوا أفواجا يأكل فوج ويخرج ثم يدخل فوج إلى أن قال يا رسول اللّه دعوت حتى ما أجد أحدا أدعوه فقال أرفعوا طعامكم وتفرق الناس وبقي ثلاثة نفر يتحدثون فأطالوا فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ليخرجوا فطاف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالحجرات وسلم عليهن ودعون له ورجع فإذا الثلاثة جلوس يتحدثون وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم شديد الحياء فتولى فلما رأوه متولي خرجوا فرجع ونزلت

{ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا} فتفرقوا

{ولا مستأنسين لحديث} هو مجرور معطوف على ناظرين أو منصوب أى ولا تدخلوها مستأنسين نهوا عن أن يطيلوا الجلوس يستأنس بعضهم ببعض لأجل حديث يحدثه به

{إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم} من أخراجكم

{واللّه لا يستحيي من الحق} يعنى أن اخراجكم حق ما ينبغى أن يستحيا منه ولما كان الحياء مما يمنع الحيى من بعض الافعال قيل لا يستحى من الحق أى لا يمتنع منه ولا يتركه ترك الحبى منكم هذا أدب أدب اللّه به الثقلاء وعن عائشة رضى اللّه عنها حسبك فى الثقلاء ان اللّه تعالى لم يحتملهم وقال فإذا طعمتم فانتشروا

{وإذا سألتموهن} الضمير لنساء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لدلالة بيوت النبى لأن فيها نساءه

{متاعا} عارية أو حاجة

{فاسألوهن} المتاع

{من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن} من خواطر الشيطان وعوارض الفتن وكانت النساء قبل نزول هذه الآية يبرزن للرجال وكان عمر رضى اللّه عنه يحب ضرب الحجاب عليهن ويودان ينزل فيه وقال يا رسول اللّه يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب فنزلت وذكر أن بعضهم قال أنتهى أن نكلم بنات عمنا إلا من وراء حجاب لئن مات محمد لا نزوجن فلانة فنزل

{وما كان لكم أن تؤذوا رسول اللّه ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا} أى وما صح لكم إيذاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولا نكاح أزواجة من بعد موته

{إن ذلكم كان عند اللّه عظيما} أ ىذنبا عظيما

٥٤

{إن تبدوا شيئا} من إيذاء النبى صلى اللّه عليه وسلم أو من نكاحهن

{أو تخفوه} فى أنفسكم من ذلكم

{فإن اللّه كان بكل شيء عليما} فيعاقبكم به ولما نزلت آية الحجاب قال الآباء والابناء والاقارب يا رسول اللّه أو نحن أيضا نكلمهن من وراء حجاب فنزل

٥٥

{لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ولا نسائهن} أ ى نساء المؤمنات

{ولا ما ملكت أيمانهن} أى لا اثم عليهن فى أن لا يحتجبن من هؤلاء ولم يذكر العم والخال لأنهما يجرينا مجرى الوالدين وقد جاءت تسمية العم أبا قال اللّه تعالى وإله آبائك إبراهيم وإسمعيل وإسحق وإسمعيل عم يعقوب وعبيدهن عند الجمهوركاجانب ثم نقل الكلام من الغيبة إلى الخطاب وفى هذا النقل فضل تشديد كأنه قيل

{واتقين اللّه} فيما أمرتن به من الاحتجاب وأنزل فيه الوحى من الاستتار واحتطن فيه

{إن اللّه كان على كل شيء شهيدا} عالما قال ابن عطاء الشهيد الذى يعلم خطرات القلوب كما يعلم حركات الجوارح

٥٦

{إن اللّه وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه} أى قولوا اللّهم صل على محمد أو صلى اللّه على محمد

{وسلموا تسليما} أى قولوا اللّهم سلم على محمد أو انقادوا لامره وحكمه انقيادا وسئل عليه السلام عن هذه الآية فقال إن اللّه وكل بى ملكين فلا أذكر عند عبد مسلم فيصلى على إلا قال ذانك الملكان غفر اللّه لك وقال اللّه وملائكته جوابا لذينك الملكين آمين ولا اذكر عند عبد مسلم فلا يصلى على إلا قال ذانك الملكان لا غفر اللّه لك وقال اللّه وملائكته جوابا اذينك الملكين آمين ثم هى واجبة مرة عند الطحاوى وكلما ذكر اسمه عند الكرخى وهو الاحتياط وعليه الجمهور وان صلى على غيره على سبيل التبع كقوله صلى اللّه على النبى وآله فلا كلام فيه وأما اذا أفرد غيره من أهل البيت بالصلاة فمكروه وهو من شعائر الروافض

٥٧

{إن الذين يؤذون اللّه ورسوله} أى يؤذون رسول اللّه وذكر اسم اللّه للتشريف أو عبر بايذاء اللّه ورسوله عن فعل ما لا يرضى اللّه ورسوله كالكفر وانكار النبوة مجازا وإنما جعل مجازا فيهما وحقيقة الايذاء يتصور فى رسول اللّه لئلا يجتمع المجاز والحقيقة فى لفظ واحد

{لعنهم اللّه في الدنيا والآخرة} طردهم اللّه من رحمته فى الدارين

{وأعد لهم عذابا مهينا} فى الآخره

٥٨

{والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا} أطلق إيذاء اللّه ورسوله وقيد إيذاء المؤمنين والمؤمنات لأن ذاك يكون غير حق أبدا وأما هذا فمنه حق كالحد والتعزير ومنه باطل قيل نزلت فى ناس من المنافقين يؤذون عليا رضى اللّه عنه ويسمعونه وقيل فى زناه كانوا يتبعون النساء وهن كارهات وعن الفضيل لا يحل لك أن تؤذى كلبا أو خنزيرا بغير حق فكيف إيذاء المؤمنين والمؤمنات

{فقد احتملوا} تحملوا

{بهتانا} كذبا عظيما

{وإثما مبينا} ظاهرا

٥٩

{يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن} الجلباب ما يستر الكل مثل الملحفة عن المبرد ومعنى يدنين عليهن من جلابيبهن يرخينها عليهن ويغطين بها وجوههن وأعطافهن يقال إذا زال الثوب عن وجه المرأة إذن ثوبك على وجهك ومن للتبعيض أى ترخى بعض جلبابها وفضله على وجهها تتقنع حتى تتميز من الأمة أو المراد أن يتجلبن ببعض ما لهن من الجلابيب وأن لا يكون المرأة متبذلة فى درع وخمار كالأمة ولها جلبابان فصاعدا فى بيتها وذلك ان النساء فى أول الإسلام على هجيراهن فى الجاهلية متبذلات تبرز المرأة فى درع وخمار لافضل بين الحرة والأمة وكان الفتيان يتعرضون إذا خرجن بالليل لقضاء حوائجهن فى النخل والغيطان للاماء وربما تعرضوا للحرة لحسبان الأمة فامرن أن يخالفن بزيهن عن زى الاماء بلبس الملاحف وستر الرؤس والوجوه فلا يطمع فيهن طامع وذلك قوله

{ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين} أى أولى وأجدر بأن يعرفن فلا يتعرض لهن

{وكان اللّه غفورا} لما سلف منهن من التفريط

{رحيما} بتعليمهن آداب المكارم

٦٠

{لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض} فجوروهما الزناة من قوله فيطمع الذى فى قلبه مرض

{والمرجفون في المدينة} هم أناس كانوا يرجفون بأخبار السوء عن سرا يا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيقولون هزموا وقتلوا وجرى عليهم كيت وكيت فيكسرون بذلك قلوب المؤمنين يقال أرجف بكذا إذا أخبر به على غير حقيقة لكونه خبرا متزلزلا غير ثابت من الرجفة وهى الزلزلة

{لنغرينك بهم} لنأمرنك بقتالهم أو لنسلطنك عليهم

{ثم لا يجاورونك فيها} فى المدينة وهو عطف على لنغرينك لأنه يجوز أن يجاب به القسم لصحة قولك لئن لم ينتهوا لا يجاورونك ولما كان الجلاء عن الوطن أعظم من جميع ما أصيبوا به عطف بثم لبعد حالة عن حال المعطوف عليه

{إلا قليلا} زمانا قليلا والمعنى لئن لم ينته المنافقون عن عداوتهم وكيدهم والفسقة عن فجورهم والمرجفون عما يؤلفون من أخبار السوء لنأمرنك بأن تفعل الافعال التى تسوءهم ثم بأن تضطرهم إلى طلب الجلاء عن المدينة وإلى أن لا يساكنوك فيها إلا زمانا قليلا ريثما يرتحلون فسمى ذلك اغراء وهو التحريش على سبيل المجاز

٦١

{ملعونين} نصب على الشتم أو الحال أى لا يجاورونك إلا ملعونين فلاستثناء دخل على الظرف والحال معا كما مر ولا ينتصب عن أخذو الان بعد حروف الشرط لا يعمل فيما قبلها

{أينما ثقفوا} وجدوا

{أخذوا وقتلوا تقتيلا} والتشديد يدل على التكثير

٦٢

{سنة اللّه} فى موضع مصدر مؤكد أى سن اللّه فى الذين ينافقون الانبياء ان يقتلوا أينما وجدوا

{في الذين خلوا} مضوا

{من قبل ولن تجد لسنة اللّه تبديلا} أى لا يبدل اللّه سنته بل يجريها مجرى واحدا فى الامم

٦٣

{يسألك الناس عن الساعة} كان المشركون يسألون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن وقت قيام الساعة استعجالا على سبيل الهزء واليهود يسألونه امتحانا لان اللّه تعالى عمى وقتها فى التوراة وفى كل كتاب فأمر رسوله بأن يجيبهم بأنه علم قد استأثر اللّه به ثم بين لرسوله أنها قريبة الوقوع تهديدا للمستعجلين واسكانا للممتحنين بقوله

{قل إنما علمها عند اللّه وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا} شيئا قريبا أو لأن الساعة فى معنى الزمان

٦٤

{إن اللّه لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا} نارا شديدة الاتقاد

٦٥

{خالدين فيها أبدا} هذا يرد مذهب الجهمية لأنهم يزعمون ان الجنة والنار تفنيان ولا وقف على سعيرا لأن قوله خالدين فيها حال عن الضمير فى لهم

{لا يجدون وليا ولا نصيرا} ناصرا يمنعهم اذكر

٦٦

{يوم تقلب وجوههم في النار} تصرف فى الجهات كما ترى البضعة تدور فى القدر إذا غلت وخصصت الوجوه لأن الوجه أكرم موضع على الإنسان من جسده أو يكون الوجه عبارة عن الجملة

{يقولون} حال

{يا ليتنا أطعنا اللّه وأطعنا الرسولا} فنخلص من هذا العذاب فتمنوا حين لا ينفعهم التمنى

٦٧

{وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا} جمع سيد ساداتنا شامى وسهل ويعقوب جمع الجمع والمراد رؤساء الكفرة الذين لقنوهم الكفر وزينوه لهم

{وكبراءنا} ذوى الأسنان منا أو علماءنا

{فأضلونا السبيلا} يقال ضل السبيل وأضله اياه وزيادة الألف لاطلاق الصوت جعلت فواصل الآى كقوافى الشعر وفائدتها الوقف والدلالة على ان الكلام قد انقطع وان ما بعده مستأنف

٦٨

{ربنا آتهم ضعفين من العذاب} للضلال والأضلال

{والعنهم لعنا كبيرا} بالباء عاصم ليدل على أشد اللعن وأعظمه وغيره بالثاء تكثيرا لاعداد اللعائن ونزل فى شأن زيد وزينب وما سمع فيه من قالة بعض الناس

٦٩

{يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه اللّه مما قالوا} ما مصدرية أو موصوله وأيهما كان فالمراد البراءة عن مضمون القول ومؤداه وهو الأمر المعيب وأذى موسى عليه السلام هو حديث المومسة التى أرادها قارون على قذفه بنفسها أو اتهامهم إياه بقتل هرون فأحياه اللّه تعالى فأخبرهم ببراءة موسى عليه السلام كما برأ نبينا عليه السلام بقوله ما كان محمد أبا أحد من رجالكم

{وكان عند اللّه وجيها} ذا جاه ومنزلة مستجاب الدعوة وقرأ ابن مسعود والأعمش وكان عبدا للّه وجيها

٧٠

{يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه وقولوا قولا سديدا} صدقا وصوابا أو قاصدا إلى الحق والسداد القصد إلى الحق والقول بالعدل والمراد نهيهم عما خاضوا فيه من حديث زينب من غير قصد وعدل فى القول والبعث على أن يسددوا قولهم فى كل باب لأن حفظ اللسان وسداد القول رأس كل خير ولا تقف على سديدا لأن جواب الأمر قوله

٧١

{يصلح لكم أعمالكم} يقبل طاعاتكم أو يوفقكم لصالح العمل

{ويغفر لكم ذنوبكم} أى يمحها والمعنى راقبوا اللّه فى حفظ ألسنتكم وتسديد قولكم فإنكم إن فعلتم ذلك أعطاكم ما هو غاية الطلبة من تقبل حسناتكم والاثابة عليها ومن مغفرة سيآتكم وتكفيرها وهذه الآية مقررة للتى قبلها بنيت تلك على النهى عما يؤذى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهذه على الامر باتقاء اللّه فى حفظ اللسان ليترادف عليهم النهى والامر مع اتباع النهى ما يتضمن الوعيد من قصة موسى عليه السلام واتباع الأمر الوعد البليغ فيقوى الصارف عن الأذى والداعى إلى تركه ولما علق بالطاعة الفوز العظيم بقوله

{ومن يطع اللّه ورسوله فقد فاز فوزا عظيما} اتبعه قوله

٧٢

{إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال} وهو يريد بالأمانة الطاعة للّه ويحمل الأمانة الخيانة يقال فلان حامل للامانة ومحتمل لها أى لا يؤديها إلى صاحبها حتى تزول عن ذمته إذ الأمانة كانها راكبة للمؤتمن عليها وهو حاملها ولهذا يقال ركبته الديون ولى عليه حق فإذا أداها لم تبق راكبة له ولا هو حامل لها يعنى أن هذه الاجرام العظام من السموات والأرض والجبال قد انقادت لأمر اللّه انقياد مثلها وهو ما يتأتى من الجمادات واطاعت له الطاعة التى تليق بها حيث لم تمتنع على مشيئته وإرادته أيجادا وتكوينا وتسوية على هيآت مختلفة واشكال متنوعة كما قال ثم استوى إلى السماء وهى دخان فقال لها وللارض أثتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين واخبر أن الشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب يسجدون للّه وأن من الحجارة لما يهبط من خشية اللّه وأما الإنسان فلم تكن حاله فيما يصح منه من الطاعة ويليق به من الانقياد لأوامر اللّه ونواهية وهو حيوان عاقل صالح للتكليف مثل حال تلك الجمادات فيما يصح منها ويليق بها من الانقياد وعدم الامتناع وهذا معنى قوله

{فأبين أن يحملنها} أى أبين الخيانة فيها وأن لا يؤدينها

{وأشفقن منها} وخفن من الخيانة فيها

{وحملها الإنسان} أى خان فيها وأبى أن لا يؤديها

{إنه كان ظلوما} لكونه تاركا لاداء الامانة

{جهولا} لاخطائه ما يسعده مع تمكه منه وهو أداؤها قال الزجاج الكافر والمنافق حملا الامانة أى خانا ولم يطيعا ومن أطاع من الأنبياء والمؤمنين فلا يقال كان ظلوما جهولا وقيل معنى الآية أن ما كلفه الإنسان بلغ من عظمة أنه عرض على أعظم ما خلق اللّه من الاجرام وأفواه فأبى حمله وأشفق منه وحمله الإنسان على ضعفه أنه كان ظلوما جهولا حيث حمل الامانة ثم لم يف بها وضمنها ثم خان بضمانه فيها ونحو هذا من الكلام كثير فى لسان العرب وما جاء القرآن إلا على أساليبهم من ذلك قولهم لو قيل للشحم أين تذهب لقال أسوى العوج واللام فى

٧٣

{ليعذب اللّه المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات} للتعليل لأن التعذيب هنا نظير التأديب فى قولك ضربته للتأديب فلا تقف على جهولا

{ويتوب اللّه على المؤمنين والمؤمنات} وقرأ الأعمش ويتوب اللّه بالرفع ليجعل العلة قاصرة على فعل الحامل ويبتدئ ويتوب اللّه ومعنى المشهورة ليعذب اللّه حامل الامانة ويتوب على غيره ممن لم يحملها لأنه إذا تيب على الوافى كان نوعا من عذاب الغادر أو للعاقبة أى حملها الانسان فآل الأمر إلى تعذيب الأشقياء وقبول توبة السعداء

{وكان اللّه غفورا} للتائبين

{رحيما} بعباده المؤمنين واللّه الموفق للصواب

﴿ ٠