تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل

أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م)

_________________________________

سورة الملائكة

مكية وهى خمس واربعون آية بسم اللّه الرحمن الرحيم

_________________________________

{الحمد للّه} حمد ذاته تعليما وتعظيما

{فاطر السماوات} مبتدئها ومبتدعها قال ابن عباس رضى اللّه عنهما ما كنت أدرى معنى الفاطر حتى اختصم إلى أعرابيان فى بئر فقال أحدهما أنا فطرتها أى ابتداتها

{والأرض جاعل الملائكة رسلا} إلى عباده

{أولي} ذوى اسم جمع لذو وهو بدل من رسلا أونعت له

{أجنحة} جمع جناح

{مثنى وثلاث ورباع} صفات لأجنحة وإنما لم تنصرف لتكرر العدل فيها وذلك أنها عدلت عن ألفاظ الاعداد عن صيغ إلى صيغ أخرخ كما عدل عمر عن عامر وعن تكرير إلى غير تكرير وقيل للعدل والوصف والتعويل عليه والمعنى أن الملائكة طائفة أجنحتهم اثنان اثنان أى لكل واحد منهم جناحان وطائفة اجنحتهم ثلاثة ثلاثة ولعل الثالث يكون في وسط الظهر بين الجناحين يمدهما بقوة وطائفة أجنحتهم أربعة أربعة

{يزيد في الخلق} أى يزيد فى خلق الأجنحة وغيره

{ما يشاء} وقيل هو الوجه الحسن والصوت الحسن والشعر الحسن والخط الحسن والملاحة فى العينين والآية مطلقة تتناول كل زيادة فى الخلق من طول قامة واعتدال صورة وتمام فى الأعضاء وقوة فىالبطش وحصافة فىالعقل وجزالة فى الرأى وذلاقة فى اللسان ومحبة فى قلوب المؤمنين وما أشبه ذلك

{إن اللّه على كل شيء قدير} قادر

٢

{ما يفتح اللّه للناس من رحمة} نكرت الرحمة للاشاعة والإبهام كانه قال من أية رحمة رزق أو مطر أو صحة أو غير ذلك

{فلا ممسك لها} فلا أحد يقدر على إمساكها وحبسها واستعير الفتح للاطلاق والارسال ألاترى إلى قوله

{وما يمسك} يمنع ويحبس

{فلا مرسل له} مطلق له

{من بعده} من بعد أمساكه وأنت الضمير الراجع إلى الاسم المتضمن معنى الشرط على معنى الرحمة ثم ذكره حملا على اللفظ المرجع إليه إذلا تأنيث فيه لأن الأول فسر بالرحمة فحسن اتباع الضمير التفسير ولم يفسر الثانى فترك على أصل التذكير وعن معاذ مرفوعا لا نزال يد اللّه مبسوطة على هذه الأمة مالم يرفق خيارهم بشرارهم ويعظم برهم فاجرهم وتعن قراؤهم أمراءهم على معصية اللّه فإذا فعلوا ذلك نزع اللّه يده عنهم

{وهو العزيز} الغالب القادر على الارسال والامساك

{الحكيم} الذى يرسل ويمسك ما تقتضى الحكمة إرساله وإمساكه

٣

{يا أيها الناس اذكروا} باللسان والقلب

{نعمة اللّه عليكم} وهى التى تقدمت من بسط الأرض كالمهاد ورفع السماء بلا عماد وإرسال الرسل لبيان السبيل دعوة إليه وزلفة لديه والزيادة فى الخلق وفتح أبواب الرزق ثم نبه على رأس النعم وهو اتحاد المنعم بقوله

{هل من خالق غير اللّه} برفع غير على الوصف لان خالق مبتدأ خبره محذوف أى لكم وبالجر على وحمزة على الوصف لفظا

{يرزقكم} يجوز أن يكون مستأنفا ويجوز أن يكون صفة لخالق

{من السماء} بالمطر

{والأرض} بأنواع النبات

{لا إله إلا هو} جملة مفصولة لا محل لها

{فأنى تؤفكون} فبأى وجه تصرفون عن التوحيد إلى الشرك

٤

{وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك} نعى به على قريش سوء تلقيهم لآيات اللّه وتكذيبهم بها

فاطر ( ٨ - ٤ )

وسلى رسوله بأن له فى الأنبياء قبله أسوة ولهذا نكر رسل أى رسل ذوو عدد كثير وأولو آيات ونذر وأهل اعمار طوال وأصحاب صبر وعزم لأنه أسلى له وتقدير الكلام وان يكذبوك فتأس بتكذيب الرسل من قبلك لأن الجزاء يتعقب الشرط ولو أجرى على الظاهر يكوو سابقا عليه ووضع فقد كذبت رسل من قبلك موضع فتأس استغناء بالسبب عن السبب أى بالتكذيب عن التأسى

{وإلى اللّه ترجع الأمور} كلام يشتمل على الوعد والوعيد من رجوع الأمور إلى حكمه ومجازاة المكذب والمكذب بما يستحقانه ترجع بفتح التاء شامى وحمزة وعلى ويعقوب وخلف وسهل

٥

{يا أيها الناس إن وعد اللّه} بالبعث والجزاء

{حق} كائن

{فلا تغرنكم الحياة الدنيا} فلا تجدعنكم الدنيا ولا يذهلنكم التمتع بها والتلذذ بمنافعها عن العمل للآخرة وطلب ما عند اللّه

{ولا يغرنكم باللّه الغرور} أى الشيطان فإنه يمنيكم الأماني الكاذبة ويقول إن اللّه غنى عن عبادتك وعن تكذيبك

٦

{إن الشيطان لكم عدو} ظاهر العداوة فعل بأبيكم ما فعل وأنتم تعاملونه معاملة من لا علم له بأحواله

{فاتخذوه عدوا} فى عقائدكم وأفعالكم ولا يوجدن منكم إلا ما يدل على معاداته فى سركم وجهركم ثم لخص سر أمره وخطأ من أتبعه بأن غرضه الذى يؤمه فى دعوة شيعته هو أن يوردهم مورد الهلاك بقوله

{إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير} ثم كشف الغطاء فبنى الأمر كله على الإيمان وتركه فقال

٧

{الذين كفروا لهم عذاب شديد} أى فمن أجابه حين دعاه فله عذاب شديد لأنه صار من حزبه أى اتباعه

{والذين آمنوا وعملوا الصالحات} ولم يجيبوه ولم يصيروا منحزبه بل عادوه

{لهم مغفرة وأجر كبير} لكبر جهادهم ولما ذكر الفريقين قال لنبيه عليه السلام

٨

{أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا} بتزيين الشيطان كمن لم يزين له فكأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لا فقال

{فإن اللّه يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات} وذكر الزجاج أن المعنى أفمن زين له سوء عمله ذهبت نفسك عليه حسرة فحرف الجواب لدلالة فلا تذهب نفسك عليه أو أفمن زين له سوء عمله كمن هداه اللّه فحذف لدلالة فإن اللّه يضل من يشاء ويهدى من يشاء عليه فلا تذهب نفسك يزيد أى لاتهلكها حسرات مفعول له يعنى فلا تهلك نفسك للحسرات وعليهم صلة تذهب كما تقول هلك عليه حبا ومات عليه حزنا ولا يجوز أن يتعلق بحسرات لأن المصدر لا تتقدم عليه صلته

{إن اللّه عليم بما يصنعون} وعيد لهم بالعقاب على سوء صنيعهم

٩

{واللّه الذي أرسل الرياح} ارياح مكى وحمزة وعلى

{فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت} بالتشديد مدنى وحمزة وعلى وحفص بالتخفيف غيرهم

{فأحيينا به} بالمطر لتقدم ذكره ضمنا

{الأرض بعد موتها} يبسها وانما قيل فتثير لتحكى الحال التى تقع فيها اثارة الرياح السحاب وتستحضر تلك الصورة الدالة على القدرة الربانية وهكذا يفعلون بفعل فيه نوع تمييز وخصوصية بحال تستغرب وكذلك سوق السحاب إلى البلد الميت واحياء الأرض بالمطر بعد موتها لما كان من الدليل على القدرة الباهرة قيل فسقنا وأحياينا معدولا بهما عن لفظ العيبة إلى ما هو أدخل فىالاختصاص وأدل عليه

{كذلك النشور} الكاف فى محل الرفع أى مثل احياء الموات نشور الأموات قيل يحيي اللّه اخلق بماء يرسله من تحت العرش كمنى الرجال تنبت منه أجساد الخلق

١٠

{من كان يريد العزة فللّه العزة جميعا} أى العزة كلها مختصة باللّه عزة الدنيا وعزة الآخرة وكان الكافرون يتعززون بالاصنام كما قال وآتخذو من دون اللّه آلهة ليكونوالهم عزا والذين آمنوا بألسنتهم من غير مواطأة قلوبهم كانوا يتعززون بالمشركين كما قال الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فان العزة للّه جميعا فبين أن لا عزة إلا باللّه والمعنى فليطلبها عند اللّه فوضع قوله فللّه العزة جميعا موضعه استغناء عنه به لدلالته عليه لأن الشىء لا يطلب إلا عند صاحبه ومالكه ونظيره قولك من أراد النصيحة فهى عند الأبرار تريد فليطلبها عندهم إلا أنك أقمت ما يدل عليه مقامه وفى الحديث ان ربكم يقول كل يوم أنا العزيز فمن أراد عز الدارين فليطع العزيز ثم عرف أن ما يطلب به العزة هو الإيمان والعمل الصالح بقوله

{إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} ومعنى قوله إليه إلى محل القبول والرضا وكل ما اتصف بالقبول وصف بالرفعة والصعود أو إلى حيث لا ينفذ فيه الا حكمه والكلم الطيب كلمات التوحيد أى لا إله إلا اللّه وكان القياس الطيبة ولكن كل جمع ليس بينه وبين واحده إلا التاء يذكر ويؤنث والعمل الصالح العبادة الخالصة يعنى والعمل الصالح يرفعه الكلم الطيب فالرافع الكلم والمرفوع العمل لأنه لا يقبل عمل الا من موحد وقيل الرافع اللّه والمرفوع العمل أى العمل الصالح يرفعه اللّه وفيه إشارة إلى أن العمل يتوفق على الرفع والكلم الطيب يصعد بنفسه وقيل العمل الصالح يرفع العامل ويشرفه أى من أراد العزة فليعمل عملا صالحا فإنه هو الذى يرفع العبد

{والذين يمكرون السيئات} هى صفة لمصدر محذوف أى المكرات السيآت لأن مكر فعل غير متعد لا يقال مكر فلان عمله والمراد مكر قريش به عليه السلام حين اجتمعوا فى دار الندوة كما قال اللّه تعالى وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك الآية

{لهم عذاب شديد} فى الآخرة

{ومكر أولئك} مبتدأ

{هو} فصل

{يبور} خبر أى ومكر أولئك الذين مكروا هو خاصة يبور أى يفسد ويبطل دون مكر اللّه بهم حين أخرجهم من مكة وقتلهم وأثبتهم فى قليب بدر فجمع عليهم مكراتهم جميعا وحقق فيهم قوله تعالى ويمكرون ويمكر اللّه واللّه خير الماكرين وقوله ولا يحيق المكر السىء إلا بأهله

١١

{واللّه خلقكم} أى أباكم

{من تراب ثم} أنشأكم

{من نطفة ثم جعلكم أزواجا} أصنافا أو ذكرانا وإناثا

{وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه} هو فى موضع الحال أى إلا معلومة له

{وما يعمر من معمر} أى وما يعمر من أحد وإنما سماه معمرا بما هو صائر إليه

{ولا ينقص من عمره إلا في كتاب} يعنى الوح أو صحيفة الإنسان ولا ينقص زيد فإن قلت الإنسان اما معمر أى طويل العمر أو منقوص العمر أى قصيره فأما أن يتعاقب عليه التعمير وخلافه فمحال فكيف صح قوله وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره قلت هذا من الكلام المتسامح فيه ثقة فى تأويله بافهام السامعين واتكالا على تسديدهم معناه بعقولهم وأنه لا يلتبس عليهم احالة الطول والقصر فى عمر واحد وعليه كلام الناس يقولون لا يثيب اللّه عبدا ولا يعاقيه إلا بحق أو تأويل الآية أنه يكتب في الصحيفة عمره كذا كذا سنة ثم يكتب فى أسفل ذلك ذهب يوم ذهب يومان حتى يأتى على آخر فذلك نقصان عمره وعن قتادة المعمر من يبلغ ستين سنة والمنقوص من عمره من يموت قبل ستين سنة

{إن ذلك} أى احصاءه أو زيادة العمر ونقصانه

{على اللّه يسير} سهل

١٢

{وما يستوي البحران هذا} أى أحدهما

{عذب فرات} شديد العذوبة وقيل هو الذى يكسر العطش

{سائغ شرابه} مرى وسهل الانحدار لعذوبته وبه يرتفع شرابه

{وهذا ملح أجاج} شديد الملوحة وقيل هو الذى يحرق بلموحته

{ومن كل} ومن كل واحد منهما

{تأكلون لحما طريا} وهو السمك

{وتستخرجون حلية تلبسونها} وهى الؤلؤ والمرجان

{وترى الفلك فيه} فى كل

{مواخر} شواق للماء بجريها يقال مخرت السفينة الماء أى شقته وهى ماخرة

{لتبتغوا من فضله} من فضل اللّه ولم يجر له ذكر فىالآية ولكن فيما قبلها ولولم يجر لم يشكل لدلالة المعنى عليه

{ولعلكم تشكرون} اللّه على ماآتاكم من فضله ضرب البحرين العذب والملح مثلين للمؤمن والكافر ثم قال على سبيل الاستطراد فى صفة البحرين وما علق بهما من نعمته وعطائه ويحتمل غير طريقة الاستطراد وهو ان يشبه الجنسين بالبحرين ثم يفضل البحر الاجاج على الكافر بأنه قد شارك العذب فى منافع من السمك واللؤلؤ وجرى الفلك فيه والكافر خلو من النفع فهو فى طريقة قوله تعالى ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهى كالحجارة أو أشد قسوة ثم قال وان من الحجارة لما يتفجر منهالانهار وان منها لما يشقق فيخرج منه الماء وان منها لما يهبط من خشية اللّه

١٣

{يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل} يدخل من ساعات أحدهما فى الآخر حتى يصير الزائد منهما خمس عشرة ساعة والناقص تسعا

{وسخر الشمس والقمر} أى ذال أضواء صورة لاستواء سيرة

{كل يجري لأجل مسمى} أى يوم القيامة ينقطع جريهما

{ذلكم} مبتدأ

{اللّه ربكم له الملك} أخبار مترادفة أو اللّه ربكم خبر ان وله الملك جملة مبتدأة واقعة فى قران قوله

{والذين تدعون من دونه} يعنى الاصنام التى تعبدونها من دون اللّه يدعون قتيبة

{ما يملكون من قطمير} هى القشرة الرقيقة الملتفة على النواة

١٤

{إن تدعوهم} أى الاصنام

{لا يسمعوا دعاءكم} لأنهم جماد

{ولو سمعوا} على سبيل الفرض

{ما استجابوا لكم} لأنهم لا يدعون لهم من الالهية ويتبرءون منها

{ويوم القيامة يكفرون بشرككم} باشراككم لهم وعبادتكم اياهم ويقولون ما كنتم ايانا تعبدون

{ولا ينبئك مثل خبير} ولا ينبئك أيها المفترون بأسباب الغرور كما ينبئك اللّه الخبير بخبايا الأمور وتحقيقه ولا يخبرك بالأمر مخبر هو مثل خبير عالم به يريدان الخبير بالأمر وحده هو الذى يخبرك بالحقيقة دون سائر المخبرين به والمعنى ان هذا الذى أخبرتكم به من حال الأوثان هو الحق لانى خبير بما أخبرت به

١٥

{يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى اللّه} قال ذو النون الخلق محتاجون إليه فى كل نفس وخطرة ولحظة وكيف لا ووجودهم به وبقاؤهم به

{واللّه هو الغني} عن الاشياء أو جمع

{الحميد} المحمود بكل لسان ولم يسمهم بالفقراء للتحقير بل للتعريض على الاستغناء ولهذا وصف نفسه بالغنى الذى هو مطعم الاغنياء وذكر الحميد ليدل به على أنه الغنى النافع بغناه خلقه والجواد المنعم عليهم إذ ليس كل غنى نافعا بغناه إلا إذا كان الغنى جوادا منعما وإذا جاد وانعم حمده المنعم عليهم قال سهل لما خلق اللّه الخلق حكم لنفسه بالغنى ولهم بالفقر فمن ادعى الغنى حجب عن اللّه ومن أظهر فقره أوصله فقره إليه فينبغى للعبد أن يكون مفتقرا بالسر إليه ومنقطعا عن الغير إليه حتى تكون عبوديته محضة فالعبودية هى الذل والخضوع وعلامته أن لا يسأل من أحد وقال الواسطى من استغنى باللّه لا يفتقر ومن تعزز باللّه لا يذل وقال الحسين على مقدار افتقار العبد إلى اللّه يكون غنيا باللّه وكلما ازداد افتقارا ازداد غنى وقال يحيى الفقر خير للعبد من الغنى لأن المذلة فى الفقر والكبر فى الغنى والرجوع إلى اللّه بالتواضع والذلة خير من الرجوع إليه بتكثير الأعمال وقيل صفة الأولياء ثلاثة الثقة باللّه في كل شيء والفقر إليه في كل شيء والرجوع إليه من كل شىء وقال الشبلى الفقر يجر البلاء وبلاؤه كله عز

١٦

{إن يشأ يذهبكم} كلكم إلى العدم فان غناه بذاته لابكم فى القدم

{ويأت بخلق جديد} وهو بدون حمدكم حميد

١٧

{وما ذلك} الانشاء والافناء

{على اللّه بعزيز} بممتنع وعن ابن عباس يخلق بعدكم من يعبده لا يشرك به شيئا

١٨

{ولا تزر وازرة وزر أخرى} ولا تحمل نفس آثمة اثم نفس أخرى والوزر والوقر اخوان ووزر الشىء إذا حمله والوازرة صفة للنفس والمعنى ان كل نفس يوم القيامة لا تحمل إلا وزرها الذى اقترفته لا تؤاخذ نفس بذنب نفس كما تأخذ جبابره الدنيا الولي بالولى والجار بالجار وإنما قيل وازرة ولم يقل ولا تزر نفس وزر آخرى لأن المعنى ان النفوس الوازرات لا ترى منهن واحدة إلا حاملة وزرها لا وزر غيرها وقوله ليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وارد فى الضالين المضلين فانهم يحملون أثقال اضلال الناس مع أثقال ضلالهم وذلك كله أوزارهم ما فيها شىء من وزر غيرهم ألا ترى كيف كذبهم اللّه تعالى فى قولهم اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم بقوله وماهم بحاملين من خطاياهم من شىء

{وإن تدع مثقلة} أى نفس مثقلة بالذنوب أحدا

{إلى حملها} ثقلها أى ذنوبها ليتحمل عنها بعض ذلك

{لا يحمل منه شيء ولو كان} أى المدعو وهو مفهوم من قوله وان تدع

{ذا قربى} ذا قرابة قريبة كأب أو ولد أو أخ والفرق بين معنى قوله ولا تزر وازرة وزر أخرى ومعنى وان تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شىء ان الأول دال على عدل اللّه فى حكمه وان لا يؤاخذ نفسا بغير ذنبها والثانى فى بيان أنه لا غياث يومئذ لمن استغاث حتى ان نفسا قد أثقلتها الأوزار لو دعت إلى أن يخفف بعض وقرها لم تجب ولم تغث وإن كان

فاطر ( ٢٥ - ١٨ ) المدعو بعض قرابتها

{إنما تنذر الذين يخشون ربهم} أى إنما ينتفع بانذارك هؤلاء

{بالغيب} حال من الفاعل أو المفعول أى يخشون ربهم غائبين عن عذابه أو يخشون عذابه غائبا عنهم وقيل بالغيب فى السر حيث لا اطلاع للغير عليه

{وأقاموا الصلاة} فى مواقيتها

{ومن تزكى} تطهر بفعل الطاعات وترك المعاصى

{فإنما يتزكى لنفسه} وهو اعتراض مؤكد لخشيتهم وإقامتهم الصلاة لأنهما من جملة التزكى

{وإلى اللّه المصير} المرجع وهو وعد للممتزكى بالثواب

١٩

{وما يستوي الأعمى والبصير} مثل للكافر والمؤمن أو للجاهل والعالم

٢٠

{ولا الظلمات} مثل للكفر

{ولا النور} للإيمان

٢١

{ولا الظل ولا الحرور} الحق والباطل أو الجنة والنار والحرور الريح الحار كالسموم إلا أن السموم تكون بالنهار والحرور بالليل والنهار عن الفراء

٢٢

{وما يستوي الأحياء ولا الأموات} مثل الذين دخلوا فى الاسلام والذين لم يدخلوا فيه وزيادة لا لتأكيد معنى النفى والفرق بين هذه الواوات أن بعضها ضمت شفعا إلى شفع وبعضها وترا إلى وتر

{إن اللّه يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور} يعنى أنه قد علم من يدخل فى الإسلام ممن لا يدخل فيه فيهدى من يشاء هدايته وأما أنت فخفى عليك أمرهم فلذلك تحرص على اسلام قوم مخذولين حبه الكفار بالموتى حيث لا ينتفعون بمسموعهم

٢٣

{إن أنت إلا نذير} أى ما عليك إلا أن تبلغ وتنذر فان كان المنذر ممن يسمع الانذار نفع وان كان من المصرين فلا عليك

٢٤

{إنا أرسلناك بالحق} حال من أحد الضميرين يعنى محقا أو محقين أو صفة للمصدر أى ارسالا مصحوبا بالحق

{بشيرا} بالوعد

{ونذيرا} بالوعيد

{وإن من أمة} وما من أمة قبل أمتك والأمة الجماعة الكثيرة وجد عليه أمة من الناس ويقال لأهل كل عصر أمة والمراد هنا أهل العصر وقد كانت آثار الذارة باقية فيما بين عيسى ومحمد عليهما السلام فلم تخل تلك الأمم من نذير وحين اندرست آثار نذارة عيسى عليه السلام بعث محمد عليه السلام

{إلا خلا} مضى

{فيها نذير} يخوفهم وخاصة الطغيان وسوء عاقبة الكفران واكتفى بالنذير عن البشير فى آخر الآية بعد ما ذكرهما لأن النذارة مشفوعة بالبشارة فدل ذكر النذارة على ذكر البشارة

٢٥

{وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم} رسلهم

{جاءتهم رسلهم} حال وقد مضمرة

{بالبينات} بالمعجزات

{وبالزبر} وبالصحف

{وبالكتاب المنير} أى التوراة والانجيل والزبور لما كانت هذه الأشياء فى جنسهم أسند المجىء بها إليهم اسنادا مطلقا وان كان بعضها فى جميعهم وهى البينات وبعضها فى بعضهم وهى الزبر والكتاب وفيه مسلاة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

٢٦

{ثم أخذت} عاقبت

{الذين كفروا} بأنواع العقوبة

{فكيف كان نكير} انكارى عليهم وتعذيبى لهم

٢٧

{ألم تر أن اللّه أنزل من السماء ماء فأخرجنا به} بالماء

{ثمرات مختلفا ألوانها} أجناسها من الرمان والتفاح والتين والعنب وغيرها مما لا يحصر أو هيآتها من الحمرة والصفرة والخضرة ونحوها

{ومن الجبال جدد} طرق مختلفة اللون جمع جدة كمدة ومدد

{بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود} جمع غربيب وهو تأكيد للاسود يقال أسود غربيب وهو الذى أبعد فى السواد وأغرب فيه ومنه الغراب وكان من حق التأكيد ان يتبع المؤكد كقولك أصفر فاقع إلا أنه ضمر المؤكد قبله والذى بعده تفسير للمضمر وإنما يفعل ذلك لزيادة التوكيد حيث يدل على المعنى الواحد من طريقى الاظهار والاضمار جميعا ولا بد من تقدير حذف المضاف فى قوله ومن الجبال جدد أى ومن الجبال ذو جدد بيض وحمر وسود حتى يؤل إلى قولك ومنالجبال مختلف ألوانه كما قال ثمرات مختلفا ألوانها

٢٨

{ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه} يعنى ومنهم بعض مختلف ألوانه

{كذلك} أى كاختلاف الثمرات والجبال ولما قال ألم تر أن اللّه أنزل من السماء ماء وعدد آيات اللّه واعلام قدرته وآثار صنعته وما خلق من الفطر المختلفة الاجناس وما يستدل به عليه وعلى صفاته ابتع ذلك

{إنما يخشى اللّه من عباده العلماء} أى العلماء به الذين علموه بصفاته فعظموه ومن ازداد علما به ازداد منه خوفا ومن كان علمه به أقل كان آمن وفى الحديث أعلمكم باللّه اشدكم له خشية وتقديم اسم اللّه تعالى وتأخير العلماء يؤذن ان معناه ان الذين يخشون من عباده العلماء دون غيرهم ولو عكس لكان المعنى أنهم لا يخشون إلا اللّه كقوله ولا يخشون أحدا إلا اللّه وبينهما تغاير ففى الأول بيان أن الخاشين هم العلماء وفي الثانى بيان أن المخشى منه هو اللّه تعالى وقرأ أبو حنيفة وابن عبد العزيز وابن سرين رضى اللّه عنهم إنما يخشى اللّه من عباده العلماء والخشية في هذه القراءة استعارة والمعنى إنما يعظم اللّه من عباده العلماء

{إن اللّه عزيز غفور} تعليل لوجوب الخشية لدلالته على عقوبة العصاة وقهرهم وإثابة أهل الطاعة والعفو عنهم والمعاقب المنيب حقه أن يخشى

٢٩

{إن الذين يتلون كتاب اللّه} يداومون على تلاوة القرآن

{وأقاموا الصلاة وأنفقوا من ما رزقناهم سرا وعلانية} أى مسرين النفل ومعلنين الفرض يعنى لا يقتنعون بتلاوته على حلاوة العمل به

{يرجون} خبران

{تجارة} هي طلب الثواب بالطاعة لن

{تبور} لن تكسد يعنى تجارة ينتفى عنها الكساد وتنفق عن اللّه

٣٠

{ليوفيهم} متعلق بلن تبور أي ليوفيهم بنفاقها عنده أجورهم ثواب أعمالهم

{ويزيدهم من فضله} بتفسيح القبور أو بتشفيعهم فيمن أحسن إليهم أو بتضعيف حسناتهم أو بتحقيق وعد لقائه أو يرجون في موضع الحال أى راجين واللام في ليوفيهم تتعلق بيتلون وما بعده أى فعلوا جيمع ذلك من التلاوة وإقامة الصلاة والانفاق لهذا الغرض وخبران إنه

{غفور} لفرطاتهم

{شكور} أى غفور لهم شكور لأعمالهم أى يعطى الجزيل على العمل القليل

٣١

{والذي أوحينا إليك من الكتاب} أى القرآن ومن التبين

{هو الحق مصدقا} حال مؤكده لأن الحق لا ينفعك عن هذا التصديق

{لما بين يديه} لما تقدمه من الكتب

{إن اللّه بعباده} {لخبير بصير} فعلمك وأبصر أحوالك ورآك آهلا لأن يوحىإليك مثل هذا الكتاب المعجز الذى هو عبار على سائر الكتب

٣٢

{ثم أورثنا الكتاب} أى أوحينا إليك القرآن ثم أو رثناه من بعدك أى حكمنا بتوريثه

{الذين اصطفينا من عبادنا} وهم أمته من الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن بعدهم إلى يوم القيامة لأن اصطفاهم على سائر الأمم وجعلهم أمة وسطا ليكونوا شهداء على الناس واختصهم بكرامة الانتماء إلى أفضل رسله ثم رتبهم على مراتب فقال

{فمنهم ظالم لنفسه} وهو المرجأ لأمر اللّه

{ومنهم مقتصد} هو الذى خلط عملا صالحا وآخر سيا

{ومنهم سابق بالخيرات} وهذا التاويل يوافق التنزيل فأنه تعالى قال والسابقون الأولون من المهاجرين الآية وقال بعده وآخرون اعترفوا بذنوبهم الآية وقال بعده وآخرون مرجون لأمر اللّه الآية والحديث فقد روى عن عمر رضى اللّه عنه أنه قال على المنبر بعد قراءة هذه الآية قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له عليه السلام السابق يدخل الجنة بغير حساب والمقتصد يحاسب حسابا يسيرا ثم يدخل الجنة وأما الظالم نفسه فيحبس حتى يظن أنه لا ينجو ثم تناله الرحمة فيدخل الجنة رواه أبو الدراداء والأثر فعن ابن عباس رضى اللّه عنهما السابق المخلص والمقتصد المرائى والظالم الكافر بالنعمة غير الجاحد لها لأنه حكم الثلاثة بدخول الجنة وقول السلف فقد قال الربيع بن أنس الظالم صاحب الكبائر والمقتصد صاحب الصغائر والسابق المجتنب لهما وقال الحسن البصرى الظالم من رجحت سيأته والسابق من رجحت حسناته والمقتصد من استورت حسناته وسيأته وسئل أبو سيف رحمه اللّه عن هذه الآية فقال كلهم مؤمنون وأما صفة الكفار فبعد هذا وهو قوله والذين كفروا لهم نار جهنم وأما الطبقات الثلاث فهم الذين اصطفى من عباده فإنه قال فمنهم ومنهم ومنهم والكل راجع إلى قوله الذين اصطفينا من عبادنا وهم أهل الايمان وعليه الجمهور وإنما قدم الظالم للايذان بكثرتهم وان المقتصدين قليل بالإضافة إليهم والسابقون أقل من القليل وقال ابن عطاء إنما قدم الظالم لئلا بيأس من فضله وقيل إنما قدمه ليعرفه أن ذنبه لا يبعده من ربه وقيل ان أول الأحوال معصية ثم توبه ثم استقامة وقال سهل السابق العلم والمقتصد المتعلم والظالم الجاهل وقال أيضا السابق الذى اشتغل بمعاده والمقتصد الذى اشتغل بمعاشه ومعاده والظالم الذى اشتغل بمعاشه عن معاده وقيل الظالم الذى يعبده على الغفله والعاده والمقتصد الذى يعبده على الرغبة والرهبة والسابق الذى يعبده على الهيبة والاستحقاق وقيل الظالم من أخذ الدنيا حلالا كانت أو حرامار المقتصدين يجتهدان لا يأخذها إلا من حلال والسابق من أعرض عنها جملة وقيل الظالم طالب الدنيا والمقتصد طالب العقبى والسابق طالب المولى

{بإذن اللّه} بأمره أو بعلمه أو بتوفيقه

{ذلك} أى إيراث الكتاب

{هو الفضل الكبير

٣٣

جنات عدن} خبر ثان لذلك أو خبر مبتدا محذوف أو مبتدأ أو الخبر

{يدخلونها} أى الفرق الثلاثة يدخلونها أبو عمرو

{يحلون فيها من أساور} جمع أسورة جمع سوار

{من ذهب ولؤلؤا} أى من ذهب مرصع باللؤلؤ ولؤلؤا بالنصب والهمزة نافع وحفص عطفا على محل من أساور أى يحلون اساور ولؤلؤ

{ولباسهم فيها حرير} لما فيه من الذة والزينة

٣٤

{وقالوا الحمد للّه الذي أذهب عنا الحزن} خوف النار أو خوف الموت أو هموم الدنيا

{إن ربنا لغفور} يغفر الجنايات وإن كثرت

{شكور} يقبل الطاعات وإن قلت

٣٥

{الذي أحلنا دار المقامة} أى الإقامة لا نبرج ولا نقارقها يقال أقمت إقامة ومقاما ومقامة

{من فضله} من عطائه وأفضاله لا باستحقاقنا

{لا يمسنا فيها نصب} تعب ومشقة

{ولا يمسنا فيها لغوب} أعياء من التعب وفترة وقرأ أبو عبدالرحمن السلمى لغوب بفتح اللام وهو شيء يلغب منه أى لا نتكلف عملا يلغبنا

٣٦

{والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا} جواب النفى ونصبه باضمار أن أى لا يقضى عليهم بموت ثان فيستريحوا

{ولا يخفف عنهم من عذابها} من عذاب نار جهنم كذلك مثل ذلك الجزاء

{نجزي كل كفور} يجزى كل كفور أبو عمرو

٣٧

{وهم يصطرخون فيها} بسغيثون فهو يفتعلون من الصراخ وهو الصياح بجهد ومشقة واستعمل في الاستغائة لجهر صوت المستغيث ربنا يقولون بنا

{أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل} أى أخرجنا من النار ردنا إلا الدنيا نؤمن بدل الكفر ونطع بعد المعصية فيجاوبون بعد قدر عمر الدنيا

{أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر} يجوز أن يكون ما نكرة موصوفة أى تعميرا يتذكر فيه من تذكر وهو متناول لك عمر تمكن منه المكلف من إصلاح شأنه وإن قصر إلا أن التوبيخ في المتطاول أعظم ثم قيل هو ثمان عشرة سنة وقيل أربعون وقيل ستون سنة وجاءكم النذير الرسول عليه السلام أو المشيب وهو عطف على معنى أو لم نعمركم لأن لفظه لفظ استخبار ومعناه اخبار كأنه قيل قد عمرناكم وجاءكم النذير فذوقوا العذاب

{فما للظالمين من نصير} ناصر يعينهم

٣٨

{إن اللّه يعلم غيب السماوات والأرض} ما غاب فيهما عنكم

{إنه عليم بذات الصدور} كالتعليل لأنه إذا علم ما في الصدور وهو أخفى ما يكون فقد علم كل غيب في العالم وذات الصدور ومضمراتها وهي تأنيث ذو في نحو قول ابي بكر رضى اللّه عنه ذو بطن خارجه جارية أى ما في بطنها من الحبل لأن يصحب البطن وكذا المضمرات تصحب الصدور وذو موضوع لمعنى الصحبة

٣٩

{هو الذي جعلكم خلائف في الأرض} يقال للمستخلف خليفة ويجمع على خلالف والمعنى أنه جعلكم خلفاء في أرضه قد ملككم مقاليد التصرف فيها وسلطكم على ما فيها وأباح منافعها لتشكروه بالتوحيد والطاعة

فمن كفر منكم وغمط مثل النعمة السنية

فعليه كفره فوبال كفره راجع عليه وهو مقت اللّه وخسار الآخرة كما قال

{ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا} وهو أشد البغض ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا هلاكا وخسرانا

٤٠

قل أرأيتم شركاءكم آلهتكم التى اشر كتنموهم في العبادة

الذين تدعون من دون اللّه أردونى ماذا خلقوا من الأرض أرونى بدل من أرأيتم لأن معنى أرأيتم أخبرونى كأنه قيل أخبرونى عن هؤلاء الشركاء وعما استحقوا به الشركة أرونى أى جزء من أجزاء الأرض استبدوا بخلقه دون اللّه

{أم لهم شرك في السماوات} أم لهم مع اللّه شركة في خلق السموات

{أم آتيناهم كتابا فهم على بينة منه} أى معهم كتاب من عبد اللّه ينطق بأنهم شركاؤه فهم على حجة وبرهان من ذلك الكتاب بينات على وابن عامر ونافع وأبو بكر

بل إن يعد ما

يعد الظالمون بعضهم بدل من الظالمون وهم الرؤساء

بعضا أى الاتباع

إلا غرورا هو قولهم هؤلاء شفعاؤنا عند اللّه

٤١

{إن اللّه يمسك السماوات والأرض أن تزولا} يمنعهما من أن تزولا لأن الإمساك منع ولئن زالتا على سبيل الفرض أن أمسكتهما ما أمسكهما من أحد من بعده من بعد إمساكه ومن الأولى مزيدة لتأكيد النفى والثانية للابتداء

{إنه كان حليما غفورا} غير معاجل بالعقوبة حيث يمسكهما وكانتا جديرتين بأن تهداهد العظم كلمة الشرك كما قال تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض الآية

٤٢

{وأقسموا باللّه جهد أيمانهم} نصب على المصدر أى أقساما بليغا أو على الحال أى جاهدين في أيمانهم

{لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم} بلغ قرشيا قبل مبعث النبي صلى اللّه عليه وسلم أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم فقالوا لعن اللّه اليهود والنصارى أتتهم الرسل فكذبوهم فواللّه لئن أتانا رسول لنكونن أهدى من إحدى الأمم أى من الأمة التى يقال فيها هي إحدى الأمم تفضيلالها على غيرها في الهدى والإستقامة كما يقال للداهية العظيمة هي أحدى الدواهى

{فلما جاءهم نذير} فلما بعث رسول اللّه عليه وسلم

{ما زادهم إلا نفورا} أى ما زادهم مجىء الرسول صلى اللّه عليه وسلم إلا تباعدا عن الحق وهو إسناد مجازى

٤٣

{استكبارا في الأرض} مفعول له وكذا ومكر السيىء والمعنى وما زادهم الا نفورا للاستكبار ومكر السيء أو حال يعنى مستكبرين وما كرين برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قوله ومر السيء وأن مكروا السيء أى المكر السيء ثم ومكرا السيء والدليل عليه قوله ولا يحيق يحيط وينزل المكر السيء إلا بأهله ولقد حاق بهم يوم بدر وفي المثل من حفر لأخيه جبا وقع فيه مكبا

{فهل ينظرون إلا سنة الأولين} وهو إنزال العذاب على الذين كذبوا برسلهم من الأمم قبلهم والمعنى فهل ينظرون بعد تكذيبك إلا أن ينزل بهم العذاب مثل الذي نزل عن قبلهم من مكذبى الرسل جعل است٤قبالهم لذلك انتظار له منهم

{فلن تجد لسنة اللّه تبديلا ولن تجد لسنة اللّه تحويلا} بين أن سنته التى هي الانتقام من مكذبى الرسل سنة لا يبدلها في ذاتها ولا يحولها عن أوقاتها وأن ذلك مفعول لا محالة

٤٤

{أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم} استشهد عليهم بما كانوا يشهدونه في مسايرهم إلى الشام واليمن والعراق من آثار الماضين علامات هلاكهم ودمارهم

وكانوا أشد منهم من أهل مكة

قوة اقتدار فلم يتمكنوا من الفرار

وما كان اللّه ليعجزه ليسبقه ويفوته من شيء أى شيء

{في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما} بهم

قديرا قادرا عليهم

٤٥

{ولو يؤاخذ اللّه الناس بما كسبوا} بما اقترافوا من المعاصي

{ما ترك على ظهرها} على ظهر الأرض لأنه جرى ذكر الأرض في قوله ليعجزه من شيء في السموات ولا في الأرض {من دابة} من نسمة تدب عليها

{ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى} إلى يوم القيامة

{فإذا جاء أجلهم فإن اللّه كان بعباده بصيرا} أي لم يخفف عليه حقيقة وحكمة حكمهم واللّه الموفق للصواب تم بحمد اللّه تعالى الربع الثالث من تفسير القرآن الكريم للامام النسفى ويليه الرابع وأوله سورة يس الجزء الرابع

﴿ ٠