تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م) _________________________________سورة يس سورة يس مكية وهي ثلاث وثمانين آية بسم اللّه الرحمن الرحيم _________________________________ {يس} عن ابن عباس رضي اللّه تعالى عنه اللّه عنهما معناه يا إنسان فى لغة طيء وعن ابن الحنفية يا محمد وفي الحديث إن اللّه تعالى سمانى فى القرآن بسبعة أسماء محمد وأحمد وطه ويس والمزمل والمدثر وعبد اللّه وقبل يا سيد يس الإمالة على وحمزة وخلف وحماد ويحيى ٢{والقرآن} قسم {الحكيم} ذى الحكمة أو لأنه دليل ناطق بالحكمة أو لأنه كلام حكيم فوصف بصفة المتكلم به ٣{إنك لمن المرسلين} جواب القسم وهو رد على الكفار حين قالوا لست مرسلا ٤{على صراط مستقيم} خبر بعد خبر أو صلة للمرسلين أى الذين أرسلوا على صراط مستقيم أى طريقة مستقيمة وهو الاسلام ٥{تنزيل} بنصب اللام شامى وكوفى غير أبى بكر على أقر اتنزيل أو على على أنه مصدر أى نزل تنزيل وغيرهم بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أى هو تنزيل والمصدر بمعنى المفعول {العزيز} الغالب بفصاحة نظم كتابه أوهام ذوى العباد {الرحيم} الجاذب بلطافة معنى خطابه افهام أولى الرشاد واللام فى ٦{لتنذر قوما} متصل بمعنى المرسلين أى أرسلت لتنذر قوما ما {ما أنذر آباؤهم} ما نافية عند الجمهور اي قوما غير منذر آباؤهم بدليل قوله لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير أو موصولة منصوبة على المفعول الثانى أى العذاب الذى أنذره آباؤهم كقوله إنا أنذرناكم عذابا قريبا أو مصدرية أى لتنذر قوما إنذار آبائهم أى مثل إنذار آبائهم {فهم غافلون} إن جعلت ما نافية فهو متعلق بالنفى أى لم ينذروا فهم غافلون وإلا فهو متعلق بقوله إنك لمن المرسلين لتنذر كما تقول أرسلتك إلى فلان لتنذره فإنه غافل أو فهو غافل ٧{لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون} يعنى قوله لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين أى تعلق بهم هذا القول وثبت عليهم ووجب لأنهم ممن علم أنهم يموتون على الكفر ثم مثل تصميمهم على الكفر وأنه لا سبيل إلى ارعوائهم بأن جعلهم كالمغلولين المقمحين فى أنهم لا يلتفتون إلى الحق ولا يعطفون اعناقهم نحوه ولا يطأطأون رؤوسهم له وكالحاصلين بين سدين لا يبصرون ماقدامهم ولا ما خلفهم فى أن لا تأمل لهم ولا تبصر وأنهم متعامون عن النظر فى آيات اللّه بقوله ٨{إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان} معناه فالأغلال واصلة إلى الأذقان ملزوزة إليها {فهم مقمحون} مرفوعة رؤسهم يقال قمح البعير فهو قامح إذا روى فرفع رأسه وهذا لأن طوق الغل الذى فى عنق المغلول يكون فى ملتقى طرفيه تحت الذقن حلقه فيها رأس العمود خارجا من الحلقة إلى الذقن فلا يخليه يطأطىء رأسه فلا يزال مقمحا ٩{وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا} بفتح السين حمزة وعلى وحفص وقيل ما كان من عمل الناس فبالفتح وماكان من خلق اللّه كالجبل ونحوه فبالضم {فأغشيناهم} فأغشينا أبصارهم أى غطيناها وجعلنا عليها غشاوة {فهم لا يبصرون} الحق والرشاد وقيل نزلت فى بني مخزوم وذلك أن أبا جهل حلف لئن رأى محمدا يصلى ليرضخن رأسه فأتاه وهو يصلى ومعه حجر ليدمغه به فلما رفع يده انثنت إلى عنقه ولزق الحجر بيده حتى فكوه عنها بجهد فرجع إلى قومه فأخبرهم فقال مخزومى آخر انا أقتله بهذا الحجر فذهب فاعمى اللّه بصره ١٠{وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون} أى سواء عليهم الانذار وتركه والمعنى من أضله اللّه هذا الاضلال لم ينفعه الانذار وروى أن عمر بن عبد العزيز قرأ الآية على غيلان القدرى فقال كأنى لم أقرأها أشهدك انى تائب عن قولى فى القدر فقال عمر اللّهم إن صدق فت عليه وإن كذب فسلط عليه من لا يرحمه فأخذه هشام بن عبد الملك من عنده فقطع يديه ورجليه وصليه على باب دمشق ١١{إنما تنذر من اتبع الذكر} أى إنما ينتفع بإنذاك من ابتع القرآن {وخشي الرحمن بالغيب} وخاف عقاب اللّه ولم يره {فبشره بمغفرة} وهي العفو عن ذنوبه {وأجر كريم} أى الجنة ١٢{إنا نحن نحيي الموتى} لبعثهم بعد مماتهم أو نخرجهم من الشرك إلى الإيمان {ونكتب ما قدموا} ما أسلفوا من الأعمال الصالحات وغيرها {وآثارهم} ما هلكوا عنه من أثر حسن كعلم علموه أو كتاب صنفوه أو حبيس حبسوه أو رباط أو مسجد صنعوه أو سيىء كوظيفة وظفها بعض الظلمة وكذلك كل سنة حسنة أو سيئة يستن بها ونحوه قوله تعالى ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وآخر قدم من أعماله وأخر من آثاره وقيل هى خطاهم إلى الجمعة أو إلى الجماعة {وكل شيء أحصيناه} عددناه وبيناه {في إمام مبين} يعنى اللوح المحفوظ لأنه أصل الكتب ومقتداها ١٣{واضرب لهم مثلا أصحاب القرية} ومثل لهم من قولهم عندى من هذا الضرب كذا أي من هذا المثال وهذه الأشياء على ضرب واحد أى على مثال واحد والمعنى واضرب لهم مثلا مثل أصحاب القرية أى انطاكية أى اذكر لهم قصة عجيبة قصة أصحاب القرية والمثل الثانى بيان للأول وانتصاب {إذ} بانه بدل من أصحاب القرية {جاءها المرسلون} رسل عيسى عليه السلام إلى أهلها بعثهم دعاة إلى الحق وكانوا عبدة أوثان ١٤{إذ} بدل من اذ الأولى {أرسلنا إليهم} أى أرسل عيسى بأمرنا {اثنين} صادقا وصدوقا فلما قربا من المدينة رايا شيخا يرعى غنيمات له وهو حبيب النجار فسأل عن حالهما فقالا نحن رسولا عيسى ندعوكم من عبادة الأوثان إلى عبادة الرحمن فقال أمعكما آية فقالا نشفى المريض ونبرىء الأكمة والأبرص وكان له ابن مريض مدة سنتين فمسحاه فقام فآمن حبيب وفشا الخبر فشفى على أيديهما خلق كثير فدعاهما الملك وقال لهما ألنا آله سوى آلهتنا قالا نعم من أوجدك وآلهتك فقال حتى أنظر فى أمركما فتبعهما الناس وضربوهما وقيل حبسا ثم بعث عيسى شمعون فدخل متنكرا وعاشر حاشية الملك حتى استأنسوا به ورفعوا خبره إلى الملك فأنس به فقال له ذات يوم بلغني أنك حبست رجلين فهل سمعت قولهما قال لا فدعاهما فقال شمعون من أرسلكما قالا اللّه الذى خلق كل شىء ورزق كل حى وليس له شريك فقال صفاه وأوجزا قالا يفعل مايشاء ويحكم مايريد قال وما آيتكما قالا ما يتمنى الملك فدعى بغلام أكمه فدعوا اللّه فأبصر الغلام فقال شمعون أرأيت لو سألت إلهك حتى يصنع مثل هذا فيكون لك وله الشرف قال الملك ليس لى عنك سر ان إلهنا لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع ثم قال إن قدر إلهكما على إحياء ميت آمنا به فدعوا بغلام مات من سبعة أيام فقام وقال إنى أدخلت فى سبعة أودية من النار لما مت عليه من الشرك وأنا أحذركم ما أنتم فيه فآمنوا وقال فتحت أبواب السماء فرأيت شابا حسن الوجه يشفع لهؤلاء الثلاثة قال الملك ومن هم قال شمعون وهذان فتعجب الملك فلما رأى شمعون أن قوله قد اثر فيه نصحه فآمن وآمن قوم ومن لم يؤمن صاح عليهم جبريل فهلكوا {فكذبوهما} فكذب أصحاب القرية الرسولين {فعززنا} فقويناهما فعززنا أبو بكر من عزه يعزه إذا غلبه أى فغلبنا وقهرنا {بثالث} وهو شمعون وترك ذكر المفعول به لأن المراد ذكر المعزز به وهو شمعون وما لطف فيه من التدبير حتى عز الحق وذل الباطل وإذا كان الكلام منصبا إلى غرض من الأغراض جعل سياقه له وتوجهه إليه كأن ماسواه مرفوض {فقالوا إنا إليكم مرسلون} أى قال الثلاثة لأهل القرية ١٥{قالوا} أى أصحاب القرية {ما أنتم إلا بشر مثلنا} رفع بشر هنا ونصب فى قوله ما هذا بشرا لانتقاض النفى بالافلم يبق لما شبه بليس وهو الموجب لعلمه {وما أنزل الرحمن من شيء} أى وحيا {إن أنتم إلا تكذبون} ما أنتم إلا كذبة ١٦{قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون} أكد الثانى باللام دون الأول لأن الأول ابتداء اخبار والثانى جواب عن إنكار فيحتاج إلى زيادة تأكيد وربنا يعلم جار مجرى القسم فى التوكيد وكذلك قولهم شهد اللّه وعلم اللّه ١٧{وما علينا إلا البلاغ المبين} أى التبليغ الظاهر المكشوف بالآيات الشاهدة بصحته ١٨{قالوا إنا تطيرنا بكم} تشاءمنا بكم وذلك أنهم كرهوا دينهم ونفرت منه نفوسهم وعادة الجهال أن يتيمنوا بكل شىء مالوا إليه وقبلته طباعهم ويتشاءموا بما نفروا عنه وكرهوه فإن أصابهم بلاء أو نعمة قالوا بشؤم هذا وبركة ذلك وقيل حبس عنهم المطر فقالوا ذلك {لئن لم تنتهوا} عن مقالتكم هذه {لنرجمنكم} لنقتلنكم أو لنطردنكم أو لنشتمنكم {وليمسنكم منا عذاب أليم} وليصيبنكم عذاب النار وهو أشد عذاب ١٩{قالوا طائركم} أى سبب شؤمكم {معكم} وهو الكفر {أئن} بهمزة الاستفهام وحرف الشرط كوفى وشامى {ذكرتم} وعظتم ودعيتم إلى الإسلام وجواب الشرط مضمر وتقديره تطيرتم آين بهمزة ممدودة بعدها ياء مكسورة أبو عمرو وأين بهمزة مقصورة بعدها ياء مكسورة مكى ونافع ذكرتم بالتخفيف يزيد {بل أنتم قوم مسرفون} مجاوزون الحد فى العصيان فمن ثم أتاكم الشؤم من قبلكم لا من قبل رسل اللّه وتذكيرهم أو بل أنتم مسرفون فى ضلالكم وغيكم حيث تتشاءمون بمن يجب التبرك به من رسل اللّه ٢٠{وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى} هو حبيب النجار وكان في غار من الجبل يعبد اللّه فلما بلغه خبر الرسل أتاهم وأظهر دينه وقال أتسألون على ماجئتم به أجرا قالوا لا {قال يا قوم اتبعوا المرسلين ٢١ اتبعوا من لا يسألكم أجرا} على تبليغ الرسالة {وهم مهتدون} أى الرسل فقالوا أو أنت على دين هؤلاء فقال ٢٢{وما لي لا أعبد الذي فطرني} خلقنى {وإليه ترجعون} وإليه مرجعكم ومالى حمزة ٢٣{أأتخذ} بهمزتين كوفى {من دونه آلهة} يعنى الأصنام {إن يردن الرحمن بضر} شرط جوابه {لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون} من مكروه ولا ينقذونى فاسمعونى فى الحالين يعقوب ٢٤{إني إذا} أى إذا اتخذت {لفي ضلال مبين} ظاهر بين ولما نصح قومه أخذوا يرجمونه فأسرع نحو الرسل قبل أن يقتل فقال لهم ٢٥{إني آمنت بربكم فاسمعون} أى اسمعوا إيمانى لتشهدو لى به ولما قتل ٢٦{قيل} له {ادخل الجنة} وقبره فى سوق انطاكية ولم يقل قيل له لأن الكلام سيق لبيان المقول لا لبيان المقول له مع كونه معلوما وفيه دلالة أن الجنة مخلوقة وقال الحسن لما أراد القوم أن يقتلوه رفعه اللّه إليه وهو فى الجنة ولا يموت إلا بفناء السموات والأرض فلما دخل الجنة ورأى نعيمها {قال يا ليت قومي يعلمون ٢٧بما غفر لي ربي} أى بمغفرة ربى لى أو بالذى غفر لى {وجعلني من المكرمين} بالجنة ٢٨{وما أنزلنا} ما نافية {على قومه} قوم حبيب {من بعده} أى من بعد قتله أو رفعه {من جند من السماء} لتعذيبهم {وما كنا منزلين} وما كان يصح فى حكمتنا أن ننزل فى اهلاك قوم حبيب جندا من السماء وذلك لأن اللّه تعالى أجرى هلاك كل قوم على بعض الوجوه دون بعض لحكمه اقتضت ذلك ٢٩{إن كانت} الأخذة أو العقوبة {إلا صيحة واحدة} صاح جبريل عليه السلام صيحة واحدة {فإذا هم خامدون} ميتون كما تخمد النار والمعنى أن اللّه كفى أمرهم بصيحة ملك ولم ينزل لاهلاكهم جندا من جنود السماء كما فعل يوم بدر والخندق ٣٠{يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزؤون} الحسرة شدة الندم وهذا نداء للحسرة عليهم كانما قيل لها تعالى يا حسرة فهذه من أحوالك التى حقك أن تحضرى فيها وهى حال استتهزائهم بالرسل والمعنى أنهم أحقاء بأن يتحسر عليهم المنحسرون ويتلهف على حالهم المتلهفون أو هم متحسر عليهم من جهة الملائكة والمؤمنين من المقلين ٣١{ألم يروا} ألم يعلموا {كم أهلكنا قبلهم من القرون} كم نصب باهلكنا ويروا معلق عن العمل فى كم لأن كم لا يعمل فيها عامل قبلها كانت للاستفهام أو للخبر لأن أصلها للاستفهام إلا أن معناه نافذ فى الجملة وقوله {أنهم إليهم لا يرجعون} بدل من كم أهلكنا على المعنى لا على اللفظ تقديره ألم يروا كثرة اهلاكنا القرون من قبلهم كونهم غير راجعين إليهم ٣٢{وإن كل لما جميع لدينا محضرون} لما بالتشديد شامى وعاصم وحمزة بمعنى إلا وان نافية وغيرهم بالتخفيف على أن ما صلة للتأكيد وإن مخففة من الثقيلة وهى متلقاة باللام لا محالة والتنوين فى كل عوض من المضاف إليه والمعنى أن كلهم محشورون مجموعون محضرون للحساب أو معذبون وإنما أخبر عن كل بجميع لأن كلا يفيد معنى الاحاطة والجميع فعيل بمعنى مفعول ومعناه الاجتماع يعنى أن المحشر يجمعهم ٣٣{وآية لهم} مبتدأ أو خبر أى وعلامة تدل على أن اللّه يبعث الموتى إحياء الأرض الميتة ويجوز أن يرتفع آية بالابتداء ولهم صفتها وخبرها {الأرض الميتة} اليابسة وبالتشديد مدنى {أحييناها} بالمطر وهو استئناف بيان لكون الأرض الميتة آية وكذلك تسلخ ويجوز أن توصف الأرض والليل بالفعل لأنه أريد بهما جنسان مطلقان لا أرض وليل باعيانها فعوملا معاملة النكرات فى وصفهما بالأفعال ونحوه ولقد أمر على اللئيم يسبنى {وأخرجنا منها حبا} أريد به الجنس {فمنه يأكلون} قدم الظرف ليدل على أن الحب هو الشىء الذى يتعلق به معظم العيش ويقوم بالارتزاق منه صلاح الانس وإذا قل جاء القحط ووقع الضر وإذا حضر الهلاك ونزل البلاء ٣٤{وجعلنا فيها} فى الأرض {جنات} بساتين {من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون} من زائدة عند الأخفش وعند غيره المفعول محذوف تقديره ما ينتفعون به ٣٥ليأكلوا من ثمره} والضمير للّه تعالى أى ليأكلوا مما خلقه اللّه من الثمر من ثمرة حمزة وعلى {وما عملته أيديهم} أى ومما عملته أيديهم من الغرس والسقى والتلقيح وغير ذلك من الأعمال إلى أن يبلغ الثمر منتهاه يعنى أن الثمر فى نفسه فعل اللّه وخلقه وفيه آثار من كد بني آدم وأصله من ثمرنا كما قال وجعلنا وفجرنا فنقل الكلام من التكلم إن الغيبة على طريق الالتفات ويجوز أن يرجع الضمير إلى النخيل وتترك الاعناب غير مرجوع إليها لأنه علم أنها فى حكم النخيل مما علق به من أكل ثمره ويجوز أن يراد من ثمر المذكور وهو الجنات كما قال رؤبة فيها خطوط من بياض وبلق كانه فى الجلد توليع البهق فقيل له فقال أردت كأن ذاك وما عملت كوفى غير حفص وهى مصاحف أهل الكوفة كذلك وفى مصاحف أهل الحرمين والبصرة والشام مع الضمير وقيل ما نافية على أن الثمر خلق اللّه ولم تعمله أيدى الناس ولا يقدرون عليه {أفلا يشكرون} استبطاء وحث على شكر النعمة ٣٦{سبحان الذي خلق الأزواج} الأصناف {كلها مما تنبت الأرض} من النخيل والشجر والزرع والثمر {ومن أنفسهم} الأولاد ذكورا واناثا {ومما لا يعلمون} ومن أزواج لم يطلعهم اللّه عليها ولا توصلوا إلى معرفتها ففى الأودية والبحار أشياء لا يعلمها الناس ٣٧{وآية لهم الليل نسلخ منه النهار} نخرج منه النهار اخراجا لا يبقى معه شىء من ضوء النهار أو ننزع عنه الضوء نزع القميص الأبيض فيعرى نفس الزمان كشخص زنجى أسود لأن أصل ما بين السماء والأرض من الهواء الظلمة فاكتسى بعضه ضوء الشمس كمبيت مظلم أسرج فيه فإذا غاب السراج أظلم {فإذا هم مظلمون} داخلون فى الظلام ٣٨{والشمس تجري} وآية لهم الشمس تجرى {لمستقر لها} لحد لها مؤقت مقدر تنتهى إليه من فلكها فى آخر السنة شبه بمستقر المسافر إذ قطع مسيره أو لحد لها من مسيرها كل يوم فى مرائى عيوننا وهو المغرب أو لانتهاء أمرها عند انقضاء الدنيا {ذلك} الجرى على ذلك التقدير والحساب الدقيق {تقدير العزيز} الغالب بقدرته على كل مقدور {العليم} بكل معلوم ٣٩{والقمر} نصب بفعل يفسره {قدرناه} وبالرفع مكي ونافع وأبو عمرو وسهل على الابتداء والخبر قدرناه أو على وآية لهم القمر {منازل} وهى ثمانية وعشرون منزلا لا ينزل القمر كل ليلة فى واحد منها لا يتخطاه ولا يتقاصر عنه على تقدير مستو يسير فيها من ليلة المستهل إلى الثامنة والعشرين ثم يستتر ليلتين أو ليلة إذا نقص الشهر ولابد فى قدرناه منازل من تقدير مضاف لأنه لا معنى لتقدير نفس القمر منازل أي قدرنا نوره فيزيد وينقص أو قدرنا مسيره منازل فيكون ظرفا فإذا كان فى آخر منازله دق واستقوس {حتى عاد كالعرجون} هو عود الشمراخ إذا يبس واعوج ووزنه فعلون من الانعراج وهو الانعطاف {القديم} العتيق المحول وإذا قدم دق وانحنى واصفر فشبه القمر به من ثلاثة أوجه ٤٠{لا الشمس ينبغي لها} أى لا يتسهل لها ولا يصح ولا يستقيم {أن تدرك القمر} فتجتمع معه فى وقت واحد وتداخله فى سلطانه فتطمس نوره لأن لكل واحد من النيرين سلطانا على حياله لسلطان الشمس بالنهار وسلطان القمر بالليل {ولا الليل سابق النهار} ولا يسبق الليل النهار أى آية الليل آية النهار وهما النيران ولا يزال الأمر على هذا الترتيب إلى أن تقوم القيامة فيجمع اللّه بين الشمس والقمر وتطلع الشمس من مغربها {وكل} التنوين فيه عوض عن المضاف إليه أى وكلهم والضمير للشموس والأقمار {في فلك يسبحون} يسيرون ٤١{وآية لهم أنا حملنا ذريتهم} درياتهم مدنى وشامى {في الفلك المشحون} أى المملوء والمراد بالذرية الأولاد ومن يهمهم حمله وكانوا يبعثونهم إلى التجارات فى بر أو بحر أو الآباء لأنها من الاضداد والفلك على هذا سفينة نوح عليه السلام وقيل معنى حمل اللّه ذرياتهم فيها أنه حمل فيها آبائهم الأقدمين وفى أصلابهم وذرياتهم وإنما ذكر ذرياتهم دونهم لأنه أبلغ فى الامتنان عليهم ٤٢{وخلقنا لهم من مثله} من مثل الفلك {ما يركبون} من الإبل وهى سفائن البر ٤٣{وإن نشأ نغرقهم} فى البحر {فلا صريخ لهم} فلا مغيث أو فلا إغاثة {ولا هم ينقذون} لا ينجون ٤٤{إلا رحمة منا ومتاعا إلى حين} أى ولا ينقذون إلا لرحمة منا ولتمتيع بالحياة إلى انقضاء الأجل فهما منصوبان على المفعول له ٤٥{وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم} أى ماتقدم من ذنوبكم وما تأخر مما أنتم تعملون من بعد ومن مثل الوقائع التى ابتليت بها الأمم المكذبة بأنبيائها وما خلفكم من أمر الساعة أو فتنة الدنيا وعقوبة الآخرة {لعلكم ترحمون} لتكونوا على رجاء رحمة اللّه وجواب إذا مضمر أى أعرضوا وجاز حذفه لأن قوله ٤٦{وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين} يدل عليه ومن الأولى لتأكيد النفى والثانية للتبعيض أى ودأبهم الإعراض عند كل آية وموعظة ٤٧{وإذا قيل لهم} لمشركى مكة {أنفقوا من ما رزقكم اللّه} أى تصدقوا على الفقراء {قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء اللّه أطعمه} عن ابن عباس رضى اللّه عنهما كان بمكة زنادقة فإذا أمروا بالصدقة ٣على المساكين قالوا لا واللّه أيفقره اللّه ونطعمه نحن {إن أنتم إلا في ضلال مبين} قول اللّه لهم أو حكاية قول المؤمنين لهم أو هو من جملة جوابهم للمؤمنين ٤٨{ويقولون متى هذا الوعد} أى وعد البعث والقيامة {إن كنتم صادقين} فيما تقولون خطاب للنبى وأصحابه ٤٩{ما ينظرون} ينتظرون {إلا صيحة واحدة} هى النفخة الأولى {تأخذهم وهم يخصمون} حمزة بسكون الخاء وتخفيف الصاد من خصمه إذا غلبه فى الخصومة وشدد الباقون الصاد أى يخصمون بإدغام التاء فى الصاد لكنه مع فتح الخاء مكى بنقل حركة التاء المدغمة إليها وبسكون الخاء مدنى وبكسر الياء والخاء يحيى فاتبع الياء الخاء فى الكسر وبفتح الياء وكسر الخاء غيرهم والمعنى تأخذهم وبعضهم يخصم بعضا فى معاملاتهم ٥٠{فلا يستطيعون توصية} فلا يستطيعون أن يوصلوا فى شىء من أمورهم توصية {ولا إلى أهلهم يرجعون} ولا يقدروا على الرجوع إلى منازلهم بل يموتون حيث يسمعون الصيحة ٥١{ونفخ في الصور} هى النفخة الثانية والصور القرن أو جمع صورة {فإذا هم من الأجداث} أى القبور {إلى ربهم ينسلون} يعدون بكسر السين وضمها ٥٢{قالوا} أى الكفار {يا ويلنا من بعثنا} من أنشرنا {من مرقدنا} أى مضجعنا وقف لازم عن حفص وعن مجاهد للكفار مضجعه يجدون فيها طعم النوم فإذا صيح بأهل القبور قالوا من بعثنا {هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون} كلام الملائكة أو المتقين أو الكافرين يتذكرون ما سمعوه من الرسل فيجيبون به أنفسهم أو بعضهم بعضا وما مصدرية ومعناه هذا وعد الرحمن وصدق المرسلين على تسمية الموعود والصدوق فيه بالوعد والصدق أو موصولة وتقديره هذا الذى وعده الرحمن والذى صدقه المرسلون أى والذى صدق فيه المرسلون ٥٣{إن كانت} النفخة الأخيرة {إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون} للحساب ثم ذكر ما يقال لهم فى ذلك اليوم ٥٤{فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون ٥٥إن أصحاب الجنة اليوم في شغل} بضمتين كوفى وشامى وبضمة وسكون مكى ونافع وأبو عمرو والمعنى فى شغل في أى شغل وفى شغلى لا يوصف وهو افتضاض الأبكار على شط الأنهار تحت الأشجار أو ضرب الأوتار أو ضيافة الجبار {فاكهون} خبر ثان فكهون يزيدو الفاكه والفكه المتنعم المتلذذ ومنه الفاكهة لأنها مما يتلذذ به وكذا الفكاهة ٥٦{هم} مبتدأ {وأزواجهم} عطف عليه {في ظلال} حال جمع ظل وهو الموضع الذى لا تقع عليه الشمس كذئب وذئاب أو جمع ظلة كبرمة وبرام دليله قراءة حمزة وعلى ظلل جمع ظلة وهى ماسترك عن الشمس {على الأرائك} جمع الأريكة وهى السرير فى الحجلة أو الفراش فيها {متكئون} خبر أو فى ظلال خبر وعلى الأرائك مستأنف ٥٧{لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون} يفتعلون من الدعاء أى كل ما يدعو به أهل الجنة يأتيهم أو يتمنون من قولهم ادع على ما شئت أى تمنه على عن الفراء هو من الدعوى ولا يدعون مالا يستحقون ٥٨{سلام} بدل مما يدعون كانه قال لهم سلام يقال لهم {قولا من رب رحيم} والمعنى أن اللّه يسلم عليهم بواسطة الملائكة أو بغير واسطة تعظيما لهم وذلك متمناهم ولهم ذلك لا يمنعونه قال ابن عباس والملائكة يدخلون عليهم بالتحية من رب العالمين ٥٩{وامتازوا اليوم أيها المجرمون} وانفردوا عن المؤمنين وكونوا على حدة وذلك حين يحشر المؤمنون ويسار بهم إلى الجنة وعند الضحاك لكل كافر بيت من النار يكون فيه لا يرى ولايرى أبدا ويقول لهم يوم القيامة ٦٠{ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين} العهد الوصية وعهد إليه إذا وصاه وعهد اللّه إليهم ما ركزه فيهم من أدلة العقل وأنزل عليهم دلائل السمع وعبادة الشيطان طاعته فيما يوسوس به إليهم ويزينه لهم ٦١{وأن اعبدوني} وحدونى وأطيعونى {هذا} اشارة إلى ما عهد إليهم من معصية الشيطان وطاعة الرحمن {صراط مستقيم} أى صراط بليغ فى استقامته ولا صراط أقوم منه ٦٢{ولقد أضل منكم جبلا} بكسر الجيم والباء والتشديد مدنى وعاصم وسهل جبلا بضم الجيم والباء والتشديد يعقوب جبلا مخففا شامى وأبو عمرو وجبلا بضم الجيم والباء وتحفيف اللام غيرهم وهذه لغات فى معنى الخلق {كثيرا أفلم تكونوا تعقلون} استفهام تقريع على تركهم الانتفاع بالعقل ٦٣{هذه جهنم التي كنتم توعدون} بها ٦٤{اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون} ادخلوها بكفركم وانكاركم لها ٦٥{اليوم نختم على أفواههم} أى تمنعهم من الكلام {وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون} يروى أنهم يجحدون ويخاصمون فتشهد عليهم جيرانهم وأهاليهم وعشائرهم فيحلفون ما كانوا مشركين فحينئذ يختم على أفواههم وتكلم أيديهم وأرجلهم وفى الحديث: يقول العبد يوم القيامة انى لا اجيز على إلا شاهدا من نفسى فيختم على فيه ويقال لأركانه انطقى فتنطق بأعماله ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول بعدا لكن وسحقا فعنكن كنت اناضل ٦٦{ولو نشاء لطمسنا على أعينهم} ولو نشاء لمسخناهم قردة أو خنازير أو حجارة ٦٧{وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ على مكانتهم} على مكاناتهم أبو بكر وحماد والمكانة والمكان واحد كالمقامة والمقام أى لمسخناهم فى منازلهم حيث يجترحون المآثم {فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون} فلم يقدروا على ذهاب ولا مجىء أو مضيا أمامهم ولا يرجعون خلفهم ٦٨{ومن نعمره ننكسه} عاصم وحمزة والتنكيس جعل الشىء أعلاه أسفله الباقون ننكسه {في الخلق} أى نقلبه فيه بمعنى من أطلنا عمره نكسنا خلقه فصار بدل القوة ضعفا وبدل الشباب هرما وذلك أنا خلقناه على ضعف فى جسده وخلو من عقل وعلم ثم جعلناه يتزايد إلى أن يبلغ أشده ويستكمل قوله ويعقل ويعلم ماله وما عليه فاذا انتهى نكسناه في الخلق فجعلناه يتناقص حتى يرجع إلى حال شبيهة يحال الصبى في ضعف جسده وقلة عقله وخلوه من العلم كما ينكس السهم فيجعل أعلاه أسفله قال عز وجل ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا {أفلا يعقلون} إن من قدر على أن ينقلهم من الشباب إلى الهرم ومن القوة إلى الضعف ومن رجاحة العقل إلى الخرف وقلة التمييز قادر على أن يطمس على أعينهم ويمسخهم على مكانتهم ويبعثهم بعد الموت وبالتاء مدنى ويعقوب وسهل وكانوا يقولون لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم شاعر فنزل ٦٩{وما علمناه الشعر} أى وما علمنا النبى عليه السلام قول الشعراء أو وما علمناه بتعليم القرآن الشعر على معنى أن القرآن ليس بشعر فهو كلام موزون مقفى يدل على معنى فأين الوزن وأين التقفية فلا مناسبة بينه وبين الشعر إذا حققته {وما ينبغي له} ومايصح له ولا يليق بحاله ولا يتطلب لو طلبه أى جعلناه بحيث لو أراد قرض الشعر لم يتأت له ولم يتسهل كما جعلناه اميا لا يهتدي إلى الخط لتكون الحجة أثبت والشبهة أدحض وأما قوله أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب وقوله هل أنت الا اصبع دميت وفي سبيل اللّه مالقيت فما هو إلا من جنس كلامه الذي كان يرمي به على السليقة من غير صنعة فيه ولا تكلف الا انه اتفق من غير قصد إلى ذلك ولا التفات منه أن جاء موزونا كما يتفق في خطب الناس ورسائلهم ومحاوراتهم أشياء موزونة ولا يسميها أحد شعرا لأن صاحبه لم يقصد الوزن ولا بد منه على أنه عليه السلام قال لقيت بالسكون وفتح الباء في كذب وخفض الباء في المطلب ولما نفى ان يكون القرآن من جنس الشعر قال {إن هو} أي المعلم {إلا ذكر وقرآن مبين} أي ما هو الا ذكر من اللّه يوعظ به الإنس والجن وما هو إلا قرآن كتاب سماوي يقرأ في المحاريب ويتلى في المتعبدات وينال بتلاوته والعمل به فوز الدارين فكم بينه وبين الشعر الذي هو من همزات الشياطين ٧٠{لينذر} القرآن أو الرسول لتنذر مدني وشامي وسهل ويعقوب {من كان حيا} عاقلا متأملا لأن الغافل كالميت أو حيا بالقلب {ويحق القول} وتجب كلمة العذاب {على الكافرين} الذين لا يتأملون وهم في حكم الاموات ٧١{أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما} أي مما تولينا نحن احداثه ولم يقدر على توليه غيرنا {فهم لها مالكون} أى خلقناها لأجلهم فملكناها إياهم فهم متصرفون فيها تصرف الملاك مختصون بالانتفاع بها أو فهم لها ضابطون قاهرون ٧٢{وذللناها لهم} وصيرناها منقادة لهم وإلا فمن كان يقدر عليها لولا تذليله تعالى وتسخيره لها ولهذا ألزم اللّه سبحانه الراكب أن يشكر هذه النعمة ويسبح بقوله سبحان الذى سخر لنا هذا وماكنا له مقرنين {فمنها ركوبهم} وهو ما يركب {ومنها يأكلون} أى سخرناها لهم ليركبوا ظهرها ويأكلوا لحمها ٧٣{ولهم فيها منافع} من الجلود والأوبار وغير ذلك {ومشارب} من اللبن وهو جمع مشرب وهو موضع الشرب أو الشراب {أفلا يشكرون} اللّه على انعام الأنعام ٧٤{واتخذوا من دون اللّه آلهة لعلهم ينصرون} أى لعل أصنامهم تنصرهم إذا حز بهم أمر ٧٥{لا يستطيعون} أى آلهتهم {نصرهم} نصر عابديهم {وهم لهم} أي الكفار للأصنام {جند} أعوان وشيعة {محضرون} يخدمونهم ويذبون عنهم أو اتخذوهم لينصروهم عند اللّه ويشفعوا لهم والأمر على خلاف ماتوهموا حيث هم يوم القيامة جند معدون لهم محضرون لعذابهم لأنهم يجعلون وقود النار ٧٦{فلا يحزنك قولهم} وبضم الياء وكسر الزاي نافع من حزنه وأحزنه يعنى فلا يهمك تكذيبهم وأذاهم وجفاءهم {إنا نعلم ما يسرون} من عداوتهم {وما يعلنون} وإنا مجازوهم عليه نحق مثلك أن يتسلى بهذا الوعيد ويستحضر فى نفسه صورة حاله وحالهم فى الآخرة حتى ينقشع عنه الهم ولا يرهقه الحزن ومن زعم أن من قرأ إنا نعلم بالفتح فسدت صلاته وإن اعتقد معناه كفر فقد أخطأ لأنه يمكن حمله على حذف لام التعليل وهو كثير فى القرآن والشعر وفى كل كلام وعليه تلبية رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: إن الحمد والنعمة لك كسر أبو حنيفة وفتح الشافعي رحمة اللّه عليهما وكلاهما تعليل فإن قلت إن كان المفتوح بدلا من قولهم كانه قيل فلا يحزنك أنا نعلم مايسرون وما يعلنون ففساده ظاهر قلت هذا المعنى قائم مع المكسورة إذا جعلتها مفعولة للقول فقد تبين أن تعلق الحزن بكون اللّه عالما وعدم تعلقه لا يدوران على كسران وفتحها وإنما يدوران على تقديرك فتفصل إن فتحت بأن تقدر معنى التعليل ولا تقدر معنى البدل كما أنك تفصل بتقدير معنى التعليل إذا كسرت ولا تقدره معنى المفعولية ثم إن قدرته كاسرا أو فاتحا على ما عظم فيه الخطب ذلك القائل فما فيه إلا نهي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن الحزن على علمه تعالى بسرهم وعلانيتهم والنهي عن حزنه ليس إثباتا لحزنه بذلك كما فى قوله فلا تكونن ظهيرا للكافرين * ولا تكونن من المشركين * ولا تدع مع اللّه إلها آخر ونزل فى أبي بن خلف حين أخذ عظما باليا وجعل يفته بيده ويقول يا محمد أترى اللّه يحيى هذا بعد مارم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: نعم ويبعثك ويدخلك جهنم ٧٧{أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة} مذرة خارجة من الاحليل الذى هو قناه النجاسة {فإذا هو خصيم مبين} بين الخصومة أي فهو على مهانة أصله ودناءة أوله يتصدى لمخاصمة ربه وينكر قدرته على إحياء الميت بعد مارمت عظامه ثم يكون خصامه فى ألزم وصف له وألصقه به وهو كونه منشأ من موات وهو ينكر انشاءه من موات وهو غاية المكابرة ٧٨{وضرب لنا مثلا} بفته العظم {ونسي خلقه} من المنى فهو أغرب من إحياء العظم المصدر مضاف إلى المفعول أى خلقنا إياه قال من يحى العظام وهى رميم هو اسم لما بلى من العظام غير صفة كالرمة والرفات ولهذا لم يؤنث وقد وقع خبر المؤنث ومن يثبت الحياة فى العظام ويقول إن عظام الميتة نجسة لأن الموت يؤثر فيها من قبل أن الحياة تحلها يتشبث بهذه الآية وهى عندنا طاهرة وكذا الشعر والعصب لأن الحياة لا تحلها فلا يؤثر فيها الموت والمراد باحياء العظام فى الآية ردها إلى ما كانت عليه غضة رطبة فى بدن حى حساس ٧٩{قل يحييها الذي أنشأها} خلقها {أول مرة} أى ابتداء {وهو بكل خلق} مخلوق {عليم} لا تخفى عليه أجزاؤه وان تفرقت فى البر والبحر فيجمعه ويعيده كما كان ٨٠{الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون} تقدحون ثم ذكر من بدائع خلقه انقداح النار من الشجر الأخضر مع مضادة النار الماء وانطفائها به وهى الزناد التى تورى بها الأعراب واكثرها من المرخ والعفار وفى أمثالهم وفى كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار لأن المرخ شجر سريع الورى والعفار شجر تقدح منه النار يقطع الرجل منهما غصنين مثل السواكين وهما خضراوان يقطر منهما الماء فيسحق المرخ وهو ذكر على العفار وهى أنثى فننقدح النار بإذن اللّه وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما ليس من شجرة إلا وفيها النار إلا العناب لمصلحة الدق للثياب فمن قدر على جمع الماء والنار فى الشجر قدر على المعاقبة بين الموت والحياة فى البشر واجراء أحد الضدين على الآخر بالتعقيب أسهل فى العقل من الجمع معا بلا ترتيب والاخضر على اللفظ وقرىء الخضراء على المعنى ثم بين أن من قدر عل خلق السموات والأرض مع عظم شأنهما فهو على خلق الاناسى أقدر بقوله ٨١{أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم} فى الصغر بالاضافة إلى السموات والأرض أو أن يعيدهم لأن المعاد مثل للمبتدأ وليس به {بلى} أى قل بلى هو قادر على ذلك {وهو الخلاق} الكثير المخلوقات {العليم} الكثير المعلومات ٨٢{إنما أمره} شأنه {إذا أراد شيئا أن يقول له كن} أن يكونه {فيكون} فيحدث أى فهو كائن موجود لا محالة فالحاصل أن المكونات بتخليقه وتكوينه ولكن عبر عن إيجاده بقوله كن من غير أن كان منه كاف ونون وإنما هو بيان لسرعة الايجاد كأنه يقول كما لا يثقل قول كن عليكم فكذا لا يثقل على اللّه ابتداء الخلق واعادتهم فيكون شامى وعلى عطف على يقول وأما الرفع فلانها جملة من مبتدأ وخبر لأن تقديرها فهو يكون معطوفة على مثلها وهى أمره أن يقول له كن ٨٣{فسبحان} تنزيه مما وصفه به المشركون وتعجيب من أن يقولوا فيه ما قالوا {الذي بيده ملكوت كل شيء} أى ملك كل شىء وزيادة الواو والتاء للمبالغة يعنى هو مالك كل شيء {وإليه ترجعون} تعادون بعد الموت بلا فوت ترجعون يعقوب قال عليه الصلاة والسلام: إن لكل شىء قلبا وان قلب القرآن يس من قرأ يس يريد بها وجه اللّه غفر اللّه له وأعطى من الأجر كأنما قرأ القرآن اثنتين وعشرين مرة وقال عليه السلام: من قرأ يس أمام حاجته قضيت له وقال عليه السلام: من قرأها إن كان جائعا أشبعه اللّه وإن كان ظمآن أرواه اللّه وان كان عريانا ألبسه اللّه وان كان خائفا أمنه اللّه وان كان مستوحشا آنسه اللّه وان كان فقيرا أغناه اللّه وان كان فى السجن أخرجه اللّه وإن كان أسيرا خلصه اللّه وان كان ضالا هداه اللّه وان كان مديونا قضى اللّه دينه من خزائنه وتدعى الدافعة والقاضية تدفع عنه كل سوء وتقضى له كل حاجة واللّه اعلم |
﴿ ٠ ﴾