تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل

أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م)

_________________________________

سورة الصافات

سورة الصافات مكية وهى مائة واحدى أو اثنتان وثمانون آية بسم اللّه الرحمن الرحيم

_________________________________

{والصافات صفا

٢

فالزاجرات زجرا

٣

فالتاليات ذكرا} أقسم سبحانه وتعالى بطوائف الملائكة أو بنفوسهم الصافات أقدامها في الصلاة فالزاجرات السحاب سوقا أو عن المعاصى بالالهام فالتاليات لكلام اللّه من الكتب المنزلة وغيرها وهو قول ابن عباس وابن مسعود ومجاهد أو بنفوس العلماء العمال الصفات أقدامها فى التهجد وسائر الصلوات فالزاجرات بالمواعظ والنصائح فالتاليات آيات اللّه والدارسات شرائعه أو بنفوس الغزاة في سبيل اللّه التى تصف الصفوف وتزجر الخيل للجهاد وتتلوا الذكر مع ذلك وصفا مصدر مؤكد وكذلك زجرا والفاء تدل على ترتيب الصفات فى التفاضل فتفيد الفضل للصف ثم للزجر ثم للتلاوة أو على العكس وجواب القسم

٤

{إن إلهكم لواحد} قيل هو جواب قولهم أجعل الآلهة إلها واحدا

٥

{رب السماوات والأرض} خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف أى هو رب

{وما بينهما ورب المشارق} أى مطالع الشمس وهى ثلثمائة وستون مشرقا وكذلك المغارب تشرق كل يوم فى مشرق منها وتغرب فى مغرب ولا تطلع ولا تغرب فى واحد يومين وأما رب المشرقين ورب المغربين فإنه أراد مشرقى الصيف والشتاء ومغربيهما وأما رب المشرق والمغرب فإنه أراد به الجهة فالمشرق جهة والمغرب جهة

٦

{إنا زينا السماء الدنيا} القربى منكم تأنيث الأدنى

{بزينة الكواكب} حفص وحمزة على البدل من الزينة والمعنى انا زينا السماء الدنيا بالكواكب بزينة الكواكب أبو بكر على البدل من محل بزينة أو على اضمار أعنى أو على أعمال المصدر منونا في المفعول بزينة الكواكب غيرهم بإضافة المصدر إلى الفاعل أى بأن زانتها الكواكب وأصله بزينة الكواكب أو على إضافته إلى المفعول أي بأن زان اللّه الكواكب وحسنها لأنها إنما زينت السماء لحسنها فى أنفسها وأصله بزينة الكواكب لقراءة أبىبكر

٧

{وحفظا} محمول على المعنى لأن المعنى إنا خلقنا الكواكب زينة للسماء وحفظا من الشياطين كما قال ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين أو الفعل المعلل مقدر كأنه قيل وحفظا من كل شيطان زيناها بالكواكب أو معناه حفظناها حفظا

{من كل شيطان مارد} خارج من الطاعة والضمير فى

٨

{لا يسمعون} لكل شيطان لأنه فى معنى الشياطين يسمعون كوفى غير أبى بكر وأصله يتسمعون والتسمع تطلب السماع يقال تسمع فسمع أو فلم يسمع وينبغى أن يكون كلاما منقطعا مبتدأ اقتصاصا لما عليه حال المسترقة للسمع وأنهم لا يقدرون أن يسمعوا إلى كلام الملائكة أو يتسمعوا وقيل أصله لئلا يسمعوا فحذفت اللام كما حذفت فى جئتك أن تكرمنى فبقى أن لا يسمعوا فحذفت أن وأهدر عملها كما فى قوله ألا أبهذا الزاجرى أحضر الوغى وفيه تعسف يجب صون القرآن عن مثله فإن كل واحد من الحرفين غير مردود على انفراده ولكن اجتماعهما منكر والفرق بين سمعت فلانا يتحدث وسمعت إليه يتحدث وسمعت حديثه وإلى حديثه أن المعدى بنفسه يفيد الإدراك والمعدى بالى يفيد الاصغاء مع الإدراك

{إلى الملإ الأعلى} أى الملائكة لأنهم يسكنون السموات والإنس والجن هم الملأ الأسفل لأنهم سكان الأرض

{ويقذفون} يرمون بالشهب

{من كل جانب} من جميع جوانب السماء من أى جهة صعدوا للإسترقاق

٩

{دحورا} مفعول له أى يقذفون للدحور وهو الطرد أو مدحورين على الحال أو لأن القذف والطرد متقاربان فى المعنى فكانه قيل يدحرون أو قذفا

{ولهم عذاب واصب} دائم من الوصوب أى أنهم فى الدنيا مرجومون بالشهب وقد أعد لهم فى الآخرة نوع من العذاب دائم غير منقطع ومن فى

١٠

{إلا من} فى محل الرفع بدل الواو فى لا يسمعون أى لا يسمع الشياطين إلا الشيطان الذى

{خطف الخطفة} أى سلب السلبة يعنى أخذ شيئا من كلامهم بسرعة

{فأتبعه} لحقه

{شهاب} أي نجم رجم

{ثاقب} مضىء

١١

{فاستفتهم} فاستخبر كفار مكة

{أهم أشد خلقا} أى أقوى خلقا من قولهم شديد الخلق وفى خلقه شدة أو أصعب خلقا واشقه على معنى الرد لانكارهم البعث وأن من هان عليه خلق هذه الخلائق العظيمة ولم يصعب عليه اختراعها كان خلق البشر عليه أهون

{أم من خلقنا} يريد ماذكر من خلائقه من الملائكة والسموات والأرض وما بينهما وجىء بمن تغليبا للعقلاء على غيرهم ويدل عليه قراءة من قرأ أم من عددنا بالتشديد والتخفيف

{إنا خلقناهم من طين لازب} لاصق أو لازم وقرىء به وهذا شهادة عليهم بالضعف لأن ما يصنع من الطين غير موصوف بالصلابة والقوة أو احتجاج عليهم بأن الطين اللازب الذى خلقوا منه تراب فمن أين استنكروا أن يخلقوا من تراب مثله حيث قالوا أئذا كنا ترابا وهذا المعنى يعضده ما يتلوه من ذكر انكارهم البعث

١٢

{بل عجبت} من تكذيبهم إياك

{ويسخرون} هم منك ومن تعجبك أو عجبت من انكارهم البعث وهم يسخرون من أمر البعث بل عجبت حمزة وعلى أى استعظمت والعجب روعة تعترى الإنسان عند استعظام الشىء فجرد لمعنى الاستعظام فى حقه تعالى لأنه لا يجوز عليه الروعة أو معناه قل يا محمد بل عجبت

١٣

{وإذا ذكروا لا يذكرون} ودأبهم أنهم إذا وعظوا بشيء لا يتعظون به

١٤

{وإذا رأوا آية} معجزة كانشقاق القمر ونحوه

{يستسخرون} يستدعى بعضهم بعضا أن يسخر منها أو يبالغون فى السخرية

١٥

{وقالوا إن هذا} ماهذا

{إلا سحر مبين} ظاهر

١٦

{أئذا} استفهام إنكار

{متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون} أى انبعث إذا كنا تراباا وعظاما

١٧

{وآباؤنا} معطوف على محل إن واسمها أو على الضمير فى

{مبعوثون} والمعنى أيبعث أيضا آباؤنا على زيادة الاستبعاد يعنون أنهم أقدم فبعثهم أبعد وأبطل أو آباؤنا بسكون الواو مدنى وشامى أى أيبعث واحد منا على المبالغة فى الإنكار

{الأولون} الأقدمون

١٨

{قل نعم} تبعثون نعم على وهما لغتان

{وأنتم داخرون} صاغرون

١٩

{فإنما هي} جواب شرط مقدر تقديره إذا كان كذلك فما هى إلا

{زجرة واحدة} وهى لا ترجع إلى شىء إنما هى مبهمة موضحها خبرها ويجوز فإنما البعثة زجرة واحدة وهى النفخة الثانية والزجرة الصيحة من قولك زجر الراعى الإبل أو الغنم إذا صاح عليهم

{فإذا هم} أحياء بصراء

{ينظرون} إلى سوء أعمالهم أو ينتظرون ما يحل بهم

٢٠

{وقالوا يا ويلنا} الويل كلمة يقولها القائل وقت الهلكة

{هذا يوم الدين} أى اليوم الذي ندان فيه أي تجاري بأعملنا

٢١

{هذا يوم الفصل} يوم القضاء والفرق بين فرق الهدى والضلال

{الذي كنتم به تكذبون} ثم يحتمل أن يكون هذا يوم الدين إلى قوله احشروا من كلام الكفرة بعضهم مع بعض وان يكون من كلام الملائكة لهم وأن يكون يا ويلنا هذا يوم الدين من كلام الكفرة وهذا يوم الفصل من كلام الملائكة جوابا لهم

٢٢

{احشروا} خطاب اللّه للملائكة

{الذين ظلموا} كفروا

{وأزواجهم} أى وأشباههم وقرناءهم من الشياطين أو نساءهم الكافرات والواو بمعنى مع وقيل للعطف وقرىء بالرفع عطفا على الضمير فى ظلموا

{وما كانوا يعبدون

٢٣

من دون اللّه} أى الأصنام

{فاهدوهم} دلوهم عن الأصمعى هديته فى الدين هدى وفى الطريق هداية

{إلى صراط الجحيم} طريق النار

٢٤

{وقفوهم} احبسوهم

{إنهم مسؤولون} عن أقوالهم وأفعالهم

٢٥

{ما لكم لا تناصرون} أى لا ينصر بعضكم بعضا وهذا توبيخ لهم بالعجز عن التناصر بعدما كانوا متناصرين فى الدنيا وقيل هو جواب لأبى جهل حيث قال يوم بدر نحن جميع منتصر وهو فى موضع النصب على الحال أى مالكم غير متناصرين

٢٦

{بل هم اليوم مستسلمون} منقادون أو قد أسلم بعضهم بعضا وخذله عن عجز فكلهم مستسلم غير منتصر

٢٧

{وأقبل بعضهم على بعض} أى التابع على المتبوع

{يتساءلون} يتخاصمون

٢٨

{قالوا} أى الاتباع للمتبوعين

{إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين} عن القوة والقهر إذ اليمين موصوفة بالقوة وبها يقع البطش أى أنكم تحملوننا على الضلال وتقسروننا عليه

٢٩

{قالوا} أى الرؤساء

{بل لم تكونوا مؤمنين} أى بل أبيتم أنتم الايمان وأعرضتم عنه مع تمكنكم منه مختارين له على الكفر غير ملجئين

٣٠

{وما كان لنا عليكم من سلطان} تسلط نسلبكم به تمكنكم واختياركم

{بل كنتم قوما طاغين} بل كنتم قوما مختارين الطغيان

٣١

{فحق علينا} فلزمنا جميعا

{قول ربنا إنا لذائقون} يعني وعيد اللّه بانا ذائقون لعذابه لا ممحالة لعلمه بحالنا ولو حكى الوعيد كما هو لقال إنكم لذائقون ولكنه عدل به إلى لفظ المتكلم لأنهم متكلمون بذلك عن أنفسهم ونحوه قوله فقد زعمت هوازن قل مالي ولو حكى قولها لقال قل مالك

٣٢

{فأغويناكم} فدعوناكم إلى الغى

{إنا كنا غاوين} فأردنا اغواءكم لتكونوا أمثالنا

٣٣

{فإنهم} فان الاتباع والمتبوعين جميعا

{يومئذ} يوم القيامة

{في العذاب مشتركون} كما كانوا مشتركين فى الغواية

٣٤

{إنا كذلك نفعل بالمجرمين} أى بالمشركين انا مثل ذلك الفعل نفعل بكل مجرم

٣٥

{إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا اللّه يستكبرون} إنهم كانوا إذا سمعوا بكلمة التوحيد استكبروا وأبوا إلا الشرك

٣٦

{ويقولون أئنا} بهمزتين شامي وكوفي

{لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون} يعنون محمدا عليه السلام

٣٧

{بل جاء بالحق} رد على المشركين

{وصدق المرسلين} كقوله مصدقا لما بين يديه

٣٨

{إنكم لذائقوا العذاب الأليم

٣٩

وما تجزون إلا ما كنتم تعملون} بلا زيادة

٤٠

{إلا عباد اللّه المخلصين} بفتح اللام كوفى ومدنى وكذا ما بعده أى لكن عباد اللّه على الاستثناء المنقطع

٤١

{أولئك لهم رزق معلوم

٤٢

فواكه} فسر الرزق المعلوم بالفواكه وهى كل ما يتلذذ به ولا يتقوت لحفظ الصحة يعنى أن رزقهم كله فواكه لأنهم مستغنون عن حفظ الصحة بالأقوات لأن أجسادهم محكمة مخلوقة للابد فما يأكلونه للتلذذ ويجوز أن يراد رزق معلوم منعوت بخصائص خلق عليها من طيب طعم ورائحة ولذة وحسن منظر وقيل معلوم الوقت كقوله ولهم رزقهم فيها بكرة وَعَشِيًّا والنفس اليه أسكن

{وهم مكرمون} منعمون

٤٣

{في جنات النعيم} يجوز أن يكون ظرفا وأن يكون حالا وأن يكون خبرا بعد خبر وكذا

٤٤

{على سرر متقابلين} التقابل أتم للسرور وآنس

٤٥

{يطاف عليهم بكأس} بغير همز أبو عمرو وحمزة فى الوقف وغيرهما بالهمزة يقال للزجاجة فيها الخمر كأس وتسمى الخمر نفسها كاسا وعن الاخفش كل كأس فى القرآن فهى الخمر وكذا فى تفسير ابن عباس رضى اللّه عنهما

{من معين} من شراب معين أو من نهر معين وهو الجارى على وجه الأرض الظاهر للعيون وصف بما وصف به الماء لأنه يجرى فى الجنة فى أنهار كما يجرى الماء قال اللّه تعالى وأنهار من خمر

٤٦

{بيضاء} صفة للكأس

{لذة} وصفت باللذة كأنها نفس اللذة وعينها أو ذات لذة

{للشاربين

٤٧

لا فيها غول} أى لا تغتال عقولهم كخمور الدنيا وهو من غاله يغوله غولا إذا أهلكه وأفسده

{ولا هم عنها ينزفون} يسكرون من نزف الشارب إذا ذهب عقله ويقال للسكران نزيف ومنزوف ينزفون على وحمزة أى لا يسكرون أو لا ينزف شرابهم من أنزف الشارب إذا ذهب عقله أو شرابه

٤٨

{وعندهم قاصرات الطرف} قصرن أبصارهن على أزواجهن لا يمددن طرفا إلى غيرهم

{عين} جمع عيناء أى نجلاء واسعة العين

٤٩

{كأنهن بيض مكنون} مصون شبههن ببيض النعام المكنون فى الصفاء وبها تشبه العرب النساء وتسميهن بيضات الخدور وعطف

٥٠

{فأقبل بعضهم} يعنى أهل الجنة

{على بعض يتساءلون} على يطاف عليهم والمعنى يشربون ويتحادثون على الشراب كعادة الشرب قال

{قائل منهم إني كان لي قرين}

وما بقيت من اللذات إلا  أحاديث الكرام على المدام

فيقبل بعضهم على بعض يتساءلون عما جرى لهم وعليهم فى الدنيا إلا أنه جىء به ماضيا على ماعرف في اخباره

٥١

{قال قائل منهم إني كان لي قرين

٥٢

يقول أئنك} بهمزتين شامي وكوفي

{لمن المصدقين} بيوم الدين

٥٣

{أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمدينون} لمجزيون من الدين وهو الجزاء

٥٤

{قال} ذلك القائل

{هل أنتم مطلعون} إلى النار لاريكم ذلك القرين قيل ان فىالجنة كوى ينظر أهلها منها إلى أهل النار أو قال اللّه تعالى لأهل الجنة هل أنتم مطلعون إلى النار فتعلموا أين منزلتكم من منزلة أهل النار

٥٥

{فاطلع} المسلم

{فرآه} أى قرينه

{في سواء الجحيم} فى وسطها

٥٦

{قال تاللّه إن كدت لتردين} ان مخففة من الثقيلة وهى تدخل على كاد كما تدخل على كان واللام هى الفارقة بينها وبين النافية والارداء الاهلاك وبالياء فى الحالين يعقوب

٥٧

{ولولا نعمة ربي} وهى العصمة والتوفيق فى الاستمساك بعروة الإسلام

{لكنت من المحضرين} من الذين أحضروا العذاب كما أحضرته أنت وأمثالك

٥٨

{أفما نحن بميتين

٥٩

إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين} الفاء للعطف على محذوف تقديره أنحن مخلدون منعمون فما نحن بميتين ولا معذبين والمعنى أن هذه حال المؤمنين وهو أن لا يذوقوا إلا الموتة الأولى بخلاف الكفار فإنهم فيما يتمنون فيه الموت كل ساعة وقيل لحكيم ما شر من الموت قال الذى يتمنى فيه الموت وهذا قول يقوله المؤمن تحدثا بنعمة اللّه بمسمع من قرينه ليكون توبيخا له وزيادة تعذيب وموتتنا نصب على المصدر والاستثناء متصل تقديره ولا نموت إلا مرة أو منقطع وتقديره لكن الموتة الأولى قد كانت فى الدنيا ثم قال لقرينه تقريعا له

٦٠

{إن هذا} أى الأمر الذى نحن فيه

{لهو الفوز العظيم} ثم قال اللّه عزوجل

٦١

{لمثل هذا فليعمل العاملون} وقيل هو أيضا من كلامه

٦٢

{أذلك خير نزلا} تمييز

{أم شجرة الزقوم} أى نعيم الجنة وما فيها من اللذات والطعام والشراب خير نزلا أم شجرة الزقوم خير نزلا والنزل مايقام للنازل بالمكان من الرزق والزقوم شجر مر يكون بتهامة

٦٣

{إنا جعلناها فتنة للظالمين} محنة وعذابا لهم فى الآخرة أو ابتلاء لهم فى الدنيا وذلك أنهم قالوا كيف يكون فى النار شجرة والنار تحرق الشجر فكذبوا

٦٤

{إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم} قيل منبتها فى قعر جهنم وأغصانها ترتفع إلى دركاتها

٦٥

{طلعها}

{كأنه رؤوس الشياطين} الطلع للنخلة فاستعير لما طلع من شجرة الزقوم من حملها وشبه برؤوس الشياطين للدلالة على تناهيه فى الكراهة وقبح المنظر هائلة جدا

٦٦

{فإنهم لآكلون منها} من الشجرة أى من طلعها

{فمالئون منها البطون} فمالئون بطونهم لما يغلبهم من الجوع الشديد

٦٧

{ثم إن لهم عليها} على أكلهم

{لشوبا} لخلطا ولمزاجا

{من حميم} ماء حار يستوي وجوههم ويقطع أمعائهم كما قال فى صفة شراب أهل الجنة ومزاجه من تسنيم والمعنى ثم انهم يملئون البطون من شجرة الزقوم وهو حار يحرق بطونهم ويعطشهم فلا يسقون إلا بعد ملى تعذيبا لهم لذلك لأن الشيطان مكروه مستقبح في طباع الناس لاعتقادهم أنه شر محض وقيل الشيطان حية عرفاء قبيحة المنظر يذهب بهم عن مقارهم ومنازلهم فى الجحيم وهى الدركات التى أسكنوها إلى شجرة الزقوم فيأكلون إلى أن يمتلؤا ويسقون بعد ذلك ثم يرجعون إلى دركاتهم ومعنى التراخى فى ذلك ظاهر

٦٨

ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ َلإِلَى الْجَحِيمِ

٦٩

{إنهم ألفوا آباءهم ضالين

٧٠

فهم على آثارهم يهرعون} علل استحقاقهم للوقوع فى تلك الشدائد بتقليد الآباء فى الدين واتباعهم إياهم العطش ثم يسقون ما هو أحر وهو الشراب المشوب بالحميم ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم أى أنهم قومك قريش

٧١

{وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أكثر الأولين} يعنى الأمم الخالية بالتقليد وترك النظر والتأمل

٧٢

{ولقد أرسلنا فيهم منذرين} أنبياء حذروهم العواقب

٧٣

{فانظر كيف كان عاقبة المنذرين} أى الذين أنذروا وحذروا أى أهلكوا جميعا

٧٤

{إلا عباد اللّه المخلصين} أى إلا الذين آمنوا منهم واخلصوا للّه دينهم أو أخلصهم اللّه لدينه على القراءتين ولما ذكر إرسال المنذرين فى الأمم الخالية وسوء عاقبة المنذرين اتبع ذلك ذكر نوح ودعاءه إياه حين أيس من قومه بقوله

٧٥

{ولقد نادانا نوح} دعانا لننجيه من الغرق وقيل أريد به قوله أنى مغلوب فانتصر

{فلنعم المجيبون} اللام الداخلة على نعم جواب قسم محذوف والمخصوص بالمدح محذوف وتقديره ولقد نادانا نوح فواللّه لنعم المجيبون نحن والجمع دليل العظمة والكبرياء والمعنى أنا أجبناه أحسن الاجابة ونصرناه على أعدائه وانتقمنا منهم بأبلغ ما يكون

٧٦

{ونجيناه وأهله} ومن آمن به وأولاده

{من الكرب العظيم} وهو ا لفرق

٧٧

{وجعلنا ذريته هم الباقين} وقد فنى غيرهم قال قتادة الناس كلهم من ذرية نوح وكان لنوح عليه السلام ثلاة أولاد سام وهو أبو الحرب وفارس الروم وحام وهو أبو السودان من المشرق إلى المغرب ويافث وهو أبو الترك ويأجوج ومأجوج

٧٨

وتركنا عليه في الآخرين من الأمم هذه الكلمة وهي

٧٩

{سلام على نوح} يعنى يسلمون عليه تسليما ويدعون له وهو الكلام المحكي كقولك قرأت سورة أنزلناها

{في العالمين} أى ثبت هذه التحية فيهم جميعا يخلو أحد منهم كأنه قيل ثبت اللّه التسليم على نوح وأدامه في الملائكة والثقلين يسلمون عليه عن آخرهم

٨٠

{إنا كذلك نجزي المحسنين} علل مجازاته بتلك التكرمة السنية بأنه كان محسنا

٨١

{إنه من عبادنا المؤمنين} ثم علل كونه محسنا بأنه كان عبدا مؤمنا ليريك جلالة محل الإيمان وأنه القصارى من صفات المدح والتعظيم

٨٢

{ثم أغرقنا الآخرين} أى الكفرين

٨٣

{وإن من شيعته لإبراهيم} أى من شيعة نوح أى ممن شايعه على أصول الدين أو شايعه على التصلب في دين اللّه ومصابره المكذبين وكان بين نوح وإبراهيم ألفان وستمائة وأربعون سنة وما كان بينهما إلا نبيان هود وصالح

٨٤

{إذ جاء ربه} إذ تعلق بما في الشيعة من معنى المشايعة يعنى وأن ممن شايعه على دينه وتقواه حين جاء ربه

{بقلب سليم} من الشرك أو من آفات القلوب لإبراهيم أو بمحذوف وهواذكر ومعنى المجىء بقلبه ربه أنه أخلص اللّه قلبه وعلم اللّه ذلك منه فضرب المجىء مثلا لذلك

٨٥

إذ بدل من الأولى

{قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون

٨٦

أئفكا آلهة دون اللّه تريدون} أثفكا مفعول له تقديره أترون آلهة من دون اللّه افكار وأنما قدم المفعول به على الفعل العناية وقدم المفعول له على المفعول به لأنه كان الأهم عنده أن يكافحهم بأنهم على افك وباطل في شركهم ويجوز أن يكون افكا مفعولا به أى أتريدون افكا ثم فسر الافك بقوله آلهة دون اللّه على أنها افك في نفسها أو حالا أى أتريدون آلهة من دون اللّه آفكين

٨٧

{فما ظنكم} أى شىء ظنكم

{برب العالمين} وأنتم تعبدون غيره ومارفع بالإبتداء والخبر ظنكم أو فما ظنكم به ماذا يفعل بكم وكيف يعاقبكم وقد عبدتم غيره وعلمتم أنه المنعم على الحقيقة فكان حقيقا بالعبادة

٨٨

{فنظر نظرة في النجوم} أى نظر فى النجوم راميا ببصره إلى السماء متفكرا فى نفسه كيف يحتال أو أراهم أنه ينظر فى النجوم لاعتقادهم علم النجوم فأوهمهم أنه استدل بامارة على أنه يسقم

٨٩

{فقال إني سقيم} أى مشارف للسقم وهو الطاعون وكان أغلب الأسقام عليهم وكانوا يخافون العدوى ليتفرقوا عنه فهربوا منه إلى عيدهم وتركوه فى بيت الأصنام ليس معه أحد ففعل بالأصنام مافعل وقالوا علم النجوم كان حقا ثم نسخ الاشتغال بمعرفته والكذب حرام إلا إذا عرض والذى قاله ابراهيم عليه السلام معراض من الكلام أى سأسقم أو من الموت فى عنقه سقيم ومنه المثل كفى بالسلامة داء ومات رجل فجأة فقالوا مات وهو صحيح فقال اعرابى أصحيح من الموت فى عنقه أو أراد أنى سقيم النفس لكفركم كما يقال انا مريض القلب من كذا

٩٠

{فتولوا} فأعرضوا

{عنه مدبرين} أى مولين الأدبار

٩١

{فراغ إلى آلهتهم} فمال إليهم سرا

{فقال} استهزاء

{ألا تأكلون} وكان عندها طعام

٩٢

{ما لكم لا تنطقون} والجمع بالواو والنون لما أنه خاطبها خطاب من يعقل

٩٣

{فراغ عليهم ضربا} فأقبل عليهم مستخفيا كانه قال فضربهم ضربا لأن راغ عليهم بمعنى ضربهم أو فراغ عليهم يضربهم ضربا أى ضاربا

{باليمين} أى ضربا شديدا بالقوة لأن اليمين أقوى الجارحتين وأشدهما أو بالقوة والمتانة أو بسبب الحلف الذى سبق منه وهو قوله تاللّه لأكيدن أصنامكم

٩٤

{فأقبلوا إليه} إلى إبراهيم

{يزفون} يسرعون من الزفيف وهو الاسراع يزفون حمزة من أزف إذا دخل فى الزفيف إزفافا فكأنه قد رآه بعضهم يكسرها وبعضهم لم يره فأقبل من رآه مسرعا نحوه ثم جاء من لم يره يكسرها فقال لمن رآه من فعل هذا بآلهتنا انه لمن الظالمين فأجابوه على سبيل التعريض بقولهم سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم ثم قالوا بأجمعهم نحن نعبدها وأنت تكسرها فأجابهم بقوله

٩٥

{قال أتعبدون ما تنحتون} بأيديكم

٩٦

{واللّه خلقكم وما تعملون} وخلق ما تعملونه من الأصنام أو ما مصدرية أى وخلق أعمالكم وهو دليلنا فى خلق الأفعال أى اللّه خالقكم وخالق أعمالكم فلم تعبدون غيره

٩٧

{قالوا ابنوا له} أى لأجله

{بنيانا} من الحجر طوله ثلاثون ذراعا وعرضه عشرون ذراعا

{فألقوه في الجحيم} فى النار الشديدة وقيل كل نار بعضها فوق بعض فهى جحيم

٩٨

{فأرادوا به كيدا} بالقائه فى النار

{فجعلناهم الأسفلين} المقهورين عند الالقاء فخرج من النار

٩٩

{وقال إني ذاهب إلى ربي} إلى موضع أمرنى بالذهاب إليه

{سيهدين} سيرشدنى إلى ما فيه صلاحى فى دينى ويعصمنى ويوفقنى سيهدينى فيهما يعقوب

١٠٠

{رب هب لي من الصالحين} بعض الصالحين يريد الولد لأن لفظ الهبة غلب فى الولد

١٠١

{فبشرناه بغلام حليم} انطوت البشارة على ثلاث على أن الولد غلام ذكر وأنه يبلغ أوان الحلم لأن الصبى لا يوصف بالحلم وأنه يكون حليما وأى حلم أعظم من حلمه حين عرض عليه أبوه الذبح فقال ستجدنى إن شاء اللّه من الصابرين ثم استسلم لذلك

١٠٢

{فلما بلغ معه السعي} بلغ أن يسعى مع أبيه فى أشغاله وحوائجه ومعه لا يتعلق مبلغ لاقتضائه بلوغهما معا حد السعى ولا بالسعى لان صلة المصدر لا تتقدم عليه فبقى أن يكون بيانا كأنه لما قال فلما بلغ السعى أى الحد الذى يقدر فيه على السعى قبل مع من قال مع أبيه وكان إذ ذاك ابن ثلاث عشرة سنة

{قال يا بني} حفص والباقون بكسر الياء

{إني أرى في المنام أني أذبحك} وبفتح الياء فيهما حجازى وأبو عمرو قيل له فى المنام اذبح ابنك ورؤيا الأنبياء وحى كالوحى فى اليقظة وإنما لم يقل رأيت لأنه رأى مرة بعد مرة فقد قيل رأى ليلة التروية كأن قائلا يقول له ان اللّه يأمرك بذبح ابنك هذا فلما أصبح روى فى ذلك من الصباح إلى الرواح أمن اللّه هذا الحلم ام من الشيطان فمن ثم سمى يوم التروية فلما أمسى رأى مثل ذلك فعرف أنه من اللّه فمن ثم سمى يوم عرفة ثم رأى مثل ذلك فى الليلة الثالثة فهم بنحره فسمى اليوم يوم النحر

{فانظر ماذا ترى} من الرأى على وجه المشاورة لا من رؤية العين ولم يشاوره ليرجع إلى رأيه ومشورته ولكن ليعلم أيجزع أم يصبر ترى على وحمزة أى ماذا تبصر من رأيك وتبديه

{قال يا أبت افعل ما تؤمر} أى ما تؤمر به وقرء به

{ستجدني إن شاء اللّه من الصابرين} علىالذبح روى أن الذبيح قال لأبيه يا أبت خذ بناصيتي واجلس بين كتفى حتى لا أوذيك إذا أصابتنى الشفرة ولا تذبحنى وأنت تنظر فى وجهى عسى أن ترحمنى واجعل وجهى إلى الأرض ويروى اذبحنى وانا ساجد وأقرأ على أمى السلام وإن رأيت ان ترد قميصى على أمى فافعل فإنه عسى أن يكون أسهل لها

١٠٣

{فلما أسلما} انقاد الأمر اللّه وخضعا وعن قتادة اسلم هذا ابنه وهذا نفسه

{وتله للجبين} صرعه على جبينه ووضع السكين على حلقه فلم يعمل ثم وضع السكين على قفاه فانقلب السكين ونودى يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا روي ان ذلك المكان عند الصخرة التى بمنى وجواب لما محذوف تقديره فلما اسلما وتله للجبين

١٠٤

{وناديناه أن يا إبراهيم

١٠٥

قد صدقت الرؤيا} اى حققت ما امرناك به فى المنام من تسليم الولد للذبح كان ما كان مما ينطق به الحال ولا يحيط به الوصف من استبشارهما وحمدهما للّه وشكرهما على ما انعم به عليهما من دفع البلاء العظيم بعد حلولهما أو الجواب قبلنا منه وناديناه معطوف عليه إنا كذلك نجزى المحسنين تعليل لتخويل ما خولهما من الفرج بعد الشدة

١٠٦

{إن هذا لهو البلاء المبين} الاختبار البين الذى يتميز فيه المخلصون من غيرهم أو المحنة البينة

١٠٧

{وفديناه بذبح} هو ما بذبح وعن ابن عباس هو الكبش الذى قربه هابيل فقبل منه وكان يرعى فى الجنة حتى فدى به اسماعيل وعنه لو تمت تلك الذبيحة لسارت سنة وذبح الناس ابناءهم

{عظيم} ضخم الجثة سمين وهى السنة فى الاضاحى وروى أنه هرب من إبراهيم عند الجمرة فرماه بسبع حصيات حتى أخذه فبقيت سنة فى الرمى وروى أنه لما ذبحه قال جبريل اللّه أكبر اللّه أكبر فقال الذبيح لا إله إلا اللّه واللّه أكبر فقال إبراهيم اللّه أكبر وللّه الحمد فبقى سنة وقد استشهد أبو حنيفة رضى اللّه عنه بهذه الآية فيمن نذر ذبح ولده انه يلزمه ذبح شاة والأظهر ان الذبيح اسماعيل وهو قول ابى بكر وابن عباس وابن عمر وجماعة من التابعين رضى اللّه عنهم لقوله عليه السلام أنا ابن الذبيحين فأحدهما جده اسماعيل والآخر ابوه عبد اللّه وذلك ان عبد المطلب نذر ان بلغ بنوه عشرة ان يذبح آخر ولده تقربا وكان عبد اللّه آخرا ففداه بمائة من الإبل ولأن قرنى الكبش كانا منوطين فى الكعبة فى أيدى بنى اسماعيل إلى أن احترق البيت فى زمن الحجاج وابن الزبير وعن الأصمعى أنه قال سألت أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح فقال يا أصمعي أين عزب عنك عقلك ومتى كان إسحق بمكة وإنما كان إسماعيل بمكة وهو الذى بنى البيت مع أبيه والمنحر بمكة وعن على وابن مسعود والعباس وجماعة من التابعين رضى اللّه عنهم أنه اسحق ويدل عليه كتاب يعقوب إلى يوسف عليهما السلام من يعقوب إسرائيل اللّه بن إسحق ذبيح اللّه بن إبراهيم خليل اللّه وإنما قيل وفديناه وان كان الفادى إبراهيم عليه السلام واللّه تعالى هو المفتدى منه لانه الآمر بالذبح لأنه تعالى وهب له الكبش ليفتدى به وههنا إشكال وهو أنه لا يخلوا إما أن يكون ما أتى به إبراهيم عليه السلام من بطحه على شقة وإمرار الشفرة على حلقة فى حكم الذبح أم لا فإن كان فى حكم الذبح فما معنى الفداء والفداء هوالتخليص من الذبح ببدل وان لم يكن فما معنى قوله قد صدقت الرؤيا وإنما كان يصدقها لو صح منه الذبح أصلا أو بدلا ولم يصح والجواب أنه عليه السلام قد بذل وسعه وفعل ما يفعل الذابح ولكن اللّه تعالى جاء بما منع الشفرة أن تمضى فيه وهذا لا يقدح فى فعل إبراهيم ووهب اللّه له الكبش ليقيم ذبحه مقام تلك الحقيقة فى نفس إسماعيل بدلا منه وليس هذا بنسخ منه للحكم كما قال البعض بل ذلك الحكم كان ثابتا إلا أن المحل الذى أضيف إليه لم يحله الحكم على طريق الفداء دون النسخ وكان ذلك إبتلاء ليستقر حكم الأمر عند المخاطب فى آخر الحال على أن المبتغى منه فى حق الولد أن يصير قربانا بنسبة الحكم إليه مكرما بالفداء الحاصل لمعرة الذبح مبتلى بالصبر والمجاهدة إلى حال المكاشفة وإنما النسخ بعد استقرار المراد بالأمر لا قبله وقد سمى فداء فى الكتاب لا نسخا

١٠٨

{وتركنا عليه في الآخرين} ولا وقف عليه لأن

١٠٩

{سلام على إبراهيم} مفعول وتركنا

١١٠

{كذلك نجزي المحسنين} ولم يقل انا كذلك هنا كما فى غيره لأنه قد سبق فى هذه القصة فاستخف بطرحه اكتفاء بذكره مرة عن ذكره ثانية

١١١

{إنه من عبادنا المؤمنين

١١٢

وبشرناه بإسحاق نبيا} حال مقدرة من اسحق ولا بد من تقدير مضاف محذوف أى وبشرناه بوجود إسحق نبيا أى بأن يوجد مقدرة نبوته فالعامل فى الحال الوجود لا البشارة

{من الصالحين} حال ثانية وورودها علىسبيل الثناء لأن كل نبى لا بد وأن يكون من الصالحين

١١٣

{وباركنا عليه وعلى إسحاق} أى أفضلنا عليهما بركات الدين والدنيا وقيل باركنا على إبراهيم فى أولاده وعلى إسحق بأن أخرجنا من صلبه الف نبى أولهم يعقوب وآخرهم عيسى عليهم السلام

{ومن ذريتهما محسن} مؤمن

{وظالم لنفسه} كافر

{مبين} ظاهر أو محسن إلى الناس وظالم على نفسه بتعديه عن حدود الشرع وفيه تنبيه على أن الخبيث والطيب لا يجرى أمرهما على العرق والعنصر فقد يلد البر الفاجر والفاجر البر وهذا مما يهدم أمر الطبائع والعناصر وعلى أن الظلم فى أعقابهما لم يعد عليهما بعيب ولا نقيصة وان المرء انما يعاب بسوء فعله ويعاقب على ما اجترحت يداه لا على ما وجد من اصله وفرعه

١١٤

{ولقد مننا} انعمنا

{على موسى وهارون} بالنبوة

١١٥

{ونجيناهما وقومهما} بنى إسرائيل

{من الكرب العظيم} من العرق أو من سلطان فرعون وقومه وغشمهم

١١٦

{ونصرناهم} أى موسى وهرون وقومهما

{فكانوا هم الغالبين} على فرعون وقومه

١١٧

{وآتيناهما الكتاب المستبين} البليغ فى بيانه وهو التوراة

١١٨

{وهديناهما الصراط المستقيم} صراط أهل الإسلام وهى صراط الذين أنعم اللّه عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين

١١٩

{وتركنا عليهما في الآخرين

١٢٠

سلام على موسى وهارون

١٢١

إنا كذلك نجزي المحسنين

١٢٢

إنهما من عبادنا المؤمنين

١٢٣

وإن إلياس لمن المرسلين} هو إلياس بن ياسين من ولد هرون أخى موسى وقيل هو إدريس النبى عليه السلام وقرأ ابن مسعود رضى اللّه عنه وان إدريس فى موضع إلياس

١٢٤

{إذ قال لقومه ألا تتقون} ألا تخافون اللّه

١٢٥

{أتدعون} أتعبدون

{بعلا} هو علم لصنم كان من ذهب وكان طوله عشرين ذراعا وله أربعة أوجه فتنوا به وعظموه حتى أخدموه أربعمائة سادن وجعلوهم أنبياء وكان موضعه يقال له بك فركب وصار بعلبك وهو من بلاد الشام وقيل فى الياس والخضر أنهما حيان وقيل الياس وكل بالفيافى كما وكل الخضر بالبحار والحسن يقول قد هلك الياس والخضر ولا تقول كما يقول الناس انهما حيان

{وتذرون أحسن الخالقين} وتتركون عبادة اللّه الذى هو أحسن المقدرين

١٢٦

{اللّه ربكم ورب آبائكم الأولين} بنصب الكل عراقى عير أبى بكر وأبى عمرو على البدل من أحسن وغيرهم بالرفع على الابتداء

١٢٧

{فكذبوه فإنهم لمحضرون} فى النار

١٢٨

{إلا عباد اللّه المخلصين} من قومه

١٢٩

{وتركنا عليه في الآخرين

١٣٠

سلام على إل ياسين} أى الياس وقومه المؤمنين كقولهم الخبيبون يعنى أبا خبيب عبد اللّه بن الزبير وقومه آل ياسين شامى ونافع لان ياسين اسم أبى الياس فأضيف إليه الآل

١٣١

{إنا كذلك نجزي المحسنين

١٣٢

إنه من عبادنا المؤمنين

١٣٣

وإن لوطا لمن المرسلين

١٣٤

إذ نجيناه وأهله أجمعين

١٣٥

إلا عجوزا في الغابرين} فى الباقين

١٣٦

{ثم دمرنا} أهلكنا

{الآخرين

١٣٧

وإنكم} يا أهل مكة

{لتمرون عليهم مصبحين} داخلين فى الصباح

١٣٨

{وبالليل} والوقف عليه مطلق

{أفلا تعقلون} يعنى تمرون على منازلهم فى متاجركم إلى الشام ليلا ونهارا فما فيكم عقول تعتبرون بها وإنما لم يختم قصة لوط ويونس بالسلام كما ختم قصة من قبلهما لأن اللّه تعالى قد سلم على جميع المرسلين فى آخر السورة فاكتفى بذلك عن ذكر كل واحد منفردا بالسلام

١٣٩

{وإن يونس لمن المرسلين

١٤٠

إذ أبق} الاباق الهرب إلى حيث لا يهتدى إليه الطلب فسمى هربه من قومه بغير إذن ربه اباقا مجازا

{إلى الفلك المشحون} المملوء وكان يونس عليه السلام وعد قومه العذاب فلما تأخر العذاب عنهم خرج كالمستور منهم فقصد البحر وركب السفينة فوقفت فقالوا ههنا عبد آبق من سيده وفيما يزعم البحارون أن السفينة إذا كان فيها آبق لم تجر فاقترعوا فخرجت القرعة على يونس فقال أنا الآبق وزج بنفسه فى الماء فذلك قوله

١٤١

{فساهم} فقارعهم مرة أو ثلاثا بالسهام والمساهمة إلقاء السهام على جهة القرعة

{فكان من المدحضين} المغلوبين بالقرعة

١٤٢

{فالتقمه الحوت} فابتلعه

{وهو مليم} داخل فى الملامة

١٤٣

{فلولا أنه كان من المسبحين} من الذاكرين اللّه كثيرا بالتسبيح أو من القائلين لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين أو من المصلين قبل ذلك وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما كل تسبيح فى القرآن فهو صلاة ويقال أن العمل الصالح يرفع صاحبه إذا عثر

١٤٤

{للبث في بطنه إلى يوم يبعثون} الظاهر لبثه حيا إلى يوم البعث وعن قتادة لكان بطن الحوت له قبرا إلى يوم القيامة ود لبث فى بطنه ثلاثة أيام أو سبعة أو أربعين يوما وعن الشعبى التقمه ضحوة ولفظه عشية

١٤٥

{فنبذناه بالعراء} فألقيناه بالمكان الخالى الذى لا شجر فيه ولا نبات

{وهو سقيم} عليل مما ناله من التقام الحوت وروى أنه عاد بدنه كبدن الصبى حين يولد

١٤٦

{وأنبتنا عليه شجرة} أى أنبتناها فوقه مظلة له كما يطنب البيت على الإنسان

{من يقطين} الجمهور على أنه القرع وفائدته أن الذباب لا يجتمع عنده وأنه أسرع الاشجار نباتا وامتدادا وارتفاعا وقيل لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إنك لتحب القرع قال: أجل هى شجرة أخى يونس

١٤٧

{وأرسلناه إلى مائة ألف} المراد به القوم الذين بعث إليهم قبل الالتقام فتكون قد مضمرة

{أو يزيدون} فى مرأى الناظر أى إذا رآها الرائى قال هى مائة ألف أو أكثر وقال الزجاج قال غير واحد معناه بل يزيدون قال ذلك الفراء وأبو عبيدة ونقل عن ابن عباس كذلك

١٤٨

{فآمنوا} به وبما أرسل به

{فمتعناهم إلى حين}

١٤٩

{فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون} {إلى حين} إلى منتهى آجالهم

{فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون} معطوف على مثله فى أول السورة أى على فاستفتهم أهم أشد خلقا وإن تباعدت بينهما المسافة أمر رسول اللّه باستفتاء قريش عن وجه انكار البعث أولا ثم ساق الكلام موصولا بعضه ببعض ثم أمره باستفتائهم عن وجه القسمة الضيزى التى قسموها حيث جعلوا للّه تعالى الأناث ولأنفسهم الذكور في قولهم الملائكة بنات اللّه مع كراهتهم الشديدة لهن ووأدهم واستنكافهم من ذكرهن

١٥٠

{أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون} حاضرون تخصيص علمهم بالمشاهدة استهزاء بهم وتجهيل لهم لأنهم كما لم يعلموا ذلك مشاهدة لم يعلموه بخلق اللّه علمه فى قلوبهم ولا باخبار صادق ولا بطريق استدلال ونظر أو معناه أنهم يقولون ذلك عن طمأنينة نفس لافراط جهلهم كأنهم شاهدوا خلقهم

١٥١

{ألا إنهم من إفكهم ليقولون

١٥٢

ولد اللّه وإنهم لكاذبون} فى قولهم

١٥٣

{أصطفى البنات على البنين} بفتح الهمزة للاستفهام

١٥٤

{ما لكم كيف تحكمون} هذا الحكم الفاسد

١٥٥

{أفلا تذكرون} بالتخفيف حمزة وعلى وحفص

١٥٦

{أم لكم سلطان مبين} حجة نزلت عليكم من السماء بأن الملائكة بنات اللّه

١٥٧

{فأتوا بكتابكم} الذى أنزل عليكم

{إن كنتم صادقين} فى دعواكم

١٥٨

{وجعلوا بينه} بين اللّه

{وبين الجنة} الملائكة لاستتارهم

{نسبا} وهو زعمهم أنهم بناته أو قالوا إن إن اللّه تزوج من الجن فولدت له الملائكة

ولقد علمت الجنة أنهم لمحضرون ولقد علمت الملائكة أن الذين قالوا هذا القول لمحضرون فى النار

١٥٩

{سبحان اللّه عما يصفون} نزه نفسه عن الولد والصاحبة

١٦٠

{إلا عباد اللّه المخلصين} استثناء منقطع من المحضرين معناه ولكن المخلصين ناجون من النار وسبحان اللّه اعتراض بين الاستثناء وبين ما وقع منه ويجوز أن يقع الاستثناء من واو يصفون أى يصفه هؤلاء بذلك ولكن المخلصون برآء من أن يصفوه به

١٦١

{فإنكم} يا أهل مكة

{وما تعبدون} ومعبوديكم

١٦٢

{ما أنتم} وهم جميعا

{عليه} على اللّه

{بفاتنين} بمضلين

١٦٣

{إلا من هو صال الجحيم} بكسر اللام أى لستم تضلون أحدا إلا أصحاب النار الذين سبق فى علمه أنهم بسوء أعمالهم يستوجبون أن يصلوها يقال فتن فلان على فلان امرأته كما تقول أفسدها عليه وقال الحسن فانكم أيها القائلون بهذا القول والذى تعبدونه من الأصنام ما أنتم على عبادة الأوثان بمضلين أحدا إلا من قدر عليه أن يصلى الجحيم أى يدخل النار وقيل ما أنتم بمضلين إلا من أوجبت عليه الضلال فى السابقة وما في ما أنتم نافية ومن فى موضع النصب بفاتنين وقرأ الحسن صال الجحيم بضم اللام ووجهه أن يكون جمعا فحذفت النون للاضافة وحذفت الواو لالتقاء الساكنين هى واللام فى الجحيم ومن موحد اللفظ مجموع المعنى فحمل هو على لفظه والصالون على معناه

١٦٤

{وما منا} أحد

{إلا له مقام معلوم} فى العبادة لا يتجاوزه فحذف الموصوف واقيمت الصفة مقامه

١٦٥

{وإنا لنحن الصافون} نصف أقدامنا فى الصلاة أو نصف حول العرش داعين للمؤمنين

١٦٦

{وإنا لنحن المسبحون} المنزهون أو المصلون والوجه أن يكون هذا وما قبله من قوله سبحان اللّه عما يصفون من كلام الملائكة حتى يتصل بذكرهم فى قوله ولقد علمت الجنة كأنه قيل ولقد علم الملائكة وشهدوا أن المشركين مفترون عليهم فى مناسبة رب العزة وقالوا سبحان اللّه فنزهوه عن ذلك واستثنوا عباد اللّه المخلصين وبرؤهم منه وقالوا للكفرة فإذا صح ذلك فإنكم وآلهتكم لا تقدرون أن تفتنوا على اللّه أحدا من خلقه وتضلوه إلا من كان من أهل النار وكيف نكون مناسبين لرب العزة وما نحن إلا عبيد أذلاء بين يديه لكل منا مقام معلوم من الطاعة لا يستطيع أن يزل عنه ظفرا خشوعا لعظمته ونحن الصافون أقدامنا لعبادته مسبحين ممجدين كما يجب على العباد لربهم وقيل هو من قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يعنى وما من المسلمين أحد إلا له مقام معلوم يوم القيامة على قدر عمله من قوله تعالى عسى أن يبعثك ربك مقاما ممحمودا ثم ذكر أعمالهم وأنهم الذين يصطفون فى الصلاة ويسبحون اللّه وينزهونه عما لا يجوز عليه

١٦٧

{وإن كانوا ليقولون} أى مشركوا قريش قبل مبعثه عليه السلام

١٦٨

{لو أن عندنا ذكرا من الأولين} أى كتابا من كتب الأولين الذين نزل عليهم التوراة والإنجييل

١٦٩

{لكنا عباد اللّه المخلصين} لأخلصنا العبادة للّه ولما كذبنا كما كذبوا ولما خالفنا كما خالفوا فجاءهم الذكر الذى هو سيد الأذكار والكتاب الذى هو معجز من بين الكتب

١٧٠

{فكفروا به فسوف يعلمون} مغبة تكذيبهم وما يحل بهم من الانتقام وان مخففة من الثقيلة واللام هى الفارقة وفى ذلك أنهم كانوا يقولونه مؤكدين للقول جادين فيه فكم بين أول أمرهم وأخره

١٧١

{ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين} الكلمة قوله

١٧٢

{إنهم لهم المنصورون

١٧٣

وإن جندنا لهم الغالبون} وإنما سماها كلمة وهى كلمات لأنها لما انتظمت فى معنى واحد كانت فى حكم كلمة مفردة والمراد الوعد بعلوهم على عدوهم فى مقام الحجاج وملاحم القتال فى الدنيا وعلوهم عليهم فى الآخرة وعن الحسن ما غلب نبى فى حرب وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما ان لم ينصروا فى الدنيا نصروا فى العقبى والحاصل أن قاعدة أمرهم وأساسه والغالب منه الظفر والنصرة وإن وقع فى تضاعيف ذلك شوب من الابتلاء والمحنة والعبرة للغالب

١٧٤

{فتول عنهم} فاعرض عنهم

{حتى حين} إلى مدة يسيرة وهى المدة التى أمهلوا فيها أو إلى يوم بدر أو إلى فتح مكة

١٧٥

{وأبصرهم} أى أبصر ما ينالهم يومئذ

{فسوف يبصرون} ذلك وهو للوعيد لا للتبعيد أو انظر إليهم إذا عذبوا فسوف يبصرون ما أنكروا أو أعلمهم فسوف يعلمون

١٧٦

{أفبعذابنا يستعجلون} قبل حينه

١٧٧

{فإذا نزل} العذاب

{بساحتهم} بفنائهم

{فساء صباح المنذرين} صباحهم واللام فىالمنذرين مبهم فى جنس من أنذروا لأن ساء وبئس يقتضيان ذلك وقيل هو نزول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم الفتح بمكة مثل العذاب النازل بهم بعدما أنذروه فانكروه بجيش أنذر بهجومه قومه بعض نصاحهم فلم يلتفتوا إلى إنذاره حتى أناخ بفنائهم بغتة فشن عليهم الغارة وكانت عادة مغاويرهم أن يغيروا صباحا فسميت الغارة صباحا وإن وقعت فى وقت آخر

١٧٨

{وتول عنهم حتى حين

١٧٩

وأبصر فسوف يبصرون} وإنما ثنى ليكون تسلية على تسلية وتأكيدا لوقوع الميعاد إلى تأكيد وفيه فائدة زائدة وهى إطلاق الفعلين معا عن التقييد بالمفعول وأنه يبصر وهم يبصرون ما لا يحيط به الذكر من صنوف المسرة وأنواع المساءة وقيل أريد بأحدهما عذاب الدنيا وبالآخرة عذاب الآخرة

١٨٠

{سبحان ربك رب العزة} أضيف الرب إلى العزة لاختصاصه بها كأنه قيل ذو العزة كما تقول صاحب صدق لاختصاصه بالصدق ويجوز أن يراد أنه ما من عزة لأحد إلا وهو ربها ومالكها كقوله تعز من تشاء

{عما يصفون} من الولد والصاحبة والشريك

١٨١

{وسلام على المرسلين} عم الرسل بالسلام بعد ما خص البعض فى السورة لأن فى تخصيص كل بالذكر تطويلا

١٨٢

{والحمد للّه رب العالمين} على هلاك الأعداء ونصرة الأنبياء اشتملت السورة على ذكر ما قاله المشركون فى اللّه ونسبوه إليه مما هو منزه عنه وما عاناه المرسلون من جهتهم وما خولوه فى العاقبة من النصرة عليهم فختمها بجوامع ذلك من تنزيه ذاته عما وصفه به المشركون والتسليم على المرسلين والحمد للّه رب العالمين على ما قيض لهم من حسن العواقب والمراد تعليم المؤمنين أن يقولوا ذلك ولا يخلوا به ولا يغفلوا عن مضمنات كتابه الكريم ومودعات قرآنه المجيد وعن على رضى اللّه عنه من أحب أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة فليكن آخر كلامه إذا قام من مجلسه سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد للّه رب العالمين

﴿ ٠