تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل

أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م)

_________________________________

سورة ص

سورة ص مكية وهى ثمان وثمانون آية كوفى وتسع بصرى وست مدنى بسم اللّه الرحمن الرحيم

_________________________________

{ص} ذكر هذا الحرف من حروف المعجم على سبيل التحدى والتنبيه على الإعجاز ثم أتبعه القسم محذوف الجواب لدلالة التحدى عليه كأنه قال

{والقرآن ذي الذكر} أى ذى الشرف إنه لكلام معجز ويجوز أن يكون ص خبر مبتدأ محذوف على أنه اسم للسورة كأنه قال هذه ص أى هذه السورة التى أعجزت العرب والقرآن ذى الذكر كما تقول هذا حاتم واللّه تريد هذا المشهور بالسخاء واللّه وكذلك إذا أقسم بها كأنه قال أقسمت بص والقرآن ذى الذكر إنه لمعجز ثم قال

٢

{بل الذين كفروا في عزة} تكبر عن الاذعان لذلك والاعتراف بالحق

{وشقاق} خلاف اللّه ولرسوله والتنكير فى عزة وشقاق للدلالة على شدتهما وتفاقمهما وقرىء فى عزة أى فى غفلة عما يجب عليهم من النظر واتباع الحق

٣

{كم أهلكنا} وعيد لذوى العزة والشقاق

{من قبلهم} من قبل قومك

{من قرن} من أمة

{فنادوا} فدعوا واستغاثوا حين رأوا العذاب

{ولات} هى لا المشبهة بليس زيدت عليها تاء التأنيث كما زيدت على رب وثم للتوكيد وتغير بذلك حكمها حيث لم تدخل إلا على الأحيان ولم يبرز إلا أحد مقتضييها أما الاسم أو الخبر وامتنع بروزهما جميعا وهذا مذهب الخليل وسيبويه وعند الأخفش أنها لا النافية للجنس زيدت عليها التاء وخصت بنفى الأحيان وقوله

{حين مناص} منجا منصوب بها كأنك قلت ولا حين مناص لهم وعندهما أن النصب على تقدير ولات حين مناص أى وليس الحين حين مناص

٤

{وعجبوا أن جاءهم} من أن جاءهم

{منذر منهم} رسول من أنفسهم بنذرهم يعنى استبعدوا أن يكون النبى من البشر

{وقال الكافرون هذا ساحر كذاب

٥

أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب} ولم يقل وقالوا إظهار للغضب عليهم ودلالة على أن هذا القول لا يجسر عليه إلا الكافرون المتوغلون فى الكفر المنهمكون فى الغى إذ لا كفر أبلغ من أن يسموا من صدقه اللّه كاذبا ساحرا ويتعجبوا من التوحيد وهو الحق الأبلج ولا يتعجبوا من الشرك وهو باطل لجلج وروى أن عمر رضى اللّه عنه لما أسلم فرح به المؤمنون وشق على قريش فاجتمع خمسة وعشرون نفسا من صناديدهم ومشوا إلى أبى طالب وقالوا أنت كبيرنا وقد علمت ما فعل هؤلاء السفهاء يريدون الذين دخلوا فى الإسلام وجئناك لتقضى بيننا وبين ابن أخيك فاستحضر أبو طالب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال يا ابن أخى هؤلاء قومك يسألونك السواء فلا تمل كل الميل على قومك فقال عليه السلام ماذا يسألوننى فقالوا ارفضنا وارفض ذكر آلهتنا وندعك وإلهك فقال عليه السلام أتعطونى كلمة واحدة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم قالوا نعم وعشرا أى نعطيكها وعشر كلمات معها فقال قولوا لا إله إلا اللّه فقاموا وقالوا أجعل الآلهة إلها واحدا أى أصير ان هذا الشىء عجاب أى بليغ فى العجب وقيل العجيب ماله مثل والعجاب مالا مثل له

٦

{وانطلق الملأ منهم أن امشوا} وانطلق أشراف قريش عن مجلس أبي طالب بعد ما بكتهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالجواب العتيد قائلين بعضهم لبعض أن امشوا وأن بمعنى أى لأن المنطلقين عن مجلس التقاول لابد لهم من أن يتكلموا ويتفاوضوا فيما جرى لهم فكان انطلاقهم متضمنا معنى القول

{واصبروا على} عبادة

{آلهتكم إن هذا} الأمر

{لشيء يراد} أى يريده اللّه تعالى ويحكم بامضائه فلا مرد له ولا ينفع فيه إلا الصبر أو أن هذا الأمر لشىء من نوائب الدهر يراد بنا فلا انفكاك لنا منه

٧

{ما سمعنا بهذا} التوحيد

{في الملة الآخرة} فى ملة عيسى التى هى آخر الملل لأن النصارى مثلثة غير موحدة أو فى ملة قريش التى أدركنا عليها آباءنا

{إن هذا} ماهذا

{إلا اختلاق} كذب اختلقه محمد من تلقاء نفسه

٨

{أأنزل عليه الذكر} القرآن

{من بيننا} أنكروا أن يختص بالشرف من بين أشرافهم وينزل عليه الكتاب من بينهم حسدا

{بل هم في شك من ذكري} من القرآن

{بل لما يذوقوا عذاب} بل لم يذوقوا عذابى بعد فإذا ذاقوه زال عنهم مابهم من الشك والحسد حينئذ أى أنهم لا يصدقون به إلا أن يمسهم العذاب فيصدقون حينئذ

٩

{أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب} يعنى ماهم بمالكى خزائن الرحمة حتى يصيبوا بها من شاءوا ويصرفوها عمن شاءوا ويتخيروا للنبوة بعض صناديدهم ويترفعوا بها عن محمد وإنما الذى يملك الرحمة وخزائنها العزيز القاهر على خلقه الوهاب الكثير المواهب المصيب بها مواقعها الذى يقسمها على ما تقتضيه حكمته ثم رشح هذا المعنى فقال

١٠

{أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما} حتى يتكلموا فى الأمور الربانية والتدابير الالهية التى يختص بها رب العزة والكبرياء ثم تهكم بهم غاية التهكم فقال فإن كانوا يصلحون لتدبير الخلائق والتصرف فى الرحمة

{فليرتقوا في الأسباب} فليصعدوا فى المعارج والطرق التى يتوصل بها إلى السماء حتى يدبروا أمر العالم وملكوت اللّه وينزلوا الوحى إلى من يختارون ثم وعد نبيه عليه السلام النصرة عليهم بقوله

١١

{جند} مبتدأ

{ما} صلة مقوية للنكرة المبتدأة

{هنالك} اشارة إلى بدر ومصارعهم أو إلى حيث وضعوا فيه أنفسهم من الانتداب لئل ذلك القول العظيم من قولهم لمن ينتدب لأمر ليس من أهله لست هنالك خبر المبتدأ

{مهزوم} مكسور

{من الأحزاب} متعلق بجند أو بمهزوم يريد ماهم الا جند من الكفار المتحزبين على رسول اللّه مهزوم عما قريب فلا تبال بما يقولون ولا تكترث لما به يهذون

١٢

{كذبت قبلهم} قبل أهل مكة

{قوم نوح} نوحا

{وعاد} هودا

{وفرعون} موسى

{ذو الأوتاد} قيل كانت له أوتاد وحبال يلعب بها بين يديه وقيل يوتد من يعذب بأربعة أوتاد فى يديه ورجليه

١٣

{وثمود} وهم قوم صالح صالحا

{وقوم لوط} لوطا

{وأصحاب الأيكة} الغيضة شعيبا

{أولئك الأحزاب} أراد بهذه ء الاشارة الاعلام بأن الأحزاب الذين جعل الجند المهزوم منهم هم هم وأنهم الذين وجد منهم هذا وهو ان أنذر وأبلغ ولا أفرط فى ذلك أى ما أمر إلا بهذا الخبرية على وجه الابهام حيث لم يبين المكذب ثم جاء بالجملة الاستثنائية فأوضحه فيها وبين المكذب وهم الرسل وذكر

١٤

إِنْ كُلٌّ إِلاَّ واحد من الأحزاب

كذَّب جميع الرُسُلَ لأن فى تكذيب الواحد منهم تكذيب الجميع لاتحاد دعوتهم وفى تكرير التكذيب وإيضاحه بعد ابهامه والتنويع فى تكريره بالجملة الخبرية أولا وبالاستثنائية ثانيا ومافى الاستثنائية من الوضع على وجه التوكيد أنواع من المبالغة المسجلة عليهم استحقاق أشد العقاب وأبلغه ثم قال

{فحق عقاب} أى فوجب لذلك أن أعقابهم حق عقابهم عذابى وعقابى فى الحالين يعقوب

١٥

{وما ينظر هؤلاء} وما ينتظر أهل مكة ويجوز أن يكون إشارة إلى جميع الأحزاب

{إلا صيحة واحدة} أى النفخة الأولى وهى الفزع الأكبر

{ما لها من فواق} وبالضم حمزة وعلى أى مالها من توقف مقدار فواق وهو ما بين حلبتى الحالب أى إذا جاء وقتها لم تستأخر هذا القدر من الزمان وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما مالها من رجوع وترداد من أفاق المريض إذا رجع إلى الصحة وفواق الناقة ساعة يرجع الدر إلى ضرعها يريد أنها نفخة واحدة فحسب لا تثنى ولا تردد

١٦

{وقالوا ربنا عجل لنا قطنا} حظنا من الجنة لأنه عليه السلام ذكر وعد اللّه المؤمنين الجنة فقالوا على سبيل الهزء عجل لنا نصيبنا منها أو نصيبنا من العذاب الذى وعدته كقوله ويستعجلونك بالعذاب وأصل القط القسط من الشىء لانه قطعة منه من قطه إذا قطعه ويقال لصحيفة الجائزة قط لأنها قطعة من القرطاس

{قبل يوم الحساب

١٧

اصبر على ما يقولون} فيك وصن نفسك ان تزل فيما كلفت من مصابرتهم وتحمل أذاهم

{واذكر عبدنا داود} وكرامته على اللّه كيف زل تلك الزلة اليسيرة فلقى من عقاب اللّه ما لقى

{ذا الأيد} ذا القوة فى الدين مما يدل على أن الأيد القوة فى الدين قوله

{إنه أواب} أى

ص ( ٢٢ - ١٨ )

رجاح إلى مرضاة اللّه تعالى وهو تعليل لذى الايد روى أنه كان يصوم يوما ويفطر يوما وهو أشد الصوم ويقوم نصف الليل

١٨

{إنا سخرنا} ذللنا

{الجبال معه} قيل كان تسخيرها أنها تسير معه إذا أراد سيرها إلى حيث يريد

{يسبحن} فى معنى مسبحات على الحال واختار يسبحن على مسبحات ليدل على حدوث التسبيح من الجبال شيئا بعد شىء وحالا بعد حال

{بالعشي والإشراق} أى فى طرفى النهار والعشى وقت العصر إلى الليل والاشراق وقت الاشراق وهو حين تشرق الشمس أى تضىء وهو وقت الضحى وأما شروقها فطلوعها تقول شرقت الشمس ولما تشرق وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما ما عرفت صلاة الضحى إلا بهذه الآية

١٩

{والطير محشورة} وسخرنا الطير مجموعة من كل ناحية وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما كان إذا سبح جاوبته الجبال بالتسبيح واجتمعت إليه الطير فسبحت فذلك حشرها

{كل له أواب} كل واحد من الجبال والطير لأجل داود أى لأجل تسبيحه مسبح لأنها كانت تسبح لتسبيحه ووضع الأواب موضع المسبح لأن الاواب وهو التواب الكثير الرجوع إلى اللّه وطلب مرضاته من عادته أن يكثر ذكر اللّه ويديم تسبيحه وتقديسه وقيل الضمير للّه أى كل من داود والجبال والطير للّه أواب أى مسبح مرجع للتسبيح

٢٠

{وشددنا ملكه} قويناه قيل كان يبيت حول محرابه ثلاثة وثلاثون ألف رجل يحرسونه

{وآتيناه الحكمة} الزبور وعلم الشرائع وقيل كل كلام وافق الحق فهو حكمة

{وفصل الخطاب} علم القضاء وقطع الخصام والفصل بين الحق والباطل والفصل هوالتمييز بين الشيئين وقيل للكلام البين فصل بمعنى المفصول كضرب الأمير وفصل الخطاب البين من الكلام الملخص الذى يتبينه من يخاطب به لا يلتبس عليه وجاز أن يكون الفصل بمعنى الفاصل كالصوم والزور والمراد بفصل الخطاب الفاصل من الخطاب الذي يفصل بين الصحيح والفاسد والحق والباطل وهو كلامه فىالقضايا والحكومات وتدابير الملك والمشورات وعن على رضى اللّه عنه هو الحكم بالبينة على المدعى واليمين على المدعي عليه وهو من الفصل بين الحق والباطل وعن الشعبى هو قوله أما بعد وهو أول من قال أما بعد فان من تكلم فى الأمر الذى له شأن يفتتح بذكر اللّه وتحميده فإذا أراد أن يخرج إلى الغرض المسوق له فصل بينه وبين ذكر اللّه بقوله أما بعد

٢١

{وهل أتاك نبأ الخصم} ظاهرة الاستفهام ومعناه الدلالة على أنه من الأنباء العجيبة والخصم الخصماء وهو يقع على الواحد والجمع لأنه مصدر فى الأصل تقول خصمه خصما وانتصاب

{إذ} بمحذوف تقديره وهل أتاك نبأ تحاكم الخصم أو بالخصم لما فيه من معنى الفعل

{تسوروا المحراب} تصعدوا سورة ونزلوا إليه والسور الحائط المرتفع والمحراب الغرفة أو المسجد أو صدر المسجد

٢٢

{إذ} بدل من الأولى

{دخلوا على داود ففزع منهم} روى أن اللّه تعالى بعث إليه ملكين فى صورة انسانين فطلبا أن يدخلا عليه فوجداه فى يوم عبادته فمنعهما الحرس فتسورا عليه المحراب فلم يشعر إلا وهما بين يديه جالسان ففزع منهم لانهم دخلوا عليه المحراب فى غير يوم القضاء ولانهم نزلوا عليه من فوق وفى يوم الاحتجاب والحرس حوله لا يتركون من يدخل عليه

{قالوا لا تخف خصمان} خبر مبتدأ محذوف أى نحن خصمان

{بغى بعضنا على بعض} تعدى وظلم

{فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط} ولا تجر من الشطط وهو مجاوزة الحد وتخطى الحق

{واهدنا إلى سواء الصراط} وارشدنا الا وسط الطريق ومحجته والمراد عين الحق ومحضه روى أن أهل زمان داود عليه السلام كان يسأل بعضهم بعضا أن ينزل له عن امرأته فيتزوجها إذا أعجبته وكان لهم عادة فى المواساة بذلك وكان الأنصار يواسون المهاجرين بمثل ذلك فاتفق أن داود عليه السلام وقعت عينه على امرأة أوريا فأحبها فسأله النزول له عنها فاستحى أن يرده ففعل فتزوجها وهى أم سليمان فقيل له انك مع عظم منزلتك وكثرة نسائك لم يكن ينبغى لك أن تسأل رجلا ليس له الا امرأة واحدة النزول عنها لك بل كان الواجب عليك مغالبة هواك وقهر نفسك والصبر على ما امتحنت به وقيل خطبها أوريا ثم خطبها داود فآثره أهلها فكانت زلته أن خطب على خطبة أخيه المؤمن مع كثرة نسائه ومايحكى أنه بعث مرة بعد مرة أوريا إلى غزوة البلقاء وأحب أن يقتل ليتزوجها فلا يليق من المتسمين بالصلاح من افناء المسلمين فضلا عن بعض أعلام الأنبياء وقال على رضى اللّه عنه من حدثكم بحديث داود عليه السلام على ما يرويه القصاص جلدته مائة وستين وهو حد الفرية على الانبياء وروى أنه حدث بذلك عمر بن عبد العزيز وعنده رجل من أهل الحق فكذب المحدث وقال ان كانت القصة على ما فى كتاب اللّه فما ينبغى أن يلتمس خلافها وأعظم بأن يقال غير ذلك وان كانت على ما ذكرت وكف اللّه عنها سترا على نبيه فما ينبغى اظهارها عليه فقال عمر لسماعى هذا الكلام أحب الى مما طلعت عليه الشمس والذى يدل عليه المثل الذى ضربه اللّه بقصته عليه السلام ليس الا طلبه الى زوج المرأة أن ينزل له عنها فحسب وانما جاءت على طريق التمثيل والتعريض دون التصريح لكونها ابلغ فى التوبيخ من قبل ان التأمل إذا أداه إلى الشعور بالمعرض به كان أوقع فى نفسه واشد تمكنا من قلبه واعظم أثرا فيه مع مراعاة حسن الأدب بترك المجاهرة

٢٣

{إن هذا أخي} هو بدل من هذا أو خبر لان والمراد أخوة الدين أو أخوة الصداقة والالفة أو أخوة الشركة والخلطة لقوله وان كثيرا من الخلطاء

{له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة} ولى حفص والنعجة كناية عن المرأة ولما كان هذا تصوير للمسالة وفرضا لها لا يمتنع أن يفرض الملائكة فىأنفسهم كما تقول لى أربعون شاة ولك أربعون فخلطناها ومالكما من الاربعين إلا أربعة ولى ربعها

{فقال أكفلنيها} ملكنيها وحقيقته اجعلنى أكفلها كما أكفل ما تحت يدى وعن عباس رضى اللّه عنهما اجعلها كفلى أى نصيبى

{وعزني} وغلبنى يقال عزه ويعزه

{في الخطاب} فى الخصومة أى أنه كان أقدر على الاحتجاج منى وأراد بالخطاب ممخاطبة المحاج المجادل أو أراد خطبت المرأة وخطبها هو فخاطبنى خطابا أى غالبنى فى الخطبة فغلبنى حيث زوجها دونى ووجه التمثيل أن مثلت قصة أوريا مع داود بقصة رجل له نعجة واحدة ولخليطه تسع وتسعون فأراد صاحبه تتمة المائة فطمع فى نعجة خليطه وأراد على الخروج من ملكها إليه وحاجه فى ذلك محاجة حريص على بلوغ مراده وإنما كان ذلك على وجه التحاكم إليه ليحكم بما حكم به من قوله

٢٤

{قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه} حتى يكون محجوجا بحكمه وهذا جواب قسم محذوف وفى ذلك استنكار لفعل خليطه والسؤال مصدر مضاف إلى المفعول وقد ضمن معنى الاضافة فعدى تعديتها كأنه قيل باضافة نعجتك إلى نعاجه على وجه السؤال والطلب وإنما ظلم الآخر بعد ما اعترف به خصمه ولكنه لم يحك فى القرآن لأنه معلوم ويروى أنه قال أنا أريد أن آخذها منه وأكمل نعاجى مائة فقال داود ان رمت ذلك ضربنا منك هذا وهذا وأشار إلى طرف الانف والجبهة فقال يا داود أنت أحق أن يضرب منك هذا وهذا وأنت فعلت كيت وكيت ثم نظر داود فلم ير أحدا فعرف ما وقع فيه

{وإن كثيرا من الخلطاء} الشركاء والأصحاب

{ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} المستثنى منصوب وهو من الجنس والمستثنى منه بعضهم

{وقليل ما هم} ما للابهام وهم مبتدا وقليل خبره

{وظن داود} أى علم وأيقن وإنما استعير له لان الظن الغالب يدانى العلم

{أنما فتناه} ابتليناه

{فاستغفر ربه} لزلته

{وخر راكعا} أى سقط على وجهه ساجدا للّه وفيه دليل على أن الركوع يقوم مقام السجود فى الصلاة إذا نوى لأن المراد مجرد ما يصلح تواضعا عند هذه التلاوة والركوع فى الصلاة يعمل هذا العمل بخلاف الركوع فى غير الصلاة

{وأناب} ورجع إلى اللّه بالتوبة وقيل انه بقى ساجدا أربعين يوما وليلة لا يرفع راسه إلا لصلاة مكتوبة أو مالا بد منه ولا يرقا دمعه حتى نبت العشب من دمعه ولم يشرب ماء إلا وثلثاه دمع

٢٥

{فغفرنا له ذلك} أى زلته

{وإن له عندنا لزلفى} لقربة

{وحسن مآب} مرجع وهو الجنة

٢٦

{يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض} أى استخلفناك على الملك فى الأرض أو جعلناك خليفة ممن كان قبلك من الأنبياء القائمين بالحق وفيه دليل على أن حاله بعد التوبة بقيت على ما كانت عليه لم تتغير

{فاحكم بين الناس بالحق} أى بحكم اللّه ان كنت خليفته أو بالعدل

{ولا تتبع الهوى} أى هوى النفس فى قضائك

{فيضلك} الهوى

{عن سبيل اللّه إن الذين يضلون عن سبيل اللّه} دينه

{لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب} أى بنسيانهم يوم الحساب

٢٧

{وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما} من الخلق باطلا خلقا باطلا لا لحمة بالغة أو مبطلين عابثين كقوله وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين وتقديره ذوى باطل أو عبثا فوضع باطلا موضعه أى ما خلقناهما وما بينهما للعبث واللعب ولكن للحق المبين وهو انا خلقنا نفوسا أودعناها العقل ومنحناها التمكين وأزحنا عللّها ثم عرضناها للمنافع العظيمة بالتكليف وأعددنا لها عاقبة وجزاء على حسب أعمالهم

{ذلك} اشارة إلى خلقها باطلا

{ظن الذين كفروا} الظن بمعنى المظنون أى خلقها للعبث لا للحكمة هو مظنون الذين كفروا وإنما جعلوا ظانين أنه خلقها للعبث لا للحكمة مع اقرارهم بأنه خالق السموات والأرض وما بينهما لقوله ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن اللّه لأنه لما كان انكارهم للبعث والحساب والثواب والعقاب مؤديا إلى أن خلقها عبث وباطل جعلوا كأنهم يظنون ذلك ويقولونه لأن الجزاء هو الذى سبقت إليه الحكمة في خلق العالم فمن جحده فقد جحد الحكمة فى خلق العالم

{فويل للذين كفروا من النار

٢٨

أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار} أم منقطعة ومعنى الاستفهام فيها الانكار والمراد أنه لو بطل الجزاء كما يقول الكفار لاستوت أحوال من أصلح وأفسد واتقى وفجر ومن سوى بينهم كان سفيها ولم يكن حكيما

٢٩

{كتاب} أى هذا كتاب

{أنزلناه إليك} يعنى القرآن

{مبارك} صفة أخرى

{ليدبروا آياته} وأصله ليتدبروا قرىء به ومعناه ليتفكروا فيها فيقفوا على ما فيه ويعملوا به وعن الحسن قد قرأ هذا القرآن عبيد وصبيان لا علم لهم بتأويله حفظوا حروفه وضيعوا حدوده لتدبر واعلى الخطاب بحذف احدى التاءين يزيد

{وليتذكر أولوا الألباب} وليتعظ بالقرآن أولوا العقول

٣٠

{ووهبنا لداود سليمان نعم العبد} أى سليمان وقيل داود وليس بالوجه فالمخصوص بالمدح محذوف

{إنه أواب} وعلل كونه ممدوحا بكونه أوابا أى كثير الرجوع إلى اللّه تعالى

٣١

{إذ عرض عليه} على سليمان

{بالعشي} بعد الظهر

{الصافنات} الخيول القائمة على ثلاث قوائم وقد أقامت الأخرى على طرف حافر

{الجياد} السراع جمع جواد لانه يجود بالركض وصفها بالصفون لأنه لا يكون فى الهجان إنما هو فى العراب وقيل وصفها بالصفون والجودة ليجمع لها بين الوصفين المحمودين واقفة وجارية يعنى إذا وقفت كانت ساكنة مطمئنة فى مواقفها وإذا جرت كانت سراعا خفافا فى جريها وقيل الجياد الطوال الأعناق من الجيد وروى أن سليمان عليه السلام غزا أهل دمشق ونصيبين فأصاب ألف فرس وقيل ورثها من أبيه وأصابها أبوه من العمالقة وقيل خرجت من البحر لها أجنحة فقعد يوما بعد ما صلى الظهر على كرسيه واستعرضها فلم تزل تعرض عليه حتى غربت الشمس وغفل عن العصر وكانت فرضا عليه فاغتم لما فاته فاستردها وعقرها تقربا للّه فبقى مائة فما فى أيدى الناس من الجياد فمن نسلها وقيل لما عقرها أبدله اللّه خيرا منها وهى الريح تجرى بأمره

٣٢

{فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي} أى آثرت حب الخيل عن ذكر ربى كذا عن الزجاج فأحببت بمعنى آثرت كقوله تعالى فاستحبوا العمى على الهدى وعن بمعنى على وسمى الخيل خيرا كأنها نفس الخير لتعلق الخير بها كما قال عليه السلام الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة وقال أبو على أحببت بمعنى جلست من أحباب البعير وهو بروكه حب الخير أى المال مفعول له مضاف إلى المفعول

{حتى توارت} الشمس

{بالحجاب} والذى دل على أن الضمير للشمس مرور ذكر العشى ولا بد للضمير من جرى ذكر أو دليل ذكر أوالضمير للصافنات أى حتى توارت بحجاب الليل يعنى الظلام

٣٣

{ردوها علي} أى قال للملائكة ردوا الشمس على لأصلى العصر فردت الشمس له وصلى العصر أو ردوا الصافنات

{فطفق مسحا بالسوق والأعناق} فجعل يمسح مسحا أى يمسح السيف بسوقها وهى جمع ساق كدار ودور وأعناقها يعنى يقطعها لأنها منعته عن الصلاة تقول مسح علاوته إذا ضرب عنقه ومسح السفر الكتاب إذا قطع أطرافه بسيفه وقيل إنما فعل ذلك كفارة لها أو شكرا لرد الشمس وكانت الخيل مأكولة فى شريعته فلم يكن إتلافا وقيل مسحها بيده استحسانا لها وإعجابا بها

٣٤

{ولقد فتنا سليمان} ابتليناه

{وألقينا على كرسيه} سرير ملكه

جسدا ثم أناب رجع اللّه قيل فتن سليمان بعد ما مالك عشرين سنة وملك بعد الفتنه عشرين سنة وكان من فتنة أنه ولد له ابن فقالت الشياطين إن عاش لم ننفك من السخرة فسبيلنا أن نقتله أو نخله فعلم ذلك سليمان عليه السلام فكان يغذوه في السحابة خوفا من مضرة الشياطين فألقى ولده ميتا على كرسية فتنبه على زلته في أن لم يتوكل فيه على ربه وروى عن النبى صلى اللّه عليه وسلم:

قال سليمان لأطوفن الليلة على سبعين امرأة كل واحدة منهن تأتى بفارس يجاهد في سبيل اللّه ولم يقل إن شاء اللّه فطاف عليهن فلم تحمل إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل فجىء به على كرسيه فوضع في حجرة فوالذى نفس محمد بيده لو قال أن شاء اللّه لجاهدوا في سبيل اللّه فرسانا أجمعون

وأما ما يروى من حديث الخاتم والشيطان وعبادة الوثن في بيت سليمان عليه السلام فمن أباطيل اليهود

٣٥

قال رب اغفر لي وهب لى ملكا قدم الاستغفار على استيهاب الملك جريا على عادة الأنبياء

عليهم السلام والصالحين في تقديم الاستغفار على السؤال

لا ينبغى لا يتسهل ولا يكون

لأحد من بعدى أى دونى وبفتح الياء مدنى وأبو عمر وإنما سأل بهذه الصفة ليكون معجزة له لأحسدا وكان قبل ذلك لم يسخر له الريح والشياطين فلما دعا بذلك سخرت له الريح والشياطين ولن يكون معجزة حتى يخرق العادات غنك

أنت الوهاب

٣٦

فسخرنا له الريح الرياح أبو جعفر

تجرى حال من الريح

بأمره سليمان

رخاء لينة طيبة لا تزعزع وهو حال من ضمير تجرى

حيث ظرف تجرى

أصاب قصد وأرد. والعرب تقول أساب الصواب فأخطأ الجواب

٣٧

{وَٱلشَّيَـٰطِينَ} عطف على ٱلرّيحَ أي سخرنا له الشياطين

{كُلَّ بَنَّآءٍ} بدل من والشياطين كانوا يبنون له ما شاء من الأبنية

وغواص أى ويغصون له في البحر لإخراج اللؤلؤ وهو أول من استخرج اللؤلو من البحر والمعنى وسخرنا له كل بناء وغواص من الشياطين

٣٨

وَآخَرِينَ عطف على {كُلَّ بَنَّاء} داخل في حكم البدل

مُقَرَّنِينَ فِي اْلأَصْفَادِ وكان يقرن مردة الشياطين بعضهم مع بعض في القيود والسلاسل للتأديب والكف عن الفساد. والصفد: القيد وسمي به العطاء لأنه ارتباط للمنعم عليه، ومنه قول علي رضي الله عنه: من برك فقد أسرك ومن جفاك فقد أطلقك

٣٩

{ هَـٰذَا } الذي أعطيناك من الملك والمال والبسطة

{عَطَآؤُنَا فَٱمْنُنْ} فأعط منه ما شئت من المنة وهي العطاء

{أَوْ أَمْسِكْ} عن العطاء، وكان إذا أعطى أجر وإن منع لم يأتم بخلاف غيره

{بِغَيْرِ حِسَابٍ} متعلق بـ {عَطَاؤُنَا} وقيل: هو حال أي هذا عطاؤنا جماً كثيراً لا يكاد يقدر على حصره، أو هذه التسخير عطاؤنا فامنن على من شئت من الشياطين بالإطلاق أو أمسك من شئت منهم في الوثاق بغير حساب أي لا حساب عليك في ذلك

٤٠

{وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَـئَابٍ} { لَزُلْفَىٰ } اسم «إن» والخبر { لَهُ } والعامل في { عِندَ } الخبر.

٤١

{واذكر عبدنا أيوب} هو بدل من عبدنا أو عطف بيان

{إذ} بدل اشتمال منه

{نادى ربه} دعاه

{أني مسني} بأبي مسنى حكاية لكلامه الذى ناداه بسببه ولو لم يحك لقال بأنه مسه لانه غائب

{الشيطان بنصب} قراءة العامة بنصب يزيد تثقيل نصب ينصب كرشد ورشد يعقوب بنصب على أصل المصدر هبيرة والمعنى واحد وهو التعب والمشقة

{وعذاب} يريد مرضه وما كان يقاسى فيه من أنواع الوصب وقيل اراد ما كان يوسوس به إليه فى مرضه من تعظيم مانزل به من البلاء ويغريه على الكراهة والجزع فالتجأ إلى اللّه فى أن يكفيه ذلك بكشف البلاء أو بالتوفيق فى دفعه ورده بالصبر الجميل وروى أنه كان يعوده ثلاثة من المؤمنين فارتد أحدهم فسال عنه فقيل ألقى إليه الشيطان أن اللّه لا يبتلى الأنبياء والصالحين وذكر فى سبب بلائه أنه ذبح شاة فأكلها وجاره جائع أو رأى منكرا فسكت عنه أو ابتلاه اللّه لرفع الدراجات بلا زلة سبقت منه

٤٢

{اركض برجلك} حكاية ما أجيب به أيوب عليه السلام أى أرسلنا إليه جبريل عليه السلام فقال له اركض برجلك أى اضرب برجلك الأرض وهى أرض الجابية فضربها فنبعت عين فقيل

{هذا مغتسل بارد وشراب} أى هذا ما تغتسل به وتشرب منه فيبرا باطنك وظاهرك وقيل نبعت له عينان فاغتسل من إحداهما وشرب من الأخرى فذهب الداء من ظاهره وباطنه بإذن اللّه تعالى

٤٣

{ووهبنا له أهله ومثلهم معهم} قيل أحياهم اللّه تعالى بأعيانهم وزاده مثلهم

{رحمة منا وذكرى لأولي الألباب} مفعول لهما أى الهبة كانت للرحمة له ولتذكير أولى الألباب لأنهم إذا سمعوا بما أنعمنا به عليه لصبره رغبهم فى الصبر على البلاء

٤٤

{وخذ} معطوف على اركض

{بيدك ضغثا} حزمة صغيرة من حشيش أو ريحان أو غير ذلك وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما قبضة من الشجر

{فاضرب به ولا تحنث} وكان حلف فى مرضه ليضربن امرأته مائة إذا برأ فحلل اللّه يمينه باهون شىء عليه وعليها لحسن خدمتها إياه وهذه الرخصة باقية ويجب أن يصيب المضروب كل واحدة من المائة والسبب فى يمينه أنها أبطأت عليه ذاهبة فى حاجة فخرج صدره وقيل باعت ذؤابتيها برغيفين وكانتا متعلق أيوب عليه السلام إذا قام

{إنا وجدناه} علمناه

{صابرا} علىالبلاء نعم قد شكا إلى اللّه مابه واسترحمه لكن الشكوى إلى اللّه لا تسمى جزعا فقد قال يعقوب عليه السلام إنما أشكو بني وحزنى إلى اللّه على أنه عليه السلام كان يطلب الشفاء خيفة على قومه من الفتنة حيث كان الشيطان يوسوس إليهم أنه لو كان نبيا لما ابتلى بمثل ما ابتلى به وإرادة القوة على الطاعة فقد بلغ أمره إلى أن لم يبق منه إلا القلب واللسان

{نعم العبد} أيوب

{إنه أواب

٤٥

واذكر عبادنا} عبدنا مكى

{إبراهيم وإسحاق ويعقوب} فمن جمع فإبراهيم ومن بعده عطف بيان على عبادنا ومن وحد فإبراهيم وحده عطف بيان له ثم عطف ذريته على عبدنا ولما كانت أكثر الأعمال تباشر بالأيدى غلبت فقيل في كل عمل هذا مما عملت أيديهم وإن كان عملا لا تتأتى فيه المباشرة بالأيدى أو كان العمال جذماء لا أيدى لهم وعلى هذا ورد قوله

{أولي الأيدي والأبصار} أى أولى الأعمال الظاهرة والفكر الباطنة كأن الذين لا يعملون أعمال الآخرة ولا يجاهدون في اللّه ولا يتفكرون أفكار ذوى الديات في حكم ا لزمنى الذين لا يقدرون على أعمال جوارحهم والمسلوبى العقول الذين لا استبصار لهم وفيه تعريض بكل من لم يكن من عمال اللّه ولا من المستبصرين فى دين اللّه وتوبيخ على تركهم المجاهدة والتأمل مع كونهم متمكنين منهما

٤٦

{إنا أخلصناهم} جعلناهم لنا خالصين

{بخالصة} بخصلة خالصة لا شوب فيها

{ذكرى الدار} ذكرى فى محل النصب أو الرفع بإضمار أعنى أو هى أو الجر على البدل من خالصة والمعنى انا أخلصناهم بذكرى الدار والدار هنا الدار الآخرة يعنى جعلناهم لنا خالصين بأن جعلناهم يذكرون الناس الدار الآخرة ويزهدونهم فى الدنيا كما هو دين الأنبياء عليهم السلام أو معناه أنهم يكثرون ذكر الآخرة والرجوع إلى اللّه وينسون ذكر الدنيا بخالصة ذكرى الدار على الاضافة مدنى ونافع وهى من إضافة الشىء إلى مايبينه لأن الخالصة تكون ذكرى وغير ذكرى وذكرى مصدر مضاف إلى المفعول أى باخلاصهم ذكرى الدار وقيل خالصة بمعنى خلوص فهى مضافة إلى الفاعل أى بأن خلصت لهم ذكرى الدار على أنهم لا يشوبون ذكرى الدار بهم آخر إنما همهم ذكرى الدار لا غير وقيل ذكرى الدار الثناء الجميل فى الدنيا وهذا شىء قد أخلصهم به فليس يذكر غيرهم فى الدنيا بمثل ما يذكرون به يقويه قوله وجعلنا لهم لسان صدق عليا

٤٧

{وإنهم عندنا لمن المصطفين} المختارين من بين أبناء جنسهم

{الأخيار} جمع خير أو خير على التخفيف كأموات فى جمع ميت أو ميت

٤٨

{واذكر إسماعيل واليسع} كأن حرف التعريف دخل على يسع

{وذا الكفل وكل} التنوين عوض عن المضاف إليه أى وكلهم

{من الأخيار

٤٩

هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب} أى هذا شرف وذكر جميل يذكرون به أبدا وان لهم مع ذلك لحسن مرجع يعنى يذكرون فى الدنيا بالجميل ويرجعون فىالآخرة إلى مغفرة رب جليل ثم بين كيفية حسن ذلك المرجع فقال

٥٠

{جنات عدن} بدل من حسن مآب

{مفتحة} حال من جنات لأنها معرفة لاضافتها إلى عدن وهو علم والعامل فيها ما فى للمتقين من معنى الفعل

{لهم الأبواب} ارتفاع الأبواب بأنها فاعل مفتحة والعائد محذوف أى مفتحة لهم الأبواب منها فحذف كما حذف فى قوله فان الجحيم هى الماوى أى لهم أو أبوابها إلا أن الأول أجود أو هى بدل من الضمير فى مفتحة وهو ضمير الجنات تقديره مفتحة هى الأبواب وهو من بدل الاشتمال

٥١

{متكئين} حال من المحرور فى لهم والعامل مفتحة

{فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب} أى وشراب كثير فحذف اكتفاء بالأول

٥٢

{وعندهم قاصرات الطرف} أى قصرن طرفهن علىأزواجهن

{أتراب} لذات أسنانهن كأسنانهم لأن التحاب بين الاقران أثبت كأن اللذات سمين أترابا لأن التراب مسهن فى وقت واحد

٥٣

{هذا ما توعدون} وبالياء مكى وأبو عمرو

{ليوم الحساب} أى ليوم تجزى كل نفس بما عملت

٥٤

{إن هذا لرزقنا ما له من نفاد} من انقطاع والجملة حال من الرزق والعامل الاشارة

٥٥

{هذا} خبر والمبتدأ محذوف أى الأمر هذا أو هذا كما ذكر

ص ( ٦٣ - ٥٥ )

{وإن للطاغين لشر مآب} مرجع

٥٦

{جهنم} بدل منه

{يصلونها} يدخلونها

{فبئس المهاد} شبه ما تحتهم من النار بالمهاد الذى يفترشه النائم

٥٧

{هذا فليذوقوه حميم وغساق} أى هذا حميم وغساق فليذوقوه فهذا مبتدأ وحميم خبره وغساق عطف على الخبر فليذوقوه اعتراض أو العذاب هذا فليذوقوه ثم ابتدأ فقال هو حميم وغساق بالتشديد حمزة وعلى وحفص والغساق بالتشديد والتخفيف ما يغسق من صديد أهل النار يقال غسقت العين إذا سال دمعها وقيل الحميم يحرق بحره والغساق يحرق ببرده

٥٨

وآخر أى وعذاب آخر أو مذوق آخر

{من شكله} من مثل العذاب المذكور وأخر بصرى أى ومذوقات أخر من شكل هذا المذوق فى الشدة والفظاعة

{أزواج} صفة لآخر لأنه يجوز أن يكون ضروبا

٥٩

{هذا فوج مقتحم معكم} هذا جمع كثيف قد اقتحم معكم النار اى دخل النار فى صحبتكم والاقتحام الدخول فى الشىء بشدة والقحمة الشدة وهذه حكاية كلام الطاغين بعضهم مع بعض أى يقولون هذا والمراد بالفوج أتباعهم الذين اقتحموا معهم الضلالة فيقتحمون معهم العذاب

{لا مرحبا بهم} دعاء منهم على أتباعهم تقول لمن تدعو له مرحبا أى أتيت رحبا من البلاد لا ضيقا أو رحبت بلادك رحبائم تدخل عليه لا فى دعاء السوء وبهم بيان للمدعو عليهم

{إنهم صالوا النار} أى داخلوها وهو تعليل لاستيجابهم الدعاء عليهم وقيل هذا فوج مقتحم كلام الخزنة لرؤساء الكفرة فى أتباعهم ولا مرحبا بهم أنهم صالوا النار كلام الرؤساء وقيل هذا كله كلام الخزنة

٦٠

{قالوا} أى الاتباع

{بل أنتم لا مرحبا بكم} أى الدعاء الذى دعوتم به علينا أنتم أحق به وعللوا ذلك بقوله

{أنتم قدمتموه لنا} والضمير للعذاب أو لصليهم أى أنكم دعوتمونا إليه فكفرنا باتباعكم

{فبئس القرار} أى النار

٦١

{قالوا} أى الأتباع

{ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا} أى مضاعفا

{في النار} ومعناه ذا ضعف ونحوه قوله ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا وهو أن يزيد على عذابه مثله

٦٢

{وقالوا} الضمير لرؤساء الكفرة

{ما لنا لا نرى رجالا} يعنون فقراء المسلمين

{كنا نعدهم} فى الدنيا

{من الأشرار} من الأرذال الذين لا خير فيهم ولاجدوى

٦٣

{أتخذناهم سخريا} بلفظ الاخبار عراقى غير عاصم على أنه صفة لرجالا مثل كنا نعدهم من الأشرار وبهمزة الاستفهام غيرهم على أنه إنكار على أنفسهم فى الاستسخار منهم سخريا مدنى وحمزة وعلى وخلف والمفضل

{أم زاغت} مالت

{عنهم الأبصار} هو متصل بقوله مالنا أي ما لنا لا نراهم فى النار كأنهم ليسوا فيها بل أزاغت عنهم أبصارنا فلا نراهم وهم فيها قسموا أمرهم بين أن يكونوا من أهل الجنة وبين أن يكونوا من أهل النار إلا أنه خفى عليهم مكانهم

٦٤

{إن ذلك} الذى حكينا عنهم

{لحق} لصدق كائن لا محالة لا بد أن يتكلموا به ثم بين ماهو فقال هو

تخاصم أهل النار ولما شبه تقاولهم ومايجرى بينهم من السؤال والجواب بما يجرى بين المتخاصمين سماه تخاصما ولأن قول الرؤساء لا مرحبا بهم وقول أتباعهم بل أنتم لا مرحبا بكم من باب الخصومة فسمى التقاول كله تخاصما لاشتماله على ذلك

٦٥

{قل} يا محمد لمشركى مكة

{إنما أنا منذر} ما أنا إلا رسول منذر أنذركم عذاب اللّه تعالى

{وما من إله إلا اللّه} وأقول لكم ان دين الحق توحيد اللّه وأن تعتقدوا أن لا إله إلا اللّه

{الواحد} بلا ند ولاشريك

{القهار} لكل شىء

٦٦

{رب السماوات والأرض وما بينهما} له الملك والربوبية فى العالم كله

{العزيز} الذى لا يغلب إذا عاقب

{الغفار} لذنوب من التجأ إليه

٦٧

{قل هو} أى هذا الذى أنبأتكم به من كونى رسولا منذرا وان اللّه واحد لا شريك له

{نبأ عظيم} لا يعرض عن مثله إلا غافل شديد الغفلة ثم

٦٩

{ما كان لي} حفص

{من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون} احتج لصحة نبوته بأن ما ينبىء به عن الملإ الأعلى واختصامهم أمر ما كان له به من علم قط ثم علمه ولم يسلك الطريق الذى يسلكه الناس فى علم مالم يعلموا وهو الأخذ من أهل العلم وقرأءة الكتب فعلم أن ذلك لم يحصل له إلا بالوحى من اللّه تعالى

٧٠

{إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين} أى لانما أنا نذير مبين ومعناه مايوحى إلى الا للانذار فحذف اللام وانتصب بإفضاء الفعل إليه ويجوز أن يرتفع على معنى ما يوحى إلى إلا هذا وهو ان أنذر وأبلغ ولا أفرط فى ذلك أى ما أمر إلا بهذا الأمر وحده وليس لى غير ذلك وبكسر إنما يزيد على الحكاية أى إلا هذا القول وهو أن أقول لكم إنما أنا نذير مبين ولا أدعى شيئا آخر وقيل النبأ العظيم قصص آدم والأنبياء به من غير سماع من أحد وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما القرآن وعن الحسن يوم القيامة والمراد بالملإ الأعلى أصحاب القصة الملائكة وآدم وإبليس لأنهم كانوا فى السماء وكان التقاول بينهم وإذ يختصمون متعلق بمحذوف إذ المعنى ما كان لى من علم بكلام الملإ الأعلى وقت اختصامهم

٧١

{إذ قال ربك} بدل من إذ يختصمون أى فى شان آدم حين قال تعالى على لسان ملك

{للملائكة إني خالق بشرا من طين} وقال إنى جاعل فى الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها

٧٢

{فإذا سويته} فإذا سويته فإذا أتممت خلقته وعدلته

{ونفخت فيه من روحي}

الذى خلقته واضافه إليه تخصيصا كبيت اللّه وناقة اللّه والمعنى أحييته وجعلته حساسا متنفسا

{فقعوا} أمر من وقع يقع أى أسقطوا على الارض والمعنى اسجدوا

{له ساجدين} قيل كان انحناء يدل على التواضع وقيل كان سجدة للّه أو كان سجدة التحية

٧٣

{فسجد الملائكة كلهم أجمعون} كل للاحاطة وأجمعون للاجتماع فأفاد أنهم سجدوا عن آخرهم جميعهم في وقت واحد غير متفرقين فى أوقات

٧٤

{إلا إبليس استكبر} تعظيم عن السجود

وكان من الكافرين وصار من الكافرين بإباء الأمر

٧٥

{قال يَا إبليس ما منعك أن تسجد} ما منعك عن السجود

{لما خلقت بيدي} أى بلا واسطة امتثالا لأمرى وإعظاما لخطابى وقد مر أن ذا اليدين يباشر أكثر أعماله بيده فغلبت العمل باليدين على سائر الأعمال التى تباشر بغيرهما حتى قيل فى عمل القلب هو ماعملت يداك وحتى قيل لمن لا يدين له يداك أو كنا وفوك نفخ وحتى لم يبق فرق بين قولك هذا مما عملته و"هذا مما عملته يداك" ومنه قوله مما عملت أيدينا ولما خلقت بيدى

{أستكبرت} استفهام انكار

{أم كنت من العالين} ممن علوت وفقت وقيل استكبرت الآن أم لم تزل مذ كنت من المستكبرين

٧٦

{قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين} يعنى لو كان مخلوقا من نار لما سجدت له لأنه مخلوق مثلى فكيف أسجد لمن هو دونى لأنه من طين والنار تغلب الطين وتأكله وقد جرت الجملة الثانية من الأولى وهى خلقتي من نار مجرى المعطوف عطف البيان والايضاح

٧٧

{قال فاخرج منها} من الجنة أو من السموات أو من الخلقة التى أنت فيها لأنه كان يفتخر بخلقته فغير اللّه خلقته واسود بعد ما كان أبيض وقبح بعد ما كان حسنا واظلم بعد ما كان نورانيا

{فإنك رجيم} مرجوم أى مطرود تكبر إبليس أن يسجد لمن خلق من طين وزل عنه أن اللّه أمر به ملائكته واتبعوا أمره إجلالا لخطابه وتعظيما لأمره فصار مرجوما ملعونا بترك أمره

٧٨

{وإن عليك لعنتي} بفتح الياء مدنى أى إبعادى من كل الخير

{إلى يوم الدين} أى يوم الجزاء ولا يظن أن لعنته غايتها يوم الدين ثم تنقطع لأن معناه أن عليه اللعنة فى الدنيا وحدها فإذا كان يوم الدين اقترن بها العذاب فينقطع الانفراد أو لما كان عليه اللعنة فى أوان الرحمة فأولى أن تكون عليه فى غير أوانها وكيف تنقطع وقد قال اللّه تعالى فأذن مؤذن بينهم أن لعنة اللّه على الظالمين

٧٩

{قال رب فأنظرني} فامهلنى

{إلى يوم يبعثون

٨٠

قال فإنك من المنظرين

٨١

إلى يوم الوقت المعلوم} الوقت المعلوم الوقت الذى تقع فيه النفخة الأولى ويومه اليوم الذى هو وقت النفخة جزء من أجزائه ومعنى المعلوم أنه معلوم عند اللّه معين لا يتقدم ولا يتأخر

٨٢

{قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين} أى أقسم بعزة اللّه وهى سلطانه وقهره

٨٣

{إلا عبادك منهم المخلصين} وبكسر اللام مكى وبصرى وشامى

٨٥

لأملأن جهنم منك} من جنسك وهم الشياطين

{وممن تبعك منهم} من ذرية آدم

{أجمعين} أى لاملأن جهنم من المتبوعين والتابعين أجمعين لا أترك منهم أحدا

٨٦

{قل ما أسألكم عليه من أجر} الضمير للقرآن أو للوحى

{وما أنا من المتكلفين} من الذين يتصنعون ويتحللون بما ليسوا من أهله وما عرفتمونى قط متصنعا ولا مدعيا بما ليس عندى حتى انتحل النبوة وأتقول القرآن

٨٧

{إن هو} ما القرآن

{إلا ذكر} من اللّه

{للعالمين} للثقلين أوحى إلى فانا أبلغه وعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم للمتكلف ثلاث علامات ينازع من فوقه ويتعاطى مالا ينال ويقول مالا يعلم

٨٨

{ولتعلمن نبأه} نبأ القرآن ومافيه من الوعد والوعيد وذكر البعث والنشور

{بعد حين} بعد الموت أو يوم بدر أو يوم القيامة ختم السورة بالذكر كما افتتحها بالذكر واللّه الموفق

﴿ ٠