تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل

أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م)

_________________________________

سورةالمؤمن

سورةالمؤمن مكية وهي خمس وثمانون اية بسم اللّه الرحمن الرحيم

_________________________________

{حم} وما بعده بالامالة حمزة وعلى وخلف ويحيى وحماد وبين الفتح والكسر مدني وغيرهم بالتفخيم وعن ابن عباس انه اسم اللّه الاعظم

٢

{تنزيل الكتاب} أي هذا تنزيل الكتاب

{من اللّه العزيز} أي المنيع بسلطانه عن أن أي يتقول عليه متقول

{العليم} بمن صدق به وكذب فهو تهديد للمشركين وبشارة للمؤمنين

٣

{غافر الذنب} ساتر ذنب المؤمنين

{وقابل التوب} قابل توبة الراجعين

{شديد العقاب} على المخالفين

{ذي الطول} ذى الفضل على العارفين أو ذي الغنى عني الكل وعن ابن عباس غافر الذنب وقابل التوب لمن قال لا اله الا اللّه شديد العقاب لمن لا يقول لا اله الا اللّه والتوب والثوب والاوب اخوات في معنى الرجوع والطول والغنى والفضل فان قلت كيف اختلفت هذه الصفات تعريفا وتنكيرا والموصوف معرفة قلت اما غافر الذنب وقابل التوب فمعرفتان لانه ثم يرد بهما حدوث الفعلين حتى يكونا في تقدير الانفصال فتكون اضافتهما غير حقيقية وانما اريد ثبوت ذلك ودوامه واما شديد العقاب فهو في تقدير شديد عقابه فتكون نكرة فقيل هو بدل وقيل لما وجدت هذه النكرة بين هذه المعارف اذنت بان كلها ابدال غير اوصاف وادخال الواو في وقابل للتوب لنكتة وهي افادة الجمع المذنب التائب بين رحمتين بين ان يقبل توبته فيكتبها له طاعة من الطاعات وان يجعلها محاءة للذنوب كان لم يذنب كانه قال جامع المغفرة والقبول وروى ان عمر رضى اللّه عنه افتقد رجلا ذا باس شديد من اهل الشام فقيل له تتابع في هذا الشراب فقال عمر لكاتبه اكتب من عمر الى فلان سلام عليك وانا أحمد اليك اللّه الذى لا اله الا هو بسم اللّه الرحمن الرحيم حم الى قوله اليه المصير وختم الكتاب قال لرسوله لا تدفعه اليه حتى تجده صاحيا ثم امر من عنده بالدعاء له بالتوبة فلما اتته الصحيفة جعل يقرؤها ويقول قد وعدني اللّه ان يغفر لي وحذرني عقابه فلم يبرح يرددها حتى بكى ثم نزع فأحسن النزوع وحسنت توبته فلما بلغ عمر امره قال هكذا فاصنعوا اذا رايتم اخاكم قد زل زلة فسددوه ووقفوه وادعوا له اللّه ان يتوب عليه ولا تكونوا اعوانا للشياطين عليه

{لا إله إلا هو} صفة ايضا لذىالطول ويجوز ان يكون مستانفا

{إليه المصير} المرجع

٤

{ما يجادل في آيات اللّه إلا الذين كفروا} ما يخاصم فيها بالتكذيب بها والانكار لها وقد دل على ذلك في قوله وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فاما الجدال فيها لا يضاح ملتبسها وحل مشكلها واستنباط معانيها ورد اهل الزيغ بها فاعظم جهاد في سبيل اللّه

{فلا يغررك تقلبهم في البلاد} بالتجارات النافقة والمكاسب المربحة سالمين غانمين فان عاقبة امرهم الى العذاب ثم بين كيف ذلك فاعلم ان الامم الذين كذبت قبلهم اهلكت فقال

٥

{كذبت قبلهم قوم نوح} نوحا

{والأحزاب} أي الذين تحزبوا على الرسل وناصبوهم وهم عادو ثمود وقوم لوط وغيرهم

{من بعدهم} من بعد قوم نوح

{وهمت كل أمة} من هذه الامم التي هي قوم نوح والاحزاب

{برسولهم ليأخذوه} ليتمكنوا منه فيقتلوه والاخيذ الاسير

{وجادلوا بالباطل} بالكفر

{ليدحضوا به الحق} ليبطلوا به الايمان

{فأخذتهم} مظهر مكى وحفص يعنى انهم قصدوا اخذه فجعلت جزاءهم على ارادة اخذ الرسل ان اخذتهم فعاقبتهم

{فكيف كان عقاب} وبالياء يعقوب أي فانكم تمرون على بلادهم فتعاينون اثر ذلك وهذا تقرير فيه معنى التعجيب

٦

{وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا} كلمات ربك مدنى وشامى

{أنهم أصحاب النار} في محل الرفع بدل من كلمة ربك أي مثل ذلك الوجوب وجب على الكفرة كونهم من اصحاب النار ومعناه كما وجب اهلاكهم في الدنيا بالعذاب المستاصل كذلك وجب اهلاكهم بعذاب النار في الاخرة أو فى محل النصب بحذف لام التعليل وايصال الفعل والذين كفروا قريش ومعناه كما وجب اهلاك اولئك الامم كذلك وجب اهلاك هؤلاء لان علة واحدة تجمعهم انهم من اصحاب النار ويلزم الوقف على النار لانه لو وصل لصار

٧

{الذين يحملون العرش ومن حوله} يعنى حاملى العرش والحافين حوله وهم الكروبيون سادة الملائكة صفة لاصحاب النار وفساده ظاهر روى أي حملة العرش ارجلهم في الارض السفلى رؤوسهم قد خرقت العرش وهم خشوع لا يرفعون طرفهم وفي الحديث ان اللّه تعالى امر جميع الملائكة ان يغدوا ويروحوا بالسلام على حملة العرش تفضيلا لهم على سائر الملائكة وقيل حول العرش سبعون الف صف من الملائكة قيام قد وضعوا ايديهم على عواتقهم يهللون ويكبرون ومن ورائهم مائة الف صف قد وضعوا الايمان على الشمائل ما منهم احد الا وهو يسبح بما لا يسبح به الاخر

{يسبحون} خبر المبتدا وهو الذين

{بحمد ربهم} أي مع حمده اذ الباء تدل على ان تسبيحهم بالحمد له

{ويؤمنون به} وفائدته مع علمنا بان حملة العرش ومن حوله من الملائكة الذين يسبحون بحمده مؤمنون اظهارا شرف الايمان وفضله والترغيب فيه كما وصف الانبياء في غير موضع بالصلاح لذلك وكما عقب اعمال الخير بقوله ثم كان من الذين امنوا فابان بذلك فضل الايمان وقد روعى التناسب في قوله ويؤمنون به

{ويستغفرون للذين آمنوا} كانه قيل ويؤمنون به ويستغفرون لمن في مثل حالهم وفيه دليل على ان الاشتراك في الايمان يجب ان يكون ادعى شىء الى النصيحة والشفقة وان تباعدت الاجناس والاماكن

{ربنا} أي يقولون ربنا وهذا المحذوف حال

{وسعت كل شيء رحمة وعلما} والرحمة والعلم هما اللذان وسعا كل شيء في المعنى اذ الأصل وسع كل شىء رحمتك وعلمك ولكن ازيل الكلام عن اصله بان اسند الفعل الى صاحب الرحمة والعلم واخرجا منصوبين على التمييز مبالغة في وصفه بالرحمة والعلم

{فاغفر للذين تابوا} أي للذين علمت منهم التوبة لتناسب ذكر الرحمة والعلم

{واتبعوا سبيلك} أي طريق الهدى الذي دعوت اليه

{وقهم عذاب الجحيم

٨

ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم} من في موضع نصب عطف على هم في وادخلهم أو في وعدتهم والمعنى وعدتهم ووعدت من صلح من ابائهم

{وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم} أي الملك الذى لا يغلب وانت مع ملكك وعزتك لا تفعل شيئا خاليا عن الحكمة وموجب حكمتك ان تفى بوعدك

٩

{وقهم السيئات} أي جزاء السيئات وهو عذاب النار

{ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك} أي رفع العذاب

{هو الفوز العظيم

١٠

إن الذين كفروا ينادون} أي يوم القيامة اذا دخلوا النار ومقتوا انفسهم فيناديهم خزنة النار

{لمقت اللّه أكبر من مقتكم أنفسكم} أي لقمت اللّه انفسكم اكبر من مقتكم انفسكم فاستغنى بذكرها مرة والمقت اشد البغض وانتصاب

{إذ تدعون إلى الإيمان} بالمقت الاول عند الزمخشرى والمعنى انه يقال لهم يوم القيامة كان اللّه بمقت انفسكم الامارة بالسوء والكفر حين كان الانبياء يدعونكم الى الايمان فتابون قبوله وتختارون عليه الكفر اشد مما تمقتونهن اليوم وانتم في النار اذا وقعتم فيها باتباعكم هواهن وقيل معناه لمقت اللّه اياكم الان اكبر من مقت بعضكم لبعض كقوله و يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا واذ تدعون تعليل وقال جامع العلوم وغيره اذ منصوب بفعل مضمر دل عليه لمقت اللّه أي بمقتهم اللّه حين دعوا الى الايمان فكفروا ولا ينتصب بالمقت الاول لأن قوله لمقت اللّه مبتدا وهو مصدرو خبره اكبر من مقتكم انفسكم فلا يعمل في اذ تدعون لان المصدر اذا اخبر عنه لم يجز ان يتعلق به شىء يكون في صلته لان الاخبار عنه يؤذن بتمامه وما يتعلق به يؤذن بنقصانه ولا بالثاني لاختلاف الزمانين وهذا لانهم مقتوا انفسهم في النار وقد دعوا الى الايمان في الدنيا

{فتكفرون} فتصرون على الكفر

١١

{قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين} اى اماتتين واحياءتين أو موتتين وحياتين واراد بالاماتتين خلقهم امواتا اولا واماتتهم عند انقضاء اجالهم وصح ان يسمى خلقهم امواتا اماته كما صح ان يقال سبحان من صغر جسم البعوضة وكبر جسم الغيل وليس ثمة نقل من كبر الى صغر ولا من صغر الى كبر والسبب فيه ان الصغر والكبر جائزان على المصنوع الواحد فاذا اختار الصانع احد الجائزين فقد صرف المصنوع عن الجائز الاخر فجعل صرفه عنه كنقله منه وبالاحياءتين الاحياة الاولى في الدنيا والاحياءة الثانية البعث ويدل عليه قوله وكنتم امواتا فاحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم وقيل الموتة الاولى في الدنيا والثانية في القبر بعد الاحياء للسؤال والاحياء الاول احياؤه في القبر بعد موته للسؤال والثاني للبعث

{فاعترفنا بذنوبنا} لما راوا الاماتة والاحياء تكررا عليهم علموا ان اللّه قادر على الاعادة كما هو قادر على الانشاء فاعترفوا بذنوبهم التى اقترفوها من انكار البعث وما تبعه من معاصيهم

{فهل إلى خروج} من النار اى الى نوع من الخروج سريع أو بطىء لنتخلص

{من سبيل} قط ام اليأس واقع دون ذلك فلا خروج ولا سبيل اليه وهذا كلام من غلب عليه اليأس وانما يقولون ذلك تحيرا ولهذا جاء الجواب على حسب ذلك وهو قوله

١٢

{ذلكم بأنه إذا دعي اللّه وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا} اى ذلكم الذى انتم فيه وان لا سبيل لكم الى خروج قط بسبب كفركم بتوحيد اللّه وايمانكم بالاشراك به

{فالحكم للّه} حيث حكم عليكم بالعذاب السرمد

{العلي} شانه فلا يرد قضاؤه

{الكبير} العظيم سلطانه فلا يحد جزاؤه وقيل كان الحرورية اخذوا قولهم حكم إلا للّه من هذا وقال قتادة لما خرج اهل حروراء قال علي رضى اللّه عنه من هؤلاء قيل المحكمون اى يقولون لا حكم الا للّه فقال علي رضى اللّه عنه كلمة حق اريد بها باطل

١٣

{هو الذي يريكم آياته} من الريح والسحاب والرعد والبرق والصواعق ونحوها

{وينزل لكم من السماء} وبالتخفيف مكى وبصرى

{رزقا} مطرا لأنه سبب الرزق

{وما يتذكر إلا من ينيب} وما يتعظ وما يعتبر بايات اللّه الا من يتوب من الشرك ويرجع الى اللّه فان المعاند لا يتذكر ولا يتعظ ثم قال للمنيبين

١٤

{فادعوا اللّه} فاعبدوه

{مخلصين له الدين} من الشرك

{ولو كره الكافرون} وان غاظ ذلك اعداءكم ممن ليس على دينكم

١٥

{رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح} ثلاثة اخبار لقوله هو مرتبة على قوله الذى يريكم أو اخبار مبتدا محذوف ومعنى رفيع الدرجات رافع السموات بعضها فوق بعض أو رافع درجات عباده في الدنيا بالمنزلة أو رافع منازلهم في الجنة وذو العرش مالك عرشه الذي فوق السموات خلقه مطافا للملائكة اظهار لعظمته مع استغنائه في مملكته والروح جبريل عليه السلام أو الوحى الذي تحيا به القلوب

{من أمره} من اجل امره أو بامره

{على من يشاء من عباده لينذر} اى اللّه أو الملقى عليه وهو النبي عليه السلام ويدل عليه قراءة يعقوب لتنذر

{يوم التلاق} يوم القيامة لانه يلتقى فيه اهل السماء واهل الارض والاولون والاخرون التلاقى مكى ويعقوب

١٦

{يوم هم بارزون} ظاهرون لا يسترهم شىء من جبل أو اكمة أو بناء

{لا يخفى على اللّه منهم شيء} اى من اعمالهم واحوالهم

{لمن الملك اليوم} اى يقول اللّه تعالى ذلك حين لا احد يجيبه ثم يجيب نفسه بقوله

{للّه الواحد القهار} اى الذى قهر الخلق بالموت وينتصب اليوم بمدلول لمن اى لمن يثبت الملك في هذا اليوم وقيل ينادى مناد فيقول لمن الملك اليوم فيجيبه اهل المحشر للّه الواحد القهار

١٧

{اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن اللّه سريع الحساب} لما قرر ان الملك للّه وحده في ذلك اليوم عدد نتائج ذلك وهى ان كل نفس تجزى بما كسبت عملت في الدنيا من خير وشر وان الظلم مامون منه لانه ليس بظلام للعبيد وان الحساب لا يبطىء لانه لا يشغله حساب عن حساب فيحاسب الخلق كله في وقت واحد وهو اسرع الحاسبين

١٨

{وأنذرهم يوم الآزفة} اى القيامة سميت بها لازوفها اى لقربها ويبدل من يوم الازفة

{إذ القلوب لدى الحناجر} اى التراقى يعنى ترتفع قلوبهم عن مقارها فتلصق بحناجرهم فلا هي تخرج فيموتوا ولا ترجع الى مواضعها فيتنفسوا ويتروحوا

{كاظمين} ممسكين بحناجرهم من كظم القربة شد راسها وهو حال من القلوب محمول على اصحابها وانما جمع الكاظم جمع السلامة لانه وصفها بالكظم الذى هو من افعال العقلاء

{ما للظالمين} الكافرين

{من حميم} محب مشفق

{ولا شفيع يطاع} اى يشفع وهو مجاز عن الطاعة لان الطاعة حقيقة لا تكون الا لمن فوقك والمراد نفى الشفاعة والطاعة كما في قوله

ولا ترى الضب بها ينجحر

يريد به نفى الضب وانجحاره وان احتمل اللفظ انتفاء الطاعة دون الشفاعة فعن الحسن واللّه ما يكون لهم شفيع البته

١٩

{يعلم خائنة الأعين} مصدر بمعنى الخيانة كالعافية بمعنى المعافاة والمراد استراق النظر الى ما يحل

{وما تخفي الصدور} وما تسره من امانة وخيانة وقيل هو ان ينظر الى اجنبية بشهوة مسارقة ثم يتفكر بقلبه في جمالها ولا يعلم بنظرته وفكرته من بحضرته واللّه يعلم ذلك كله ويعلم خائنة الاعين خبر من اخبار هو في قوله هو الذي يريكم اياته مثل يلقى الروح ولكن يلقى الروح قد علل بقوله لينذر يوم التلاق ثم استطرد ذكر احوال يوم التلاق الى قوله ولا شفيع يطاع فبعد لذلك عن اخواته

٢٠

{واللّه يقضي بالحق} اى والذي هذه صفاته لا يحكم الا بالعدل

{والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء} والهتهم لا يقضون بشىء وهذا تهكم بهم لان ما لا يوصف بالقدرة لا يقال فيه يقضى أو لا يقضى تدعون نافع

{إن اللّه هو السميع البصير} تقرير لقوله يعلم خائنة الاعين وما تخفى الصدور ووعيد لهم بانه يسمع ما يقولون ويبصر ما يعملون وانه يعاقبهم عليه وتعريض بما يدعون من دونه وانها لا تسمع ولا تبصر

٢١

{أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم} اى اخر امر الذين كذبوا الرسل من قبلهم

{كانوا هم أشد منهم قوة} هم فصل وحقه ان يقع بين معرفتين الا ان اشد منهم ضارع المعرفة في انه لا تدخله الالف واللام فأجرى مجراه منكم شامى

{وآثارا في الأرض} اى حصونا وقصورا

{فأخذهم اللّه بذنوبهم} عاقبهم بسبب ذنوبهم

{وما كان لهم من اللّه من واق} ولم يكن لهم شىء يقيهم من عذاب اللّه

٢٢

{ذلك بأنهم} اى الاخذ بسبب انهم

{كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم اللّه إنه قوي} قادر على كل شىء

{شديد العقاب} اذا عاقب

٢٣

{ولقد أرسلنا موسى بآياتنا} التسع

{وسلطان مبين} وحجة ظاهرة

٢٤

{إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا} هو

{ساحر كذاب} فسموا السلطان المبين سحرا وكذبا

٢٥

{فلما جاءهم بالحق} بالنبوة

{من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه} اى اعيدوا عليهم القتل كالذى كان اولا

{واستحيوا نساءهم} للخدمة

{وما كيد الكافرين إلا في ضلال} ضياع يعنى انهم باشروا قتلهم اولا فما اغنى عنهم ونفذ قضاء اللّه باظهار من خافوه فما يغنى عنهم هذا القتل الثاني وكان فرعون قد كف عن قتل الولدان فلما بعث موسى عليه السلام وأحس بانه قد وقع اعاده عليهم غيظا وظنا منه انه يصدهم بذلك عن مظاهرة موسى عليه السلام وما علم ان كيده ضائع في الكرتين جميعا

٢٦

{وقال فرعون} لك

{ذروني أقتل موسى} كان اذا هم بقتله كفوه بقولهم ليس بالذى نخافه وهو اقل من ذلك وما هو الا ساحر واذا قتلته ادخلت الشبهة على الناس واعتقدوا انك عجزت عن معارضته بالحجة والظاهر ان فرعون قد استيقن انه نبي وان ماجاء به ايات وما هو بسحر ولكن كان فيه خب وكان قتالا سفاكا للدماء في اهون شىء فكيف لا يقتل من احس بانه هو الذي يهدم ملكه ولكن كان يخاف ان هم بقتله ان يعاجل بالهلاك وقوله

{وليدع ربه} شاهد صدق على فرط خوفه منه ومن دعوته ربه وكان قوله ذروني اقتل موسى تمويها على قومه وايهاما انهم هم الذين يكفونه وما كان يكفه الا ما في نفسه من هول الفزع

{إني أخاف} ان لم اقتله

{أن يبدل دينكم} ان يغير ما انتم عليه وكانوا يعبدونه ويعبدون الاصنام

غافر ( ٢٨ - ٢٦ )

{أو أن يظهر} موسى

{في الأرض الفساد} بضم الياء ونصب الدال مدنى وبصري وحفص وغيرهم بفتح الياء ورفع الدال والاول اولى لموافقة يبدل والفساد في الارض التقاتل والتهايج الذى يذهب معه الامن وتتعطل المزارع والمكاسب والمعايش ويهلك الناس قتلا وضياعا كانه قال انى اخاف ان يفسد عليكم دينكم بدعوتكم الى دينه أو يفسد عليكم دنياكم بما يظهر من الفتن بسببه وقرأ غير اهل الكوفة وان معناه اني اخاف فساد دينكم ودنياكم معا

٢٧

{وقال موسى} لما سمع بما اجراه فرعون من حديث قتله لقومه

{إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب} وفي قوله وربكم بعث لهم على ان يقتدوا به فيعوذوا باللّه عياذة ويعتصموا بالتوكل عليه اعتصامه وقال من كل متكبر لتشمل استعاذته فرعون وغيره من الجبابرة وليكون على طريقة التعريض فيكون ابلغ واراد بالتكبر الاستكبار عن الاذعان للحق وهو اقبح استكبار وادل على دناءة صاحبه وعلى فرط ظلمه وقال لا يؤمن بيوم الحساب لانه إذا اجتمع في الرجل التكبر والتكذيب بالجزاء وقلة المبالاة بالعاقبة فقد استكمل اسباب القسوة والجراءة على اللّه وعباده ولم يترك عظيمة الا ارتكبها وعذت ولذت اخوان وعت بالادغام أبو عمرو وحمزة وعلي

٢٨

{وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه} قيل كان قبطيا ابن عم لفرعون امن بموسى سرا ومن ال فرعون صفة لرجل وقيل كان اسرائيليا من آل فرعون صلة ليكتم اى يكتم ايمانه من ال فرعون واسمه سمعان أو حبيب أو خربيل أو حزبيل والظاهر الاول

{أتقتلون رجلا أن يقول} لان يقول وهذا انكار منه عظيم كانه قيل اترتكبون الفعلة الشنعاء التي هي قتل نفس محرمة ومالكم علة في ارتكابها الا كلمة الحق وهي قوله

{ربي اللّه} وهو ربكم ايضا لا ربه وحده

{وقد جاءكم} الجملة حال

{بالبينات من ربكم} يعني انه لم يحضر لتصحيح قوله ببينة واحدة ولكن ببينات من عند من اسب اليه الربوبية وهو استدراج لهم الى الاتعراف به

{وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم} احتج عليهم بطريق التقسيم فانه لا يخلو من ان يكون كاذبا أو صادقا فان يك كاذبا فعليه وبال كذبه ولا يتخطاه وان يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم من العذاب ولم يقل كل الذى يعدكم مع انه وعد من نبي صادق القول مداراة لهم وسلوكا لطريق الانصاف فجاء بما هو اقرب الى تسليمهم له وليس فيه نفى اصابه الكل فكانه قال لهم لعل ما يكون في صدقه ان يصيبكم بعض ما يعدكم وهو العذاب العاجل وفى ذلك هلاككم وكان وعدهم عذاب الدنيا والاخرة وتقديم الكاذب على الصادق من هذا القبيل ايضا وتفسير البعض بالكل مزيف

{إن اللّه لا يهدي من هو مسرف} مجاوز للحد

{كذاب} في ادعائه وهذا ايضا من باب المجاملة والمعنى انه كان مسرفا كذابا خذله اللّه واهلكه فتتخلصون منه أو لو كان مسرفا كذابا لما هداه اللّه بالنبوة ولما عضده بالبينات وقيل اوهم انه عنى بالمسرف موسى وهو يعنى به فرعون

٢٩

{يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين} عالين وهو حال من كم في لكم

{في الأرض} في ارض مصر

{فمن ينصرنا من بأس اللّه إن جاءنا} عنى ان لكم ملك مصر وقد علوتم الناس وقهرتموهم فلا تفسدوا امركم على انفسكم ولا تتعرضوا لبأس اللّه اى عذابه فانه لا طاقة لكم به ان جاءكم ولا يمنعكم منه احد وقال ينصرنا وجاءنا لانه منهم في القرابة وليعلمهم بان الذى ينصحهم به هو مساهم لهم فيه

{قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى} اى ما اشير عليكم براى الا بما ارى من قتله يعنى لا استصوب الا قتله وهذا الذى تقولونه غير صواب

{وما أهديكم} بهذا الراى

{إلا سبيل الرشاد} طريق الصواب والصلاح وما اعلمكم الا ما اعلم من الصواب ولا ادخر منه شيئا ولا اسر عنكم خلاف ما اظهر يعنى ان لسانه وقلبه متوطئان على ما يقول وقد كذب فقد كان مستشعرا للخوف الشديد من جهة موسى عليه السلام ولكنه كان يتجلد ولولا استشعاره لم يستشر احدا ولم يقف الامر على الاشارة

٣٠

{وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب} أي مثل ايامهم لانه لما اضافه الى الاحزاب وفسرهم بقوله

٣١

{مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم} ولم يلتبس ان كل حزب منهم كان له يوم دمار اقتصر على الواحد من الجمع ودأب هؤلاء دؤبهم في عملهم من الكفر والتكذيب وسائر المعاصى وكون ذلك دائبا دائما منهم لا يفترون عنه ولا بد من حذف مضاف اى مثل جزاء دأبهم وانتصاب مثل الثاني بانه عطف بيان لمثل الاول

{وما اللّه يريد ظلما للعباد} اى وما يريد اللّه ان يظلم عباده فيعذبهم بغير ذنب أو يزيد على قدر ما يستحقون من العذاب يعنى ان تدميرهم كان عدلا لانهم استحقوه بأعمالهم وهو ابلغ من قوله وما ربك بظلام للعبيد حيث جعل المنفى ارادة ظلم منكر ومن بعد عن ارادة ظلم ما لعبادة كان عن الظلم ابعد وابعد وتفسير المعتزلة بانه لا يريد لهم ان يظلموا بعيد لان اهل اللغة قالوا اذا قال الرجل لاخر لا اريد ظلما لك معناه لا اريد ان اظلمك وهذا تخويف بعذاب الدنيا ثم خوفهم من عذاب الاخرة بقوله

٣٢

{ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد} اى يوم القيامة التنادى مكى ويعقوب في الحالين واثبات الياء هو الاصل وحذفها حسن لان الكسرة تدل على الياء واخر هذه الآى على الدال وهو ما حكى اللّه تعالى في سورة الاعراف ونادى اصحاب الجنة اصحاب النار ونادى اصحاب النار اصحاب الجنة ونادى اصحاب الاعراف وقيل ينادى مناد الا ان فلانا سعد سعادة لا يشقى بعدها ابدا الا ان فلانا شقى شقاوة لا يسعد بعدها ابدا

٣٣

{يوم تولون مدبرين} منصرفين عن موقف الحساب الى النار

{ما لكم من اللّه} من عذاب اللّه

{من عاصم} مانع ودافع

{ومن يضلل اللّه فما له من هاد} مرشد

٣٤

{ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات} هو يوسف بن يعقوب وقيل يوسف ابن افراييم بن يوسف بن يعقوب اقام فيهم نبيا عشرين سنة وقيل ان فرعون موسى هو فرعون يوسف عمر الى زمنة وقيل هو فرعون اخر وبخهم بأن يوسف اتاكم من قبل موسى بالمعجزات

{فما زلتم في شك مما جاءكم به} نشككم فيها ولم تزالوا شاكين

{حتى إذا هلك قلتم لن يبعث اللّه من بعده رسولا} حكما من عند انفسكم من غير برهان اى اقمتم على كفركم وظننتم انه لا يجدد عليكم ايجاب الحجة &

{كذلك يضل اللّه من هو مسرف مرتاب} اى مثل هذا الاضلال يضل اللّه كل مسرف في عصيانه مرتاب شاك في دينه

٣٥

{الذين يجادلون} بدل من هو مسرف وجاز بداله منه وهو جمع لانه لا يريد مسرفا واحدا بل كل مسرف

{في آيات اللّه} في دفعها وابطالها

{بغير سلطان} حجة

{أتاهم كبر مقتا} اى عظم بغضا وفاعل كبر ضمير هو مسرف وهو جمع معنى وموحد لفظا فحمل البدل على معناه والضمير الراجع إليه على لفظه ويجوز ان يرفع الذين على الابتداء ولا بد في هذا الوجه من حذف مضاف يرجع اليه الضمير في كبر تقديره جدال الذين يجادلون كبر مقتا

{عند اللّه وعند الذين آمنوا كذلك يطبع اللّه على كل قلب متكبر جبار} قلب بالتنوين أبو عمرو وانما وصف القلب التكبر والتجبر لانه منبعهما كما تقول سمعت الاذن وهو كقوله فانه اثم قلبه وان كان الاثم هو الجملة

٣٦

{وقال فرعون} تمويها على قومه أو جهلا منه

{يا هامان ابن لي صرحا} اى قصرا وقيل الصرح البناء الظاهر الذى لا يخفى على الناظر وان بعد ومنه يقال صرح الشىء اذا ظهر

{لعلي} وبفتح الياء حجازى وشامى وأبو عمرو

{أبلغ الأسباب} ثم ابدل منها تفخيم شأنها وإبانة انه يقصد امر عظيما

٣٧

{أسباب السماوات} اى طرقها وابوابها وما يؤدي اليها

غافر ( ٤٢ - ٣٧ )

وكل ما أداك الى شىء فهو سبب إليه كالرشاء ونحوه

{فاطلع} بالنصب حفص على جواب الترجى تشبيها للترجى بالتمنى وغيره بالرفع عطفا على ابلغ

{إلى إله موسى} والمعنى فانظر اليه

{وإني لأظنه} اى موسى

{كاذبا} في قوله له اله غيري

{وكذلك} ومثل ذلك التزيين وذلك الصد

{زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل} المستقيم وبفتح الصاد كوفى ويعقوب اى غيره صدا أو هو بنفسه صدودا والمزين الشيطان بوسوسته كقوله وزين لهم الشيطان اعمالهم فصدهم عن السبيل أو اللّه تعالى ومثله زينا لهم اعمالهم فهم يعمهون

{وما كيد فرعون إلا في تباب} خسران وهلاك

٣٨

{وقال الذي آمن يا قوم اتبعون} اتبعونى في الحالين مكي ويعقوب وسهل

{أهدكم سبيل الرشاد} وهو نقيض الغى وفيه تعريض شبيه بالتصريح ان ما عليه فرعون وقومه سبيل الغى اجمل اولا ثم فسر فافتتح بذم الدنيا وتصغير شأنها بقوله

٣٩

{يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع} تمتع يسير فالاخلاد اليها اصل الشر ومنبع الفتن وثنى بتعظيم الاخرة وبين انها هى الوطن والمستقر بقوله

{وإن الآخرة هي دار القرار} ثم ذكر الاعمال سيئها وحسنها وعاقبة كل منهما ليثبط عما يتلف وينشط لما يزلف بقوله

٤٠

{من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب} يدخلون مكي وبصرى ويزيد وأبو بكر ثم وازن بين الدعوتين دعوته الى دين اللّه الذي تمرته الجنات ودعوتهم الى اتخاذ الانداد الذى عاقبته النار بقوله

٤١

{ويا قوم ما لي} وبفتح الياء حجازي وأبو عمرو

{أدعوكم إلى النجاة} اى الجنة

{وتدعونني إلى النار

٤٢

تدعونني لأكفر باللّه} هو بدل من تدعونني الاول يقال دعاه إلى كذا ودعاه له كما يقال هداه الى الطريق وهداه له

{وأشرك به ما ليس لي به علم} اى بربوبيته والمراد بنفى العلم نفى للعلوم كانه قال واشرك به ما ليس باله وماليس باله كيف يصح ان يعلم الها

{وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار} وهو اللّه سبحانه

غافر ( ٤٧ - ٤٣ )

وتعالى وتكرير النداء لزيادة التنبيه لهم والايقاظ عن سنة الغفلة وفيه انهم قومه وانه من ال فرعون وجىء بالواو في النداء الثالث دون الثاني ولان الثاني داخل على كلام هو بيان للمجمل وتفسير له بخلاف الثالث

٤٣

{لا جرم} عند البصريين لا رد لما دعاه اليه قومه وجرم فعل بمعنى حق وان مع ما في حيزه فاعله أي حق ووجب بطلان دعوته

{أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة} معناه ان ما تدعونني اليه ليس له دعوة الى نفسه قط اى من حق المعبود بالحق ان يدعو العباد الى طاعته وما تدعون اليه والى عبادته لا يدعو هو الى ذلك ولا يدعى الربوبية أو معناه ليس له استجابة دعوة في الدنيا ولا في الاخرة دعوة مستجابة جعلت الدعوة التي لا استجابة لها ولا منفعة كلا دعوة أو سميت الاستجابة باسم الدعوة كما سمى الفعل المجازى عليه بالجزاء في قوله كما تدين تدان

{وأن مردنا إلى اللّه} وان رجوعنا اليه

{وأن المسرفين} وان المشركين

{هم أصحاب النار

٤٤

فستذكرون ما أقول لكم} اى من النصيحة عند نزول العذاب

{وأفوض} واسلم

{أمري} وبفتح الياء مدنى وأبو عمرو

{إلى اللّه} لانهم توعدوه

{إن اللّه بصير بالعباد} باعمالهم ومالهم

٤٥

{فوقاه اللّه سيئات ما مكروا} شدائد مكرهم وما هموا به من الحاق انواع العذاب بمن خالفهم وقيل انه خرج من عندهم هاربا الى جبل فبعث قريبا من الف في طلبه فمنهم من اكلته السباع ومن رجع منهم صلبه فرعون

{وحاق} ونزل

{بآل فرعون سوء العذاب

٤٦

{النار} بدل من سوء العذاب أو خبر مبتدا محذوف كانه قيل ما سوء العذاب قيل هو النار أو مبتدا خبره

{يعرضون عليها} وعرضهم عليها احراقهم بها يقال عرض الامام الاسارى على السيف اذا قتلهم به

{غدوا وعشيا} اى في هذين الوقتين يعذبون بالنار وفيما بين ذلك اما ان يعذبوا بجنس اخر أو ينفس عنهم ويجوز ان يكون غدوا وعشيا عبارة عن الدوام هذا في الدنيا

{ويوم تقوم الساعة} يقال لخزنة جهنم

{أدخلوا آل فرعون} من الادخال مدنى وحمزة وعلي وحفص خلف ويعقوب وغيرهم ادخلوا أي يقال لهم ادخلوا يا آل فرعون

{أشد العذاب} اى عذاب جهنم وهذه الآية دليل على عذاب القبر

٤٧

{وإذ يتحاجون} واذكر وقت تخاصمهم

{في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا} يعنى الرؤساء

{إنا كنا لكم تبعا} تباعا كخدم في جمع خادم

غافر ( ٥٥ - ٤٧ )

{فهل أنتم مغنون} دافعون

{عنا نصيبا} جزءا

{من النار

٤٨

قال الذين استكبروا إنا كل فيها} التنوين عوض من المضاف اليه اى انا كلنا فيها لا يغنى احد عن احد

{إن اللّه قد حكم بين العباد} قضى بينهم بان ادخل اهل الجنة الجنة واهل النار النار

٤٩

{وقال الذين في النار لخزنة جهنم} للقوام بتعذيب اهلها وانما لم يقل لخزنتها لان في ذكر جهنم تهويلا وتفظيعا ويحتمل ان جهنم هى ابعد النار قعرا من قولهم بئر جهنام بعيدة القعر وفيها اعتى الكفار واطغاهم فلعل الملائكة الموكلين بعذاب اولئك اجوب دعوة لزيادة قربهم من اللّه تعالى فلهذا تعمدهم اهل النار بطلب الدعوة منهم

{ادعوا ربكم يخفف عنا يوما} بقدر يوم من الدنيا

{من العذاب

٥٠

قالوا} اى الخزنة توبيخا لهم بعد مدة طويلة

{أولم تك} اى أو لم تك قصة وقوله

{تأتيكم رسلكم} تفسير للقصة

{بالبينات} بالمعجزات

{قالوا} اى الكفار

{بلى قالوا} اى الخزنة تهكما بهم

{فادعوا} انتم ولا استجابة لدعائكم

{وما دعاء الكافرين إلا في ضلال} بطلان وهو من قول اللّه تعالى ويحتمل ان يكون من كلام الخزنة

٥١

{إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} اى في الدنيا والاخرة يعنى انه يغلبهم في الدارين جميعا بالحجة والظفر على مخالفيهم ولو بعد حين ويوم نصب محمول على موضع الجار والمجرور كما تقول جئتك في امس واليوم والاشهاد جمع شاهد كصاحب واصحاب يريد الانبياء والحفظة فالانبياء يشهدون عند رب العزة على الكفرة بالتكذيب والحفظة يشهدون على بني آدم بما عملوا من الاعمال تقوم بالتاء الرازى عن هشام

٥٢

{يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم} هذا بدل من يوم يقوم اى لا يقبل عذرهم لاينفع كوفى ونافع

{ولهم اللعنة} البعد من رحمة اللّه

{ولهم سوء الدار} اى سوء دار الأخرة وهو عذابها

٥٣

{ولقد آتينا موسى الهدى} يريد به جميع ما اتى به في باب الدين من المعجزات والتوراة والشرائع

{وأورثنا بني إسرائيل الكتاب} اى التوراة والانجيل والزبور لان الكتاب جنس اى تركنا الكتاب من بعد هذا الى هذا

٥٤

{هدى وذكرى} ارشادا وتذكرة وانتصابهما على المفعول له أو على الحال

{لأولي الألباب} لذوى العقول

٥٥

{فاصبر} على ما يجرعك قومك من الفصص

{إن وعد اللّه حق} يعنى ان ما سبق به وعد من نصرتك واعلاء

غافر ( ٦٠ - ٥٥ )

كلمتك حق

{واستغفر لذنبك} اى لذنب امتك

{وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار} اى دم على عبادة ربك والثناء عليه وقيل هما صلاتا العصر والفجر وقيل قل سبحان اللّه وبحمده

٥٦

{إن الذين يجادلون في آيات اللّه بغير سلطان أتاهم} لا وقف عليه لان خبران

{إن في صدورهم إلا كبر} تعظم وهو ارادة التقدم والرياسة وان لا يكون احد فوقهم فلهذا عادوك ودفعوا آياتك خيفة ان تتقدمهم ويكونوا تحت يدك وامرك ونهيك لان النبوة تحتها كل ملك ورياسة أو ارادة أنت تكون لهم النبوة دونك حسدا وبغيا ويدل عليه قوله لو كان خيرا ما سبقونا اليه أو ارادة دفع الآيات بالجدال

{ما هم ببالغيه} ببالغى موجب الكبر ومقتضيه وهو متعلق ارادتهم من الرياسة اوالنبوة أو دفع الايات

{فاستعذ باللّه} التجى اليه من كيد من يحسدك ويبغي عليك

{إنه هو السميع} لما تقول ويقولون

{البصير} بما تعمل ويعملون فهو ناصرك عليهم وعاصمك من شرهم

٥٧

{لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس} لما كانت مجادلتهم في آيات اللّه مشتملة على انكار البعث وهو اصل المجادلة ومدارها حجوا بخلق السموات والارض لانهم كانوا مقرين بان اللّه خالقها فان من قدر على خلقها مع عظمها كان على خلق الانسان مع مهانته اقدر

{ولكن أكثر الناس لا يعلمون} لانهم لا يتاملون لغلبة الغفلة عليهم

٥٨

{وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء} لا زائده

{قليلا ما تتذكرون} تتعظون بتاءين كوفى وبياء وتاء غيرهم وقليلا صفة مصدر محذوف اى تذكرا قليلا يتذكرون وما صلة زائدة

٥٩

{إن الساعة لآتية لا ريب فيها} لا بد من مجيئها وليس بمرتاب فيها لانه لابد من جزاء لئلا يكون خلق الخلق للفناء خاصة

{ولكن أكثر الناس لا يؤمنون} لا يصدقون بها

٦٠

{وقال ربكم ادعوني} اعبدوني

{أستجب لكم} اثبكم فالدعاء بمعنى العباده كثير في القرآن ويدل عليه قوله

{إن الذين يستكبرون عن عبادتي} وقال عليه السلام: الدعاء هو العبادة وقرأ هذه الآية صلى اللّه عليه وسلم وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما وحدوني اغفر لكم وهذا تفسير للدعاء بالعبادة ثم للعبادة بالتوحيد وقيل سلوني اعطكم

{سيدخلون جهنم} سيدخلون مكى وأبو عمرو

{داخرين}

غافر ( ٦٦ - ٦١ ) صاغرين

٦١

{اللّه الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا} وهو من الاسناد المجازى أي مبصرا فيه لان الابصار في الحقيقة لاهل النهار وقرن الليل بالمفعول له والنهار بالحال ولم يكونا حالين أو مفعولا لهما رعاية لحق للقابلة لأنهما متقابلان معنى لان كل واحد منهما يؤدى مؤدى الاخر ولانه لو قيل لتبصروا فيه فاتت الفصاحة التي في الاسناد المجزى ولو قيل ساكنا لم تتميز الحقيقة من المجاز اذ الليل يوصف بالسكون على الحقيقة الا ترى الى قولهم ليل ساج اى ساكن لا ريح فيه

{إن اللّه لذو فضل على الناس} ولم يقل لمفضل أو لمتفضل لان المراد تنكير الفضل وان يجعل فضلا لا يوازيه فضل وذلك انما يكون بالاضافة

{ولكن أكثر الناس لا يشكرون} ولم يقل ولكن اكثرهم حتى لا يتكرر ذكرالناس لان في هذا التكرير تخصيصا لكفران النعمة بهم وانهم هم الذين يكفرون فضل اللّه ولا يشكرونه كقوله ان الانسان لكفور وقوله ان الانسان لظلوم كفار

٦٢

{ذلكم} الذي خلق لكم الليل والنهار

{اللّه ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو} اخبار مترادفة اى هو الجامع لهذه الاوصاف من الربوبية والالهية وخلق كل شىء والوحدانية

{فأنى تؤفكون} فكيف ومن اى وجه تصرفون عن عبادته الى عبادة الاوثان

٦٣

{كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات اللّه يجحدون} اى كل من جحد بايات اللّه ولم يتاملها ولم يطلب الحق افك كما افكوا

٦٤

{اللّه الذي جعل لكم الأرض قرارا} مستقرا

{والسماء بناء} سقفا فوقكم

{وصوركم فأحسن صوركم} قيل لم يخلق حيوانا احسن صورة من الإنسان وقيل لم يخلقهم منكوسين كالبهائم

{ورزقكم من الطيبات} اللذيذات

{ذلكم اللّه ربكم فتبارك اللّه رب العالمين

٦٥

هو الحي لا إله إلا هو فادعوه} فاعبدوه

{مخلصين له الدين} اى الطاعة من الشرك والرياء قائلين

{الحمد للّه رب العالمين} وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما من قال لا اله الا اللّه فليقل على اثرها الحمد للّه رب العالمين ولما طلب الكفار منه عليه السلام عبادة الاوثان نزل

٦٦

{قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون اللّه لما جاءني البينات من ربي} هى القران وقيل العقل والوحى

{وأمرت أن أسلم} استقيم وانقاد

غافر ( ٧٤ - ٦٧ )

{لرب العالمين

٦٧

هو الذي خلقكم} اى اصلكم

{من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا} اقتصر على الواحد لان المراد بيان الجنس

{ثم لتبلغوا أشدكم} متعلق بمحذوف تقديره ثم يبقيكم لتبلغوا وكذلك

{ثم لتكونوا شيوخا} وبكسر الشين مكى وحمزة وعلي وحماد ويحيى والاعشى

{ومنكم من يتوفى من قبل} اى من قبل بلوغ الاشد أو من قبل الشيخوخة

{ولتبلغوا أجلا مسمى} معناه ويفعل ذلك لتبلغوا اجلا مسمى وهو وقت الموت أو يوم القيامة

{ولعلكم تعقلون} ما في ذلك من العبر والحجج

٦٨

{هو الذي يحيي ويميت فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون} اى فإنا يكون سريعا من غير كلفة

٦٩

{ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات اللّه أنى يصرفون} ذكر الجدال في هذه السورة في ثلاثة مواضع فجاز ان يكون في ثلاثة اقوام أو ثلاثة اصناف أو للتاكيد

٧٠

{الذين كذبوا بالكتاب} بالقرآن

{وبما أرسلنا به رسلنا} من الكتب

{فسوف يعلمون

٧١

إذ الأغلال في أعناقهم} اذ ظرف زمان ماض والمراد به هنا الاستقبال كقوله فسوف يعلمون وهذا لان الامور المستقبلة لما كانت في اخبار اللّه تعالى مقطوعا بها عبر عنها بلفظ ما كان ووجد والمعنى على الاستقبال

{والسلاسل} عطف على الاغلال والخبر في اعناقهم والمعنى اذ الاغلال والسلاسل في اعناقهم

{يسحبون

٧٢

في الحميم} يجرون في الماء الحار

{ثم في النار يسجرون} من سجر التنور اذا ملأه بالوقود ومعناه انهم في النار فهى محيطة بهم وهم مسجورون بالنار مملوءة بها اجوافهم

٧٣

{ثم قيل لهم} اى تقول لهم الخزنة

{أين ما كنتم تشركون

٧٤

من دون اللّه} يعنى الاصنام التي تعبدونها

{قالوا ضلوا عنا} غابوا عن عيوننا فلا نراهم ولا ننتفع بهم

{بل لم نكن ندعوا من قبل شيئا} اى تبين لنا انهم لم يكونوا شيئا وما كنا نعبد بعبادتهم شيئا كما تقول حسبت ان فلانا شىء فاذا هو ليس بشى اذا خبرته فلم تر عنده خيرا

{كذلك يضل اللّه الكافرين} مثل ضلال الهتهم عنهم يضلهم عن الهتهم حتى لو طلبوا الآلهة أو طلبتهم الآلهة لم يتصادقوا أو كما اضل هؤلاء

غافر ( ٨٠ - ٧٥ )

المجادلين يضل سائر الكافرين الذين علم منهم اختيار الضلالة على الذين

٧٥

{ذلكم} العذاب الذى نزل بكم

{بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون} & بسبب ما كان لكم من الفرح والمرح بغير الحق وهو الشرك وعبادة الاوثان فيقال لهم

٧٦

{ادخلوا أبواب جهنم} السبعة المقسومة لكم قال اللّه تعالى لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم

{خالدين فيها} مقدرين الخلود

{فبئس مثوى المتكبرين} عن الحق جهنم

٧٧

{فاصبر} يا محمد

{إن وعد اللّه} بإهلاك الكفار

{حق} كائن

{فإما نرينك} اصله فان نريك وما مزيدة لتوكيد معنى الشرط ولذلك الحقت النون بالفعل الا تراك لا تقول ان تكرمني اكرمك ولكن اما تكرمنى اكرمك

{بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون} هذا الجزاء متعلق بنتوفينك وجزاء نرينك محذوف وتقديره واما نرينك بعض الذى نعدهم من العذاب وهو القتل يوم بدر فذاك اوان نتوفينك قبل يوم بدر فالينا يرجعون يوم القيامة فننتقم منهم اشد الانتقام

٧٨

{ولقد أرسلنا رسلا من قبلك} الى اممهم

{منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك} قيل بعث اللّه ثمانية الآف في أربعة الآف من بني اسرائيل واربعة الاف من سائر الناس وعن علي رضى اللّه عنه ان اللّه تعالى بعث نبيا اسود فهو ممن لم تذكر قصته في القرآن

{وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن اللّه} وهذا جواب اقتراحم فمن الآيات عنادا يعنى إنا قد أرسلنا كثيرا من ا لرسل وما كان لواحد منهم أن يأتى بآية إلا ياذن اللّه والآخرة وإذا ذكر اللّه الا ان يشاء اللّه وياذن في الاتيان بها

{فإذا جاء أمر اللّه} اى يوم القيامة وهو وعيد ورد عقيب اقتراحهم الآيات

{قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون} المعاندون الذين اقترحوا الايات عنادا

٧٩

{اللّه الذي جعل} خلق

{لكم الأنعام} الابل

{لتركبوا منها ومنها تأكلون} اى لتركبوا بعضها وتأكلوا بعضها

٨٠

{ولكم فيها منافع} اى الالبان والاوبار

{ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم} اى لتبلغوا عليها ما تحتاجون اليه من الامور

{وعليها} وعلى الانعام

{وعلى الفلك تحملون} اى على الانعام وحدها لا تحملون ولكن عليها وعلى الفلك في البر

غافر ( ٨٥ - ٨١ ) والبحر

٨١

{ويريكم آياته فأي آيات اللّه تنكرون} انها ليست من عند اللّه واى نصب بتنكرون وقد جاءت على اللغة المستفيضة وقولك فاية ايات اللّه قليل لان التفرقة بين المذكر والمؤنث في الاسماء غير الصفات نحو حمار وحمارة غريب وهي في اى اغرب لابهامه

٨٢

{أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم} عددا

{وأشد قوة} بدنا

{وآثارا في الأرض} قصورا ومصانع

{فما أغنى عنهم} مانافية

{ما كانوا يكسبون

٨٣

فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم} يريد علمهم بامور الدنيا ومعرفتهم بتدبيرها كما قال يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون فلما جاءتهم الرسل بعلوم الديانات وهي أبعد شىء من علمهم لبعثها على رفض الدنيا والظلف عن الملاذ والشهوات لم يلتفتوا اليها وصغروها واستهزؤوا بها واعتقدوا انه لا علم انفع واجلب للفوائد من علمهم ففرحوا به أو علم الفلاسفة والدهريين فإنهم كانوا اذا سمعوا بوحي اللّه دفعوه وصغروا علم الانبياء الى علمهم وعن سقراط انه سمع بموسى عليه السلام وقيل له لو هاجرت اليه فقال نحن قوم مهذبون فلا حاجة بنا الى من يهذبنا أو المراد فرحوا بما عند الرسل من العلم فرح ضحك منه واستهزاء به كأنه قال استهزؤوا بالبينات وبما جاؤوا به من علم الوحي فرحين مرحين ويدل عليه قوله

{وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون} أو الفرح للرسل اى الرسل لما راوا جهلهم واستهزائهم بالحق وعلموا سوء عاقبتهم وما يلحقهم من العقوبة على جهلهم واستهزائهم فرحوا بما اوتوا من العلم وشكروا اللّه عليه وحاق بالكافرين جزاء جهلهم واستهزائهم

٨٤

{فلما رأوا بأسنا} شدة عذابنا

{قالوا آمنا باللّه وحده وكفرنا بما كنا به مشركين

٨٥

فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا} اى فلم يصح ولم يستقم ان ينفعهم ايمانهم

{سنة اللّه} بمنزلة وعد اللّه ونحوه من المصادر المؤكدة

{التي قد خلت في عباده} ان الايمان عند نزول العذاب لا ينفع وان العذاب نازل بمكذبى الرسل

{وخسر هنالك الكافرون} هنالك مكان مستعار للزمان والكافرون خاسرون في كل اوان ولكن يتبين خسرانهم اذا عاينوا العذاب وفائدة ترادف

﴿ ٠