تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م) _________________________________سورة شوى سورة شوى مكية وهى ثلاث وخمسون اية بسم اللّه الرحمن الرحيم فصل _________________________________ {حم} من ٢{عسق} كتابة مخالفا لكهيعص تلفيقا باخواتها ولانه ايتان وكهيعص اية واحدة ٣{كذلك يوحي إليك} اى مثل ذلك الوحى أو مثل ذلك الكتاب يوحى اليك {وإلى الذين من قبلك} والى الرسل من قبلك {اللّه} يعنى ان ما تضمنته هذه السورة من المعانى قد اوحى اللّه اليك مثله في غيرها من السور واوحاه الى من قبلك يعنى الى رسله والمعنى ان اللّه كرر هذه المعانى في القرآن في جميع الكتب السماوية لما فيها من التنبيه البليغ واللطف العظيم لعباده وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما ليس من بني صاحب كتاب الا اوحى اليه بحكم عسق يوحى بفتح الحاء مكى ورافع اسم اللّه على هذه القراءة ما دل عليه يوحى كان قائلا قال من الموحى فقيل اللّه {العزيز} الغالب بقهره الشورى ( ٧ - ٤ ) {الحكيم} المصيب في فعله وقوله ٤{له ما في السماوات وما في الأرض} ملكا وملكا {وهو العلي} شانه {العظيم} برهانه ٥{تكاد السماوات} وبالياء نافع وعلى {يتفطرن من فوقهن} يتشققن ينفطرن بصرى وأبو بكر ومعناه يكدن ينفطرن من علو شان اللّه وعطمته يدل عليه مجيئه بعد قوله العلى العظيم وقيل من دعائهم له ولدا كقوله تكاد السموات يتفطرن منه ومعنى من فوقهن اى يبتدىء الانفطار من جهتهن الفوقانية وكان القياس ان يقال ينفطرن من تحتهن من الجهة التى جاءت منها كلمة الكفر لانها جاءت من الذين تحت السموات ولكنه بولغ في ذلك فجعلت مؤثرة في جهة الفوق كانه قيل يكدن ينفطرن من الجهة التى فوقهن دع الجهة التى تحتهن وقيل من فوفهن من فوق الارض فالكناية راجعة الى الارض لانه بمعنى الارضين وقيل يتشققن لكثرة ما على السموات من الملائكة قال عليه السلام: اطت السماء اطا وحق لها ان تئط مافيها موضع قدم الا وعليه ملك قائم أو راكع أو ساجد {والملائكة يسبحون بحمد ربهم} خضوعا لما يرون من عظمته {ويستغفرون لمن في الأرض} اى للمؤمنين منهم كقوله ويستغفرون الذين امنوا خوفا عليهم من سطواته أو يوحدون اللّه وينزهونه عما لا يجوز عليه من الصفات حامدين له على ما اولاهم من الطافة متعجبين مما رأوا من تعرضهم لسخط اللّه تعالى ويستغفرون لمؤمنى اهل الارض الذين تبرؤا من تلك الكلمة أو يطلبون الى ربهم ان يحلم عن اهل الارض ولا يعاجلهم بالعقاب {ألا إن اللّه هو الغفور الرحيم} لهم ٦{والذين اتخذوا من دونه أولياء} اى جعلوا له شركاء واندادا {اللّه حفيظ عليهم} رقيب على اقوالهم واعمالهم لا يفوته منها شىء فيجازيهم عليها {وما أنت} يا محمد {عليهم بوكيل} بموكل عليهم و مفوض اليك امرهم انما انت منذر فحسب ٧{وكذلك} ومثل ذلك {أوحينا إليك} وذلك اشارة الى معنى الآية التى قبلها من ان اللّه رقيب عليهم لا انت بل انت منذر لان هذا المعنى كرره اللّه في كتابة أو هو مفعول به لاوحينا {قرآنا عربيا} حال من المفعول به اي اوحينا اليك وهو قران عربى بين {لتنذر أم القرى} اى مكة لان الارض دحيت من تحتها أو لانها اشرف البقاع والمراد اهل ام القرى {ومن حولها} من العرب {وتنذر يوم الجمع} يوم القيامة لان الخلائق تجتمع فيه {لا ريب فيه} اعتراض لا محل له يقال انذرته كذا وانذرته بكذا وقد عدى لتنذر ام القرى الى المفعول الاول وتنذر يوم الجمع الى المفعول الثاني {فريق في الجنة وفريق في السعير} اى منهم فريق في الجنة ومنهم فريق في السعير والضمير للمجموعين لان المعنى يوم جمع الخلائق ٨{ولو شاء اللّه لجعلهم أمة واحدة} اى مؤمنين كلهم {ولكن يدخل من يشاء في رحمته} اى يكرم من يشاء بالاسلام {والظالمون} والكافرون {ما لهم من ولي} شافع {ولا نصير} دافع ٩{أم اتخذوا من دونه أولياء فاللّه هو الولي} الفاء لجواب شرط مقدر كانه قيل بعد انكار كل ولى سواء ان ارادوا اولياء بحق فاللّه هو الولى بالحق وهو الذى يجب ان يتولى وحده لاولى سواه {وهو يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير} فهو الحقيق بان يتخذ وليا دون من لا يقدر على شىء ١٠{وما اختلفتم فيه من شيء} حكاية قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم للمؤمنين اى ما خالفتكم فيه الكفار من اهل الكتاب والمشركين فاختلفتم انتم وهم فيه من امر من امور الدين {فحكمه} اى حكم ذلك المختلف فيه مفوض {إلى اللّه} وهو اثبات المحقين فيه من المؤمنين ومعاقبة المبطلين {ذلكم} الحاكم بينكم {اللّه ربي عليه توكلت} فيه رد كيد اعداء الدين {وإليه أنيب} ارجع في كفاية شرهم وقيل وما وقع بينكم الخلاف فيه من العلوم التى لا تتصل بتكليفكم ولا طريق لكم الى علمه فقولوا اللّه اعلم كمعرفة الروح وغيره ١١{فاطر السماوات والأرض} ارتفاعه على انه احد اخبار ذلكم أو خبر مبتدا محذوف {جعل لكم من أنفسكم} خلق لكم منن جنسكم من الناس {أزواجا ومن الأنعام أزواجا} اى وخلق للانعام ايضا من انفسها ازواجا {يذرؤكم} يكثركم يقال ذرا اللّه الخلق بثهم وكثرهم {فيه} في هذا التدبير وهو ان جعل الناس والانعام ازواجا حتى كان بين ذكورهم واناثهم التوالد والتناسل واختير فيه على به لانه جعل هذا التدبير كالمنبع والمعدن للبث والتكثير والضمير في يذرؤكم يرجع الى المخاطبين والانعام مغلبا في المخاطبون العقلاء على الغيب مما لا يعقل {ليس كمثله شيء} قيل ان كلمة التشبية كررت لتاكيد نفى التماثل وتقديره ليس مثله شىء وقيل المثل زيادة وتقديره ليس كهو شىء كقوله تعالى فان امنوا بمثل ما امنتم به وهذا لان المراد نفى المثليه واذا لم تجعل الكاف أو المثل زيادة كان اثبات المثل وقيل المراد ليس كذاته شىء لانهم يقولون مثلك لا يبخل يريدون به نفى البخل عن ذاته ويقصدون المبالغة في ذلك بسلوك طريق الكناية لانهم اذا نفوه عمن بسد مسدد فقد نفوه عنه فاذا علم انه من باب الكناية لم يقع فرق بين قوله "ليس كاللّه شىء" وبين قوله ليس كمثله شىء الا ما تعطيه الكناية من فائدتها وكانهما عبارتان متعقبتان على معنى واحد وهو نفى المماثلة عن ذاته ونحوه بل يداه مبسوطتان فمعناه بل هو جواد من غير تصور يد ولا بسط لها لانها وقعت عبارة عن الجود حتى انهم استعملوها فيمن لا يدله فكذلك استعمل هذا فيمن له مثل ومن لا مثل له {وهو السميع} لجميع المسموعات بلا اذن {البصير} لجميع المرئيات بلا حدقة وكانه ذكرهما لئلا يتوهم انه لا صفة له كما لا مثل له ١٢{له مقاليد السماوات والأرض} مر فى الزمر {يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر} اى يضيق {إنه بكل شيء عليم} ١٣{شرع} بين واظهر {لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى} اى شرع لكم من الدين دين نوح ومحمد وما بينهما من الانبياء عليهم السلام ثم فسر المشروع الذى اشترك هؤلاء الاعلام من رسله فيه بقوله {أن أقيموا الدين} والمراد اقامة دين الاسلام الذى هو توحيد اللّه وطاعته والايمان برسله وكتبه وبيوم الجزاء وسائر ما يكون المرء باقامته مسلما وبم يرد به الشرائع فانها مختلفة قال اللّه تعالى لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ومحل ان اقيموا نصب بدل من مفعول شرع والمعطوفين عليه أو رفع على الاستئناف كانه قيل وما ذلك المشروع فقيل هو اقامة الدين {ولا تتفرقوا فيه} ولا تختلفوا في الدين قال علي رضى اللّه عنه لا تتفرقوا فالجماعة رحمة والفرقة عذاب {كبر على المشركين} عظم عليهم وشق عليهم {ما تدعوهم إليه} من اقامة دين اللّه والتوحيد {اللّه يجتبي} يجلب ويجمع {إليه} الى الدين بالتوفيق والتسديد {من يشاء ويهدي إليه من ينيب} يقبل على طاعته ١٤{وما تفرقوا} اى اهل الكتاب بعد انبيائهم {إلا من بعد ما جاءهم العلم} الا من بعد ان علموا ان الفرقة ضلال وامر متوعد عليه على السنة الانبياء عليهم السلام {بغيا بينهم} حسدا وطلبا للرياسة والاستطالة بغير حق {ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى} وهى بل الساعة موعدهم {لقضي بينهم} لاهلكوا حين اقترفوا لعظم ما اقترفوا {وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم} هم اهل الكتاب الذين كانوا في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {لفي شك منه} من كتابهم لا يؤمنون به حق الايمان {مريب} مدخل في الريبة وقيل وما تفرق اهل الكتاب الا من بعد ما جاءهم العلم بمبعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كقوله تعالى وما تفرق الذين اوتوا الكتاب الا من بعد ماجاءتهم البينة وان الذين اورثوا الكتاب من بعدهم هم المشركون اورثوا القران من بعد ما اورث اهل الكتاب التوارة والانجيل ١٥{فلذلك} فلاجل ذلك التفرق ولما حدث بسببه من تشعب الكفر شعبا {فادع} الى الاتفاق والائتلاف على الملة الحنيفية القوية {واستقم} عليها وعلى الدعوة اليها {كما أمرت} كما امرك اللّه {ولا تتبع أهواءهم} المختلفة الباطلة {وقل آمنت بما أنزل اللّه من كتاب} بأى كتاب صح ان اللّه تعالى انزله يعنى الايمان بجميع الكتب المنزلة لان المتفرقين امنوا ببعض وكفروا ببعض كقوله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض الى قوله اولئك هم الكافرون حقا {وأمرت لأعدل بينكم} في الحكم اذا تخاصمتم فتحاكمتم الى {اللّه ربنا وربكم} اى كلنا عبيده {لنا أعمالنا ولكم أعمالكم} هو كقوله لكم دينكم ولى دين ويجوز ان يكون معناه انا لا نؤاخذ باعمالكم وانتم لا تؤاخذون باعمالنا {لا حجة بيننا وبينكم} اى لا خصومة لان الحق قد ظهر وصرتم محجوجين به فلا حاجة الى المحاجة ومعناه لا ايراد حجة بيننا لان المتحاجين يورد هذا حجته وهذا حجته {اللّه يجمع بيننا} يوم القيامة {وإليه المصير} المرجع لفصل لاقضاء فيفصل بيننا وينتقم لنا منكم ١٦{والذين يحاجون في اللّه} يخاصمون في دينه {من بعد ما استجيب له} من بعدما استجاب له الناس ودخلوا في الاسلام ليردوهم الى دين الجاهلية كقوله ود كثير من اهل الكتاب لو يردونكم من بعد ايمانكم كفارا كان اليهود والنصارى يقولون للمؤمنين كتابنا قبل كتابكم ونبينا قبل نبيكم فنحن خير منكم واولى بالحق وقيل من بعد فاستجيب لمحمد عليه السلام دعاؤه على المشركين يوم بدر {حجتهم داحضة} باطلة وسماها حجة وان كانت شبهة لزعمهم انها حجة {عند ربهم وعليهم غضب} بكفرهم {ولهم عذاب شديد} في الاخرة ١٧{اللّه الذي أنزل الكتاب} اى جنس الكتاب {بالحق} بالصدق أو ملتبسا به {والميزان} والعدل والتسوية ومعنى انزال العدل انه انزل في كتبه المنزلة وقيل هو عين الميزان انزله في زمن نوح عليه السلام {وما يدريك لعل الساعة قريب} اى لعل الساعة تقريب منك وانت لا تدرى والمراد مجىء الساعة والساعة في تاويل لابعث ووجه مناسبة اقتراب الساعة مع انزال الكتب والميزان ان الساعة يوم الحساب ووضع الموازين بالقسط فكانه قيل امركم اللّه بالعدل والتسوية والعمل بالشرائع فاعملوا بالكتاب والعدل قبل ان يفاجئكم يوم حسابكم ووزن اعمالكم ١٨{يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها} استهزاء {والذين آمنوا مشفقون} خائفون {منها} وجلون لهولها {ويعلمون أنها الحق} الكائن لا محالة {ألا إن الذين يمارون في الساعة} المماراة الملاحة لان كل واجدة منهما يرى ما عند صاحبه {لفي ضلال بعيد} عن الحق لان قيام الساعة غير مستبعد من قدرة اللّه تعالى وقد دل الكتاب والسنة على وقوعها والعقول تشهد على انه لا بد من دار جزاء ١٩{اللّه لطيف بعباده} في ايصال المنافع وصرف البلاء من وجه يلطف ادراكه وهو بر بليغ البر بهم قد توصل بره الى جميعهم وقيل هو من لطف بالغوامض علمه وعظم عن الجرائم حلمه أو من ينشر المناقب ويستر المثالب أو يعفو عمن يهفو أو يعطى العبد فوق الكفاية ويكلفه الطاعة دون الطاعة وعن الجنيد لطف باوليائه فعرفوه ولو لطف باعدائه ما جحدوه {يرزق من يشاء} اى يوسع رزق من يشاء اذا علم مصلحته فيه في الحديث ان من عبادى المؤمنين من لا يصلح ايمانه الا الغنى ولو افقرته لافسده ذلك وان من عبادى المؤمنين من لا يصلح ايمانه الا الفقر ولو اغنيته لافسده ذلك {وهو القوي} الباهر القدرة الغالب على كل شى ء {العزيز} المنيع الذى لا يغلب ٢٠{من كان يريد حرث الآخرة} سمى ما يعمله العامل مما يبتغى به الفائدة حرثا مجازا {نزد له في حرثه} بالتوفيق في عمله أو التضعيف في احسانه أو بان ينال به الدنيا والاخرة {ومن كان يريد حرث الدنيا} اى من كان عمله للدنيا ولم يؤمن بالاخرة {نؤته منها} اى شيئا منها لان من للتبعيض وهو رزقه الذى قسم له لا ما يريد ويبتغيه {وما له في الآخرة من نصيب} وماله نصيب قط في الاخرة وله في الدنيا نصيب ولم يذكر في عامل الآخرة ان رزقه المقسوم يصل اليه للاستهانة بذلك الى جنب ما هو بصدده من زكاء عمله وفوزه في المآب ٢١{أم لهم شركاء} قيل هى ام المنقطعة وتقديره بل الهم شركاء وقيل هى المعادلة لالف الاستفهام وفى الكلام اضمار تقديره ايقبلون ما شرع اللّه من الدين ام لهم الهة {شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به اللّه} اى لم يأمر به {ولولا كلمة الفصل} اى القضاء السابق بتاجيل الجزاء اى ولولا العدة بان الفصل يكون يوم اليم القيامة {لقضي بينهم} بين الكافرين والمؤمنين أو لعجلت لهم العقوبة {وإن الظالمين لهم عذاب أليم} وان المشركين لهم عذاب اليم في الاخرة وان اخر عنهم في دار الدنيا ٢٢{ترى الظالمين} المشركين في الاخرة {مشفقين} خائفين {مما كسبوا} من جزاء كفرهم {وهو واقع بهم} نازل بهم لا محالة اشفقوا أو لم يشفقوا {والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات} كان روضة جنة المؤمن اطيب بقعة فيها وانزهها {لهم ما يشاؤون عند ربهم} عند نصب بالظرف لا بيشاءون {ذلك هو الفضل الكبير} على العمل القليل ٢٣{ذلك} اى الفضل الكبير {الذي يبشر اللّه} يبشر مكى وأبو عمرو وحمزة وعلي {عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات} اى به عبادة الذين امنوا فحذف الجار كفولة واختار موسى قومه ثم حذف الراجع الى الموصول كقوله اهذا الذى بعث اللّه رسولا ولما قال المشركون ايبتغى على تبليغ الرسالة اجرا نزل {قل لا أسألكم عليه} على التبليغ {أجرا إلا المودة في القربى} يجوز ان يكون استثناء متصلا اى لا اسالكم عليه اجرا الا هذا وهو ان تودوا اهل قرابتي ويجوز ان يكون منقطعا اى لا اسالكم اجرا قط ولكنى اسالكم ان تودوا قرابتي الذين هم قرابتكم ولا تؤذوهم ولم يقل الا مودة القربى أو المودة للقربى لانهم جعلوا مكانا للمودة ومقرا لها كفولك لي في ال فلان موة ولى فيهم حب شديد تريد احبهم وهم مكان حبى ومحله وليست في بصلة للمودة كاللام اذا قلت الا المودة للقربى انما هى متعلقة بمحذوف تعلق الرف به في قولك المال في الكيس وتقديره الا المودة ثابتة في القربى ومتمكنة فيها والقربى مصدر كالزلفى والبشرى بمعنى القرابة والمراد في اهل القربى وروى انه لما نزلت قيل يا رسول اللّه من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم قال علي وفاطمة وابناهما وقل معناه الا ان تودونى لقرابتي فيكم ولا تؤذونى ولا تهيجوا على اذ لم يكن من بطون قريش الا رسول اللّه وبينهم قرابة وقيل القربى التقرب الى اللّه تعالى اى الا ان تحبوا اللّه ورسوله في تقربكم اليه بالطاعة والعمل الصالح {ومن يقترف حسنة} يكتسب طاعة عن السدى انها المودة في آل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نزلت في ابى بكر رضى اللّه عنه ومودته فيهم والظاهر العموم في اى حسنة كانت الا انها تتناول المودة تناولا اوليا لذكرها عقيب ذكر المودة في القربى {نزد له فيها حسنا} اى نضاعفها كقوله من ذا الذى يقرض اللّه قرضا حسنا فيضاعفه له اضعافا كثيرة وقرىء شكور {حسنا} وهو مصدر كالبشرى والضمير يعود الى الحسنة أو الى الجنة {إن اللّه غفور} لمن اذنب بطوله {شكور} لمن اطاع بفضله وقيل قابل للتوبة حامل عليها وقيل الشكور في صفة اللّه تعالى عبارة عن الاعتداد بالطاعة وتوفية ثوابها والتفضل عن المثاب ٢٤{أم يقولون افترى على اللّه كذبا} ام منقطعة ومعنى الهمزة فيه التوبيخ كانه قيل اينما لكون ان ينسبوا مثله الى الافتراء ثم الى الافتراء على اللّه الذي هو اعظم الفرى وافحشها {فإن يشأ اللّه يختم على قلبك} قا ل مجاهد أي يربط على قلبك بالصبر على اذاهم وعلى قولهم افترى على اللّه كذبا لئلا تدخله مشقة في تكذيبهم {ويمح اللّه الباطل} اى الشرك وهو كلام مبتدأ غير معطوف على يختم لان محو الباطل غير متعلق بالشرط بل هو وعد مطلق دليله تكرار اسم اللّه تعالى ورفع ويحق وانما سقطت الواو في الخط كما سقطت في ويدع الانسان بالشر دعاءه بالخير وسندع الزبانية على انها مثبتة في مصحف نافع {ويحق الحق} ويظهر الاسلام ويثبته {بكلماته} بما انزل من كتابة على لسان نبيه عليه السلام وقد فعل اللّه ذلك فمحا باطلهم واظهر الاسلام {إنه عليم بذات الصدور} اى عليم بما في صدرك وصدورهم فيجزى الاجر على حسب ذلك ٢٥{وهو الذي يقبل التوبة عن عباده} يقال قبلت منه الشىء اذا اخذته منه وجعلته مبدا قبولى ويقال قبلته عنه اى عزلته عنه وابنته عنه والتوبة ان يرجع عن القبيح والاحلال بالواجب بالندم عليهما والعزم على ان لا يعود وان كان لعبد فيه حق لم يكن بد من التقصى على طريقة وقال علي رضى اللّه عنه هو اسم يقع على ستة معان على الماضى من الذنوب الندامة ولتضييع الفرائض الاعادة ورد المظالم واذابة النفس في الطاعة كما ربيتها ف المعصية واذاقة النفس مرارة الطاعة كما اذقتها حلاوة المعصية والبكاء يدل كل ضحك ضحكته وعن السدى هو صدق العزيمة على ترك الذنوب والانابة بالقلب الى علام الغيوب وعن غيره هو ان لا يجد حلاوة الذنب في القلب عند ذكره وعن سهل هو الانتقال من الاحوال المذمومة الى الاحوال المحمودة وعن الجنيد هو الاعراض عما دون اللّه {ويعفو عن السيئات} وهو مادون الشرك يعفو لمن يشاء بلا توبة {ويعلم ما تفعلون} بالتاء كون غير ابى بكر اى من التوبة والمعصية ولا وقف عليه للعطف عليه واتصال المعنى ٢٦{ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله} اى اذا دعوه استجاب دعاءهم واعطاهم ما طلبوا وزادهم على مطلوبهم واستجاب واجاب بمعنى والسين في مثله لتوكيد الفعل كقولك تعظم واستعظم والتقدير ويجيب اللّه الذين امنوا وقيل معناه ويستجيب للذين فحذف اللام من عليهم بان يقبل توبتهم اذا تابوا {شديد} ويعفو عن سياتهم ويستجيب لهم اذا دعوه ويزيدهم على ما سالوه وعن ابراهيم بن ادهم انه قيل له ما بالنا ندعوه فلا نجاب قال لانه دعاكم فلم تجيبوه {والكافرون لهم عذاب شديد} في الاخرة ٢٧{ولو بسط اللّه الرزق لعباده} اى لو اغناهم جميعا {لبغوا في الأرض} من البغى وهو الظلم اى لبغى هذا على ذاك وذاك على هذا لان الغنى مبطرة مأشرة وكفى بحال قارون وفرعون عبرة أو من البغى وهو الكبر اى لتكبروا في الارض {ولكن ينزل} بالتخفيف مكى وأبو عمرو {بقدر ما يشاء} بتقدير يقال قدره فدرا وقدرا {إنه بعباده خبير بصير} يعلم احوالهم فيقدر لهم ما تقتضيه حكمته فيفقر ويغنى ويمنع ويعطى ويقبض ويبسط ولو اغناهم جميعا لبغوا ولو افقرهم لهلكوا وما ترى من البسط على من يبغى ومن البغى بدون البسط فهو قليل ولا شك ان البغى مع الفقر اقل ومع البسط اكثر واغلب ٢٨{وهو الذي ينزل الغيث} بالتشديد مدنى وشامى وعاصم {من بعد ما قنطوا} وقرىء قنطوا {وينشر رحمته} اى بركات الغيث ومنافعه وما يحصل به من الخصب وقيل لعمر رضى اللّه عنه اشتد القحط وقنط الناس فقال مطروا اذا اراد هذه الآية أو اراد رحمته في كل شىء {وهو الولي} الذى يتولى عباده باحسانه {الحميد} المحمود على ذلك يحمده اهل طاعته ٢٩{ومن آياته} اى علامات قدرته {خلق السماوات والأرض} مع عظمها {وما بث} فرق وما يجوز ان يكون مرفوعا ومجرورا حملا عل المضاف أو المضاف اليه {فيهما} من السموات والارض {من دابة} الدواب تكون في الارض وحدها لكن يجوز ان ينسب الشى الى جميع الذكور وان كان متلبسا ببعضه كما يقال بنو تميم فيهم شاعر مجيدو انما هو في فخذ من افخاذهم ومنه قوله تعالى يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان وانما يخرج من الملح ولا يبعد ان يخلق في السموات حيوانات يمشون فيها مشى الاناسى على الارض أو يكون للملائكة مشى مع الطيران فوصفوا بالدبيب كما وصف به الاناسى {وهو على جمعهم} يوم القيامة {إذا يشاء قدير} اذا تدخل على المضارع كما تدخل على الماضى قال اللّه تعالى والليل اذا يغشى ٣٠{وما أصابكم من مصيبة} غم والم ومكروه {فبما كسبت أيديكم} اى بجناية كسبتموها عقوبة عليكم بما كسبت بغير الفاء مدتى وشامى على ان ما مبتدأ وبما كسبت خبره من غير تضمين معنى الشرط ومن اثبت الفاء فعلى تضمين معنى الشرط وتعلق بهذه الآية من يقول بالتناسخ وقال لو لم يكن للاطفال حالة كانوا عليها قبل هذه الحالة لم تألموا وقلنا الآية مخصوصة المكلفين بالسباق والسياق وهو {ويعفو عن كثير} اى من الذنوب فلا يعاقب عليه أو عن كثير من الناس فلا يعالجهم بالعقوبة وقال ابن عطاء من لم يعلم ان ما وصل اليه من الفتن والمصائب باكتسابه وان ما عفا عنه ولاه اكثر كان قليل النظر في احسان ربه اليه وقال محمد بن حامد العبد ملازم للجنايات في كل اوان وجناياته في طاعته اكثر من جناياته في معاصيه لان جنية المعصية من وجه وجناية الطاعة من وجوه واللّه يطهر عبده من جناياته انواع من المصائب ليخفف عنه اثقاله في القيامه ولولا عفوه ورحمته لهلك في اول خطوة وعن علي رضى اللّه عنه هذه ارحى اية للمؤمنين في القران لان الكريم اذا عاقب مرة لا يعاقب ثانيا واذا عفا لا يعود ٣١{وما أنتم بمعجزين في الأرض} اى بفائتين ما قضى عليكم من المصائب {وما لكم من دون اللّه من ولي} متول بالرحمة {ولا نصير} ناصر يدفع عنكم العذاب اذا حل بكم ٣٢{ومن آياته الجوار} جمع جارية وهى السفينة الجوارى في الحالين مكى وسهل ويعقوب وافقهم مدنى وأبو عمر وفي الوصل {في البحر كالأعلام} كالجبال ٣٣{إن يشأ يسكن الريح} الرياح مدنى {فيظللن رواكد} ثوابت لا تجرى {على ظهره} على ظهر البحر {إن في ذلك لآيات لكل صبار} على بلائه {شكور} لنعمائه اى لكل مؤمن مخلص فالايمان نصفان نصف شكر ونصف صبر أو صبار على طاعته شكور لنعمته ٣٤{أو يوبقهن} يهلكهن فهو عطف على يسكن والمعنى ان يشأ يسكن الريح فيركدن أو يعصفها فيغرقن بعصفها {بما كسبوا} من الذنوب {ويعف عن كثير} منها فلا يجازى عليها وانما العفو في حكم الابباق حيث جزم جزمه لان المعنى أو ان يشا يهلك ناسا وينج ناسا على طريق العفو عنهم ٣٥{ويعلم} بالنصب عطف على تعليل محذوف تقديره لينتقم منهم ويعلم {الذين يجادلون في آياتنا} اى في ابطالها ودفعها و يعلم مدنى وشامى على الاستئناف {ما لهم من محيص} مهرب من عذابه ٣٦{فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند اللّه} من الثواب {خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون} ما الاولى ضمنت معنى الشرط فجاءت الفا في جوابها بخلاف الثانية نزلت في ابى بكر الصديق رضى اللّه عنه حين تصدق بجميع ماله فلامه الناس ٣٧{والذين يجتنبون} عطف على الذين امنوا وكذا ما بعده {كبائر الإثم} اى الكبائر من هذا الجنس كبير الاثم علي وحمزة وعن ابن عباس كبير {يغفرون} الاثم هو الشرك {والفواحش} قيل ما عظم قبحه فهو فاحشة كالزنا {وإذا ما غضبوا} من امور دنياهم {هم يغفرون} اى هم الاخصاء بالغفران في حال الغضب والمجىء بهم وايقاعه مبتدأ واسناد يغفرون اليه لهذه الفائد ومثله هم ينتصرون ٣٨{والذين استجابوا لربهم} نزلت في الانصار دعاهم اللّه عز وجل للايمان به وطاعته فاستجابوا له بان امنوا به واطاعوه {وأقاموا الصلاة} واتموا الصلوات الخمس {وأمرهم شورى بينهم} اى ذو شورى لا يتفردون برأى حتى يجتمعوا عليه وعن الحسن ما تشاور قوم الا هدوا لارشد امرهم والشورى مصدر كالفتيا بمعنى التشاور {ومما رزقناهم ينفقون} يتصدقون ٣٩{والذين إذا أصابهم البغي} الظلم {هم ينتصرون} ينتقمون ممن ظلمهم اى يقتصرون في الانتصار على ما جعله اللّه تعالى لهم ولا يعتدون وكانوا يكرهون ان يذلوا انفسهم فيجترىء عليهم الفساق وانما حمدوا على الانتصار لان من انتصر واخذ حقه ولم يجاوز في ذلك حلى اللّه فلم يسرف في القتل ان كان ولى دم فهو مطيع للّه وكل مطيع محمود ثم بين حد الانتصار فقال ٤٠{وجزاء سيئة سيئة مثلها} فالاولى سيئة حقيقة والثانية لا وانما سميت سيئة لانها مجازاة السوء أو لانها تسوء من تنزل به ولانه لو لم تكن الاولى لكانت الثانية سيئة لانها اضرار وانما صارت حسنة لغيرها أو تسمية الثانية سيئة اشارة الى ان العفو مندوب اليه والمعنى انه يجب اذا قوبلت الاساءة ان تقابل بمثلها من غير زيادة {فمن عفا وأصلح} بينه وبين خصمه بالعفو والأغضاء {فأجره على اللّه} عدة مبهمة لا يقاس امرها في العظيم {إنه لا يحب الظالمين} الذين يبدءون بالظلم أو الذين يجاوزون حد الانتصار في الحديث ينادى مناد يوم القيامة من كان له اجر على اللّه فليقم فلا يقوم الا من عفا ٤١{ولمن انتصر بعد ظلمه} اخذ حقه بعدما ظلم على اضافة المصدر الى المفعول {فأولئك} اشارة الى معنى من دون لفظه {ما عليهم من سبيل} للمعاقب ولا للمعاتب والمعايب ٤٢{إنما السبيل على الذين يظلمون الناس} يبتدءونهم بالظلم {ويبغون في الأرض} يتكبرون فيها ويعلمون ويفسدون {بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم} وفسر السبيل بالتبعة والحجة ٤٣{ولمن صبر} على الظلم والاذى {وغفر} ولمن ينتصر {إن ذلك} اى الصبر والغفران منه {لمن عزم الأمور} اي من الأمور التي ندب اليها أو مما ينبغى ان يوجبه العاقل على نفسه ولا يترخص في تركه وحذف الراجع اى منه لانه مفهوم كما حذف من قولهم السمن منوان بدرهم وقال ابو سعيد القرشى الصبر على المكاره من علامات الانبياء فمن صبر على مكروه يصيبه ولم يجزع اورثه اللّه تعالى حال الرضا وهو اجل الاحوال ومن جزع من المصيبات وشكا وكله اللّه تعالى الى نفسه ثم لم تنفعه شكواه ٤٤{ومن يضلل اللّه فما له من ولي من بعده} فماله من احد يلى هدايته من بعد اضلال اللّه اياه ويمنعه من عذابه {وترى الظالمين} يوم القيامة {لما رأوا العذاب} حين يرون لا عذاب واختير لفظ الماضى للتحقيق {يقولون هل إلى مرد من سبيل} يسالون ربهم الرجوع الى الدنيا ليؤمنوا به ٤٥{وتراهم يعرضون عليها} على النار اذ العذاب يدل عليها {خاشعين} متضائلين متقاصرين مما يلحقهم {من الذل ينظرون} الى النار {من طرف خفي} ضعيف بمسارقة كما ترى المصبور ينظر الى السيف {وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة} يوم متعلق بخسروا وقول المومنين واقع في الدنيا أو يقال اى يقولون يوم القيامة اذ راوهم على تلك الصفة {ألا إن الظالمين في عذاب مقيم} دائم ٤٦{وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون اللّه} من دون عذابه {ومن يضلل اللّه فما له من سبيل} الى النجاة ٤٧{استجيبوا لربكم} اى اجيبوه الى ما دعاكم اليه {من قبل أن يأتي يوم} اى يوم القيامة {لا مرد له من اللّه} من يتصل بلا مرد اى لا يرده اللّه بعد ما حكم به أو بيأتى اى من قبل ان يأتى من اللّه يوم لا يقدر احد على رده {ما لكم من ملجأ يومئذ وما لكم من نكير} اى ليس لكم مخلص من العذاب ولا تقدرون ان تنكروا شيئا ما اقترفتموه ودون في صحائف اعمالكم والنكير الانكار ٤٨{فإن أعرضوا} عن الايمان {فما أرسلناك عليهم حفيظا} رقيبا الشورى ( ٥١ - ٤٨ ) {إن عليك إلا البلاغ} ما عليك الا تبليغ الرسالة وقد فعلت {وإنا إذا أذقنا الإنسان} المراد الجمع لا الواحد {منا رحمة} نعمة وسعة وامنا وصحة {فرح بها} بطر لاجلها {وإن تصبهم سيئة} بلاء كالمرض والفقر ونحوهما وتوحيد فرح باعتبار اللفظ والجمع في ان تصبهم باعتبار المعنى {بما قدمت أيديهم} بسبب معاصيهم {فإن الإنسان كفور} ولم يقل فانه كفور ليسجل على ان هذا الجنس موسوم بكفران النعم كما قال ان الانسان لظلوم كفار والكفور البليغ الكفران والمعنى انه يذكر البلاء وينسى النعم ويغمطها قيل اربد به كفران النعمة وقيل اريد به الكفر باللّه تعالى ٤٩{للّه ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور ٥٠أو يزوجهم} اى يقرنهم {ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما} لما ذكر اذاقة الانسان الرحمة واصابته بضدها اتبع ذلك ان له تعالى الملك وانه يقسم النعمة والبلاء كيف اراد ويهب لعباده من الاولاد ما يشاء فيخص بعضا بالاناث وبعضا بالذكور وبعضا بالصنفين جميعا ويجعل البعض عقيما والعقيم التى لا تلد كذلك رجل عقيم الا اذا كان لا يولد له وقدم الاناث اولا على الذكور لان سياق الكلام انه فاعل لما يشاؤه لا ما يشاؤه الانسان فكان ذكر الاناث اللاتى من جملة مالا يشاؤه الانسان اهم والاهم واجب التقديم وليلى الجنس الذى كانت العرب تعده بلاء ذكر البلاء ولما اخر الذكور وهم احقاء بالتقديم تدارك تأخيرهم بتعريفهم لان التعريف تنويه وتشهير ثم اعطى بعد ذلك كلا الجنسين حقه من التقديم والتأخير وعرف ان تقديمهن لم يكن لنقدمهن ولكنن لمقتض آخر فقال ذكرانا واناثا وقيل نزلت في الانبياء عليهم السلام حيث وهب لوط وشعيب اناثا ولابراهيم ذكورا ولمحمحد صلى اللّه عليه وسلم اللّه عليه وسلم ذكورا واناثا وجعل يحيى و عيسى عليهما السلام عقيمين {إنه عليم} بكل شىء {قدير} قادر على كل شىء ٥١{وما كان لبشر} وما صح لاحد من البشر {أن يكلمه اللّه إلا وحيا} اى الهاما كما روى نفث فى زوعى أو رؤيا في المنام كقوله عليه السلام: رؤيا الانبياء وحى وهو كأمر ابراهيم عليه السلام بذبح الولد {أو من وراء حجاب} اى يسمع كلاما من اللّه كما سمع موسى عليه السلام من غير ان يبصر السامع من يكلمه وليس المراد به حجاب اللّه تعالى لان اللّه تعالى لا يجوز عليه ما يجوز على الاجسام من الحجاب ولكن المراد به ان لاسامع محجوب عن الرؤية في الدنيا {أو يرسل رسولا} اى يرسل ملكا {فيوحي} اى الملك اليه وقيل وحيا كما اوحى الى الرسل بواسطة الملائكة أو يرسل رسولا اى نبيا كما كلم امم الانبياء على السنتهم ووحيا وان يرسل مصدران واقعان موقع الحال لان ان يرسل في معنى ارسالا ومن وراء حجاب ظرف واقع موقع الحال كقوله وعلى جنوبهم والتقدير وما صح ان يكلم احدا الا موحيا أو مسمعا من وراء حجاب أو مرسلا ويجوز ان يكون المعنى وما كان لبشر ان يكلمه اللّه الا بان يوحى أو ان يسمع من وراء حجاب أو ان يرسل رسولا وهو اختيار الخليل أو يرسل رسولا فيوحى بالرفع نافع على تقدير أو هو يرسل {بإذنه} اذن اللّه {ما يشاء} من الوحى {إنه على} قاهر فلا يمانع {حكيم} مصيب في اقواله وافعاله فلا يعارض ٥٢{وكذلك} اى كما اوحينا الى الرسل قبلك أو كما وصفنا لك {أوحينا إليك} ايحاء كذلك {روحا من أمرنا} يريد ما اوحى اليه لان الخلق يحيون به في دينهم كما يحيا الجسد بالروح {ما كنت تدري} الجملة حال من الكاف في اليك {ما الكتاب} القران {ولا الإيمان} اى شرائعه أو ولا الايمان بالكتاب لانه اذا كان لا يعلم بان الكتاب ينزل عليه لم يكن عالما بذلك الكتاب وقيل الايمان يتناول اشياء بعضها الطرق اليه العقل وبعضها الطريق اليه السمع فعنى به ما الطريق اليه السمع دون العقل وذاك ما كان له فيه علم حتى كسبه بالوحى {ولكن جعلناه} اى الكتاب {نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي} لتدعو وقرى ء به {إلى صراط مستقيم} الاسلام ٥٣{صراط اللّه} بدل {الذي له ما في السماوات وما في الأرض} ملكا وملكا {ألا إلى اللّه تصير الأمور} هو وعيد بالجحيم ووعد بالنعيم واللّه اعلم بالصواب |
﴿ ٠ ﴾