تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل

أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م)

_________________________________

سورة الزخرف

{حم والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا}

سورة الزخرف بسم اللّه الرحمن الرحيم

سورة الزخرف تسع وثمانون اية مكية بسم اللّه الرحمن الرحيم

_________________________________

{حم

٢

والكتاب المبين} اقسم بالكتاب المبين وهو القران وجعل قوله

٣

{إنا جعلناه} صيرناه

{قرآنا عربيا} جوابا للقسم وهو من الايمان الحسنة البديعة لتناسب القسم والمقسم عليه والمبين البين للذين انزل عليهم لانه بلغتهم واساليبهم أو الواضح للمتدبرين أو الذى ابان طرق الهدى من طرق الضلالة وابان كل ما تحتاج اليه الامة في ابواب الديانة

{لعلكم تعقلون} لكي تفهموا معانيه

٤

{وإنه في أم الكتاب لدينا} وان القران مثبت عند اللّه في اللوح المحفوظ دليله قوله بل هو قران مجيد في لوح محفوظ وسمى ام الكتاب لانه الاصل الذى اثبتت فيه الكتب منه تنقل وتستنسخ ام الكتاب بكسر الالف علي وحمزة

{لعلي} خبران اى في اعلى طبقات البلاغة أو رفيع الشان في الكتب لكونه معجزا من بينا

{حكيم} ذو حكمة بالغة

٥

{أفنضرب عنكم الذكر} افننحى عنكم الذكر ونذوده عنكم على سبيل المجاز من قولهم ضرب الغرائب عن الحوض والفاء للعطف على محذوف تقديره انهملكم فنضر عنكم الذكر انكارا لان يكون الامر على خلاف ما قدم من انزاله الكتاب وجعله قرآنا عربيا ليعقلوه وليعملوا بمواجبه

{صفحا} مصدر من صفح عنه اذا اعرض منتصب على انه مفعول له على معنى افنعزل عنكم انزال القران والزام الحجة به اعراضا عنكم ويجوز ان يكون مصدرا على خلاف المصدر لانه يقال ضربت عنه اى اعرضت عنه كذا قاله الفراء

{إن كنتم} لان كنتم مدنى وحمزة وهو من الشرط الذى يصدر عن المدل بصحة الامر المتحقق لثبوته كما يقول الاجيران كنت عملت لك فوفنى حقى وهو عالم بذلك

{قوما مسرفين} مفرطين في الجهالة مجاوزين الحد في الضلالة

٦

{وكم أرسلنا من نبي في الأولين} اى كثيرا من الرسل ارسلنا الى من تقدمك

٧

{وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزؤون} هى حكاية حا ل ماضيه مستمرة اى كانوا على ذلك وهذه تسلية لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن استهزاء قومه

٨

{فأهلكنا أشد منهم بطشا} تمييز والضمير للمسرفين لانه صرف الخطاب عنهم الى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يخبره عنهم

{ومضى مثل الأولين} اى سلف في القران في غير موضع منه ذكر قصتهم وحالهم العجيبة التي حقها ان تسير مسير المثل وهذا وعد لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ووعيد لهم

٩

{ولئن سألتهم} اى المشركين

{من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم

١٠

الذي جعل لكم الأرض مهدا} كوفى وغيره مهادا اى موضع قرار

{وجعل لكم فيها سبلا} طرقا

{لعلكم تهتدون} لكى تهتدوا في اسفاركم

١١

{والذي نزل من السماء ماء بقدر} بمقدار تسلم معه العباد ويحتاج إليه البلاد

{فأنشرنا} فأحيينا عدول من المغايبة إلى الاخبار لعلم المخاطب بالمراد

{به بلدة ميتا} يزيد ميتا

{كذلك تخرجون} من قبوركم أحياء تخرجون حمزة وعلى ولا وقف على العليم لأن الذى صفته وقد وقف عليه أبو حاتم على تقديره هو الذى لأن هذه الأوصاف ليست من مقول الكفار لأنهم ينكرون الاخراج من القبور فكيف يقولون كذلك تخرجون بل الآية حجة عليهم في انكار البعث

١٢

{والذي خلق الأزواج} الأصناف

{كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون} أى تركبونه يقال ركبوا في الفلك وركبوا الأنعام فغلب المتعدى بغير واسطة لقوته على المتعدى بواسطة فقيل تركبونه

١٣

{لتستووا على ظهوره} على ظهور ما تركبونه وهو الفلك والأنعام ثم تذكروا بقلوبكم

{نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا} بألسنتكم

{سبحان الذي سخر لنا هذا} ذال لنا هذا المركوب

{وما كنا له مقرنين} مطيقين يقال أقرن الشيء إذا أطاقه وحقيقة اقرنه وجده قرينته لأن الصعب لا يكون قرينة للضعيف

١٤

{وإنا إلى ربنا لمنقلبون} لراجعون في المعاد قيل يذكرون عند ركوبهم مراكب الدنيا آخر مركبهم منها هو الجنازة وعن النبى صلى اللّه عليه وسلم إنه كان إذا وضع رجله في الركاب قال بسم اللّه فإذا استوى على الدابة قال الحمد للّه على كل حال سبحان الذى سخر لنا هذا الى قوله لمنقلبون وكبر ثلاثا وهلل ثلاثا وقالوا إذا ركب في السفينة قال بسم اللّه مجراها ومرساها إن ربى لغفور رحيم وحكى أن قوما ركبوا وقالوا سبحان الذى سخر لنا هذا الآية وفيهم رجل على ناقة لا تتحرك هزالا فقال انى مقرن لهذه فسقط منها لو ثبتها واندقت عنقه وينبغى أن لا يكون ركوب العاقل للتنزه والتلذذ بل للاعتبار ويتأمل عنده أنه هالك لا محالة ومنقلب إى اللّه غير منفلت من قضائه

١٥

{وجعلوا له من عباده جزءا} متصل بقوله ولئن سألتهم أى ولئن سالتهم عن خالق السموات والأرض ليعترفن به وقد جعلوا له مع ذلك الاعتراف من عباده جزأ أى قالوا الملائكة بنات اللّه فجعلوهم جزأ له وبعضا منه كما يكون الولد جزأ لوالده جزأ أبو بكر وحماد

{إن الإنسان لكفور مبين} لجحود للنعمة ظاهر جحوده لأن نسبة الولد إليه كقر والكفر أصل الكفر ان كله

١٦

{أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين} أى بل اتخذ والهمزة للانكار تجهيلا وتعجيا من شأنهم حيث ادعوا أنه اختار لنفسه المنزلة الأدني ولهم الاعلى

١٧

{وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا} بالجنس الذى جعله له مثلا اى شبها لانه اذا جعل الملائكة جزا للّه وبعضا منه فقد جعله من جنسه ومماثلا له لان الولد لا يكون الا من جنس الوالد

{ظل وجهه مسودا وهو كظيم} يعنى انهم نسبوا اليه هذا الجنس ومن حالهم ان احدهم اذا قيل له قد ولدت لك بنت اغتم واربد وجهه غيظا وتاسفا وهو مملوء من الكرب والظلول بمعنى الصيرورة

١٨

{أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين} اى أو يجعل للرحمن من الولد من هذه الصفة المذمومة صفقه وهو انه ينسشأ في الحلية اى يتربى في الزينة والنعمة وهو اذا احتاج الى مجاثاة الخصوم ومجاراة الرجال كان غير مبين ليس عنده بيان ولا ياتى ببرهان وذلك لضعف عقولهن قال مقاتل لا تتكلم المراة الا وتاتى بالحجة عليها وفيه انه جعل النشأة في الزينة من المعايب فعلى الرجل ان يجتنب ذلك ويتزين بلباس التقوى ومن منصوب المحل والمعنى أو جعلوا من ينشأ في الحلية يعنى البنات للّه عزل وجل ينشأ حمزة وعلى وحفص اى يربى قد جمعوا في كفرهم ثلاث كفرات وذلك انهم نسبوا الى اللّه الولد ونسبوا اليه اخس النوعين وجعلوه من الملائكة المكرمين فاستخفوا بهم

١٩

{وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا} اى سمعوا وقالوا انهم اناث عند الرحمن مكى ومدنى وشامى اى عندية منزلة ومكانة لا منزل ومكان والعباد جمع عبد وهو الزم في الحجاج مع اهل العناد لتضاد بين العبودية والولاد

{أشهدوا خلقهم} وهذا تهكم بهم يعنى انهم يقولون ذلك من غير ان يستند قولهم الى علم فان اللّه لم يضطرهم الى علم ذلك ولا تطرقوا اليه باستدلال ولا احاطوا به عن خبر يوجب العلم ولم يشاهدوا خلقهم حتى يخبروا عن المشاهدة

{ستكتب شهادتهم} التى شهدوا بها على الملائكة من انوثتهم

{ويسألون} عنها وهذا وعيد

٢٠

{وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم} اى الملائكة تعلقت المعتزلة بظاهر هذه الآية في ان اللّه تعالى لم يشأ الكفر من الكافر وانما شاء الايمان فان الكفار ادعوا ان اللّه شاء منهم الكفر وما شاء منهم ترك عبادة الاصناف حيث قالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم اى لو شاء منا ان نترك عبادة الاصنام لمنعنا عن عبادتها ولكن شاء منا عبادة الاصنام واللّه تعالى رد عليهم قولهم واعتقادهم بقوله

{ما لهم بذلك} القول

{من علم إن هم إلا يخرصون} اى يكذبون ومعنى الآية عندنا انهم ارادوا بالمشيئة الرضا وقالوا لو لم يرض بذلك لعجل عقوبتنا أو لمنعنا عن عبادتها منع قهر واضطرار واذ لم يفعل ذلك فقد رضى بذلك فرد اللّه تعالى عليهم بقوله ما لهم بذلك من علم الآية اوقالوا هذا القول استهزاء لاجدا واعتقادا فاكذبهم اللّه تعالى فيه وجهلهم حيث لم يقولوا عن اعتقاد كما قال مخبرا عنهم انطعم من لو يشاء اللّه اطعمه وهذا حق في الاصل ولكن لما قالوا ذلك استهزاء كذبهم اللّه بقوله ان انتم الا في ضلال مبين وكذلك قال اللّه تعالى: قالوا نشهد انك لرسول اللّه ثم قال واللّه يشهد ان المنافقين لكاذبون لانهم لم يقولوه عن اعتقاد وجعلوا المشيئة حجة لهم فيما فعلوا باختيارهم وظنوا ان اللّه لا يعاقبهم على شىء فعلوه بمشيئته وجعلوا وجعلوا انفسهم معذورين في ذلك فرد اللّه تعالى عليهم

٢١

{أم آتيناهم كتابا من قبله} من قبل القران أو من قبل قولهم هذا

{فهم به مستمسكون} اخذون عاملون وقيل فيه تقديم وتاخير تقديره اشهدوا خلقهم ام اتيناهم كتابا من قبله فيه ان الملائكة اناث

٢٢

{بل قالوا} بل لا حجة لهم يتمسكون بها لا من حيث العيان ولا من حيث العقل ولا من حيث السمع الا قولهم

{إنا وجدنا آباءنا على أمة} على دين فقلدناهم وهى من الام وهو القصد فالامة الطريقة التى تؤم اى تقصد

{وإنا على آثارهم مهتدون} الظرف صلة لمهتدون اوهما خبران

٢٣

{وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير} نبي

{إلا قال مترفوها} اى متنعموها وهم الذين اترفتهم النعمة اى ابطرتهم فلا يحبون الا الشهوات والملاهي ويعافون مشاق الدين وتكاليفه

{إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون} وهذا تسلية للنبى صلى اللّه عليه وسلم وبيان ان تقليد الاباء داء قديم

٢٤

{قال} شامى وحفص اى النذير قل غيرهما اى قيل للنذير قل

{أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم} اى اتتبعون اباءكم ولو جئتكم بدين اهدى من دين ابائكم

{قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون} انا ثابتون على دين ابائنا وان جئتنا بما هو اهدى واهدى

٢٥

{فانتقمنا منهم} فعاقبناهم بما استحقوه على اصرارهم

{فانظر كيف كان عاقبة المكذبين

٢٦

وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه} اى واذكر اذ قال

{إنني براء} اى برىء وهو مصدر يستوى فيه الواحد والاثنان والجمع والمذكر والمؤنث كما تقول رجل عدل وامراة عدل وقوم عدل والمعنى ذو وذات عدل

{مما تعبدون

٢٧

إلا الذي فطرني} استثناء منقطع كانه قال لكن الذى فطرنى

{فإنه سيهدين} يثبتنى على الهداية

٢٨

{وجعلها} وجعل ابراهيم عليه السلام كلمة التوحيد التى تكلم بها وهى قوله اننى براء مما تعبدون الا الذى فطرنى

{كلمة باقية في عقبه} في ذريته فلا يزال فيهم من يوحد اللّه ويدعو الى توحيده

{لعلهم يرجعون} لعل من اشرك منهم يرجع بدعاء من وحد منهم والترجى لابراهيم

٢٩

{بل متعت هؤلاء وآباءهم} يعنى اهل مكة وهم من عقب ابراهيم بالمد في العمر النعمة فاعتروا بالمهلة وشغلوا بالتنعم واتباع الشهوات وطاعة الشيطان عن كلمة التوحيد

{حتى جاءهم الحق} القران

{ورسوله} اى محمد عليه السلام

{مبين} واضح الرسالة بما معه من الايات البينة

٣٠

{ولما جاءهم الحق} القران

{قالوا هذا سحر وإنا به كافرون

٣١

وقالوا} فيه متحكمين بالباطل

{لولا نزل هذا القرآن} فيه استهانة به

{على رجل من القريتين عظيم} أي رجل عظيم من احدى القريتين كقوله يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان أى من أحدهما والقريتان مكة والطائف وعنوا بعظيم مكه الوليد بن المغيرة وبعظيم الطائف عروة بن مسعود الثقفى وأرادوا بالعظيم من كان ذا مال وذا جاه ولم يعوفوا أن العظيم من كان عند اللّه عظيما

٣٢

{أهم يقسمون رحمة ربك} أى النبوة الهمزة للانكار المستقل بالتجهيل والتعجيب من تحكمهم في اختيار من يصلح للنبوة

{نحن قسمنا بينهم معيشتهم} ما يعيشون به وهو أرزاقهم

{في الحياة الدنيا} أي لم نجعل قسمة الا دون اليهم وهو الرزق فكيف النبوة أو كما فضلت البعض على البعض في الرزق فكذا اخص بالنبوة من اشاء

{ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات} اى جعلنا البعض أقوياء وأغنياء وموالى والبعض ضعفاء وفقراء وخدماء

{ليتخذ بعضهم بعضا سخريا} ليصرف بعضهم بعضا في حوائجهم ويستخدموهم في مهنهم ويتسخروهم في أشغالهم حتى يتعايشوا ويصلوا إلى منافعهم هذا بماله وهذا بأعماله

{ورحمة ربك} أي النبوة أو دين اللّه وما يتبعه من الفوز في المآب

{خير مما يجمعون} مما يجمع هؤلاء من حطام الدنيا ولما قلل أمر الدنيا وصغرها اردفه بما يقرر قلة الدنيا عنده فقال

٣٣

{ولولا أن يكون الناس أمة واحدة} ولولا كراهة أن يجتمعوا على الكفر ويطبقوا عليه

{لجعلنا} لحقارة الدنيا عندنا

{لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج}

{عليها يظهرون

٣٤

ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكؤون

٣٥

وزخرفا} أي لجعلنا للكفار سقوفا ومصاعد وأبوابا وسررا كلها من فضة وجعلنا لهم زخرفا أي زينة من كل شىء والزخرف الذهب والزينة ويجوز أن يكون الأصل سقفا من فضة وزخرف أي بعضها من فضة وبعضها من ذهب فنصب عطفا على محل من فضة لبيوتهم بدل اشتمال من لمن يكفر سقفا على الجنس مكى وأبو عمرو ويزيد والمعارج جمع معرج وهى المصاعد إلى العلالى علها يظهرون على المعارج يظهرون السطوح أى يعلونها

{وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا} ان نافية ولما بمعنى الا أى وما كل ذلك الا متاع الحياة الدنيا وقد قرىء به وقرأ لما غير عاصم وحمزة على ان اللام هى الفارقة بين أن المخففة والنافية وما صلة أي وأن كل ذ لك لمتاع الحياة الدنيا

{والآخرة} اى ثواب الاخرة

{عند ربك للمتقين} لمن يتقى الشرك

٣٦

{ومن يعش} وقرىء ومن يعش والفرق بينهما أنه إذا حصلت الآفة في بصره قيل عشى يعشى واذا نظر العشى ولا آفة به قيل عشا يعشو ومعنى القراءة بالفتح ومن يعم

{عن ذكر الرحمن} وهو القران كقوله صم بكم عمى ومعنى القراءة بالضم ومن يتعام عن ذكره اى يعرف انه الحق وهو يتجاهل كقوله وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم

{نقيض له شيطانا فهو له قرين} قال ابن عباس رضى اللّه عنهما نسلطه عليه فهو معه في الدنيا والآخرة يحمله على المعاصى وفيه اشارة إلى ان من داوم عليه لم يقرنه الشيطان

٣٧

{وأنهم} أي الشياطين

{ليصدونهم} ليمنعون العاشين

{عن السبيل} عن سبيل الهدى

{ويحسبون} أي العاشون

{أنهم مهتدون} وانما جمع ضمير من وضمير الشيطان لأن من مبهم في جنس العاشى وقد فيض له شيطان مبهم في جنسه فجاز أ يرجع الضمير اليهما مجموعا

٣٨

{حتى إذا جاءنا} على الواحد عراقى غير أبى بكر أي العاشى جاآنا غيرهم اى العاشى وقرينه

{قال} لشيطانا

{يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين} يريد المشرق وامغرب فغلب كما قيل العمران والقمران والمراد بعد المشرق من المغرب والمغرب من المشرق

{فبئس القرين} انت

٣٩

{ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم} اذ صح ظلمكم أي كفركم وتبين لم يبق لكم ولا لاحد شبهة في أنكم كنتم ظالمين واذ بدل من اليوم

{أنكم في العذاب مشتركون} انكم في محل الرفع على الفاعلية أي ولن ينفعكم اشتراككم في العذاب أو كونكم مشتركين في العذاب كما كان عموم البلوى يطيب القلب في الدنيا كقول الخنساء

ولولا كثرة الباكين حولى على اخوانهم لقتلت نفسي

ولا يبكون مثل اخى ولكن اعزى النفس عنه بالتأسى

اما هؤلاء فلا يؤسيهم اشتراكهم ولا يروجهم لعظم ماهم فيه وقيل الفاعل مضمر اى ولن ينفعكم هذا التمنى أو الاعتذار لانكم في العذاب مشتركون لاشتراككم في سببه وهو الكفر ويؤيده قراءه من قرأ بالكسر

٤٠

{أفأنت تسمع الصم} اى من فقد سمع القبول

{أو تهدي العمي} اى من فقد البصر

{ومن كان في ضلال مبين} ومن كان في علم اللّه انه يموت على الضلال

٤١

{فأما} دخلت ما على أن توكيدا للشرط وكذا النون الثقيلة في

{نذهبن بك} أي نتوفينك قبل أن ننصرك عليهم ونشفى صدور المؤمنين منهم

{فإنا منهم منتقمون} أشد الانتقام في الآخرة

٤٢

{أو نرينك الذي وعدناهم} قبل أن نتوفينك يعنى يوم بدر

{فإنا عليهم مقتدرون} قادرون وصفهم بشدة الشكيمة في الكفر والضلال بقوله أفأنت تسمع الصم الآية ثم أوعدهم بعذاب الدنيا والآخرة بقوله فاما نذهبن بك الآيتين

٤٣

{فاستمسك} فتمسك

{بالذي أوحي إليك} وهو القرآن واعمل به

{إنك على صراط مستقيم} اى على الدين الذى لا عوج له

٤٤

{وإنه} وان الذى أوحى إليك

{لذكر لك} لشرف لك

{ولقومك} ولأمتك

{وسوف تسألون} عنه يوم القيامة وعن قيامكم بحقه وعن تعظيمكم له وعن شكركم هذه النعمة

٤٥

{واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون} ليس المراد بسوال الرسل حقيقة السؤال ولكنه مجاز عن النظر في أديانهم والفحص عن مللّهم هل جاءت عبادة الأوثان قط فى ملة من ملل الأنبياء وكفاه نظر أو فحصا نظره في كتاب اللّه المعجز المصدق لما بين يديه واخبار اللّه فيه بأنهم يعبدون من دون اللّه ما لم ينزل به سلطانا وهذه الآية في نفسها كافية لا حاجة الى غيرها وقيل انه عليه السلام جمع له الأنبياء ليلة الاسراء فأمهم وقيل له سلهم فلم يشكك ولم يسأل وقيل معناه سل أمم من ارسلنا وهم أهل الكتابين أي التوراة والانجيل وإنما يخبرونه عن كتب الرسل فإذا سألهم فكأنه سأل الأنبياء ومعنى هذا السؤال التقرير لعبدة الاوثان انهم على الباطل وسل بلا همزة مكى وعلى رسلنا أبو عمرو ثم سلى رسوله صلى اللّه عليه وسلم بقوله

٤٦

{ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه}

{فقال إني رسول رب العالمين} ما اجابوه به عند قوله إني رسول رب العالمين محذوف دل عليه قوله

٤٧

{فلما جاءهم بآياتنا} وهو مطالبتهم إياه باحضار البينة على دعواه وإبراز الآية

{إذا هم منها يضحكون} يسخرون منها ويهزءون بها ويسمونها سحرا وإذا للمفاجأة وهو جواب فلما لأن فعل المفأجاة معها مقدر وهو عامل النصب في محل إذا كأنه قيل فلما جاءهم بآياتنا فاجؤا وقت ضحكهم

٤٨

{وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها} قرينتها وصاحبتها التى كانت قبلها في نقض العادة وظاهر النظم يدل على أن اللاحقة أعظم من السابقة وليس كذلك بل المراد بهذا الكلام أنهن موصوفات بالكبر ولا يكدن يتفاوتن فيه وعليه كلام الناس يقال هما أخوان كل واحد منهما اكرم من الآخر

{وأخذناهم بالعذاب} وهو ما قال تعالى ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات وأرسلنا عليهم الطوفان الآية

{لعلهم يرجعون} عن الكفر الى الايمان

٤٩

{وقالوا يا أيها الساحر} كانوا يقولون للعالم الماهر ساحر لتعظيمهم على السحر يا ايه الساحر بضم الهاء بلا ألف شامى ووجهه أنها كانت مفتوحة لوقوعها قبل الألف فلما سقطت لالتقاء الساكنين اتبعت حركتها حركة ما قبلها

{ادع لنا ربك بما عهد عندك} بعهده عندكك من ان دعوتك مستجابة أو بعهدة عندك وهو النبوة أو بما عهد عندك من كشف العذاب عمن اهتدى

{إننا لمهتدون} مؤمنون به

٥٠

{فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون} ينقضون العهد بالايمان ولا يفون به

٥١

{ونادى فرعون} نادى بنفسه عظماء القبط أو أمر مناديا فنادى كقولك قطع الأمير اللص اذا أمر بقطعه

{في قومه} جعلهم محلا لندائه وموقعا له

{قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار} أي أنهار النيل ومعظمها أربعة

{تجري من تحتي} من تحت قصرى وقيل بين يدى في جنائي والواو عاطفة للانهار على ملك مصر وتجرى نصب على الحال منها أو الواو للحال واسم الاشارة مبتدأ والانهار صفة لاسم الاشارة وتجرى خبر للمبتدأ وعن الرشيد انه لما قرأها قال لاولينها اخس عبيدى فولاها الخصيب وكان خادمة على وضوئه وعن عبداللّه بن طاهر أنه وليها فخرج اليها فلما شارفها قال أهى القرية التي افتخر بها فرعون حتى قال اليس لى ملك مصر واللّه لهى أقل عندى من أن ادخلها فثنى عنانه

{أفلا تبصرون} فوتى وضعف موسى وغناى وفقره

٥٢

{أم أنا خير} ام منقطعة بمعنى بل والهمزة كانه قال أثبت عندكم واستقر انى انا خير وهذه حالى

{من هذا الذي هو مهين} ضعيف حقير

{ولا يكاد يبين} الكلام لما كان به من الرته

٥٣

{فلولا} فهلا

{ألقي عليه أسورة} حفص ويعقوب وسهل جمع سوار غيرهم أساورة جمع اسورة وأساوير جمع اسوار وهو السوار حذف الياء من اساوير وعوض منها التاء

{من ذهب} اراد بالفاء الأسورة عليه القاء مقاليد الملك اليه لأنهم كانوا اذا ارادوا تسويد الرجل سوروه بسوار وطوقو بطوق من ذهب

{أو جاء معه الملائكة مقترنين} يمشون معه يقترن بعضهم ببعض ليكونوا أعضاده وأنصاره وأعوانه

٥٤

{فاستخف قومه} استفزهم بالقول واستزلهم وعمل فيهم كلامه وقيل طلب منهم الخفة والطاعة وهي الاسراع

{فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين} خارجين عن دين اللّه

٥٥

{فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين} آسف منقول من اسف اسفا اذا اشتد غضبه ومعناه أنهم أفرطوا في المعاصى فاستوجبوا ان يعجل لهم عذابنا وانتقامنا وان لا نحلم عنهم

٥٦

{فجعلناهم سلفا} جمع سالف كخادم وخدم سلفا حمزة وعلى جمع سليف اى فريق قد سلف

{ومثلا} وحديثا عجيب الشأن سائرا مسير المثل يضرب بهم الامثال ويقال مثلكم مثل قوم فرعون

{للآخرين} لمن يجىء بعدهم ومعناه فجعلناهم قدوة للاخرين من الكفار يقتدون بهم في استحقاق مثل عقابهم ونزوله بهم لاتيانهم بمثل افعالهم ومثلا يحدثون به

٥٧

{ولما ضرب ابن مريم مثلا} لما قرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على قريش انكم وما تعبدون من دون اللّه حصب جهنم غضبوا فقال ابن الزبعرى يا محمد اخاصة لنا ولآلهتنا أم لجميع الامم فقال عليه السلام هو لكم ولالهتكم ولجميع الامم فقال الست تزعم ان عيسى بن مريم نبى وتثنى عليه وعلى امه خيرا وقد علمت ان النصارى يعبدونهما وعزيز يعبد والملائكة يعبدون فإن كان هؤلاء في النار فقد رضينا ان نكون نحن وآلهتنا معهم فرحوا وضحكوا وسكت النبي صلى اللّه عليه وسلم فأنزل اللّه تعالى ان الذين سبقت لهم منا الحسنى اولئك عنها مبعدون ونزلت هذه الآية والمعنى ولما ضرب ابن الزبعرى عيسى ابن مريم مثلا لآلهتهم وجادل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعبادة النصارى إياه

{إذا قومك} قريش

{منه} من هذا المثل

{يصدون} يرتفع لهم جلبة وضجيج فرحا وضحكا بما سمعوا منه اسكات النبى صلى اللّه عليه وسلم بجدله يصدون مدنى وشامى والأعشى وعلى من الصدود اى من اجل هذا المثل يصدون عن الحق ويعرضون عنه وقيل من الصديد وهو الحلية وانهما لغتان نحو يعكف ويعكف

٥٨

{وقالوا أآلهتنا خير أم هو} بعنون أن آلهتنا عندك ليست بخير من عيسى فاذا كان عيسى من حصب النار كان امر الهتنا هينا

{ما ضربوه} اى ماضربوا هذا المثل

{لك إلا جدلا} الا لأجل الجدل والغلبة في القول لا لطلب الميز بين الحق والباطل

{بل هم قوم خصمون} لدشداد الخصومة دأبهم اللجاج وذلك أن قوله تعالى انكم وما تعبدون لم يرد به إلا الأصنام لان ما لغير العقلاء الا أن ابن الزبعرى بخداعه ما رأى كلام اللّه محتملا لفظه وجه العموم مع علمه بأن المراد به اصنامهم لا غير وجد للحيلة مساغا فصرف اللفظ الى الشمول والاحاطة بكل معبود غير اللّه على طريق اللجاج والجدال وحب المغالبة والمكابرة وتوقح في ذلك فتوقر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى أجاب عنه ربه

٥٩

{إن هو} ما عيسى

{إلا عبد} كسائر العبيد

{أنعمنا عليه} بالنبوة

{وجعلناه مثلا لبني إسرائيل} وصيرناه عبرة عجيبة كالمثل السائر لبنى اسرائيل

٦٠

{ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض} اى بدلا منكم كذا قاله الزجاج وقال جامع العلوم لجعلنا بدنكم ومن بمعنى البدل

{يخلفون} يخلفونكم في الأرض أو يخلف الملائكة بعضهم بعضا وقيل لو نشاء لقدرتنا على عجائب الأمرو لجعلنا منكم لولدنا منكم يا رجال ملائكة يخلفونكم في الأرض كما يخلفكم اولادكم كما ولدنا عيسى من أنثى من غير فحل لتعرفوا تميزنا بالقدرة الباهرة ولتعلموا ان الملائكة اجسام لا تتولد الا من أجسام والقديم متعال عن ذلك

٦١

{وإنه لعلم للساعة} وان عيسى مما يعلم به مجىء الساعة وقرأ ابن عباس لعلم للساعة وهو العلامة أى وان نزوله علم للساعة

{فلا تمترن بها} فلا تشكن فيها من المرية وهو الشك

{واتبعون} وبالياء فيهما سهل ويعقوب أى واتبعوا هداى وشرعى أو رسو لى أو هو أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يقوله

{هذا صراط مستقيم} أى هذا الذى أدعوكم إليه

٦٢

{ولا يصدنكم الشيطان} عن الايمان بالساعة أو عن الاتباع

{إنه لكم عدو مبين} ظاهر العداوة اذ أخرج أباكم من الجنة نزع عنه لباس النور

٦٣

{ولما جاء عيسى بالبينات} بالمعجزات أو بآيات الانجيل والشرائع البينات الواضحات

{قال قد جئتكم بالحكمة} أي بالانجيل والشرائع

{ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه} وهو امر الدين لا امر الدنيا

{فاتقوا اللّه وأطيعون

٦٤

إن اللّه هو}

{ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم} هذا تمام كلام عيسى عليه السلام

٦٥

{فاختلف الأحزاب} الفرق المتحزبة بعد عيسى وهم اليعقوبية والنسطورية والملكانية والشمعونية

{من بينهم} من بين النصارى

{فويل للذين ظلموا} حيث قالوا في عيسى ما كفروا به

{من عذاب يوم أليم} وهو يوم القيامة

٦٦

{هل ينظرون إلا الساعة} الضمير لقوم عيسى أو للكفار

{أن تأتيهم} بدل من الساعة أى هل ينظرون الا اتيان الساعة

{بغتة وهم لا يشعرون} اى وهم غافلون لاشتغالهم بأمور دنياهم كقوله تأخذهم وهم يخصمون

٦٧

{الأخلاء} جمع خليل

{يومئذ} يوم القيامة

{بعضهم لبعض عدو إلا المتقين} اى المؤمنين انتصاب يؤمئذ يعدو أى تتقطع في ذلك اليوم كله خلة بين المتخالين في غير ذات اللّه وتنقلب عداوة ومقتا إلا خلة المتصادقين في اللّه فانها الخلة الباقية

٦٨

{يا عبادي} بالياء في الوصل والوقف مدنى وشامى وأبو عمرو وبفتح الياء أبو بكر الباقون بحذف اياء

{لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون} هو حكاية لما ينادى به المتقون المتحابون في اللّه يومئذ

٦٩

{الذين} منصوب المحل صفة لعبادى لأنه منادى مضاف

{آمنوا بآياتنا} صدقوا بآياتنا

{وكانوا مسلمين} للّه منقادين له

٧٠

{ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم} المؤمنات في الدنيا

{تحبرون} تسرون سرورا يظهر حبارة أي اثره على وجوهكم

٧١

{يطاف عليهم بصحاف} جمع صحفة

{من ذهب وأكواب} اى من ذهب ايضا والكوب الكوز لا عروة له

{وفيها} وفي الجنة

{ما تشتهيه الأنفس} مدنى وشامى وحفص بإثبات الهاء العائدة الى الموصول وحذفها غيرهم لطول الموصول بالفعل والفاعل والمفعول

{وتلذ الأعين} وهذا حصر لأنواع النعم لأنها اما مشتهيات في القلوب أو مستلذة في العيون

{وأنتم فيها خالدون

٧٢

وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون} تلك اشارة الى الجنة المذكورة وهى مبتدا والجنة خير والتى أورثتموها صفة الجنة أو الجنة صفة للمبتدأ الذى هو اسم الاشارة والتي أورثتموها خبر المبتدأ أو التي اورثتموها صفة المبتدأ وبما كنتم تعملون الخبر والباء تتعلق نقص اى حاصلة أو كائنة كما في الظروف التى تقع

٧٣

{لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون} اخبارا وفي الوحه الأول تتعلق بأورثتموها وشبهت في بقائها على أهلها بالميراث الباقى على الورثة

{لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون} من للتبعيض أى لا تأكلون الا بعضها وأعقابها باقية في شجرها فهى مزينة بالثمار ابدا وفي الحديث لاينزع رجل في الجنة من ثمرها الا نبت مكانها امثلاها

٧٤

{إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون} خبر بعد خبر

٧٥

{لا يفتر عنهم} خبر آخر أي لا يخفف ولا ينقص

{وهم فيه} في العذاب

{مبلسون} آيسون من الفرج متحيرون

٧٦

{وما ظلمناهم} بالعذاب

{ولكن كانوا هم الظالمين} هم فصل

٧٧

{ونادوا يا مالك} لما ايسوا من فتور العذاب نادوا يا مالك وهو خازن النار وقيل لابن عباس ان ابن مسعود قرأ يا مال فقال ما أشغل أهل النار عن الترخيم

{ليقض علينا ربك} ليمتنا من قضى عليه اذا اماته فوكزه موسى فقضى عليه والمعنى سل ربك أن يقضى علينا

{قال إنكم ماكثون} في العذاب لا تتخلصون عنه بموت ولا فتور

٧٨

{لقد جئناكم بالحق} كلام اللّه تعالى ويجب ان يكون في قال ضمير اللّه لما سألوا مالكا أن يسأل اللّه القضاء عليهم اجابهم اللّه بذلك وقيل هو متصل بكلام مالك والمراد بقوله جئناكم الملائكة اذ هم رسل اللّه وهو منهم

{ولكن أكثركم للحق كارهون} لا تقبلونه وتنفرون منه لأن ومع الباطل الدعة ممع الحق التعب

٧٩

{أم أبرموا أمرا} أم أحكم مشركوا مكة أمر امن كيدهم ومكرهم بمحمد صلى اللّه عليه وسلم

{فإنا مبرمون} كيدنا كما أبرموا كيدهم وكانوا يتنادون فيتاجون في أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في دار الندوة

٨٠

{أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم} حدث انفسهم

{ونجواهم} ما يتحدثون فيما بينهم ويخفونه عن غيرهم

{بلى} تسمعها ونطلع عليها

{ورسلنا} اى الحفظة

{لديهم يكتبون} عندهم يكتبون ذلك وعن يحيى ابن معاذ من ستر من الناس ذنوبه وابداها لمن لا تخفى عليه خافية فقد جعله اهون الناظرين إليه وهو من أمارات النفاق

٨١

{قل إن كان للرحمن ولد} وصح ذلك ببرهان

{فأنا أول العابدين} فأنا أول من يعظم ذلك الولد وأسبقكم الى طاعته والانقياد إليه كما يعظم لرجل ولد الملك لتعظيم أبيه وهذا كلام وارد على سبيل الفرض والمراد نفى الولد وذلك أنه علق العبادة بكينونة الولد وهى محال في

٨٢

{سبحان رب السماوات والأرض رب العرش عما يصفون} نفسها فكان المعلق بها محالا مثلها ونظيره قول سعيد بن جبير للحجاج حين قال له واللّه لأبدلنك بالدنيا نارا تلظى لو عرفت ان ذلك اليك ما عبدت الها غيرك وقيل ان كان للرحمن ولد في زعمكم فأنا أول العابدين اى الموحدين للّه المكذبين فولكم باضافة الولد اليه وقيل ان كان للرحمن ولد في زعمكم فأنا اول الآنفين من ان يكون له ولد من عبد يعبد إذا اشتد أنفه فهو عبد وعابد وقرىء العبدين وقيل هى ان النافية أى ما كان للرحمن ولد فأنا أول من قال وعبد ووحد وروى ان النضر قال الملائكة بنات اللّه فنزلت فقال النضر ألا ترون أنه صدقنى فقال له الوليد ما صدقك ولكن قال ما كان للرحمن ولد فأنا أول الموحدين من اهل مكة ان لا ولد له ولد حمزة وعلى ثم نزه ذاته عن اتخاذ الولد فقال

{سبحان رب السماوات والأرض رب العرش عما يصفون} أي هو رب السموات والارض والعرش فلا يكون جسما إذ لو كان جسما لم يقدر على خلقها واذا لم يكن جسما لا يكون له ولد لأن التولد من صفة الاجسام

٨٣

{فذرهم يخوضوا} في باطلهم

{ويلعبوا} في دنياهم

{حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون} أى القيامة وهذا دليل على ان ما يقولونه من باب الجهل والخوض واللعب

٨٤

{وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله} ضمن اسمه تعالى معنى وصف فلذلك علق به الظرف في قوله في السماء وفي الأرض كما نقول هو حاتم في طى وحاتم فى تغلب على تضمين معنى الجواد الذى شهر به كأنك قلت هو جواد فى طى جواد في تغلب وقرىء وهو الذى في السماء اللّه وفى الارض اللّه ومثله قوله وهو اللّه في السموات والارض فكانه ضمن معنى المعبود والراجع الى الموصول محذوف لطول الكلام كفولهم ما انا بالذى قائل لك شيئا والتقدير وهو الذى هو في السماء اله واله يرتفع على أنه خبر مبتدا مضمر ولا يرتفع اله بالابتداء وخبره في السماء لخلو الصلة حينئذ من عائد يعود إلى الموصول

{وهو الحكيم} في اقولاه وافعاله

{العليم} بما كان ويكون

٨٥

{وتبارك الذي له ملك السماوات والأرض وما بينهما وعنده علم الساعة} اى علم قيامها

{وإليه ترجعون} يرجعون مكى وحمزة على

٨٦

{ولا يملك} آلهتهم

{الذين يدعون} أى يدعونهم

{من دونه} من دون اللّه

{الشفاعة} كما زعمو أنهم شفعاؤهم عند اللّه

{إلا من شهد بالحق} اى ولكن من شهد بالحق بكلمة التوحيد

{وهم يعلمون} أن اللّه ربهم حقا وعتقدون ذلك هو الذى يملك الشفاعة وهو استثناء منقطع  أو متصل لأن في جملة الذين يدعون من دون اللّه الملائكة

٨٧

{ولئن سألتهم} اى المشركين

{من خلقهم ليقولن اللّه} لا الأصنام والملائكة

{فأنى يؤفكون} فكيف أو من اين يصرفون عن التوحيد مع هذا الإفرار

٨٨

{وقيله} بالجر عاصم وحمزه اى وعند علم الساعة وعلم قيله

{يا رب} والهاء يعود الى محمد صلى اللّه عليه وسلم لتقدم ذكره في قوله قل ان كان للرحمن ولد فأنا اول العابدين وبالنصب الباقون عطفا على محل الساعة اى يعلم الساعة ويعلم قيله اى قيل محمد يا رب والقيل والقول والقال والمقال واحد ويجوز ان يكون الجر والنصب على اضما حرف القسم وحذفه وجواب القسم

{إن هؤلاء قوم لا يؤمنون} كأنه قيل وأقسم بقيله يا رب ان هؤلاء لا يؤمنون وأقسام اللّه بقيله رفع منه وتعظيم لدعائه والتجائه اليه

٨٩

{فاصفح عنهم} فأعرض عن دعوتهم يائسا عن ايمانهم وودعهم وتاركهم

{وقل} لهم

{سلام} اى تسلم منكم ومتاركة

{فسوف يعلمون} وعيد من اللّه لهم و تسلية لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وبالتاء مدنى وشامى

﴿ ٠